دروس في مسائل علم الأصول - ج ٣

آية الله الميرزا جواد التبريزي

دروس في مسائل علم الأصول - ج ٣

المؤلف:

آية الله الميرزا جواد التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات دار الصديقة الشهيدة عليها السلام
المطبعة: نگين
الطبعة: ٢
ISBN: 978-964-94850-9-1
ISBN الدورة:
978-964-94850-1-0

الصفحات: ٤٤٥

.................................................................................................

______________________________________________________

بدون الدخول في الدار المغصوبة ليتعلّق بها التكليف فعلا أو تركا أو يكون فيها ملاك ملزم قبل الدخول (١).

وفيه أنّ كلا من الدخول في دار الغير بلا رضا مالكها والحركة الخروجية فيها والتصرّف البقائي فيها محرّم بعنوان الغصب أو التصرّف في مال الغير ويكون ملاك تحريمها المفسدة الكامنة في كلّ منها ولو مع الاختلاف في الأشدّية وعدمها ، ويكفي ذلك في النهي عن جميعها قبل الدخول لتمكّن المكلّف من الاجتناب عن جميعها بترك الدخول فيها وبعد الدخول فيها لا بدّ من أحد الأمرين إمّا التصرّف البقائي أو الحركة الخروجية فقد أوقع نفسه في الفساد باختيار الدخول فيها فيعاقب على ما يختاره من الحركة الخروجية أو التصرّف البقائي ، ولكن بما أنّ محذور الثاني أشدّ يرشد العقل إلى اختيار الأوّل لكون فساده أقلّ ، ومع إرشاده إليه يسقط النهي عنه بالدخول فيها كما تقدّم ، فالعقاب على ارتكابه الفاسد الذي كان منهيا عنه ، بلا فرق بين أن يكون سقوطه بامتناع الترك كمن ألقى نفسه من شاهق يموت بوقوعه على الأرض لا محالة ، فإنّ النهي عن قتل النفس يسقط بعد الإلقاء لامتناع تركه ، أو أن يكون سقوطه لإرشاد العقل إلى اختياره حتّى لا يبتلي بالمحذور الأشد المعبّر عن ذلك بالاضطرار بسوء الاختيار.

وبتعبير آخر : الامتناع بسوء الاختيار وإن كان يوجب سقوط التكليف وثبوت العقاب إلّا أنّ سقوط التكليف وثبوت العقاب لا ينحصران بصورة امتناع الترك حتّى يقال إنّ الأمر في الحركة الخروجية ليس كذلك فإنّها لا تمتنع بعد الدخول بل يتمكّن

__________________

(١) أجود التقريرات ١ / ٣٧٧.

٢١

.................................................................................................

______________________________________________________

المكلّف من اختيارها.

والثالث : أنّ في مورد قاعدة الامتناع بالاختيار يكون الشيء مقدورا بالإتيان بمقدّمته كالحج في الموسم حيث يتمكّن المكلّف منه بالسير في زمان يدرك الموقفين بالخروج في ذلك الزمان ، وفيما نحن فيه تخرج الحركة الخروجية عن الاختيار بالإتيان بمقدّمتها يعني الدخول في الدار المغصوبة (١).

وفيه : أوّلا : ما تقدّم من عدم انحصار سقوط التكليف وثبوت العقاب على صورة الامتناع بسوء الاختيار.

وثانيا : المطلوب في النواهي ترك الفعل ، وترك الفعل لا يحتاج إلى المقدّمة ، بل ربّما يكون تركه بترك مقدّمته كما في ترك الحركة الخروجية ، فإنّه يكون بترك الدخول.

وثالثا : أنّ ما ذكره من أنّ في موارد الامتناع بالاختيار يكون الشيء مقدورا بالإتيان بمقدّمته غير صحيح ، بل يكون الواجب مقدورا بالتمكّن على مقدّمته ولذا يثبت التكليف به قبل الإتيان بمقدّمته.

والرابع : أنّ الحركة الخروجية واجبة في الجملة ولو عقلا ، وهذا يكشف عن مقدوريتها ، ومعه لم يكن ما يوجب سقوط خطابه شرعا من باب الاضطرار (٢).

وفيه : أنّه قد تقدّم عدم ملاك وجوب نفسي ولا غيري فيها وردّ المال إلى مالكه في الفرض ليس واجبا شرعيا زائدا على دفع حرمة الغصب والتصرّف في مال الغير عدوانا بالغصب والتصرّف الأشدّ.

__________________

(١) أجود التقريرات ١ / ٣٧٧.

(٢) أجود التقريرات ١ / ٣٧٨.

٢٢

.................................................................................................

______________________________________________________

ثمّ إنّه كما أشرنا سابقا إلى عدم اختصاص الاضطرار بسوء الاختيار بموارد ارتكاب محرّم أو ترك واجب يضطرّ معهما إلى محرّم آخر أو ترك واجب آخر بل يجري في ارتكاب محلّل يعلم أنّ مع ارتكابه يضطرّ إلى ترك الواجب أو فعل الحرام ، فإنّ هذا أيضا يعني ارتكاب المحلّل في نفسه من الاضطرار بسوء الاختيار فيما كان التكليف بذلك الواجب أو النهي عن ذلك الحرام فعليا كما مثّلنا في الوقوف في مكان حار في نهار شهر رمضان يضطرّ معه إلى شرب الماء ؛ لأنّ مع فعلية التكليف بهما يكون مقتضى حكم العقل رعايتهما.

نعم ، إذا لم يكن التكليف في زمان ارتكاب المحلّل فعليا فلا بأس بالارتكاب ، فإنّ مقتضى حديث رفع الاضطرار ارتفاع التكليف في ظرفه إلّا إذا كان في البين دليل على وجوب التحفظ على القدرة على امتثالهما في ظرف التكليف بهما.

