عمدة الأصول - ج ٣

السيّد محسن الخرّازي

عمدة الأصول - ج ٣

المؤلف:

السيّد محسن الخرّازي


المحقق: السيّد علي رضا الجعفري
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسه در راه حق
المطبعة: كيميا
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥١

فظهر أنّ دلالة التعليق بالشرط على انتفاء التالي على تقدير انتفاء المقدّم في الجملة مستند إلى الوضع لأنّ ذلك قضية التعليق وعلى انتفائه عند انتفائه مطلقا مستندة إلى ظهور التعليق في شرطيّة المقدّم وظهور الشرطيّة في الشرطيّة التعيّنيّة.

فقول القائل : إن جاءك زيد فأكرمه وإن أكرمك أكرمه مخالف للظهور دون الوضع وأمّا نحو أكرم زيدا إن جاءك وإن لم يجئك فالظاهر أنّه مخالف للوضع إذ لا تعليق فيه حقيقة انتهى. (١)

ولا يخفى عليك أنّه لا يتوقّف هذا الاستدلال على كون المتكلّم في مقام بيان الفعليّة بل يجري فيما إذا كان في مقام بيان صلاحيّة الشرط للتأثير أيضا وإنّما استدلّ بإطلاق السببيّة والشرطيّة حيث جعل المتكلّم السببيّة مخصوصة بالشرط المذكور ولم يذكر معه عدلا آخر فإطلاق شرطيّة الشرط يدلّ على انحصار الشرطيّة في الشرط المذكور وهو يلازم انتفائه عند انتفائه فهذا الدليل ملفّق من الوضع ومقدّمات الإطلاق.

وذهب إليه أستاذنا المحقّق الداماد قدس‌سره حيث أفاد : أنّ حقيقة قضيّة الشرطيّة هو تعليق الجزاء على الشرط فيما يكون معلّقا عليه ولذا لا يجوز استعماله فيما لا يكون معلّقا عليه إلّا مجازا كقوله إن ضربتني ضربتك وإن لم تضربني ضربتك.

فإذا عرفت ذلك فإذا كان المتكلّم في مقام بيان المعلّق عليه واقتصر على ذكر الشرط ولم يذكر شيئا آخر بعنوان العدل له كان مقتضى مقدّمات الإطلاق هو مدخليّة خصوص الشرط كما أنّ اقتصاره في طرف المعلّق دليل على كونه بالخصوص معلّقا بسبب مقدّمات الحكمة وإلّا لكان عليه أن يذكر غيره.

وعليه فمفاد القضيّة الشرطيّة بسبب مقدّمات الحكمة هو تعليق خصوص

__________________

(١) الفصول. الفصل الثالث من مباحث المفهوم.

٣٦١

الجزاء على خصوص الشرط بحيث إذا ثبت الشرط ثبت الجزاء وإذا انتفى انتفى وحينئذ لو دلّ دليل آخر على تعليق الجزاء على شيء آخر لزم تقييد إطلاق هذه القضيّة الشرطيّة مثلا إذا قيل : إن جاءك زيد فأكرمه تدلّ هذه القضيّة الشرطيّة على أنّ الإكرام لا يجب إلّا بمجيء زيد بالخصوص فإذا قيل عقيب ذلك : إن سلّم عليك زيد فأكرمه لزم تقييد القضيّة الأولى ويكون الشرط أحد الأمرين فكأنّه قيل من أوّل الأمر إن جاء زيد أو سلّم عليك فأكرمه.

فالقضيّة الشرطيّة بعد كون المتكلّم في مقام البيان تدلّ على الثبوت عند الثبوت والانتفاء عند الانتفاء.

هذا مضافا إلى عدم الفرق بين كلمة «لو» وأداة الشرط مثل إن إلّا في أنّ كلمة «لو» استعملت فيما علم انتفائه في المضي وإن الشرطيّة مستعملة في المستقبل الذي يكون وقوعه غير معلوم وعليه فتكونان مشتركتين في الدلالة على الانتفاء عند الانتفاء وليست هذه الدلالة إلّا لدلالتهما على حصر الشرط فيما تتلوهما وإلّا فما دلّت كلمة «لو» على امتناع الجزاء بامتناع الشرط ضرورة أنّه لو لم يكن منحصرا فيه أمكن قيام سبب آخر مقامه فلا يدلّ انتفاء الشرط المذكور على امتناع الجزاء.

