دروس في مسائل علم الأصول - ج ٣

آية الله الميرزا جواد التبريزي

دروس في مسائل علم الأصول - ج ٣

المؤلف:

آية الله الميرزا جواد التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات دار الصديقة الشهيدة عليها السلام
المطبعة: نگين
الطبعة: ٢
ISBN: 978-964-94850-9-1
ISBN الدورة:
978-964-94850-1-0

الصفحات: ٤٤٥

وأما العبادات فما كان منها عبادة ذاتية [١] كالسجود والركوع والخشوع والخضوع له تبارك وتعالى ، فمع النهي عنه يكون مقدورا ، كما إذا كان مأمورا به ، وما كان منها عبادة لاعتبار قصد القربة فيه لو كان مأمورا به ، فلا يكاد يقدر عليه إلّا

______________________________________________________

الإتيان المزبور مقدورا وإن لم يكن صحيحا ومؤثرا في النقل والانتقال مثلا.

أقول : كلام الماتن هذا ينافي ما تقدّم من عدم اقتضاء حرمة المعاملة فسادها سواء كان المنهي عنه هو السبب بما هو فعل مباشري أو بالتسبيب وهو مضمونها أو بالتسبب بها إليه.

وكأنّ مراده قدس‌سره أنّ المسبب في المعاملة لا يتّصف حقيقة بالصحة أو الفساد ، بل بالوجود والعدم ومقتضى نهي الشارع عن المسبب كونه مقدورا يمكن للعبد إيجاده ، فلا يمكن النهي عنه مع عدم صحة المعاملة ، وكذا الحال في التسبيب إليها ، وهذا بخلاف السبب فإنّ الإيجاب والقبول يتّصف بالصحة والفساد بمفاد كان الناقصة ولا يقتضي النهي عنه تماميته بحصول المسبّب.

ويبقى على الماتن قدس‌سره الجواب عن الموارد التي يكون التسبيب في المعاملة حراما مع بطلانها كما في الحرمة المتعلّقة بالبيع الربوي تكليفا.

والحق في الجواب عن كلّ ذلك هو ما ذكرنا من أنّه ليس في المعاملات سبب وتسبيب ومسبّب بالإضافة إلى أثرها الشرعي بل المعاملة بإنشائها ومضمونها موضوع للإمضاء الشرعي ، والنهي عنها لا يقتضي الإمضاء ولا عدم الإمضاء ، بل مفاده الزجر عن إيجاد الموضوع لا أكثر.

[١] قد تقدّم أنّ المحكي عن أبي حنيفة والشيباني من دلالة النهي على الصحّة يعمّ النهي عن العبادة.

١٢١

إذا قيل باجتماع الأمر والنهي في شيء ولو بعنوان واحد ، وهو محال ، وقد عرفت أن النهي في هذا القسم إنما يكون نهيا عن العبادة ، بمعنى أنه لو كان مأمورا به ، كان الأمر به أمر عبادة لا يسقط إلّا بقصد القربة ، فافهم.

______________________________________________________

وأورد الماتن قدس‌سره عليه : بأنّ النهي عن العبادة لا يقتضي صحتها فإنّ المنهي عنه إذا كانت عباديته ذاتية ، أي لم يكن عباديتها بالأمر بها وتعلّق بها النهي يحكم بفسادها مع النهي حيث تسقط بالتحريم عن قابلية التقرّب ، وأمّا إذا كانت عباديتها بالأمر فقد تقدّم أنّ العبادة الفعلية من هذا القسم غير قابلة لتعلّق النهي بها لاستلزامه اجتماع الأمر والنهي في شيء واحد بعنوان واحد ، فلا بدّ من أن يكون متعلّق النهي ما تقدّم من أنّه لو فرض تعلّق الأمر به لم يكن يسقط إلّا بقصد التقرّب ، ومن الظاهر أنّ النهي عن العبادة بهذا المعنى لا يقتضي صحتها بل يقتضي فسادها لعدم قابلية المنهي عنه للتقرب به ، بل عدم الأمر بها المنكشف عن تعلّق النهي كاف في الحكم بفسادها.

١٢٢

المقصد الثالث

(في المفاهيم)

١٢٣
١٢٤

المقصد الثالث : في المفاهيم

مقدّمة

وهي : إن المفهوم ـ كما يظهر من موارد إطلاقه ـ هو عبارة عن حكم إنشائي أو إخباري تستتبعه خصوصية المعنى الذي أريد من اللفظ ، بتلك الخصوصية ولو بقرينة الحكمة [١] ، وكان يلزمه لذلك ، وافقه في الإيجاب والسلب أو خالفه ،

______________________________________________________

تعريف المفهوم

[١] حاصل ما ذكره قدس‌سره في بيان المراد من المفهوم في المقام هو أنّ المفهوم كما يظهر من موارد إطلاقه حكم إنشائي أو إخباري يكون لازما للخصوصية المستفادة من الكلام الدالّ على حكم آخر سواء كانت دلالته على تلك الخصوصية بالوضع أو بالقرينة ، فمثلا عدم وجوب إكرام زيد على تقدير عدم مجيئه حكم يلزم من الخصوصية المستفادة من قوله «إذا جاءك زيد فأكرمه» حيث إنّ وجوب إكرامه على تقدير مجيئه حكم تدلّ عليه الجملة الشرطية ، مع دلالتها على أنّ مجيئه هي العلّة المنحصرة لذلك الحكم ، ويلزم من كونه علّة منحصرة له انتفاء وجوب إكرامه على تقدير عدم مجيئه.

