عمدة الأصول - ج ٣

السيّد محسن الخرّازي

عمدة الأصول - ج ٣

المؤلف:

السيّد محسن الخرّازي


المحقق: السيّد علي رضا الجعفري
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسه در راه حق
المطبعة: كيميا
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥١

الخطاب إذ ليس في ترك الترك مصلحة غير مصلحة الفعل حتّى يطلبها من دون فرق بين أن يكون النهي عين الأمر بالشيء أو جزءا منه أو لازما له.

وأمّا بناء على أنّ النهي بمعنى الزجر عن ترك الإزالة والأمر بمعنى البعث نحو الإزالة فلا اتّحاد بينهما لمغايرة البعث والزجر وتعدّد متعلّقهما فدعوى العينيّة والاتّحاد مع مغايرتهما محال.

بل لا مجال لدعوى الجزئيّة أيضا بعد ما عرفت من مغايرة البعث والزجر هذا مضافا إلى عدم كون الوجوب مركّبا من طلب الفعل مع المنع من الترك بعد ما عرفت في محلّه من بساطة الوجوب وإنّه أمر انتزاعي ينتزعه العقلاء من تعلّق الأمر بشيء من دون ترخيص في تركه.

كما لا وجه لدعوى اللزوم الواقعيّ بين الأمر بالضدّ والنهي عن تركه لأنّ الصادر من المولى ليس إلّا الأمر وليس في جانب الترك مفسدة حتّى لزم عليه أن ينهى عنه باعتباره على حدّه بل الترك هو ترك ما فيه المصلحة الملزمة الموجبة للأمر فيجوز التفكيك بين الأمر والنهي في الاعتبار لأنّ كلّ واحد منهما يحتاج إلى اعتبار مستقلّ ولا ملازمة بين الاعتبارين.

وثانيا : أنّ الأضداد الخاصّة وإن كانت متلازمة مع ترك الضدّ العامّ ولكنّها ليست من محقّقات الترك إذ الترك لازم لترك نقيضه وهي إرادة الإزالة كما إنّ عدم المعلول لازم لعدم علّته.

وثالثا : إنّه لا دليل على سراية الحكم من أحد المتلازمين إلى الآخر غايته إنّه ليس محكوما بحكم آخر.

ورابعا : إنّ النتيجة على تقدير صحّة المقدّمات المذكورة ممنوعة لأنّ النهي الغيريّ لا يدلّ على مبغوضيّة العمل.

٨١

مقتضى الأصل

يقع الكلام في المقامين : المقام الأوّل في مقتضى الأصل بناء على مقدّميّة ترك الضدّ والمقام الثاني في مقتضاه بناء على التلازم بين وجوب الضدّ ووجوب ترك الضدّ الآخر.

أمّا الأوّل : فلو شكّ في المقدّميّة وعدمها بالنسبة إلى ترك أحد الضدّين فلا مجال للبراءة العقليّة إذ لا عقاب على المقدّمات كما لا مجال للبراءة الشرعيّة لأنّ وجوب ترك الضدّ على تقدير المقدّميّة تابع لوجوب ذيه فلا يمكن رفع وجوبه مع حفظ وجوب ذيه وإلّا فيؤول الأمر إلى التبعيض في الحكم العقليّ وهو كما ترى.

وأمّا على الثاني : فلو شكّ في الحكم بناء على سراية الحكم من متلازم إلى متلازم آخر فلا مجال للأخذ بالبراءة العقليّة لعدم وجود مصلحة توجب الحكم النفسي ولعدم العقاب على الحكم الغيريّ.

وأمّا البراءة الشرعيّة فلا مجال لها بعد كون الملازمة عقليّة لعدم كون رفع وجوبه ووضعه بيد الشارع حتّى تجري فيه البراءة الشرعيّة.

نعم لو قلنا بأنّ مفاد البراءة الشرعيّة هو رفع المؤاخذة لا رفع الحكم فلا مانع من جريان البراءة الشرعيّة إذ رفع المؤاخذة لا ينافي كون الحكم عقليّا ولكن ليس مفاد البراءة الشرعيّة هو رفع المؤاخذة بل هو رفع جميع الآثار برفع الحكم.

ثمرة المسألة

ربما يقال أنّه بناء على تماميّة دعوى الملازمة بين الأمر بالشيء والنهي عن ضدّه كانت نتيجة المسألة هي النهي عن الضدّ وهذه النتيجة بضميمة هذه الكبرى وهي أنّ النهي في العبادات يقتضي الفساد تدلّ على فساد الضدّ إذا كان عبادة كالصلاة

٨٢

وعليه فيمكن أن نقول بأنّ كلّ عبادة صارت متزاحمة مع الأهمّ تكون محكومة بالفساد إن أتى بها في وقت الإتيان بالأهمّ.

اورد عليه أوّلا : بعدم انطباق تلك الكبرى وهي أنّ النهي في العبادات يقتضي الفساد على النهي عن الضدّ في المقام لأنّ المراد من النهي المذكور في تلك الكبرى هو النهي النفسيّ الكاشف عن المفسدة أو البعد والمفروض في المقام أنّ النهي لا يكشف عن المفسدة ولا يكون مبعّدا لأنّه نهي غيريّ بل العقل يحكم بتحقّق المصلحة الملزمة في الضدّ المزاحم بالأهمّ إذ لا مزاحمة بين المقتضيات وإنّما التزاحم في مقام الامتثال.

ومع عدم الانطباق لا ينتج القياس المذكور فساد العبادة إذا صارت متزاحمة مع الأهمّ.

وثانيا : أنّه لو سلّمنا كشف النهي الغيريّ عن المفسدة لا يكفي مجرّد ذلك في الحكم ببطلان فعل العبادة لإمكان مزاحمة مصلحة الفعل ذاتا مع المفسدة المكشوفة بالنهي الغيريّ وغلبتها عليها.

