دروس في مسائل علم الأصول - ج ٣

آية الله الميرزا جواد التبريزي

دروس في مسائل علم الأصول - ج ٣

المؤلف:

آية الله الميرزا جواد التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات دار الصديقة الشهيدة عليها السلام
المطبعة: نگين
الطبعة: ٢
ISBN: 978-964-94850-9-1
ISBN الدورة:
978-964-94850-1-0

الصفحات: ٤٤٥

وتوهم صحة التزام التعميم في خطاباته تعالى لغير الموجودين ، فضلا عن الغائبين ، لإحاطته بالموجود في الحال والموجود في الاستقبال ، فاسد ، ضرورة أن إحاطته لا توجب صلاحية المعدوم بل الغائب للخطاب ، وعدم صحة المخاطبة معهما لقصورهما لا يوجب نقصا في ناحيته تعالى ، كما لا يخفى ، كما أن خطابه اللفظي لكونه تدريجيا ومتصرم الوجود ، كان قاصرا عن أن يكون موجها نحو غير

______________________________________________________

إلى الإيقاع والإنشاء وجودها الواقعي ما لم يكن في البين ما يمنع عن الانصراف ويمكن دعوى وجود ما يمنع عن الانصراف المزبور غالبا في كلام الشارع ، والمانع وضوح عدم اختصاص الحكم الذي يتضمنه الخطاب في مثل يا أيها الناس ويا أيها المؤمنون بالحاضر مجلس الخطاب.

أقول : يصحّ من المتكلّم توجيه كلامه إلى كلّ من يمكن أن يصل إليه كلامه الذي له نحو بقاء ولو اعتبارا كما إذا كان مكتوبا في لوحة أو غيرها أو مضبوطا ومسجّلا في شريط مثلا ، فإنّ إرادة توجيهه إلى السائرين حتّى بحسب العصور المتأخرة والأزمنة المتعاقبة بقصد تفهيم كلّ من يحصل له ـ ولو مستقبلا ـ العنوان الكذائي ، أمر ممكن لا امتناع فيه.

نعم ، لا يمكن قصد ذلك إذا لم يكن لكلامه نحو بقاء ليصل إلى الآخرين بأن يقصد منه تفهيم كلّ من يحصل له في ظرف وجوده العنوان الواقع تلو الأداة ويريد جلب نظره والتفاته إليه ، وفي هذه الصورة لا يكون النداء والخطاب إلّا بنحو الدعاء وتنزيل الغائب والمعدوم بمنزلة الموجود ومخاطبته إظهارا لشوقه للمخاطبة معه أو تحسرا أو تحزنا لا إرادة توجيه الكلام إليه حقيقة ، طلبا لالتفاته حقيقة.

وبالجملة إذا كان الكلام بحيث يمكن وصوله إلى من يريد توجهه وجلب التفاته إليه يصحّ النداء والخطاب حقيقة فيما لا يكون في البين ما يمنع عن هذا

٢٨١

من كان بمسمع منه ضرورة ، هذا لو قلنا بأن الخطاب بمثل يا أيها الناس اتقوا في الكتاب حقيقة إلى غير النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بلسانه [١].

وأما إذا قيل بأنه المخاطب والموجه إليه الكلام حقيقة وحيا أو إلهاما ، فلا محيص إلّا عن كون الأداة في مثله للخطاب الإيقاعي ولو مجازا ، وعليه لا مجال لتوهم اختصاص الحكم المتكفل له الخطاب بالحاضرين ، بل يعم المعدومين ، فضلا عن الغائبين.

______________________________________________________

القصد والإرادة كما هو الحال في الخطابات القرآنية.

خطابات القرآن الكريم

[١] وحاصله أنّ ما تقدّم ـ من أنّه لو كان المراد بأدوات النداء ونحوها في الكتاب المجيد ، الخطاب حقيقة لأوجب ذلك اختصاص ما يقع في تلوها بالحاضرين بخلاف ما إذا كان المراد منها الخطاب الإيقاعي الإنشائي فإنّه لا ينافي بقاء ما وقع في تلوها على عمومه ـ مبني على أنّ المخاطب بتلك النداءات والخطابات غير النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الناس والمؤمنين بأن يكون ما يجري على لسان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الخطاب الصادر والمخلوق لله سبحانه وتعالى.

وأمّا إذا بنى على أنّ المخاطب فيها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد ألقى الخطاب إليه إلهاما أو وحيا فيتعين كون الأداة للخطاب الإيقاعي وإن قيل انّه المعنى المجازي للأدوات ، لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يكون من النساء ولا كل الرجال والمؤمنين وغير ذلك من العناوين التي دخلت عليها أداة النداء والخطاب.

أقول : لا أظنّ أن يلتزم أحد بأنّ ما كان يجري على لسان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو كاللفظ المخلوق من الشجرة الذي تكلّم سبحانه وتعالى به لموسى (على نبينا وآله وعليه‌السلام) بل ما كان يجري على لسانه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان إيصالا لخطابه سبحانه وتعالى إلى الناس بنحو الحكاية عما

٢٨٢

.................................................................................................

