دروس في مسائل علم الأصول - ج ٣

آية الله الميرزا جواد التبريزي

دروس في مسائل علم الأصول - ج ٣

المؤلف:

آية الله الميرزا جواد التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات دار الصديقة الشهيدة عليها السلام
المطبعة: نگين
الطبعة: ٢
ISBN: 978-964-94850-9-1
ISBN الدورة:
978-964-94850-1-0

الصفحات: ٤٤٥

.................................................................................................

______________________________________________________

القضاء في موارد تعلّق الأمر بالطبيعي المطلوب صرف وجوده سواء كان الأمر به أدائيا أو قضائيا وأنّه لا يكون بالمنهي عنه امتثال وطاعة إذا كان المنهي عنه بحيث لو كان أمر به كان أمره تكليفا انحلاليا استقلاليا. هذا بالإضافة إلى العبادة.

وأمّا بالإضافة إلى المعاملة بمعنى العقد والإيقاع فيكون التمامية فيها بحسب الأثر المترقّب منها ولو بنحو الإمضاء ، لا بمعنى انطباق العنوان الممضى على المأتي به وعدم انطباقه فإنّ الخطابات المتضمّنة لإمضاء المعاملات انحلالية فقوله سبحانه وتعالى (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ)(١) إمضاء لما ينطبق عليه عنوان البيع بما له الأثر عند العقلاء ، ولذا يستفاد بضميمة مقدّمات الاطلاق العموم وليس الأثر مجعولا على صرف وجود الطبيعي قبل حصوله ليكون الكلام في أنّ النهي عن فرد ملازما للضيق في الطبيعي المتعلّق به الإمضاء بحيث لا ينطبق على الفرد المنهي عنه ، بل الكلام في أنّ النهي عن إيجاده ينافي إمضائها بعد إنشائه أو لا منافاة بين مبغوضية الإيجاد وجعل الأثر له بعد وجوده ، وأمّا ترتّب الأثر الاعدادي فقد ذكر في بحث التعبّدي والتوصّلي أنّ صحّة العبادة وعدمها لا يدور مداره.

بقي في المقام أمر لا بأس بالتعرض له وهو أنّه قد ذكر المحقّق الاصفهاني قدس‌سره كون الصحة بمعنى تمامية المأتي به من حيث سقوط القضاء والإعادة من حكم العقل ليس بمعنى أنها مجعول عقلي يحصل بإنشائه وجعله بل كونه تماما ومسقطا للأمر بالإعادة والقضاء أمر واقعي انتزاعي حيث لا معنى للأمر الانتزاعي إلّا أنّه أمر لا مطابق له خارجا بل يكون له منشأ انتزاعي خارجي ولا منافاة بين كون مسقطيّة

__________________

(١) سورة البقرة : الآية ٢٧٥.

٨١

.................................................................................................

______________________________________________________

الفعل للأمر بالإعادة أو القضاء أمرا واقعيا انتزاعيا واستقلال العقل بسقوطهما حيث أنّ استقلاله ليس بمعنى ثبوت المبدا وكونه بإنشاء العقل وجعله حيث إنّ شأن العقل الإدراك لا الجعل والإنشاء ، فاستقلال إدراكه ـ لا ثبوت المسقطية ـ بإنشائه.

ثمّ أتبع ذلك بأنّ الأمر في استحقاق المثوبة من هذا القبيل ، فإنّ الاستحقاق للمثوبة وإن كان أمرا عقلائيا لأجل بناء العقلاء على مدح الفاعل فيكون أصل الاستحقاق مجعولا عقلائيا ، إلّا أنّ سببية المأتي به لهذا المجعول العقلائي مجعول تبعي تكويني قهري لا أنّه من اللوازم المجعولة ببناء العقلاء (١).

أقول : ما ذكره قدس‌سره من عدم كون سقوط الإعادة والقضاء والموجبية له مجعولا عقليا بل العقل يدرك مع الإتيان بالعمل بلا خلل ، عدم بقاء الأمر الأول وعدم الأمر بتداركه فهو صحيح ، إلّا أنّ ما ذكره قدس‌سره من أنّه ليس شأن العقل إلّا الإدراك فيمكن المناقشة فيه بأنّ ما ذكره من كون الاستحقاق من بناء العقلاء غير صحيح فإنّ المدح يكون من العقلاء واستحقاقه بحكم العقل.

وأمّا ما ذكر قدس‌سره من أنّ سببيّة المأتي للاستحقاق أمر تكويني فلم يظهر لي المعنى الصحيح منه ، فإنّ السببية بمعنى الموضوعية لا غير ، ولا معنى لكون الحكم للمأتي به أمرا عقليا أو عقلائيا ويكون موضوعيته له أثرا تكوينيا لأنّ السببية لحكم شرعي أو عقلي ينتزع من ثبوت الحكم لشيء قد جعله الحاكم موضوعا له. نعم ، منشأ الجعل قد يكون أمرا تكوينيا.

وبالجملة لو كان استحقاق المثوبة ببناء العقلاء لكان الإتيان بمتعلّق الأمر من

__________________

(١) نهاية الدراية ٢ / ٣٨٧.

٨٢

السابع : لا يخفى أنه لا أصل في المسألة يعوّل عليه ، لو شك في دلالة النهي على الفساد [١]. نعم ، كان الأصل في المسألة الفرعية الفساد ، لو لم يكن هناك إطلاق أو عموم يقتضي الصحة في المعاملة.

وأما العبادة فكذلك ، لعدم الأمر بها مع النهي عنها ، كما لا يخفى.

______________________________________________________

غير خلل موضوعا لحكمهم بالاستحقاق ، وعنوان الموضوعية المعبّر عنها بالسببية للحكم يتبع جعل الحكم ، ونظير ذلك الإمضاء المترتب على المعاملات من العقلاء والشرع ، فإنّ المعاملات لا تكون أسبابا لتلك الامضاءات بل تكون من قبيل الموضوع لها على ما يأتي في بيان الحكم الوضعي.

