دروس في مسائل علم الأصول - ج ٣

آية الله الميرزا جواد التبريزي

دروس في مسائل علم الأصول - ج ٣

المؤلف:

آية الله الميرزا جواد التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات دار الصديقة الشهيدة عليها السلام
المطبعة: نگين
الطبعة: ٢
ISBN: 978-964-94850-9-1
ISBN الدورة:
978-964-94850-1-0

الصفحات: ٤٤٥

.................................................................................................

______________________________________________________

دخالة قيد بل يحتاج استفادة ذلك إلى ملاحظة مقدّمات الإطلاق في ناحيته بخلاف النهي عن الشيء أو نفيه ، فإنّ النهي أو النفي المتعلّق بشيء بنفسه كاف في عدم دخالة قيد في المنهي أو المنفي ، لا يصحّ أيضا تقديم خطاب النهي على خطاب الأمر في مسألة الاجتماع ؛ لأنّ المفروض في باب الاجتماع وجود خطابين ، خطاب الأمر بالصلاة مثلا ، وخطاب النهي عن الغصب ، فالعموم ولو كان في الأوّل بالإطلاق وفي الثاني بالوضع إلّا أنّه لا يوجب مجرّد ذلك تقديم خطاب النهي وإنّما ذلك يوجب التقديم إذا ذكر الأمر بها والنهي عنه في خطاب واحد ليمنع الثاني عن تمامية مقدّمات الإطلاق في ناحية الأمر بالصلاة.

وأمّا كون النهي في خطاب منفصل فلا يمنع عند الماتن وأمثاله من انعقاد الاطلاق في ناحية خطاب الأمر بالصلاة ، كما أصرّ على ذلك في باب تعارض الاطلاق مع العام الوضعي (١).

نعم ، لو كان من مقدّمات الاطلاق عدم ورود القيد ولو في خطاب منفصل صحّ تقديم خطاب النهي على خطاب الأمر ، وسيأتي في محلّه البحث عنه وبيان الصحيح من المسلكين.

أضف إلى ذلك عدم ثبوت النفي أو النهي من أداة العموم فيما وقع في حيزهما الطبيعي ، بل لا بدّ في إثبات كون الطبيعي مطلقا من ملاحظة مقدّمات الاطلاق كما هو الحال في الأمر بالطبيعي.

نعم ، ذكر المحقّق النائيني قدس‌سره أنّه وإن كان العموم في ناحية كلّ من الأمر بالصلاة

__________________

(١) كفاية الأصول : ٢٤٧ و ٤٥٠.

٤١

ومنها : إنّ دفع المفسدة أولى من جلب المنفعة [١].

وقد أورد عليه في القوانين ، بأنه مطلقا ممنوع ، لان في ترك الواجب أيضا مفسدة إذا تعين.

______________________________________________________

والنهي عن الغصب إطلاقيا إلّا أنّه لا بدّ من تقديم الاطلاق الشمولي على البدلي ؛ لأنّ الاطلاق البدلي المقتضي للاكتفاء في الامتثال بأيّ فرد يحتاج إلى مقدّمة زائدة وهي إحراز تساوي أفراد الطبيعي في الوفاء بالغرض ، ومع الإطلاق الشمولي على خلافه لا تتمّ هذه المقدّمة (١).

ولكن لا يخفى ما فيه ، فإنّه يكفي في إحراز التساوي في الملاك عدم ذكر القيد للمتعلّق وإلّا كان على المولى تقييده بذلك القيد ، ومجرّد إمكان اختلاف أفراد المنهي عنه في الملاك بالشدّة والضعف ولزوم تساوي أفراد الطبيعي في الوفاء بالملاك اللازم لا يوجب فرقا بينهما.

وبتعبير آخر : كما أنّ مع شمول النهي لمورد لا يمكن أن يتعلّق به الأمر كذلك مع شمول الأمر لمورد لا يمكن أن يتعلّق به النهي ، فالاطلاقان من الخطابين ينتفيان بناء على أنّ مقدّمات الاطلاق عدم ورود البيان للقيد ولو منفصلا أو يتعارضان بناء على أنّ من مقدّمات الإطلاق عدم بيان القيد في مقام التخاطب بخطاب المطلق.

[١] ثانيها : أنّ دفع المفسدة أولى من جلب المنفعة ، يعني لو أخذ في المجمع بمقتضى خطاب النهي لكان هذا رعاية لدفع المفسدة ولو أخذ فيه بمقتضى خطاب الأمر بالطبيعي ، لكان هذا تقديما لرعاية المصلحة ، وكلّما دار الأمر بين رعاية المفسدة بدفعها ورعاية المصلحة بجلبها يكون الأوّل متعيّنا في بناء العقلاء ، بل في

__________________

(١) أجود التقريرات ١ / ١٦٢.

٤٢

ولا يخفى ما فيه ، فإن الواجب ولو كان معينا ، ليس إلّا لأجل أن في فعله مصلحة يلزم استيفاؤها من دون أن يكون في تركه مفسدة ، كما أن الحرام ليس إلّا لأجل المفسدة في فعله بلا مصلحة في تركه.

ولكن يرد عليه أن الأولوية مطلقا ممنوعة ، بل ربما يكون العكس أولى ، كما يشهد به مقايسة فعل بعض المحرمات مع ترك بعض الواجبات ، خصوصا مثل الصلاة وما يتلو تلوها.