ألا ترى أنّ مصلحة الصوم في يوم عاشوراء تتزاحم مع مفسدة التشابه ببني أميّة وتترجّح عليها ولذا يكون الصوم المذكور محكوما بالصحّة وإن كان مكروها.

وعليه فمجرّد كشف النهي الغيريّ عن المفسدة في الفعل لا يكفي في الحكم ببطلان العبادة بل اللازم هو غلبة المفسدة الغيريّة المكشوفة على مصلحة نفسيّة للعبادة وبالجملة فمع بقاء مصلحة العبادة على ما هي عليها يكفي قصدها لتحقّق العبادة سواء قلنا باستلزام الأمر بالأهمّ للنهي عن المهمّ أو لم نقل وسواء قلنا بكشف النهي الغيريّ عن المفسدة أو لم نقل وعليه فلا ثمرة للمسألة.

ودعوى أنّ فساد العبادة لا يحتاج إلى استلزام الأمر بالشيء للنهي عن ضدّه لكفاية عدم الأمر في الحكم بفساد العبادة والمفروض هو سقوط الأمر بمزاحمة الأهمّ.

فلا مجال لتصحيح العبادة فيما إذا كانت متزاحمة بالأهمّ سواء قلنا بالاستلزام أو

٨٣

لم نقل وسواء قلنا بكشف النهي عن المفسدة أو لم نقل.

وعليه فلا ثمرة للمسألة أيضا كما عن شيخنا البهائي قدس‌سره لأنّ العمل على كلّ حال محكوم بالفساد مندفعة :

أوّلا : بما عرفت من كفاية قصد الملاك في تحقّق العبادة لأنّ إضافة العمل إلى المولى معيار تحقّق العبادة سواء كانت الإضافة قصد الأمر أو الملاك المحبوب للمولى والمتحقّق في المقام هو وجود الملاك المحبوب فلا يلزم في تحقّق العبادة قصد الأمر وعليه فلا وجه للحكم بفساد العبادة بمجرّد سقوط الأمر مع وجود الملاك نعم إن كان النهي على تقدير الاستلزام المذكور كاشفا عن المفسدة الغالبة بالعبادة محكومة بالفساد وكفى به ثمرة.

وثانيا : بأنّه لو سلّمنا الحاجة إلى قصد الأمر في تحقّق العبادة أمكن إتيان الفرد المزاحم بداعي الأمر بالطبيعة المأمور بها لانطباق تلك الطبيعة عليه كانطباقها على بقيّة الأفراد ضرورة أنّه لا فرق بينه وبين غيره من الأفراد من هذه الجهة. نعم لو استلزم الأمر بالأهمّ للنهي عن المهمّ كان المهمّ منهيّا عنه فلا ينطبق عليه المأمور به فلا يكفي قصد الأمر المتوجّه إلى الطبيعة لأنّ المفروض عدم انطباق الطبيعة المأمور بها عليه فلا وجه لإنكار الثمرة على هذا القول.

وثالثا : بوجود الأمر بناء على إمكان الترتّب فإنّ الأمر بالمهمّ على فرض إمكان الترتّب موجود ويصحّ قصده فيتحقّق الامتثال بقصده وتتمّ العبادة حتّى عند من اعتبر قصد الامتثال في تحقّق العبادة.

الترتّب

وحيث انتهى الكلام إلى الترتّب ينبغي البحث عن إمكانه كما ذهب إليه المحقّق الاصفهاني والسيّد محمّد الفشاركي والميرزا الشيرازي وكاشف الغطاء وصاحب

٨٤

الوقاية وهداية المسترشدين وغيرهم من الأعاظم.

ذكروا تقريبات مختلفة لبيان إمكان الترتّب والاحسن منها هو أن يقال :

إذا تزاحم أمران أحدهما أهمّ من الآخر فلا يمكن أن يقتضي كلّ واحد متعلّقه بالفعل من دون ترتّب أحدهما على عدم تأثير الآخر لاستحالة فعليّة مقتضاهما معا لوجود التضادّ بينهما وإن كان المكلّف في كمال الانقياد كما لا يمكن أن يتعلّق الأمر بالجمع بينهما من أوّل الأمر إذ لا واقع له ولا يكون ممكنا بعد استحالته وعليه فالتأثير يكون للأهمّ بعد كونه مانعا عن تأثير المهمّ فمع فعليّة التأثير للأمر بالأهمّ لا تأثير للأمر بالمهمّ.

نعم يمكن أن يكون المقتضيان مترتّبين بأن يكون أحدهما وهو المهمّ لا اقتضاء له إلّا عند عدم تأثير الأهمّ فمع تأثير الأهمّ لا موضوع لتأثير المهمّ ومع عدم تحقّق موضوع التأثير للأمر بالمهم يستحيل مانعيّته عن تأثير الأمر المتوجّه بالأهمّ.

ومع عدم تأثير الأمر بالأهمّ فلا مانع من فعليّة تأثير الأمر بالمهمّ المعلّق على عدم تأثير الأمر بالأهمّ.

وعليه فلا تضادّ بين الأمرين كما لا تضادّ بين الامتثالين بعد ترتّب تأثير أحدهما على عدم تأثير الآخر إذ لا جمع بينهما بعد كون المفروض هو تأثير أحدهما عند عدم تأثير الآخر وخلوّ المحلّ عنه فأين اجتماع الضدّين في محلّ واحد.

فالدافع لإشكال الجمع بين الضدّين هو عدم تأثير دعوة الأمر بالأهمّ في حال العصيان أو العزم عليه وإن كان له صلاحيّة الدعوة والتأثير في نفسه.