وبتعبير آخر : قد يلزم حكم من مجرّد ثبوت حكم آخر بلا توسيط دلالة كلامية على الخصوصية كما إذا ورد في الخطاب وجوب الكفارة على من جامع في نهار شهر رمضان ، فإنّه يلزم على هذا الحكم كون الجماع مفطرا وهذا لا يسمّى مفهوما

١٢٥

فمفهوم (إن جاءك زيد فأكرمه) مثلا ـ لو قيل به ـ قضية شرطية سالبة بشرطها وجزائها ، لازمة للقضية الشرطية التي تكون معنى القضية اللفظية ، وتكون لها خصوصية ، بتلك الخصوصية كانت مستلزمة لها ، فصح أن يقال : إن المفهوم إنما

______________________________________________________

وقد يكون الكلام دالّا على الخصوصية ولكن لا يلزم منها حكم غير ما ذكر في الكلام بلا فرق بين كون تلك الخصوصية مدلولا عليها بالوضع أو بقرينة الحكمة أو بغيرها كما في قوله تعالى (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ)(١) ، فإنّ مدلوله حلّية البيع وشمولها لجميع أفراده ، وخصوصية الشمول مستفادة من قرينة الحكمة المسمّاة بمقدّمات الإطلاق ولكن لا تلازم حكما غير ما دلّ عليه الكلام بل تلك الخصوصية عين ثبوت الحكم دالا على الأفراد بنحو العموم المذكور لجميع الأفراد ، ولو كان قوله تعالى (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) لكانت الخصوصية مستفادة بالوضع ، وعلى كلا التقديرين فلا يدخل هذا في المفهوم المصطلح المقابل للمنطوق ، وعليه فالمفهوم حكم غير مذكور ، سواء كان موضوعه مذكورا أم لا والأوّل كما في القضية الشرطية والثاني كما في قوله (في الغنم السائمة زكاة) فإنه بناء على مفهوم الوصف يدلّ الوصف على خصوصية يلزم منها عدم الزكاة في الغنم المعلوفة وعدم الزكاة فيها غير مذكور حتّى بموضوعه.

ومما ذكر يظهر أنّ تعريف المفهوم بأنّه حكم إخباري أو إنشائي لغير مذكور يختص بالثاني ولا يعمّ الأول مع إطلاق المفهوم على كلّ منهما.

وبالجملة إذا كان الكلام دالّا على خصوصية يلزم من تلك الخصوصية حكم لم يذكر في الكلام ، يكون الحكم غير المذكور مفهوما والحكم المذكور منطوقا فالمفهوم المصطلح وصف للمدلول أي الحكم غير المذكور ولذا يقال هل للقضية الشرطية

__________________

(١) سورة البقرة : الآية ٢٧٥.

١٢٦

هو حكم غير مذكور ، لا أنه حكم لغير مذكور ، كما فسر به ، وقد وقع فيه النقض والإبرام بين الأعلام ، مع أنه لا موقع له كما أشرنا إليه في غير مقام ، لأنه من قبيل شرح الإسم ، كما في التفسير اللغوي.

ومنه قد انقدح حال غير هذا التفسير مما ذكر في المقام ، فلا يهمنا التصدي

______________________________________________________

دلالة على المفهوم أو لا ، وتوصيف نفس الدلالة بالمفهوم نظير توصيف الدلالة بالمنطوق أحيانا وذلك من قبيل الوصف بحال المتعلّق فيقال دلالة الكلام على ذلك بالمنطوق ودلالته على هذا بالمفهوم.

أقول : يبقى على الماتن بيان الفرق بين مثل ما دلّ على تحريم قول الابن لأبويه «أف» حيث يستفاد منه حرمة شتمهما بالمفهوم ، وبين ما دلّ على وجوب الكفارة على من جامع في شهر رمضان ، حيث يستفاد منه كون الجماع في نهاره مفطرا فيلزم انفهام الحكم الآخر في كلّ منهما من انفهام الحكم الأول الذي مدلول الكلام ، لا أنّه يلزم من الخصوصية المستفادة مع الحكم الأول.

أضف إلى ذلك ما يأتي من أنّ دلالة الكلام على المفهوم لا يتوقف على دلالته على الخصوصية المشار إليها.

