دروس في مسائل علم الأصول - ج ٣

آية الله الميرزا جواد التبريزي

دروس في مسائل علم الأصول - ج ٣

المؤلف:

آية الله الميرزا جواد التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات دار الصديقة الشهيدة عليها السلام
المطبعة: نگين
الطبعة: ٢
ISBN: 978-964-94850-9-1
ISBN الدورة:
978-964-94850-1-0

الصفحات: ٤٤٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وإلّا تخلّف العلم عن المعلوم أيضا فإنّ المعلوم هو الفعل بمشيئة الفاعل واختياره.

الثاني : أنّ إرادة الله ومشيئته من صفات الفعل وبها يكون الخلق وتكوين الأشياء وليست من صفات الذات ، فالعلم منه سبحانه وتعالى وإن كان عين القدرة والحياة إلّا أنّ إرادته سبحانه وتعالى التي بها يكوّن الأشياء غير العلم والقدرة.

فما كان في علمه المكنون المخزون لا يكون فيه تغيير ولا تبديل ولا محو ولا إثبات ، ويعبّر عنه باللوح المحفوظ وقضائه المحتوم ، وما لم يكن في المكنون من علمه فيجري فيه التبديل والمحو والاثبات وهو قضاء الله غير المحتوم والبداء يتبع هذا القضاء بمعنى أنّ ما جرى في قضائه غير المحتوم المعبّر عنه بلوح المحو والإثبات ، ومنه علمه الذي يظهر لملائكته ورسله وأنبيائه فإنّه قد يكون الشيء في هذا القضاء بنحو التعليق والتقدير ، فلو كان هذا مخالفا لما في قضائه المحتوم وقع فيه البداء أي تغيير وتبديل ، وذلك لعدم حصول المعلّق عليه ، أو حصول تقدير آخر ، والموجب لعدم حصوله مختلف فقد يكون تضرّع العبد وابتهاله لربّه وتوسّله بالأولياء المقرّبين لديه وتوسيط شفاعتهم عليهم‌السلام كما ورد في دفع البلاء بالدعاء ورد القضاء به فعن حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال سمعته يقول : إنّ الدعاء يردّ القضاء ينقضه كما ينقض السلك وقد ابرم ابراما (١) وعن الحسن بن عليّ الوشاء عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : كان علي بن الحسين عليه‌السلام يقول : الدعاء يدفع البلاء النازل ما لم ينزل (٢). وغيرهما من الأخبار الواردة فى أبواب الدعاء أو أمر آخر مما ورد في ترتّب الحسنة على التوسلات والعبادات

__________________

(١) الوسائل : ج ٤ ، باب ٧ من أبواب الدعاء ، الحديث ٤ و ٨.

(٢) الوسائل : ج ٤ ، باب ٧ من أبواب الدعاء ، الحديث ٤ و ٨.

٣٢١

.................................................................................................

______________________________________________________

والزيارات والصدقات إلى غير ذلك من أفعال الخير وكذا بالأفعال السيّئة والمعاصي مما ورد فيها من ترتّب السيّئة والشرور والنحوسات.

ومما ذكرنا يظهر ضعف الوهم بأنّ الأدعية والتوسلات كلّها لا توجب إلّا نحو تقرّب إلى الله سبحانه وتعالى تقرّبا منزلية ولا يدفع بها البلاء ولا يجلب بها نفع ، نظير المريض وتأوهه ، حيث لا يجدي لشفائه ولا يوجب تخفيف ألمه.

وهذا الوهم تكذيب للكتاب المجيد ، مثل قوله سبحانه وتعالى. (وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ)(١) ، قوله : (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ)(٢) ، إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة والأخبار المتواترة وهذا الوهم التزام بما قالت اليهود على ما حكى الله سبحانه عنهم في قوله تعالى : (يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا)(٣).

وبالجملة ، البداء بمعنى التغيّر في الإرادة لانكشاف الخطأ أو الجهل بالواقع غير معقول بالإضافة إلى الله سبحانه وتعالى ، بل بالإضافة إليه سبحانه وتعالى من تخلّف المعلّق عليه في قضائه غير المحتوم ، عمّا في علمه المخزون وفي هذه الموارد قد يقع الأخبار عن النبي أو الوصي بما في لوح المحو والإثبات ثم يظهر تخلّفه عمّا في لوحه المحفوظ لما أشرنا إليه من موجب التخلّف (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ)(٤).

__________________

(١) سورة البقرة : الآية ١٨٦.

(٢) سورة النمل : الآية ٦٢.

(٣) سورة المائدة ، الآية ٦٤.

(٤) سورة الرعد : الآية ٣٩.

٣٢٢

المقصد الخامس

المطلق والمقيّد

٣٢٣
٣٢٤

المقصد الخامس : في المطلق والمقيّد والمجمل والمبين

فصل

عرف المطلق بأنه : ما دل على شائع في جنسه [١] ، وقد أشكل عليه بعض الأعلام ، بعدم الإطراد أو الانعكاس ، وأطال الكلام في النقض والإبرام ، وقد نبهنا في غير مقام على أن مثله شرح الإسم ، وهو مما يجوز أن لا يكون بمطرد ولا بمنعكس ، فالأولى الإعراض عن ذلك ، ببيان ما وضع له بعض الألفاظ التي يطلق عليها المطلق ، أو من غيرها مما يناسب المقام.