فإذا ورد الأمران أحدهما بالمهمّ والآخر بالأهمّ فلا مجال لفعليّة التأثير في كليهما لأنّه يستلزم طلب الجمع بين الضدّين أمّا إذا علّق تأثير أحدهما على عدم تأثير الآخر فلا محذور كما إذا قيل ان كنت في حال عصيان الأهمّ أو عزمت على العصيان فأت بالمهم فلا يلزم الإشكال إذ لا يكون الأمر بالمهمّ مزاحما للأمر بالأهمّ

٨٥

عند تأثيره لعدم تحقّق موضوع الأمر بالمهمّ حتّى يكون مزاحما للأمر بالأهمّ كما أنّ الأمر بالأهمّ لا يكون مزاحما للأمر بالمهمّ في حال عدم تأثيره كحال العصيان أو البناء والعزم عليه.

ولقد أفاد وأجاد في نهاية الدراية حيث قال إنّ الأمر بالاضافة إلى متعلّقه من قبيل المقتضي بالإضافة إلى مقتضاه فإذا كان المقتضيان المنافيان في التأثير لا على تقدير والغرض من كلّ منهما فعليّة مقتضاه عند انقياد المكلّف له فلا محالة يستحيل تأثيرهما وفعليّة مقتضاهما وإن كان المكلّف في كمال الانقياد وإذا كان المقتضيان مترتّبين بأن كان أحد المقتضيين لا اقتضاء له إلّا عند عدم تأثير الآخر فلا مانع من فعليّة الأمر المترتّب.

وحيث إنّ فعليّة أصل اقتضاء المترتّب منوطة بعدم تأثير المترتّب عليه فلا محالة يستحيل مانعيته عن تأثير الأمر المترتّب عليه إذ ما كان اقتضاؤه منوطا بعدم فعليّة مقتضى سبب من الأسباب يستحيل أن يزاحمه في التأثير ولا مزاحمة بين المقتضيين إلا من حيث التأثير وإلا فذوات المقتضيات بما هي لا تزاحم بينها انتهى.

فتحصّل أنّ ترتّب الأمر بالمهمّ على حالة عصيان الأمر بالأهمّ أمر معقول وأمر عرفيّ وإن لم يكن بينهما رابطة العلّيّة والمعلوليّة لكفاية تأخّره عنه ولو بالتأخّر الطبعي كما إن شوب العصيان بالوجود يكفي في صحّة جعله موضوعا أو شرطا للخطاب بالمهمّ.

فأساس الترتّب مبنى على ترتّب أثر الأمر بالمهمّ على حالة العصيان بالنسبة إلى الأمر بالأهمّ وعدم تأثيره لأنّ حالة العصيان تلازم مع عدم تأثير الأمر بالأهمّ الذي هو المانع من تأثير الأمر بالمهمّ فإذا حصلت حالة العصيان بالنسبة إلى الأمر بالأهمّ ارتفعت مانعيّة الأمر بالأهمّ عن تأثير الأمر بالمهمّ ومع ارتفاع المانعيّة أثّر الخطاب بالمهمّ.

٨٦

وممّا ذكر ينقدح أنّ إشكال طلب الجمع بين الضدّين مرتفع بعدم تأثير الأمر بالأهمّ لا بسقوطه وعليه فلا ملزم لجعل موضوع الأمر بالمهمّ سقوط الأمر بالأهمّ حتّى يدور الأمر بين السقوط والثبوت فيخرج عن محلّ الكلام بل الأمر بالأهمّ ثابت في حال العصيان أو البناء عليه قبل مضيّ وقت العمل فمع ذلك لا يكون مؤثّرا ومع عدم المؤثّرية لا يوجب مؤثّرية الأمر بالمهمّ طلب الجمع بين الضدّين كما لا يخفى.

لا يقال إنّ العصيان أمر عدمي وليس فيه مناط التأخّر الرتبي عن الأمر بالأهمّ لاختصاص المناطات بالامور الوجوديّة والعصيان ليس إلّا ترك الامتثال بلا عذر وعليه فتأخّره عن الأمر بالأهمّ لا مناط له وهكذا لا مناط فيه لتقدّمه على الأمر بالمهمّ حتّى يكون موضوعا لحكم أو شرطا لشيء أو غير ذلك لأنّ تلك الامور أي التقدّم أو التأخّر يكون من الامور الوجوديّة والعصيان لا يتّصف بإحدى الحيثيّات الوجوديّة لأنّا نقول أوّلا أنّ مفهوم العصيان متقوّم بتقدّم الأمر عليه إذ العصيان هو ترك امتثال الأمر الفعلي من دون عذر فالعصيان من دون وجود أمر غير متصوّر وعليه فتقدّم الأمر عليه كتقدّم اجزاء الماهيّة على نفس الماهيّة وان لم يكن بين العصيان والأمر رتبة العلّيّة والمعلوليّة.

وثانيا : إنّ العصيان ليس هو عدم محض بل هو مشوب بالوجود لأنّ العصيان مخالفة المولى في أوامره ونواهيه وهي من الامور الوجوديّة وإن كانت المخالفة موجبة لترك الامتثال بلا عذر.

وعليه فيكون العصيان متأخّرا زمانا عن الأمر بالأهمّ ومتقدّما على الأمر بالمهمّ.

ولا امتناع في جعل العصيان شرطا أو موضوعا بل واقع في الكتاب والسنّة كقوله تعالى : (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ).

وثالثا : إنّ الموضوعات والشرائط في الخطابات الشرعيّة ليست عقليّة بل هي

٨٧

تكون عرفيّة والعرف يحكم بصحّة جعل مثل العصيان موضوعا أو شرطا للخطاب بالمهمّ.

ألا ترى انّ الوالد يقول لولده تعلّم فإن عصيت أمري ولم تتعلّم فعليك بالكسب والتجارة وليس ذلك إلّا لأنّ العرف يرى العصيان أمرا وجوديّا ومتأخّرا عن الأمر بالأهمّ وهو التعلّم ومتقدّما على الأمر بالمهمّ وهو الكسب.

