دروس في مسائل علم الأصول - ج ٣

آية الله الميرزا جواد التبريزي

دروس في مسائل علم الأصول - ج ٣

المؤلف:

آية الله الميرزا جواد التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات دار الصديقة الشهيدة عليها السلام
المطبعة: نگين
الطبعة: ٢
ISBN: 978-964-94850-9-1
ISBN الدورة:
978-964-94850-1-0

الصفحات: ٤٤٥

ففيه : أن التعين ليس في الشرط نحوا يغاير نحوه فيما إذا كان متعددا ، كما كان في الوجوب كذلك ، وكان الوجوب في كل منهما متعلقا بالواجب بنحو آخر ، لا بد في التخييري منهما من العدل ، وهذا بخلاف الشرط فإنه واحدا كان أو متعددا ، كان نحوه واحدا ودخله في المشروط بنحو واحد ، لا تتفاوت الحال فيه ثبوتا كي تتفاوت عند الاطلاق إثباتا ، وكان الاطلاق مثبتا لنحو لا يكون له عدل لاحتياج ما له العدل إلى زيادة مئونة ، وهو ذكره بمثل (أو كذا) واحتياج ما إذا كان الشرط متعددا إلى ذلك إنما يكون لبيان التعدد ، لا لبيان نحو الشرطية ، فنسبة إطلاق الشرط إليه لا تختلف ، كان هناك شرط آخر أم لا ، حيث كان مسوقا لبيان شرطيته بلا إهمال ولا إجمال.

______________________________________________________

الموارد بين التعبير بالجملة الشرطية أو بغيرها ، كما لا يخفى.

لا يقال : ما الفرق بين القيد للحكم والقيد لموضوعه ليقال بعدم المفهوم في موارد القيد للموضوع إلّا أن يلتزم بمفهوم الوصف ، بخلاف موارد القيد لنفس الحكم فيلتزم فيه بالمفهوم للقضية مع أنّ قيد الحكم وقيد الموضوع سيّان فلا فرق بين أن يقال : الماء الكرّ لا ينفعل ، وأن يقال : إذا بلغ الماء قدر كرّ لا ينفعل ، أو بين أن يقال : المستطيع عليه الحج ، وأن يقال : إذا استطاع المكلّف فعليه الحج؟

فإنّه يقال : القيد للحكم وإن كان يرجع إلى قيد الموضوع ثبوتا حيث يجعل الحكم على فرض وجوده كسائر القيود للموضوع ، ولكنّ الفرق بينهما بحسب مقام الإثبات فإنّه إذا علّق طبيعي الحكم المتعلّق بفعل على تحقّق شيء فمقتضى تعليقه على تحقّقه ارتفاع الحكم عن ذلك الموضوع على تقدير عدم تحقّق المعلّق عليه ، بخلاف القضية الحملية وبيان القيد لموضوع الحكم فإنّ مدلول الخطاب ثبوت الحكم للمقيد فلا ينافي ثبوته لنفس المطلق أو للمطلق بقيد آخر.

وبتعبير آخر : المتفاهم العرفي من القضية الشرطية تعليق الحكم المستفاد من

١٤١

بخلاف إطلاق الأمر ، فإنه لو لم يكن لبيان خصوص الوجوب التعييني ، فلا محالة يكون في مقام الإهمال أو الإجمال ، تأمل تعرف. هذا مع أنه لو سلم لا يجدي القائل بالمفهوم ، لما عرفت أنه لا يكاد ينكر فيما إذا كان مفاد الإطلاق من باب الاتفاق.

ثم إنه ربما استدل المنكرون للمفهوم بوجوه :

أحدها : ما عزي إلى السيد من أن تأثير الشرط ، إنما هو تعليق الحكم به ، وليس بممتنع أن يخلفه وينوب منابه شرط آخر [١] يجري مجراه ، ولا يخرج عن

______________________________________________________

القضية الجزائية على تحقّق الشرط مثلا إذا قيل يجب إكرام زيد ، يستفاد منه أنّ تمام مطلوب المولى إكرام زيد ولا دخل في مطلوبية إكرامه لشيء آخر من حالات زيد وحالات إكرامه ، وإذا علّق هذا المضمون على حصول أمر كمجيئه مثلا ، كما إذا قال إن جاءك زيد فأكرمه ، يكون المستفاد أنّ مضمون القضية الجزائية الذي أشرنا إليه معلّق على تحقّق مجيئه ولا يفيد في تحقّق مضمون الجزاء مع عدم مجيئه وصول كتابه مثلا وأنّه لو وصل كتابه قبل مجيئه لا يتحقق مضمون الجزاء بل تحققه يكون بمجيئه وإطلاق الشرط أي عدم ذكر العدل له في مقام الإثبات ينفي حدوث مضمون الجزاء بحصول غير المجيء ، وأمّا تحقّق مضمون الجزاء بلا حصول المجيء ولا غيره أصلا بأن يتحقّق مضمون الجزاء منجّزا فهذا يدفعه نفس التعليق الوارد في القضية الشرطية لا إطلاق الشرط ، كما لا يخفى.

[١] قد ظهر مما ذكرنا أنّ مقتضى القضية الشرطية هو أنّ الجزاء ـ أي مضمون القضية الجزائية ـ ليس حكما منجزا بأن يحصل مضمونه بلا تعليق ، وهذا مقتضى التعليق بالشرط بأداته في القضية الشرطية وضعا ، وأمّا دلالته على عدم تحقّق مضمون الجزاء بحصول أمر آخر غير ما ورد في المقدّم في الشرط فهو لإطلاق

١٤٢

كونه شرطا ، فإن قوله تعالى : (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ)(١) يمنع من قبول الشاهد الواحد ، حتى ينضم إليه شاهد آخر ، فانضمام الثاني إلى الأول شرط في القبول ، ثم علمنا أن ضم امرأتين إلى الشاهد الأول شرط في القبول ، ثم علمنا أن ضم اليمين يقوم مقامه أيضا ، فنيابة بعض الشروط عن بعض أكثر من أن تحصى ، مثل الحرارة ، فإن انتفاء الشمس لا يلزم انتفاء الحرارة ، لاحتمال قيام النار مقامها ، والأمثلة لذلك كثيرة شرعا وعقلا.