وقال سيّدنا الأستاذ قدس‌سره : مراد صاحب الفصول أنّ دلالة أداة الشرط على إناطة الجزاء بالشرط وضعيّة ولذا يكون استعمالها فيما لا إناطة فيه مجازا هذا بخلاف دلالته على تعيين الشرط المذكور في تلو الأداة فإنّها مقتضى جريان مقدّمات الإطلاق في الشرط والشرطيّة بعد عدم الإتيان بكلمة «أو» شيء آخر فإذا كان التعيّن مستفادا من مقدّمات الإطلاق في الشرط فإذا تعدّد الشرط لا يكون الاستعمال مجازا بل غايته هو خلاف الإطلاق ويمكن حمله على أحد الأمرين كما يقتضيه الجمع بين الأدلّة.

وبالجملة فكما أنّ إطلاق الشرط وعدم تقييده بشيء بمثل العطف بالواو مثلا

٣٦٢

يدلّ على عدم كون الشرط مركّبا من المذكور في القضيّة وغيره فكذلك إطلاق الشرط وعدم تقييده بشيء بمثل العطف بأو يدلّ على انحصار الشرط فيما هو مذكور في القضيّة وليس له شرط آخر وإلّا لكان عليه ذكره.

وهذا نظير استفادة الوجوب التعيّني من إطلاق الصيغة فكما أنّ إطلاق الصيغة في الأمر يفيد عدم سقوط الواجب بإتيان ما يحتمل أن يكون عدلا له فيثبت بذلك أنّ الوجوب يكون تعيينا فكذلك قضيّة إطلاق الشرط في المقام هي انحصار قيد الحكم في الشرط المذكور وأنّه لا بدل له في السببيّة للحكم وهذا هو الذي ينتهي إليه الميرزا المجدّد الشيرازي قدس‌سره حيث قال قدس‌سره : إنّ أدوات الشرط ظاهرة بمقتضى الوضع في التلازم بين الشرط والجزاء فهي بظهورها الوضعي تنفي المقارنات الاتّفاقيّة لعدم اللزوم بينها بوجه ولما كانت ظاهرة في لزوم الجزاء للشرط بمقتضى الوضع فهي بمقتضى إطلاق ما يفيده من لزوم الجزاء للشرط تنفي كونهما معلولين لثالث أو كون الشرط مسبّبا فإنّ معنى إطلاق لزومه له لزومه له عند وجوده سواء وجد معه أي مع الشرط شيء آخر في العالم أو لم يوجد ومن المعلوم أنّهما لو كانا مشتركين في العلّة أو كان الجزاء سببا للشرط لم يصدق هذه القضيّة أعني أنّه لازم للشرط المذكور في القضيّة الشرطيّة على الإطلاق سواء وجد معه شيء آخر في العالم أو لم يوجد بل تكون كاذبة فيلزم تقييدها الذي هو مخالف للأصل.

ولا يصار إليه إلّا لدليل وذلك لأنّ كلّ أمرين متلازمين مشتركين في العلّة لو فرض محالا وجود أحدهما فلا يكون الآخر لازما له بل إنّما يكون ذلك إذا وجد لوجود علّته المشتركة بينه وبين ذلك الآخر ضرورة عدم الارتباط بين نفس المعلولين لثالث بل إنّما هو من جهة أنّ وجود كلّ منهما لازم لوجود علّته التي هي علّة الآخر أيضا ومن المعلوم أيضا أنّ المسبّب وإن كان لازما للسبب عند وجوده على الإطلاق سواء وجد مع السبب شيء آخر في العالم أو لا لكنّ لا عكس كلّيّا لعدم

٣٦٣

استلزام مجرّد وجود المسبّب له بل لا بدّ في وجوده من وجود علّته فلا يصدق أنّه لازم للمسبّب ولو لم يوجد شيء غيره في العالم فتعيّن أن يكون الشرط سببا والجزاء مسبّبا لأنّه هو الذي لازم للشرط على الإطلاق.

فاذا ظهر أنّ الشرط سبب فظاهر السببيّة بمقتضى إطلاقها بمعنى عدم ذكر بدل للمذكور في القضيّة هو السببيّة المنحصرة بالتقريب المتقدّم ولازمها الانتفاء عند الانتفاء فثبت المطلوب فهنا إطلاقان :

أحدهما : إطلاق لزوم الجزاء للشرط يثبت به سببيّة الشرط للجزاء.

وثانيهما : إطلاق سببيّة الشرط يثبت به انحصار السبب فيه المستلزم للانتفاء عند الانتفاء فافهم (١).

لا يقال : إنّ الإطلاق في مقابل التقييد ودخالة شيء آخر في موضوع الحكم وكون شيء آخر موضوعا للحكم أيضا لا يوجب تقييدا في الموضوع بوجه كما في المناهج (٢).

لأنّا نقول : دخالة شيء آخر في السببيّة يوجب أن يكون السبب أحد الأمرين لا شيء بخصوص فالإطلاق يدلّ على أنّ السبب هو الشيء المتعيّن لا أحد الأمرين لاحتياجه إلى مئونة زائدة وعليه فدخالة شيء آخر لا تكون أجنبيّا عن خصوصيّات السبب فلا تغفل.