ولو سلم فهو أجنبي عن المقام ، فإنه فيما إذا دار بين الواجب والحرام.

ولو سلم فإنما يجدي فيما لو حصل به القطع.

______________________________________________________

حكم العقل ، فيؤخذ به في الشرعيات أيضا.

وأورد على ذلك في القوانين بأنّ في ترك الواجب أيضا مفسدة فلا يحرز بتقديم جانب الحرمة أولوية دفع المفسدة فيها.

ولكن لا يخفى ما في هذا الإيراد فإنّه إن أريد بالمفسدة في ترك الواجب العقاب على تركه فمن الظاهر أنّ العقاب أثر تنجّز الوجوب المحرز بوجه معتبر ، ومع تعارض الخطابين في المجمع لا يحرز الوجوب ، كما لا يحرز خصوص الحرمة. وإن أريد الأثر المترتب والفساد الكامن في العمل فلا ينبغي التأمّل في أنّ ترك الفعل حتّى الواجب ليس فيه فساد ، بل الأثر يكون في حصول الشيء صلاحا أو فسادا.

نعم ، ربّما ينطبق على ترك الفعل عنوان حسن أو قبيح ، ولكنّه خلاف الفرض في المقام من تعلّق كلّ من الوجوب أو الحرمة بالفعل ، وعلى ذلك بنينا سابقا من أنّ الأمر بالشيء لا يقتضي النهي عن ضدّه العام ، وإنّ في ترك الواجب لا يكون فسادا ليحرم نفسيا ، بل يفوت بالترك الصلاح اللازم في الفعل.

٤٣

ولو سلم أنه يجدي ولو لم يحصل ، فإنما يجري فيما لا يكون هناك مجال لأصالة البراءة أو الاشتغال ، كما في دوران الأمر بين الوجوب والحرمة التعيينيين ، لا فيما تجري ، كما في محل الاجتماع ، لأصالة البراءة عن حرمته فيحكم بصحته ، ولو قيل بقاعدة الاشتغال في الشك في الأجزاء والشرائط فإنه لا مانع عقلا إلّا فعليّة الحرمة المرفوعة بأصالة البراءة عنها عقلا ونقلا.

نعم لو قيل بأن المفسدة الواقعية الغالبة مؤثرة في المبغوضية ولو لم يكن الغلبة بمحرزة ، فأصالة البراءة غير جارية ، بل كانت أصالة الاشتغال بالواجب لو كان عبادة محكمة ، ولو قيل بأصالة البراءة في الأجزاء والشرائط ، لعدم تأتّي قصد القربة مع الشك في المبغوضية ، فتأمل.

______________________________________________________

والصحيح في ردّ الأولوية أنّه لم يظهر أولوية لرعاية دفع المفسدة من جلب المصلحة مطلقا ، والشاهد لذلك ما نراه من إقدام العقلاء على أمور يترتّب عليها الفساد لجلب المصالح التي تكون أهمّ فيسافرون في الحرّ والبرد ويتحمّلون المشاق والمتاعب لجلب الأرباح ، وكذا الحال في الشرع في موارد تزاحم الواجب والحرام كتزاحم وجوب حفظ النفس وحرمة الغصب والتصرّف في مال الغير.

ولو سلّم تماميّة قاعدة أولوية دفع المفسدة من جلب المنفعة فمفادها أنّ الفاعل في كلّ مورد دار أمره بين جلب المنفعة إلى نفسه أو دفع المفسدة عنه يختار دفع المفسدة عن نفسه ، والمقام لا يدخل في صغرى تلك القاعدة ، لأنّ الكلام في المقام في دوران أمر الفعل بين الواجب والحرام والواجب لا يلازم الصلاح للفاعل كما أنّ الحرام لا يلازم المفسدة له بل الشارع في مقام جعل الأحكام يلاحظ صلاح الفعل وفساده نوعا وإن لم يكن شيء منهما راجعا إلى شخص الفاعل ، وإلى ذلك أشار الماتن قدس‌سره بقوله : «ولو سلّم فهو أجنبي عن المقام» فإنّ الكلام في المقام فيما دار

٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الأمر بين كون الفعل واجبا أو حراما ، والشارع مع كون الفعل واحدا ـ يجعل الحكم الذي ملاكه أقوى.

ومع تسليم أنّ القاعدة تعمّ موارد رعاية المكلف الواجب والحرام ، فلا تفيد في المقام أيضا ؛ لأنّ عمومها يشمل ما إذا كان فعل واجبا على المكلف وفعل آخر حراما بأن يكون الصلاح والفساد في كلّ من الواجب والحرام معلومين ، ولكن لعدم تمكّنه على الجمع بينهما في الامتثال دار أمره بين أن يراعي الواجب وصلاحه أو أن يراعي الحرام بتركه لدفع مفسدته.

ولا يشمل المقام الذي لا يعلم بثبوت الصلاح والفساد اللازم رعايتهما معا بل يعلم بثبوت أحدهما اجمالا ، وإلى ذلك يشير بقوله «ولو سلّم فإنما يجدي ما لو حصل القطع».