لا يقال إنّ الأمر بالأهمّ لا يسقط وبقى على باعثيّته قبل تحقّق العصيان ومقتضى ذلك انّ المكلّف الذي يكون عاصيا فيما بعد يكون مبعوثا نحو الجمع بين الأمرين المتنافين ومجرّد كون العصيان في طول موضوع الأمر بالأهمّ لا يكفي في رفع المحذور وهو طلب الجمع بين الأمرين المتنافيين وهو غير قادر على ذلك.

لأنّا نقول إنّ مع عدم سقوط الأمر بالأهمّ في حال العصيان أو البناء عليه يلزم الجمع بين الطلبين لا طلب الجمع بين الأمرين المتضادين بعد ما عرفت من عدم تأثير طلب المهمّ إلّا بعد عدم تأثير طلب الأهمّ.

وبالجملة إنّ الأمر الترتّبي بما هو هو لا يوجب طلب الجمع بين المتضادّين ويشهد لما ذكر إنّ المكلّف لو جمع بين الأهمّ والمهمّ على فرض إمكان الجمع لم يقع الأمران على صفة المطلوبية ولذا لو قال المولى لعبده جئني بماء عذب وإن عصيت أمري جئني بماء ملح فاتى العبد بماء عذب وماء ملح لم يقع عنه امتثالان ولم يكن كلاهما مطلوبين وهذا علامة انّ الطلب الترتّبي لا يؤول إلى طلب الجمع.

فالترتّب يفيد الجمع في الطلب لا طلب الجمع فلا تغفل.

التنبيهات :

التنبيه الأوّل : إنّه لا يتوقّف الحكم بترتّب تأثير الأمر بالمهمّ على حالة عصيان الأمر بالأهمّ على ورود خطاب يتكفّل ذلك لجواز الاكتفاء بحكم العقل بذلك عند

٨٨

إحراز أهمّيّة أحد الطرفين والحكم العقلي بذلك يكشف عن الحكم الشرعي أيضا لأنّ العقل هو المدرك بكسر الراء والمدرك بفتح الراء هو الحكم الشرعي فكما أنّه من الممكن ان يقيّد الشارع من ابتداء الأمر خطابه بالنسبة إلى المهمّ بصورة عدم مزاحمة الأهمّ فكذلك يقيّد ذلك بعد كشف الحكم الشرعي بحكم العقل بذلك فالحكم في ناحية المهمّ مترتّب على عصيان الأهمّ وعدم تأثيره فلا يرفع اليد عن إطلاق الأمر في ناحية المهمّ بمجرّد الأمر في ناحية الأهمّ بل رفع اليد عنه منوط بتأثير الأمر في ناحية الأهمّ.

التنبيه الثاني : إنّه ربّما يتوهّم إنّ اللّازم من قول الترتّب هو تعدّد العقاب لو لم يأت بأحد الأمرين من المهمّ والأهمّ إذ الأمر بكلّ واحد منهما بناء على الترتّب أمر فعليّ مولوي ومن شأن هذا الأمر هو استحقاق العقاب على مخالفته كما من شأنه الثواب على امتثاله فالتفكيك بين الملزوم ولازمه غير صحيح.

ويمكن الجواب عنه بأنّ تعدّد العقاب لا يوافق مع توقّف أحدهما على عدم تأثير الآخر فإنّه كالتخيير العقلي والشرعي فكما أنّ ترك كلّ واحد منهما لا يوجب تعدّد العقاب فكذلك في المقام مع أنّ القدرة على عدم الجمع بين التركين حاصلة في جميع الموارد فالمحكي عن بعض الأعلام من أنّ العقاب الثاني ليس على عدم الجمع بين الضدّين حتّى يقال أنّه غير مقدور بل العقاب على الجمع بين الحقّين وقد كان مقدورا للمكلّف أن لا يجمع بين المحقّين كما إذا أتى بالأهمّ غير سديد لما عرفت من حصول القدرة على عدم الجمع بين التركين في موارد التخيير العقلي والشرعي ومع ذلك لا مجال للحكم بتعدّد العقاب.

ويشهد على ما ذكرناه ارتكاز العقلاء على عدم تعدّد العقاب فيما إذا لم يقدر المكلّف على جميع الواجبات الكفائيّة إلّا واحدا منها ومع ذلك ترك جميعها.

التنبيه الثالث : إنّ الأمر في ناحية المهمّ في موارد الترتّب موجود وإنّما يرفع اليد

٨٩

عن إطلاقه بحكم العقل من جهة المزاحمة مع الأهمّ فيما إذا كان مؤثّرا ولا يرتفع إطلاق الأمر في ناحية المهمّ بمجرّد الأمر في ناحية الأهمّ بل هو منوط بتأثير الأمر في ناحية الأهمّ وإلّا فإطلاق الأمر في ناحية المهمّ بقى على ما عليه.

وممّا ذكر يظهر خروج ما إذا لم يبق للمهمّ موضوع بمجرّد وجود الأمر بالأهمّ عن موارد الترتّب كما إذا كان التكليف بالمهمّ مشروطا بالقدرة الشرعيّة والتكليف بالأهمّ مشروط بالقدرة الفعليّة فلا يأتى فيه الترتّب لارتفاع موضوع الأوّل بالواجب الآخر لعدم القدرة عليه شرعا بواسطة المزاحمة مع الأهمّ فإنّ الممتنع الشرعي كالممتنع العقلي فلا يبقى موضوع للواجب الذي كان مشروطا بالقدرة الشرعيّة بمجرّد وجوب الأهمّ من دون حاجة إلى إناطة ذلك على تأثير الآخر فتدبّر جيّدا.

التنبيه الرابع : إنّه لا اختصاص لمورد الترتّب بالضدّين بل يشمل غيرهما كما إذا قال الوالد لولده تعلّم فإن عصيت أمري فكن مصلحا للعالم.