لا يقال : يمكن التمسّك في عدم حرمة الحركة الخروجية بحديث الرفع (١) ، وكذا ما دلّ على أنّ كلّ شيء ممّا حرّم الله يكون حلالا بطريان الاضطرار عليه ولو كان بسوء الاختيار كموثقتي سماعة وأبي بصير (٢).

فإنّه يقال : رافعيّة الاضطرار المستفادة من الحديث تختصّ بغير موارد سوء الاختيار ، وصورة إدخال النفس في الاضطرار يعدّ اختيارا لا اضطرارا ، فلا يعمّه حديث الرفع الوارد في مقام الامتنان.

وأمّا قوله عليه‌السلام : «وليس شيء ممّا حرّم الله إلّا وقد أحلّه لمن اضطرّ إليه»

__________________

(١) الوسائل : ج ١١ ، باب ٥٦ من أبواب جهاد النفس ، الحديث ١.

(٢) الوسائل : ج ٤ ، باب ١ ، من أبواب القيام ، ح ٦ و ٧.

٢٣

.................................................................................................

______________________________________________________

فمنصرف عن صورة إيقاع النفس في الاضطرار متعمّدا في مثل الحركة الخروجية التي تكون حلّيتها بعد الدخول في الدار المغصوبة موجبة للغوية حرمتها قبل الدخول على ما مرّ.

الاضطرار إلى الجزء أو الشرط

وينبغي في المقام التعرّض لأمر ، وهو أنّه إذا ثبت كون شيء جزءا أو شرطا أو مانعا لمتعلّق الأمر واضطرّ المكلّف إلى ترك الجزء أو الشرط أو الإتيان بالمانع فإن كان لدليل الجزئية أو الشرطية أو المانعية إطلاق بأن كان الدالّ على الجزئية والقيدية خطابا لفظيا مثل قوله عليه‌السلام «لا صلاة إلّا بطهور» (١) أو قوله تعالى : (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ)(٢) فبالاضطرار إلى ترك الجزء أو الشرط أو فعل المانع يحكم بسقوط الأمر بذلك الواجب لحصول الاضطرار إلى ترك الواجب الذي مقتضى خطاب الجزء أو القيد عدم حصوله بدونهما ، إلّا إذا قام دليل خاص على سقوط اعتبار الجزء أو القيد لا أصل وجوب الفعل كما هو الحال في الصلاة ونحوها ، وكذا يجب الإتيان بأصل الواجب إذا لم يكن لدليل اعتبار الجزء أو القيد إطلاق وكان للأمر بذلك الفعل إطلاق ، ووجوب أصل الفعل في الفرض ليس لدليل رفع الاضطرار بل للأخذ بإطلاق خطاب وجوبه حيث لم يثبت له تقييد بذلك الجزء أو القيد في هذه الحال.

وإذا لم يكن لشيء من دليل وجوب الفعل ودليل اعتبار الجزء أو القيد إطلاق

__________________

(١) الوسائل : ج ١ ، باب ١ من أبواب الوضوء ، الحديث ١.

(٢) سورة المائدة : الآية ٦.

٢٤

.................................................................................................

______________________________________________________

يحكم بسقوط الواجب كما هو مقتضى أصالة البراءة عن وجوبه ، وهذا بناء على عدم جريان الاستصحاب في الشبهة الحكمية. وأمّا بناء على جريانه فيها ففي المقام تفصيل يذكر في محلّه.

وقد ظهر مما تقدّم أنّه لو وجب التكفير بعتق رقبة مؤمنة ولم يتمكّن المكلّف إلّا من عتق رقبة كافرة لا يجب عليه عتقها ، حيث إنّ حديث الرفع يرفع ما لا يتمكّن على امتثاله وهو عتق رقبة مؤمنة ولا يثبت وجوب غيره.

لا يقال : ما ذكر ينافي المستفاد من موثّقتي سماعة وأبي بصير ، ففي الأولى «سألته عن الرجل يكون في عينيه الماء فينتزع الماء منها فيستلقي على ظهره الأيام الكثيرة أربعين يوما أو أقل أو أكثر فيمتنع من الصلاة الأيام إلّا إيماء وهو على حاله فقال : لا بأس بذلك وليس شيء ممّا حرّم الله إلّا وقد أحلّه لمن اضطرّ إليه» (١) ، وفي الثانية : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المريض هل تمسك له المرأة شيئا فيسجد عليه؟ فقال : لا ، إلّا أن يكون مضطرّا ليس عنده غيرها وليس شيء ممّا حرّم الله إلّا وقد أحلّه لمن اضطرّ إليه» (٢) ، فإنّ مقتضى الاستشهاد برفع الاضطرار سقوط ما يضطرّ إلى تركه من الجزء أو القيد عن الاعتبار دون وجوب أصل الواجب.

فإنّه يقال : مقتضى الاستشهاد سقوط وجوب الصلاة الاختيارية عن المضطرّ إلى تركها ووجوب مقدار الممكن من الصلاة لأهمّية الصلاة وعدم سقوطها بحال ، ولذا لا يتمسّكون في اعتبار قاعدة الميسور بالحديثين ، ولو فرض أنّ ظاهرهما

__________________

(١) الوسائل : ج ٤ ، باب ١ من أبواب القيام ، الحديث ٦.

(٢) الوسائل : ج ٤ ، باب ١ من أبواب القيام ، الحديث ٧.

٢٥

ثم لا يخفى أنه لا إشكال في صحة الصلاة مطلقا في الدار المغصوبة على القول بالاجتماع [١] ، وأما على القول بالامتناع ، فكذلك ، مع الاضطرار إلى

______________________________________________________

استشهاد الإمام عليه‌السلام برفع الاضطرار على وجوب المقدار الممكن فهو من قبيل التقريب لا الاستشهاد حقيقة.

