دروس في مسائل علم الأصول - ج ٣

آية الله الميرزا جواد التبريزي

دروس في مسائل علم الأصول - ج ٣

المؤلف:

آية الله الميرزا جواد التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات دار الصديقة الشهيدة عليها السلام
المطبعة: نگين
الطبعة: ٢
ISBN: 978-964-94850-9-1
ISBN الدورة:
978-964-94850-1-0

الصفحات: ٤٤٥

ولا يخفى أنه لا وجه لأن يصار إلى واحد منها ، فإنه رفع اليد عن الظاهر بلا وجه ، مع ما في الأخيرين من الاحتياج إلى إثبات أن متعلق الجزاء متعدد متصادق على واحد ، وإن كان صورة واحدا سمي باسم واحد ، كالغسل ، وإلى إثبات أن الحادث بغير الشرط الأول تؤكد ما حدث بالأول ، ومجرد الاحتمال لا يجدي ، ما لم يكن في البين ما يثبته.

______________________________________________________

مثلا إذا تردّدت وظيفة المكلّف بين القصر والتمام فلا يمكن أن يجري البراءة عن وجوب إحدى الصلاتين بعد الإتيان بالأخرى بدعوى أنّ تعلّق التكليف بالثانية وثبوته بعد الإتيان بالأولى غير محرز ، وذلك فإنّ وجوب المأتي بها أوّلا غير محرز أيضا وأصالة البراءة عن وجوب التمام مثلا بعد الإتيان بالصلاة قصرا كانت معارضة من قبل ، بأصالة البراءة عن وجوب الأولى ، وكذا لا تجري البراءة في الشبهة الموضوعية كما لو شك في الإتيان بوظيفة الوقت ، فإنّ الاستصحاب في ناحية عدم الإتيان بها يعيّن بقاء وجوبها ، هذا كلّه فيما إذا كان الجزاء الوارد في القضية الشرطية قد تضمّن حكما تكليفيا.

وأمّا إذا كان وضعيا ، فالأصل عند الشك في تداخل الأسباب هو التداخل أيضا ، لأنّ الأصل عدم حدوث الزائد على الحكم الوضعي الواحد. وإن كان الشك في تداخل المسبّبات فتختلف الموارد ، فتارة يقتضي الأصل عدم التداخل ، كما إذا مسّ ميّتا بعد برودته وأجنب ، وقلنا بأنّ الطهارة المشروط بها الصلاة أمر مسبّبي يحصل بالوضوء والغسل أو التيمّم ، وعليه فإذا اقتصر المكلّف على غسل واحد لا نحرز حصول تلك الطهارة ، ومقتضى الأصل عدم حصولها ، بخلاف ما إذا اغتسل لكلّ من المسّ والجنابة فانّه يجزى حصولها ، ولو قلنا بأنّ الطهارة عنوان لنفس تلك الأفعال فاشتراط الصلاة من المكلّف بالغسل الآخر بعد اغتساله بأحدهما غير محرز ،

١٦١

إن قلت : وجه ذلك هو لزوم التصرف في ظهور الجملة الشرطية ، لعدم امكان الأخذ بظهورها ، حيث إن قضيته اجتماع الحكمين في الوضوء في المثال ، كما مرت الإشارة إليه.

قلت : نعم ، إذا لم يكن المراد بالجملة ـ فيما إذا تعدد الشرط كما في المثال ـ هو وجوب وضوء مثلا بكل شرط غير ما وجب بالآخر ، ولا ضير في كون فرد محكوما بحكم فرد آخر أصلا ، كما لا يخفى.

______________________________________________________

ومقتضى البراءة عدم اشتراط صلاته بغسل آخر بعد اغتساله لأحدهما ، وهذا يساوي التداخل في المسبّبات بحسب النتيجة.

فالمحقّق النائيني قدس‌سره وإن ذكر اختلاف الموارد في التداخل في المسبّبات بحسب الوضع ولكن التزم بعدم التداخل فيها في التكاليف ، كما أنّ بعض الأعلام قدس‌سره التزم بأنّ الأصل عدم التداخل في المسبّبات بلا فرق بين الوضع والتكليف ، وقد ذكرنا بأنّ مقتضى الأصل العملي في التكاليف التداخل وفي الوضع يختلف ولا يفرق فيما ذكرنا من الأصل العملي بين القول بأنّ الأغسال طبائع مختلفة أو أنّها حقيقة واحدة ، كما يظهر ذلك للمتأمّل.

وكيف كان فالاحتمالات في دفع المنافاة بين ظهور الجزاء في وحدة الحكم وظهور الشرط في التعدّد ـ أي حدوث الحكم بحدوث كلّ من الشرطين أو الشرائط أو حدوث الحكم بحدوث كلّ فرد من أفراد الشرط ـ أربعة :

الأوّل : كون المراد من كلّ قضية شرطية فعلية الحكم الوارد في الجزاء حين حدوث كلّ شرط ـ سواء كان حدوث ذلك الحكم حين حدوث الشرط الوارد فيها أو من قبل حدوثه ، كما إذا كان حدوثه مسبوقا بحدوث شرط آخر أو فرد آخر ـ ففي هذه الصورة لا دلالة للقضية الشرطية بحدوث الحكم عند حدوث الجزاء ، بل يدلّ فيما

١٦٢

إن قلت : نعم ، لو لم يكن تقدير تعدد الفرد على خلاف الإطلاق.

قلت : نعم ، لو لم يكن ظهور الجملة الشرطية في كون الشرط سببا أو كاشفا عن السبب ، مقتضيا لذلك أي لتعدد الفرد ، وبيانا لما هو المراد من الإطلاق.

وبالجملة : لا دوران بين ظهور الجملة في حدوث الجزاء وظهور الإطلاق ضرورة أن ظهور الإطلاق يكون معلقا على عدم البيان ، وظهورها في ذلك صالح لأن يكون بيانا ، فلا ظهور له مع ظهورها ، فلا يلزم على القول بعدم التداخل تصرف أصلا ، بخلاف القول بالتداخل كما لا يخفى.