______________________________________________________

الشرط وعدم ذكر العدل له.

وعليه فإذا وردت في خطاب آخر ـ القضية الواردة في الجزاء على نحو التنجيز دون التعليق بأن ورد في خطاب : «الماء الراكد لا ينفعل» فلا بدّ من رفع اليد عن ظهور هذا الخطاب بظهور القضية الشرطية وضعا في قوله : «إذا بلغ الماء الراكد كرّا لا ينفعل» حيث علّق اعتصام الماء الراكد على بلوغه كرّا ، كما أنّه إذا فرض أنّه ورد في خطاب : «الماء الراكد غير الكر لا ينفعل» تقع المعارضة بين هذا الخطاب وبين مفهوم القضية الشرطية ، فلا بدّ من الرجوع إلى مرجّحات باب التعارض.

وأمّا إذا ورد في خطاب آخر عدل للشرط الوارد في القضية الشرطية كما إذا ورد بعد خطاب «إذا جاءك زيد فأكرمه» خطاب آخر «إذا وصل إليك كتاب زيد فأكرم زيدا» ، فيرفع اليد عن إطلاق المفهوم في الخطاب الأوّل الدال على عدم مطلوبية إكرامه على تقدير عدم مجيئه في صورة وصول كتابه ، فتكون النتيجة ثبوت الطلب بإكرامه في فرضي مجيئه ، ووصول كتابه ، على ما سيأتي توضيحه فيما بعد من أنّ مقتضى الجمع هو الجمع بمفاد «أو» لا بمفاد واو الجمع.

__________________

(١) البقرة : ٢٨٢.

١٤٣

والجواب : أنه قدس‌سره إن كان بصدد إثبات إمكان نيابة بعض الشروط عن بعض في مقام الثبوت وفي الواقع ، فهو مما لا يكاد ينكر ، ضرورة أن الخصم يدعي عدم وقوعه في مقام الإثبات ، ودلالة القضية الشرطية عليه ، وإن كان بصدد إبداء احتمال وقوعه ، فمجرد الاحتمال لا يضره ، ما لم يكن بحسب القواعد اللفظية راجحا أو مساويا ، وليس فيما أفاده ما يثبت ذلك أصلا ، كما لا يخفى.

ثانيها : إنه لو دلّ لكان بإحدى الدلالات ، والملازمة كبطلان التالي ظاهرة ، وقد أجيب عنه بمنع بطلان التالي ، وأن الالتزام ثابت ، وقد عرفت بما لا مزيد عليه ما قيل أو يمكن أن يقال في إثباته أو منعه ، فلا تغفل.

ثالثها : قوله تبارك وتعالى : (وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً)(١).

وفيه ما لا يخفى ، ضرورة أن استعمال الجملة الشرطية فيما لا مفهوم له أحيانا وبالقرينة ، لا يكاد ينكر ، كما في الآية وغيرها ، وإنما القائل به إنما يدعي ظهورها فيما له المفهوم وضعا أو بقرينة عامة ، كما عرفت.

______________________________________________________

وبالجملة إذا وردت القضية المتضمنة للحكم والموضوع معلّقا على شرط في القضية الشرطية فمقتضى إطلاق الشرط ثبوت مضمون الجزاء بحدوث ذلك الشرط ولا ينفع في تحقّق الحكم الوارد في الجزاء حدوث غيره قبل الشرط الوارد أو بعده أو بدونه ، وهذا الإطلاق ينفي العدل للشرط أو اعتبار تحقّق أمر آخر معه بأن يكون حصول الأمرين شرطا كما هو معنى واو الجمع ، وهو أيضا مراد الماتن من الجواب عن استدلال السيد قدس‌سره بقوله : «إنّ الخصم يدعي عدم الوقوع في مقام الإثبات ودلالة القضية الشرطية عليه» ما ذكرنا من أنّ مدّعي المفهوم للقضية الشرطية يدّعي دلالتها على عدم قيام شرط آخر مقام الشرط الوارد في القضية الشرطية.

__________________

(١) النور : ٣٣.

١٤٤

بقي هاهنا أمور :

الأمر الأول : إنّ المفهوم هو انتفاء سنخ الحكم المعلق على الشرط عند انتفائه ، لا انتفاء شخصه [١] ، ضرورة انتفائه عقلا بانتفاء موضوعه ولو ببعض قيوده ، فلا يتمشى الكلام ـ في أن للقضية الشرطية مفهوما أو ليس لها مفهوم ـ إلّا في مقام كان هناك ثبوت سنخ الحكم في الجزاء ، وانتفاؤه عند انتفاء الشرط ممكنا ، وإنّما وقع النزاع في أن لها دلالة على الانتفاء عند الانتفاء ، أو لا يكون لها دلالة.

ومن هنا انقدح أنه ليس من المفهوم دلالة القضية على الانتفاء عند الانتفاء في الوصايا والأوقاف والنذور والأيمان ، كما توهم ، بل عن الشهيد في تمهيد القواعد ، أنه لا إشكال في دلالتها على المفهوم ، وذلك لأنّ انتفاءها عن غير ما هو المتعلق لها ، من الأشخاص التي تكون بألقابها أو بوصف شيء أو بشرطه ، مأخوذة في العقد أو مثل العهد ليس بدلالة الشرط أو الوصف أو اللقب عليه ، بل لأجل أنه إذا صار شيء وقفا على أحد أو أوصى به أو نذر له ، إلى غير ذلك ، لا يقبل أن يصير وقفا على غيره أو وصية أو نذرا له ، وانتفاء شخص الوقف أو النذر أو الوصية عن غير مورد المتعلق ، قد عرفت أنه عقلي مطلقا ولو قيل بعدم المفهوم في مورد صالح له.