وكيف كان فقد أورد عليه في الكفاية بأنّ المقام لا يقاس بالوجوب التعيّني لأنّ الوجوب التعيّني سنخ خاصّ من الوجوب يكون مغايرا مع الوجوب التخييري ومع مغايرتهما لا بدّ للمولى في التخييريّ منهما من العدل لاحتياجه إلى مئونة زائدة وهذا بخلاف الشرط فإنّه واحدا كان أو متعدّدا كان نحوه واحدا ودخله في المشروط بنحو

__________________

(١) تقريرات الميرزا المجدّد الشيرازي : ج ٣ ص ١٥٣ ـ ١٥٤.

(٢) ج ٢ ص ١٨٤.

٣٦٤

واحد لا تتفاوت الحال فيه ثبوتا كي تتفاوت عند الإطلاق إثباتا وكان الإطلاق مثبتا لنحو لا يكون له عدل لاحتياج ما له العدل إلى زيادة مئونة وهو ذكره بمثل أو كذا.

واحتياج ما إذا كان الشرط متعدّدا إلى ذكر أو كذا إنّما يكون لبيان التعدّد لا لبيان نحو الشرطيّة.

والحاصل أنّ ترتّب المعلول على علّته المنحصرة ليس مغايرا في السنخ لترتّبه على غير المنحصرة بل هو في كليهما على نحو واحد فإذن لا مجال للتمسّك بالإطلاق لإثبات انحصار العلّة بما هو مذكور في القضيّة (١).

أجاب عنه بعض الأعلام بأنّ الإطلاق المتمسّك به في المقام ليس هو إطلاق الجزاء وإثبات أنّ ترتّبه على الشرط إنّما هو على نحو ترتّب المعلول على علّته المنحصرة ليرد عليه ما ذكر بل هو إطلاق الشرط بعدم ذكر عدل له في القضيّة إلى أن قال : وبما أنّ التقييد بشيء واحد يغاير التقييد بأحد الشيئين على البدل سنخا يلزم على المولى بيان الخصوصيّة إذا كان في مقام البيان وحيث إنّه لم يبيّن العدل مع أنّه يحتاج إلى البيان تعيّن كون الشرط واحدا وأنّ القيد منحصر به (٢).

أورد عليه بأنّ الملاك المذكور للدلالة على المفهوم لو تمّ لا يختصّ بالقضيّة الشرطيّة بل يعمّ غيرها كالقضايا الوصفيّة ونحوها لأنّ التمسّك بالإطلاق الجاري في ذات الشرط لا يثبت مفهوم الشرط في مقابل مفهوم القيد فلو أثبت المفهوم فهو إنّما يثبته بعنوان مفهوم القيد ببيان أنّ الحكم الثابت لشيء مقيّد بقيد كقولنا أكرم العالم العادل مثلا فالقيد لا يخلو من أن يكون مطلقا في الكلام ولم يذكر المتكلّم عدلا له كالمثال المزبور أو ذكر عدلا له كقولنا أكرم العالم العادل أو الهاشمي فالقضيّة على الأوّل تدلّ على أنّ الحكم الثابت للعالم مقيّد بقيد واحد وهو العدالة وعلى الثاني تدلّ

__________________

(١) الكفاية : ج ١ ص ٣٠٦ مع توضيح ما.

(٢) المحاضرات : ج ٥ ص ٦٨.

٣٦٥

على أنّه مقيّد بأحد القيدين وهما العدالة والهاشميّة وبما أنّ التقييد بأحدهما على البدل يحتاج إلى بيان زائد في الكلام كالعطف بأو أو نحوه كان مقتضى إطلاق القيد وعدم ذكر عدل له انحصاره به أي بما هو مذكور في القضيّة وإلّا لكان على المولى البيان ومن الطبيعيّ أنّه لا فرق بين كون القضيّة شرطيّة أو وصفيّة أو ما شاكلها.

هذا مضافا إلى أنّ مقتضى إطلاق القيد في الكلام وعدم ذكر عدل له وإن كان وحدته تعيينا في مقابل تعدّده أو كونه واحدا لا بعينه إلّا أنّه لا يدلّ على انحصار الحكم به بل غاية ما يدلّ عليه هو أنّ الحكم في القضيّة غير ثابت لطبيعيّ المقيّد على الإطلاق وإنّما هو ثابت لحصّة خاصّة منه ولكنّه لا يدلّ على أنّه ينتفي بانتفاء تلك الحصة فإنّه لازم انحصار الحكم به لا لازم إطلاقه وعدم ذكر عدل له فإنّ لازمه عدم ثبوت الحكم للطبيعي على الإطلاق ولا يدلّ على انتفائه عن حصّة أخرى غير هذه الحصّة.