ولذا ذكر بعض الأعلام قدس‌سره أنّ المفهوم يطلق على ما يكون المستفاد بالملازمة مخالفا للحكم المذكور في الكلام بالنفي والإثبات أو موافقا له ولكن ثبت بالترقّي كما في موارد المفهوم بالموافقة (١).

لكن يرد على ذلك عدم وجود جامع بين الأمرين ليكون هو المفهوم.

وذكر المحقّق النائيني قدس‌سره أنّه إذا كان المدلول الالتزامي للجملة التركيبية من

__________________

(١) مطارح الأنظار : ١٦٩.

١٢٧

لذلك ، كما لا يهمنا بيان أنه من صفات المدلول أو الدلالة وإن كان بصفات المدلول أشبه ، وتوصيف الدلالة به أحيانا كان من باب التوصيف بحال المتعلق.

______________________________________________________

اللزوم البين بمعنى الأخص فيطلق عليه المفهوم في مقابل المنطوق وإذا كان المدلول الالتزامي من البين بالمعنى الأعم فتدخل في الدلالة السياقية كما في دلالة الإشارة والتنبيه والاقتضاء.

وبتعبير آخر : انفهام مفهوم تركيبي من جملة تركيبية إذا استند إلى دلالة نفس الجملة يسمّى منطوقا وإذا كان للزومه لمدلول الجملة في نفسها فإن كان بنحو اللزوم البيّن بالمعنى الأخص يسمّى مفهوما فالدلالة المفهومية داخلة في الدلالة اللفظية بخلاف ما إذا كان بنحو اللزوم البيّن بالمعنى الأعم بأن يكون انفهام اللازم لانفهام مدلول نفس مدلول الجملة التركيبية محتاجا إلى ضمّ مقدّمة عقلية خارجية كانفهام وجوب المقدّمة من وجوب ذيها فإنّ هذه الدلالة لا تدخل في المنطوق ولا بالمفهوم بل تدخل في الدلالة السياقية والاقتضاء ولا فرق في ـ انفهام اللازم من نفس انفهام مدلول الجملة التركيبية ـ بين أن يكون انفهام اللازم من مدلول خطاب واحد كانفهام كون المواقعة في نهار شهر رمضان موجبا للكفارة من قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «كفّر» في جواب من قال له «هلكت وأهلكت يا رسول الله واقعت أهلي في نهار شهر رمضان» ، أو من خطابين كدلالة الآيتين على أقلّ الحمل ، وعلى ما ذكر يدخل المفهوم في الدلالة اللفظية كدخول الدلالة الالتزامية الثابتة في الألفاظ المفردة كدلالة العمى على البصر وحاتم على الجود (١).

أقول : ليس انفهام وجوب المقدّمة من وجوب ذيها من اللزوم البيّن على

__________________

(١) أجود التقريرات ١ / ٤١٣.

١٢٨

وقد انقدح من ذلك أن النزاع في ثبوت المفهوم وعدمه في الحقيقة ، إنما يكون في أن القضية الشرطية أو الوصفية أو غيرهما هل تدلّ بالوضع أو بالقرينة العامة على تلك الخصوصية المستتبعة لتلك القضية الأخرى ، أم لا؟

______________________________________________________

مصطلح القوم لا البيّن بالمعنى الأخص ولا البيّن بالمعنى الأعم ، بل على مصطلحهم إذا كان نفس لحاظ الملزوم وتعقّله كافيا في الانتقال إلى لازمه يسمّى اللزوم بيّنا بالمعنى الأخص وإذا احتاج الانتقال إليه إلى ملاحظة النسبة بين اللازم والملزوم فاللزوم بيّن بالمعنى الأعمّ.

أضف إلى ذلك عدم معهودية إطلاق المفهوم على انفهام كون المواقعة موجبا للكفّارة من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «كفّر» في جواب السائل المزبور في مقابل المنطوق ، بل هو من استفادة الحكم الكلّي من الجواب للعلم بعدم دخالة خصوص ما فرضه السائل في سؤاله في ثبوت الحكم المذكور.

وذكر المحقّق العراقي قدس‌سره أنّ المفهوم المصطلح هو من الدلالة اللفظية الالتزامية وأنّ الفرق بين دلالة لفظ حاتم على الجود وانوشيروان على العدالة ودلالة الجملة الشرطية أو الوصفية على المفهوم ، أنّ ما يدلّ عليه الكلام في الأول معنى افرادي بخلاف الثاني ، فإنّ المدلول عليه باللزوم مفاد قضية غير مذكورة.

وبالجملة مراتب اللزوم على معنى الكلام مختلفة ، فتارة يكون نقل مدلول الكلام إلى ذهن المخاطب كافيا في انتقاله إلى اللازم ، وهذه الدلالة بالإضافة إلى اللازم من اللزوم البيّن بالمعنى الأخص ، ويسمّى الانتقال إلى اللازم من سماع الكلام بالدلالة الالتزامية اللفظية ، وأخرى يكون الانتقال إلى اللازم محتاجا إلى ملاحظة الملازمة بينهما والالتفات إليها تفصيلا ليتحقق بعده الانتقال إلى اللازم وذلك لخفاء الملازمة.