ثمّ قال قدس‌سره : «ولو سلم» يعنى لو قلنا بعموم قاعدة أولوية دفع المفسدة عن جلب المنفعة ، ولصورة عدم العلم بالواجب والحرام معا بأن يحتمل وجوب الفعل أو حرمته ، فتجري القاعدة فيه إذا لم يكن في البين مرجعا عند الشكّ في حكمه من أصالة البراءة أو الاشتغال ، كما في دوران أمر الفعل بين المحذورين من الوجوب والحرمة على التعيين ، لا مثل المقام مما يكون جريان أصالة البراءة عن حرمة المجمع موجبا لصحّته عبادة ، حيث إنّ المانع عن عباديته الحرمة الفعلية المنتفية بأصالة البراءة ، ومع انتفائها وإحراز الصلاح في المجمع يحصل بالإتيان به ما هو المعتبر في كون شيء فردا للواجب ، ولذا يثبت صلاحية للمجمع للتقرّب ووقوعه عبادة حتى بناء على الاشتغال في مسألة دوران أمر الواجب بين الأقلّ والأكثر الارتباطيين.

٤٥

.................................................................................................

______________________________________________________

نعم لو قيل بأنّ المفسدة الغالبة على صلاح الفعل ـ على تقديرها ـ توجب مبغوضية الفعل وعدم كونه صالحا للتقرّب به ، لتعيّن في المقام على المكلّف الاحتياط والإتيان بغير المجمع ليحرز صحة صلاته وعبادته حتّى بناء على البراءة في دوران أمر الواجب بين الأقل والأكثر الارتباطيين ، إذ مع احتمال المبغوضية الواقعية للمجمع لغلبة مفسدته لا يمكن للمكلّف التقرّب به ، وأصالة البراءة عن الحرمة الواقعية للمجمع بمعنى عدم كون المكلف مأخوذا بتلك الحرمة على تقديرها ، لا تنفى المبغوضية الواقعية على تقديرها.

أقول : الحرمة الواقعية للمجمع ـ على تقديرها ـ هي التي توجب تضييق دائرة متعلّق الوجوب لأنّ تقييده بغيره لازم ثبوت الحرمة للمجمع واقعا على ما تقدّم من عدم إمكان إطلاق متعلّق الوجوب مع تعلّق الحرمة بالمجمع سواء كانت تلك الحرمة منجّزة أم لا.

إلّا أنّ أصالة البراءة عن حرمة المجمع لا يثبت إطلاق متعلّق الوجوب ، فاللازم في اثبات إطلاقه وعدم تقييد الطبيعي إجراء البراءة عن وجوب الطبيعي المقيّد بغير ذلك المجمع ، ولا يعارض بأصالة البراءة عن وجوب الطبيعي بنحو اللابشرط ، كما هو المقرّر في بحث دوران أمر الواجب بين المطلق والمشروط ولو كان مجرّد احتمال المفسدة الغالبة موجبا لأصالة الاشتغال لجرى ذلك في الشبهة الموضوعية أيضا ، ولم يجز الصلاة في مكان يحتمل كونه ملك الغير وهو غير راض بالتصرّف فيه مع أنّه تجري أصالة البراءة عن تقييد الصلاة بغير ذلك المكان ؛ لأنّ الشك في الشبهة الحكمية والموضوعية من صغريات الشك في مانعية المكان.

٤٦

ومنها : الاستقراء ، فإنّه يقتضي ترجيح جانب الحرمة على جانب الوجوب ، كحرمة الصلاة في أيام الاستظهار ، وعدم جواز الوضوء من الإناءين المشتبهين [١].

وفيه : أنه لا دليل على اعتبار الاستقراء ، ما لم يفد القطع.

ولو سلم فهو لا يكاد يثبت بهذا المقدار.

ولو سلم فليس حرمة الصلاة في تلك الأيام ، ولا عدم جواز الوضوء منهما مربوطا بالمقام ، لأن حرمة الصلاة فيها إنما تكون لقاعدة الإمكان والاستصحاب المثبتين لكون الدم حيضا ، فيحكم بجميع أحكامه ، ومنها حرمة الصلاة عليها لا لأجل تغليب جانب الحرمة كما هو المدعى ، هذا لو قيل بحرمتها الذاتية في أيام الحيض ، وإلّا فهو خارج عن محل الكلام.

______________________________________________________

[١] ثالثها : الاستقراء ، ولو تمّ هذا الوجه لكان مقتضاه تقديم احتمال الحرمة في موارد دوران أمر الفعل بين كونه واجبا أو حراما ، سواء كان الدوران لتعارض الخطابين أم لغيره ، ورعاية التكليف التحريمي في موارد دوران الأمر بين امتثال التكليف الوجوبي وبين ترك الحرام.

ويقال في تقريب هذا الوجه : إنّ مقتضى الاستقراء أنّ الشارع قد قدّم رعاية احتمال الحرمة على احتمال الوجوب ، وهذا مستفاد من مثل حكمه على المرأة بالاستظهار بترك عبادتها في فرض استمرار الدم بعد أيام عادتها وقبل انقضاء عشرة أيام إذا احتملت تجاوز دمها العشرة ، وحكمه بإراقة الماءين والتيمّم للصلاة إذا انحصر أمر المكلّف في التوضؤ من أحدهما مع علمه إجمالا بنجاسة أحدهما وغيرهما مما لا يخفى على المتتبع.