على أنّ المتكلّم ليس في مقام البيان من هذه الناحية أي من ناحية انحصار الشرط بما هو مذكور فيها بل الظاهر أنّه في مقام بيان مؤثّرية الشرط على نحو الاقتضاء بمعنى عدم قصوره في حدّ ذاته عن التأثير وليس هو في مقام بيان مؤثّريّته الفعليّة وانحصارها بما هو مذكور في القضيّة بلحاظ عدم ذكر عدل له حتّى يتمسّك بإطلاقه لإثبات انحصار المؤثّر الفعلي فيه (١).

ويمكن الجواب عن الإيرادات المذكورة بأنّ منشأها هو الغفلة عمّا ذكره صاحب الفصول وذلك لأنّ حاصل كلامه أنّ دلالة القضيّة الشرطيّة على المفهوم مبتنية على تلفيق أمرين :

أحدهما : الوضع والآخر الإطلاق أمّا الوضع فهو أنّ الأداة وضعت لإفادة

__________________

(١) المحاضرات : ج ٥ ص ٦٨ ـ ٧٠.

٣٦٦

اللزوم والمنصرف عنه في الإنشاءات هو السببيّة لأنّ الجزاء الإنشائي لا يصحّ أن يعتبر الشرط فيه مسبّبا عن الجزاء لعدم استقامة المعنى كما لا معنى لكون الشرط والجزاء معلولين لعلّة أخرى لظهور اللزوم في اللزوم الذي لا يكون بواسطة شيء آخر فإذا لم يكن الجزاء سببا للمقدّم ولا يكون المقدّم والجزاء معلولين لعلّة أخرى انحصر أن يكون الشرط سببا للجزاء فالأداة تدلّ على سببيّة الشرط للجزاء والمراد من السببيّة والعلّية ليس هي السببيّة والعلّية الفلسفيّة إذ المجعولات الشرعيّة لا تقاس بالعلّية والمعلوليّة التكوينيّة لعدم صدور الجزاء من المقدّم وإنّما المراد هو دخالة المقدّم في التالي فإذا انضمّ مدلول الأداة مع جريان مقدّمات الإطلاق في ذات الشرط ينتج أنّ السببيّة ثابتة للشرط بخصوصه لا بضميمة شيء آخر معه ولا مع اقتران بديل له بحيث يكون الشرط أحد الأمرين لا بخصوصه.

ومن المعلوم أنّ محصّل الأمرين أنّ الشرط متعيّنا وبخصوصه سبب للجزاء وهو يساوق إفادة الانحصار فالمنطوق يدلّ بسبب الوضع والإطلاق على انحصار السبب في الشرط المذكور ولازم انحصار السبب فيه هو انتفاء المسبّب بانتفاء السبب.

والفرق بين القضيّة الشرطيّة والوصفيّة في أنّ الشرطيّة تفيد بالوضع والانصراف السببيّة والوصفيّة لا تفيد السببيّة نعم تعليق الحكم على الوصف مشعر بالحيثيّة ولكنّه ليس في حدّ الدلالة وهذا هو السبب في عدم إفادة الوصفيّة للانحصار دون الجملة الشرطيّة فإنّ انضمام الدلالة على السببيّة مع جريان مقدّمات الإطلاق في ذات الشرط ينتج تعيّن الشرط في السببيّة للجزاء دون غيره وليس هو إلّا إفادة الانحصار وعليه فمفهوم الشرط مقابل لمفهوم الوصف ويفيد الحصر بخلاف مفهوم الوصف ؛ ثمّ اعلم أنّه لا حاجة إلى كون المتكلّم في مقام بيان المؤثّر الفعلي حتّى يقال ليس المتكلّم في القضيّة الشرطيّة في مقام البيان من هذه الناحية بل يكفيه كونه في مقام بيان أهليّة التأثير وتعيين ذات السبب مع دلالة القضيّة الشرطيّة على علقة

٣٦٧

السببيّة فإذا اقتصر في شيء خاصّ بعنوان كونه أهلا للسببيّة يفيد ذلك انحصار السبب فيه بل لا يتوقّف ذلك على إحراز كونه في مقام بيان الانحصار حتّى يقال مع إحراز ذلك لا اختصاص لدلالة القضيّة على المفهوم بالقضيّة الشرطيّة إذ يكفي كونه في مقام بيان خصوصيّات ذات السبب بضميمة دلالة القضيّة الشرطيّة على السببيّة في الدلالة على المفهوم نعم لو لم تكن تلك الضميمة لكان الحاجة إلى إحراز كونه في مقام بيان الانحصار وأمّا مع الضميمة يكفي كونه في مقام بيان خصوصيّات السبب ولا إشكال في كونه في مقام البيان من جهة خصوصيّات السبب وكيفيّة مدخليّته وإلّا فلا يجوز التمسّك بإطلاق الشرط في عدم مدخليّة شيء آخر فيه فكما أنّ بالإطلاق يتمسّك لدفع احتمال مدخليّة شيء آخر في تأثير الشرط بالانضمام فكذلك يتمسّك بالإطلاق لدفع احتمال مدخليّة البديل له وهذا لا يرجع إلّا إلى الانحصار.