مقتضى الأصل في مسألة الاقتضاء

[١] وينبغي أن يراد بالأصل البناء العقلائي كالذي ثبت في بعض الأصول اللفظية ، حيث جرت سيرة العقلاء على اعتبار الظهور لا البناء على ثبوت الظهور أو البناء على عدمه ، هذا فيما إذا شكّ في دلالة النهي عن عبادة أو معاملة على الفساد بدلالة لفظية ، أمّا إذا شكّ في الملازمة بين حرمة شيء وفساده نظير الملازمة بين وجوب شيء ووجوب مقدّمته فلا أصل في المقام ، لكون الملازمة أو عدمها أمرا أزليا وليست مجعولا شرعيا ولا كون الفساد أثرا شرعيا لها.

نعم ، لا بأس بالرجوع إلى الأصل العملي بل يتعيّن الرجوع إليه في المسألة الفرعية إذا شكّ في الاقتضاء وعدمه.

ولو كان المنهي عنه معاملة وشكّ في فسادها للنهي التكليفي عنها فالأصل يعني الاستصحاب مقتضاه فسادها إذا لم يكن في البين عموم أو إطلاق يقتضي إمضائها ، مثلا إذا ورد النهي عن البيع وقت النداء وشكّ في صحته وفساده فيرجع

٨٣

.................................................................................................

______________________________________________________

في الحكم بصحته إلى إطلاق دليل الامضاء كقوله سبحانه وتعالى. (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ)(١) و (تِجارَةً عَنْ تَراضٍ)(٢) ونحوهما لأنّ المفروض عدم ثبوت المقيّد للإطلاق والعموم كما هو فرض عدم ثبوت اقتضاء النهي عن البيع وقت النداء فساده كما يرجع إلى الإطلاق المزبور عند احتمال قيد في صحة البيع ، وفساده بدونه ، لو كان منشأ هذا الاحتمال أمرا آخر غير النهي التكليفي عن البيع بذلك القيد.

وأمّا مع عدم العموم أو الإطلاق المثبت لإمضاء المعاملة وترتب الأثر عليها يجري الاستصحاب في ناحية عدم إمضائها وعدم ترتّب أثر عليها ولا يضرّ كون الشبهة حكمية لأنّ الموجب لعدم جريان الاستصحاب في الشبهة الحكمية تعارض الاستصحاب في عدم الجعل مع الاستصحاب في ناحية المجعول وفي مثل المقام لا تعارض بينهما لتوافقهما بل ذكرنا في بحث الاستصحاب أنّ مع الاستصحاب في ناحية عدم الجعل لا تصل النوبة إلى الاستصحاب في ناحية المجعول توافقا أو تخالفا ، وكذا يرجع إلى استصحاب عدم إمضائها إذا كانت الشبهة موضوعية إذا لم يوجد أصل حاكم على الاستصحاب لإثبات ما هو الموضوع لصحتها أو فسادها ، وإذا فرض النهي عن العبادة سواء كانت تلك العبادة مما لو كانت غير منهي عنها لكانت متعلّقا للأمر بها كما في النهي عن صوم يوم العيدين أو كانت مورد الترخيص في تطبيق الطبيعي المطلوب صرف وجوده عليها ، ففي الفرضين يحكم ببطلانها لأنّ الحكم بصحة شيء عبادة موقوف على الأمر بها أو الترخيص في التطبيق أو وجود

__________________

(١) سورة البقرة : الآية ٢٧٥.

(٢) سورة النساء : الآية ٢٩.

٨٤

.................................................................................................

______________________________________________________

ملاك فيه مع عدم وقوعه مبغوضا والمفروض انتفاء الأوّلين ووقوعه مبغوضا للنهي عنه مع عدم طريق لنا إلى إحراز الصلاح فيه بل النهي عنه طريق إلى إحراز الفساد أو الحزازة في نفس الفعل ولا يصلح الفعل للتقرّب مع أحدهما.

وبالجملة فرض الشك في صحّة العبادة مع تعلّق النهي التكليفي بنفس العمل حتّى لو كان النهي المتعلّق بنفس العمل كراهة غير ممكن ، والذي يمكن هو فرض الشك في الصغرى بأن يتعلّق النهي بعبادة ويشكّ في كون النهي عنه نهيا تكليفيا أو إرشاديا كما إذا تعلّق النهي بالصلاة في مواضع التهمة ودار أمر النهي بين كونه تكليفا متعلّقا بنفس الصلاة في تلك المواضع أو أنّه نهي إرشادي إلى أنّ الصلاة المأتي بها بنحو العبادة فيها أقلّ ثوابا بالإضافة إلى الصلاة في غيرها ، ولم نقل بظهورها في الإرشادي ، ففي الفرض لو لم يكن في البين إطلاق لفظي أو مقامي يثبت عدم تقيّد الصلاة ـ المأمور بها وجوبا كما في فريضة الوقت أو نافلة كما في غيرها ـ بعدم كونها في موضع التهمة ، يكون المورد من موارد تعلّق التكليف بالصلاة ودوران أمرها بين الأقل والأكثر والمطلق والمشروط ، والحكم فيه أصالة البراءة عن الاشتراط على ما هو المقرّر في بحثه ، هذا في موارد تعلّق الأمر بالطبيعي بمعنى طلب صرف وجوده.