وأورد على ذلك الماتن قدس‌سره بوجهين :

الأوّل : أنّ الاستقراء المعتبر ما يوجب الجزم بتقديم الشارع رعاية احتمال

٤٧

ومن هنا انقدح أنه ليس منه ترك الوضوء من الإناءين ، فإن حرمة الوضوء من الماء النجس ليس إلّا تشريعيا ، ولا تشريع فيما لو توضأ منهما احتياطا ، فلا حرمة في البين غلب جانبها ، فعدم جواز الوضوء منهما ولو كذلك ، بل إراقتهما كما في النص ، ليس إلّا من باب التعبد ، أو من جهة الابتلاء بنجاسة البدن ظاهرا بحكم الاستصحاب ، للقطع بحصول النجاسة حال ملاقاة المتوضئ من الإناء الثانية ، إما بملاقاتها ، أو بملاقاة الأولى ، وعدم استعمال مطهر بعده ، ولو طهر بالثانية مواضع الملاقاة بالأولى.

نعم لو طهرت على تقدير نجاستها بمجرد ملاقاتها ، بلا حاجة إلى التعدد وانفصال الغسالة لا يعلم تفصيلا بنجاستها ، وإن علم بنجاستها حين ملاقاة الأولى أو الثانية إجمالا ، فلا مجال لاستصحابها بل كانت قاعدة الطهارة محكمة.

______________________________________________________

الحرمة على احتمال الوجوب في جميع موارد تردّد حكم الفعل بينهما ، ولو بني أنّه لا يعتبر الجزم أو الوثوق بل يكفي مجرّد الظن بالكبرى فلا يحصل الظنّ بها من مثل مورد أو موردين.

ثانيا : أنّ المثالين ليسا من تقديم احتمال الحرمة على احتمال الوجوب ، فإنّ الحكم على المرأة بترك عبادتها إنّما هو لقاعدة الإمكان في الدم المفروض واستصحاب بقاء حيضها ، وهذا بناء على كون حرمة الصلاة على الحائض ذاتية ، وأمّا بناء على كونها تشريعية فلا بأس بالصلاة ، لاحتمال طهرها بالاستحاضة ولا تكون في صلاتها كذلك احتمال الحرمة أصلا ، وبذلك يظهر الحال في الوضوء بماءين اشتبه طاهرهما بنجسهما حيث لا حرمة في الوضوء بالماء المتنجّس إلّا تشريعا ، ولا تشريع في الوضوء مع احتمال طهارة الماء ، كما إذا توضّأ بأحدهما أوّلا ثمّ غسل أعضاء وضوئه بالماء الثاني وتوضّأ به ثانيا ، فإنّه يحرز وضوئه بالماء الطاهر ، فالحكم عليه بإراقة الماءين والتيمّم لصلاته إنّما لأجل التعبّد أو لئلّا يبتلى في بدنه

٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

بالنجاسة المحكوم عليها بالبقاء حتى بعد التوضؤ بالماء الثاني إذ بوصول الماء الثاني إلى عضوه يعلم تفصيلا بنجاسته إمّا بالماء الثاني أو بالماء الأول قبل ذلك ، ومقتضى الاستصحاب بقائه على نجاسته بعد تمام الغسل بالماء الثاني.

نعم لو كان الماء الثاني على نحو يطهّر العضو المتنجس ـ على فرض طهارته ـ بمجرّد وصوله إليه بلا حاجة إلى التعدّد وانفصال الغسالة كما إذا كان كرّا ، فلا يعلم بنجاسة العضو تفصيلا ، ولكن يعلم بنجاسته إجمالا ، ولا يكون في هذه الصورة لاستصحاب نجاسة العضو مورد ، بل تجري فيه قاعدة الطهارة.

أقول : ما ذكره قدس‌سره من عدم كون الحكم في الموردين من تقديم احتمال الحرمة على احتمال الوجوب لأنّ حرمة الصلاة على الحائض وكذا حرمة الوضوء بالماء المتنجّس تشريعية لا ذاتية متين جدّا ، ونذكر في المسألة الآتية أنّ النهي عن عبادة أو معاملة ظاهره الإرشاد إلى عدم التشريع أو عدم الإمضاء.

وأمّا ما ذكره من أنّ الحكم على المرأة بالاستظهار لقاعدة الإمكان واستصحاب بقاء الحيض فغير تامّ ، فإنّ الحكم بترك عبادتها مع استمرار الدم بعد أيام عادتها قبل تمام العشرة لا يكون مقتضى قاعدة الإمكان ولا الاستصحاب ، حيث إنّ الاستصحاب مقتضاه كون الدم المزبور استحاضة فيجب عليها أعمالها ، وذلك فإنّ الشارع قد حكم على ذات العادة مع استمرار دمها إلى ما بعد العشرة بحيضها مقدار عادتها والدم بعده استحاضة ، ومقتضى الاستصحاب بقاء دمها إلى ما بعد العشرة ، كما هو الصحيح من اعتبار الاستصحاب في الأمور الاستقبالية كالأمور الماضية ، فالاستصحاب في بقاء حيضها أصل مسبّبي لا تصل النوبة إليه مع جريان الأصل السببي.

٤٩

.................................................................................................

