دروس في مسائل علم الأصول - ج ٣

آية الله الميرزا جواد التبريزي

دروس في مسائل علم الأصول - ج ٣

المؤلف:

آية الله الميرزا جواد التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات دار الصديقة الشهيدة عليها السلام
المطبعة: نگين
الطبعة: ٢
ISBN: 978-964-94850-9-1
ISBN الدورة:
978-964-94850-1-0

الصفحات: ٤٤٥

ومعه لا يصغى إلى أن إرادة الخصوص متيقنة ، ولو في ضمنه بخلافه ، وجعل اللفظ حقيقة في المتيقن أولى ، ولا إلى أن التخصيص قد اشتهر وشاع ، حتى قيل : (ما من عام إلّا وقد خص) ، والظاهر يقتضي كونه حقيقة ، لما هو الغالب تقليلا للمجاز ، مع أن تيقن إرادته لا يوجب اختصاص الوضع به ، مع كون العموم كثيرا ما يراد ، واشتهار التخصيص لا يوجب كثرة المجاز ، لعدم الملازمة بين التخصيص والمجازية ، كما يأتي توضيحه ، ولو سلم فلا محذور فيه أصلا إذا كان بالقرينة ، كما لا يخفى.

______________________________________________________

عليه الطبيعي المدخول ، ولذا لا ينافي دلالتها على الاستيعاب بتقييد المدخول بقيود كثيرة.

نعم ، لا يبعد عند إطلاق مدخول كل بمعنى عدم ذكر القيد له ، أن تكون لفظة (كلّ) ظاهرة في استيعاب الحكم لجميع أفراد الطبيعة المدخول فيها.

ثمّ ذكر انّ الحال في المحلّى باللّام جمعا كان أو مفردا ، كذلك بناء على أنّ المحلّى باللّام أيضا يفيد العموم فيكون العموم فيه حاصلا فيما إذا لم يذكر للمدخول قيد ولكن كون المحلّى باللّام موضوعا للاستيعاب والعموم محلّ منع ، لعدم وضع اللّام ولا مدخوله لذلك وعدم وضع آخر للمركّب منهما ، كما لا يخفى.

٢٢١

فصل

ربما عد من الألفاظ الدالة على العموم ، النكرة في سياق النفي أو النهي ، ودلالتها عليه لا ينبغي أن تنكر عقلا ، لضرورة أنه لا يكاد يكون طبيعة معدومة ، إلّا إذا لم يكن فرد منها بموجود ، وإلّا كانت موجودة ، لكن لا يخفى أنها تفيده إذا أخذت مرسلة لا مبهمة قابلة للتقيد ، وإلّا فسلبها لا يقتضي إلّا استيعاب السلب ، لما أريد منها يقينا ، لا استيعاب ما يصلح انطباقها عليه من أفرادها ، وهذا لا ينافي كون دلالتها عليه عقلية ، فإنها بالإضافة إلى أفراد ما يراد منها ، لا الأفراد التي يصلح لانطباقها عليها ، كما لا ينافي دلالة مثل لفظ (كل) على العموم وضعا كون عمومه بحسب ما يراد من مدخوله ، ولذا لا ينافيه تقييد المدخول بقيود كثيرة.

نعم لا يبعد أن يكون ظاهرا عند إطلاقها في استيعاب جميع أفرادها ، وهذا هو الحال في المحلى باللام جمعا كان أو مفردا ـ بناء على إفادته للعموم ـ ولذا لا ينافيه تقييد المدخول بالوصف وغيره ، وإطلاق التخصيص على تقييده ، ليس إلّا من قبيل (ضيق فم الركية) ، لكن دلالته على العموم وضعا محل منع ، بل إنما يفيده فيما إذا اقتضته الحكمة أو قرينة أخرى ، وذلك لعدم اقتضائه وضع اللام ولا مدخوله ولا وضع آخر للمركب منهما ، كما لا يخفى ، وربما يأتي في المطلق والمقيد بعض الكلام مما يناسب المقام.

______________________________________________________

أقول : ما نفي عنه البعد في مثل لفظة كلّ لا يجري في مثل اسم الجنس الواقع في حيز النفي أو النهي ، بل لا بدّ في اقتضائهما عقلا للاستيعاب لكلّ ما يصلح أن ينطبق عليه اسم الجنس من إثبات أنّ المراد من اسم الجنس الطبيعي بلا شرط وهذا يحتاج إلى الإحراز بمقدّمات الحكمة كما لا يخفى ، وهذا يجري في المحلّى باللّام بناء على عدم الوضع للعموم كما تقدّم فيكون ظاهرا في الاستيعاب عند عدم تقييده.

٢٢٢

فصل

لا شبهة في أن العام المخصص بالمتصل أو المنفصل حجة فيما بقي فيما علم عدم دخوله في المخصص مطلقا ولو كان متصلا ، وما احتمل دخوله فيه أيضا إذا كان منفصلا [١] ، كما هو المشهور بين الأصحاب ، بل لا ينسب الخلاف إلّا إلى بعض أهل الخلاف.

وربما فصّل بين المخصص المتصل فقيل بحجيته فيه ، وبين المنفصل فقيل بعدم حجيته ، واحتج النافي بالاجمال ، لتعدد المجازات حسب مراتب الخصوصيات ، وتعيين الباقي من بينها بلا معيّن ترجيح بلا مرجّح.