______________________________________________________

تعريف المطلق

[١] قد ذكروا في تعريف المطلق بأنّه ما دلّ على شايع في جنسه والمراد بالموصول اللفظ ، فإنّ الموصوف بالدلالة هو اللفظ دون المعنى ، كما أنّ المراد بالشائع ، هي الحصة التي تعمّ الحصص المندرجة تحت جنس واحد مثل «رجل» في قوله أكرم رجلا.

لكن أشكل بأنّه لو كان المراد بالمطلق ذلك ، لم يطّرد التعريف ولم ينعكس لدخول بعض الأسماء في التعريف المذكور كأيّ رجل في قوله «أكرم أيّ رجل» ولا يدخل في التعريف المذكور أيضا اسم الجنس ، فإنّ اسم الجنس لا يدلّ على الحصة ، بل على نفس الجنس أي الطبيعي.

وذكر الماتن قدس‌سره انّ التعريف من قبيل شرح الإسم حيث يراد منه تبديل لفظ بلفظ آخر أوضح في الدلالة على المعنى ، ولو من جهة ، وهذا لا يعتبر فيه الإطراد والانعكاس فلا موجب للنقض بعدمهما.

٣٢٥

فمنها : اسم الجنس ، كإنسان ورجل وفرس [١] وحيوان وسواد وبياض إلى غير ذلك من أسماء الكليات من الجواهر والأعراض بل العرضيات ، ولا ريب أنها موضوعة لمفاهيمها بما هي هي مبهمة مهملة ، بلا شرط أصلا ملحوظا معها ، حتى لحاظ أنها كذلك.

وبالجملة : الموضوع له اسم الجنس هو نفس المعنى ، وصرف المفهوم الغير الملحوظ معه شيء أصلا الذي هو المعنى بشرط شيء ، ولو كان ذاك الشيء هو الإرسال والعموم البدلي ، ولا الملحوظ معه عدم لحاظ شيء معه الذي هو الماهية اللابشرط القسمي ، وذلك لوضوح صدقها بما لها من المعنى ، بلا عناية التجريد عما هو قضية الاشتراط والتقييد فيها ، كما لا يخفى ، مع بداهة عدم صدق المفهوم بشرط العموم على فرد من الأفراد ، وإن كان يعم كل واحد منها بدلا أو استيعابا ، وكذا المفهوم اللابشرط القسمي ، فإنه كلي عقلي لا موطن له إلّا الذهن لا يكاد يمكن صدقه وانطباقه عليها ، بداهة أن مناطه الاتحاد بحسب الوجود خارجا ، فكيف يمكن أن يتحد معها ما لا وجود له إلّا ذهنا؟

______________________________________________________

أقول : يمكن أن يقال إنّ معناه الارتكازي أوضح ممّا ذكر في التعريف لاحتياج توضيح الشائع في جنسه إلى التكلّف والتوجيه ففي كون ما ذكر من قبيل شرح الإسم أيضا تأمّل.

ثمّ ذكر أنّ الأولى الاعراض عن تعريف المطلق والتعرض لبيان المعنى الموضوع له في بعض الألفاظ التي يطلق عليها المطلق ، والتعرض لمعنى بعض الألفاظ التي لا يطلق عليها المطلق ولكن التعرض لمعانيها يناسب المقام.

الموضوع له في أسماء الأجناس

[١] من الألفاظ التي يطلق عليها المطلق ، اسم الجنس من الأسماء الموضوعة

٣٢٦

.................................................................................................

______________________________________________________

للطبيعي سواء كان ذلك الطبيعي من قسم الجوهر كالإنسان والحيوان ، أو من قسم العرض كالسواد والبياض ، أو من قسم العرضي ، والمراد بالعرضي المعنى الاعتباري الإنشائي كالزوجية والنيابة وغيرهما ممّا ينشأ بالعقد أو الإيقاع ، فاسم الجنس موضوع لنفس المعنى المعبّر عنه باللابشرط المقسمى حيث لم يلاحظ فيه خصوصية زائدة ولو كانت تلك الخصوصية انطباقه على كثيرين بنحو الاستغراق أو البدلية ، وبتعبير آخر يلاحظ المعنى حتى مع قطع النظر عن لحاظه كذلك فيكون المراد من اللابشرط هو اللابشرط المقسمي ، بخلاف لحاظ المعنى بما أنّه لم يؤخذ فيه جميع الخصوصيات كما هو المراد من الماهية اللابشرط القسمى. والوجه في وضعه لما ذكر صدق معنى اسم الجنس على الفرد الواحد ، ولو كان المأخوذ فيه الاستيعاب أو العموم البدلي ـ كما هو مفاد المعنى اللابشرط القسمي عند الأصوليين ، ويصدق عليه بشرط شيء باصطلاح أهل المعقول ـ لما صدق على الفرد الواحد ، كما أنّه لو كان عدم لحاظ الخصوصية ملحوظا في معناه لما كان يصدق على الخارجيات ؛ لأنّ موطن اللحاظ الذهن فيصير المعنى المقيد بعدم اللحاظ من الكلي العقلي ومن المعنى الذي لا موطن له إلّا الذهن.