١٢٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وبتعبير آخر : إنّ الملازمة قد تكون خفية بمثابة يحتاج الالتفات اليها إلى تحقيق النظر والتدبّر ، ومن هذا القبيل ما يصدر عن أرباب العلوم من الإشكالات العلمية في أخذ بعضهم بعضا بما يقتضيه كلامهم من التوالي الفاسدة ، حيث إنّه لو لا خفاء الملازمة على صاحب الكلام لما يصدر عنه ما يلزم من التالي الفاسد ، وقد تكون أقلّ خفاء من السابقة وواضحة في الجملة بنحو يكفي في الانتقال إلى اللازم تصوّر الملزوم ولحاظ الملازمة من دون احتياج إلى تدقيق النظر في أصل الانتقال إلى الملازمة ويعبّر عن ذلك باللزوم البيّن بالمعنى الأعم وعن سابقه باللزوم غير البيّن ، وكما ذكرنا يعبّر عن القسم الأول باللزوم البيّن بالمعنى الأخص ووضوح الملازمة في القسم الأول بحيث لا يحتاج الانتقال إلى اللازم فيه إلى لحاظ الملازمة تفصيلا كما في القسم الثاني ولا إجمالا كما في القسم الأخير ، ومن هذا الأخير دلالة الآيتين على أقلّ الحمل ستة أشهر.

ثمّ إنّ ما يطلق عليه المفهوم من اللازم هو القسم الأول بحيث يكون الانتقال إلى مدلول الكلام كافيا في الانتقال إلى اللازم ، وحيث إنّ هذا النحو من اللزوم يتحقّق في المعاني الإفرادية أيضا ولا يطلق عليها المفهوم المصطلح عليه في مقابل المنطوق ، عرّف المفهوم بأنّه حكم غير مذكور أو حكم لغير مذكور (١).

أقول : لو كان المفهوم المصطلح من اللزوم البيّن بالمعنى الأخص الذي ذكره قدس‌سره لما كان اختلاف في ثبوت المفهوم للقضية الشرطية أو الوضعية كما لم يختلف أحد في الانتقال إلى البصر من سماع لفظ العمى أو إلى حاتم من سماع لفظ الجود.

__________________

(١) نهاية الأفكار ١ / ٤٦٨.

١٣٠

.................................................................................................

______________________________________________________

ولكنّ الذي يسهّل الخطب هو أنّ تطويل الكلام في ميزات الفارق بين المنطوق والمفهوم المصطلح عليه بلا طائل لعدم ترتّب أثر عملي على خصوص أحدهما ، وما يقال من أنّ في مورد تعارض المنطوق والمفهوم يقدّم المنطوق على المفهوم كلام لا أساس له ، بل لا يقدّم ما لا يعدّ قرينة عرفية على التصرّف في الآخر كما يأتي ، مفهوما كان أو منطوقا.

١٣١

فصل

الجملة الشرطية هل تدل على الانتفاء عند الانتفاء ، كما تدل على الثبوت عند الثبوت بلا كلام ، أم لا؟ فيه خلاف [١] بين الاعلام.

لا شبهة في استعمالها وإرادة الانتفاء عند الانتفاء في غير مقام ، إنما الإشكال والخلاف في أنّه بالوضع أو بقرينة عامة ، بحيث لا بدّ من الحمل عليه لو لم يقم على خلافه قرينة من حال أو مقال ، فلا بد للقائل بالدلالة من إقامة الدليل على الدلالة ، بأحد الوجهين على تلك الخصوصية المستتبعة لترتب الجزاء على الشرط ، نحو ترتب المعلول على علته المنحصرة.

وأما القائل بعدم الدلالة ففي فسحة ، فإن له منع دلالتها على اللزوم ، بل على مجرد الثبوت عند الثبوت ولو من باب الاتفاق ، أو منع دلالتها على الترتب ، أو على نحو الترتب على العلة ، أو العلة المنحصرة بعد تسليم اللزوم أو العلية.

لكن منع دلالتها على اللزوم ، ودعوى كونها اتفاقية ، في غاية السقوط ، لانسباق اللزوم منها قطعا ، وأمّا المنع عن أنّه بنحو الترتب على العلة فضلا عن كونها منحصرة ، فله مجال واسع.

______________________________________________________

مفهوم الشرط

[١] لا ينبغي التأمّل في أنّ القضية الشرطية تدلّ على المنطوق وهو ثبوت مضمون الجزاء عند ثبوت الشرط الوارد فيها ، وهذا لا خلاف فيه ، وإنّما الخلاف في أنّ لها مدلول آخر أيضا غير مدلولها المنطوقي ، وهو انتفاء سنخ الحكم الوارد في الجزاء على تقدير انتفاء الشرط المسمّى بالمفهوم أم لا.