فتلخص بذلك ، أن قضية ظاهر الجملة الشرطية ، هو القول بعدم التداخل عند تعدد الشرط.

______________________________________________________

إذا كان مسبوقا بحصول شرط آخر على بقاء ذلك الحكم ، ولا فرق في ذلك بين الشروط المتعدّدة من أجناس مختلفة أو من سنخ واحد ، كما في انحلال القضية الشرطية ودلالتها على حصول الجزاء بكلّ من وجودات الشرط ، وهذا الوجه يناسب القول بالتداخل في الأسباب.

الثاني : أن يكون مفاد كلّ من القضايا الشرطية حدوث الحكم بحدوث كلّ شرط أو بكلّ وجود من الشرط ، فيكون الثابت في الجزاء الأحكام المتعدّدة بحسب مقام الثبوت بأن يكون المتعلّق للحكم ثبوتا عنوانا غير العنوان المتعلّق به الحكم الثاني وهكذا ، إلّا أنّ الحكم في مقام الإثبات تعلّق بشيء واحد ، لأنّ مع الإتيان به تسقط جميع تلك الأحكام لانطباق المتعلّق في كلّ من تلك الأحكام على ذلك الشيء المأتي به ، نظير ما إذا وجب إكرام العالم ووجب ضيافة الهاشمي ، فأكرم المكلّف عالما هاشميا بالضيافة.

لا يقال : كيف يتعلّق بالفعل الواحد تكليفان؟

١٦٣

.................................................................................................

______________________________________________________

فإنّه يقال : مضافا إلى أنّه لا بأس به بناء على جواز الاجتماع حيث إنّ المفروض على هذا الوجه تعدّد العنوان ثبوتا فيجتمع في المجمع حكمان ، وأمّا على القول بالامتناع فحدوث كلّ حكم بحدوث كلّ شرط إنّما هو بالإضافة إلى غير مورد الاجتماع ، وأمّا بالإضافة إلى المجمع فلا يحدث الحكم بل يكون تعنونه بعنوانين موجبا لانتزاع صفة الوجوب له ، وهذا في الحقيقة تداخل في المسبّبات إذا قصد المكلّف الإتيان بالمجمع لامتثال التكليفين.

الثالث : أن تدلّ كلّ من القضايا الشرطية بحدوث الحكم عند حدوث الشرط ، غاية الأمر يكون الحادث عند حصول الشرط فيما لم يكن مسبوقا بحدوث شرط آخر نفس الحكم ، وإذا كان مسبوقا به يكون الحاصل تأكّد الحكم الأوّل كما أنّ الأمر كذلك فيما إذا حصل الشرطان دفعة ويلزم على ذلك أيضا التداخل في المسبّب وكلّ هذه الاحتمالات الثلاث خلاف ظاهر القضية الشرطية الانحلالية أو خلاف ظاهر القضايا الشرطية ، فيحتاج المصير إلى كلّ واحد منها إلى قيام قرينة عليه ، كما في الوضوء من موجباته ، فإنّ الدليل قام على عدم الوجوب النفسي للوضوء ، بل وجوبه شرطي والشرط للصلاة ونحوها صرف وجوده ، حيث إنّ ظاهر كلّ قضية شرطية حدوث الجزاء بحدوثه وأنّ الثابت بحدوث الشرط حكم مستقل لا تأكّد ما حدث ، كما أنّ الالتزام بتعدّد العنوانين بحيث ينطبقان على واحد كمثال الأمر بإكرام العالم وضيافة الهاشمي يحتاج إلى تقدير لا يقتضيه مقام الإثبات.

الرابع : أن يكون الحادث مع كلّ شرط أو مع كلّ وجود من الشرط حكما مستقلّا يقتضي امتثالا مستقلّا.

لا يقال : الوارد في الجزاء حكم واحد متعلّق بفعل واحد ، ولا يتعلّق بالفعل

١٦٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الواحد أكثر من تكليف واحد وحكم واحد.

فإنّه يقال : حدوث تكليف آخر بحدوث فرد آخر من الشرط أو بحصول شرط آخر يكون قرينة على أنّ المطلوب بالتكليف الثاني وجود آخر من ذلك ، والمتعيّن في الجمع هو هذا الوجه ، لظهور القضية الشرطية في الانحلال وظهور القضايا الشرطية في تعدّد الحكم المستقل.

وبالجملة الالتزام بذلك يلازم التصرّف في متعلّق الحكم الوارد في الجزاء ، حيث إنّ ظاهر الأمر بفعل طلب صرف وجوده ، فيرفع اليد عن هذا الظهور فيما إذا تكرّر الشرط بعد حصوله أو حدث شرط بعد حصول الآخر ، ولا بأس بهذا التصرّف فإنّ الظهور في طلب صرف الوجود ناش عن إطلاق المتعلّق للطلب وعدم تقييده بمثل مرّة أخرى وبوجود آخر ، وإلّا لو قال : اغتسل بعد اغتسالك لزال هذا الظهور ولا يخفى أنّ ظهور القضية الشرطية في انحلال الحكم بانحلال الشرط أو ظهور كلّ قضية شرطية في حدوث الحكم الوارد فيه وضعي. لما تقدّم من أنّ الجملة الشرطية بحسب الدلالة الوضعية ظاهرة في كون الشرط قيدا لنفس الحكم الوارد في الجزاء ، والمفروض أنّ الجزاء في هذا الأمر قابل للتكرار فيكون هذا الظهور بيانا للقيد في ناحية المتعلّق.

وبالجملة الظهور الوضعي للكلام يمنع عن انعقاد الظهور الاطلاقي في كلّ مورد يكون مقتضى الوضع خلاف الإطلاق ، ولا يدور الأمر بين رفع اليد عن أحد الظهورين لأنّ مع الظهور الوضعي ليس في البين ظهور إطلاقي وهذا الوجه الرابع هو الذي اختاره الماتن قدس‌سره في المقام.