الاضطرار في الوضعيّات

ومما ذكرنا يظهر الحال في الاضطرار إلى عدم رعاية القيد في الموضوع للحكم الوضعي كما إذا اضطرّ إلى ترك رعاية قيد في المعاملة ونحوها مثل الاضطرار إلى طلاق زوجته بلا استشهاد عدلين ، فإنّه لا يحكم بصحّة الطلاق المفروض أو اضطرّ المدعي إلى الإتيان بشاهدين غير عدلين ، حيث إنّ الاضطرار إلى ذلك لا يوجب اعتبار شهادة غير العدلين ، أو اضطرّ وليّ المسلمين إلى نصب قاض فاقد للوصف المعتبر في القاضي النافذ قضائه ، فإنّ الاضطرار في أمثال ذلك لا يوجب ترتّب أثر واجد القيود على فاقده ، وذلك لأنّ ظاهر ما دلّ على رافعية الاضطرار أنّ الاضطرار إذا طرأ على الفعل أو الترك يرفع المنع الذي كان في ذلك الفعل أو الترك ، وفي الموارد المزبورة لم يثبت مع قطع النظر عن الاضطرار منع عن الفعل أو الترك بل الثابت فيهما عدم الإمضاء والنفوذ ، وعنوان الاضطرار رافع لا أنّه مثبت للحكم والنفوذ ، والمانعية للشيء عن الفعل تحصل من الأمر بالفعل المقيّد بعدم ذلك الشيء ، وبالاضطرار إلى الإتيان به مع ذلك الشيء يرتفع وجوب أصل الفعل كما تقدّم ، لأنّ ثبوت المانعية له كان بذلك الأمر فيرتفع ، ولكن لا يثبت الأمر بغير المقيّد إلّا بدليل آخر.

الصلاة في الدار المغصوبة

[١] تعرّض قدس‌سره لحكم الصلاة في الدار المغصوبة.

٢٦

الغصب ، لا بسوء الاختيار أو معه ولكنها وقعت في حال الخروج ، على القول

______________________________________________________

أقول : ينبغي صرف الكلام في حكم الصلاة في الدار المغصوبة على القول بامتناع الاجتماع في موارد التركيب الاتحادي وتقديم جانب النهي فيها وأنّ حكم الصلاة فيها هل يختلف في موردي الاضطرار إلى الغصب لا بسوء الاختيار ، والاضطرار بسوء الاختيار ، وكذا في سعة الوقت أو في ضيقه أم لا يختلف؟

بعد الفراغ من أنّ الصلاة في الدار المغصوبة محكومة بالصحّة بناء على جواز اجتماع الأمر والنهي بلا فرق بين صورتي الاختيار والاضطرار وبلا فرق بين كون الاضطرار بسوء الاختيار أو من غير سوء الاختيار كما تقدّم ذلك في الأمر العاشر ، والذي يتعيّن عند التأمّل والقول بعدم جواز الاجتماع وتقديم جانب النهي هو الحكم بصحّة الصلاة في الدار المغصوبة عند الاضطرار لا بسوء الاختيار بلا فرق بين سعة الوقت وضيقه ، والتمكّن من الإتيان بها خارج تلك الدار ولو في آخر الوقت أو عدمه ، كلّ ذلك لسقوط النهي بالاضطرار فتدخل الصلاة المأتي بها في تلك الدار في إطلاق متعلّق الأمر ، فيعمّه الترخيص في التطبيق حتّى في صورة تمكّن المكلّف من الإتيان بها قبل خروج الوقت عند ارتفاع اضطراره إلى الغصب لما ذكر من شمول إطلاق المتعلّق وثبوت الترخيص في التطبيق.

ولكن مع ذلك فقد التزم المحقّق النائيني قدس‌سره من لزوم تأخيرها إلى خارج الغصب مع سعة الوقت والتمكّن من الإتيان بها خارجه ، وإن لم يتمكّن من التأخير كذلك يصلي في الغصب موميا للركوع والسجود ، لكون الركوع والسجود الاختياريين من التصرّف الزائد على التصرّف المضطرّ إليه عرفا ، فيدخل الهوي إلى الركوع والسجود في التصرّف المنهي عنه وإن كان كلّ منهما بحسب النظر العقلي غير زائد على ما يضطرّ إليه من التصرّف في تلك الدار ، فإنّ إشغال الجسم للمكان لا يختلف

٢٧

.................................................................................................

______________________________________________________

بالزيادة والنقيصة بحسب اختلاف هيئاته ، ولكنّ هذا عقلا ، لا بحسب النظر العرفي المتّبع في أمثال المقام (١).

وفيه : أنّه كما إذا دخل في تلك الدار وهو قائم لا يكون جلوسه فيها تصرّفا زائدا على الكون فيها ، والمفروض اضطراره إلى الكون المزبور كذلك كونه السجوديّ أو الركوعيّ لا يكون زائدا عليه ، وقد ذكر في الجواهر أنّ من أوجب على المضطرّ أن يصلّي في الحالة التي كان عليها حين الدخول في الغصب أظلم على المحبوس ممن حبسه فيه.

هذا كلّه فيما إذا كان الاضطرار إلى الدار المغصوبة لا بسوء الاختيار.

وأمّا مع سوء الاختيار فمع سعة الوقت والتمكّن من الصلاة خارج الغصب قبل خروج وقتها يتعيّن عليه التأخير ، ومع عدم تمكّنه من الصلاة خارج الغصب ولو في آخر الوقت يتعيّن عليه الصلاة في الغصب ولكن موميا لسجوده ، بل لركوعه بناء على أنّ الهوي إلى الركوع يدخل في الصلاة فإنّ مع وقوع السجود والهوي إلى الركوع مبغوضا لا يمكن الأمر بالصلاة مع الركوع والسجود الاختياريّين ولا يمكن الترخيص فيها لا مطلقا ولا بنحو الترتّب كما ذكرنا استحالة الترتّب في موارد التركيب الاتحادي لمضادّة الأمر والنهي بحسب منشأهما حتّى مع سقوط النهي عن اقتضائه فتنتقل الوظيفة إلى الصلاة الاضطرارية التي لا تتحد مع الغصب بوجه.