مع أنّ التعلّم والإطاعة للعالم لا يكونان ضدّين.

وخصّص بعض مورد الترتّب بالضدّين اللذين لهما الثالث كالصلاة والإزالة وقال لا يشمل الضدّين اللذين لا ثالث لهما كالحركة والسكون فإنّ الترتّب لا يتأتّى بينهما إذ ترك أحدهما أو عصيانه لا يتحقّق بدون فعل الآخر ومعه لا معنى لتعلّق الأمر بالآخر بشرط ترك الضدّ أو عصيانه فإنّ الآخر حاصل فيكون طلبه من قبيل طلب الحاصل.

ويمكن أن يقال بعد الغمض عمّا ذكرناه من عدم اختصاص مورد الترتّب بالضدّين أنّه لا وجه لتخصيص الضدّين بما لهما ثالث لما عرفت من أنّ موضوع الأمر الترتّبي ليس هو العصيان الخارجي أو الترك الخارجي بل هو العزم على العصيان أو البناء عليه وعليه فلا يلزم من الأمر بالآخر عند العزم على العصيان تحصيل الحاصل كما لا يخفى.

٩٠

وممّا ذكر يظهر صحّة ما ذهب إليه كاشف الغطاء على المحكي عنه من جعل مسألة الإخفات في موضع الجهر وبالعكس من موارد الترتّب ولا وقع لما اورد عليه المحقّق النائيني قدس‌سره بأنّ تلك المسألة ليست من مصاديق الترتّب لأنّ الجهر والإخفات من الضدّين اللذين لا ثالث لهما إذ القارئ لا يخلو عن أحدهما وقد ثبت أنّ الترتّب لا يجري في الواجبين اللذين لا ثالث لهما لامتناعه وبقيّة الكلام في المفصّل.

التنبيه الخامس : إنّ الحكم في طرف المهمّ يكون فعليّا بمبادئه وهي الإطلاقات الدالّة عليه مع وصولها إلى المكلّف واشتراط عصيان الأهمّ لا تأثير له في فعليّة الحكم بل هو في قوّة عدم وجود المزاحم عن فعليّة الحكم بمبادئه.

وعليه فلا مجال لما قيل من لزوم التفصيل بين الموارد ويقال كلّ مورد يلزم من اشتراط عصيان الأهمّ فيه تأثير أمر متأخّر في المتقدّم لا يتأتّى فيه الترتّب كما إذا كان الأهمّ والمهمّ تدريجي الوجود أو كان الأهمّ أمرا باقيا ومستمرّا وكان عصيانه في الآن الأوّل المتعقّب بعصياناته في الآنات المتأخّرة مؤثّرا في فعليّة الحكم.

بخلاف ما إذا كان الشرط هو عصيان الأهمّ في الآن المقارن فلا مانع من الترتّب فيه إذ لا يلزم منه تأثير الشرط المتأخّر في المتقدّم.

وذلك لما عرفت من أنّ شرط العصيان لا تأثير له في فعليّة الحكم.

التنبيه السادس : إنّ الترتّب جار أيضا في الواجبين المتزاحمين الطوليين بحسب الزمان إذا كان الثاني أهمّ وواجب المراعاة إمّا من جهة تصوير الواجب المعلّق أو من جهة أهمّيّة ملاك خطابه مع حكم العقل مستقلّا أو من باب متمّم الجعل بحفظ القدرة للواجب المتأخّر الأهمّ وذلك لعدم الفرق بين الواجبين المتزاحمين المقارنين والواجبين المتزاحمين الطوليين فكما أنّ اشتراط العصيان في المقارنين يدلّ على فعليّة الأمر بالمهمّ بسبب عدم وجود المزاحم فكذلك في الطوليين حرفا بحرف.

والقول بأنّ ذلك في الطوليين يستلزم الالتزام بتأثير الشرط المتأخّر وهو ممتنع

٩١

غير سديد بعد ما عرفت من أنّ العصيان لا تأثير له في فعليّة الخطاب بالمهمّ لأنّ فعليّته تكون بمبادئه المخصوصة وإنّما اشتراط العصيان يدلّ على عدم وجود المزاحم عن تأثير مبادئ المهمّ.

التنبيه السابع : إنّ الترتّب كما يمكن في ناحية الأمر فكذلك يمكن في ناحية النهي فيجوز أن يكون لا تغصب مترتّبا على عصيان الأهمّ كإنقاذ المؤمن في أرض مغصوبة فالنهي عن الغصب في مورد التزاحم مترتّب على عصيان خطاب الأهمّ كما أنّ الأمر بالصلاة مترتّب على عصيان الأمر بالإزالة عند تزاحمهما.

فكما أنّ العصيان في ناحية الأمر لا تأثير له في فعليّة الخطاب في طرف المهمّ إذ الفعليّة ناشئة من وصول الإطلاقات الأوّليّة الدالّة على وجوب الصلاة كقوله تعالى (أَقِيمُوا الصَّلاةَ) وإنّما يكون النهي حاكيا عن عدم المزاحم لتلك الإطلاقات فكذلك يكون العصيان حاكيا عن عدم المزاحم لفعليّة النهي عند تزاحمه مع الأهمّ وهذا واضح بناء على عدم وجوب المقدّمة فإنّ بين خطاب لا تغصب وانقذ الغريق مثلا تزاحم لا تعارض حتّى يستلزم التكاذب ومع وجود الأهمّ لا خطاب في طرف المهمّ وأمّا إذا قلنا بوجوب المقدّمة الموصلة فيقع التعارض بين لا تغصب ووجوب المقدّمة الموصلة لأنّ المراد من المقدّمة الموصلة هو نفس التصرّف في دار الغير من دون استيذان ومع التعارض يتكاذبان وحيث إنّ الأهمّ وهو وجوب المقدّمة الموصلة مقدّم فلا حكم في طرف المهمّ فيخرج عن مورد الترتّب فإنّ المهمّ حكم موجود مترتّب على عصيان الأهمّ.