أقول : ظهور القضية الشرطية في حدوث الحكم بحدوث الشرط الوارد فيها

١٦٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وإن كان وضعيا إلّا أنّ عموم الحدوث لما إذا احدث قبله بحصول سبب آخر له فهو بالإطلاق ، وعليه لو ورد في خطاب «إذا زلزلت الأرض تجب صلاة الآيات إلّا أن تجب صلاتها قبل الزلزال بالخسوف» ، وورد في خطاب آخر «إذا خسف القمر تجب صلاة الآيات إلّا أن تجب صلاتها بالزلزال قبله» ، فلا يكون في البين مجاز في استعمال القضية الشرطية ، بل يكون تقييد في حدوث الحكمين بصورة عدم سبق حدوث الشرط الآخر ، ومقتضى هذا التقييد هو التداخل في الأسباب ، فعدم التداخل يكون ببقاء ظهور كلّ من القضيتين الشرطيتين في إطلاق الحدوث ، وإطلاق الحدوث ظهور بالإطلاق ، كما أنّ ظهور القضية الجزائية في أنّ المتعلّق للطلب صرف وجود الطبيعي بالاطلاق أيضا وصرف وجود الطبيعي غير قابل للتكرار ولا يقبل الطلب المتعدّد ، فالأمر يدور بين التحفّظ على ظهور كلّ من الجملتين الشرطيتين في إطلاق حدوث الحكم ورفع اليد عن إطلاق المتعلّق في الجزاء بتقييد متعلّق الطلب فيه بوجود غير ما يتعلّق به الوجوب الآخر وبين أن يتحفظ بالإطلاق في ناحية الجزاء ويرفع اليد عن الظهور في إطلاق كلّ منهما في حدوث حكمه بحدوث شرطه.

وذكر المحقق العراقي قدس‌سره أنّه يؤخذ بظهور التعليق في كلّ من الشرطيتين في الاستقلال لحدوث الحكم بحدوث الشرط ويرفع اليد عن الظهور في القضية الجزائية في أنّ المطلوب صرف وجود الطبيعي ، لأنّ التحفّظ بظهور الجزاء يقتضي رفع اليد عن الظهور في التعليق في ناحية الحكم في كلّ من القضيتين ، يعني دلالة كلّ منهما على حدوث الحكم بحدوث شرطه بخلاف الأخذ بظهورهما فإنّه يوجب رفع اليد عن ظهور القضية الجزائية حيث إنّ لها في كلّ من القضيتين ظهور واحد ، ومن الظاهر أنّه كلّما دار الأمر بين رفع اليد عن ظهورين أو ظهور واحد يتعيّن الثاني لأنّ

١٦٦

.................................................................................................

______________________________________________________

ارتكاب المحذور يتقدّر بقدر الضرورة ، وعلى تقدير الإغماض عن ذلك يؤخذ أيضا بظهور الشرطيتين في الاستقلال بالإضافة إلى الحكم وذلك لأنّ الجزاء كما أنّه تابع للشرط ثبوتا ـ لأنّ الشرط من علل حصوله ـ كذلك تابع للشرط إثباتا ، وهذه التبعية أوجبت التصرف فيه عند دوران الأمر بين التصرّف فيه أو التصرّف في ظهور الشرط ، حيث إنّ ظهوره في الشرطية والاستقلالية أقوى من ظهور الجزاء لكونه تابعا (١).

أقول : العلم الإجمالي بعدم إرادة ظهور أو عدم إرادة ظهورين آخرين لا يوجب تقديم التصرّف في الظهور الواحد ، وإنّما يوجبه فيما إذا انحلّ العلم الإجمالي بأن يعلم بعدم إرادة الظهور على كلّ تقدير ، ويحتمل عدم إرادة الآخر أيضا مع أنّ رفع اليد عن ظهور كلّ واحد من الجزاءين تصرّف في ظهورين وإن كان ظهور كلّ منهما مساويا لظهور الآخر أو عينه ، وأمّا كون ظهور الجزاء تبعيا لظهور الشرط فهو أوّل الكلام وكون الجزاء ثبوتا تابع للشرط فهو من قبيل تبعية الحكم للموضوع لا من تبعية المعلول لعلّته وتبعية الحكم للموضوع تابع للجعل وكيفية الاعتبار من الجاعل ، والكلام في المقام في كشف كيفية الجعل والاعتبار فيما إذا تعدّد الشرط وذكر في الخطاب جزاء واحد فهل ظاهره وحدة الحكم ، سواء حدث أحدهما أو كلاهما ولو مترتّبا أم لا؟

والصحيح في المقام أن يقال : إذا ورد في خطاب الشارع صم يوما ، وورد في خطاب آخر أيضا صم يوما ، فالالتزام بوحدة الحكم وكون الخطاب الثاني تأكيدا للأوّل ، ظهور سياقي ناش من وحدة الخطابين صورة ، وكأنّ المعنى المستفاد من

__________________

(١) نهاية الأفكار ١ / ٤٨٦.

١٦٧

وقد انقدح مما ذكرناه ، أن المجدي للقول بالتداخل هو أحد الوجوه التي ذكرناها ، لا مجرد كون الأسباب الشرعية معرفات لا مؤثرات ، فلا وجه لما عن

______________________________________________________

الثاني عين المراد من الأوّل ، فوحدة الحكم المستفاد منهما ثبوتا إنّما هو لوحدة الخطابين صورة في مقام الإثبات ، فإذا علّق كلّ منهما على حصول شرط غير ما في الآخر من الشرط ، خرج الخطابان عن الوحدة في الصورة ، ويكون مقتضى التعليق بكلّ من الشرطيتين حصول الحكم بكلّ منهما غير ما يحصل بالآخر ، وهذا لا يكون إلّا مع تعدّد المتعلّق ومطلوبية كلّ فرد من الطبيعي عند حصول الشرط المعلّق عليه حدوث الحكم ، فتعدّد الحكمين ولو كان بالإطلاق يعدّ قرينة عرفية على المراد من متعلّق الحكم.