______________________________________________________

التمسّك بالعام بعد التخصيص

[١] يؤخذ بالعام ـ أي بأصالة عمومه ـ بعد ورود التخصيص عليه فيما إذا شك في ورود مخصّص آخر بلا فرق بين كون تخصيصه بالمتصل أو بالمنفصل ، وكذا يؤخذ به فيما تردّد كون فرد للعام من أفراد العنوان المخصّص بالشبهة المصداقية أو بالشبهة المفهومية إذا كان تخصيص العام بالمنفصل ، وأمّا إذا كان بالمتصل فلا مجال للتمسّك بالعام المخصّص فيه ، وعليه فاذا ورد في خطاب «أكرم كلّ عالم» وورد في خطاب آخر «لا تكرم العالم الفاسق» وشك في أنّ الفاسق خصوص من ارتكب الكبيرة أو يعمّ المرتكب للصغيرة أيضا ، فإنّه يتمسّك بأصالة العموم في ناحية خطاب «أكرم كلّ عالم» في العالم الذي لم يرتكب إلّا صغيرة ، ويحكم بجريان حكم العام عليه ، وهذا بخلاف ما إذا كان المخصّص متّصلا كما إذا كان الخطاب «أكرم كلّ عالم غير فاسق» فإنّه لا ظهور لهذا الخطاب في ثبوت الحكم للعالم المرتكب للصغيرة فقط حتّى يؤخذ بأصالة الظهور في ناحيته ، ويظهر تفصيل ذلك بعد التعرّض للأقوال

٢٢٣

والتحقيق في الجواب أن يقال : إنه لا يلزم من التخصيص كون العام مجازا ، أما في التخصيص بالمتصل ، فلما عرفت من أنه لا تخصيص أصلا ، وإن أدوات العموم قد استعملت فيه ، وإن كان دائرته سعة وضيقا تختلف باختلاف ذوي الأدوات ، فلفظة (كل) في مثل (كل رجل) و (كل رجل عالم) قد استعملت في العموم ، وإن كان أفراد أحدهما بالإضافة إلى الآخر بل في نفسها في غاية القلّة.

وامّا في المنفصل ، فلأنّ إرادة الخصوص واقعا لا تستلزم استعماله فيه وكون الخاص قرينة عليه ، بل من الممكن قطعا استعماله معه في العموم قاعدة ، وكون الخاص مانعا عن حجية ظهوره تحكيما للنص ، أو الأظهر على الظاهر ، لا مصادما لأصل ظهوره ، ومعه لا مجال للمصير إلى أنه قد استعمل فيه مجازا ، كي يلزم الإجمال.

______________________________________________________

في جواز التمسّك بالعام بعد ورود المخصّص عليه والوجوه المذكورة لها ، فنقول :

الأقوال في المسألة ثلاثة :

الأوّل : عدم جواز التمسّك بالعام بعد ورود المخصّص عليه ، بلا فرق بين كون المخصّص متصلا أو منفصلا.

والثاني : جواز التمسّك به مطلقا.

والثالث : جواز التمسّك بالعام في المخصّص المتصل دون المنفصل.

وهذه الأقوال الثلاثة تجري أيضا فيما إذا شكّ في خروج بعض الأفراد عن العام لا من جهة الشك في ضيق العنوان المخصّص أو سعته ، بل من جهة عدم إرادتها كعدم إرادة الأفراد المندرجة تحت العنوان المخصّص.

وأمّا إذا كان الشك من جهة ضيق عنوان المخصّص وسعته المعبّر عنه بموارد

٢٢٤

لا يقال : هذا مجرد احتمال ، ولا يرتفع به الإجمال ، لاحتمال الاستعمال في خصوص مرتبة من مراتبه.

فإنه يقال : مجرد احتمال استعماله فيه لا يوجب إجماله بعد استقرار ظهوره في العموم ، والثابت من مزاحمته بالخاص أنما هو بحسب الحجية تحكيما لما هو الأقوى ، كما أشرنا إليه آنفا.

وبالجملة : الفرق بين المتصل والمنفصل ، وإن كان بعدم انعقاد الظهور في الأول إلّا في الخصوص ، وفي الثاني إلّا في العموم ، إلّا أنه لا وجه لتوهم استعماله مجازا في واحد منهما أصلا ، وإنما اللازم الالتزام بحجية الظهور في الخصوص في الأول ، وعدم حجية ظهوره في خصوص ما كان الخاص حجة فيه في الثاني ، فتفطن.

وقد أجيب عن الاحتجاج ، بأن الباقي أقرب المجازات.

______________________________________________________

إجمال عنوان المخصّص فسيأتي الكلام فيه في الفصل الآتي إن شاء الله تعالى فانتظر.

دليل القول الأوّل

وعمدة ما استدلّ به القائل بعدم جواز التمسّك بالعام بعد ورود التخصيص عليه هو أنّ ورود خطاب المخصّص على العام يكشف عن عدم استعماله في العموم وسائر مراتب العام مختلفة ومتعدّدة ولا قرينة على تعيين أيّة منها ، فيكون خطاب العام مجملا فلا يصلح للتمسّك به.

ولعلّ المفصّل بين المخصّص المتصل والمنفصل يرى الإجمال وعدم تعيين مرتبة من المراتب الباقية إذا كان المخصّص منفصلا ، وأمّا إذا كان المخصّص متّصلا فاتّصاله قرينة على استعماله في تمام الباقي فيصلح العام المزبور للتمسّك به إذا شك في إرادة تمام الباقي.