______________________________________________________

سنخ الحكم وشخصه

[١] حاصل مراده قدس‌سره انّ الكلام في ثبوت المفهوم للقضية الشرطية وعدمه ، يختصّ بما إذا كان الحكم الوارد في الجزاء حكما يمكن أن يثبت سنخه في غير مورد الشرط ثبوتا ويمكن أن لا يثبت ، وأمّا الموارد التي لا يمكن أن يثبت سنخ الحكم في غير مورد الشرط لكون الحكم من قبيل الشخص كما في موارد الوصية بشيء لشخص ، أو نذره ، أو وقفه على أشخاص فيكون انتفائه عن غير مورد الوصية والوقف والنذر من ارتفاع الحكم بانتفاء موضوعه ، وهذا لا يرتبط بالمفهوم ولذا

١٤٥

إشكال ودفع : لعلك تقول : كيف يكون المناط في المفهوم هو سنخ الحكم؟ لا نفس شخص الحكم في القضية ، وكان الشرط في الشرطية إنما وقع شرطا بالنسبة إلى الحكم الحاصل بإنشائه دون غيره ، فغاية قضيتها انتفاء ذاك الحكم بانتفاء شرطه ، لا انتفاء سنخه ، وهكذا الحال في سائر القضايا التي تكون مفيدة للمفهوم.

ولكنك غفلت عن أن المعلق على الشرط ، إنما هو نفس الوجوب الذي هو مفاد الصيغة ومعناها ، وأما الشخص والخصوصية الناشئة من قبل استعمالها فيه ، لا تكاد تكون من خصوصيات معناها المستعملة فيه ، كما لا يخفى ، كما لا تكون الخصوصية الحاصلة من قبل الإخبار به ، من خصوصيات ما أخبر به واستعمل فيه إخبارا لا إنشاء.

______________________________________________________

لا يفرق التعبير في هذه الموارد بين الجملة الشرطية والوصفية واللقبية.

ولكن قد يشكل على الالتزام بالمفهوم بأنّ الحكم الثابت في الجزاء فرد من الحكم ولو ثبت ذلك الحكم في غير مورد الشرط لكان في الحقيقة فرد آخر من الحكم حصل بإنشاء آخر ، وغاية القضية الشرطية ومقتضاها انتفاء الفرد الأول من الحكم بانتفاء الشرط الوارد فيها فمن أين يستفاد انتفاء الفرد الآخر من الحكم المعلّق على حصول شرط آخر.

وأجاب الشيخ الأعظم قدس‌سره بأنّه لا مورد للإشكال فيما إذا كان الحكم في القضية الجزائية بنحو الاخبار عن طبيعي الطلب المتعلّق بالفعل.

نعم ، إذا كان الوارد في الجزاء القضية الإنشائية يكون الحكم جزئيّا كما إذا قيل : «إن جاءك زيد فأكرمه» فالمعلّق على مجيئه معنى جزئي لا يكون له إطلاق ، حيث إنّ الثابت بالإنشاء فرد من الطلب المنشأ بذلك القول إلّا أنّه يستفاد أيضا من القضية

١٤٦

وبالجملة : كما لا يكون المخبر به المعلق على الشرط خاصا بالخصوصيات الناشئة من قبل الإخبار به ، كذلك المنشأ بالصيغة المعلق عليه ، وقد عرفت بما حققناه في معنى الحرف وشبهه ، أن ما استعمل فيه الحرف عام كالموضوع له ، وأن خصوصية لحاظه بنحو الآليّة والحاليّة لغيره من خصوصية الاستعمال ، كما أن خصوصية لحاظ المعنى بنحو الاستقلال في الإسم كذلك ، فيكون اللحاظ الآلي كالاستقلالي ، من خصوصيات الاستعمال لا المستعمل فيه.

وبذلك قد انقدح فساد ما يظهر من التقريرات في مقام التفصي عن هذا الاشكال ، من التفرقة بين الوجوب الإخباري والإنشائي ، بأنه كلي في الأول ، وخاص في الثاني ، حيث دفع الإشكال بأنه لا يتوجه في الأول ، لكون الوجوب كليا ، وعلى الثاني بأن ارتفاع مطلق الوجوب فيه من فوائد العلية المستفادة من الجملة الشرطية ، حيث كان ارتفاع شخص الوجوب ليس مستندا إلى ارتفاع العلة المأخوذة فيها ، فإنه يرتفع ولو لم يوجد في حيال أداة الشرط كما في اللقب والوصف.

______________________________________________________

الشرطية أنّ العلّة لطبيعي طلب إكرامه مجيئه فانتفاء وجوب إكرامه مع انتفاء مجيئه هو مقتضى هذه العلّية.

ويرد على ما ذكره قدس‌سره بأنّ غاية ما يستفاد منها انّ طلب إكرام زيد عند مجيئه ، لمجيئه وهذا لا يقتضي عدم طلب إكرامه عند وصول كتابه لوصول كتابه ، خصوصا إذا كانت الشرطية كقوله : «إذا جاءك زيد فأكرمه».

وأورد الماتن قدس‌سره بأنّ معنى الهيئة والصيغة كما تقدّم في معاني الحروف كمعاني الأسماء والخصوصيات الناشئة من الاستعمال لا تدخل في المستعمل فيه ، وكما أنّ الخصوصيات الناشئة من الإخبار لا تدخل في المستعمل فيه كذلك الخصوصيات الناشئة من الإنشاء.

١٤٧

وأورد على ما تفصي به عن الاشكال بما ربما يرجع إلى ما ذكرناه ، بما حاصله : إن التفصي لا يبتني على كليّة الوجوب ، لما أفاده ، وكون الموضوع له في الإنشاء عاما لم يقم عليه دليل ، لو لم نقل بقيام الدليل على خلافه ، حيث إنّ الخصوصيات بأنفسها مستفادة من الألفاظ.

وذلك لما عرفت من أن الخصوصيات في الإنشاءات والإخبارات ، إنما تكون ناشئة من الاستعمالات بلا تفاوت أصلا بينهما ، ولعمري ـ لا يكاد ينقضي تعجبي ـ كيف تجعل خصوصيات الإنشاء من خصوصيات المستعمل فيه؟ مع أنها كخصوصيات الإخبار ، تكون ناشئة من الاستعمال ، ولا يكاد يمكن أن يدخل في المستعمل فيه ما ينشأ من قبل الاستعمال ، كما هو واضح لمن تأمل.