وبتعبير آخر : إطلاق متعلّق الطلب وكون المطلوب صرف وجود الطبيعي ينافي عقلا تعدّد الطلب ، لا أنّه قرينة عرفية على وحدة الطلب ، بخلاف تعدّد الطلب فإنّ تعدّد الشرط في القضيتين قرينة عرفية عليه ومقتضى تعدّد الطلب اختلاف المتعلّقين ولو بالوجود الأول والثاني ، وظهور القضية الشرطية في انحلال الشرط وحدوث كلّ فرد من الحكم بحدوث كلّ فرد من الشرط أيضا يوجب الانحلال في القضية الجزائية.

والمتحصّل كون الدلالتين المتخالفتين في كلّ منهما بالإطلاق لا يمنع عن كون أحدهما قرينة عرفية على عدم إرادة الأخرى من دون عكس ، وإن شئت فلاحظ ما إذا ورد في خطاب «إذا ظاهر الرجل فعليه عتق رقبة» وورد في خطاب آخر «إذا ظاهر الرجل يعتق رقبة مؤمنة» فدلالة الخطاب الثاني على تعيّن عتق رقبة مؤمنة أيضا بإطلاق المتعلّق ، ولكن مع ذلك لا يدور الأمر بين حمل الطلب في الثاني على الاستحباب بتقييده بالترخيص في الترك أو تقييد المتعلّق في الخطاب الأول بالإيمان ، بل الإطلاق في ناحية الطلب في الخطاب الثاني قرينة عرفية على عدم إرادة الإطلاق من المتعلّق في الخطاب الأول ، ولعلّ مراد الماتن قدس‌سره أيضا من عدم

١٦٨

الفخر وغيره ، من ابتناء المسألة على أنها معرفات أو مؤثرات [١] ، مع أن الأسباب الشرعية حالها حال غيرها ، في كونها معرفات تارة ومؤثرات أخرى ، ضرورة أن الشرط للحكم الشرعي في الجمل الشرطية ، ربما يكون مما له دخل في ترتب الحكم ، بحيث لولاه لما وجدت له علة ، كما أنه في الحكم الغير

______________________________________________________

الإطلاق للجزاء مع ظاهر الجملة الشرطية يرجع إلى ما ذكرنا ، لعدم التصريح في كلامه بأنّ ظهور الجملة الشرطية في الحدوث عند الحدوث ـ ولو مع تعدّد الشرط ـ مدلول وضعي لها.

التفصيل بين معرفية الأسباب الشرعية ومؤثريّتها

[١] حكي عن فخر المحققين قدس‌سره وغيره أنّ القول بالتداخل عند تعدّد الشرط واتّحاد الجزاء صورة ، مبنيّ على كون الأسباب الشرعية للأحكام معرفات لها لا مؤثّرات ، والقول بأنّها معرّفات يلازم القول بالتداخل في الأسباب لجواز تعدّد المعرّف لشيء واحد ، بخلاف الالتزام بأنّها مؤثّرات فإنّ مقتضى تأثير كلّ سبب تعدّد الحكم وحصول الأثر لكلّ مؤثّر.

وقد ذكر الماتن قدس‌سره أنّ القول بالتداخل يبتني على أحد الوجوه الثلاثة المتقدّمة لا على مجرّد كون الشرط معرّفا ، أو سببا ، لاحتمال كون كلّ شرط معرّفا لسبب مستقلّ وله مسبّب مستقل واحتمال كون التأثير في كلّ شرط مختصّا بما إذا لم يسبقه شرط آخر مع أنّ الأسباب الشرعية حالها حال غير الأسباب الشرعية في كون الشرط مؤثّرا تارة ومعرّفا للمؤثّر أخرى ، كما إذا قيل «إذا انسدّ باب الأمير فلا يدخل عليه أحد» فإنّ انسداد بابه معرّف لعدم تهيّئ الأمير لاستقبال القادم مع أنّ ظهور الشرطية هو الحدوث عند حدوث الشرط في الصورتين.

نعم ، لو أريد من المعرّفية في الأسباب الشرعية عدم كون نفس خسوف القمر ،

١٦٩

الشرعي ، قد يكون أمارة على حدوثه بسببه ، وإن كان ظاهر التعليق أن له الدخل فيهما ، كما لا يخفى.

نعم ، لو كان المراد بالمعرفية في الأسباب الشرعية أنها ليست بدواعي الأحكام التي هي في الحقيقة علل لها ، وإن كان لها دخل في تحقق موضوعاتها ، بخلاف الأسباب الغير الشرعية ، فهو وإن كان له وجه ، إلّا أنه مما لا يكاد يتوهم أنه يجدي فيما همّ وأراد.

______________________________________________________

أو زلزال الأرض ، مثلا داعيا إلى جعل وجوب صلاة الآيات بل لها دخل في تحقّق موضوعات الأحكام التي لحاظها كان داعيا إلى جعل الأحكام بخلاف الأسباب غير الشرعية فإنّها بنفسها دخيلة أو كاشفة عمّا له دخل في ثبوت جزائها فهذا أمر صحيح ، ولكن لا دخل له في التداخل وعدمه.

وذكر المحقق النائيني قدس‌سره في المقام ما حاصله أنّ العلّة تطلق تارة على ملاك الحكم وأخرى على مقتضيه وثالثة على موضوعه ، والمعرّف يطلق على ما يكون معلولا ولازما عقليا للشيء ، حيث يكون إحراز المعلول واللازم كاشفا ومعرّفا لعلّته وملزومه ويطلق المعرّف على الملازم العادي أيضا للشيء بحيث يمكن انفكاكه عنه عقلا ولا يصحّ إطلاق المعرّف على ملاك الحكم ومقتضيه وموضوعه ومنه الشرط في المقام لتقدّم كلّ ذلك على الحكم والمعرّف بمعنى المعلول واللازم العقلي يكون متأخرا عن معرّفه (بالفتح) ولا يصحّ إطلاق المعرّف بمعنى الملازم العادي على موضوع الحكم لعدم إمكان تخلّف الموضوع عن حكمه.