فتحصّل تماميّة دلالة القضيّة الشرطيّة على المفهوم بتلفيق دلالة الأداة وضعا وانصرافا على سببيّة الشرط للتالي وجريان مقدّمات الإطلاق في خصوصيّات ذات السبب.

هذا بخلاف الجملة الوصفيّة فإنّها لا دلالة لها على العلّيّة وإنّما دلالتها على مطلوبيّة شيء متّصف بوصف والمطلوبيّة في قضيّة الوصفية وإن كانت متعلّقة بشيء مع اتّصافه بكذا وكان الوصف دخالة في المطلوبيّة ولكن لا ينفي المطلوبيّة عن غير مورد الاتّصاف لإمكان تعدّد المطلوب ولذا لا يتقيّد الموضوع في المثبتين إلّا إذا أحرز وحدة السبب كما لا يخفى والقول بأنّ الإطلاق في مقابل التقييد ودخالة شيء آخر في موضوع الحكم وكون شيء آخر موضوعا للحكم أيضا لا يوجب تقييدا في الموضوع بوجه (١).

__________________

(١) مناهج الأصول ج ٢ ص ١٨٤.

٣٦٨

ينافيه ظهور الجملة الشرطيّة وضعا وإطلاقا في أنّها في مقام بيان تعيين السبب للحكم المذكور في الجزاء فإذا اقتصر على شيء بالخصوص ولم يتقيّده بالاقتران أو البدليّة.

انعقد ظهورها الوضعي والإطلاقي في أنّ السبب المذكور متعيّن في الدخالة والسببيّة للجزاء فلا تغفل.

ثمّ لا يخفى عليك أنّ سيّدنا الأستاذ المحقّق الداماد قدس‌سره استدلّ لدلالة الجملة الشرطيّة على المفهوم مضافا إلى ما ذكرناه بالروايات الخاصّة منها ما رواه في الكافي عن عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد عن علي بن الحكم عن داود بن النعمان عن أبي أيوب قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام إنّا نريد أن نتعجّل السير ـ وكانت ليلة النفر حين سألته ـ فأيّ ساعة تنفر فقال لي : أمّا اليوم الثاني فلا تنفر حتّى تزول الشمس وكانت ليلة النفر وأمّا اليوم الثالث فإذا ابيضّت الشمس فانفر على بركة الله فإنّ الله جلّ ثناؤه يقول : (فمن تعجّل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخّر فلا إثم عليه) فلو سكت لم يبق أحد إلّا تعجّل ولكنّه قال : (ومن تأخّر فلا إثم عليه) (١).

وذلك يكفي في إثبات المفهوم للقضية الشرطيّة لأنّ قوله عليه‌السلام : فلو سكت لم يبق أحد إلّا تعجّل يدلّ على أنّ المفهوم من القضيّة الشرطيّة هو أنّ من لم يتعجّل فعليه الإثم وكان ذلك مفهوما عرفيّا بحيث لو سكت الله تعالى ولم يقل ومن تأخّر فلا إثم عليه لم يبق أحد إلّا استفاد من القضيّة الشرطيّة حرمة التأخير وتعجّل لئلّا يبتلي بالحرمة إذ المفهوم مركّب من نقيض الشرط والجزاء وهو من لم يتعجّل فعليه الإثم لأنّ نقيض التعجيل هو عدم التعجيل ونقيض عدم الإثم هو وجود الإثم.

والسند معتبر لأنّ المراد من أبي أيّوب بقرينة نقل داود بن النعمان هو الخزّاز

__________________

(١) الكافي : ج ٤ ص ٥١٩ و ٥٢٠.

٣٦٩

أو منصور بن حازم وكلاهما ثقتان كما أنّ داود بن النعمان وأخوه علي بن النعمان أيضا ثقتان.

ومنها ما رواه أيضا في الكافي عن عدّة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن الحسن بن محبوب عن عبد العزيز العبدي عن عبيد بن زرارة قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام قول الله عزوجل : (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) قال : ما أبيّنها من شهد فليصمه ومن سافر فلا يصمه (١).