______________________________________________________

ومفاد قاعدة الإمكان على ما هو الصحيح هو كون الدم حيضا إذا اجتمع فيه ما هو المعتبر في كونه حيضا ، ومما يعتبر فيه عدم تجاوزه عن العشرة وهذا الشرط مفقود بمقتضى الاستصحاب في بقاء الدم واستمراره إلى ما بعدها.

والحاصل أنّ الحكم على الحائض بالاستظهار وجوبا أو ندبا أو جوازا مستفاد من الروايات من غير أن يرتبط بتقديم جانب احتمال الحرمة.

وأمّا الأمر بالتيمّم فهو تعبّد محض فيلتزم بوقوع التقييد في دليل اعتبار الوضوء للصلاة وذلك لتمكّن المكلّف في الفرض من الصلاة بالطهارة المائية بل ومع طهارة بدنه بأن يصلي بعد الوضوء بأحد الماءين ويعيد تلك الصلاة بعد الوضوء بالماء الثاني مع تطهير الأعضاء قبله.

ودعوى ابتلائه باستصحاب الخبث بالإضافة إلى الصلوات الآتية لا يمكن المساعدة عليها ، فإنّه يجوز الابتلاء بالخبث القطعي بالإضافة إلى الصلاة التي لم يدخل وقتها فضلا عن الخبث الاستصحابي ، ولا فرق في الصورتين المتقدّمتين ـ أي كون الماء الثاني أيضا قليلا كالماء الأوّل أو كثيرا يطهر العضو بمجرّد وصوله إلى الماء ـ من جهة جريان الاستصحاب في نجاسة العضو في كلّ منهما ، غاية الأمر النجاسة المستصحبة في صورة كرّية الثاني تكون محرزة بالإجمال ولا يضرّ ذلك باستصحابها.

وما ذكره الماتن قدس‌سره من عدم جريان الاستصحاب في صورة كونها محرزة إجمالا بل تكون قاعدة الطهارة محكمة مبني على مسلكه في تعاقب الحالتين والشكّ في المتقدّم والمتأخّر منهما.

نعم ، قد يقال : إنّ الاستصحاب في نجاسة العضو مع إحراز نجاسته إجمالا معارض باستصحاب طهارة الأعضاء عند استعمال الماء الطاهر الواقعي ، حيث

٥٠

الأمر الثالث : الظاهر لحوق تعدد الإضافات ، بتعدد العنوانات [١] والجهات ، في أنه لو كان تعدد الجهة والعنوان كافيا مع وحدة المعنون وجودا ، في جواز الاجتماع ، كان تعدد الإضافات مجديا ، ضرورة أنه يوجب أيضا اختلاف المضاف بها بحسب المصلحة والمفسدة والحسن والقبح عقلا ، وبحسب الوجوب والحرمة شرعا ، فيكون مثل (أكرم العلماء ولا تكرم الفساق) من باب الاجتماع (كصلّ ولا تغصب) لا من باب التعارض ، إلّا إذا لم يكن للحكم في أحد الخطابين في مورد الاجتماع مقتض ، كما هو الحال أيضا في تعدد العنوانين ، فما يتراءى منهم من المعاملة مع مثل (أكرم العلماء ولا تكرم الفساق) معاملة تعارض العموم من وجه ، إنما يكون بناء على الامتناع ، أو عدم المقتضي لأحد الحكمين في مورد الاجتماع.

______________________________________________________

يحتمل بقائها على تلك الطهارة لاحتمال كون الطاهر هو الماء الثاني وبعد تساقط الاستصحابين يرجع إلى قاعدة الطهارة فيها وجريان الاستصحاب في الطهارة كما ذكر ، وإن نوقش فيه بدعوى أنّه من الاستصحاب الفرد المردّد بين الطهارة السابقة قبل استعمال الماءين المعلوم زوالها بعد ذلك وبين الطهارة الحادثة بعد ذلك المشكوك حدوثها ، إلّا أنّا ذكرنا في بحث الاستصحاب أنّ خطاب النهي عن نقض اليقين بالشك يعمّ هذا القسم كما يعمّ الاستصحاب في القسم الثاني من استصحاب الكلي وتمام الكلام في بحث الاستصحاب.

التنبيه الثالث : تعدّد الإضافات

[١] قد ذكرنا فيما تقدّم أنّ الخلاف في مسألة الاجتماع في موارد التركيب الاتحادي ينحصر فيما كانت النسبة بين نفس عنواني الفعلين العموم من وجه بحيث يكون الإتيان بمتعلّق الأمر بالمجمع موجبا لتحقّق العنوان المحرّم من غير عكس ، بأن يكون ارتكاب المحرّم في المجمع بنفسه لا يوجب انطباق عنوان متعلّق الأمر

٥١

.................................................................................................

______________________________________________________

عليه ، بل يحتاج انطباقه على المجمع إلى ضمّ فعل ولو كان ذلك الفعل قصد عنوان الواجب كالأمر بالصلاة مع خطاب النهي عن الغصب أو الأمر بالوضوء مع خطاب النهي عنه ، فإنّ مقتضى كون خطاب النهي عن الغصب انحلاليا مبغوضية نفس السجود في المكان المغصوب ، سواء انضمّ إليه بقية الصلاة أم لا. والأمر بالصلاة مقتضاه مطلوبية السجود المزبور فيما إذا انضمّ إليه بقيّة الصلاة ، وكذا النهي عن الغصب فيما كان الماء ملك الغير مع الأمر بالوضوء ، فإنّ النهي عن الغصب يقتضي مبغوضية استعمال الماء المغصوب ولو بغسل الوجه واليدين ، فالفساد والمبغوضية في نفس استعماله بخلاف الأمر بالوضوء فإنّه يدلّ على مطلوبية الغسل إذا انضمّ إليه قصد الوضوء ، ففي نظائره يمكن دعوى عدم المنافاة بين مطلوبية الكلّ ومبغوضية الجزء.