نعم ، يمكن إطلاق المعرّف بمعنى الملازم العادي على ملاك الحكم المجعول ، حيث إنّ الملاك يمكن أن يتخلّف عن الحكم بأن يثبت الحكم في موارد فقده أيضا ، كما في وجوب العدّة ، حيث يثبت وجوبها في موارد عدم اختلاط المياه

١٧٠

ثم إنه لا وجه للتفصيل بين اختلاف الشروط بحسب الأجناس وعدمه [١] ، واختيار عدم التداخل في الأول ، والتداخل في الثاني ، إلّا توهم عدم صحة التعلق بعموم اللفظ في الثاني ، لأنه من أسماء الأجناس ، فمع تعدد أفراد شرط واحد لم يوجد إلّا السبب الواحد ، بخلاف الأول ، لكون كل منها سببا ، فلا وجه لتداخلها ، وهو فاسد.

______________________________________________________

وعدم الاشتباه في الأنساب.

والحاصل أنّ الشرط في القضية الشرطية لا يكون من المعرّف بمعنى المعلول للحكم أو اللازم العقلي ، ولا الملازم العادي له ، فلا يصحّ إطلاق المعرّف عليه وعلى فرض صحّة الإطلاق لا يكون موجبا للتداخل لأنّ مجرّد احتمال تعدّد المعرّف (بالكسر) ووحدة المعرّف (بالفتح) لا يوجب رفع اليد عن ظهور الجملة الشرطية في تعدّد الحكم الوارد في الجزاء بتعدّد الشرط سواء كان تعدّده بالانحلال أو في قضيتين أو أكثر.

أقول : ما ذكره أخيرا من أنّه لا يعتنى باحتمال وحدة المعرّف (بالفتح) مع ظهور القضية الشرطية في كون الشرط معرّفا لحكم غير ما يكون معرّفا في الأخرى صحيح ، إلّا أنّ ما ذكره قدس‌سره من انحصار إطلاق المعرّف (بالكسر) على الموارد الثلاثة التي ذكرها لا يمكن المساعدة عليه ، فإنّ اشتعال النار في البيت معرّف لخرابها ، ونزول المطر على أرض صالحة للزراعة معرّف لحياتها ، إلى غير ذلك من موارد الإطلاق.

[١] وقد تلخّص من جميع ما ذكرنا أنّ مقتضى القضيتين الشرطيتين ـ أي إطلاق الشرط والحكم فيها ـ عدم التداخل في الأسباب والمسبّبات ، وكذا الحال فيما إذا تكرّر الشرط في مثل قوله «إذا قرأت آية السجدة فاسجد لها» فقرأها المكلّف مرّتين أو أزيد حيث إنّ مقتضى انحلال الشرط في القضية الشرطية أنّها بمنزلة قوله «إذا قرأت آيتها مرّة فاسجد وإذا قرأتها ثانية فاسجد مرة أخرى» وهكذا ، فكلّ قراءة موضوع مستقلّ لوجوب سجدة مستقلة ، فيقتضي كلّ شرط وجوبها وتعدّد الحكم قرينة على

١٧١

فإن قضية اطلاق الشرط في مثل (إذا بلت فتوضأ) هو حدوث الوجوب عند كل مرة لو بال مرّات ، وإلّا فالأجناس المختلفة لا بد من رجوعها إلى واحد ، فيما جعلت شروطا وأسبابا لواحد ، لما مرت إليه الإشارة ، من أن الأشياء المختلفة بما هي مختلفة لا تكون أسبابا لواحد ، هذا كله فيما إذا كان موضوع الحكم في الجزاء قابلا للتعدد.

وأما ما لا يكون قابلا لذلك ، فلا بد من تداخل الأسباب ، فيما لا يتأكد المسبب ، ومن التداخل فيه فيما يتأكد.

______________________________________________________

تعدّد المتعلّق.

ولكن قد يقال : إنّ عدم التداخل فيما كانت الشروط المتعدّدة من أجناس مختلفة ، وأمّا إذا كان تعدّده بانحلال الشرط فمقتضى ظاهر القضية الشرطية التداخل «يعني التداخل في الأسباب» حيث إنّ ظاهر القضية الشرطية هو أنّ الحكم مترتب على وجود جنس الشرط ووجود الجنس يحصل بأوّل وجود منه ، فمع تكرّر وجود الشرط لم يحصل إلّا سبب واحد ، فيكون مسبّبه أيضا واحدا ، بخلاف ما إذا حصل الشرط من القضيتين الشرطيتين فإنّ وجود كلّ جنس سبب مستقل.

ولكن لا يخفى ما فيه ، فإنّ الشرط إذا كان قابلا للتكرّر وكذا الجزاء المترتّب عليه فظاهر الجملة الشرطية أنّ كلّ وجود من الشرط موضوع لفرد من الحكم الوارد في الجزاء إذا لم يكن في البين قرينة على الخلاف ، كما يظهر ذلك من ملاحظة موارد استعمال الجملة الشرطية وإلّا فبما أنّ الجملة الجزائية واحدة حتّى مع تعدّد القضية الشرطية يمكن دعوى قرينية وحدة الجزاء على أنّ المترتب مع تحقّق الشرطين صرف وجود الحكم الوارد في القضية الجزائية وترتب صرف وجود الحكم على كلّ من الشرطين مع انفرادهما ومع اجتماعهما كاشف عن أنّ الموضوع له هو الجامع

١٧٢

.................................................................................................

______________________________________________________

بينهما الذي يكون صرف وجوده غير قابل للتكرار.