وبالجملة اسم الجنس غير موضوع للمعنى بشرط شيء ، بأن يكون السريان «شمولا أو بدلا» قيدا للمعنى ، ولا موضوعا للمعنى الملحوظ فيه عدم لحاظ شيء الذي يكون المعنى مع هذا اللحاظ من الماهية اللابشرط القسمي ، والشاهد لعدم وضعه بأحد النحوين صدق معنى الإسم على الفرد الواحد ، والمعنى بشرط العموم لا يصدق عليه ، كما أنّ المعنى الملحوظ فيه عدم لحاظ شيء معه ، كلّي عقلي لا يصدق على الخارجيات ، فإنّ اللحاظ لا موطن له إلّا الذهن والمقيّد بأمر ذهني يكون موطنه الذهن لا الخارج.

٣٢٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وذكر المحقق النائيني قدس‌سره ما حاصله أنّ أسماء الأجناس غير موضوعة للكليات الطبيعية التي تكون من اللابشرط القسمي ، وذلك فإنّ المعنى قد يلاحظ فيه تغايره مع ما هو متحد معه باعتبار آخر كما في المادة بالإضافة إلى الصورة حيث يلاحظ كل منهما بنحو يكون غير الآخر ، ولا يصحّ حمل أحدهما على الآخر كما تقدم في بحث المشتق في لحاظ المبدأ بالإضافة إلى الذات ، وفي هذا القسم الماهية بشرط لا تكون بالإضافة إلى الاتحاد ، ولذا لا يحمل أحدهما على الآخر ، ويقابلها لحاظ الماهية لا بشرط بالإضافة إلى الاتحاد مع الآخر ، بحيث يحمل أحدهما على الآخر كما في الجنس والفصل ومعنى المشتق بالإضافة إلى الذات ، فإنّ الجنس يحمل على الفصل ، والفصل على الجنس ويحملان على النوع المركب منهما والماهية بنحو لا بشرط المقابل للماهية بشرط لا بهذا المعنى خارجة عن محل الكلام في المقام ، والقسم الآخر منها هي الماهية بشرط لا من الخصوصيات ، بمعنى أن لا يكون معها شيء من الخصوصيات اللاحقة بها ، ويعبّر عنها بالماهية المجرّدة ، وهي بهذا الاعتبار تكون من الكليات العقلية التي يمتنع صدقها على الخارجيات ، ويقابلها الماهية بنحوين آخرين.

الأوّل : الماهية بشرط شيء ونعني بها الماهية الملحوظة فيها اقترانها بخصوصية من الخصوصيات اللاحقة بها ، سواء كانت تلك الخصوصية وجودية أم عدميّة ، ويعبّر عنها بالماهية المخلوطة والماهية بهذا الاعتبار ينحصر صدقها في الافراد الواجدة للخصوصية ، ويمتنع صدقها على فاقدها.

والثاني : الماهية المعتبرة لا بشرط بمعنى أنّه لا يعتبر فيها شيء من خصوصية لحوق شيء أو عدم لحوقه ويعبّر عن هذا القسم بالماهية المطلقة والملحوظة بنحو اللابشرط القسمي ، وهذا هو المراد من المطلق في المقام وفي سائر المباحث التي يذكر فيها المطلق والماهية بهذا الاعتبار تصدق على جميع الافراد المقترنة

٣٢٨

.................................................................................................

______________________________________________________

بالخصوصية التي تغاير خصوصية بعضها عن خصوصية بعضها الآخر ، ثمّ إنّ الكلي الطبيعي هو اللابشرط القسمي لا المقسمي الذي يكون جامعا بين الماهية بشرط لا والماهية بشرط شيء والماهية لا بشرط ، فإنّ الكلّي الطبيعي هو الجامع بين الافراد الخارجية الممكن صدقه عليها فهو حينئذ قسيم للكلي العقلي الممتنع صدقه على الافراد الخارجية ، ولا يمكن أن تكون الماهية المعتبرة على نحو تصدق على الافراد الخارجية متحققة في ضمن الماهية المعتبرة على نحو يمتنع صدقها على ما في الخارج ، فلا مناص عن الالتزام بكون الجامع بين الأقسام هي الماهية الجامعة بين ما يصحّ صدقه على ما في الخارج وما يمتنع صدقه عليه فتلك الماهية الجامعة بين الافراد الخارجية تصدق على ما في الخارج لتحققها بالماهية المعتبرة بنحو اللابشرط القسمي الصادقة على ما في الخارج ، ولا تكون قابلة للصدق على الكلي العقلي ، وبتعبير آخر الكلي الطبيعي الجامع بين الافراد الخارجية يستحيل أن تكون هي الماهية الجامعة للأقسام.

وممّا ذكر ظهر الفرق بين الماهية بنحو اللابشرط المقسمي وبين الماهية بنحو اللابشرط القسمي ، وانّ الأوّل مأخوذ بنحو اللابشرط بالإضافة إلى الأقسام الثلاثة من الماهية بشرط لا الذي يلاحظ فيها الماهية بنحو الموضوعية ، ومن الماهية بشرط شيء الملحوظ معه الماهية بنحو المرآتية إلى بعض وجوداتها المعبّر عن ذلك بالماهية المخلوطة ، ومن الماهية اللابشرط بذاتها الملحوظة بنحو المرآتية إلى جميع وجوداتها ويمكن معه صدقها على كثيرين وتكون جامعة بين أفرادها الخارجية المساوقة للكلي الطبيعي وتسمّى بالماهية اللابشرط القسمي ، ويقع الكلام في أنّ أسماء الأجناس هل هي موضوعة لهذا القسم من الماهية التي في ذاتها لا بشرط

٣٢٩

.................................................................................................