التنبيه الثامن : إنّ الترتّب لا يجري إلّا في المتزاحمين اللذين بينهما تزاحم اتّفاقي كالصلاة والإزالة وأمّا إذا كان التزاحم بينهما دائميّا فلا مورد للترتّب لأنّ الترتّب فرع جعل الحكمين ومع التزاحم الدائمي جعل الحكمين خال عن الحكمة ولا يصدر عن الحكيم المتعال ففي مثله إن كان الملاك في أحدهما أقوى فالجعل على طبقه وإن كان

٩٢

الملاك فيهما متساويا فالحكم هو التخيير الشرعي ففي الصورتين لا مجال للترتّب إذ في الصورة الاولى لا حكم إلّا على طبق الملاك الأقوى فلا مجال لفرض ترتّب أحد الحكمين على عصيان الآخر وفي الصورة الثانية لا مجال لفرض العصيان بعد كون الحكم هو التخيير إذ لا حاجة في الأخذ بالحكم الآخر مع التخيير الشرعي إلى فرض العصيان بالنسبة إلى حكم آخر.

التنبيه التاسع : إنّه يمكن جريان الترتّب في باب اجتماع الأمر والنهي أيضا بناء على تغليب جانب النهي حتّى على القول بالامتناع وكون التركيب اتّحاديّا لا انضماميّا إذ الواحد متحيّث بحيثيّتين عند التحليل ولكلّ واحدة ملاك والحكم يتعلّق بهما في الذهن والمفروض أنّه متعدّد ومع التعدّد لا تزاحم في مقام الجعل ولكن حيث لا يمكن امتثالهما غلب جانب النهي إلّا أنّه إذا بنى على العصيان فلا مانع من فعليّة الأمر إذ النهي لا يكون مؤثرا عند إرادة العصيان ودعوى أنّ الغصب الذي به يتحقّق عصيان النهي في مثل قولهم إن عصيت النهي أي إن عصيت مثلا فصلّ إن كان هو الغصب الذي يوجد في ضمن الصلاة وينطبق عليها ففي ذلك الظرف تكون الصلاة موجودة وحاصلة فيكون طلبه طلب الحاصل وإن كان غضبا آخر غير منطبق على الصلاة فيكون طلبا للممتنع وإن كان مطلقا يلزم كلا المحذورين مندفعة بأنّ الشرط هو حالة العصيان لا العصيان الخارجي فارتفعت المحاذير.

٩٣

الفصل السادس : في جواز الأمر

مع انتفاء الشرط وعدمه

ولا يخفى عليك أنّ الشرط إمّا شرط لنفس الأمر والجعل وإمّا شرط للمجعول والمأمور به ؛ وعلى الأوّل فلا نزاع عندنا في عدم وقوعه ، إذ الشرط من أجزاء العلّة ، فمع عدم تماميّة علّة الجعل والأمر لا يمكن الجعل والأمر ، لأنّ مرجعه إلى تحقّق المعلول من دون علّته ، وهو محال.

نعم يدخل في محلّ النزاع بيننا وبين العامّة الذين يقولون بمغايرة الطلب النفسيّ مع الإرادة ووجود الكلام النفسيّ ؛ فإنّا نختار وحدتهما ونقول لا يجوز تعلّق الإرادة من دون تماميّة علّتها ، فمع انتفاء شرط الإرادة لا تكون تامّة ، وحيث إنّ الطلب النفسانيّ عين الإرادة كان الطلب النفسانيّ مع انتفاء الشرط أيضا محالا ، ولكنّ العامّة لذهابهم إلى مغايرتهما يقولون بجواز توجّه الطلب النفسانيّ وإن امتنع تعلّق الارادة ، وقالوا قد يطلب المولى شيئا ولا يريده وقد ينهى عنه وهو يريده ، إلّا أنّ هذا البحث لا يكون مورده هنا ، بل اللازم هو أن يذكر عند البحث في الطلب والإرادة ، وأمّا إرجاع البحث في المقام إلى الأمر بمرتبة الإنشاء مع العلم بانتفاء المرتبة الفعليّة كما في الكفاية ، أو إلى الأمر بمرتبة الفعليّة مع العلم بانتفاء مرتبة التنجيز كما في غير الكفاية ، ففيه أنّه لا نزاع فيه ، إذ لا خلاف في صحّة الأوامر الامتحانيّة وفي وجود الأوامر الواقعيّة التي لم تصل أيضا.

٩٤

وعلى الثاني ، أعني كون الشرط شرطا للمأمور به ، لا نزاع بيننا ، فإنّ المأمور به مع انتفاء شرطه غير مقدور فلا يجوز التكليف به ، فإنّه تكليف بالمحال وهو قبيح ، فلا يصدر عن الحكيم. ولكنّ الأشاعرة الذين ينكرون الحسن والقبح العقليّين يقولون بجوازه ، ففي هذه الصورة أيضا يكون النزاع بيننا وبين العامّة ، إلّا أنّ هذا البحث من تتمّة البحث في الحسن والقبح العقليّين.

فتحصّل أنّ المسألة لا خلاف فيها عندنا مطلقا ، سواء كان الشرط شرطا للأمر والجعل أو شرطا للمأمور به ، وإنّما الخلاف فيها بيننا وبين العامّة من جهة الاختلاف في المباني ، كما عرفت.

وأمّا التفصيل بين القضيّة الخارجيّة والشخصيّة وبين الأوامر الكلّيّة والقانونيّة والقول بامتناع توجّه البعث في الأوّل لغرض الانبعاث إلى من علم الأمر فقدان شرط التكليف فيه أو شرط المأمور به فيه وعدم امتناع البعث في الثاني لأنّه تشريع واحد متوجّه إلى عنوان منطبق على المكلّفين.