______________________________________________________

أوحي إليه ، ولكونه واسطة في الإبلاغ على ما تقدّم ، يصحّ مخاطبة من يصل إليه الكلام المزبور ، وقد يكون الخطاب شاملا للنبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد لا يشمله نظير خطاب نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد يكون الخطاب مختصا به كقوله سبحانه وتعالى. (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً)(١) و (قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا)(٢).

__________________

(١) سورة الأحزاب : الآية ٤٥.

(٢) سورة الأحزاب : الآية ٢٨.

٢٨٣

فصل

ربما قيل : إنّه يظهر لعموم الخطابات الشفاهية للمعدومين ثمرتان :

الأولى : حجية ظهور خطابات الكتاب لهم كالمشافهين [١].

وفيه : إنه مبني على اختصاص حجية الظواهر بالمقصودين بالإفهام ، وقد حقق عدم الاختصاص بهم. ولو سلم ، فاختصاص المشافهين بكونهم مقصودين بذلك ممنوع ، بل الظاهر أن الناس كلهم إلى يوم القيامة يكونون كذلك ، وإن لم يعمهم الخطاب ، كما يومئ إليه غير واحد من الأخبار.

______________________________________________________

ثمرة شمول الخطاب للمعدومين

[١] قيل تظهر ثمرة الخلاف في صحّة خطاب الغائبين بل المعدومين في مقامين :

أحدهما : أنّه بناء على شمول الخطابات للغائبين والموجودين في العصور المتتالية أنّه يصحّ لهم التمسّك بظواهر تلك الخطابات وأنّها تعتبر في حقهم كما كانت معتبرة في حقّ الحاضرين عند الخطاب فإنّهم لو قيل بعمومها يكونون بعد وجودهم كالحاضرين في كونهم مقصودين بالإفهام من الخطابات.

ولكن لا يخفى أنّ ظواهر تلك الخطابات معتبرة سواء قيل بكون المقصود بالافهام خصوص الحاضرين أو حتى الغائبين والمعدومين بعد وجودهم ، وسواء قيل بدخولهم في تلك العناوين أم لا ، حيث ثبت في باب حجية الظواهر عدم اختصاص اعتبارها بالمقصودين بالافهام ، وذلك لما ثبت في محلّه أنّه لا تختص حجية الظهور بالمقصود بالافهام ، ولذا لو أرسل المولى إلى عبده كتابا يأمر فيه بقتل زيد ووقع الكتاب بيد شخص آخر ، يصحّ منه أن ينسب إلى المولى أنّه أمر عبده بقتل زيد ، ولو كان اعتبار الظهور مقصورا على المقصود بالافهام لما صحّ له هذه النسبة. مع

٢٨٤

الثانية : صحة التمسك بإطلاقات الخطابات القرآنية بناء على التعميم ، لثبوت الأحكام لمن وجد وبلغ [١] من المعدومين ، وإن لم يكن متحدا مع المشافهين في الصنف ، وعدم صحته على عدمه ، لعدم كونها حينئذ متكفلة لأحكام غير المشافهين ، فلا بد من إثبات اتحاده معهم في الصنف ، حتى يحكم بالاشتراك مع المشافهين في الأحكام ، وحيث لا دليل عليه حينئذ إلّا الإجماع ، ولا إجماع عليه إلّا فيما اتحد الصنف ، كما لا يخفى.

______________________________________________________

أنّ اختصاص الخطاب بشخص لا يلازم كونه هو المقصود بالافهام فقط ، بل الخطابات القرآنية بناء على اختصاصها بالمشافهين من قبيل ما لو كتب المولى إلى أحد عبيده «يا عبدي على عبيدي أن يتعلموا الكتابة» ويظهر كون خطابات القرآن الكريم كذلك لمن لاحظ الأخبار الواردة في شأن القرآن وأنّه يجري مجرى الشمس والقمر وإذا نزلت آية في قوم فانقرضوا وماتوا فلا تمت الآية بانقراضهم (١).

[١] الظاهر أنّ القائل بالثمرة الثانية يدّعي تمامية مقدّمات الحكمة في حقّ الغائبين والمعدومين بناء على عموم الخطابات فيصحّ في حقّ من وجد وبلغ التمسّك بتلك الإطلاقات في ثبوت الأحكام الواردة في الخطابات على العناوين المنطبقة عليه بعد وجوده وبلوغه.

وأمّا بناء على اختصاص الخطابات بالحاضرين فلا يصحّ التمسّك بها لعدم تمامية ما هو من مقدّماته وهو أنّه لو لم يثبت هذا الحكم لعنوانه من غير دخالة قيد ، بل كان القيد دخيلا ومعتبرا في ثبوته ، لكان عدم ذكره في الخطاب نقضا للغرض.

وبيان ذلك أنّه إذا ورد الحكم في الخطاب على عنوان ينطبق على الموجود

__________________

(١) البحار ٩٢ / ٩٤ ، باب أنّ للقرآن ظهرا وبطنا الحديث : ٤٧ نقلا عن تفسير العياشي ١ / ١٠.