______________________________________________________

بالإضافة إلى خصوصية وجودية أو عدمية لبعض الافراد ، لا أنّها مقيّدة بلحاظ عدم لحاظ الخصوصية حتى يكون كليا عقليا كما زعمه صاحب الكفاية ، أو أنّها موضوعة للمقسم للأقسام الثلاثة المتقدمة ـ من الماهية الملحوظة بعدم لحوق شيء بها ، والتي ينظر إليها بنحو الموضوعية ، والماهية المشروطة المعبّر عنها بالمخلوطة ، والماهية التي بذاتها لا بشرط التي لا ينظر إليها بنحو الموضوعية ، بل بنحو المرآتية إلى وجوداتها ـ ويعبّر عن المقسم للأقسام الثلاثة المذكورة بالماهية بنحو اللابشرط القسمي المعبّر عنها بالكلي الطبيعي ، أو أنّها موضوعة لنفس الماهية التي تكون جهة جامعة بين الأقسام ؛ أي الماهية المجردة والمخلوطة واللابشرط القسمي ، الحق هو الثاني وفاقا لسلطان العلماء ومن تأخّر عنه والشاهد لذلك صحة استعمال أسماء الأجناس في كل قسم من الأقسام الثلاثة بلا عناية في استعمالها في شيء منها ، فإنّه كما يصح أن يقال : الإنسان ضاحك ، يصح أن يقال : الإنسان نوع ، والإنسان العالم خير من الإنسان الجاهل ، وإذا كان استعمال اسم الجنس في الماهية المأخوذة بشرط لا أو بشرط شيء ، كاستعماله في الماهية بنحو اللابشرط القسمي في عدم الحاجة إلى إعمال العناية ولحاظ العلاقة ، كشف ذلك عن كون الموضوع له لاسم الجنس هي الجهة الجامعة بين الأقسام الثلاثة ، ويعبّر عن تلك الجهة باللابشرط المقسمي ، أضف إلى ذلك انّ حكمة الوضع في الألفاظ تقتضي ذلك ، فإنّ الحاجة قد تدعو إلى إفادة نفس تلك الجهة الجامعة وليس بإزائها لفظ غير اسم الجنس فيكون تفهيم كل منها بنحو تعدد الدالّ والمدلول إذا تعلق الغرض بإفادة قسم من أقسامها وبذلك يستغنى عن تعدد الوضع.

ثمّ ذكر قدس‌سره أنّه إذا ورد اسم الجنس في خطاب الحكم فنفس وقوعه موضوعا

٣٣٠

.................................................................................................

______________________________________________________

للحكم أو متعلقا له قرينة على لحاظ المعنى بنحو المرآتية لا الموضوعية ، فإثبات هذا المقدار لا يحتاج إلى قرينة أخرى ، وإنّما تجري مقدمات الحكمة ويحتاج إلى جريانها لإحراز عدم لحاظه بنحو المرآتية بالإضافة إلى بعض وجوداتها بنحو تعدّد الدال والمدلول فإثبات أنّ الملحوظ بنحو الكلي الطبيعي من غير دخالة لبعض وجوداته يكون بقرينة الحكمة ومقدمات الإطلاق (١).

أقول : الماهية الملحوظة من حيث هي مع قطع النظر عما يلحقها ـ حتى لحاظ كونها ملحوظة بقصر النظر إلى نفسها ، غير الجهة الجامعة التي يكون الملحوظ فيها لحاظها بالإضافة إلى ما يلحق بها ، المسماة بالمجرّدة تارة وبالمخلوطة أخرى وبالمطلقة ثالثة ، والماهية التي يكون النظر إلى نفسها ولم يلاحظ فيها حتى قصر النظر إلى نفسها هي الموضوع له لأسماء الأجناس ، ولذا يتوقف استفادة الإطلاق منها وأنّها بنحو اللابشرط القسمي الذي قال المحقق النائيني قدس‌سره انه موضوع للحكم ، على ضم مقدمات الحكمة ، وامّا لو كانت أسماء الأجناس موضوعة للماهية الملحوظة بنحو اللابشرط القسمي ، لما كان استفادة الإطلاق منها محتاجا إلى انضمام مقدمات الحكمة ، بل كان مقتضى وضعها ، شمول الحكم لجميع انطباقاتها بمقتضى الوضع.

والحاصل أنّ لحاظ الطبيعي ساريا في جميع انطباقاته ووجوداته أو في أي منها بحيث يكون الملحوظ مفاد العموم الاستغراقي أو البدلي أجنبيّ عن مدلول أسماء الأجناس ، وكذا عن الكلّي الطبيعي ، فإنّ الكلي الطبيعي قابل للصدق على الكثيرين

__________________

(١) أجود التقريرات ١ / ٥٢٢ ، الأمر السادس.

٣٣١

ومنها : علم الجنس كأسامة ، والمشهور بين أهل العربية أنه موضوع للطبيعة لا بما هي هي ، بل بما هي متعينة بالتعين الذهني [١] ولذا يعامل معه معاملة المعرفة

______________________________________________________

لا أنّه لوحظ فانيا في جميع وجوداته بنحو الاستغراق أو البدل.