وذكر الماتن قدس‌سره أنّ دلالة القضية الشرطية على ذلك ـ سواء كان بالوضع أو

١٣٢

ودعوى تبادر اللزوم والترتب بنحو الترتب على العلة المنحصرة ـ مع كثرة استعمالها في الترتب على نحو الترتب على الغير المنحصرة منها بل في مطلق اللزوم ـ بعيدة ، عهدتها على مدعيها ، كيف؟ ولا يرى في استعمالها فيهما عناية ، ورعاية علاقة ، بل إنما تكون إرادته كإرادة الترتب على العلة المنحصرة بلا عناية ، كما يظهر على من أمعن النظر وأجال البصر في موارد الاستعمالات ، وفي عدم الإلزام والأخذ بالمفهوم في مقام المخاصمات والاحتجاجات ، وصحة الجواب بأنه لم يكن لكلامه مفهوم ، وعدم صحته لو كان له ظهور فيه معلوم.

وأما دعوى الدلالة ، بادعاء انصراف إطلاق العلاقة اللزومية إلى ما هو أكمل افرادها ، وهو اللزوم بين العلة المنحصرة ومعلولها ، ففاسدة جدا ، لعدم كون الأكمليّة موجبة للانصراف إلى الأكمل ، لا سيما مع كثرة الاستعمال في غيره ، كما لا يكاد يخفى.

هذا مضافا إلى منع كون اللزوم بينهما أكمل مما إذا لم تكن العلة بمنحصرة ، فإن الانحصار لا يوجب أن يكون ذاك الربط الخاص الذي لا بد منه في تأثير العلة في معلولها آكد وأقوى.

______________________________________________________

بالإطلاق بحيث يثبت هذا المدلول لها إذا لم تقم قرينة خاصة على خلافها ـ موقوفة على إثبات أنّها تدلّ على أنّ الشرط الوارد فيها علة منحصرة لسنخ الحكم الوارد في الجزاء فيتعيّن على القائل بالمفهوم لها من إثبات دلالتها على هذه العلّية ومعلولية الجزاء. وأمّا القائل بعدم المفهوم لها فيمكن له منع دلالتها على اللزوم والترتّب بدعوى أنّ مدلولها مجرّد ثبوت الحكم الوارد في الجزاء وتحقّقه مع تحقّق الشرط ولو كان هذا الاجتماع من باب الاتفاق ، أو يدّعى دلالتها على كون الاجتماع بين مضمون الجزاء وتحقّق الشرط بنحو من اللزوم والربط ولكن لا دلالة لها على كون

١٣٣

.................................................................................................

______________________________________________________

الشرط فيها علّة لثبوت سنخ الحكم الوارد في الجزاء فضلا عن دلالتها على كون الشرط علّة منحصرة لثبوت طبيعي الحكم الوارد في جزائها.

ثمّ ذكر قدس‌سره انّ دعوى كون مدلولها مجرّد اجتماع مضمون الجزاء مع تحقّق الشرط ولو كان الاجتماع أمرا اتفاقيا بعيد عن ظهور الجملة الشرطية ، بل ظهورها في كون اجتماعهما بنحو اللزوم والارتباط غير قابل للإنكار.

نعم ، دعوى عدم ظهورها في كون ترتب الجزاء على تحقّق الشرط من قبيل لزوم المعلول لعلّته فضلا عن دلالتها على كون الشرط هو العلّة المنحصرة للجزاء قابلة للتأمّل والمنع.

لكثرة استعمال الجملة الشرطية في الموارد التي لا يكون الشرط فيها علّة لثبوت الجزاء ، أو الموارد التي لا يكون الشرط علّة منحصرة ، بلا عناية في استعمالها في مثل هذه الموارد ، وبهذا يحرز أنّ كون الشرط هو العلّة المنحصرة للجزاء الوارد فيها ، غير داخل في مدلولها ، فيقال : (إذا حلّت الصلاة للمستحاضة حلّ لزوجها الدخول بها) وقوله : (إذا قصّرت أفطرت) وقوله : (إذا ذكر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فصلّ عليه) إلى غير ذلك من موارد الاستعمال التي من أمعن النظر فيها يجد عدم عناية في استعمال الجملة الشرطية فيها ، ويدلّ على ما ذكر أيضا عدم صحّة إلزام الخصم والأخذ بمفهوم كلامه في مقام المخاصمات وصحّة جوابه أنّه لم يكن لكلامه مفهوم ولو كانت للقضية الشرطية دلالة على المفهوم كدلالتها على المنطوق لم يصحّ الجواب بعدم المفهوم لكلامه ، كما لم يصحّ اعتذاره بأنّه لم يكن لكلامه دلالة على المنطوق.

وربّما يدّعى أنّ ترتّب المعلول على علّته المنحصرة من أكمل أفراد العلاقة اللزومية فتنصرف العلاقة اللزومية المستفادة من القضية الشرطية إلى أكمل أفرادها.