الأمر الثاني : إنه إذا تعدد الشرط ، مثل (إذا خفي الأذان فقصّر ، وإذا خفي الجدران فقصّر) ، فبناء على ظهور الجملة الشرطية في المفهوم [١] ، لا بد من التصرف ورفع اليد عن الظهور.

______________________________________________________

وفيه كما ذكرنا في معاني الحروف أنّ معانيها بذواتها متدلّيات في معاني الأسماء ومدخولاتها ويكون جزئية معانيها وكلّيتها بكلّية مدخولاتها وجزئيتها ، والمنشئ بالإنشاء يعني الطلب إذا كان متعلّقه وموضوعه ولو بحسب الحالات كلّيا ، لكان هو أيضا كلّيا ، وتعليق ذلك الكلّي ـ كما هو مفاد القضية الجزائية على تحقّق الشرط ـ يقتضي انتفاء المدلول الكلّي على تقدير انتفاء الشرط على ما تقدّم من أنّ ذلك مقتضى تعليق الجملة الجزائية أي مدلولها على الشرط وضعا وإطلاق الشرط الوارد في القضية الشرطية.

إذا تعدّد الشرط واتّحد الجزاء

[١] إذا تعدّد الشرط في خطابين لجزاء واحد بأن علم ولو من الخارج أنّ مع تحقّق الشروط لا يطلب الفعل مكرّرا ليجب على المكلّف الوجودات من ذلك

١٤٨

إما بتخصيص مفهوم كل منهما بمنطوق الآخر ، فيقال بانتفاء وجوب القصر عند انتفاء الشرطين.

وإما برفع اليد عن المفهوم فيهما ، فلا دلالة لهما على عدم مدخلية شيء آخر في الجزاء ، بخلاف الوجه الأول ، فإن فيهما الدلالة على ذلك.

وإما بتقييد إطلاق الشرط في كل منهما بالآخر ، فيكون الشرط هو خفاء الأذان والجدران معا ، فإذا خفيا وجب القصر ، ولا يجب عند انتفاء خفائهما ولو خفي أحدهما.

وإما بجعل الشرط هو القدر المشترك بينهما ، بأن يكون تعدد الشرط قرينة على أن الشرط في كل منهما ليس بعنوانه الخاص ، بل بما هو مصداق لما يعمهما من العنوان.

______________________________________________________

الفعل ، فبناء على عدم المفهوم للقضية الشرطية لا معارضة بين الخطابين بل يؤخذ بمقتضى كلّ منهما وهو حصول ذلك الطلب بحصول كلّ واحد من الشرطين وجد معه الشرط الوارد في الخطاب الآخر أم لا ، كما إذا ورد في خطاب «إذا خفي الأذان للمسافر يقصّر» وفي خطاب آخر «إذا خفي عليه الجدران يقصّر».

وأمّا بناء على ظهور الجملة الشرطية في المفهوم يقع الكلام في الجمع بينهما ، وقد ذكر الماتن قدس‌سره في الجمع بينهما وجوها :

الأوّل : أن يرفع اليد عن المفهوم في كلّ منهما بالمنطوق في الخطاب الآخر ويكون نتيجة الجمع أنّه لا قصر للمسافر إلّا مع خفاء الأذان أو مع خفاء الجدران.

والثاني : أن يرفع اليد عن المفهوم في كلّ من الشرطيتين ويثبت الحكم المزبور مع كلّ من الشرطين والفرق بين هذا الوجه والوجه الأوّل هو أنّه على الأول يكون مقتضى المفهوم في كلّ منهما عدم القصر مع فرض ثالث بخلاف هذا الفرض فإنّه

١٤٩

ولعل العرف يساعد على الوجه الثاني ، كما أن العقل ربما يعين هذا الوجه ، بملاحظة أن الأمور المتعددة بما هي مختلفة ، لا يمكن أن يكون كل منها مؤثرا في واحد ، فإنه لا بد من الربط الخاص بين العلة والمعلول ، ولا يكاد يكون الواحد بما هو واحد مرتبطا بالاثنين بما هما اثنان ، ولذلك أيضا لا يصدر من الواحد إلّا الواحد ، فلا بد من المصير إلى أن الشرط في الحقيقة واحد ، وهو المشترك بين الشرطين بعد البناء على رفع اليد عن المفهوم ، وبقاء إطلاق الشرط في كل منهما على حاله ، وإن كان بناء العرف والأذهان العامية على تعدد الشرط وتأثير كل شرط بعنوانه الخاص ، فافهم.

______________________________________________________

يتعيّن عند نفي القصر في فرض ثالث التمسّك بدليل آخر أو يؤخذ بالأصل العملي.

الثالث : الجمع بين القضيتين الشرطيتين بتقييد الشرط في أحدهما بحصول الشرط في الآخر بحيث يكون التقييد بمفاد واو الجمع فيتعين في وجوب القصر خفاء الأذان وخفاء الجدران فلا قصر مع عدم اجتماعهما.

الرابع : أن تكشف القضيتان عن كون الشرط في وجوب القصر هو الجامع بينهما ، مثلا الموضوع لوجوب القصر حصول البعد الخاص المتحقّق مع خفاء الجدران وخفاء الأذان ، والعرف يساعد على الوجه الثاني من الجمع ويتعيّن الوجه الرابع عقلا ، وذلك لقاعدة «الواحد لا يصدر إلّا من الواحد» ومنه الحكم الوارد في الجزاء فيستحيل أن يصدر إلّا عن واحد ، حيث إنّه لا بدّ من الربط الخاص بين المعلول وعلّته ولا يمكن أن يرتبط الواحد بالاثنين بما هما اثنان فلا بدّ من المصير إلى أنّ الشرط للجزاء يكون واحدا وهو حصول المشترك والقدر الجامع بين الشرطين ويبقى المفهوم في كلّ منهما بحاله غير أنّه يراد بالشرط الوارد في كلّ من القضيتين تحقّق ذلك الجامع ، والظاهر عدم الفرق عملا بين هذا الوجه والوجه الأوّل.