والخبر يدلّ على أنّ حكم المسافر مبيّن في الآية مع أنّه لا بيان فيها إلّا من جهة دلالة القضيّة الشرطيّة على الانتفاء عند الانتفاء ولا يكون ذلك من باب التعبّد بل الظاهر من قوله عليه‌السلام «ما أبيّنها» أنّه عليه‌السلام أرجع المخاطب إلى القضيّة والدلالة اللفظيّة ولكنّه ضعيف لضعف عبد العزيز العبدي اللهم إلّا أن يقال : أنّ ضعف السند وإن أوجب عدم جواز الإسناد إلى الإمام وأمّا نقل ذلك عند الرواة وعدم إنكارهم شاهد صدق على أنّ للقضيّة الشرطيّة مفهوما لا ينكره العرف المتكلّم السامع وعليه فالخبر يصلح للتأييد كما لا يخفى.

ومنها ما رواه في تفسير علي بن إبراهيم عن أبيه عن محمّد بن أبي عمير عن جميل عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال له رجل جعلت فداك إنّ الله يقول : (ادعوني استجب لكم) وإنّا ندعوا فلا يستجاب لنا قال : لأنّكم لا توفون الله بعهده وإنّ الله يقول : (أوفوا بعهدي أوف بعهدكم) والله لو وفيتم لله لوفى الله لكم (٢).

حيث دلّت هذه الرواية على أنّ انتفاء وفائه تعالى بانتفاء وفاء الناس بعهدهم مستفاد من قوله تعالى : (أَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ) لأنّه جواب للأمر بتقدير فعل الشرط أي إن وفيتم بعهدي أوف بعهدكم وهذا المفهوم يوجب التقيّد في قوله تعالى :

__________________

(١) الكافي : ج ٤ ص ١٢٦.

(٢) كنز الدقائق : ج ١ ص ٣٩٥.

٣٧٠

(ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) ولذلك قال في تفسير آلاء الرحمن ويؤخذ من الآية قاعدة كلّيّة وهي أنّ من لم يف بعهد الله فيما أخذه من الدين والشريعة فهو بنفسه قد نقض عهد الله معه وخرج عن كونه أهلا لما وعد به من اللطف والرحمة واستجابة الدعاء وعلى ذلك جاءت صحيحة القمّي عن جميل عن أبي عبد الله عليه‌السلام في استجابة الدعاء (١).

واستدلّ في أصول الفقه مضافا إلى ما نقلناه عن الفصول بموثقة أبي بصير المرويّ في التهذيب بإسناده عن الحسين بن سعيد عن عاصم بن حميد عن أبي بصير يعني المرادي قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الشاة تذبح فلا تتحرّك ويهراق منها دم كثير عبيط فقال : لا تأكل إنّ عليّا عليه‌السلام كان يقول إذا ركضت الرجل أو طرفت العين فكل (٢).

وقال : إنّ استدلال الإمام بقول علي عليه‌السلام لا يكون إلّا إذا كان له مفهوم وهو إذا لم تركض الرجل أو لم تطرف العين فلا تأكل (٣).

فتحصّل : أنّ الأظهر هو أنّ القضيّة الشرطيّة تدلّ على المفهوم أعني الانتفاء عند الانتفاء كما ذهب إليه صاحب الحاشية وصاحب الفصول والشيخ وغيرهم (قدّس الله أرواحهم).

ثمّ أنّه ربّما استدلّ المنكرون بوجوه منها قوله تعالى : (لا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً)(٤).

بتقريب أنّ القضيّة الشرطيّة لو كان لها مفهوم لزم منه عدم حرمة الإكراه في

__________________

(١) آلاء الرحمن : ج ١ ص ٨٨.

(٢) الوسائل ، الباب ١٢ من ابواب الذبائح : ج ١٦ ص ٢٦٤ ح ١.

(٣) اصول الفقه : ج ١ ص ١١٤.

(٤) سورة نور ، الآية ٣٣.

٣٧١

صورة عدم إرادة التعفّف وهو ممّا لا يلتزم به ويمكن الجواب عنه بأنّ محلّ الكلام ما إذا أمكن فرض الحكم بدون الشرط لا فيما إذا لم يمكن ذلك ممّا لا يكون له موضوع إلّا بفرض الشرط كالمثال إذ لا يمكن الإكراه إلّا في فرض إرادة التحصّن فالشرط في نحوه محقّق الموضوع وانتفاء الحكم فيه عند انتفاء الموضوع عقلي وهو خارج عن محلّ الكلام قال شيخنا الأستاذ الأراكي قدس‌سره إنّ محلّ الكلام في القضيّة الشرطيّة هو ما إذا كان للقضيّة موضوع ومحمول وشرط وكان الموضوع ثابتا في صورتي وجود الشرط وعدمه ولم يكن لوجود الشرط وعدمه دخل في وجود الموضوع بل كان وجوده محفوظا في كلتا الحالتين ففي قولك إن جاء زيد فأكرمه الموضوع زيد والمحمول وجوب الإكرام والشرط هو المجيء فالقائل بالمفهوم يقول بأنّ الحكم المحمول على زيد في صورة المجيء وجوب الإكرام وفي صورة عدمه عدم وجوبه.