٢٢٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وأجاب الماتن قدس‌سره عن الاستدلال بأنّه قد ظهر ممّا تقدّم أنّ التخصيص بالمتّصل لا يوجب التجوّز لا في ناحية أداة العموم ولا في ناحية مدخولها ، فإنّ الأداة كما تقدّم موضوعة للدلالة على استيعاب الحكم لجميع ما ينطبق عليه عنوان المدخول ، والمدخول كما يأتي في باب المطلق والمقيّد موضوع للطبيعي الذي يكون في نفسه لا بشرط ، بالإضافة إلى القيود الوجودية والعدمية حتّى بالإضافة إلى كون الطبيعي لا بشرط بالإضافة إليهما ، فلفظ (عالم) في «أكرم كلّ عالم عادل» استعمل في ذلك الطبيعي وتقييده بكونه عادلا أو غير فاسق فهو بدالّ آخر ، ففي النتيجة تكون الدلالة على العام المخصّص بتعدّد الدالّ والمدلول من غير أن يكون في البين استعمال اللفظ في غير ما وضع له ، بل إطلاق التخصيص على هذا النحو من التقييد من باب ضيّق فم الركيّة ، ففي الحقيقة ليس في البين عموم مخصّص.

نعم لو كان من قبيل «أكرم كلّ عالم إلّا الفاسق» فباعتبار الانحلال في المستثنى كان لإطلاق التخصيص عليه وجه ، ولكنّه غير صحيح أيضا.

وأمّا إذا كان التخصيص بمنفصل فالخاص المنفصل لا يكشف عن عدم استعمال العام في خطابه في العموم بأن لا يقصد المتكلّم بيان الحكم لجميع ما ينطبق عليه مدخول الأداة ، بل يكشف عن عدم تطابق الحكم الوارد في ذلك الخطاب إثباتا مع الحكم ثبوتا في مورد دلالة الخاص المنفصل وبأنّ الحكم ثبوتا أضيق مما ورد في خطاب العام المقصود تفهيمه بذلك الخطاب.

والحاصل ، قد يكون الحكم الوارد في خطاب العام مطابقا تماما لما اعتبره ثبوتا المعبّر عنه بالمراد الجدّي ، وقد لا يكون مطابقا تماما ، والخاص المنفصل يكشف عن عدم تطابقه بالإضافة إلى مورد دلالة الخاص لا عن عدم قصده تفهيم

٢٢٦

.................................................................................................

______________________________________________________

الحكم بنحو العموم بخطاب العام ، ولذا لا يكون الظفر بالمخصّص موجبا لانحلال ظهور العام وإنّما ينحلّ به أصالة التطابق المعبّر عنها بحجّية الظهور ، فيكون الخاص مزاحما للعام في حجّيته بناء على أنّ تقديم الخاص على العام يكون من باب أقوى الظهورين ، كما عليه ظاهر الماتن قدس‌سره أو لأنّ الخاص يحسب قرينة عرفية على المراد الجدّي من العام فيكون اعتبار دليل الخاص حاكما على ما دلّ على اعتبار ظهور العام ، وإن كان الصحيح في وجه تقديمه على خطاب العام هو كون الخاص قرينة عرفية ، ولهذا الكلام مقام آخر.

نعم ، يبقى في المقام كلام في وجه تأخير خطاب الخاص عن خطاب العام وعدم الإتيان به على نحو المخصّص المتّصل وتفهيم أنّ الحكم مستوعب لجميع ما ينطبق عليه المدخول مع فرض كون الحكم في مقام الثبوت والإرادة الجدّية على خلاف ذلك العموم.

ويظهر من كلام الماتن قدس‌سره أنّ هذا لضرب القانون ليكون مرجعا عند الشك في الصدق ونحوه.

ولكن أورد المحقّق النائيني قدس‌سره على ورود العام قانونا ، بأنّ إعطاء الحكم بنحو العموم قانونا ليرجع إليه عند الشك غير صحيح ، لأنّ ضرب القانون على نحو القاعدة في ظرف الشك في الواقع وإن كان مما لا ينكر في صحّته كما في الاستصحاب وقاعدتي الحلّية والطهارة إلّا أنّ ورود التخصيص على مثل هذه العمومات قليل جدا فإنّه يكون تقديم خطاب أو قاعدة عليها من باب الحكومة أو الورود ، والعمومات التي مورد الكلام هي المتكفّلة لبيان الأحكام الواقعية ، وهذه العمومات لا تكون قانونا لظرف الشك في الواقع وكشف أحكام الثبوت منها ، وإنّما

٢٢٧

وفيه : لا اعتبار في الأقربية بحسب المقدار ، وإنما المدار على الأقربية بحسب زيادة الانس الناشئة من كثرة الاستعمال ، وفي تقريرات بحث شيخنا الأستاذ قدس‌سره في

______________________________________________________

عمل العقلاء بها لكونها ظهورات وكاشفات معتبرة إلى الأحكام الواقعية.

وبتعبير آخر : مداليلها الأحكام الثابتة للأشياء والأفعال بعناوينها الواقعية الأوّلية أو الثانوية مع قطع النظر عن علم المكلّفين وجهلهم بها فكيف تكون تلك المدلولات أحكاما لظرف الشك (١).