وغرض هذا التشريع القانونيّ يلحظ بالنسبة إلى العنوان المذكور لا إلى كلّ واحد مستقلّا ، كما في مناهج الوصول : ج ٢ ص ٦٠.

ففيه أنّه لا كلام فيه حتّى يبحث عنه لوضوح الأمر فيهما ، إذ الأوّل يؤول إلى تحقّق المعلول من دون علّة فيما إذا لم يوجد شرط التكليف ، ويؤول إلى التكليف بالمحال فيما إذا لم يكن شرط المأمور به ، والثاني لا مانع منه ، لأنّ العنوان الكلّيّ مورد التكليف ، والشرط فيه موجود ولو بوجوده في بعض أفراده.

وأيضا لا مجال للتفصيل بين ما إذا كان انتفاء الشرط مستندا إلى نفس جعل الحكم وكان هو الموجب له وبين ما إذا كان مستندا إلى عدم قدرة المكلّف أو إلى جهة اخرى ، قائلا بأنّه على الأوّل لا مانع من جعله أصلا إذا كان الغرض منه عدم تحقّق الشرط والموضوع في الخارج ، من دون فرق بين أن يكون الجعل على نحو القضيّة الحقيقيّة أو الخارجيّة ، كما إذا قال المولى لعبده : إن كذبت ـ مثلا ـ فعليك دينار ، مع

٩٥

علمه بأنّ جعل وجوب الدينار عليه على تقدير كذبه موجب لعدم صدور الكذب منه ، فيكون غرضه من جعله ذلك ، ومن المعلوم أنّه لا مانع من مثل هذا الجعل أصلا ، بل هو ممّا تقتضيه المصلحة العامّة كما في القضايا الحقيقيّة والمصلحة الخاصّة كما في القضايا الخارجيّة ، ضرورة أنّ الغرض من جعل هذه الامور هو عدم تحقّق موضوعها في الخارج ، فإذا فرض أنّ المولى علم بأنّ جعلها يوجب عدم تحقّق موضوعها فيه مطلقا فهو أولى بالجعل ممّا لم يعلم المولى أنّه يوجبه.

وقائلا بأنّه على الثاني لغو محض ، فلا يصدر من المولى الحكيم ، مثل أن يأمر بالحجّ على تقدير الاستطاعة في الخارج بنحو القضيّة الخارجيّة أو القضيّة الكلّيّة مع ـ العلم فرضا ـ بعدم تحقّقها له أصلا ، فإنّه لا شبهة في أنّ جعل مثل هذا الحكم لغو صرف ، فلا يترتّب عليه أيّ أثر شرعيّ ، ومعه لا يصدر عن الحكيم ، كما في المحاضرات : ج ٤ ص ٧. لأنّ كلا الأمرين واضح ولا مجال للنزاع فيهما ، هذا مضافا إلى أنّ العلم بانتفاء الشرط في الأوّل معلول للأمر ومتأخّر عنه ، وهو أجنبيّ عن المقام ، إذ الشرط في المقام متقدّم على الأمر وليس بمتأخّر ، فتأمّل.

وممّا ذكر يظهر أنّه لا مجال لتصحيح وجوب الكفّارة على من أفطر في نهار شهر رمضان مع عدم تماميّة شرائط الوجوب له إلى الليل ، من ناحية جواز الأمر مع عدم الأمر بانتفاء شرط التكليف أو المأمور به وجعل ذلك ثمرة للمسألة. لما عرفت من عدم إمكان الأوّل ـ أعني العلم ـ بانتفاء شرط التكليف وقبح الثاني فإنّه تكليف بالمحال ، فاللازم في تصحيحه هو الرجوع إلى وجوه اخرى كالقول بإطلاق الروايات الدالّة على وجوب الكفّارة ، فإنّها تدلّ على وجوب الكفّارة على الإفطار العمديّ في نهار شهر رمضان بلا عذر مسوغ له ، سواء طرأ عليه مانع من الصوم بعد ذلك أم لم يطرأ ، كما ذهب إليه في المحاضرات : ج ٤ ص ١٠.

فلا ثمرة فقهيّة لمسألة جواز أمر الأمر مع علمه بانتفاء الشرط.

٩٦

الخلاصة :

الفصل السادس في جواز الأمر مع انتفاء الشرط وعدمه

ولا يخفى عليك إنّ الشرط إمّا شرط نفس الأمر والجعل وإمّا شرط المجعول والمأمور به ولا نزاع عندنا في عدم جواز الامر أو الجعل سواء كان الشرط شرطا لنفس الأمر والجعل أو شرطا للمجعول والمأمور به.

لأنّ الأمر والجعل على الأوّل بدون حصول شرطه غير ممكن إذ الشرط على المفروض من أجزاء علّة الأمر والجعل فمع عدم تماميّة العلّة لا يصدر الجعل والأمر وإلّا لزم تحقّق المعلول بدون علّته وهو محال.

كما أنّ الأمر والجعل على الثاني من دون حصول شرط المجعول والمأمور به تكليف بغير المقدور وهو قبيح لا يصدر عن الحكيم المتعال.

وعليه فلا يجوز الأمر مع انتفاء الشرط سواء كان الشرط شرطا لنفس الأمر أو شرطا للمأمور به.

نعم يجوز الأمر الكلّي والقانوني ولو مع فقدان شرط التكليف أو المأمور به بالنسبة إلى بعض الآحاد من المكلّفين لكفاية وجود الشرط بالنسبة إلى العنوان الكلّي ولو بوجوده في بعض أفراده.

وهكذا يجوز الأمر مع انتفاء الشرط بنفس الأمر كما إذا قال المولى لعبده إن كذبت مثلا يجب عليك إعطاء دينار وعلم المولى أنّ هذا الجعل يوجب عدم صدور الكذب من عبده ويكون الغرض من الأمر هو ذلك ومن المعلوم أنّه لا مانع منه بل يقتضيه المصلحة احيانا.