وأمّا في موارد كون الأمر بالعبادة انحلاليا كما في الأمر بصيام الأيام وتعلّق النهي بصوم يوم وتردّد النهي بين كونه تكليفيا متعلّقا بذات الصوم أو كونه إرشادا إلى كون الصوم بنحو العبادة أقلّ ثوابا ، فيؤخذ بالإطلاق المثبت لمطلوبية صيام كلّ يوم إذا ثبت هذا الإطلاق ، ومع عدم ثبوته فمقتضى الأصل عدم مشروعية صوم ذلك اليوم بمعنى عدم الأمر به ولو استحبابا فيحكم بفساده ، هذا مع قطع النظر عمّا ذكرنا من ظهور النهي عن عبادة هو الإرشاد إلى عدم مشروعيتها لا حرمة نفس العمل

٨٥

الثامن : إن متعلق النهي إما أن يكون نفس العبادة ، أو جزأها ، أو شرطها الخارج عنها ، أو وصفها الملازم لها كالجهر والإخفات للقراءة ، أو وصفها الغير الملازم كالغصبية لأكوان الصلاة المنفكة عنها [١].

لا ريب في دخول القسم الأول في محل النزاع ، وكذا القسم الثاني بلحاظ أن جزء العبادة عبادة ، إلّا أن بطلان الجزء لا يوجب بطلانها ، إلّا مع الاقتصار عليه ، لا مع الإتيان بغيره مما لا نهي عنه ، إلّا أن يستلزم محذورا آخر.

______________________________________________________

تكليفا ، ولذا مع ثبوت الترخيص في الإتيان به بنحو العبادة يحمل النهي عنها على الإرشاد إلى كونها أقلّ ثوابا.

أقسام النهي عن العبادة

[١] تعرّض قدس‌سره في هذا الأمر لأقسام النهي عن العبادة ببيان المنهي عنه فيها ومن نفس العبادة أو جزئها أو شرطها أو وصفها الملازم لها أو وصفها غير الملازم لها وبيان مقتضى كلّ من أقسام النهي.

وليس المراد من تعلّق النهي بنفس العبادة تعلّقه بالعبادة الفعلية ، حيث إنّ العبادة الفعلية لا تقبل النهي عنها بل المراد أحد المعنيين المتقدّمين (١) ، والمراد بجزء العبادة أنّه لو لا النهي عنه لكان مقتضى خطاب الأمر بالطبيعي وقوعه جزءا من الطبيعي أو جزءا لمصداقه كالنهي عن قراءة سورة العزيمة في الصلاة فإنّه لو لم يكن النهي كان مقتضى الأمر بالصلاة بسورة كاملة بعد الحمد وقوعها جزءا من الصلاة المأتي بها ، وهذا بناء على كون النهي عن قراءتها تكليفا ، وأمّا إذا كان للإرشاد إلى

__________________

(١) أي المذكورين في كلام الماتن قدس‌سره من كون العمل بنفسه موجبا للتقرب ، وكونه مما لا يسقط أمره الّا إذا أتى به بقصد التقرب.

٨٦

.................................................................................................

______________________________________________________

عدم صلوحها جزءا فعدم صلوحها للجزئية مدلول النهي لا لاقتضاء التحريم.

والفرق بين الجزء والشرط بعد كون الشرط كالجزء في دخالته في تمام العبادة المأمور بها انّ ما يطلق عليه الجزء بنفسه داخل في العبادة التي تعلّق بها الأمر بخلاف الشرط فإنّ الداخل في متعلّق الأمر ليس ما يطلق عليه الشرط ، إذ ما يطلق عليه الشرط نفسه خارج عن متعلّق ذلك الأمر بل التقيّد به داخل في متعلّق الأمر ، ولذا لا يعتبر في العبادة كون شرطها بقصد التقرّب ، بخلاف الإتيان بجزئها.

نعم ، لو كان الشرط بنفسه عبادة وقد أخذ التقيّد به في متعلّق الأمر بالعبادة كالوضوء بالإضافة إلى الصلاة اعتبر التقرّب في الإتيان بالشرط كالاعتبار في الإتيان بالمشروط ، وفي كون النهي عن شرط لم يكن عبادة في نفسه ، موجبا لسقوطه عن الصلاحية للشرطية ، كلام يأتي إنشاء الله تعالى.

والمراد من الوصف اللازم ما لا ينفك المأتي به عنه ويتّصف به مع قطع النظر عن الأمور الخارجية عنه كما في وصفي الجهر والإخفات بالإضافة إلى القراءة ، بخلاف الوصف المفارق فإنّ المأتي به يعني العبادة تتصف به بلحاظ أمر خارج عنها كالمغصوبية بالإضافة إلى أكوان الصلاة وسجودها وركوعها فإنّها تتصف بها باعتبار عدم طيب نفس مالك المكان الذي يصلي فيه أو عليه.

حكم حرمة العبادة وجزئها

ثمّ ذكر الماتن قدس‌سره أنّه لا ينبغي الريب في أنّ القسم الأوّل يعني ما تعلّق النهي التحريمي بنفس العبادة بالمعنى المتقدّم داخل في بحث اقتضاء النهي عن شيء لفساده ، وكذا القسم الثاني ، غاية الأمر بطلان الجزء كما هو مقتضى النهي عنه على

٨٧

وأما القسم الثالث ، فلا يكون حرمة الشرط والنهي عنه موجبا لفساد العبادة ، إلّا فيما كان عبادة [١] ، كي تكون حرمته موجبة لفساده المستلزم لفساد المشروط به.

وبالجملة لا يكاد يكون النهي عن الشرط موجبا لفساد العبادة المشروطة به ، لو لم يكن موجبا لفساده ، كما إذا كانت عبادة.

______________________________________________________

القول بالاقتضاء ، ولا يوجب بطلان العمل إذا تداركه وأتى بغير المنهي عنه.

نعم ، إذا استلزم الإتيان بغير المنهي عنه محذورا آخر كالزيادة في الصلاة بطل المأتي به رأسا ، حيث إنّ الزيادة في الصلاة كنقصها موجبة لبطلانها.