أقول : لا يخفى أنّه ليس مراد الماتن من إيراد العام قانونا كون مدلوله حكما ظاهريا مضروبا لحال الشك ليرد عليه ما ذكر ، بل العام وارد لبيان الحكم الواقعي وتفهيم عموم الحكم لجميع ما ينطبق عليه مدخول الأداة ، ومع كون الحكم ثبوتا على خلاف مدلول ذلك العام في بعض أفراده يكون عدم الإتيان بالمخصّص المتصل بداعي تمكين المكلّف من التمسّك بأصالة التطابق بين مدلول العام ومقام الثبوت في مثل مورد الشك في فرديّته لعنوان الخاص لإجماله مفهوما ، أو أنّه باق تحت العام ، وأصالة التطابق في ناحية العام في نفسها حكم ظاهري ترتفع بأصالة التطابق في ناحية خطاب الخاص ومع عدم جريانها فيه لإجمال عنوان الخاص ومع عدم جريانها فيه لإجمال عنوان الخاص يؤخذ بها في ناحية العام كما يأتي. أضف إلى ذلك جواز الإتيان بالخاصّ منفصلا حتّى في موارد تبيّن مفهومه وعدم إجماله فإنّ مصلحة تأخير البيان ليسهل على الناس تعلّم الأحكام وأخذها من الاغراض التي يجوز لأجلها ذكر الخاص منفصلا حتّى فيما إذا كان متأخرا عن وقت الحاجة.

__________________

(١) أجود التقريرات ١ / ٤٤٩.

٢٢٨

مقام الجواب عن الاحتجاج ، ما هذا لفظه [١] : والأولى أن يجاب بعد تسليم مجازية الباقي ، بأن دلالة العام على كل فرد من أفراده غير منوطة بدلالته على فرد آخر من أفراده ، ولو كانت دلالة مجازية ، إذ هي بواسطة عدم شموله للأفراد المخصوصة ، لا بواسطة دخول غيرها في مدلوله ، فالمقتضي للحمل على الباقي موجود والمانع مفقود ، لأن المانع في مثل المقام إنما هو ما يوجب صرف اللفظ عن مدلوله ، والمفروض انتفاؤه بالنسبة إلى الباقي لاختصاص المخصص بغيره ، فلو شك فالأصل عدمه ، انتهى موضع الحاجة.

______________________________________________________

[١] هذا تعرّض لما أجاب به الشيخ قدس‌سره على ما في تقريراته عن إشكال تعدّد المجازات بحسب المراتب وعدم قرينة معيّنة للمراد منها.

وحاصل جوابه قدس‌سره أنّه بناء على كون تخصيص العام موجبا لمجازية استعماله لا يوجب ذلك سقوطه عن الاعتبار في تمام الباقي ، والوجه في ذلك أنّ دلالة العام على إرادة فرد من أفراده غير منوطة بدلالته على إرادة الفرد الآخر منه ، سواء كان ذلك العام مخصّصا أو لم يخصّص أصلا ، وكما أنّ العام يدلّ على شمول الحكم لكلّ فرد من أفراده قبل أن يرد عليه تخصيص ، فكذلك لا تتغيّر هذه الدلالة بالإضافة إلى الأفراد الباقية تحته بعد ورود التخصيص عليه ، فالمجازية في العام المخصّص ، لعدم شموله لأفراد الخاص لا لشمولها للأفراد الباقية ، وإن شئت قلت : دلالة العام على الأفراد الباقية مستندة إلى الوضع كصورة عدم ورود الخاص ، حيث إنّ إرادة فرد من أفراده غير منوطة بإرادة فرده الآخر ، غاية الأمر عدم إرادة بعض منها وهو ما يدخل في عنوان الخاص يكون موجبا لاتّصافه بالمجاز وتكون المجازية بعدم إرادة ذلك البعض وعدم إرادته يحتاج إلى القرينة ، حيث إنّ الخاص قرينة على عدم إرادته ومع عدم ثبوت خاصّ آخر يؤخذ بدلالة العام لأصالة عدم المانع يعني قرينة أخرى على

٢٢٩

قلت : لا يخفى أن دلالته على كل فرد إنما كانت لأجل دلالته على العموم والشمول ، فإذا لم يستعمل فيه واستعمل في الخصوص ـ كما هو المفروض ـ مجازا ، وكان إرادة كل واحد من مراتب الخصوصيات مما جاز انتهاء التخصيص إليه ، واستعمال العام فيه مجازا ممكنا ، كان تعين بعضها بلا معين ترجيحا بلا مرجح ، ولا مقتضي لظهوره فيه ، ضرورة أن الظهور إمّا بالوضع وإمّا بالقرينة ، والمفروض أنه ليس بموضوع له ، ولم يكن هناك قرينة ، وليس له موجب آخر ، ودلالته على كل فرد على حدة حيث كانت في ضمن دلالته على العموم ، لا يوجب ظهوره في تمام الباقي بعد عدم استعماله في العموم ، إذا لم تكن هناك قرينة على تعيينه ، فالمانع عنه وإن كان مدفوعا بالأصل ، إلّا أنه لا مقتضي له بعد رفع اليد عن الوضع ، نعم إنما يجدي إذا لم يكن مستعملا إلّا في العموم ، كما فيما حققناه في الجواب ، فتأمل جيدا.

______________________________________________________

عدم إرادة البعض الآخر (١).

ولكن لا يخفى عدم تمامية ما ذكره ، والوجه في ذلك أنّ استعمال العام وإرادة كلّ واحد من أفراده ليس من قبيل استعمال اللفظ في أكثر من معناه ليكون استعماله في فرد كاستعماله في أكثر الأفراد ، بأن لا تختلف الإرادة بالإضافة إلى المعاني المتعددة ، بل يكون الاختلاف بإرادة معنى آخر عند إرادة الأكثر وعدم إرادة المعنى الآخر عند عدم استعماله في الأكثر.