ويتفرّع على ذلك تأخير الصلاة مع سعة الوقت والتمكّن من الإتيان بها خارج الغصب قبل خروج الوقت ولا يجوز الإتيان بها حتّى فيما أراد المكلف الإتيان بها في حركتها الخروجية ولو قلنا بأنّ الحركة الخروجية لا يعمّها خطاب النهي عن الغصب

__________________

(١) أجود التقريرات ١ / ٣٨١.

٢٨

بكونه مأمورا به بدون إجراء حكم المعصية عليه ، أو مع غلبة ملاك الأمر على النهي مع ضيق الوقت [١] ، أما مع السعة فالصحة وعدمها مبنيان على عدم اقتضاء الأمر

______________________________________________________

أصلا كما عليه الشيخ الأنصاري قدس‌سره وذلك فإنّه لو كانت الصلاة حال الحركة الخروجية مع الركوع والسجود الاختياريين فالبطلان من جهة أنّ المكث والاستقرار للركوع والسجود غير داخلين في الحركة الخروجيّة فيكون السجود أو الركوع مكثا محرّما غير صالح للتقرّب به ، وإن كان الركوع أو السجود بالإيماء بلا استقرار فالبطلان من جهة فقد الصلاة جزئها وشرطها الاختياريين مع تمكّنه عليهما ولو في آخر الوقت.

نعم مع ضيق الوقت وعدم تمكّن المكلّف من إدراك الصلاة قبل خروج وقتها يتعيّن عليه الصلاة حال الخروج بلا استقرار ومع الإيماء إلى الركوع والسجود. هذا بناء على مبغوضية الحركة الخروجية كما بنينا عليها.

وأمّا بناء على عدم حرمتها أصلا فإن تمكّن المكلف من الركوع والسجود الاختياريين بلا استقرار كما إذا كان متمكّنا عند خروجه من ركوب عربة ونحوها ويصلي عليها حال حركتها بالركوع والسجود فهو ، وإلّا يصلي إيماء حال الحركة ، فإنّ الهوي إلى الركوع ولا أقلّ السجود غير داخل في الحركة الخروجية مع الوقوف لهما. وأمّا سائر أفعال الصلاة كالركوع والسجود بالإيماء التي لا تتحد مع الغصب ، فلا مانع عن الأمر بها.

وقد ظهر مما ذكرنا أنّ تسوية الماتن قدس‌سره (١) بين الصلاة في الغصب عند الاضطرار لا بسوء الاختيار وبين الصلاة حال الخروج بناء على أنّ الحركة الخروجية مأمور بها من غير جريان حكم المعصية عليها ، غير صحيح.

[١] مراده أنّه لو قيل بعدم جواز اجتماع الأمر والنهي وبعدم حرمة المجمع من

__________________

(١) الكفاية : ١٧٤.

٢٩

بالشيء للنهي عن الضد واقتضائه ، فإن الصلاة في الدار المغصوبة ، وإن كانت مصلحتها غالبة على ما فيها من المفسدة ، إلّا أنه لا شبهة في أن الصلاة في غيرها تضادها ، بناء على أنه لا يبقي مجال مع إحداهما للأخرى ، مع كونها أهم منها ، لخلوها من المنقصة الناشئة من قبل اتحادها مع الغصب ، لكنه عرفت عدم الاقتضاء بما لا مزيد عليه ، فالصلاة في الغصب اختيارا في سعة الوقت صحيحة ، وإن لم تكن مأمورا بها.

______________________________________________________

جهة تقديم خطاب الأمر فيه على خطاب النهي لقوّة ملاك الأمر وضعف ملاك النهي تكون الصلاة الاختيارية في الدار المغصوبة صحيحة بلا فرق بين كونها حال الخروج أو غيره ، وهذا مع ضيق وقت الصلاة. وأمّا مع سعة الوقت فكذلك بناء على عدم اقتضاء الأمر بشيء للنهي عن ضدّه.

أقول : الصلاة في غير المجمع مع سعة الوقت وتقديم جانب الأمر لا تكون بخصوصها مأمورا بها ليقتضي الأمر بها النهي عن الصلاة في الغصب لأنّ مع الإتيان بالصلاة في المجمع لا يبقى مورد للصلاة بغيره ، بل الصلاة بغير المجمع فرد من الطبيعي المأمور به والواجب على المكلف الطبيعي حصل بالمجمع أو بغيره فالصلاة بالمجمع لا يحسب ضدّا للطبيعي الواجب.

وبالجملة بناء على تقديم جانب الأمر تكون الصلاة في الدار المغصوبة صحيحة مع سعة الوقت وضيقها ، سواء قيل باقتضاء الأمر بالشيء للنهي عن ضدّه أم لا ، ولكن هذا مجرّد فرض ولا وجه لتقديم الأمر بالصلاة على خطاب تحريم الغصب ، من غير فرق بين سعة الوقت أو ضيقه كما يأتي. وبناء على تقديم خطاب النهي فلا تصحّ الصلاة في الغصب إلّا في موارد سقوط النهي للاضطرار أو الإكراه أو الغفلة والنسيان أو شمول حديث «لا تعاد» كما في موارد الجهل عن قصور ، ومع كون

٣٠

.................................................................................................