حكم حرمة شرط العبادة

[١] ذكر قدس‌سره إذا كان المنهي عنه شرط العبادة وكان الشرط بنفسه عبادة كما في اشتراط الصلاة بالطهارات الثلاث يكون النهي عن نفس الشرط مقتضيا لفساده فتفسد العبادة المشروطة به لا محالة ، وأمّا إذا كان الشرط توصّليا فالنهي عنه لا يوجب فساد الشرط وعدم حصوله لتكون العبادة المشروطة به بفقد شرطه باطلة ، كما إذا كان ساتر المصلي غصبا فالنهي عن الستر المزبور لا يقتضي كون صلاته بلا ساتر لتكون باطلة.

وذكر المحقّق النائيني قدس‌سره في وجه عدم بطلان العبادة بالنهي عن شرطها أنّ ما هو المحرّم هو المعنى المصدري وما هو دخيل في العبادة معناه الاسم المصدري ، مثلا ما هو المحرّم لبس الساتر المغصوب وهذا غير مأخوذ في الصلاة وما هو مأخوذ فيها معناه الاسم المصدري فلا يكون المحرّم بنفسه قيدا للصلاة ليوجب حرمته نقصا في الصلاة ، وكذا الحال في جميع الشروط حتّى في مثل الطهارات الثلاث ، فإنّ ما هو عبادة في نفسه ويكون في بعض الفروض محرّما كالوضوء بالماء المغصوب معناه المصدري وما هو مأخوذ في الصلاة ليس نفس الوضوء أو الغسل أو التيمّم ، بل

٨٨

.................................................................................................

______________________________________________________

المأخوذ فيها معناه الاسم المصدري الذي لا يكون عبادة يعني الطهارة الحاصلة بها ، ولذا يحكم بصحة الصلاة إذا صلّى المكلّف غفلة عن حاله وانكشف بعد الصلاة طهارته ، ولو كان المأخوذ في الصلاة نفس الوضوء عبادة ، لزم قصده عند الإتيان بالصلاة.

نعم لا يحصل الشرط للصلاة يعني الطهارة إلّا بالوضوء والغسل والتيمّم بنحو العبادة ، وإذا كان المعنى المصدري منهيا عنه لا تصحّ ولا يحصل به الطهارة ولكن هذا غير كون الشرط بالمعنى الاسم المصدري في نفسه عبادة (١).

أقول : ليس بين المعنى المصدري والإسم المصدري اثنينية بحسب الوجود الخارجي ليقال إنّ ما هو شرط للعبادة المعنى الاسم المصدري دون الآخر ، بل الفرق بينهما بالاعتبار.

نعم ، ربّما يكون للفعل أثر خارجي أو اعتباري بحيث يكون المأخوذ شرطا في العبادة ذلك الأثر دون الفعل الذي من قبيل السبب كما في تقيد الصلاة بطهارة الثوب والبدن ، حيث تقدّم أنّ المأخوذ في الصلاة طهارتهما دون غسلهما بعد تنجّسهما ، بل الغسل محصّل للطهارة حتّى ما إذا كان الغسل محرّما كما هو مقتضى الأوامر الإرشادية بغسل الثوب والبدن من إصابة النجاسات لأنّ الإرشاد بطهارتهما بالغسل لا ينافي تحريم الغسل كما إذا كان بالماء المغصوب أو في مكان مغصوب ، وفي مثل ذلك لا ينافي حرمة الفعل حصول الأثر الذي هو شرط العبادة المأمور بها ، ولكن ذكرنا في بحث الوضوء أنّ الطهارة من الحدث ليس بأثر للوضوء بل الوضوء بنفسه طهارة.

__________________

(١) أجود التقريرات ١ / ٣٩٩.

٨٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا إذا كان الفعل بنفسه شرطا للعبادة كما في تقيّد الصلاة بالستر ، فالحكم بصحّة الصلاة مع حرمته غير ممكن ، وذلك فإنّ الترخيص في تطبيق الصلاة المقيّدة بالستر على الصلاة مع الستر المحرّم يلزمه الترخيص في الستر الحرام والترخيص لا يجتمع مع حرمته ومع عدم إمكان الترخيص في التطبيق لا إطلاق في الطبيعي المقيّد بالستر ليحرز الملاك في الصلاة بالستر الحرام ، وما هو الممكن من الترخيص فيه بنحو الترتّب هو الترخيص في تطبيق طبيعي الصلاة وهو غير مأمور به ، فإنّ المأمور به هي الطبيعة المقيّدة بالستر وبين الأمرين بون بعيد لا يشتبه عليك أحدهما بالآخر.

لا يقال : الأمر بالصلاة المتقيّدة بالستر والترخيص في تطبيقها لا يقتضي الأمر بالقيد أو الترخيص فيه كما يشهد بذلك موارد كون القيد غير اختياري للمكلف كاشتراط الصلاة بوقوعها في الوقت ، وكما أنّ الأمر بالصلاة المتقيّدة بالوقت على فرض دخول الوقت ، كذلك يمكن الأمر أو الترخيص في تطبيق الصلاة المتقيّدة بالستر على تقدير حصول الستر الحرام بنحو الترتّب وهذا الأمر أو الترخيص في التطبيق لا ينافي تحريم ذلك التقدير.

فإنّه يقال : بما أنّ دخول الوقت وبقائه خارج عن اختيار المكلّف فالأمر بالصلاة المتقيّدة بالوقت لا يقتضي إيجاد الوقت أو إبقائه بخلاف الصلاة المتقيّدة بالستر حيث إنّ الستر بقائه كحدوثه تحت اختيار المكلّف فالأمر بالصلاة المتقيّدة بالستر يقتضي إيجاد الصلاة المتقيّدة بإيجاد القيد ، حيث يكون تقيّد الصلاة بالستر بإيجاد القيد بخلاف تقيّد الصلاة بالوقت فإنّ تقيّدها بالوقت يكون بالإتيان بالصلاة قبل خروج الوقت كما لا يخفى ، هذا كلّه فيما كان الشرط توصّليا.