وبتعبير آخر : يكون إرادة المعنى الآخر عند استعماله في كلا المعنيين الحقيقي والمجازي ، بإرادة مستقلّة غير الإرادة المستقلّة بالإضافة إلى معناه الحقيقي ، وعدم استعماله إلّا في معناه الحقيقي لا يوجب انضمام تلك الإرادة المستقلة إلى الإرادة

__________________

(١) مطارح الأنظار : ١٩٢.

٢٣٠

.................................................................................................

______________________________________________________

بالإضافة إلى معناه الحقيقي.

وهذا بخلاف العام في موارد التخصيص فإنّ العام ككلّ عالم عند استعماله في معناه الحقيقي يراد منه معنى العالم بنحو اللابشرط بجميع انطباقاته فكلّ من تلك الانطباقات مرادة بإرادة ضمنية ، وفي مورد التخصيص يراد منه العالم المشروط بجميع انطباقاته أيضا ولكن بما أنّ غير المرتبة الأخيرة متعدّدة وتمام الباقي أحد المعاني للعالم المشروط بجميع انطباقاته أو إحدى المراتب التي يدّعى أنّ أفرادها تمام انطباقات العالم اللابشرط ، فلا بدّ في تعيينه إلى نصب القرينة على إرادته والمفروض أنّ الخطاب الخاص ولو في المنفصل لا يكشف إلّا عن عدم إرادة المتكلّم المرتبة الأخيرة من العموم.

ودعوى أقربية تمام الباقي إلى المدلول الوضعي للعام قرينة على تعيينه ممنوعة ، لأنّ مجرّد الأقربية ما لم يكن مأنوسا في الأذهان لا يوجب انصراف اللفظ إليه.

وذكر المحقّق الاصفهاني قدس‌سره في توجيه كلام الشيخ قدس‌سره أنّ الخاص يزاحم الدلالة التضمنية للعام ، والدلالات التضمنية للعام لا يتبع بعضها بعضا وإنّما كلّها تتبع الدلالة المطابقية للعام ، وحيث إنّه لم يثبت المزاحم والمانع لسائر الدلالات التضمنية فيكشف ذلك عن ثبوت دلالة مطابقية للعام تحوي تلك الدلالة المطابقية ـ أي الخاص ـ وسائر الدلالات التضمنية التي لم تثبت لها مزاحم وتبعية الدلالات التضمنية من حيث ثبوتها للدلالة المطابقية لا تنافي تبعية الدلالة المطابقية لتلك الدلالات التضمنية من حيث الإثبات.

وبالجملة الخاصّ إنّما يزاحم الدلالة التضمنية للعام وتسقط تلك الدلالة المطابقية بسقوط تلك الدلالة التضمنية ، وبعدم المزاحم لسائر الدلالات التضمنية

٢٣١

.................................................................................................

______________________________________________________

يستكشف ثبوت دلالة مطابقية تحوي سائر الدلالات التضمنية.

وبتعبير آخر : تبعية المدلولات التضمنية للمدلول المطابقي ثبوتا لا تنافي تبعية الدلالة المطابقية للمدلولات التضمنية إثباتا وسقوطا.

لا يقال : غاية ما ذكر أنّ سقوط بعض الدلالات التضمنية لا ينافي ثبوت سائر الدلالات التضمنية الكاشفة عن ثبوت دلالة مطابقية للعام بحيث تحوي تلك الدلالات ، والكلام في ثبوت المقتضي لثبوت سائر الدلالات التضمنية.

فإنّه يقال : فإنّا نعلم بثبوت دلالة مطابقية للعام لا محالة ، حيث إنّ المتكلّم لا يتكلّم بكلام العام لاغيا وإذا انضمّ خطاب الخاص المخصّص إلى خطاب العام الواردين من متكلّم واحد أو متكلمين يكونان بمنزلة المتكلّم الواحد كالخطابين الصادرين عن إمامين معصومين كشف ذلك عن استعمال العام في معنى لا يكون معه مزاحم لتلك الدلالات التضمنية. فالمراتب المناسبة للعام وإن كانت متعدّدة وكلها في عرض واحد ، إلّا أنّ المدلولات التضمنية بعضها في طول بعض آخر ولا تصل النوبة إلى المدلولات التضمنية التي أقلّ مقدارا إلّا مع ثبوت المزاحم لما هو أكثر منه مقدارا ، فلا وقع للقول بأنّه كما لا مانع بالإضافة إلى تمام الباقي كذلك لا مانع بالإضافة إلى الأقلّ منه (١).

أقول : مرجع ما ذكره قدس‌سره إلى انّ الخاص ولو كان منفصلا يكون قرينة معيّنة للمرتبة المرادة من العام المخصّص ، وقد تقدّم انّ خطاب الخاص يكشف عن عدم استعمال المتكلّم العام في الطبيعي اللابشرط بجميع انطباقاته بحكم العقل ، لا أنّ

__________________

(١) نهاية الدراية ٢ / ٤٥٢.

٢٣٢

.................................................................................................

______________________________________________________

خطاب الخاص ناظر إلى بيان المراد أي المستعمل فيه للعام ، بل هو ناظر إلى بيان عدم ثبوت الحكم الوارد في خطاب العام للأفراد الداخلة في عنوان الخاص ثبوتا ، ولا يلزم لغوية خطاب العام مع عدم تعيين المرتبة المرادة لأنّ العام يعمل به إلى مرتبة لا يجوز انتهاء التخصيص إليها ، كما لا يخفى.