______________________________________________________

الاضطرار بسوء الاختيار يتعيّن الصلاة على المضطرّ كذلك بالإيماء إلى ركوعه وسجوده بناء على العلم بعدم سقوط التكليف بالصلاة عنه ، كما لا يبعد ذلك ، لأنّ التكليف بالصلاة الاختيارية مع حرمة الغصب من المتزاحمين في مقام الامتثال ويتعيّن الصلاة بالإيماء لأنّها بدل اضطراري فيقدّم في مقام الامتثال ما ليس له بدل على ما له البدل ، بل تحريم الغصب مع وجوب الصلاة الاختيارية متزاحمان في مقام الجعل ، فلا بدّ من أن لا يجعل الحرمة للغصب المنطبق عليه ولو عنوان بعض الصلاة ليجب ـ على المضطرّ إلى البقاء في الغصب ـ الصلاة الاختيارية من حيث الركوع والسجود أو لا يجب عليه الصلاة الاختيارية لامتناع تعلّق الأمر النفسي بما يكون بتمامه أو بجزئه أو قيده مبغوضا ولو بالنهي السابق الساقط كما في الاضطرار إلى البقاء في الغصب بسوء الاختيار.

لا يقال : القيام والقعود وإن لم يدخلا في الصلاة جزءا إلّا أنّهما شرطان لأجزاء الصلاة من التكبيرة والقراءة والذكر والتشهد ولا فرق عندهم في امتناع اجتماع الأمر والنهي بين كون المجمع للعنوانين تمام الواجب أو جزئه أو قيده.

وكيف يمكن الحكم على المضطر بسوء الاختيار بوجوب الصلاة الاختيارية من غير ناحية سجوده وركوعه بأن يعتبر في تكبيرته وقراءته وركوعه بالإيماء القيام وفي تشهده وسلامه الجلوس؟ مع أنّ كلا من القيام والقعود كون غصبي مبغوض منهي عنه بالنهي السابق فلا يصلحان قيدا للواجب على ما هو مسلك الامتناع؟

فإنّه يقال : القيام المعتبر في الصلاة بمعنى استواء الأعضاء والقعود المعتبر فيها عدم استواء الساقين فلا يتّحد شيء منهما مع الغصب حيث إنّ الغصب ينتزع عن

٣١

الأمر الثاني : قد مرّ ـ في بعض المقدمات ـ أنه لا تعارض بين مثل خطاب (صلّ) وخطاب (لا تغصب) [١] على الامتناع ، تعارض الدليلين بما هما دليلان حاكيان ، كي يقدم الأقوى منهما دلالة أو سندا ، بل إنما هو من باب تزاحم المؤثرين والمقتضيين ، فيقدم الغالب منهما ، وإن كان الدليل على مقتضى الآخر أقوى من دليل مقتضاه ، هذا فيما إذا أحرز الغالب منهما ، وإلّا كان بين الخطابين تعارض ، فيقدم الأقوى منهما دلالة أو سندا ، وبطريق الإنّ يحرز به أن مدلوله أقوى مقتضيا ، هذا لو كان كل من الخطابين متكفلا لحكم فعلي ، وإلّا فلا بد من الاخذ بالمتكفل لذلك منهما لو كان ، وإلّا فلا محيص عن الانتهاء إلى ما تقتضيه الأصول العملية.

______________________________________________________

وضع الرجلين على الأرض المغصوبة وتحيّز البدن من فضاء المغصوب ، فالتركيب بين الغصب والقيام والقعود المعتبرين في أجزاء الصلاة انضمامي بخلاف التركيب بين الغصب والسجود الاختياري فإنّه اتحادي.

وبالجملة الأمر بالصلاة مع الركوع والسجود إيماء بالاضافة إلى النهي عن الغصب من المتزاحمين في مقام الامتثال مع عدم المندوحة كما هو الفرض ، فيمكن الأمر بالصلاة مترتبا على مخالفة حرمة الغصب.

[١] تعرّض قدس‌سره في هذا التنبيه إلى أمور ثلاثة :

الأوّل : أنّ المفروض في باب اجتماع الأمر والنهي في موارد التركيب الاتحادي تحقّق ملاك كلّ من الأمر والنهي في المجمع وعدم ثبوت كلا الحكمين في المجمع لعدم إمكان تعلّق حكمين بواحد ، فيكون الثابت فيه فعلا الحكم الذي ملاكه أقوى من ملاك الحكم الآخر.

والثاني : أنّ تخصيص خطاب الحكم الذي ملاكه مغلوب ليس من قبيل تخصيص العام أو تقييد المطلق في بعض أفراده في أن لا يثبت حكم العام أو المطلق

٣٢

.................................................................................................

______________________________________________________

في ذلك الفرد أصلا ، بل تخصيص أحد الخطابين في المجمع يختصّ بموارد فعلية الحكم الأقوى ملاكا ، ومع عدم فعليّته وسقوطه لمانع يؤثّر الملاك الذي كان مغلوبا في الحكم الذي اقتضاه ، كما إذا سقط النهي عن الغصب في المجمع للاضطرار أو النسيان ، فيجوز الإتيان بالمجمع صلاة فيكون امتثالا للأمر بالصلاة.

الثالث : المرجحات التي ذكرت لتقديم خطاب النهي على خطاب الأمر في المجمع.

فأشار إلى الأمر الأول بقوله «قد مرّ في بعض المقدّمات أنّه لا تعارض بين مثل خطاب «صلّ» وخطاب «لا تغصب» على الامتناع تعارض الدليلين بما هما دليلان حاكيان ... (١) الخ».

وحاصله حيث كان المفروض تحقّق ملاك كلّ من الحكمين في المجمع وعدم ثبوت كلا الحكمين فيه كما هو مقتضى مسلك الامتناع ، فلا بدّ من ملاحظة الأهم من الملاكين وأقواهما فيكون حكم المجمع تابعا للملاك الغالب ، ومع عدم غلبة شيء من الملاكين لا يثبت الوجوب والحرمة ، بل يثبت حكم ثالث ، هذا مع إحراز الغلبة أو التساوي ، حيث لا ينظر مع إحراز أحدهما إلى قوّة الدلالة في ناحية أحد الخطابين وضعفها في ناحية الآخر ، كما إذا كان الدليل على ما فيه الملاك الغالب مفهوما وعلى ما فيه الملاك المغلوب منطوقا ، حيث لا قيمة لمقام الإثبات مع إحراز مقام الثبوت.