ولعلّه خارج عن محلّ الكلام لأنّ العلم بانتفاء الشرط معلول للأمر ومتأخّر

٩٧

عنه مع أنّ محلّ الكلام هو ما إذا علم بفقدان الشرط قبل الأمر.

فانقدح ممّا ذكرناه أنّه لا مجال لتصحيح وجوب الكفّارة على من أفطر في نهار شهر رمضان مع عدم تماميّة شرائط الوجوب له إلى الليل بدعوى جواز الأمر مع علم الآمر بانتفاء شرط التكليف أو المامور به لما عرفت من أنّه لا يجوز الأمر مع علمه بالانتفاء إذ الأمر بالصوم مع تماميّة شرائطه تكليف بغير المقدور وهو لا يصدر عن الحكيم المتعال نعم يمكن تصحيح ذلك من جهة إطلاق الروايات الدالّة على وجوب الكفّارة فإنّها تدلّ على وجوبها عند الإفطار العمدي في حال الصوم سواء طرأ عليه مانع من الإتمام أو لم يطرأ وبالجملة فموضوع الكفّارة هو إفطار الصوم مطلقا.

٩٨

الفصل السابع : في تعلّق الأوامر والطلب

بالطبيعيّ أو الأفراد

تحقيق ذلك يتوقّف على امور :

الأوّل : أنّ لحاظ الطبيعة على أنحاء : منها لحاظها في ذاتها ومن حيث هي هي ، ومنها لحاظها بالوجود الذهنيّ ، ومنها لحاظها بما هي مرآة إلى الخارج ، وهو على قسمين : أحدهما أن يلاحظ الخارج باللّحاظ التصديقيّ بعد تحقّقه ، والآخر أن يلاحظ باللّحاظ التصوّري قبل وجوده بالفرض والتقدير. وزعم الوجود حاكيا عن الوجود الخارجيّ الذي يسمّى بالوجود اللّافراغيّ؟ أو الوجود التخلّقيّ.

الثاني : أنّ متعلّق الإرادة المؤثّرة لا يكون إلّا ما فيه المصلحة والمصلحة لا تكون إلّا في الوجود ، إذ الطبيعة من حيث هي ليست إلّا هي ، فلا مصلحة فيها حتّى يشتاق الإنسان إليها ويريدها ، ثمّ إنّ الوجود المراد ليس هو الوجود الذهنيّ لعدم كونه مورد الأثر. هذا مضافا إلى أنّ الوجود الذهنيّ لا يمكن الامتثال والإتيان به كما ليس هو الوجود الخارجيّ بعد التحقّق ، لأنّه تحصيل الحاصل. فانحصر أن تكون الإرادة متعلّقة بالطبيعة باعتبار وجودها الفرضيّ والزعميّ والتقديريّ الحاكي عن الخارج الذي يسمّى بالوجود اللّافراغي ، لأنّه حامل للمصلحة المرغوب فيها ، وهذا أمر ارتكازيّ وجدانيّ لا يحتاج إلى تجشّم الاستدلال.

٩٩

الثالث : أنّ ما ذكرناه في الإرادة لا يختصّ بالإرادة الفاعليّة ، بل هو جار في الإرادة التشريعيّة أيضا ، لأنّها أيضا ناشئة عن المصلحة ، فلا يمكن تعلّقها بما لا مصلحة فيه.

الرابع : إنّ الأمر بعث نحو المراد ، كما أنّ النهي زجر عن المكروه. وعليه ، فهما تابعان للإرادة والكراهة ؛ فإذا عرفت أنّ الإرادة لا تتعلّق إلّا بما فيه المصلحة ، فمتعلّق الأمر أيضا لا يكون إلّا ما تعلّقت به الإرادة ، وهكذا في طرف الكراهة.

وممّا ذكر يظهر ما في مناهج الوصول من أنّ التحقيق الذي يساعد عليه الوجدان هو أنّ الأمر متعلّق بنفس الماهيّة ، في حين توجّه الأمر إلى معدوميّتها ، ويريد بالأمر سدّ باب أعدامها وإخراجها إلى الوجود بوسيلة المكلّف (١).

وذلك لأنّ نفس الماهيّة لا مصلحة فيها ، فلا يمكن أن تكون بنفسها غرضا للعاقل حتّى تتعلّق بها الإرادة والبعث ، فهذا أمر وجدانيّ ارتكازيّ.

لا نقول إنّ الماهيّة من حيث هي ليست إلّا هي ، فلا يمكن في هذه المرتبة أن تكون مطلوبة ومرادة ولا مأمورا بها حتّى يقال هذا لا ينافي لحوق شيء بها ، إذ الماهيّة وإن كانت من حيث هي ليست إلّا هي ، أي في مرتبة ذاتها لا تكون إلّا نفس ذاتها ، لكن تلحقها الوحدة والكثرة والوجود وغيرها من خارج ذاتها ، وكلّ ما يلحقها ليس ذاتا ولا ذاتيّا لها. بل نقول : إنّ الماهيّة من حيث هي هي لا مصلحة فيها ، ومع عدم وجود المصلحة فيها لا ينقدح في النفس شوق وإرادة بالنسبة إليها حتّى يستفاد بدلالة الاقتضاء أنّ مريد الماهيّة من حيث هي هي أراد تحصيلها في الخارج.

الخامس : إنّ الكلّيّ الطبيعيّ لا يكون بما هو كلّيّ في الخارج ، لأنّ الخارجيّات جزئيّات ولا تصلح للصدق على الكثيرين ، بل هي حصص موجودة ومتكثّرة في

__________________

(١) مناهج : ج ٢ ص ٦٩.

١٠٠