وممّا ذكرنا يظهر الجواب عمّا ذكره الشيخ العراقي قدس‌سره في الجواب عن الإشكال المتقدّم من أنّ دلالة العام على حكم باقي الأفراد ثابتة لا تختلف ، سواء ورد عليه التخصيص أم لا ، فورود التخصيص على العام متّصلا أو منفصلا يمنع عن ظهوره بالإضافة إلى الأفراد التي داخلة في عنوان المخصّص ، وذلك كما إذا كان الخطّ المرسوم أوّلا مترين ثم أزيل منه بعضه فإنّ الباقي منه هو البعض المرسوم أوّلا ، والاختلاف والتغيير إنّما هو في الحد.

وبالجملة شمول العام للأفراد الباقية بعد ورود خطاب الخاص هو الشمول الذي كان لو لا ورود الخاص وإنّما يزول شموله للأفراد الداخلة تحت عنوان الخاص فحسب ، ولا يختلف الحال بين أن يسمّى شموله للباقي حقيقة أو مجازا ولا تجري أصالة الحقيقة في المقام لأنّها إنّما تجري مع عدم إحراز المراد ، والمراد من العام في المقام محرز وهو تمام الباقي من سائر الأفراد (١).

ووجه الظهور أنّ دلالة العام ـ لو لا ورود التخصيص عليه ـ على الأفراد ، باقية لكونها من أفراد الطبيعي المراد بنحو اللابشرط ، وقد استعمل مدخول الأداة فيه ودلّ الأداة على إرادة المتكلّم جميع انطباقاته ، بخلافه بعد ورود خطاب الخاص فإنّه

__________________

(١) نهاية الأفكار ١ / ٥١٢.

٢٣٣

.................................................................................................

______________________________________________________

يكشف عن استعمال مدخولها في الطبيعي المشروط ، فشمول الحكم الوارد على العام لتمام الباقي من الأفراد موقوف على كون الطبيعي المشروط بحيث ينطبق على كلّ فرد من أفراد الطبيعي المشروط المراد لتدلّ الأداة على إرادة جميعها والمفروض عدم القرينة المعيّنة لذلك الطبيعي الذي يستعمل فيه مدخول الأداة بنحو المجاز ، ولذا يصير خطاب العام بعد التخصيص مجملا يقتصر في حكمه على الأفراد التي لا يجوز انتهاء التخصيص إلّا إليها على ما تقدّم.

٢٣٤

فصل

إذا كان الخاص بحسب المفهوم مجملا ، بأن كان دائرا بين الأقل والأكثر [١] وكان منفصلا ، فلا يسري إجماله إلى العام ، لا حقيقة ولا حكما ، بل كان العام متبعا فيما لا يتبع فيه الخاص ، لوضوح أنه حجة فيه بلا مزاحم أصلا ، ضرورة أن الخاص إنما يزاحمه فيما هو حجة على خلافه ، تحكيما للنص أو الأظهر على الظاهر ، لا فيما لا يكون كذلك ، كما لا يخفى.

وإن لم يكن كذلك بأن كان دائرا بين المتباينين مطلقا ، أو بين الأقل والأكثر فيما كان متصلا ، فيسري إجماله إليه حكما في المنفصل المردّد بين المتباينين ، وحقيقة في غيره :

أما الأول : فلأن العام ـ على ما حققناه ـ كان ظاهرا في عمومه ، إلّا أنه لا يتبع ظهوره في واحد من المتباينين اللذين علم تخصيصه بأحدهما.

وأما الثاني : فلعدم انعقاد ظهور من رأس للعام ، لاحتفاف الكلام بما يوجب احتماله لكل واحد من الأقل والأكثر ، أو لكل واحد من المتباينين ، لكنه حجة في الأقل ، لأنه المتيقن في البين.

فانقدح بذلك الفرق بين المتصل والمنفصل ، وكذا في المجمل بين المتباينين والأكثر والأقل ، فلا تغفل.

______________________________________________________

التمسّك بالعام في الشبهة المفهومية للخاص

[١] إذا ورد الخاص على خلاف حكم العام وكان الخاص بحسب مفهومه مجملا بحيث لا يعلم سعة معناه أو ضيقه وكان خطاب الخاص منفصلا يؤخذ بخطاب الخاص في المتيقّن ويؤخذ في المشكوك دخوله في عنوان الخاص ، بالعام

٢٣٥

.................................................................................................

______________________________________________________

كما إذا ورد في خطاب الأمر بإكرام العلماء وورد في خطاب آخر النهي عن إكرام العالم الفاسق ، وتردّد الأمر بين كون المراد بالفاسق خصوص المرتكب للكبيرة أو مطلق العاصي ولو كان مرتكبا للصغيرة بلا إصرار ، فإنّه يؤخذ بعموم العام في المرتكب للصغيرة غير المصرّ عليها ويرتفع إجمال المخصّص من حيث الحكم.

هذا فيما كان المخصّص المجمل منفصلا عن خطاب العام ، وأمّا إذا كان بنحو المخصّص المتصل كقوله : «أكرم كلّ عالم إلّا الفاسق منهم» فلا يصحّ التمسّك بالعام في مورد الإجمال لسراية إجمال المخصّص إلى العام وعدم انعقاد ظهور له في العموم.

وإذا كان الخاص المجمل مردّدا أمره بين المعنيين المتباينين كما إذا ورد في خطاب الأمر بإكرام العلماء وورد في خطاب النهي عن إكرام زيد ودار الأمر بين كون المراد من زيد هو زيد بن عمرو أو زيد بن بكر فإنّ العام يسقط عن الاعتبار بالإضافة إلى كلّ من المحتملين وذلك لقيام الأمارة على عدم تطابق ظهور العام في أحدهما للواقع فلا يصلح للأخذ به في شيء منهما من غير فرق بين ما إذا كان الخاص متصلا أو منفصلا.