نعم إذا لم يحرز الغلبة في ناحية أحدهما أو تساويهما فإن كان مدلول أحد الخطابين الحكم الفعلي ومدلول الآخر حكما آخر اقتضائيا أو كان مدلول كلّ منهما

__________________

(١) الكفاية : ١٧٤.

٣٣

ثم لا يخفى أن ترجيح أحد الدليلين وتخصيص الآخر به في المسألة لا يوجب خروج مورد الاجتماع عن تحت الآخر [١] رأسا ، كما هو قضية التقييد والتخصيص في غيرها مما لا يحرز فيه المقتضي لكلا الحكمين ، بل قضيته ليس إلّا خروجه فيما كان الحكم الذي هو مفاد الآخر فعليا ، وذلك لثبوت المقتضي في كل واحد من الحكمين فيها ، فإذا لم يكن المقتضي لحرمة الغصب مؤثرا لها ،

______________________________________________________

الحكم الفعلي ولكن كانت الدلالة في ناحية أحدهما أقوى يثبت للمجمع الحكم الفعلي أو الحكم الذي دلالة خطابه أقوى ، حيث إنّ قوّة الدليل تكشف عن كون مدلوله فعليا وثبوت الحكم الفعلي كاشف عن قوة ملاكه بطريق الإنّ ، وإذا لم يكن أحد الخطابين أقوى دلالة أو كان مدلول كلّ منهما هو الحكم الاقتضائي فلا بدّ في تعيين الحكم الفعلي للمجمع من الرجوع إلى أمر آخر ولو كان ذلك الأمر أصلا عمليّا.

أقول : قد تقدّم عدم دلالة خطاب الحكم على ثبوت الحكم الاقتضائي بالمعنى الذي ذكره ، يعني الملاك ، إلّا عن طريق ثبوت الحكم الفعلي بالمعنى الذي ذكرنا ، وإذا سقطت دلالته على الحكم فلا موجب لدعوى ثبوت ملاكه.

نعم ، الموجب لسقوط دلالته عن الاعتبار معارضته بخطاب الحكم الآخر ، وإذا لم يشمل الخطاب الآخر لبعض الموارد فلا مانع من شمول خطاب الحكم الأوّل ، فلا مورد للأصل العملي في هذه المقامات مع تقديم خطاب النهي المتعلّق بعنوان على خطاب الأمر المتعلّق بعنوان آخر فيما إذا كان التركيب بين العنوانين اتحاديا على ما يأتي.

[١] هذا بيان للأمر الثاني من الأمور الثلاثة.

وحاصل ما ذكره قدس‌سره أنّ تقييد أحد الخطابين أو تخصيصه في مورد شمول الخطاب الآخر لا يوجب خروج مورد الاجتماع عن تحت الخطاب الوارد عليه التقييد أو التخصيص رأسا ، كما هو الحال في تقييد المطلق أو تخصيص العام في

٣٤

لاضطرار أو جهل أو نسيان ، كان المقتضي لصحة الصلاة مؤثرا لها فعلا ، كما إذا لم يكن دليل الحرمة أقوى ، أو لم يكن واحد من الدليلين دالا على الفعلية أصلا.

فانقدح بذلك فساد الإشكال في صحة الصلاة في صورة الجهل أو النسيان ونحوهما ، فيما إذا قدم خطاب (لا تغصب) كما هو الحال فيما إذا كان الخطابان من أول الأمر متعارضين ، ولم يكونا من باب الاجتماع أصلا ، وذلك لثبوت المقتضي في هذا الباب كما إذا لم يقع بينهما تعارض ، ولم يكونا متكفلين للحكم الفعلي ، فيكون وزان التخصيص في مورد الاجتماع وزان التخصيص العقلي الناشئ من جهة تقديم أحد المقتضيين وتأثيره فعلا المختص بما إذا لم يمنع عن تأثيره مانع المقتضي ، لصحة مورد الاجتماع مع الأمر ، أو بدونه فيما كان هناك مانع عن تأثير المقتضي للنهي له ، أو عن فعليته ، كما مرّ تفصيله.

______________________________________________________

بعض أفراده في غير ما نحن فيه مما لا يكون فيه المقتضي لكلا الحكمين ، بل مقتضى التخصيص والتقييد في مسألة اجتماع الأمر والنهي خروج المجمع عن أحد الخطابين فيما كان الحكم الذي مفاد الخطاب الآخر في المجمع فعليا ، وإذا لم يكن الحكم الذي ملاكه أقوى فعليا من جهة المانع ، كما في مورد الاضطرار أو الغفلة والنسيان والجهل ، يثبت للمجمع الحكم الآخر المفروض ضعف ملاكه ، فمثلا إذا لم يؤثّر ملاك حرمة الغصب في المجمع لأجل الغفلة عن الغصب أو جهل المكلّف تكون الصلاة صحيحة لتأثير ملاكها ، فيكون الفرض كما إذا لم يكن ملاك الحرمة أقوى ، أو لم يكن في البين معيّن لفعليّة أحد الحكمين كما إذا كان خطاب كل من الحكمين اقتضائيا ، وكما تكون الصلاة مع عدم رجحان ملاك حرمة الغصب أو عدم المعيّن لفعليّة أحدهما صحيحة فكذلك عند وجود المانع عن تأثير ملاك الحرمة تكون صحيحة.

٣٥

.................................................................................................