ويستثنى ممّا ذكر من عدم الانحلال موارد ثلاثة :

الأوّل : أن لا يقبل الجزاء الوارد في القضية الشرطية التعدّد لعدم إمكان انحلال الشرط وتعدّده ، كما إذا ورد في خطاب «من أفطر في نهار شهر رمضان فعليه عتق رقبة» ، حيث إنّ الإفطار في يوم واحد لا يتكرّر بتكرّر الأكل أو تعدّد ارتكاب المفطر ، فإنّ نقض الإمساك فيه يحصل بارتكاب المفطر الأول فلا إفطار بالارتكاب ثانيا.

نعم ، لا يجوز في شهر رمضان الارتكاب بعد الإفطار بل يجب الإمساك ولكنّه مجرّد تكليف لا يوجب مخالفته الكفّارة ، ونظير ذلك عدم إمكان تكرار الفعل المتعلّق به حكم الجزاء ، كما في وجوب القتل حدّا فإنّ مع وجوب قتل شخص بحصول موجبه لا يمكن أن يتعلّق به وجوب قتل آخر بارتكاب موجب آخر نعم ، حقّ القتل قصاصا قابل للتعدّد.

ومنه عدم تكرار الوجوب الشرطي بتكرّر البول أو النوم حيث إنّ الوجوب الشرطي يحصل بالأوّل من الموجبات ويحصل انتقاض الطهارة به وما هو شرط للصلاة هو صرف وجود الطهارة ، وهذه الأمثلة مع عدم إمكان تكرار السبب تدخل في هذا المورد ، ومع عدم إمكان تكرّر الجزاء تدخل في التداخل في السبب.

الثاني : في موارد قيام نصّ فيها على التداخل في المسبّب ، كما في تداخل الأغسال بناء على أنّها حقائق مختلفة ، حيث ورد في صحيحة زرارة (١) إجزاء غسل واحد في صورة اجتماع الأغسال.

__________________

(١) الوسائل : ج ٢ ، باب ٤٣ من أبواب الجنابة ، الحديث ١.

١٧٣

.................................................................................................

______________________________________________________

نعم ، بناء على عدم تعدّد أنواعها يأتي فيها ما تقدّم في الوضوء.

الثالث : ما إذا ورد في خطاب ، الأمر بفعل وفي الآخر أمر بفعل آخر ، وكانت النسبة بين الفعلين عموما من وجه ، أو كان الأمر واردا في خطاب بفعل مضافا إلى عنوان وفي خطاب آخر الأمر بذلك الفعل ولكن مضافا إلى عنوان آخر وكانت النسبة بين العنوانين عموما من وجه كما في قوله (أكرم عالما وأكرم هاشميا) فإنّ بالإتيان بالمجمع يسقط كلا الأمرين. ودعوى أنّه كيف يمكن تعلّق حكمين بالمجمع قد تقدّم الجواب عنها في تقرير كلام الماتن قدس‌سره سابقا.

ثمّ إنّه قد بقي في المقام أمر ، وهو أنّه لو كان الوارد في ناحية الشرط في القضية الشرطية أمورا متعدّدة عطف بعضها على بعض بواو الجمع وجعل مجموعها شرطا لتحقّق الجزاء يعني قيدا للحكم الوارد فيه أو أخذ بعضها وصفا لبعض آخر وجعل الموصوف بالوصف والمقيّد بما هو مقيّد شرطا وقيدا للحكم الوارد في الجزاء ، فإنّه لا ينبغي التأمّل في أنّه كلّما زاد على الشرط من القيود يكون المفهوم أوسع حيث ينتفي الحكم الوارد في الجزاء بانتفاء كلّها أو بعضها ولو بانتفاء واحد منها.

فيقع الكلام عند ما كان الوارد في الجزاء حكما عامّا إيجابا أو سلبا في أنّ المفهوم للقضية الشرطية في ناحية الجزاء هو السلب الجزئي ، أو الإيجاب الجزئي ، أو أنّه في الإيجاب الكلّي السلب الكلّي ، وفي السلب الكلّي ، الإيجاب الكلّي أو أنّه لا كلّية في ناحية المفهوم ولا جزئية ، بل المفهوم قضية مهملة بلا تعيين كلّيتها أو جزئيتها وإن كانت الجزئية متيقّنة على كلّ حال.

وقد ذكر المحقّق النائيني قدس‌سره تفصيلا في المقام وحاصله : أنّه لو كان المعلّق على

١٧٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الشرط عموم الحكم في الجزاء يكون المفهوم قضية جزئية ، وإن كان المعلّق على الشرط نفس الحكم الانحلالي والاستغراقي الوارد في الجزاء يكون الثابت في ناحية المفهوم القضية الكلّية أيضا ، وتعيين أنّ المعلّق على الشرط عموم الحكم أو نفس الحكم العام والانحلالي يكون بالاستظهار من الخطاب فإن كان المذكور في الجزاء من الأداة الاسمية كلفظة «كلّ» يحصل تعليق معانيها على الشرط ، ولو كان المذكور من أداة العموم غير الاسم كالنكرة في سياق النفي أو النهي ، فظاهره تعليق الحكم العام والانحلالي كما في قوله عليه‌السلام «إذا بلغ الماء قدر كر لم ينجّسه شيء» (١) فإنّ الجزاء فيه بمنزلة أن يقال : إذا بلغ الماء كرّا ولا ينجسه بول ، ولا ينجسه غائط ، ولا دم ولا وقوع ميتة وهكذا ، وكلّ واحد من هذه الأحكام معلّق على بلوغ الماء كرّا ، فيكون المفهوم انتفاء كلّ منها بانتفاء الشرط ، فتكون النتيجة الإيجاب الكلّي ، وهذا بخلاف ما إذا كان المعلّق على الشرط كلّ هذه الأحكام فإنّ المفهوم معه يكون إيجابا جزئيا لانتفاء عموم السلب بالإيجاب الجزئي.

والحاصل أنّه لا ينظر في المقام إلى ما ذكره أهل الميزان من أنّ نقيض السلب الكلّي الإيجاب الجزئي وأنّ نقيض الإيجاب الكلي السالبة الجزئية فإنّ ما يذكره أهل الميزان من الأحكام لا تجري على ظاهر الخطابات ، والمفهوم في المقام يدخل في الظهور العرفي.