وما ذكر قدس‌سره من كون الكلي الطبيعي متمحضا في كونه جامعا بين الوجودات والافراد الخارجية ، وأنّه حقيقة مشتركة بينها المعبّر عنها باللابشرط القسمي ، وأنّه قسيم للماهية المأخوذة بشرط لا ـ الممتنع صدقها على الافراد الخارجية المعبّر عنها بالكلي العقلي في كلماتهم ـ لا يمكن المساعدة عليه ، فإنّ الكلي الطبيعي لا يدخل فيه الوجود ، ولذا يتصف بالعدم ، ولا يدلّ اللفظ الموضوع له على شيء من وجوداته وخصوصيات وجوده إلّا بدال آخر ، ولكن يمكن أن يراد مع خصوصية من وجوداته بدال آخر ، كما أنّ إرادة بعض وجوداته ، أو مطلق وجوده ، أو كل وجوداته ، يكون بدال آخر ، حيث إنّه لا بشرط بالإضافة إلى إرادتها ، بل يمكن أن يقال : إنّ الماهية التي لوحظت نفسها حتى مع قطع النظر عن لحاظ أنّها اقتصرت على لحاظ نفسها قسم من الماهية الملحوظة ، فلا تكون مقسما للماهية التي يذكر لها أقسام ، لاختلاف لحاظها فإنّ المقسم لا يلاحظ إلّا في ضمن الأقسام لها ، ولا يلاحظ إلّا بنحو الإشارة إليه في لحاظ أقسامها ، فالماهية التي هي مقسم لأقسامها التي تنتهي إلى أربعة أقسام هي الموضوع له لأسماء الأجناس ، ويصح استعمالها في أقسامها بتعدد الدال والمدلول ، وعلى كل تقدير يحتاج استفادة الإطلاق الذي يختلف مقتضاه بحسب المقامات إلى أمر آخر غير مقتضى وضع أسماء الأجناس ، وذلك الأمر الآخر المغاير للدّال الوضعي هو مقدمات الحكمة على ما تقدم.

الموضوع له في علم الجنس

[١] من الألفاظ التي يطلق عليها المطلق باعتبار معناه علم الجنس كأسامة ،

٣٣٢

بدون أداة التعريف.

لكن التحقيق أنه موضوع لصرف المعنى بلا لحاظ شيء معه أصلا كاسم الجنس ، والتعريف فيه لفظي ، كما هو الحال في التأنيث اللفظي ، وإلّا لما صح حمله على الأفراد بلا تصرف وتأويل ، لأنه على المشهور كلي عقلي ، وقد عرفت أنه لا يكاد صدقه عليها مع صحة حمله عليها بدون ذلك ، كما لا يخفى ، ضرورة أن التصرف في المحمول بإرادة نفس المعنى بدون قيده تعسف ، لا يكاد يكون بناء القضايا المتعارفة عليه ، مع أن وضعه لخصوص معنى يحتاج إلى تجريده عن خصوصيته عند الاستعمال ، لا يكاد يصدر عن جاهل ، فضلا عن الواضع الحكيم.

______________________________________________________

والمشهور عند علماء الأدب أنّه موضوع للمعنى لا بما هو هو ، بل بما هو متعيّن بالتعيّن الذهني ، ولذا يعامل معه معاملة المعرفة مع عدم دخول أداة التعريف.

وذكر الماتن قدس‌سره أنّه لا فرق بين معنى اسم الجنس وعلم الجنس ، فإنّه كاسم الجنس موضوع لذات المعنى بلا لحاظ شيء معه أصلا ، وانّ التعريف فيه لفظي كما في التأنيث اللفظي ، ويشهد لذلك صحة حمله على أفراده من غير تصرف في معناه ، ولو كان التعين الذهني مأخوذا فيه بأن وضع اللفظ بازاء المعنى بما هو ملحوظ لكان كليا عقليا ـ والمراد بالكلّي العقلي ما يكون موطنه الذهن مع حكايته عن الكثيرين نظير حكاية الصورة المنقوشة عن ذي الصورة من غير أن يصح حملها عليه ـ لما أمكن حمله على الخارجيات إلّا بالتجريد ، مع أنّ أخذ قيد في معنى اللفظ بحيث يحتاج عند استعماله إلى تجريد معناه عنه ، لغو محض لا يصدر عن الحكيم.

أقول : كما أنّه لا مجال لأخذ التعين الذهني في معنى علم الجنس كذلك لا مجال لتوهم أخذ التعين الخارجي في معناه بأن يكون الموضوع له هو المعين الخارجي ، فإنّه ليس للتعيّن الخارجي معنى إلّا الوجود الخارجي ، فيلزم أن لا يتبادر من علم

٣٣٣

ومنها : المفرد المعرف باللام ، والمشهور أنه على أقسام [١] : المعرف بلام الجنس ، أو الاستغراق ، أو العهد بأقسامه ، على نحو الاشتراك بينها لفظا أو معنى ، والظاهر أن الخصوصية في كل واحد من الأقسام من قبل خصوص اللام ، أو من قبل قرائن المقام ، من باب تعدد الدال والمدلول ، لا باستعمال المدخول ليلزم فيه المجاز أو الاشتراك ، فكان المدخول على كل حال مستعملا فيما يستعمل فيه الغير المدخول.