______________________________________________________

فانقدح مما ذكرنا فساد الإشكال في صحة الصلاة في الدار المغصوبة في صورة الجهل بالغصب أو الغفلة عنه مع فرض تقديم خطاب النهي عن الغصب على خطاب الأمر بالصلاة ، ووجه الظهور أنّ تخصيص خطاب الأمر في مورد الاجتماع وزان التخصيص العقلي الناشئ من تقديم أحد المقتضيين وتأثيره فعلا ، وتأثيره الفعلي مختصّ بما إذا لم يمنع عن تأثيره مانع ، وهذا الاختصاص في التأثير يقتضي صحّة مورد الاجتماع مع الأمر به كما في صورة الغفلة والنسيان أو بدون الأمر ، كما إذا كان المانع عن تأثيره موجبا لانتفاء الفعلية عن الحكم الممنوع ، أي النهي ، كما في صورة الجهل والتردّد في الغصب.

فقوله قدس‌سره «المقتضي لصحّة مورد الاجتماع» (١) وصف للمختصّ في قوله «من جهة تقديم أحد المقتضيين وتأثيره فعلا المختص بما إذا لم يمنع ... (٢) إلخ».

أقول : قد تقدّم أنّ مع تعلّق النهي بالتصرّف في ملك الغير ولو كان المكلّف معذورا في مخالفة النهي لا يمكن الترخيص في تطبيق متعلّق الأمر بالمنهي عنه ، ولذا لا تكون الصلاة في الدار المغصوبة داخلة في متعلق الأمر بالصلاة في صورة الجهل والتردّد في الغصب ، وإذا لم يمكن دخولها فيه فلا كاشف عن ثبوت ملاك طبيعي الصلاة المأمور بها في تلك الصلاة حتّى يحكم بصحتها.

نعم ، هذا مع قطع النظر عن دلالة حديث «لا تعاد» كما ذكرنا سابقا.

وبالجملة الحكم بصحة المجمع وكون الإتيان بالطبيعي بتطبيقه على المجمع

__________________

(١) الكفاية : ١٧٦.

(٢) الكفاية : ١٧٥.

٣٦

وكيف كان ، فلا بد في ترجيح أحد الحكمين من مرجح ، وقد ذكروا لترجيح النهي وجوها :

منها : إنه أقوى دلالة ، لاستلزامه انتفاء جميع الأفراد [١] ، بخلاف الأمر.

______________________________________________________

كافيا ، يختصّ بموارد الغفلة والنسيان ونحوهما مما يسقط فيها النهي عن المجمع واقعا ، ومع سقوطه يعمّ الأمر بالطبيعي تطبيقه على المجمع.

وبالجملة ، فدعوى الماتن قدس‌سره وغيره من تحقّق ملاك الواجب في المجمع في صورة تعلّق النهي به واقعا ولو مع جهل المكلّف به لا يمكن المساعدة عليها فضلا عن موارد تنجّز النهي المتعلّق به.

وأمّا ما ذكره قدس‌سره من عدم كون وزان التخصيص في مسألة الاجتماع وتقديم جانب النهي وزان التخصيص في خطاب الأمر بالصوم والنهي عن صوم يوم العيدين ، وأنّه لا يصحّ صومهما حتّى مع غفلة المكلّف عن كون اليوم يوم عيد ، فهو لأنّ النهي عن صوم يوم العيدين إرشاد إلى عدم مشروعية الصوم فيهما بلا فرق بين الغافل وغيره ، بخلاف النهي عن السجود في الدار المغصوبة ، فإنّه نهي عنه بعنوان التصرّف في ملك الغير بلا رضاه ، وهذا النهي لا يعمّ الغافل عن كون الدار ملك الغير ، ومع عدم عمومه فيؤخذ بالإطلاق في متعلّق الأمر كما مرّ.

الأوّل : ترجيح النهي في المجمع لأقوائيّة دلالة النهي

[١] هذا شروع لبيان الأمر الثالث ، وهو أنّه بناء على امتناع الاجتماع يقدّم خطاب النهي في مورد الاجتماع على إطلاق متعلّق الأمر ، وذلك لوجوه :

أوّلها : أنّ دلالة النهي على حرمة المجمع أقوى من دلالة إطلاق متعلّق الأمر على اندراجه تحت المتعلّق ، وذلك فإنّ مدلول النهي عن الطبيعي طلب تركه

٣٧

وقد أورد عليه بأن ذلك فيه من جهة إطلاق متعلقه بقرينة الحكمة ، كدلالة الأمر على الإجتزاء بأي فرد كان.

وقد أورد عليه بأنه لو كان العموم المستفاد من النهي بالاطلاق بمقدمات الحكمة ، وغير مستند إلى دلالته عليه بالالتزام ، لكان استعمال مثل (لا تغصب) في بعض أفراد الغصب حقيقة ، وهذا واضح الفساد ، فتكون دلالته على العموم من جهة أن وقوع الطبيعة في حيز النفي أو النهي ، يقتضي عقلا سريان الحكم إلى جميع الأفراد ، ضرورة عدم الانتهاء عنها أو انتفائها ، إلّا بالانتهاء عن الجميع أو انتفائه.

______________________________________________________

ولا يتحقّق ترك الطبيعي عقلا إلّا بترك جميع أفراده ، فالمدلول الوضعي للنهي عن الطبيعي يستلزم عقلا ترك أفراده ، بخلاف الأمر بالطبيعي الذي يكفي في الامتثال وسقوط التكليف به صرف وجوده خارجا ولكن إجزاء فرد ما عن صرف الوجود لا يستفاد من الأمر بالطبيعي إلّا أنّه بعد جريان مقدّمات الحكمة في ناحية متعلّق الأمر.

وقد يورد على هذا الفرق بأنّ النهي عن الطبيعي وإن استلزم ترك جميع أفراده إلّا أنّه أيضا بعد جريان مقدّمات الحكمة في ناحية متعلّق النهي ويتعيّن أنّ المنهي عنه هو الطبيعي بلا قيد ، كما أنّ مقتضى إطلاق متعلّق الأمر بعد جريان مقدّماتها الاكتفاء بأيّ فرد منه.