ثمّ قال قدس‌سره لا ثمرة في المثال في التكلّم في أنّ المفهوم لقولهم : «إذا كان الماء

__________________

(١) الوسائل : ج ١ ، باب ٩ ، من أبواب الماء المطلق ، الحديث : ١ و ٢ و ٦ ، لا يخفى أنّ المنقول في الوسائل انّما هو بهذا التعبير «إذا كان الماء قدر كرّ لم ينجسه شيء».

١٧٥

.................................................................................................

______________________________________________________

كرّا لا ينجّسه شيء» إيجاب جزئي أو كلّي للتسالم على عدم الفرق بين النجاسات وأنّه إذا ثبت تنجّس الماء القليل بوقوع قطرة بول يكون كذلك بإصابته سائر النجاسات فلا طائل في التكلّم في أنّ المراد بالشيء في ناحية المفهوم جميع النجاسات أو بعضها.

لا يقال : هذا يتمّ بالإضافة إلى الأعيان النجسة ، وأمّا بالإضافة إلى المتنجّس فإن كان عامّا يحكم بتنجّس الماء القليل بالمتنجّس مطلقا ، وإلّا فلا سبيل إلى إثبات كون المتنجّس منجّسا للماء القليل مطلقا.

فإنّه يقال : ليس المراد بالشيء في المنطوق جميع الأشياء حتّى الطاهرة منها ، بل المسلوب عن منجّسيته للماء مع كريته ، ما تكون منجسة لسائر الأشياء الطاهرة ، وعلى ذلك فإن كان المتنجس منجّسا للشيء الطاهر فيدخل في المنطوق فيحكم بأنّه لا ينجس الماء إذا كان كرّا وينجّسه على تقدير عدم كرّيته فالأشياء الطاهرة لا تكون داخلة في المنطوق ولا في المفهوم (١).

أقول : قد ذكرنا عند التكلّم في تعليق الحكم الوارد في الجزاء على حصول الشرط الوارد في القضية الشرطية ، أنّ مقتضى التعليق أن لا يثبت ذلك الحكم بحصول شيء آخر غير الشرط الوارد فيها ولا يقوم شيء آخر مقامه ، وإذا كان الحكم الوارد في الجزاء عامّا أو مطلقا انحلاليا فلا يثبت ذلك الحكم العام أو المطلق الانحلالي مع عدم حصول ذلك الشرط وإن حصل شيء آخر غير ذلك الشرط ، وإذا كان عدم ثبوت حكم العام أو الانحلالي على نحوين بأن لا يثبت أصل الحكم بدون

__________________

(١) أجود التقريرات ١ / ٤٢٠.

١٧٦

.................................................................................................

______________________________________________________

ذلك الشرط أصلا أو ثبت أصله بلا عموم وانحلال فلا دلالة في القضية الشرطية لا في ناحية منطوقه ولا في ناحية مفهومه على تعيين أحد النحوين ، فمفاد قولهم عليهم‌السلام : «إذا بلغ الماء قدر كرّ لا ينجّسه شيء» أنّ عدم تنجّس الماء بشيء لا يكون بشيء آخر يقوم مقام كرّيته. غاية الأمر هذا بالإطلاق كما تقدّم وإذا دلّ دليل على أنّ الماء القليل إذا كانت له مادّة فلا ينجّسه شيء ، يكون تقييدا للمفهوم بخلاف ما إذا قام الدليل على أنّ الماء مع قلّته يتنجّس بالأعيان النجسة ولا يتنجّس بالمتنجّسات ، فإنّه لا منافاة بين هذا الخطاب والمفهوم لقولهم عليهم‌السلام : «إذا بلغ الماء قدر كرّ لا ينجّسه شيء».

وإن شئت قلت الحكم الاستغراقي المعلّق على الشرط ينتفي مع انتفاء الشرط ولا يقوم مقام الشرط غيره ، فالانحلال الذي ذكره المحقّق النائيني قدس‌سره في ناحية الجزاء والتزامه بأنّ كلّ واحد من الأحكام الانحلالية معلّق على الشرط ، أمر لا يساعده الاستعمالات العرفية ، فإنّه إذا قيل «إذا غضب الأمير لا يتكلّم أحد» مفهومه أنّه لا ينوب مقام غضبه شيء في ثبوت هذا الحكم لا أنّه إذا لم يغضب يتكلّم كلّ أحد ، فالانحلال في القضية الشرطية بحسب تحقّق الشرط بأيّ فرد من أفراد موضوع الحكم فالماء سواء كان مالحا أو غير مالح ، صافيا أو غير صاف ، حارّا أو باردا ، لا يتنجس مع كرّيته ، فلا انحلال للجزاء من غير هذه الجهة ، فلاحظ وتدبّر.

١٧٧

فصل

الظاهر أنه لا مفهوم للوصف وما بحكمه مطلقا ، لعدم ثبوت الوضع ، وعدم لزوم اللغوية بدونه [١] ، لعدم انحصار الفائدة به ، وعدم قرينة أخرى ملازمة له ، وعليّته فيما إذا استفيدت غير مقتضية له ، كما لا يخفى ، ومع كونها بنحو الانحصار

______________________________________________________

مفهوم الوصف

[١] المراد بالوصف في المقام هو المعتمد على الموصوف وما بحكمه من سائر القيود التي يكون المقيّد معها محكوما بحكم فيقع الكلام في أنّ للوصف أو سائر القيود وضعا دلالة على انتفاء الحكم أي سنخه عن فاقد الوصف أو القيد أم لا؟

وبتعبير آخر : توصيف الموضوع بوصف أو قيد وجعل الموصوف بما هو موصوف أو المقيّد بما هو مقيّد موضوعا لحكم ، هل فيه دلالة على أنّ الموجب لثبوت سنخ ذلك الحكم هو وصفه أو قيده ، بحيث يلزم من انتفائهما انتفاء سنخ ذلك الحكم عن مورد فقدهما أم لا؟

ولا يخفى أنّ الوصف أو ما بحكمه بحسب التركيب الكلامي والظهور العرفي قيد لمفهوم انفرادي من الموضوع أو المتعلّق أو قيد لنفس الحكم فلا يكون فيهما دلالة على المفهوم لأنّ ذكر حكم لشيء موصوف أو مقيّد لا يقتضي نفي سنخه عن غيره.