٩٠

وأما القسم الرابع ، فالنهي عن الوصف اللازم مساوق للنهي عن موصوفه ، فيكون النهي عن الجهر في القراءة مثلا مساوقا للنهي عنها [١] ، لاستحالة كون القراءة التي يجهر بها مأمورا بها ، مع كون الجهر بها منهيا عنه فعلا ، كما لا يخفى.

وهذا بخلاف ما إذا كان مفارقا ، كما في القسم الخامس ، فإن النهي عنه لا يسري إلى الموصوف ، إلّا فيما إذا اتحد معه وجودا ، بناء على امتناع الاجتماع ، وأما بناء على الجواز فلا يسري إليه ، كما عرفت في المسألة السابقة ، هذا حال النهي المتعلق بالجزء أو الشرط أو الوصف.

______________________________________________________

وأمّا إذا كان ما يطلق عليه الشرط عملا عباديا كالوضوء والغسل والتيمّم فاقتضاء النهي عنه فساده ثمّ فساد المشروط لعدم حصول شرطه لا يحتاج إلى مزيد بيان.

حكم حرمة الوصف الملازم للعبادة

[١] إذا كان المنهي عنه الوصف اللازم للشيء فالنهي عن إيجاده يقتضي المنع عن إيجاد موصوفه ولو كان هذا الاقتضاء عقليا ، ومعه لا يمكن الأمر بالموصوف أو الترخيص في التطبيق ، ولكن ظاهر عبارة الماتن قدس‌سره هو أنّ النهي عن الوصف عين النهي عن موصوفه ، وما ذكرنا ، هو أنّ مع النهي عن إيجاد الوصف لا يمكن الأمر والترخيص في إيجاد الموصوف.

وإذا تعلّق النهي بعنوان تتّصف به العبادة نفسها أو جزئها أو شرطها فإن كان الاتصاف بمعنى التركيب الاتحادي بين العنوانين فقد تقدّم في بحث جواز اجتماع الأمر والنهي أنّ مع التركيب الاتحادي وتقديم جانب النهي لا يمكن تعلّق الأمر أو الترخيص في التطبيق في المجمع ، فيترتّب عليه أنّ النهي يتعلّق بنفس العبادة أو جزئها أو شرطها. وأمّا في موارد التركيب الانضمامي فلا يسري النهي عن متعلّقه

٩١

وأما النهي عن العبادة لأجل أحد هذه الأمور ، فحاله حال النهي عن أحدها [١] إن كان من قبيل الوصف بحال المتعلق. وبعبارة أخرى : كان النهي عنها بالعرض ، وإن كان النهي عنها على نحو الحقيقة ، والوصف بحاله ، وإن كان بواسطة أحدها ، إلّا أنه من قبيل الواسطة في الثبوت لا العروض ، كان حاله حال النهي في القسم الأول ، فلا تغفل.

______________________________________________________

خارجا إلى غيره ، فلا ينافي النهي مع صحّة العبادة لإمكان الترخيص في التطبيق ولو بنحو الترتب على عصيان النهي.

[١] قد يقال : لا يمكن النهي عن عبادة أصلا لتعلّق الأمر بالعبادات في خطاب الشرع وكلّما ورد النهي عنه ولو كان مولويا فليس عبادة بل المنهي عنه خصوصية العبادة ، والخصوصية من قبيل الجزء أو الشرط أو الوصف ، فنهي الحائض عن الصلاة نهي عن إيقاعها أيام حيضها ، والنهي عن صوم يوم العيدين نهي عن إيقاعه في ذلك الزمان ، والمنهي عنه في صوم الوصال يتعلّق بالاتصال بين الإمساكين أي الامساك في الليل إلى غير ذلك.

ولكن لا يخفى أنّه لا مورد لهذا الكلام فيما كانت الخصوصية متّحدة في الخارج مع الطبيعي ، فإنّ المنهي عنه حينئذ يكون الحصّة كنهي الحائض عن الصلاة أيام حيضها ، فإنّ الصلاة في كلّ وقت لها طلب مستقل كان بنحو الوجوب أو الاستحباب ، وكذلك الحال في صوم يوم العيدين ، وإذا كانت للخصوصية حصول آخر غير حصول الطبيعي تكون تلك الخصوصية تارة من قبيل الواسطة في الثبوت للنهي عن نفس العبادة كما في النهي عن صوم الوصال حيث إنّ الإمساك عن المفطرات في الليل يوجب تعلّق النهي بالصوم في النهار ، وأخرى تكون من قبيل الواسطة في العروض ويكون المنهي عنه في الحقيقة تلك الخصوصية وتلك

٩٢

.................................................................................................

______________________________________________________

الخصوصية إمّا أن تكون من قبيل الجزء أو الشرط أو الوصف.

فإذا كانت من قبيل الجزء فقد تقدّم أنّ فساده لا يوجب فساد أصل العبادة حيث أمكن إتمامها بالإتيان بغير المنهي عنه إلّا إذا كان الإتيان بالمنهي عنه موجبا للخلل في العبادة من جهة أخرى كالزيادة في الصلاة والقران بين السورتين كما إذا شرع المكلّف بعد الحمد بقراءة سورة رياء فإنّ الإتيان بعدها بسورة أخرى من غير رياء لا يصحّح الصلاة ، كما أنّه إذا تعمّد بعد قراءة الحمد بقراءة سورة العزيمة وبعدها قرأ سورة أخرى فتبطل صلاته للقرآن بين السورتين.