والمعروف أن اللام تكون موضوعة للتعريف ، ومفيدة للتعيين في غير العهد الذهني ، وأنت خبير بأنه لا تعين في تعريف الجنس إلّا الإشارة إلى المعنى المتميز بنفسه من بين المعاني ذهنا ، ولازمه أن لا يصح حمل المعرف باللام بما هو معرف على الأفراد ، لما عرفت من امتناع الاتحاد مع ما لا موطن له إلّا الذهن إلّا بالتجريد ، ومعه لا فائدة في التقييد ، مع أن التأويل والتصرف في القضايا المتداولة في العرف غير خال عن التعسف.

هذا مضافا إلى أن الوضع لما لا حاجة إليه ، بل لا بد من التجريد عنه وإلغائه

______________________________________________________

الجنس الطبيعي ، فإنّ لازم ما ذكر ، كون الوضع في علم الجنس عاما والموضوع له خاصا.

ودعوى أنّ الموضوع له لعلم الجنس هو نفس الطبيعي وتعينه بلحاظ ظرف الوضع واستعماله فلا يكن المساعدة عليها ، فإنّه إن أغمض عن كون ذات المعنى معيّنا ذهنا عند الاستعمال والوضع ، فالأمر في اسم الجنس أيضا كذلك ، وإن أخذ هذا قيدا للوضع يكون أخذه لغوا محضا فإنّ أخذ شيء ـ لا يتخلّف المعرف باللام ويوجد قهرا عند الوضع وعند الاستعمال ـ في وضع اللفظ يعدّ من اللغو المحض.

الموضوع له في المعرف باللام

[١] ممّا يطلق عليه المطلق ، المفرد المعرف باللام إذا أريد منه الجنس أو الاستغراق ، وأمّا المعهود سواء كان خارجيا أو ذكريا أو ذهنيا كقوله سبحانه وتعالى (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ

٣٣٤

في الاستعمالات المتعارفة المشتملة على حمل المعرف باللام أو الحمل عليه ، كان لغوا ، كما أشرنا إليه ، فالظاهر أن اللام مطلقا يكون للتزيين ، كما في الحسن والحسين ، واستفادة الخصوصيات إنما تكون بالقرائن التي لا بد منها لتعينها على كل حال ، ولو قيل بإفادة اللام للإشارة إلى المعنى ، ومع الدلالة عليه بتلك الخصوصيات لا حاجة إلى تلك الإشارة ، لو لم تكن مخلة ، وقد عرفت إخلالها ، فتأمل جيدا.

وأما دلالة الجمع المعرف باللام على العموم مع عدم دلالة المدخول عليه ، فلا دلالة فيها على أنها تكون لأجل دلالة اللام على التعين ، حيث لا تعين إلّا للمرتبة المستغرقة لجميع الأفراد ، وذلك لتعين المرتبة الأخرى ، وهي أقل مراتب الجمع ، كما لا يخفى.

______________________________________________________

عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ)(١) وقوله (كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً* فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ)(٢) ، فلا يكون من المطلق ، وذكر الماتن قدس‌سره أنّ الالتزام بكون كلّ من التعيّن الجنسي والاستغراقي والعهدي من مدلول المفرد المحلى باللام ، بأن وضع المفرد المحلى باللام للجنس المعيّن تارة وللاستغراق أخرى ، وللعهد بأقسامه ثالثة ، أو الالتزام بوضعه لبعضها واستعماله في باقيها مجازا غير صحيح ، بل المدخول يستعمل فيما وضع له اسم الجنس وخصوصية الاستغراق والتعين والعهد على تقديرها مستفادة من دالّ آخر بتعدّد الدال والمدلول ، ويحتمل بدوا أن يكون الدالّ عليها نفس اللام أو غيرها من القرينة الحالية أو المقالية ولكن المشهور عند علماء الأدب أنّ اللام موضوعة لتلك الخصوصيات من تعيين الجنس أو استغراق

__________________

(١) سورة الفتح : الآية ٨.

(٢) سورة المزمّل : الآيتان ١٥ و ١٦.

٣٣٥

.................................................................................................

______________________________________________________

جميع الافراد أو التعيين الخارجي أو الذكرى دون الذهني فإنّها لا تفيد التعيين في العهد الذهني.

ولكن التعيين بالإضافة إلى الخارج أو المذكور على تقديره يكون بالقرينة ، وكذا بالإضافة إلى المعهود ذهنا بحسب خارجه ، وامّا التعيين بالإضافة إلى الجنس فلا معنى له إلّا تعيّنه بحسب اللحاظ واللحاظ لو كان قيدا للمعنى لما صدق على الخارجيات فإنّ الوجود الذهني الذي هو اللحاظ لا وعاء له إلّا الذهن ، والتعين بمعنى آخر غير متصوّر ، ووضع اللفظ لمعنى مع الاحتياج في استعمالاته إلى التجريد لغو فالصحيح أنّ اللام لم توضع لمعنى بل هي لمجرّد تزيين اللفظ كما في «الحسن والحسين» وغير ذلك من الأعلام ، والدلالة على الخصوصيات على تقدير إرادتها تكون بدالّ آخر كقوله أكرم هذا الرجل فإنّ العهد الخارجي مستفاد من الإشارة الخارجية.