وأمّا إذا كان الشرط محقّقا لوجود الموضوع بحيث لزم من انتفائه انتفاء الموضوع فعدم الحكم حينئذ عند عدمه ليس من باب المفهوم بل لأجل ارتفاع الموضوع.

وقد عرفت أنّ ارتفاع الحكم بارتفاع موضوعه عقلي خارج عن محلّ الكلام.

فلو قال : إن رزقت ولدا فاختنه أو إن ركب الأمير فخذ ركابه فعدم وجوب الختان وأخذ الركاب عند عدم الشرط إنّما هو لأجل انتفاء الموضوع وهو الولد في الأوّل والركاب في الثاني والآية الشريفة من هذا القبيل إذ في صورة عدم إرادتهنّ التحفّظ والتعفّف لا يبقى موضوع للإكراه فعدم حرمة الإكراه حينئذ سالبة بانتفاء الموضوع فيصحّ أن يقال : إنّ الإكراه في هذه الصورة ليس بحرام وتجب الممانعة (١).

ومنها ما نسب إلى السيّد المرتضى قدس‌سره من أنّ تأثير الشرط إنّما هو تعليق

__________________

(١) اصول الفقه : ج ١ ص ٢٥٩ و ٢٦٠.

٣٧٢

الحكم به وليس يمتنع أن يخلفه وينوب منابه شرط آخر يجري مجراه ولا يخرج عن كونه شرطا فإنّ قوله تعالى : (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ) يمنع من قبول الشاهد الواحد حتّى ينضمّ إليه شاهد آخر فانضمام الثاني إلى الأوّل شرط في القبول ثمّ علمنا أنّ ضمّ امرأتين إلى الشاهد الأوّل شرط في القبول ثمّ علمنا أنّ ضمّ اليمين يقوم مقامه أيضا فنيابة بعض الشروط عن بعض أكثر من أن تحصى.

يمكن الجواب عنه أوّلا بما أفاد في الكفاية من أنّه قدس‌سره إن كان بصدد إثبات إمكان نيابة بعض الشروط عن بعض في مقام الثبوت وفي الواقع فهو ممّا لا يكاد ينكر ضرورة أنّ الخصم يدّعي عدم وقوعه في مقام الإثبات ودلالة القضيّة الشرطيّة عليه لا في مقام الثبوت.

وإن كان بصدد إبداء احتمال وقوعه (أي وقوع النائب) فمجرّد الاحتمال لا يضرّ القائل بالمفهوم ما لم يكن ذلك الاحتمال راجحا أو مساويا بحسب القواعد اللفظيّة وليس فيما أفاده السيّد قدس‌سره ما يثبت الرجحان أو التساوي أصلا انتهى (١).

بل مدّعي المفهوم يقول برجحان الدلالة على المفهوم كما قرّرناه مفصّلا.

وثانيا : بأنّ ما استدلّ به السيّد من قوله تعالى : (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ) ليس له مفهوم الشرط بل له مفهوم العدد بالنسبة إلى الشهيدين ومفهوم الوصف بالنسبة إلى الرجال وعليه فهو أجنبي عن المقام كما أفاد أستاذنا المحقّق الداماد قدس‌سره ...

وثالثا : إنّ الاستدلال ببعض الآيات والروايات على عدم المفهوم مع قيام القرينة فيها بحسب الأدلّة الواردة فيها لا ينافي دعوى ظهور القضيّة الشرطيّة لو خلّيت وطبعها في الدلالة على انحصار سبب الجزاء في الشرط المذكور في تلو أداة

__________________

(١) الكفاية : ج ١ ص ٣٠٨.

٣٧٣

الشرط فلا تغفل.