١٣٤

إن قلت : نعم ، ولكنه قضية الإطلاق بمقدمات الحكمة [١] ، كما أن قضية إطلاق صيغة الأمر هو الوجوب النفسي.

قلت : أولا : هذا فيما تمت هناك مقدمات الحكمة ، ولا تكاد تتم فيما هو مفاد الحرف كما هاهنا ، وإلّا لما كان معنى حرفيا ، كما يظهر وجهه بالتأمل.

وثانيا : تعينه من بين أنحائه بالاطلاق المسوق في مقام البيان بلا معين ، ومقايسته مع تعيّن الوجوب النفسي بإطلاق صيغة الأمر مع الفارق ، فإنّ النفسي هو الواجب على كلّ حال بخلاف الغيري ، فإنّه واجب على تقدير دون تقدير ، فيحتاج بيانه إلى مئونة التقييد بما إذا وجب الغير ، فيكون الإطلاق في الصيغة مع مقدمات الحكمة محمولا عليه ، وهذا بخلاف اللزوم والترتب بنحو الترتب على العلة المنحصرة ، ضرورة أن كل واحد من أنحاء اللزوم والترتب ، محتاج في تعينه إلى القرينة مثل الآخر ، بلا تفاوت أصلا ، كما لا يخفى.

______________________________________________________

وقد أجاب الماتن عن ذلك بوجهين :

اوّلا : عدم كون أكملية الفرد موجبة لانصراف اللفظ الدال على ذات المطلق إليه.

وثانيا : كون شيء علّة منحصرة لا يوجب أن يكون لزوم معلوله له من أفضل وأكمل أفراد اللزوم ، حيث إنّ الانحصار في العلّية لا يوجب كون تأثيرها في معلولها أقوى وآكد من غيرها.

[١] وحاصله أنّه لا وجه لدلالة أداة الشرط ـ في القضية الشرطية الدالّة على اللزوم والارتباط بين مضمون الجزاء وتحقّق الشرط ـ على أنّ اللزوم بنحو ترتّب المعلول على علّته المنحصرة بالوضع ، كما أنه لا وجه لدعوى ظهورها في هذا النحو من اللزوم بالانصراف ، لما تقدّم من أنّ صحّة استعمالها في غير موارد الترتّب المزبور بلا عناية شاهد على عدم كون استعمالها في تلك الموارد بنحو المجاز كما أنّه

١٣٥

ثم إنه ربما يتمسك للدلالة على المفهوم بإطلاق الشرط [١] ، بتقريب أنه لو لم يكن بمنحصر يلزم تقييده ، ضرورة أنه لو قارنه أو سبقه الآخر لما أثر وحده ،

______________________________________________________

لا موجب لانصرافها إلى الترتّب كذلك ، ولكنّ دلالتها على الترتّب المزبور مقتضى إطلاق معنى الأداة ، نظير ما ذكر من أنّ مقتضى إطلاق صيغة الأمر الدالّة على الطلب كون الطلب نفسيا ، حيث إنّ صيغة الأمر وإن كانت تستعمل في موارد الطلب الغيري ولا تنصرف إلى الطلب النفسي إلّا أنّ مقتضى إطلاق الطلب كونه نفسيا وفي المقام أيضا أداة الشرط الدالّة على اللزوم بين الجزاء والشرط مقتضى إطلاقها كون اللزوم بنحو ترتّب المعلول على علّته المنحصرة.

وأجاب عن ذلك أنّ مقدّمات الحكمة لا تجري في ناحية المعاني الحرفية لعدم كونها ملحوظة إلّا تبعا لمعاني مدخولاتها على ما مرّ في معاني الحروف ، ومع غضّ النظر عن ذلك فلا يقاس أداة الشرط على إطلاق صيغة الأمر ، وذلك لأنّ سنخ الوجوب في النفسي والغيري مختلف ، فإنّ نفس الوجوب في النفسي فيه سعة من جهة وجوب شيء آخر وعدمه ، بخلاف الوجوب الغيري فإنّ في نفس الوجوب الغيري ضيق لا يحصل عند عدم وجوب شيء آخر ، فيكون الإطلاق في مقام الإثبات وعدم تقييد الأمر بفعل بوجوب الفعل الآخر دالّا على كون الوجوب نفسيا إذا تمّت مقدّمات الحكمة ، بخلاف أنحاء اللزوم فإنّ الترتّب على العلّة المنحصرة كالترتّب على غير المنحصرة يحتاج كلّ منهما إلى قرينة ومعيّن بلا تفاوت في ناحية حصول المعلول بحصول كلّ منهما ، والأداة دالّة على مطلق اللزوم لا على اللزوم بنحو الترتّب على العلّة فضلا عن الترتّب على العلة المنحصرة ، وكلّ نحو من التلازم سواء كان بنحو الترتّب واللزوم أو بنحو الترتّب على الملزوم والعلّة يحتاج إلى قرينة لا تدلّ الأداة عليهما بدونها.