لا يقال : إذا كان الخاص منفصلا عن خطاب العام وكان عدم تطابق ظهور العام للواقع بالإضافة إلى أحد المتباينين محرزا بالوجدان فالأمر كما ذكر للعلم الإجمالي بورود التخصيص للعام في أحدهما ، وأمّا إذا كان عدم تطابق ظهور العام للواقع غير محرز بالوجدان بأن كان الخاص من قبيل الامارة المعتبرة كالخبر العادل فهو لإجماله وتردّده بين المتباينين لا يكون حجّة في شيء منهما ولا في أحدهما لا بعينه ، حيث إنّه لا دليل على اعتبار المدلول الالتزامي بعد سقوط المدلول المطابقي عن الاعتبار كما يأتي في بحث تعارض الأدلة وبيان عدم صلاحية المتعارضين لنفي الثالث.

٢٣٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وعليه ، فلا وجه لرفع اليد عن العموم بالإضافة إلى كلّ من زيد بن عمرو وزيد بن بكر في المثال ، بل يؤخذ فيهما بالعموم كما يؤخذ به في سائر الأفراد ، حيث من يحتمل طلب إكرام كلّ منهما ثبوتا لاحتمال عدم صدق خطاب الخاص المظنون في شيء منهما.

فإنّه يقال : إجمال الخاص بمعنى عدم ظهوره إنّما هو بالإضافة إلى خصوصية أيّ من الزيدين بمعنى تعيينه ، وأمّا بالإضافة إلى كون أحدهما غير مراد جدّا في المقام فهو ظاهر ولا يكون ذلك من المدلول الالتزامي للدليلين المتعارضين ليكون سقوطهما عن الاعتبار بالإضافة إلى المدلول المطابقي موجبا لانتفاء المدلول الالتزامي أصلا أو اعتبارا.

وأمّا عدم اعتبار المدلول الالتزامي تبعا لعدم اعتبار المدلول المطابقي لإجماله ، فهو غير ثابت وذلك لأنّ سقوط المدلول الالتزامي في المتعارضين إنّما هو لوقوع التكاذب بينهما ، حتّى في ذلك المدلول الالتزامي بخلافه في المقام ، فإنّه في الحقيقة في المآل مدلول انحلالي ضمني.

وإن شئت قلت : حجّية ظهور العام المعبّر عنها بأصالة التطابق تثبت بسيرة العقلاء ولا فرق في قيام سيرتهم على ترك تلك الأصالة بين ما كان الخاص المردّد بين المتباينين قطعيا أو كان ثابتا بمثل خبر الثقة.

لا يقال : كيف يؤخذ بمدلول العام في غير المتيقّن من مدلول الخاص المنفصل ، مع أنّه لا أثر لمقام الإثبات مع إحراز مخالفة مقام الثبوت له.

وبتعبير آخر : يكون الخاص المنفصل المجمل مفهوما المردّد بين السعة والضيق كاشفا عن أنّ الموضوع ثبوتا لطلب الإكرام ليس كلّ عالم بل المتصف بعدم كونه فاسقا أو ليس بفاسق فيكون حصول الموضوع في العالم المحتمل فسقه

٢٣٧

وأما إذا كان مجملا بحسب المصداق ، بأن اشتبه فرد وتردد بين أن يكون فردا له أو باقيا تحت العام [١] ، فلا كلام في عدم جواز التمسك بالعام لو كان متصلا به ، ضرورة عدم انعقاد ظهور للكلام إلّا في الخصوص ، كما عرفت.

وأما إذا كان منفصلا عنه ، ففي جواز التمسك به خلاف ، والتحقيق عدم

______________________________________________________

بالشبهة المفهومية مشكوكا ، فكيف يحكم بوجوب إكرامه أخذا بظهور العام؟

فإنّه يقال : الخاص المنفصل يكشف عن عدم ثبوت طلب الإكرام بالإضافة إلى ما هو فرد للعنوان الوارد في الخاص ، وأمّا بالإضافة إلى ما يشك في سعة مفهوم ذلك العنوان فلا كشف فيه ومدلول خطاب العام. وإن كان انحلاليا إلّا أنّه يعلم بخطاب الخاص عدم ثبوت الحكم الوارد في خطاب العام بالإضافة إلى الأفراد التي يكشف الخاص عن عدم ثبوت حكم العام لها ثبوتا وأمّا فيما لا كشف لخطاب الخاص بالإضافة إليها فلا موجب لرفع اليد عن أصالة التطابق في ناحية خطاب العام وظهوره كما أشرنا إليه في بيان مقتضى السيرة العقلائية الجارية في اتباع الظهورات.

التمسّك بالعام في الشبهة المصداقية للخاص

[١] إذا علم حال فرد أنّه من أفراد العام ، واحتمل اندراجه في عنوان الخاص حتّى لا يثبت له حكم العام لا لإجمال عنوان الخاص كما تقدّم ، بل للشك في ذلك الفرد بالشبهة الخارجية ، فلا ينبغي التأمّل في أنّه لا يجوز التمسك في الفرد المشكوك بالعام لإثبات حكمه في ذلك الفرد فيما إذا كان الخاص متصلا ، كما إذا قال «أكرم كلّ عالم ، لا يرتكب كبيرة ولا يصرّ على الصغيرة» وشك في عالم أنّه يرتكب الكبيرة أو يصرّ على الصغيرة أم لا ، حيث إنّ ظهور العام من الأول مقصور على إكرام عالم خاص وصدقه على المشكوك غير محرز وخطاب الحكم على نحو القضية الحقيقية لا يعيّن مصداقه فلا بدّ من إحراز المصداق خارجا ليحرز ثبوت حكم العام المقيّد فيه.