٢٨٥

ولا يذهب عليك ، أنه يمكن إثبات الاتحاد ، وعدم دخل ما كان البالغ الآن فاقدا له مما كان المشافهون واجدين له ، بإطلاق الخطاب إليهم من دون التقييد به ، وكونهم كذلك لا يوجب صحة الإطلاق ، مع إرادة المقيد معه فيما يمكن أن يتطرق الفقدان ، وإن صح فيما لا يتطرق إليه ذلك. وليس المراد بالاتحاد في الصنف إلّا الاتحاد فيما اعتبر قيدا في الأحكام ، لا الاتحاد فيما كثر الاختلاف بحسبه ، والتفاوت بسببه بين الأنام ، بل في شخص واحد بمرور الدهور والأيام ، وإلّا لما ثبت بقاعدة الاشتراك للغائبين ـ فضلا عن المعدومين ـ حكم من الأحكام.

ودليل الاشتراك إنما يجدي في عدم اختصاص التكاليف بأشخاص المشافهين ، فيما لم يكونوا مختصين بخصوص عنوان ، لو لم يكونوا معنونين به لشك في شمولها لهم أيضا ، فلو لا الإطلاق وإثبات عدم دخل ذاك العنوان في الحكم ، لما أفاد دليل الاشتراك ، ومعه كان الحكم يعم غير المشافهين ولو قيل باختصاص الخطابات بهم ، فتأمل جيدا.

______________________________________________________

في زمان صدور الخطاب ومن يوجد في العصور المتأخّرة ، واحتمل دخالة أمر آخر في ثبوته مما كان الموجودين في زمان الخطاب واجدين له ، فبناء على عموم الخطابات للغائبين والمعدومين يحكم بعدم دخالته في الحكم المفروض ، حيث إنّه لو كان دخيلا فيه لوجب التصريح به في الخطاب ، لئلّا ينتقض غرض المتكلّم بالإضافة إلى الغائبين والمعدومين المقصودين في توجيه الخطابات ، وهذا بخلاف ما إذا بنى على اختصاصها بالمشافهين والحاضرين فإنّ مدلول تلك الخطابات والمقصود منها بيان الأحكام في حقّ الحاضرين والموجودين في ذلك الزمان ، وأمّا عدم التعرّض للقيد المفروض وعدم ذكره لهم فلا محذور فيه لأنهم كانوا واجدين له ، ولكن تسرية تلك الأحكام إلى الموجودين بعد ذلك الزمان إنّما كان بضرورة

٢٨٦

فتلخص : أنه لا يكاد تظهر الثمرة إلّا على القول باختصاص حجية الظواهر لمن قصد إفهامه ، مع كون غير المشافهين غير مقصودين بالإفهام ، وقد حقق عدم الاختصاص به في غير المقام ، وأشير إلى منع كونهم غير مقصودين به في خطاباته (تبارك وتعالى) في المقام.

______________________________________________________

الاشتراك في التكليف والإجماع ، والضرورة والإجماع إنّما يجريان في موارد إحراز الاتحاد في الصنف بأن يتحقّق في المعدومين بعد وجودهم وبلوغهم ما هو تمام الموضوع للحكم السابق الثابت في حقّ الحاضرين ومع احتمال دخالة القيد المفروض لا يمكن هذا الإحراز.

وأجاب الماتن قدس‌سره عن هذه الثمرة : بأن هذا فيما كان القيد المحتمل دخالته أمرا لازما للحاضرين المشافهين ، بحيث لا يتخلّف ولا ينفك عنهم ، وأمّا إذا كان مما يتطرّق التخلّف والفقدان ولو في أواخر عمرهم كاحتمال دخل حضور النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مثلا في ثبوت الحكم فيتمسّك بالإطلاق لاثبات عدم دخالته في ثبوت الحكم لهم وإذا أحرز عدم دخالته تمسّكا بالإطلاق لتمامية مقدّماته في حقّهم ثبت في حقّ المعدومين بعد وجودهم وبلوغهم لقضاء الضرورة والإجماع المشار إليهما ، وما يحتمل دخالته في ثبوت الأحكام هي الأمور التي لا تكون من لوازم ذات الحاضرين زمان الخطاب بحيث يمتنع انفكاكهما عن ذواتهم ، بل من قبيل الأمور التى تعدّ من المقارنات والمفارقات ، وإلّا لم يمكن إثبات حكم للمعدوم بضرورة الاشتراك في التكليف والإجماع ، لأنّه لا يحرز مع احتمال دخالة ما كان من قبيل لازم الذات للحاضرين ، اتحاده في عنوان لو لم يكن للحاضر لما كان يثبت له الحكم.

وبالجملة المحتمل دخالته هو ما كان يمكن تطرّق عدم دخالته في حقّ الحاضرين أيضا ، ومع إثبات عدم دخالته في حقّهم بالإطلاق يثبت ذلك الحكم

٢٨٧

.................................................................................................

______________________________________________________

للمعدومين بعد وجودهم وبلوغهم بقاعدة الاشتراك والإجماع.