١٥٠

.................................................................................................

______________________________________________________

والوجه الخامس : أن يرفع اليد عن المفهوم في خصوص إحدى القضيتين الشرطيتين وبقاء الآخر منهما على المفهوم ولكن الالتزام بهذا الوجه غير صحيح إلّا أن يكون ما أبقي على مفهومه أظهر.

أقول : لا يخفى أنّ المعارضة في الحقيقة بين مفهوم كلّ منهما مع المنطوق في الأخرى وإذا رفع اليد عن مفهوم إحداهما مع أنّ كلّا منهما قضية شرطية تبقى المعارضة بين مفهوم الثانية مع منطوق الأولى بحالها ، فرفع اليد عن المفهوم في إحداهما بمجرّده لا ينفع ، ولا وقع لهذا الوجه الخامس أصلا ، كما لا وقع للجمع بالوجه الثاني ، فإنّه إنّما يرفع اليد عن الظهور بمقدار دلالة القرينة على خلاف أصالة التطابق ، ولذا لو ورد في خطاب الأمر بإكرام العلماء بالعموم الوضعي أو الإطلاقي وورد في خطاب آخر النهي عن إكرام قسم من العلماء فلا يمكن رفع اليد عن العموم والإطلاق طرّا ، ومن العجب جعل الماتن قدس‌سره الوجه الثاني أقرب الوجوه عرفا ، ولعلّ هذا من تبعات الالتزام بأنّ ثبوت المفهوم للقضية الشرطية مبتن على دلالتها على كون الشرط علّة منحصرة للجزاء ، ومع العلم بحصول الجزاء بشيء آخر يعلم أنّه ليس من العلّة المنحصرة فلا مفهوم لها.

وأمّا الوجه الرابع فقد ذكرنا مرارا بأنّ قاعدة «الواحد لا يصدر إلّا عن الواحد» أجنبيّة عن مثل المقام مما يكون ثبوت الحكم وتحقّقه بالجعل من الحاكم ، والجعل فعل إرادي يحتاج إلى المرجّح وهو صلاح الفعل إمّا في كلتا الصورتين أو في صورة واحدة وعلى ذلك يدور الأمر في المقام بين الوجه الأول والثالث حيث إنّ مقتضى الأول تقييد الشرط بمفاد (أو) والثالث تقييده بمفاد (واو) الجمع ، إذ دلالة المفهوم تبعية وليست قابلة للتصرّف بنفسها بل بتبع التصرف في المنطوق.

١٥١

.................................................................................................

______________________________________________________

وذكر المحقّق النائيني قدس‌سره ما حاصله ، أنّ ترجيح أحد التقييدين على الآخر بلا موجب ، ووجوب القصر مع اجتماع الشرطين متيقّن ففي غيره يؤخذ بالأصل اللفظي لو كان ، وإلّا بالأصل العملي.

وبيان ذلك : انّ لكلّ قضية شرطية بناء على المفهوم ظهورين ، ظهور في حدوث الحكم الوارد في الجزاء بحدوث الشرط بمعنى أنّ الحكم في الحدوث لا يحتاج إلى ضمّ شرط آخر إلى الشرط الوارد في تلك القضية ، وظهور في عدم حصول الحكم عند عدم حدوث الشرط الوارد فيها ، وكلّ من الظهورين إطلاقي ، فإنّ الأول مستفاد من إطلاق الشرط وعدم عطف شيء آخر عليه بواو الجمع ، والثاني مستفاد من إطلاق الشرط بمعنى عدم ذكر العدل له بأو ، وإذا تعدّدت القضية الشرطية مثل : «إذا خفى الأذان فقصّر وإذا خفى الجدران فقصّر» يحصل العلم الإجمالي بورود القيد على أحد الإطلاقين ، فلا يمكن الأخذ بشيء منهما والمتيقّن ثبوت وجوب القصر عند تحقّق الشرطين وفي غيره يرجع إلى الأصل على ما مرّ (١).

وذكر المحقّق العراقي قدس‌سره ـ بعد بيان عدم إمكان التصرّف في مفهوم القضية الشرطية بمنطوق القضية الشرطية الأخرى حيث إنّ المفهوم مدلول تبعي لازم للخصوصية في المنطوق فيكون مرجع تقييد المفهوم في أحدهما مع إبقاء منطوقه بحاله إلى التفكيك بين اللازم وملزومه وذلك يستدعي لابدّية التصرّف في عقد الوضع يعني الشرط في كلّ من القضيتين ، إمّا برفع اليد عن ظهورهما في الاستقلال وعدم توقّف حصول الجزاء بعد حصول أحد الشرطين على حصول الشرط الآخر ،

__________________

(١) أجود التقريرات ١ / ٤٢٥.

١٥٢

.................................................................................................

______________________________________________________

أو برفع اليد عن ظهورهما في الانحصار أي عدم حصول الجزاء بحصول شيء آخر ، وبما أنّ رفع اليد عن ظهور الشرط في الاستقلال يوجب بطلان ظهوره في الانحصار بخلاف رفع اليد عن الانحصار فإنّه يبقى معه ظهور الشرط في الاستقلال والضرورات تتقدّر بقدرها فتكون النتيجة حصول الجزاء بأوّل الشرطين ، فإن تمّ ذلك فهو ، وإلّا تصل النوبة إلى الأصل العملي ومقتضاه وجوب التمام عند الذهاب إلى السفر إلى أن يحصل الشرطان ـ أي خفاء الاذان وخفاء الجدران ـ وبقائه على القصر في الاياب إلى أن ينتفي كلا الخفاءين (١).

أقول : لا يخفى ما فيه ، فإنّ كون الضرورات تتقدّر بقدرها لا تعدّ من القرائن العرفية ، مع أنّ دلالة القضية الشرطية على الانحصار تنتزع من دلالتها على جهتين :

الأولى : دلالتها على تحقّق الجزاء بتحقّق الشرط ولو بانفراده.