نعم ، إذا فهم في مورد بقرينة خاصّة من مقام أو مقال أنّ الوصف هو الموجب للحكم أي ثبوت سنخ الحكم فيكون سنخه منتفيا عن الفاقد ولكن هذا لا يعدّ من مفهوم الوصف نظير ما تقدّم من المفهوم للقضية الشرطية.

لا يقال : لو لم يكن للوصف دلالة على انتفاء سنخ الحكم عن مورد فقده فلا يكون ذلك الوصف قيدا احترازيا وكذا الحال في غيره من القيود مع أنّ الأصل في

١٧٨

وإن كانت مقتضية له ، إلّا أنه لم يكن من مفهوم الوصف ، ضرورة أنه قضية العلة الكذائية المستفادة من القرينة عليها في خصوص مقام ، وهو مما لا إشكال فيه ولا كلام ، فلا وجه لجعله تفصيلا في محل النزاع ، وموردا للنقض والإبرام.

______________________________________________________

القيود هو الاحترازية.

فإنّه يقال : معنى كون القيد احترازيا انّ الموضوع في الخطاب الشيء الخاص فلا دلالة له على ثبوته أو عدم ثبوته لغير ذلك الخاص.

وأمّا أنّ الحكم في مقام الثبوت سنخه منحصر في ذلك الخاص فلا دلالة للوصف أو لسائر القيود على ذلك ، لأنّ ثبوت شيء لشيء وإثباته له لا ينافي ثبوت سنخه لغير ذلك الخاص أيضا في مقام الثبوت.

لا يقال : لو لم يكن للوصف ولسائر القيود مفهوم لما تعيّن حمل المطلق على المقيّد لعدم المنافاة في ثبوت الحكم لكلّ منهما.

فإنّه يقال : حمل المطلق على المقيّد لا يبتنى على دلالة الوصف أو ما بحكمه على المفهوم لأنّ الموجب لحمله على المقيّد أمران :

أحدهما : إحراز وحدة الحكم ثبوتا من حيث إنّه لا يمكن تعلّق حكم واحد بمتعلّقين ، ومقتضى خطاب المطلق تعلّق الحكم به ومقتضى خطاب المقيّد تعلّقه بالمقيّد ، وخطاب المقيّد قرينة على أنّ المراد بالأوّل ثبوتا هو الثاني فيحمل المطلق عليه ، ولو كان الجمع بين الخطابين لأجل المفهوم لكان الأولى إبقاء المطلق على إطلاقه والتصرّف في خطاب المقيّد بحمله على أفضل الأفراد ، لأنّ دلالة خطاب المقيّد على عدم تعلّق الحكم بغير المقيّد بالمفهوم ، ودلالة المطلق على ثبوت الحكم وتعلّقه به بالمنطوق ، ودلالة المنطوق أقوى من المفهوم كما قيل.

ويشهد لكون وجه حمل المطلق على المقيّد وحدة الحكم لا ثبوت المفهوم

١٧٩

ولا ينافي ذلك ما قيل من أن الأصل في القيد أن يكون احترازيا ، لأنّ الاحترازية لا توجب إلّا تضييق دائرة موضوع الحكم في القضية ، مثل ما إذا كان بهذا الضيق بلفظ واحد ، فلا فرق أن يقال : جئني بإنسان أو بحيوان ناطق ، كما أنه

______________________________________________________

للقيد ، أنّه لا يحمل المطلق على المقيّد فيما إذا كان مفاد المطلق حكما انحلاليا ، كما إذا ورد في خطاب ، النهي عن إكرام الفاسق ، وفي خطاب آخر النهي عن إكرام الفاسق المبدع فيؤخذ بكلّ منهما ويحكم بالنهي عن إكرام كلّ منهما.

ثانيهما : ما إذا كان مضمون أحدهما مخالفا للآخر في الإيجاب والسلب وهذا لا يرتبط بتوهّم دلالة الوصف على المفهوم أصلا.

لا يقال : لو لم يكن للوصف مفهوم أصلا فما فائدة ذكره في الخطاب وأخذه في موضوع الحكم أو متعلّقه؟

فإنّه يقال : فائدة ذكره في الخطاب لا تنحصر في الانحصار وانتفاء سنخ الحكم عن مورد فقد الوصف ، فإنّه يمكن أن تكون المصلحة في بيان الحكم تدريجا فيذكره للمقيّد أوّلا ثمّ لمطلقه بعد حين ، أو يذكر للموصوف أو المقيّد بذلك القيد أوّلا ثمّ لذات الموصوف أو المقيّد بوصف آخر أو مع قيد آخر لملاحظة كون واجد القيد أو الوصف مورد الابتلاء ونحو ذلك.

وقد ذهب سيدنا الاستاذ قدس‌سره إلى أنّ للوصف قسما من المفهوم لا كثبوته للقضية الشرطية ، بل بمعنى أنّ تقييد الموضوع في الخطاب بوصف أو قيد آخر من غير أن يكون للوصف أو القيد المذكورين دخلا في ثبوت الحكم لذات الموصوف والمقيّد وإن كان أمرا ممكنا ، بأن يكون ذكر القيد في الخطاب لنكتة أخرى ككونه مورد الابتلاء أو التدريج في البيان أو غير ذلك ، إلّا أنّ كلّ ذلك خلاف الظاهر ، إذ ظاهر الخطاب هو أنّ القيد المذكور له دخل في ثبوت الحكم وجعله ، ولازم ذلك عدم

١٨٠