أقول : إذا بني على أنّ الخطاب الصادر عن المتكلّم وإن لم يكن متوجّها إلى المعدومين في ذلك الزمان حتى بلحاظ زمان وجودهم وبلوغهم إلّا أنّ قصد التفهيم وإظهار الحكم لا يختصّ بهم وانّ غرض المتكلّم بيان الحكم بنحو يستفيد ـ من خطابه إلى الحاضرين ـ كل من وصل إليه ذلك الخطاب ولو بطريق النقل إلى آخر الزمان ففي مثل ذلك لا يصحّ للمتكلّم ـ مع دخالة قيد في موضوع حكمه وتخلّف ذلك القيد عن الغائبين أو المعدومين بعد وجودهم ـ إهماله وعدم بيانه متصلا بخطابه أو منفصلا عنه ، مباشرة أو تسبيبا.

وعليه فإذا لم يرد ذكر للقيد المحتمل ، يصحّ التمسّك بالإطلاق من غير توسيط انضمام الإجماع والضرورة على الاشتراك في التكليف حتى فيما إذا فرض كون القيد المحتمل من قبيل اللازم لخصوص الحاضرين أو الموجودين في ذلك الزمان فإنّه لو كان ذلك القيد دخيلا فعدم التعرّض لدخالته نقض للغرض ويمكن أن يكون ما ذكرنا هو مراد الماتن قدس‌سره مما ذكره في آخر كلامه.

٢٨٨

فصل

هل تعقب العام بضمير يرجع إلى بعض أفراده ، يوجب تخصيصه به أو لا؟

فيه خلاف بين الأعلام [١] وليكن محل الخلاف ما إذا وقعا في كلامين ، أو في كلام واحد مع استقلال العام بما حكم عليه في الكلام ، كما في قوله تبارك وتعالى : (والمطلقات يتربصن) إلى قوله (وبعولتهن أحق بردهن) وأما ما إذا كان مثل : (والمطلقات أزواجهن أحق بردهن) ، فلا شبهة في تخصيصه به.

والتحقيق أن يقال : إنه حيث دار الأمر بين التصرف في العام ، بإرادة خصوص ما أريد من الضمير الراجع إليه ، أو التصرف في ناحية الضمير : إما بإرجاعه إلى بعض ما هو المراد من مرجعه ، أو إلى تمامه مع التوسع في الإسناد ، بإسناد الحكم المسند إلى البعض حقيقة إلى الكل توسعا وتجوزا ، كانت أصالة الظهور في طرف العام سالمة عنها في جانب الضمير ، وذلك لأن المتيقن من بناء العقلاء هو اتباع الظهور في تعيين المراد ، لا في تعيين كيفية الاستعمال ، وإنه على نحو الحقيقة أو المجاز في الكلمة أو الإسناد مع القطع بما يراد ، كما هو الحال في ناحية الضمير.

______________________________________________________

تعقّب العام بضمير الخاص

[١] إذا تعقّب العام بضمير يرجع إلى بعض أفراده ففيه صورتان :

الأولى : أن يذكر في الخطاب عامّ ويرد بعده حكم يتّصل بموضوعه ضمير يرجع إلى بعض أفراد ذلك العام ، من غير أن يكون حكم آخر لنفس العام كما إذا ورد في الخطاب مثلا «المطلّقات أزواجهن أحقّ بردّهن» ولا ينبغي التأمل في تخصيص العام بذلك الضمير ولكن المراد من تخصيص العام عدم عموم ذلك الحكم لجميع أفراده بحسب مقام الثبوت ، وإلّا فيمكن إظهار الحكم لجميع أفراد العام بحسب

٢٨٩

.................................................................................................

______________________________________________________

الإثبات مع عدم تطابقه لمقام الثبوت في جميع أفراده ، كسائر موارد قيام القرينة على عدم عموم الحكم ثبوتا.

الثانية : ما إذا كان العام في ذلك الخطاب محكوما بحكم وكان للضمير الراجع إليه أو ما أضيف إلى ذلك الضمير حكم آخر يختصّ أو يرجع إلى بعض أفراد العام كما في قوله سبحانه وتعالى (الْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ ... وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَ)(١) فامّا أن يلتزم بالتخصيص في العام أو بالاستخدام في الضمير.

فيقع الكلام في أنّ الضمير المزبور المراد منه بعض أفراد العام هل يعدّ قرينة على تخصيص العام بأن يكون الحكم المذكور للعام أيضا مختصا بالأفراد المرادة من الضمير ، أو أنّه لا يحسب قرينة على ذلك فيؤخذ ـ في ناحية حكم العام ـ بعمومه مع الالتزام بأنّ الحكم الثاني مختصّ ببعض أفراده فيكون استعمال الضمير من باب الاستخدام؟

والصحيح هو الثاني فإنّ أصالة التطابق في ناحية حكم العام جارية ولا يعارضها أصالة الظهور ـ في ناحية الضمير ـ في المراد منه هو المراد من مرجعه ، وذلك لأن اعتبار أصالة الظهور بمقتضى سيرة العقلاء تختص بموارد الشك في مراد المتكلّم ولا تجري في موارد العلم بالمراد والشك في كيفية الإرادة ، والمراد من الضمير وحكمه معلوم في الفرض وانّ حقّ الزوج في الرجوع بزوجته المطلّقة يختصّ بالمطلّقة الرجعية فيكون الشك في كيفية إرادته وأنّه هل هو بنحو الاستخدام أو التوسع في الإسناد أو بنحو آخر بأن يكون المراد من مرجعه على طبق ظهور الضمير

__________________

(١) سورة البقرة : الآية ٢٢٨.