وبالجملة العموم في ناحية كلّ من الأمر والنهي وإن اختلف ـ لأنّه في الأول بدلي ، وفي الثاني شمولي ـ إلّا أنّ كلّا منهما إطلاقي يتوقّف على تمامية مقدّمات الإطلاق في ناحية المتعلّق لهما فلا موجب لتقديم أحدهما على الآخر عند دوران الأمر في رفع اليد عن أحدهما.

وربّما يجاب عن هذا الإيراد بالفرق بين النهي عن الطبيعي والأمر به ، فإنّه لو لم

٣٨

قلت : دلالتها على العموم والاستيعاب ظاهرا مما لا ينكر ، لكنه من الواضح أن العموم المستفاد منهما كذلك ، إنما هو بحسب ما يراد من متعلقهما ، فيختلف سعة وضيقا ، فلا يكاد يدلّ على استيعاب جميع الافراد ، إلّا إذا أريد منه الطبيعة مطلقة وبلا قيد ، ولا يكاد يستظهر ذلك مع عدم دلالته عليه بالخصوص ، إلّا بالإطلاق وقرينة الحكمة ، بحيث لو لم يكن هناك قرينتها بأن يكون الإطلاق في غير مقام البيان ، لم يكد يستفاد استيعاب أفراد الطبيعة ، وذلك لا ينافي دلالتهما على استيعاب أفراد ما يراد من المتعلق ، إذ الفرض عدم الدلالة على أنه المقيد أو المطلق.

______________________________________________________

يكن دلالة النهي عن الطبيعي بترك جميع أفراده عقلا بالاستلزام لدلّ على ترك بعض أفراده ، ولكن لمّا كانت إرادة ترك البعض مجازا ، فكان ذلك دليلا على أنّ العموم فيه ليس بالإطلاق ، بل باستلزام طلب ترك الطبيعي ـ الذي هو المدلول الوضعي للنهى ـ عقلا لترك جميع أفراده.

وناقش الماتن قدس‌سره في هذا الجواب بأنّ دلالة وقوع الطبيعة في حيز النفي أو النهي وإن كان يستلزم العموم والاستيعاب إلّا أنّ الاستيعاب والعموم إنّما هو بحسب ما يراد مما وقع في حيزهما ، فإن كان المراد منه ـ أي من متعلّق النهي أو النفي ـ الطبيعي بلا قيد ، فيقتضيان انتفاء جميع أفراده أو الانتهاء عنها ، ولا بدّ من استظهار كون المتعلّق لهما كذلك من ملاحظة الإطلاق الموقوف على مقدّمات الحكمة ، بحيث لو لم يكن في البين قرينة الحكمة ـ بأن لم يكن المتكلّم في مقام البيان بالإضافة إلى قيود المتعلّق ـ لا يمكن أن يستفاد منهما استيعابهما لجميع أفراد متعلّقهما.

إلّا أن يدّعى كما أنّ لفظة «كل» وسائر أدوات العموم متكفّلة وضعا لإفادة عدم القيد لمدخولها واستيعاب الحكم الوارد في الخطاب لجميع أفراد مدخولها وهو

٣٩

اللهمّ إلّا أن يقال : إن في دلالتهما على الاستيعاب كفاية ودلالة على أن المراد من المتعلق هو المطلق ، كما ربما يدعى ذلك في مثل (كل رجل) ، وإن مثل لفظة (كل) تدلّ على استيعاب جميع أفراد الرجل من غير حاجة إلى ملاحظة إطلاق مدخوله وقرينة الحكمة ، بل يكفي إرادة ما هو معناه من الطبيعة المهملة ولا بشرط في دلالته على الاستيعاب وإن كان لا يلزم مجاز أصلا ، لو أريد منه خاص بالقرينة ، لا فيه لدلالته على استيعاب أفراد ما يراد من المدخول ، ولا فيه إذا كان بنحو تعدد الدال والمدلول ، لعدم استعماله إلّا فيما وضع له ، والخصوصية مستفادة من دالّ آخر ، فتدبر.

______________________________________________________

الطبيعة المهملة ولا بشرط مع قطع النظر عن دخولها ولا يحتاج في إحراز أنّ المراد من مدخولها الطبيعي مطلقا إلى إحرازه بمقدّمات الحكمة ، كذلك النفي أو النهي بالإضافة إلى الطبيعي الواقع في حيزهما.

وبتعبير آخر : النفي أو النهي كأداة العموم بالإضافة إلى الطبيعة الواقعة في حيزهما ، ولكن بناء على هذه الدعوى أيضا لا يلزم المجاز لو أريد من المدخول ، الخاص ، بالقرينة لا في ناحية كلّ ، لدلالته على استيعاب الحكم لمدخوله ولا في ناحية مدخوله إذا كان إرادة الخاص بنحو تعدّد الدال والمدلول ، لعدم استعمال اللفظ الموضوع للطبيعي إلّا في معناه والخصوصية مستفادة من دالّ آخر.

أقول : الرجوع إلى المتفاهم عند أهل المحاورة كاف في الإذعان بالفرق بين مثل قول الشارع «كلّ بيع حلال» وبين قوله تعالى (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) فإنّه وإن كان يستفاد منهما حليّة جميع البيوع إلّا أنّ الاستفادة في الثاني يكون بعناية أمر خارجي يعبّر عنه بمقدّمات الإطلاق بخلاف الأوّل ، فإنّ لفظ «كلّ» بمقتضى الوضع يفيد استيعاب الحلّية لجميع أفراد البيع ، وإذا ثبت هذا الفرق بين الأمر بالشيء والنهي عنه بأنّ الأمر بالشيء لا دلالة له بنفسه على أنّ المتعلّق للطلب نفس الطبيعي من غير

٤٠