٢٣٨

جوازه ، إذ غاية ما يمكن أن يقال في وجه جوازه ، أن الخاص إنما يزاحم العام فيما كان فعلا حجة ، ولا يكون حجة فيما اشتبه أنه من أفراده ، فخطاب (لا تكرم فسّاق العلماء) لا يكون دليلا على حرمة إكرام من شك في فسقه من العلماء ، فلا يزاحم مثل (أكرم العلماء) ولا يعارضه ، فإنه يكون من قبيل مزاحمة الحجة بغير الحجة ، وهو في غاية الفساد ، فإن الخاص وإن لم يكن دليلا في الفرد المشتبه فعلا ، إلّا أنه يوجب اختصاص حجية العام في غير عنوانه من الأفراد ، فيكون (أكرم العلماء) دليلا وحجة في العالم غير الفاسق ، فالمصداق المشتبه وإن كان مصداقا للعام بلا كلام ، إلّا أنه لم يعلم أنه من مصاديقه بما هو حجة ، لاختصاص حجيته بغير الفاسق.

______________________________________________________

وأمّا إذا كان الخاص منفصلا فقد يقال بإمكان إثبات حكم العام له مع الشكّ كذلك بدعوى أنّ خطاب العام ظاهر في تعلّق الوجوب بإكرام كلّ من ينطبق عليه عنوان العام ، والخاص المنفصل حجّة على رفع اليد عن ظهور العام بالإضافة إلى الأفراد التي احرز دخولها تحت عنوان الخاص. وأمّا بالإضافة إلى من ينطبق عليه عنوان العام ولا يحرز اندراجها في عنوان الخاص فلا حجّة على رفع اليد عن ظهور العام ، ولا وجه للإغماض عن أصالة التطابق على وزان ما تقدّم في إجمال المخصّص المنفصل ودوران أمره بين الأفراد القليلة والكثيرة.

ولكن لا يخفى الفرق بين المقامين وأنّه لا يمكن التمسّك بالعام في الشبهة المصداقية للخاص ، بخلاف موارد الشبهة المفهومية لعنوانه ، فإنّه بإجمال الخاص ودوران أمره بين الأفراد القليلة والكثيرة ، يتعيّن فيها الرجوع إلى ظهور العام ، والوجه في ذلك أنّ الخاص يكون قرينة عرفية على المراد الجدّي من العام بسقوط أصالة التطابق في ناحيته باعتبار خطاب الخاص في مدلوله ، وليس مدلول خطاب الخاص مع إجماله بأزيد من الأفراد التي تدخل في المعنى الضيّق ، فيرفع اليد عن أصالة

٢٣٩

وبالجملة العام المخصص بالمنفصل ، وإن كان ظهوره في العموم ، كما إذا لم يكن مخصصا ، بخلاف المخصص بالمتصل كما عرفت ، إلّا أنه في عدم الحجية إلّا في غير عنوان الخاص مثله ، فحينئذ يكون الفرد المشتبه غير معلوم الاندراج تحت إحدى الحجتين ، فلا بد من الرجوع إلى ما هو الأصل في البين ، هذا إذا كان المخصص لفظيا.

______________________________________________________

الظهور في ناحية العام بالإضافة إليها ، بخلاف الخاص المبيّن إذا شكّ في مصداقه بالشبهة الخارجية فإنّ معه يكون الموضوع ما صحّ انطباق عنوانه وعدم انطباق عنوان الخاص عليه ، وصدق هذا الموضوع المعتبر في حكم العام على المشتبه بالشبهة الخارجية غير محرز ، ولا يقاس بالخاص المنفصل المجمل حيث ذكرنا أنّه لإجماله لا يكشف عن تقييد العام ثبوتا إلّا بالإضافة إلى الأفراد التي تكون داخلة في مدلول خطاب الخاص بعنوانه ، والمفروض أنّه لا دلالة للخاص إلّا بالإضافة إلى أفراده ، فيكون رفع اليد عن أصالة التطابق في ظهور العام بالنسبة إلى غير مورد انطباق الضيق بلا قرينة على خلافه.

وبتعبير آخر : اتّصاف الخطاب بالحجّية بالإضافة إلى الحكم المجعول بنحو القضية الحقيقية لا يتوقّف على إحراز الموضوع في ذلك بحسب الخارج ، ولذا يفتي الفقيه في الوقائع بتلك الكبرى بلا نظر إلى وجود الموضوع للحكم خارجا ، ومع انفصال الخاص وتبيّن مدلوله لا يكون خطاب العام حجة على حكمه بنحو العموم بل يتقيّد اعتبار ظهوره بعدم انطباق عنوان الخاص على ما ينطبق عليه عنوان العام ، فخطاب أكرم كلّ عالم بعد ورود خطاب لا تكرم الفاسق من العالم يكون حجّة على تعلّق الوجوب بإكرام كلّ عالم لا ينطبق عليه عنوان الفاسق ، يعني إذا تبيّن مفهومه فمجموع الخطابين حجّة على أنّ الحكم المجعول بنحو القضية الحقيقية هو وجوب

٢٤٠