٢٩٠

وبالجملة : أصالة الظهور إنما يكون حجة فيما إذا شك فيما أريد ، لا فيما إذا شك في أنه كيف أريد ، فافهم ، لكنه إذا انعقد للكلام ظهور في العموم ، بأن لا يعد ما اشتمل على الضمير مما يكتنف به عرفا [١] ، وإلّا فيحكم عليه بالاجمال ، ويرجع إلى ما يقتضيه الأصول ، إلّا أن يقال باعتبار أصالة الحقيقة تعبدا ، حتى فيما إذا احتفّ بالكلام ما لا يكون ظاهرا معه في معناه الحقيقي كما عن بعض الفحول.

______________________________________________________

ويعبّر عنه بأصالة عدم الاستخدام وعدم التوسّع في الإسناد ومع الشك كذلك لا مجرى لأصالة عدم الاستخدام وعدم التوسع في الإسناد هذا ما ذكر في المقام.

ولكن لا يخفى أنّ اختصاص الحكم الثاني ببعض أفراد العام مع عموم الحكم المذكور للعام لا يوجب الاستخدام ولا التوسعة في الإسناد بنحو الادّعاء بأن يدّعي بعض الأفراد الذي أريد من الضمير بالإضافة إلى الحكم الثاني كل أفراد العام بل كما أنّ المراد الاستعمالي من العام جميع أفراده في مقام الإثبات كذلك المراد الاستعمالي من الضمير تمام أفراد العام.

غاية الأمر قام الدليل على أنّ رجوع الزوج إلى زوجته المطلّقة يكون في عدّتها الرجعية ، فتسقط أصالة التطابق الجارية في ناحية الحكم الثاني ، ولا موجب لسقوطها بالإضافة إلى الحكم الأوّل. وما تقدّم من الماتن قدس‌سره إنّما يتمّ فيما أحرز أنّ المراد الاستعمالي من الضمير بعض المطلّقات مع أنّه لا موجب للالتزام بذلك.

[١] ظاهر كلامه أنّ اتباع الظهور في ناحية العام المتعقّب بضميره ينحصر على ما إذا لم يعدّ الحكم المذكور للضمير من القرينة المكتنفة بالعام أو مانعة عن ظهوره ، فإنّه إذا كانت قرينة على حكم العام أو مانعة عن انعقاد ظهوره في العموم فلا مورد لأصالة العموم ، بل على تقدير إجماله يرجع في غير المتيقن إلى حجة أخرى ولو كانت أصلا عمليا كما في قوله «رأيت أسدا وضربته» فإنّ الضرب المتعلّق بالضمير

٢٩١

.................................................................................................

______________________________________________________

في الخطاب قرينة على كون المراد من مرجعه الرجل الشجاع ولو لم يكن هذا قرينة فلا أقلّ من إجمال مرجعه. اللهمّ إلّا أن يقال باعتبار أصالة الحقيقة تعبّدا في مورد الشك في المراد لا لاعتبار أصالة الظهور فإنّه لو قيل باعتبارها تعبّدا ينتفي بها إجمال الخطاب.

أقول : لعلّ مراده من أصالة الحقيقة مجرّد التمثيل للأصول اللفظية وإلّا فالمورد من موارد أصالة العموم لأنّ التخصيص لا يوجب المجازية.

وما ذكره قدس‌سره من كون الحجة الأخرى ـ أي الأصول العملية التي يرجع إليها بعد الحكم بالاجمال ـ قرينة فهو خارج عمّا نحن فيه ولا يقاس المقام بقرينية حكم الضمير فيه بل يتعيّن في المقام ما ذكرنا من الرجوع إلى أصالة العموم.

٢٩٢

فصل

قد اختلفوا في جواز التخصيص بالمفهوم المخالف ، مع الاتفاق على الجواز بالمفهوم الموافق [١] ، على قولين ، وقد استدل لكل منهما بما لا يخلو عن قصور.

______________________________________________________

تخصيص العام بمفهوم الموافقة

[١] يثبت المفهوم الموافق للكلام بالفحوى تارة وهو أن يكون ملاك الحكم المستفاد بالملازمة من المنطوق أقوى من ملاك الحكم المذكور كما في قوله سبحانه وتعالى (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍ)(١) ، حيث يستفاد منه بالفحوى حرمة ضربهما وبغير الفحوى أخرى بأن يكون المفهوم مساويا مع الحكم المذكور بحسب الملاك كما في قوله : «حرّم الخمر لكونه مسكرا أو لإسكاره» فيستفاد منهما حرمة سائر المسكرات وإن لم يدخل في عنوان الخمر.