وذكر المحقق النائيني قدس‌سره أنّ العبادة مع الجزء المنهي عنه محكوم عليها بالفساد ، سواء اقتصر المكلّف بالجزء المنهي عنه أم أتى بعد ذلك بغيره ، وهذا فيما اعتبر في ناحية جزئها الوحدة ظاهر فإنّ مع الاقتصار على الجزء المنهي عنه لا يصلح للجزئية فتبطل العبادة لفقد الجزء ، وكذلك مع الإتيان بغيره لأنّ الجزء بعد الحمد هي سورة بشرط لا ولو قلنا بجواز القران بين السورتين فالصلاة كذلك مع الإتيان بغير سورة العزيمة أيضا محكومة بالفساد ؛ لأنّ تجويز القران بينهما لا يعمّ السورة المنهي عنها فلا يجوز القران بين السورتين بقراءة العزيمة ، هذا مع أنّ تحريم جزء مقتضاه أخذ العبادة بالإضافة إلى المنهي عنه بشرط لا ، سواء أتى بالمنهي عنه في موضع الجزء كقراءة العزيمة بعد الحمد أو في غيره كقراءتها بين السجدتين أو بعدهما.

وبالجملة يترتّب على النهي عن جزء العبادة أمور ثلاثة :

الأوّل : كون العبادة بالإضافة إلى المنهي عنه بشرط لا ، فيكون مانعا عن العبادة.

الثاني : كون الإتيان به زيادة في الفريضة سواء أتى بقصد الجزئية أم بغير قصدها ، حيث لا يعتبر في صدق الزيادة في الفريضة الإتيان بقصد الجزئية إذا كان

٩٣

.................................................................................................

______________________________________________________

المنهي عنه من جنس أجزاء العمل وإنّما يعتبر ذلك فيما كان المنهي عنه من غير جنس أجزاء العمل.

والثالث : خروج المنهي عنه بالنهي ، عن الذكر غير المبطل للصلاة ودخوله في التكلّم العمدي الموجب لبطلانها.

نعم ، توهّم دخوله بالنهي عنه في كلام الآدمي فاسد ، أمّا إذا لم يكن الجزء مقيّدا بالوحدة ، تبطل العبادة للأمور الثلاثة ولا يجري فيه المحذور الأوّل وهو نقص الجزء (١).

أقول : تحريم الجزء بالمعنى المتقدّم لا يستلزم كون المنهي عنه مانعا عن العبادة بحيث تبطل العبادة بالإتيان به إن تدارك الجزء بغير المنهي عنه.

نعم ، النهي عن شيء عند الإتيان بالعبادة ظاهره الإرشاد إلى مانعيّته عنها ، كما أنّ النهي عن جزء ظاهره الإرشاد إلى عدم صلوحه للجزئية ، وهذا غير مورد الكلام في المقام ، فإنّ مفروض الكلام في النهي التحريمي وإذا كان المنهي عنه هو الجزء بالمعنى المتقدّم فلا يكون الإتيان به بلا قصد الجزئية موجبا لصدق الزيادة بل يتوقّف صدقها على قصدها.

نعم ، ورد النهي عن قراءة سورة العزائم لأنّ السجود الذي تستلزمه ، زيادة في الفريضة ، ويستظهر منه أنّ الإتيان بسجود التلاوة في الصلاة ولو بغير قصد الجزئية زيادة في الصلاة فيلحق به الإتيان بالركوع بغير قصد الجزئية ، فإنّه أيضا يكون زيادة فيها ولو من غير قصد الجزئية مع أنّ مبطلية الزيادة تختصّ بالصلاة ونحوها ولا تجري

__________________

(١) أجود التقريرات ١ / ٣٩٧.

٩٤

.................................................................................................

______________________________________________________

في مطلق العبادة إلّا أن تكون الإتيان بالزيادة موجبا لقصد التشريع وفقد قصد القربة في نفس العبادة.

كما أنّ ما ذكره من أنّ النهي عن قراءة العزيمة يوجب خروجها عن الذكر والدعاء ودخولها في التكلّم العمدي يختصّ بما إذا كان التكلّم في العبادة مبطلا لها كما في الصلاة ولا يجري في غيرها مع أنّ النهي لا يوجب خروج المنهي عنه عن عنوان قراءة القرآن والذكر والدعاء ودخوله في التكلّم العمدي الموجب لبطلان الصلاة.

قال السيد قدس‌سره في العروة في مبطلات الصلاة : وأمّا الدعاء بالمحرّم كالدعاء على مؤمن ظلما فلا يجوز ، بل هو مبطل للصلاة (١) ، ولكن ما ذكره قدس‌سره لا يخلو عن تأمّل ، والوجه في ذلك أنّ التكلّم تعمّدا منصرف عن القرآن والذكر والدعاء حتى مع النهي عنها فلا موجب لبطلان الصلاة مع عدم قصد الجزئية وتمام الكلام موكول إلى بحث مبطلات الصلاة.

وقد تحصّل من جميع ما ذكرنا أنّ تعلّق الحرمة بالجزء بالمعنى المتقدّم لا توجب إلّا بطلان نفس الجزء ، وأمّا بطلان العبادة فلا ، إلّا إذا كان الإتيان بالمحرّم موجبا لجهة أخرى مانعة عن صحتها كالزيادة في الصلاة أو حصول القران بين السورتين أو قصد التشريع في نفس العمل.

وأمّا إذا كان المنهي عنه شرط العمل فقد تقدّم الكلام فيه ، والنهي عن أصل العبادة فيما إذا كان النهي عنها بالعرض حكمه حكم النهي عن الشرط في بطلان العمل معه.

__________________

(١) العروة الوثقى : ج ١ ، مسألة ٩ من مبطلات الصلاة.

٩٥

المانعية عن العبادة وأقسامها

ولكن يبقى الكلام في مانعية شيء عن العبادة ، وقد ذكر المحقّق النائيني قدس‌سره أنّه يذكر للمانع أقسام ثلاثة :

الأوّل : ما إذا كانت مانعية شيء عن العبادة مستفادة من النهي الغيري عن ذلك الشيء ، كما إذا ورد : لا تلبس مما لا يؤكل لحمه شيئا في صلاتك ، نظير استفادة شرطية شيء من الأمر الغيري به مثل قوله سبحانه وتعالى. (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ)(١).