[١] قد ذكر لدلالة الجملة الشرطية على المفهوم وجهين آخرين أشار إلى أوّلهما

١٣٦

وقضية إطلاقه أنه يؤثر كذلك مطلقا.

وفيه أنه لا تكاد تنكر الدلالة على المفهوم مع إطلاقه كذلك ، إلّا أنه من المعلوم ندرة تحققه ، لو لم نقل بعدم اتفاقه.

______________________________________________________

بقوله «ربّما يتمسّك للدلالة على المفهوم بإطلاق الشرط بتقريب أنّه لو لم يكن بمنحصر ... إلخ».

وحاصل هذا الوجه : أنّ ظاهر مدلول الجملة الشرطية كون الشرط فيها مؤثّرا في ثبوت الجزاء وحصول مضمونه ولو لم يكن الشرط بمنحصر لما أثر وحده فيما إذا سبقه أو قارنه شرط آخر وقضية إطلاق الشرط أنّه يؤثّر بمفرده سواء قارنه شيء آخر أو سبقه ، ولو لم يكن الأمر كذلك كان على المتكلّم تقييد الشرط بما يخرجه عن هذه الدلالة.

وأجاب الماتن قدس‌سره عن هذا الوجه بأنّ مدلول الجملة الشرطية حصول الجزاء بحصول الشرط وأمّا أنّه المؤثّر الوحيد أو أنّ المؤثّر هو الجامع او السابق معه فلا تعرّض لها لذلك.

نعم ، لو فرض في مورد ما ثبوت الإطلاق المقامي وتعرّض المتكلّم للمؤثّر في الجزاء وكيفية تأثيره ولم يذكر في ذلك إلّا الشرط لصحّ أن يقال أنّه يستفاد من الإطلاق الانحصار ، ولكن هذا فرض اتفاقي ومدلول الجملة الشرطية مجرّد ثبوت الجزاء عند ثبوت الشرط بنحو اللزوم والارتباط كما تقدّم.

الوجه الثاني ما أشار إليه بقوله قدس‌سره : «أمّا توهّم أنّه مقتضى إطلاق الشرط بتقريب أنّ مقتضاه تعيّنه ... إلخ» وحاصله لو كان الجزاء ثابتا مع شرط آخر أيضا لكان على المتكلّم ذكر العدل للشرط ، نظير ما يقال إنّه لو كان الواجب تخييريا لكان اللازم ذكر العدل له في الخطاب.

وأجاب قدس‌سره عن ذلك بأنّ سنخ الوجوب التعييني يغاير سنخ الوجوب التخييري

١٣٧

فتلخص بما ذكرناه ، أنه لم ينهض دليل على وضع مثل (إن) على تلك الخصوصية المستتبعة للانتفاء عند الانتفاء ، ولم تقم عليها قرينة عامة ، أما قيامها أحيانا كانت مقدمات الحكمة أو غيرها ، مما لا يكاد ينكر ، فلا يجدي القائل بالمفهوم ، انه قضية الإطلاق في مقام من باب الاتفاق.

وأما توهم أنه قضية إطلاق الشرط ، بتقريب أن مقتضاه تعينه ، كما أن مقتضى إطلاق الأمر تعين الوجوب.

______________________________________________________

ويحتاج أحدهما إلى ذكر القيد له بذكر العدل بمثل (أو) ، بخلاف التعييني بحيث لو لم يكن المراد ، مع عدم ذكر القيد ، هو التعييني لكان المتكلّم في مقام الإهمال أو الإجمال بخلاف الشرط ، فإنّ نحو القضية الشرطية فيما إذا كان الشرط متعدّدا لا تختلف عمّا إذا كان الشرط واحدا.

وبتعبير آخر : لا تختلف نسبة إطلاق الشرط المذكور بعد أداة الشرط بين ما إذا لم يكن شرط آخر وما إذا كان في البين شرط آخر ، فعدم ذكر العدل له لا يخلّ بإطلاق الشرط عليه فيما إذا كان المتكلّم في مقام بيان شرطيّته ، إذن فذكر العدل له لا يحتاج إليه إلّا إذا كان المتكلّم في مقام بيان تعداد الشرط ، ويكون إطلاقه في هذا المقام مقتضيا لانتفاء الجزاء عند انتفاء الشرط وهذا الإطلاق مقامي ومن باب الاتفاق وليس الكلام فيه.

أقول : قد تقدّم منه قدس‌سره في بحث الواجب التخييري أنّ التعييني لا يختلف سنخا عن التخييري ، إذا كان في البين ملاك ملزم يحصل بكلّ من الفعلين أو الأفعال ، فيكون الوجوب في مثل ذلك متعلّقا بالجامع ، ومع ذلك إذا ورد في الخطاب أمر بالفعل وشك في أنّ وجوبه تخييري أو تعييني بهذا المعنى ، يتمسّك بالإطلاق وبعدم ذكر العدل له يحكم بكون وجوبه تعيينيا وإذا أمكن إثبات كونه تعيينيا بذلك

١٣٨

.................................................................................................