وناقش المحقّق النائيني قدس‌سره في استفادة حرمة سائر المسكرات من الثاني والتزم باستفادتها من الأوّل بدعوى الفرق بينهما وأنّ عنوان المسكر في الأول واسطة في العروض فتكون الحرمة للمسكر حقيقة فتثبت في الخمر وفي غير الخمر ، بخلاف الثاني فإنّ الإسكار فيه واسطة في الثبوت والموضوع للحرمة هو الخمر ومن المحتمل أن يكون لإسكاره خصوصية فلا يمكن التعدّي إلى سائر المسكرات.

ولكن لا يخفى ما في الفرق فإنّ احتمال دخالة خصوصية الخمر في حرمته لا يمنع عن ظهور التعليل في أنّ الموجب لحرمته هو الإسكار ويتعدّى إلى سائر المسكرات.

__________________

(١) سورة الإسراء : الآية ٢٣.

٢٩٣

.................................................................................................

______________________________________________________

ثمّ إنّه إذا كان المفهوم الموافق أخصّ من العام كما إذا ورد في خطاب «لا تشتم أحدا» وورد في خطاب آخر «لا بأس بشتم أعوان الظلمة» يكون مفهومه الموافق نفي البأس عن شتم نفس الظلمة ، ولا ينبغي التأمّل في تخصيص العام به فإنّه لا مجرى لأصالة العموم في ناحية العام مع قيام القرينة على أنّ الحكم الوارد فيه لا يعم ثبوتا بعض أفراده والمفهوم الموافق الخاص كالخاص المنطوقي قرينة على ذلك.

وأمّا إذا كانت النسبة بين العام ومفهوم الموافقة العموم من وجه كما إذا ورد في خطاب «اضرب كلّ فاسق متجاهر بفسقه حتى يرتدع» ، فإنّ العموم المزبور يعمّ ما إذا كان الفاسق المتجاهر أب الضارب أو أمّه فتقع المعارضة بينه وبين مفهوم الموافقة لقوله سبحانه وتعالى (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍ)(١) والنسبة العموم من وجه فيجتمعان في الأب والأم المتجاهرين بفسقهما وفي مثل ذلك لا موجب لرفع اليد عن عموم كلّ فاسق في قوله «اضرب كل فاسق يتجاهر بفسقه» أو ترجيح المفهوم الموافق.

نعم ، إذا كان المنطوق أخصّ مطلقا من العام ولكن كان مفهومه أعمّ من وجه بالنسبة إلى العام كما إذا ورد في خطاب «لا تكرم الفسّاق» وورد في خطاب آخر «أكرم الفاسق من خدّام العلماء» الدالّ بمفهومه الموافق على إكرام نفس العلماء يرفع اليد عن عموم «لا تكرم الفسّاق» بالإضافة إلى العالم الفاسق وذلك لأنّ قوله «أكرم الفاسق من خدّام العلماء» أخصّ بالإضافة إلى العام فيخصّص العام به والمفروض أنّ تخصيص العام به يلازم تخصيصا آخر وهو طلب إكرام نفس العالم الفاسق.

__________________

(١) سورة الإسراء : الآية ٢٣.

٢٩٤

وتحقيق المقام : أنه إذا ورد العام وما له المفهوم في كلام أو كلامين ، ولكن على نحو يصلح أن يكون كل منهما قرينة متصلة للتصرف في الآخر [١] ، ودار الأمر بين تخصيص العموم أو إلغاء المفهوم ، فالدلالة على كل منهما إن كانت بالاطلاق بمعونة مقدمات الحكمة ، أو بالوضع ، فلا يكون هناك عموم ، ولا مفهوم ، لعدم تمامية مقدمات الحكمة في واحد منهما لأجل المزاحمة ، كما في مزاحمة ظهور أحدهما وضعا لظهور الآخر كذلك ، فلا بد من العمل بالأصول العملية فيما دار فيه بين العموم والمفهوم ، إذا لم يكن مع ذلك أحدهما أظهر ، وإلّا كان مانعا عن انعقاد الظهور ، أو استقراره في الآخر.

ومنه قد انقدح الحال فيما إذا لم يكن بين ما دل على العموم وما له المفهوم ، ذاك الارتباط والاتصال ، وأنه لا بد أن يعامل مع كل منهما معاملة المجمل ، لو لم يكن في البين أظهر ، وإلّا فهو المعول ، والقرينة على التصرف في الآخر بما لا يخالفه بحسب العمل.

______________________________________________________

تخصيص العام بمفهوم المخالفة

[١] وحاصله أنّه قد يكون العام والمنطوق الذي له مفهوم المخالفة في كلام أو في كلامين متصلين بحيث يعدّان خطابا واحدا كقوله سبحانه وتعالى. (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ)(١) حيث إنّ مدلول التعليل عدم جواز الاعتماد على غير العلم ، سواء كان غير العلم خبر العادل أم غيره ، ومفهوم الشرطية ـ على القول به ـ اعتبار خبر العدل كان مفيدا للعلم أم لا ، وكانا على نحو يصلح أن يكون كلّ منهما قرينة للتصرف في الآخر ، فاذا كان كلّ من المفهوم والعموم مستفادا من الإطلاق ، ففي مثله لا يتم شيء من الإطلاقين لا في المفهوم

__________________

(١) سورة الحجرات : الآية ٦.