أقول : يمكن أن يقال بحسب ما يبدو في النظر ، بأنّ مرادهم في بيان الفرق بين اسم الجنس وعلم الجنس هو أنّ الثاني موضوع للجنس بوصف التعيّن وأنّه لا يكون موضوعا لمعنى يوصف بأنّه نكرة ولا لما يمكن أن يطرأ عليه إرادة التنكير ولو بنحو تعدّد الدالّ والمدلول ، بخلاف اسم الجنس فإنّه لا بشرط بالإضافة إلى التنكير في الاستعمال ولو بنحو تعدّد الدال والمدلول ، وإذا كان مرادهم ذلك ـ يعني انّ معنى اسم الجنس لا بشرط بالإضافة إلى إرادة التنكير وعدمها ، ولو بدالّ آخر ، بخلاف علم الجنس ، فإنّه يكون بشرط لا ، بالإضافة إلى عروضه ـ فإنّه يمكن أن يجري هذا الفرق بين المفرد المحلّى باللام وغير المحلّى أيضا فإنّ الثاني يكون لا بشرط بالإضافة إلى إرادة التنكير بخلاف الأوّل فإنه يكون بشرط لا ، وممّا ذكرنا من التوجيه يظهر أنّ خصوصية العهد الخارجي أو الذكرى أو الذهني تستفاد من القرائن ولا يكون

٣٣٦

.................................................................................................

______________________________________________________

في اللام دلالة إلّا على أنّ المراد لا يكون بنحو النكرة فتدبّر. هذا كلّه بالإضافة إلى المفرد المحلّى.

وأمّا الجمع المعرف باللام فيقع الكلام في كيفية دلالته على العموم ، وقد ذكر الماتن قدس‌سره أنّ دلالته عليه ليست لوضع اللام للتعيين ، وحيث لا تعيّن في مراتب الجمع إلّا في المرتبة الأخيرة تكون دلالته على العموم من هذه الجهة ، وذلك لأنّه لو كان موضوعا للتعيين فالمرتبة الأولى من الجمع أيضا كالمرتبة الأخيرة متعيّنة فيكون مثل قوله «أكرم العلماء» محتملا لأحد أمرين من طلب اكرام جميع العلماء أو ثلاثة من أفراد العالم.

ولكن لا يخفى ما فيه : فإنّ مراد المستدل كون مرتبة خاصة متعيّنة مطلقا حتى بحسب الخارج والمرتبة المتعينة كذلك هي المرتبة الأخيرة ، وامّا المرتبة الأولى فهي متعينة بحسب العدد الخاص فيحتمل الانطباق على كل ثلاثة من أفراد الجنس.

ثمّ ذكر بعد ذلك أنّ الجمع المحلّى باللام لو كان دالّا على العموم فلا بدّ من الالتزام للجمع المحلّى بوضع آخر غير وضع المدخول وأنّ المجموع من اللام ومدخوله لإفادة تمام الافراد من جنس مدخولها المعبّر عنه بالاستغراق.

ولعلّ نظره قدس‌سره في ذلك إلى ما قد يقال بأنّه لو كانت اللام موضوعة للتعيين لكان مدلول الجمع المعرّف باللام كل الجمع فلا يكون اكرام واحد من العلماء امتثالا للحكم أصلا إذا كان الخطاب بقوله «أكرم العلماء» ، ولكن هذا القول عليل لما ذكر في بحث العام والخاص من ظهور عنوان الجمع في الخطاب في لحاظه مشيرا إلى الأفراد في الحكم لها على نحو الانحلال ، ولحاظ الجمع بما هو جمع بحيث يكون للمجموع حكم واحد يحتاج إلى القرينة ، ولذا لا يفرق بين قوله «أكرم العلماء من

٣٣٧

فلا بد أن يكون دلالته عليه مستندة إلى وضعه كذلك لذلك ، لا إلى دلالة اللام على الإشارة إلى المعين ، ليكون به التعريف ، وإن أبيت إلّا عن استناد الدلالة عليه إليه ، فلا محيص عن دلالته على الاستغراق بلا توسيط الدلالة على التعيين [١] ، فلا يكون بسببه تعريف إلّا لفظا ، فتأمل جيدا.

______________________________________________________

البلد» وبين قوله «أكرم علماء البلد» في كون الحكم انحلاليا استغراقيا.

[١] ظاهره أنّه لو بنى على دلالة اللام على الاستغراق فلا بدّ من الالتزام بأنّها موضوعة لما وضع له لفظة «كل» إذا كان مدخولها صيغة الجمع لا أنّها موضوعة للتعيين ولا يكون التعيين إلّا بإرادة الاستغراق.

أقول : يلزم على ذلك أنّها لو استعملت في العهد الخارجي مثلا كقوله (أكرم هؤلاء العلماء) لكان الاستعمال مجازا بخلاف ما إذا قيل بأنّها موضوعة للتعيين فإنّ في مورد العهد الخارجي يكون المتعين ، موجودا بالفعل وفي موارد إرادة الاستغراق أيضا متعيّنا ولو في طول الزمان.