والثانية : عدم تحقّق الجزاء بتحقّق شيء آخر ، والمرتفع بتقييد الشرط بواو الجمع هو إطلاق الجهة الأولى المعبّر عنها بمدلول المنطوق ، وأمّا الجهة الثاني وهي دلالتها على عدم تحقّق الجزاء مع انتفاء الشرط الوارد فيها فهي باقية بحالها إذ مع التقييد بواو الجمع لا يكفي في تحقّق الجزاء حصول الشرط الآخر بانفراده.

وبالجملة فالأمر في المقام يدور بين أن يرفع اليد عن إطلاق الشرط في كلّ من الشرطيتين بتقييده بواو الجمع أو تقييده بأو العاطفة ، ولا بدّ في تقديم أحدهما من معيّن كما تقدّم في كلام المحقّق النائيني قدس‌سره ومع عدم القرينة على التعيين يرجع إلى الأصل.

__________________

(١) نهاية الأفكار ١ / ٤٨٥.

١٥٣

.................................................................................................

______________________________________________________

ولكن يمكن أن يقال بأنّ تقييد إطلاق كلّ من الشرطين بواو الجمع بلا موجب لعدم المعارضة بين إطلاقهما من هذه الجهة ، وإنّما المعارضة بين إطلاق كلّ منهما المقتضي لثبوت المفهوم وبين أصل المنطوق في الآخر ، وهذه المعارضة وإن كانت ترتفع بتقييد كلّ شرط بواو الجمع إلّا أنّ التقييد لا بدّ من وروده على الظهورين الذين بينهما تناف ، والتنافي كما ذكرنا بين المفهوم لإحدى القضيتين وبين المنطوق من الأخرى ، ولذا لو بني على إنكار المفهوم للقضية الشرطية لما كان بينهما تناف وكان كلّ شرط يثبت حصول ذلك الجزاء بانفراده.

وبالجملة بما أنّ المعارضة في المقام تنحصر بالمفهوم في كلّ منهما مع أصل المنطوق في الأخرى فيرفع اليد عن الإطلاق في كلّ من الشرطيتين بقرينة أصل المنطوق في الأخرى ، فيكون التقييد بمفاد أو العاطفة.

لا يقال : ما ذكر من عدم المعارضة بين منطوق كلّ واحد من الشرطيتين مع قطع النظر عن المفهوم فيهما يختصّ بما إذا أمكن تكرّر حدوث الحكم في حقّ المكلّف مع حدوث كلّ من الشرطين كما إذا ورد «إذا قرأت آية السجدة فاسجد» وورد في خطاب آخر «إذا أصغيت إلى قراءة آية السجدة فاسجد» فاستمع المكلّف إلى قراءتها ثمّ قرأها فإنّ عليه إتيان سجدتين فيرفع اليد بناء على المفهوم من إطلاق كلّ مفهوم بالمنطوق الوارد في الآخر ، نظير «إذا جاءك زيد فأكرمه» وورد في خطاب آخر «إذا وصل إليك كتابه فأكرمه» حيث لا مانع من الالتزام بحدوث طلب إكرامه بحدوث كلّ من الشرطين لانحصار التعارض بينهما بناء على المفهوم بإطلاق الشرطين المقابل للعطف ب (أو) فيجمع بين مفهوم كلّ منهما ومنطوق الآخر بالتقييد في الشرطين بمفاد أو العاطفة. وأمّا إذا علم عدم تكرّر الحكم أصل الجعل بحدوث كلّ من

١٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الشرطين مع تحقّقهما كما في قوله «إذا خفي الأذان فقصّر وإذا خفي الجدران فقصّر» حيث يعلم بعدم وجوب أزيد من خمس صلوات على المكلّف في كلّ يوم وليلة يقع التعارض بين الشرطيتين بالإضافة إلى أحد الإطلاقين من غير معيّن ، ولذا لو لم نقل بالمفهوم أيضا لوقع التعارض بين المنطوقين لظهور كلّ منهما في حدوث وجوب القصر بحصوله حتّى فيما إذا كان حصول الآخر قبله.

والحاصل أنّه لا يمكن فيهما أن يكون كلّ من خفاء الأذان وخفاء الجدران موضوعا لوجوب القصر ، نظير مجيء زيد ووصول كتابه ، وعليه فيعود ما تقدّم من أنّه لو قيل بعدم المفهوم للقضية الشرطية يكون مفاد الشرطيتين وجوب صلاة الظهر قصرا بخفاء الأذان وحدوث وجوب قصر آخر بخفاء الجدران مع أنّ المعلوم عدم ثبوت كلا الحكمين معا بل الثابت وجوب صلاة واحدة قصرا ، فلا بدّ من أن يكون الموضوع له إمّا خفاء الأذان وخفاء الجدران معا أو أحدهما بلا تعيين ، ولا بدّ من تقييد الشرطين حتّى بناء على عدم المفهوم أيضا ، إمّا بمفاد واو الجمع أو بمفاد أو العاطفة ، ومع عدم القرينة لخصوص أحدهما تكون الشرطيتان مجملتين يحكم بوجوب القصر عند خفائهما معا ، وفي غيره يرجع إلى أصل لفظي أو عملي على ما تقدّم في كلام المحقق النائيني قدس‌سره.

فإنّه يقال : في فرض العلم باتّحاد الجزاء في الشرطيتين وأنّ الصلاة الواجبة على المكلّف قصرا لا تزيد على صلاة واحدة نعلم قطعا بعدم تكرار حدوث وجوب القصر بحدوث كلّ من الشرطين سواء كان الموضوع لوجوب القصر مجموع الخفاءين أو خصوص الحاصل منهما أوّلا ، وعلى ذلك فظهورهما في حصول الجزاء وحدوثه في فرض حدوثهما تدريجا ملغى عن الاعتبار يقينا.

١٥٥

.................................................................................................