٢٩٥

.................................................................................................

______________________________________________________

ولا في ناحية التعليل لعدم تمامية مقدّمات الحكمة في ناحية واحد منهما ، وكذا الحال فيما إذا كان كلّ من العام والمفهوم بالوضع كما إذا قيل بأنّ ثبوت المفهوم للقضية الشرطية بالوضع لا بإطلاق الشرط ، على ما تقدّم في وجه دلالة الجملة الشرطية على المفهوم.

وأمّا إذا كان أحدهما بالوضع والآخر بالإطلاق فلم يتعرّض له الماتن قدس‌سره وإنّما ذكر المزاحمة في الصورتين فقط ، ما إذا كان دلالتهما بالإطلاق أو بالوضع.

وذكر انّ في هاتين الصورتين ، يرجع إلى الأصول العملية واستثنى من ذلك ما إذا كان أحدهما أظهر فإنّ الأظهر يمنع عن انعقاد الظهور في الآخر كما إذا كان الأظهر في أول الخطاب ، أو عن استقراره كما إذا كان في آخره.

وأمّا إذا كان المفهوم المخالف في خطاب والعام في خطاب آخر فإن لم يكن أحدهما أظهر كما لو كانت النسبة بينهما العموم من وجه فيسقط كلا الظهورين عن الاعتبار وهذا هو المراد من إجمالهما وإلّا فيقدّم الأخصّ الذي هو الأظهر فيكون قرينة على التصرّف في الآخر بتصرّف لا يخالف ذلك التصرّف الأظهر بحسب العمل به.

أقول : إذا كان المفهوم المخالف بالإضافة إلى العام من قبيل الحاكم فلا ينبغي التأمّل في لزوم الأخذ بالمفهوم بلا فرق بين اتصال العام بخطاب المنطوق وانفصاله وبلا فرق بين كون دلالة العام على العموم وضعية أم إطلاقية كما في قوله سبحانه وتعالى (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ)(١) وذلك فإنّ خطاب العام كسائر الخطابات التي مفادها قضية حقيقية غير ناظرة إلى إثبات عنوان الموضوع وتعيين

__________________

(١) سورة الحجرات : الآية ٦.

٢٩٦

.................................................................................................

______________________________________________________

تحقّقه خارجا بل مفاده ثبوت الحكم للموضوع على تقدير تحقّقه وفعليّته ، وإذا كان مفاد مفهوم المخالفة عدم كون شيء فردا لذلك العام فيؤخذ به وبمدلول العام ، من غير تناف بينهما ، ومفاد الآية الكريمة بناء على ثبوت المفهوم لها أنّه إذا كان الجائي بالخبر عادلا فالمخبر به محرز ومعلوم ، ومقتضى التعليل عدم جواز الاعتماد على غير العلم فتكون النتيجة خروج مورد شمول المفهوم عن حكم العام ثبوتا.

وأمّا إذا كان المفهوم المخالف بالإضافة إلى العام من قبيل الخاص والعام كما لو ورد : «كلّ صفرة رأتها المرأة استحاضة» وورد : «إذا رأت الصفرة في غير أيامها فهي استحاضة» فإنّ مقتضى الشرطية عدم كونها استحاضة إذا رأتها أيام حيضها ، ومقتضى العموم عدم الفرق بين تلك الصفرة وغيرها في كون كلّ منهما استحاضة ففي الفرض يقدّم المفهوم الأخصّ على عموم العام حتّى فيما كان العام متّصلا بالمنطوق ودلالته على العموم وضعيا ، وكانت دلالة القضية الشرطية على المفهوم بإطلاق الشرط ، بمعنى عدم ذكر العدل له على ما تقدّم بيانه في مفهوم الشرط وذلك فإنّ الخاص قرينة عرفية على المراد الجدّي من دون العكس ، ومع التعبّد بالقرينة لا موضوع لأصالة التطابق في ناحية عموم العام.

وإن شئت قلت : أصالة الظهور أو الإطلاق في ناحية الخاص حاكمة على أصالة العموم في ناحية العام إذ بالتعبّد بالخاص تثبت القرينة على عدم إرادة العموم في ناحية العام كما إذا ورد في خطاب «لا تشتم أحدا من الناس» وورد متصلا أو منفصلا الأمر بشتم الفاسق ، وشك في أنّ المراد بالفاسق مطلقه أو خصوص المتجاهر بفسقه ، فإنّه لا ينبغي التأمّل في أنّ أصالة الإطلاق في ناحية الخاص توجب رفع اليد عن عموم النهي عن شتم الناس ولو قلنا بأنّ اسم الجنس الواقع في سياق النهي يفيد

٢٩٧

.................................................................................................

______________________________________________________

العموم ، وعلى ما ذكرنا تكون أصالة الإطلاق الجارية في ناحية الشرط في القضية الشرطية حاكمة على أصالة العموم.