ثمّ إنّه لم يثبت أنّ اللام الداخلة على صيغة الجمع كقوله «أكرم العلماء» مع قطع النظر عن مقدمات الإطلاق تدلّ على العموم ، بل مدلولها على ما تقدم عدم إرادة الجمع بنحو النكرة فمثل قوله «أكرم علماء» أو «صم أيّاما» يدلّ على طلب إكرام جمع من العلماء وصوم أيّام بنحو النكرة ، ولازم دخولها على صيغة الجمع في مثل قوله «أكرم العلماء» أن يكون الجمع معينا فإن قامت قرينة حالية أو مقالية على ذلك المعين كما في قوله «أكرم هؤلاء العلماء» أو «علماء البلد» إلى غير ذلك فهو ، وإلّا تتعيّن المرتبة الأخيرة فإنّ إرادتها لا تحتاج إلى قرينة خاصة ، بل يكفي فيها مع كون المتكلم في مقام البيان عدم تعيين سائر المراتب مع إمكانه ، وقد تقدم نظير ذلك في المفرد المعرّف باللام ، حيث قلنا إنّ غاية مدلولها عدم إرادة المدخول بنحو

٣٣٨

ومنها : النكرة مثل (رجل) في (وجاء رجل من أقصى المدينة) أو في (جئني برجل) ولا إشكال أن المفهوم منها في الأول ، ولو بنحو تعدد الدالّ والمدلول ، هو الفرد المعين [١] في الواقع المجهول عند المخاطب المحتمل الانطباق على غير واحد من أفراد الرجل.

كما أنه في الثاني ، هي الطبيعة المأخوذة مع قيد الوحدة ، فيكون حصة من الرجل ، ويكون كليا ينطبق على كثيرين ، لا فردا مرددا بين الأفراد.

______________________________________________________

النكرة ، ولذا لا نفهم فرقا بين قوله «أكرم هذا الرجل» وقوله بالفارسية «اكرام كن اين مرد را» مع أنّ لفظ (مرد) في لغة الفرس ، لا يكون بنفسه نكرة ، بل بمعنى اسم الجنس المحتاج في جعله نكرة إلى ضمّ الدال عليها.

وممّا ذكرنا يظهر وجه استفادة العهد الذكرى من مثل قوله سبحانه وتعالى (كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ)(١) ، وعدم استفادة ذلك لو قيل أرسلنا إليهم رسولا فعصوا رسولا.

الموضوع له في النكرة

[١] لا ينبغي التأمّل في عدم الاختلاف في معنى النكرة في موردي الاخبار والإنشاء بحسب نفس دلالة النكرة ، بل معناها في نفسها الوجود الواحد والحصة الواحدة من الطبيعي ، غاية الأمر انطباق معناها على الخارج في موارد الاخبار يكون قهريا فالمنطبق عليه بحسبه فرد معين أو حصة معيّنة بما أنّ ذلك الفرد والحصّة غير محرزة عند السامع بخصوصيته يتردّد ما ينطبق عليه مدلولها بين أفراد وحصص ، وهذا بخلاف موارد التكليف فإنّ تطبيق الحصة على الخارج بيد المكلف ، ولذا

__________________

(١) سورة المزّمل : الآيتان ١٥ و ١٦.

٣٣٩

وبالجملة : النكرة ـ أي ما بالحمل الشائع يكون نكرة عندهم ـ إما هو فرد معين في الواقع غير معين للمخاطب ، أو حصة كلية ، لا الفرد المردد بين الأفراد ، وذلك لبداهة كون لفظ (رجل) في (جئني برجل) نكرة ، مع أنه يصدق على كل من جيء به من الأفراد ولا يكاد يكون واحد منها هذا أو غيره ، كما هو قضية الفرد المردد ، لو كان هو المراد منها ، ضرورة أن كل واحد هو هو ، لا هو أو غيره ، فلا بد أن تكون النكرة الواقعة في متعلق الأمر ، هو الطبيعي المقيد بمثل مفهوم الوحدة ، فيكون كليا قابلا للانطباق ، فتأمل جيدا.

إذا عرفت ذلك ، فالظاهر صحة اطلاق المطلق عندهم حقيقة على اسم الجنس والنكرة بالمعنى الثاني ، كما يصح لغة. وغير بعيد أن يكون جريهم في هذا الإطلاق على وفق اللغة ، من دون أن يكون لهم فيه اصطلاح على خلافها ، كما لا يخفى.

______________________________________________________

يكون له التخيير في التطبيق فكل من التردد والتخيير خارج عن مدلولها ، ويستفاد منها بتعدّد الدال والمدلول.

ولا يخفى أنّه كما لا يطلق المطلق على النكرة في مثل قوله «رأيت أسدا» كذلك لا يطلق على اسم الجنس إذا قال «رأيت الأسد» فيما إذا كان اللام للجنس ، وإنّما يطلق عليهما المطلق في مثل قوله «أعتق رقبة» أو «أعتق الرقبة» على حد سواء فتفرقة الماتن بين اسم الجنس والنكرة ، كغيره ، غير صحيح ، وذلك لأنّ اسم الجنس موضوع للطبيعي المهمل والنكرة للحصة المهملة عندهم فهما مع قطع النظر عن الحكم لا يوصفان لا بالإطلاق ولا بالتقييد ، وإنّما يوصفان بأحدهما في مرحلة تعلّق الحكم والتكليف ، وتوضيح ذلك أنّ الطبيعي المدلول عليه باسم الجنس أو الحصة المدلول عليها بالنكرة قد يقع موضوعا للحكم أو متعلقا للتكليف من غير دخالة

٣٤٠