الثاني : أن يستفاد المانعية من تحريم العبادة مع شيء كالنهي عن الصلاة في الذهب والحرير بناء على كون النهي المفروض تكليفا نفسيا.

الثالث : ما إذا كانت المانعية ناشئة من تزاحم التكليفين وعدم تمكّن المكلّف على الجمع بينهما في الامتثال ، كتقيّد الصلاة بغير الفرد المزاحم لإزالة النجاسة عن المسجد بناء على أنّ الصلاة في الفرض لا أمر بها أول الوقت أو لا ترخيص في التطبيق على الفرد المزاحم فيكون تنجّز التكليف بالأهمّ يعني الإزالة موجبا لتقيّد الصلاة بغير الفرد المزاحم للإزالة. ثمّ إنّ إطلاق النهي الغيري في القسم الأول يقتضي ثبوت المانعية المطلقة ، أي السارية في جميع الحالات الطارئة للمكلّف من جهل أو اضطرار أو إكراه أو غير ذلك ، فيوجب إطلاقه ـ مع ملاحظة أدلّة رفع الاضطرار والإكراه أو الضرر ـ ارتفاع التكليف بالصلاة المقيّدة بعدم ذلك المنهي عنه إذ جعل

__________________

(١) سورة المائدة : الآية ٦.

٩٦

.................................................................................................

______________________________________________________

المانعية ـ كما هو مفاد النهي الغيري ـ يكون بالأمر النفسي بالعبادة المقيّدة بعدم المنهي عنه فلا يثبت الأمر بالخالي عنه ، حيث إنّ أدلّة نفي الحرج والضرر والاضطرار نافية لا مثبتة ، ولذا يحتاج في موارد ثبوت الأمر مع المانع إلى قيام دليل خاص كما في الصلاة ، ويجري ذلك في موارد عدم التمكّن من الجزء أو رعاية الشرط للجهل أو النسيان أو غير ذلك.

وهذا بخلاف القسم الثالث فإنّه بارتفاع الأمر بالأهمّ سواء كان ارتفاعه واقعيا كالاضطرار أو الإكراه على تركه أو ظاهريا كما في صورة الجهل بالأمر بالأهمّ يثبت الأمر بالمهمّ أو إطلاقه بحيث يعمّ الفرد الذي كان مع الأمر بالأهم ، خارجا عن الإطلاق أو لم يكن أمر به أصلا ، والوجه في ثبوت الأمر بالمهم أو ثبوت الترخيص في التطبيق أنّ الأمر بالأهمّ كان يزاحم الأمر بالمهم أو إطلاقه في مرحلة الامتثال لا في مقام الجعل والتشريع فمع عدم الأمر بالأهم أو مع عدم تنجّزه فلا تزاحم.

وأمّا القسم الثاني فهو متوسّط بين القسمين حيث إنّ الحرمة الواقعية وإن لم تكن متنجّزة ، للجهل ، إلّا أنّها تثبت المانعية الواقعية فلا تصحّ العبادة مع المانع الواقعي. وأمّا في موارد سقوط الحرمة سقوطا واقعيا كالاضطرار إلى لبس الحرير والصلاة فيه فقد يقال بما أنّ الحرمة الواقعية مرتفعة يترتّب على ارتفاعها ارتفاع المانعية عن لبسه في الصلاة ، ويترتب على ما ذكر أنّه لو قيل بالاحتياط في الشبهة الموضوعية للمانع في القسم الأول ، كما إذا شك في ثوب أو ما يستصحبه المصلي أنّه مما لا يؤكل لحمه فلا يجب هذا الاحتياط في القسم الثاني من موارد الشك في المانعية ، كما إذا شك في أنّ ثوبه حرير أم لا حيث إنّ أصالة البراءة الجارية عن لبسه حاكمة على قاعدة الاشتغال في المانعية.

٩٧

.................................................................................................

______________________________________________________

ثمّ أورد قدس‌سره على ما ذكر في القسم الثاني من المانعية بأنّه لم يظهر وجه لترتّب المانعية فيه على الحرمة بحيث ترتفع المانعية واقعا بسقوط الحرمة للاضطرار أو الإكراه على لبس الحرير مثلا أو ترتفع المانعية ظاهرا بارتفاع الحرمة بجريان أصالة البراءة عن حرمة لبس اللباس المشكوك في كونه حريرا أم لا ، بل الصحيح عدم ترتّب المانعية على ثبوت الحرمة ، وذلك فإنّ حرمة حصّة من العبادة ـ كالصلاة في ثوب حرير ـ وإن كانت لا تجتمع مع إطلاق متعلّق الأمر بطبيعي تلك العبادة للمضادة بينهما ، إلّا أنّه قد تقدّم في بحث الضدّين أنّ ثبوت أحدهما لا يكون علّة لارتفاع الآخر ، فلا يكون ثبوت الحرمة لحصّة من العبادة علّة لارتفاع الاطلاق عن متعلّق الأمر وتقيّده بغير تلك الحصة ليلزم من ارتفاع الحرمة عن تلك الحصة انتفاء التقيّد وثبوت الاطلاق في ناحية الطبيعي المتعلّق به الأمر ، فلا مجال لتوهّم ثبوت الإطلاق وارتفاع التقيّد بمجرّد ارتفاع الحرمة عن تلك الحصّة.