______________________________________________________

فلا فرق بينه وبين إطلاق الشرط في المقام فإنّ الشرط على تقدير وجود العدل له يكون هو الجامع.

أضف إلى ذلك أنّ الشرط في القضية الشرطية قيد للحكم الوارد في الجزاء كما اعترف به قدس‌سره في بحث الواجب المشروط ، وكما أنّ الخطاب يتضمّن الحكم ومتعلّقه وموضوعه ، ويكون الأصل فيه كون المتكلّم في مقام بيان قيود المتعلّق والموضوع ، كذلك الأصل كونه في مقام بيان قيود الحكم بلا فرق بين القيود الشمولية أو البدلية وإذا بني على أنّ الشرط بحسب مقام الإثبات يكون قيدا لنفس الحكم فعدم ذكر قيد آخر معه بنحو الجمع بالعطف بمثل واو الجمع ، أو البدل بالعطف بمثل (أو) ، يقتضي انتفاء الحكم الوارد في الجزاء عند انتفاء القيد المزبور وإذا ورد العدل في خطاب آخر يجمع بين المفهوم في الخطاب الأول والخطاب الثاني ، بأن يحمل إطلاق النفي في المفهوم على غير فرض حصول ذلك العدل ، لأنّ ظاهر كلّ من الخطابين حدوث الحكم بحدوث الشرط.

وممّا ذكرنا يظهر أنّ استفادة المفهوم من القضية الشرطية لا يرتبط بانفهام علّية الشرط فيها فضلا عن كونه علّة منحصرة ، بل يتوقّف على أن يكون الشرط قيدا لطبيعي الحكم الوارد في الجزاء ومن البديهي كونه قيدا لطبيعي الحكم إنّما هو لكون جعل الحكم بحسب المستفاد من الخطاب كذلك ، وأمّا إذا لم يكن المستفاد من الخطاب في مورد كذلك كما إذا كان المتعلّق للحكم الوارد في الخطاب يصير بلا موضوع أو بلا متعلّق عند انتفاء الشرط ، كما إذا ورد في الخطاب «إن رزقت ولدا فاختنه» حيث لا يمكن الختان بلا مولود ، فلا مورد للمفهوم وكذلك إذا كان الوارد في الشرط موضوعا للحكم هو الشيء الخاص أو المقيّد من غير أن يكون ـ بحسب

١٣٩

.................................................................................................

______________________________________________________

المستفاد من الخطاب ـ قيدا للحكم ، فإنّ انتفاء ذلك الحكم مع انتفاء الشرط يكون من قبيل انتفاء الحكم بانتفاء الموضوع ، حيث إنّ الموضوع للحكم هو الشيء الخاص أو المقيّد وانتفائه يكون بانتفاء ذات الشيء وذات المقيّد تارة ، وبانتفاء خصوصيته وقيده أخرى ، وعلى كلا التقديرين فلا موضوع للحكم الوارد في الجزاء مع عدم تحقّق الشرط ، كقوله سبحانه وتعالى (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا)(١) ، فإنّ الموضوع لتبيّن نبأ الفاسق ، ومع انتفاء الشرط لا تحقّق لهذا الموضوع.

نعم ، يدخل الوارد في الشرط موضوعا ـ في بعض الموارد ـ في بحث مفهوم الوصف ، وهذا كلام آخر ، كما في قوله : «إذا كان عندك غنم سائمة فزكّها» ، وهكذا يلحق بفرض انتفاء الموضوع بانتفاء الشرط كلّ ما لم يمكن تحقّق متعلّق الحكم والتكليف فيه فرض انتفاء الشرط ، كما في قوله سبحانه وتعالى. (لا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً)(٢) ، فإنّ الإكراه المتعلّق به التحريم لا يتحقّق إلّا مع إرادتهنّ التحصّن ، فإنّ الإكراه عبارة عن حمل الغير على ما يكرهه ، فعدم الحرمة مع عدم إرادتهنّ التحصّن ، لانتفاء الإكراه ، ولا ينافي ذلك حرمة ترغيبهنّ إلى البغاء في غير هذا الفرض فإنّ الترغيب والتسبيب إلى بغائهن مع إرادتهن البغاء فعل آخر لا يرتبط بالمفهوم ، ونظير ذلك ما إذا لم يكن نفس الحكم قابلا للتكرار في غير مورد الشرط كما في الوصية بشيء لشخص أو وقفه على طائفة ، فإنّه يكون انتفاء الملكية عن غير الموصى له أو عن غير الموقوف عليه عقليا ، لا بدلالة الخطاب من غير فرق في هذه

__________________

(١) سورة الحجرات : الآية ٦.

(٢) سورة النور : الآية ٣٣.

١٤٠