وأمّا إذا كانت النسبة بين المفهوم والعام العموم من وجه فلا يعدّ شيء منهما قرينة عرفية على الآخر فيتساقطان في مورد اجتماعهما.

نعم قد يقال بأنّه إذا كانت الدلالة على العموم بالوضع فيؤخذ به لتمامية الظهور في ناحيته وعدم تمامية الإطلاق في ناحية الشرط وتمام الكلام في ذلك في بحث تعارض العامين من وجه.

٢٩٨

فصل

الاستثناء المتعقب لجمل متعددة ، هل الظاهر هو رجوعه إلى الكل [١] أو خصوص الأخيرة ، أو لا ظهور له في واحد منهما ، بل لا بد في التعيين من قرينة؟ أقوال.

والظاهر أنه لا خلاف ولا إشكال في رجوعه إلى الأخيرة على أيّ حال ، ضرورة أن رجوعه إلى غيرها بلا قرينة خارج عن طريقة أهل المحاورة ، وكذا في صحة رجوعه إلى الكل ، وإن كان المتراءى من كلام صاحب المعالم رحمه‌الله حيث مهّد مقدمة لصحة رجوعه إليه ، أنه محل الإشكال والتأمل.

______________________________________________________

تعقب الاستثناء للجمل المتعددة

[١] ذكر قدس‌سره ما حاصله : أنّ رجوع الاستثناء إلى الأخيرة متيقّن لأنّ رجوعه إلى غيرها خاصة من الجمل بلا نصب قرينة خلاف طريقة أهل المحاورة ، ولذا يقع الكلام في المقام في أنّ له ظهورا في رجوعه إلى الكلّ ، أو يختصّ بالأخيرة ، أو لا ظهور له في شيء منهما والصحيح هو الأخير ولكن لا تأمل في رجوعه إلى الأخيرة ، كما لا تأمل في صحة رجوعه إلى الجميع.

ولكن يظهر من كلام صاحب المعالم قدس‌سره أنّه قد يتوهم عدم جواز رجوعه إلى الجميع ، وأنّ صحة رجوعه إلى الجميع ، مبني على جواز استعمال اللفظ المشترك في أكثر من معناه حيث التزم قدس‌سره بأنّ لفظة «إلّا» أو سائر الأدوات ليست بالإضافة إلى أفراد الاستثناء من قبيل الألفاظ المشتركة بل غايتها أنّ وضعها عام والموضوع له فيها خاص ، فهي موضوعة بالوضع العام لخصوصيات الإخراج ، لا لكلّ إخراج وضع مستقل حتّى يكون مشتركا ، بل بوضع واحد لجميع الإخراجات إلّا أنّ تعيين كلّ

٢٩٩

وذلك ضرورة أن تعدد المستثنى منه ، كتعدد المستثنى ، لا يوجب تفاوتا أصلا في ناحية الأداة بحسب المعنى ، كان الموضوع له في الحروف عاما أو خاصا ، وكان المستعمل فيه الأداة فيما كان المستثنى منه متعددا هو المستعمل فيه فيما كان واحدا ، كما هو الحال في المستثنى بلا ريب ولا إشكال ، وتعدد المخرج أو المخرج عنه خارجا لا يوجب تعدد ما استعمل فيه أداة الإخراج مفهوما ، وبذلك يظهر أنه لا ظهور لها في الرجوع إلى الجميع ، أو خصوص الأخيرة ، وإن كان الرجوع إليها متيقنا على كل تقدير ، نعم غير الأخيرة أيضا من الجمل لا يكون ظاهرا في العموم لاكتنافه بما لا يكون معه ظاهرا فيه ، فلا بد في مورد الاستثناء فيه من الرجوع إلى الأصول.

______________________________________________________

إخراج يحتاج إلى القرينة كالمشترك (١).

وأجاب عنه في الكفاية بأنّ لفظة «إلّا» ـ فيما إذا أريد الاستثناء من الجميع ـ تستعمل في النسب الإخراجية المتعدّدة ، ولكن بما أنّ وضعها عامّ فلا يكون استعمالها من استعمال اللفظ المشترك في أكثر من معناه.

ولكن لا يخفى ضعفه وضعف التوهّم فإنّ لفظة «إلّا» مثلا في مورد رجوع الاستثناء إلى جميع الجمل يراد منها النسبة الخارجية الواحدة ، حيث إنّ تعدّد المخرج منه كتعدّد الخارج لا يوجب تعدّد النسبة الخارجية فالمستعمل فيه لا يخرج عن كونه نسبة إخراجية واحدة ، ولو فرض أنّ الموضوع له النسبة الإخراجية الجزئية ـ كما هو مقتضى القول بالوضع العام والمستعمل فيه الخاص ـ لكانت لفظة «إلّا» مستعملة في تلك النسبة الجزئية وإن كان الموضوع له فيها عامّا كوضعها فتكون إرادة

__________________

(١) المعالم : ٣٦١ ، تحقيق البقال ، طبع النجف.

٣٠٠