وأمّا إذا كان عنوان المحرّم بحيث لو طبّق على المجمع كان عنوان الواجب موجودا لا محالة فالتكاذب والتنافي بين الخطابين في الحكم والملاك ظاهر كما إذا كانت النسبة بين متعلّقي الأمر والنهي العموم من وجه وكانت النسبة بينهما كذلك ناشئة عن الموضوع للوجوب والحرمة ، كما في قوله : أكرم العلماء ، وقوله : لا تكرم الفساق ، أو قوله : أكرم عالما ، وقوله : لا تكرم الفاسق (١) ، فالاطلاق في ناحية كل من الخطابين ينفي عن مورد اجتماعهما الحكم الوارد في الخطاب الآخر وملاكه ، فكيف يلتزم فيهما بثبوت الحكمين والملاكين في المجمع.

__________________

(١) لا يخفى أن المثال الأول هو المثال المذكور في الكفاية : ١٨٠ ، لكن اريد التمثيل للأمر بالاطلاق البدلي حتى يكون مثالا للترخيص في التطبيق فالأولى التمثيل له بما مثل به شيخنا الأستاذ (دام ظله) وهو «اكرم عالما».

٥٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وما عن المصنّف قدس‌سره من أنّ معاملة المتعارضين معهما مبني على الامتناع أو إحراز الملاك لأحد الحكمين لا يخفى ما فيه.

نعم ، لا يبعد تقديم خطاب لا تكرم الفاسق على إطلاق خطاب أكرم عالما بالوجه المتقدّم بين الحكم الترخيصي (١) والإلزامي.

وقد فرغنا عن بحث الاجتماع في الدورة السابقة في شهر شعبان المعظم سنة ١٤٠٦ ه‍. ق وفي هذه الدورة سنة ذى الحجّة الحرام ١٤١٤ ه‍. ق والحمد لله ربّ العالمين.

__________________

(١) إنّ المقصود من الحكم الترخيصي هو الترخيص في التطبيق لا الاستحبابي.

٥٣
٥٤

فصل

في أن النهي عن الشيء ، هل يقتضي فساده أم لا؟

وليقدم أمور :

الأول : إنه قد عرفت في المسألة السابقة الفرق بينها وبين هذه المسألة [١] ، وإنه لا دخل للجهة المبحوث عنها في إحداهما ، بما هو جهة البحث في الأخرى ، وإن البحث في هذه المسألة في دلالة النهي بوجه يأتي تفصيله على الفساد بخلاف تلك المسألة ، فإن البحث فيها في أن تعدد الجهة يجدي في رفع غائلة اجتماع الأمر والنهي في مورد الاجتماع أم لا؟

______________________________________________________

اقتضاء النهي للفساد

الفرق بين مسألة الاقتضاء ومسألة الاجتماع

[١] يذكر في المقام أمور :

الأوّل : الفرق بين هذه المسألة ومسألة جواز اجتماع الأمر والنهي ودخول البحث عن هذه المسألة في المسائل الأصولية ، وقد تقدّم أنّ الكلام في المسألة السابقة في مبحثين :

أحدهما : أنّ تعدّد العنوان مع التركيب الاتحادي بين العنوانين يصحّح ثبوت حكمين بالإضافة إلى المجمع بأن لا يلزم من ثبوت الحكمين فيه محذور التكليف بالمحال ، أو أنّ وحدة العنوانين واتحادهما خارجا يوجب لزوم المحذور من ثبوت الحكمين في المجمع فلا بدّ فيه من رفع اليد عن إطلاق أحد الخطابين.

وثانيهما : فيما كان التركيب بين العنوانين انضماميا بحيث ينطبق أحد العنوانين

٥٥

.................................................................................................

______________________________________________________

على شيء خارجا والعنوان الآخر على غيره فكان الكلام فى إمكان الأخذ بكل من الإطلاقين في مجمعهما المفروض كون تركيبهما فيه انضماميا أو أنّ الأخذ بالإطلاقين فيه أيضا كموارد التركيب الاتحادي غير ممكن للزوم المحذور الذي تقدّم ذكره في المسألة السابقة ، فلا بدّ من رفع اليد في المجمع من أحد الاطلاقين.

وقد تقدّم أنّ الالتزام بالامتناع في المورد الأوّل لا يستلزم الالتزام به في المورد الثاني ، وأنّه على تقدير الالتزام بالامتناع في المورد الأول أو حتى في المورد الثاني وتقديم جانب النهي في المجمع يكون النهي عنه من صغريات هذه المسألة التي يتكلّم في منافاة حرمة العبادة لصحّتها وعدم إمكان اجتماعهما أو عدم منافاتها لها ، وكذلك البحث في النهي عن المعاملة وصحّتها سواء أريد بالمعاملة معناها الخاص ـ يعني العقود والإيقاعات ـ أو معناها العام ـ يعني ما يكون مقابل العبادة ـ وبما أنّ نتيجة هذه المسألة تقع في قياس استنباط الحكم الكلّي الفرعي فيحكم بها ، على المعاملة المنهي عنها ، بصحّتها وعلى العبادة المنهي عنها بفسادها ، فيدخل البحث عنها في المسائل الأصولية.