______________________________________________________

ويتمسّك بإطلاق كلّ منهما يعني الإطلاق المقابل لمفاد واو الجمع ويحكم بأنّه يكفي في وجوب القصر حصول أيّ منهما لعدم العلم بخلاف هذا الإطلاق في شيء من الشرطيتين وينحصر التعارض بينهما على صورة الالتزام بالمفهوم في كلّ منهما مع المنطوق الآخر ، والمنشأ لهذا التعارض هو إطلاق كلّ من الشرطين في كلّ من القضيتين ، أي الإطلاق المقابل ل (أو) العاطفة ، فتدبّر جيّدا.

لا يقال : المعارضة وإن كانت بين المفهوم لكلّ من القضيتين والمنطوق من الأخرى بناء على ثبوت المفهوم للقضية الشرطية إلّا أنّ المنطوق في القضية الأخرى ليس بأخصّ من المفهوم حتّى يرفع اليد عن مفهوم كلّ منهما بالمنطوق في الأخرى ، بل النسبة بين المفهوم لكلّ منهما والمنطوق من الأخرى العموم من وجه ، وذلك فإنّ المفهوم لقوله : «إذا خفى الأذان فقصّر» عدم القصر مع عدم خفاء الأذان سواء اقترن مع عدم خفاء الأذان ، خفاء الجدران أو شيء آخر ، كما أنّ المنطوق في القضية الأخرى ثبوت القصر مع خفاء الجدران ، كان معه خفاء الأذان أو لم يكن ، وإذا لم يكن في البين خفاء الأذان ولكن كان غير خفاء

الجدران كبرودة الهواء مثلا يؤخذ بالمفهوم بلا معارض ، وإذا كان في البين خفاء الجدران مع خفاء الأذان يؤخذ بالمنطوق في قوله : «إذا خفى الجدران فقصّر» بلا معارض ، وإذا خفى الجدران ولم يخف الأذان تقع المعارضة بين المفهوم النافي لوجوب القصر وبين المنطوق الدالّ على ثبوت القصر مع خفاء الجدران فلا وجه لتقديم إطلاق المنطوق ورفع اليد عن إطلاق المفهوم مع أنّ دلالة كلّ منهما على مورد المعارضة بالإطلاق.

فإنّه يقال : ما ذكر خلط بين الإطلاق المقابل لواو الجمع وبين الإطلاق المقابل ل (أو) العاطفة ، وقد بيّنا على ما مرّ لا معارضة بين القضيتين الشرطيتين بالإضافة إلى

١٥٦

الأمر الثالث : إذا تعدد الشرط واتحد الجزاء ، فلا إشكال على الوجه الثالث [١] ، وأما على سائر الوجوه ، فهل اللازم لزوم الاتيان بالجزاء متعددا ، حسب تعدد الشروط؟ أو يتداخل ، ويكتفى بإتيانه دفعة واحدة؟.

فيه أقوال : والمشهور عدم التداخل ، وعن جماعة ـ منهم المحقق الخوانساري ـ التداخل ، وعن الحلي التفصيل بين اتحاد جنس الشروط وتعدده.

والتحقيق : إنه لما كان ظاهر الجملة الشرطية ، حدوث الجزاء عند حدوث الشرط بسببه ، أو بكشفه عن سببه ، وكان قضيته تعدد الجزاء عند تعدد الشرط ، كان

______________________________________________________

إطلاقهما المقابل لواو الجمع ، وإنّما تكون المعارضة بين الإطلاق المقابل لأو العاطفة من إحدى القضيتين مع أصل ثبوت المنطوق في الأخرى بناء على القول بالمفهوم فإنّه على القول بالمفهوم يكون مفهوم قوله : «إذا خفى الأذان فقصّر» ليس مع عدم خفاء الأذان موضوع وموجب آخر لقصر الصلاة سواء كان ذلك الآخر خفاء الجدران أو غيره ، ومدلول المنطوق للقضية الأخرى أنّ خفاء الجدران بنفسه موجب لوجوب القصر في الصلاة ، وبما أنّ خفاء الجدران بنفسه موجب لقصر الصلاة كما هو أصل منطوق قوله «إذا خفى الجدران فقصّر» يكون هذا المدلول أخصّ من المدلول الإطلاقي لقوله «إذا خفى الأذان فقصّر» المعبّر عن لازم هذا المدلول الإطلاقي بالمفهوم ، فلاحظ ولا تغفل.

تداخل الأسباب والمسبّبات

[١] إذا تعدّدت القضية الشرطية وقد ذكر في كلّ منها حكم من سنخ واحد متعلّق بطبيعي الفعل كما إذا ورد في خطاب «إذا أجنبت فاغتسل» وفي خطاب آخر «إذا مسست ميتا فاغتسل» ، فقد ذكر الماتن قدس‌سره أنّه إذا بني في الأمر السابق على الوجه الثالث وهو رفع اليد في كلّ من الشرطيتين عن الإطلاق المقابل لواو الجمع

١٥٧

الأخذ بظاهرها إذا تعدد الشرط حقيقة أو وجودا محالا ، ضرورة أن لازمه أن يكون الحقيقة الواحدة ـ مثل الوضوء ـ بما هي واحدة ، في مثل (إذا بلت فتوضأ ، وإذا نمت فتوضأ) ، أو فيما إذا بال مكررا ، أو نام كذلك ، محكوما بحكمين متماثلين ، وهو واضح الاستحالة كالمتضادين.