أضف إلى ذلك أنّ ارتفاع الحرمة للاضطرار أو غيره لا يوجب ارتفاع ملاكها وارتفاع الحرمة لا يكشف عن ارتفاع الملاك ومع وجود ملاك الحرمة الغالب على ملاك الأمر لا يصحّ المأتي به لأن يكون عبادة قابلة للتقرّب بها ، اللهمّ إلّا أن يقال عدم ارتفاع ملاك الحرمة يختصّ بموارد ارتفاع الحرمة لعجز المكلف وعدم تمكّنه من الترك لا ارتفاعه بالاضطرار والحرج ونحوهما مما يكون الرفع فيه شرعيا ، حيث إنّ رفع الشارع الحرمة مع تمكّن المكلّف من رعايتها يكشف عن ثبوت الملاك في غير موارد رفعه ، فلا كاشف للملاك في موارد رفع الحرمة ليزاحم ملاك الأمر.

والمتحصل لا ترتّب بين ثبوت الإطلاق في ناحية الطبيعي المتعلّق به الأمر وبين ارتفاع الحرمة عن الحصة المنهي عنها ، بل لو فرض الترتب بينهما فلا يكون هذا

٩٨

.................................................................................................

______________________________________________________

النحو من الترتب شرعيا لتكون أصالة البراءة الجارية في ناحية الحصّة حاكمة على أصالة الاشتغال في مورد احتمال المانعية ، حيث إنّ حكومة أصل على أصل آخر ينحصر بما إذا كان الترتّب بينهما شرعيا كما في حكومة أصالة الطهارة الجارية في ناحية الماء المغسول به الثوب المتنجس على استصحاب نجاسة الثوب والترتّب في المقام على تقديره عقلي ومن باب انّ انتفاء أحد الضدّين يلازم ثبوت الضدّ الآخر (١).

أقول : لم يظهر وجه مانعية شيء للعبادة لأجل التزاحم بين التكليفين ، فإنّ التزاحم بينهما في مورد يوجب عدم الأمر بالمهمّ مطلقا أو في عرض الأمر بالأهم وعند سقوط الأمر بالأهم واقعا ـ كالاضطرار أو الإكراه على تركه أو نسيانه ـ لا أمر بالأهم لتقع المزاحمة بين الأمر به والأمر بالمهم ، ومع ثبوته واقعا ـ ولو كان المكلّف معذورا في تركه كما في مورد الجهل بمعنى الشك ـ يثبت الأمر بالمهم أيضا بنحو الترتب كما ثبت بنحو الترتّب في صورة تنجّز التكليف بالأهمّ ، ولو قيل بعدم إمكان الأمر بالمهم أصلا مع تنجّز التكليف بالأهم وأنّ المهم محكوم بالفساد لعدم الأمر به ولو بنحو الترتب ولا سبيل لإحراز الملاك فيه ، لكان الحال مع عدم تنجّزه أيضا كذلك ، لأنّ الأمر بالأهم واقعا مع الأمر بالمهم في عرض واحد ، من التكليف بما لا يطاق ومن طلب الجمع بين الضدّين ، ولزوم الإتيان بالمهمّ مع نفي وجوب الأهمّ بالأصل للتمسّك بإطلاق وجوب المهم والأمر به بعد عدم ثبوت المقيّد لوجوبه في المورد ولو بالأصل إنّما هو فيما كان الأمر بالأهم والمهم من قبيل المضيّقين ، وأمّا إذا كان الأمر بأحدهما مضيّقا والآخر موسّعا فقد تقدّم أنّه لا يتصوّر التزاحم بين الأمر

__________________

(١) أجود التقريرات ١ / ٤٠٠.

٩٩

.................................................................................................

______________________________________________________

بالمضيّق والأمر بالموسّع كالأمر بإزالة النجاسة عن المسجد والأمر بالصلاة في أوّل الوقت وأنّ الصلاة في أوّل الوقت محكومة بالصحة لإمكان الترخيص في تطبيق طبيعي المأمور به عليها ولو بنحو الترتّب ، ولو قيل بعدم إمكان الترخيص في التطبيق في مورد تزاحم الفرد ولو بنحو الترتب يكون الإتيان بالفرد من الطبيعي في أول الوقت مع احتمال نجاسة المسجد محكوما بالصحّة تمسكا بإطلاق الطبيعي المتعلّق به الأمر ، حيث لم يثبت في الفرض المقيّد (بالكسر) لإطلاقه أو ثبت عدم المقيّد له ولو بالأصل الجاري في ناحية عدم وجوب الإزالة.

وأمّا ما ذكر في القسم الثاني ، ففيه أنّه لا فرق في المتفاهم العرفي بين النهي عن شيء في العبادة سواء كان كقوله «إذا قمت إلى الصلاة فلا يكن معك ما لا يؤكل لحمه» أو كقوله «لا تصلّ فيما لا يؤكل لحمه» أو «لا تصلّ في الذهب والحرير» في أنّه لا يستفاد منها إلّا المانعية لا تحريم العبادة ، يعني الحصة.

نعم ، حرمة لبس الحرير والذهب للرجال ـ ولو لم يكن في الصلاة أو ساتره فيها ـ مستفاد من خطاب آخر تعلّق النهي فيه بلبسهما للرجال ، ولذا لا يكون سقوط الحرمة عن لبسهما بالاضطرار أو الإكراه أو النسيان موجبا لارتفاع المانعية. وفي صحيحة محمد بن عبد الجبار قال : كتبت إلى أبي محمد عليه‌السلام أسأله هل يصلى في قلنسوة حرير محض أو قلنسوة ديباج؟ فكتب عليه‌السلام : «لا تحلّ الصلاة في حرير محض» (١) ، وكقوله عليه‌السلام في موثّقة عمّار : «لا يلبس الرجل الذهب ولا يصلي فيه» (٢).

__________________

(١) الوسائل : ج ٣ ، باب ١١ من ابواب المصلى ، الحديث : ٢.

(٢) الوسائل : ج ٣ ، باب ٣٠ من ابواب لباس المصلى ، الحديث : ٤.

١٠٠