وقد ذكر المحقق العراقي قدس‌سره على ما في نهاية الأفكار عدم ارتباط هذه المسألة بالمسألة السابقة حتّى بناء على امتناع اجتماع الأمر والنهي وتقديم جانب النهي على جانب الأمر ، وبيان ذلك أنّ المبحوث عنه في هذه المسألة اقتضاء النهي بوجوده الواقعي فساد متعلّقه بملاحظة كشفه ولو بالملازمة العرفية عن عدم الملاك والمصلحة في متعلّقه ولذا يدور الفساد مدار الوجود الواقعي للنهي ، سواء كان المكلّف عالما به أو جاهلا أو غافلا. وهذا بخلاف المسألة السابقة بناء على الامتناع وتقديم جانب النهي فإنّه يدور الفساد مدار العلم وتنجّز النهي لا مدار الوجود

٥٦

.................................................................................................

______________________________________________________

الواقعي للنهي ، ولذا بنوا على صحّة العبادة كالصلاة في الدار المغصوبة من الجاهل القاصر أو الناسي ، فلا يكون لإحدى المسألتين مساس بالأخرى ، ولا يبقى مجال لما ذكر في الكفاية من أنّه بناء على امتناع الاجتماع وتقديم جانب النهي يكون مورد اجتماع العنوانين من صغريات مسألة اقتضاء النهي عن عبادة فسادها.

وبالجملة فالمبحوث عنه في مسألة اقتضاء النهي فساد متعلّقه هو اقتضائه بوجوده الواقعي وكشفه عن خلوّ العبادة عن الصلاح.

وبتعبير آخر : تقديم جانب النهي على جانب الأمر في باب اجتماع الأمر والنهي ليس لكشف خطاب النهي عن عدم الصلاح في متعلّقه بل لاشتمال متعلّقه على المفسدة الغالبة في مورد الاجتماع ، ومع تنجّز خطاب النهي يكون النهي مانعا عن التقرّب بالمجمع فيفسد العبادة ، بخلاف مورد عدم تنجّزه وكون المكلف معذورا في مخالفته حيث يمكن التقرّب بالإتيان بالمجمع لعدم صدوره مبغوضا مع صلاحه بخلاف موارد النهي عن العبادة ، فإنّ بطلان متعلّقه لعدم الصلاح فيه ولذا لو لم يكن النهي منجزا وكان المكلف غير مأخوذا بالنهي المزبور لما صحّ الإتيان بمتعلّقه عبادة لخلوّه عن الصلاح (١).

أقول : ذكرنا في مسألة جواز اجتماع الأمر والنهي أنّ الكاشف عن الملاك والمصلحة في الفعل إمّا الأمر به أو الترخيص في تطبيق متعلّق الأمر عليه المستفاد من إطلاق متعلّق الأمر ، ومع تقديم خطاب النهي على خطاب الأمر كما بنينا على ذلك في موارد التركيب الاتحادي لا سبيل لنا إلى الكشف عن ملاك متعلّق الأمر في المجمع ، ولذا التزمنا ببطلان

__________________

(١) نهاية الأفكار ١ / ٤٥٠.

٥٧

الثاني : إنه لا يخفى أن عد هذه المسألة من مباحث الألفاظ ، إنما هو لأجل أنه في الأقوال قول بدلالته على الفساد في المعاملات [١] ، مع إنكار الملازمة بينه وبين

______________________________________________________

المجمع في موارد الجهل أي الشكّ والتردّد ، وإن كان الجهل قصوريا.

نعم ، في موارد النسيان والغفلة سقوط النهي عن المجمع واقعي ، ومعه لا مانع من الأخذ بإطلاق المتعلّق بعد سقوطه ، وأمّا الموارد التي أشير إليها كالنهي عن صوم يوم العيدين ونهي المريض عن الصوم ونهي الحائض عن الصلاة والصوم من قبيل النهي الإرشادي إلى عدم مشروعية متعلّقه بالأمر به وجوبا أو استحبابا ، سواء كان المكلّف على علم من مرضه أو محرزا يوم العيد ونحوهما أم لا ، فعدم الصحّة فيها للاطلاق في النهي الإرشادي وعدم خطاب دالّ على مشروعيتها مع الإطلاق المفروض.

وبالجملة بما أنّ الأمر بالطبيعي الصادق على المجمع في موارد الاجتماع موجود فيكون تقديم خطاب النهي التكليفي موجبا للتقييد في ذلك الطبيعي ما دام النهي ، وإذا سقط للنسيان أو الغفلة أو الاضطرار أو الإكراه لا بسوء الاختيار فلا مانع من الأخذ بإطلاق المتعلّق عند سقوط النهي ، ومعه يؤخذ بمقتضى الاطلاق والترخيص في التطبيق من الحكم بصحّة المجمع عبادة.