فلا بد على القول بالتداخل من التصرف فيه : إما بالالتزام بعدم دلالتها في هذا الحال على الحدوث عند الحدوث ، بل على مجرد الثبوت ، أو الالتزام بكون متعلق الجزاء وإن كان واحدا صورة ، إلّا أنه حقائق متعددة حسب تعدد الشرط ، متصادقة على واحد ، فالذمة وإن اشتغلت بتكاليف متعددة ، حسب تعدد الشروط ، إلّا أن

______________________________________________________

فلا إشكال في هذا الأمر أيضا ، حيث يلتزم بأنّ تحقّق الجنابة والمسّ يعني مجموعهما يوجب الغسل على المكلّف. ولكن لا يخفى عدم توقّف الكلام في هذا الأمر على الالتزام بالمفهوم للقضية الشرطية ، بل يجري على القول بعدم المفهوم يكتفى بالإتيان بصرف وجود ذلك الفعل لأنّ مع تعدّد الشرط أيضا يحصل حكم لها أيضا ، فإنّ المهم في المقام علاج المنافاة بين ظهور الشرط في كلّ من الشرطيتين بحدوث الجزاء عند حدوث الشرط وظهور الجزاء الوارد فيهما في أنّه حكم واحد متعلّق بطبيعي الفعل ويطلب صرف وجوده ومقتضى ظهور كلّ شرط في حدوث الجزاء عند حدوثه هو تعدّد الحكم ثبوتا بتعدّد الشرط بأن يحصل مع كلّ شرط فرد من ذلك الحكم فتكون النتيجة حصول وجوبات متعدّدة عند حصول الشروط ، وبما أنّ كلّ حكم لا بدّ من تعلّقه بغير ما تعلّق به الحكم الآخر فيقتضي تعدّد الحكم الإتيان بالمتعدّد من الطبيعي كما عليه القائل بعدم التداخل في المسببات ، أو واحد متعلّق بطبيعي ذلك الفعل ثبوتا ، كما هو مقتضى وحدة الجزاء إثباتا وهذا معنى التداخل في الأسباب.

١٥٨

الإجتزاء بواحد لكونه مجمعا لها ، كما في (أكرم هاشميا وأضف عالما) ، فأكرم العالم الهاشمي بالضيافة ، ضرورة أنه بضيافته بداعي الأمرين ، يصدق أنه امتثلهما ، ولا محالة يسقط الأمر بامتثاله وموافقته ، وإن كان له امتثال كل منهما على حدة ، كما إذا أكرم الهاشمي بغير الضيافة ، وأضاف العالم غير الهاشمي.

إن قلت : كيف يمكن ذلك ـ أي الامتثال بما تصادق عليه العنوانان ـ مع استلزامه محذور اجتماع الحكمين المتماثلين فيه؟

______________________________________________________

وعلى ذلك ، فمن أخذ بظهور كلّ من الشرطيتين في حدوث الحكم بحدوث كلّ شرط حيث إنّ الجزاء في هذا الأمر قابل للتعدّد والتكرار فقد أنكر التداخل في الأسباب ، ومن أخذ بظاهر الجزاء وأنّ الوارد في كلّ من الشرطيتين حكم واحد ثبوتا التزم بالتداخل في الأسباب ، وهذا الكلام يجري حتّى فيما كان الحكم الواحد واردا في القضية الحملية كما إذا ورد في خطاب أنّ النوم موجب للوضوء أو الجنابة موجبة للغسل ، وورد في خطاب ثان أنّ البول موجب للوضوء أو أنّ مسّ الميت يوجب الغسل.

وممّا ذكر ظهر أنّ ما ذكره الماتن قدس‌سره من عدم الإشكال في الحكم بناء على الوجه الثالث في الأمر السابق لا يمكن المساعدة عليه ، وذلك فإنّ الجزاء في الأمر السابق كان غير قابل للتكرار بحسب الحكم وكان التعارض منحصرا بين المفهوم لكلّ من القضيتين ومنطوق الأخرى ، بخلاف هذا الأمر فإنّ الحكم في الجزاء يقبل التعدّد فيمكن للقائل بالوجه الثالث في الأمر السابق إنكار التداخل في الأسباب في هذا الأمر مع إنكاره التداخل في المسبّبات.

وبالجملة المنافاة في المقام بين ظهور الجزاء في الشرطيتين مع ظهور شرطهما فإنّ مقتضى ظهور الجزاء فيهما وحدة الحكم مع حصول الشرطين ومقتضى ظهور الشرطين هو استقلال كلّ منهما في الموضوعية حتّى مع حصولهما ، ولا ترتبط هذه

١٥٩

قلت : انطباق عنوانين واجبين على واحد لا يستلزم اتصافه بوجوبين ، بل غايته أن انطباقهما عليه يكون منشأ لاتصافه بالوجوب وانتزاع صفته له ، مع أنه ـ على القول بجواز الاجتماع ـ لا محذور في اتصافه بهما ، بخلاف ما إذا كان بعنوان واحد ، فافهم.

أو الالتزام بحدوث الأثر عند وجود كل شرط ، إلّا أنه وجوب الوضوء في المثال عند الشرط الأول ، وتأكد وجوبه عند الآخر.

______________________________________________________

المنافاة بالقول بالمفهوم للجملة الشرطية كما بيّنا.

ثمّ إنّه لو لم يثبت ظهور القضايا في شيء مع وحدة الجزاء الوارد فيهما إثباتا ووصلت النوبة إلى الأصل العملي فالأصل عند احتمال التداخل في الأسباب هو التداخل ، لأنّ حصول حكم واحد عند تحقّق الشرط الوارد فيهما محرز وحدوث الزائد مشكوك يدفع بالأصل ، كما أنّه إذا أحرز تعدّد الحكم عند تحقّق الشرطين واحتمل التداخل في المسبّبات فمقتضى الأصل على ما ذكروه عدم التداخل ، لأنّ الاشتغال بالتكليفين مع حدوث الشرطين محرز والأصل بقاء الثاني بعد الإتيان بالفعل مرّة.

نعم ، بناء على إنكار اعتبار الاستصحاب في الشبهات الحكمية فيمكن أن يقال بأنّ ثبوت الحكم الآخر بعد الإتيان بالفعل مرّة غير محرز فيرفع بحديث الرفع.

لا يقال : لا مجال للبراءة في المقام حتّى بناء على عدم جريان الاستصحاب في ناحية بقاء التكليف في الشبهات الحكمية ، لأنّ العلم بحدوث التكليفين مع حصول الشرطين يقتضي إحراز امتثال كلّ منهما.

فإنّه يقال : ليس في البين ما يقتضي لزوم الاحتياط في كلّ مورد يشك في سقوط التكليف وعدم حصول امتثاله ، بل هذا يختصّ بموارد عدم جريان البراءة عن التكليف ، كما في أطراف العلم الإجمالي ، سواء كانت الشبهة موضوعية أم حكمية

١٦٠