وجه جعل مسألة الاقتضاء في مباحث الألفاظ

[١] ذكر قدس‌سره أنّ الوجه في عنوان هذه المسألة وجعلها من مباحث الألفاظ هو أنّ في الأقوال قول بدلالة النهي عن معاملة فسادها بالدلالة الالتزامية اللفظية مع الالتزام بعدم الملازمة بين حرمة معاملة وفسادها لإمكان إمضائها على تقدير إنشائها ، وهذا في المعاملة عقدا وإيقاعا أو حتى في المعاملة بالمعنى الأعم فقط. وأمّا في العبادة فليس للنهي عنها دلالة لفظية على فسادها بل الثابت على تقديره الملازمة بين حرمة

٥٨

الحرمة التي هي مفاده فيها ، ولا ينافي ذلك أن الملازمة على تقدير ثبوتها في العبادة إنما تكون بينه وبين الحرمة ولو لم تكن مدلولة بالصيغة ، وعلى تقدير عدمها تكون منتفية بينهما ، لإمكان أن يكون البحث معه في دلالة الصيغة ، بما تعم دلالتها بالالتزام ، فلا تقاس بتلك المسألة التي لا يكاد يكون لدلالة اللفظ بها مساس ، فتأمل جيدا.

______________________________________________________

عبادة وفسادها بلا فرق بين استفادة حرمتها من دالّ لفظي كصيغة النهي أو من غيره كالإجماع ، وعلى تقدير عدم الملازمة لا فرق بين الدال اللفظي على حرمتها وبين غيره ، فاللازم عنوان المسألة بحيث يعمّ كلّا من الملازمة بين الحرمة والفساد والدلالة الالتزامية اللفظية المشار إليها بأن يكون المراد من الاقتضاء الكشف فيقال النهي عن فعل عبادة أو معاملة كاشف عن فساده ، سواء كان كشفه عن الفساد بنفسه أو بالملازمة بين ثبوت مدلوله ثبوت الفساد ، والبحث في الكشف بالنحو الأول من البحث في دلالة النهي وبالنحو الثاني بحث في الملازمة.

أقول : ظاهر لفظ النهي في عنوان النزاع هو قول المولى (لا تفعلوا كذا) أو (نهيتكم عن كذا) أو أشباه ذلك ، فالمذكور في عنوان النزاع اقتضاء القول المزبور مع كون المنهي عنه عبادة أو معاملة وعدم اقتضائه.

ولو كان حرمة عبادة ثبوتا ملازما لفسادها بحيث يمتنع انفكاك حرمتها عن فسادها فالكاشف عن فسادها حرمتها ؛ لأنّ إحراز أحد المتلازمين ثبوتا إحراز للآخر منهما ، فالقول المفروض ليس مقتضيا لفساد العبادة ولا حرمتها بل المقتضي لفسادها ـ أي الكاشف عنه ـ نفس حرمة العبادة.

وقد تقدّم في بحث مقدّمة الواجب كلام الماتن قدس‌سره من أنّه لو كان مقام الثبوت محلّ الكلام فلا معنى للكلام في مقام الإثبات. نعم جعل البحث في اقتضاء النهي

٥٩

.................................................................................................

______________________________________________________

أي دلالته على الفساد صحيح في المعاملات ، حيث كان القائل باقتضاء النهي عن معاملة فسادها ملتزما بعدم الملازمة ثبوتا بين حرمة معاملة وفسادها ومدّعيا دلالة النهي عنها على فسادها بالدلالة الالتزامية اللفظية.

وبالجملة إن أريد بالنهي عن شيء ظاهره وهو القول المشار إليه فلا يدخل في مورد الخلاف في حرمة العبادة ولو كانت بغير القول ، وإن أريد حرمة الشيء ثبوتا فلا يدخل في مورد الخلاف النهي عن المعاملة.

ذكر المحقّق الاصفهاني قدس‌سره في المقام أنّه لو قيل بأنّ عدم الموجب لوهم الملازمة بين حرمة معاملة وفسادها اقتضى أن لا يجعل البحث في ناحية الملازمة الواقعية بين حرمة معاملة وفسادها ، فعدم الموجب لوهم عدم الملازمة بين حرمة عبادة وفسادها يقتضي أيضا أن لا يجعل البحث في النهي عن عبادة في ناحية الملازمة بين حرمتها وفسادها ، قلنا بالفرق وانّ الموهم لصحة العبادة مع حرمتها موجود ـ وهو تعدّد مورد الأمر والنهي ـ وذلك لإمكان أن يقال بأنّه إذا تعلّق التحريم بالطبيعة المقيّدة مع طلب نفس الطبيعة فتعدّد مورد الأمر والنهي ولو بالإطلاق والتقييد يوهم عدم التنافي بين حرمة الطبيعة المقيّدة والتقرّب بذات الطبيعة المطلقة.

ثمّ قال : ويمكن القول بناء على تضادّ الأحكام بأنّ ذات المطلق محفوظ في الطبيعة المقيّدة ، فلا تعدّد في مورد الأمر والنهي حتّى ذهنا.

نعم ، إذا قيل بعدم التضاد بين الأحكام كلية فيصحّ اجتماع الحرمة مع الصحة لو لم يكن محذور آخر ، فإنّه يمكن التقرّب بذات المطلق مع كون المقيّد هو المقيّد بما

٦٠