بقي التنبيه على امور

أحدها : إنّ المختار في مفاد المفهوم المصطلح أنّه الانتفاء عند الانتفاء والمراد من الانتفاء الثاني هو انتفاء سنخ الحكم المعلّق على الشرط عند انتفاء الشرط وانتفاء سنخ الحكم انتفاء طبيعة الحكم المعلّق على الشرط في القضيّة الشرطيّة الطبيعة لا تنتفي إلّا بعدم جميع الأفراد ولا يدلّ القضيّة الشرطيّة على انتفاء الطبيعة عند انتفاء الشرط إلّا إذا كان الشرط علّة منحصرة لها وبالجملة فإذا وجدت العلّة المنحصرة تحقّقت الطبيعة ببعض الأفراد وإذا انتفت العلّة المنحصرة انتفت الطبيعة بجميع الأفراد وعليه فانتفاء الطبيعة مساوق لانتفاء سنخ الحكم وهذا متفرّع على أنّ المعلّق على الشرط في المنطوق هو الطبيعة لا الحكم الكلّيّ ولا شخص الحكم بما هو وجود شخص ولا صرف الحكم وتفصيل ذلك : إن المعلّق على المجيء في القضيّة الشرطيّة نحو إن جاءك زيد فأكرمه ليس هو الوجوب الكلّيّ بحيث لا يشذّ عنها فرد منها لأنّ لازمه حينئذ هو انتفاء سنخ الحكم عقلا هذا مضافا إلى أنّه لا فرق بين مثل أكرم في القضيّة الشرطيّة وبين أكرم في مثل أكرم زيدا فكما أنّ أكرم زيدا ليس بكلّيّ كذلك في القضيّة الشرطيّة.

على أنّ النزاع بين الأصحاب في القضيّة الشرطيّة ليس في إفادة منطوقها إنشاء سنخ الحكم أو شخصه بل في إفادة العلّيّة المنحصرة وعدمها.

وأيضا ليس المعلّق في القضيّة الشرطيّة هو صرف وجوب الطبيعة بمعنى الطبيعة الناقض للعدم الكلّيّ بحيث إذا تحقّق صرف الوجوب نقض العدم الكلّيّ وإذا انتفى علّة صرف الوجوب بقي العدم المطلّق حتّى يصدق انتفاء سنخ الحكم لأنّ الوجود نقيض العدم وكلّ وجود بديل عدم نفسه لا العدم المطلق فانتفائه انتفاء نفسه

٣٧٤

لا انتفاء سنخ الوجوب وبالجملة انتفاء ناقص العدم لا يوجب بقاء العدم المطلق على حاله بل عدم ما هو بديل له فليس تعليق الوجوب بهذا المعنى أيضا مقتضيا لانتفاء سنخ الحكم.

فالتحقيق كما أفاد المحقّق الاصفهاني قدس‌سره أنّ المعلّق على العلّة المنحصرة في المنطوق هو طبيعة وجوب الإكرام المنشئ في شخص هذه القضيّة لكنّه لا بما هو متشخّص بلوازمه فإنّ انتفائه بانتفاء موضوعه أو شخص علّته وإن لم يكن منحصرة عقلي لا يحتاج إلى إفادة انحصار علّته بأداة أو غيرها بل بما هو وجوب فإذا كانت علّة الوجوب بما هو وجوب منحصرة في المجيء مثلا استحال أن يكون للوجوب فرد آخر بعلّة أخرى.

فيدلّ على أنّ الوجوب لو كان له فرد كانت علّته المجيء لأنّه علّة منحصرة وإلّا لزم الخلف (١).

ولعلّ إليه يؤول ما في الكفاية من أنّ المفهوم إنّما هو انتفاء سنخ الحكم وعليه فلا حاجة في إثبات المفهوم إلى إثبات إنشاء سنخ الحكم في المنطوق بل يكفي تعليق طبيعة الحكم مع إفادة أداة الشرط ومقدّمات الإطلاق انحصار العلّة.

ثمّ الدليل على تعليق طبيعة الحكم في الجزاء في الجملة الشرطيّة بناء على كون معاني الهيئات كالمعاني الحرفيّة جزئيّة كما هو الحقّ هو ما أشار إليه المحقّق الاصفهاني قدس‌سره في كلامه من أنّ المعلّق على العلّة المنحصرة نفس وجوب الإكرام المنشئ في شخص هذه القضيّة لكنّه لا بما هو متشخّص بلوازمه فإنّ انتفائه بانتفاء موضوعه أو شخص علّته وإن لم يكن منحصرة عقلي لا يحتاج إلى إفادة انحصار علّته بأداة أو غيرها بل بما هو وجوب فإذا كانت علّة الوجوب بما هو وجوب منحصرة في

__________________

(١) راجع نهاية الدراية : ج ٢ ص ١٦٥.

٣٧٥

المجيء مثلا استحال أن يكون للوجوب فرد آخر بعلّة أخرى (١).

والقول بأنّه يصحّ مع تسليم الحكم العقليّ بانتفاء الحكم عقلا لانتفاء موضوعه أن ينازع في أنّ اللفظ أيضا يدلّ على هذا الانتفاء أم لا منظور فيه إذ لا داعي لذلك عرفا مع الحكم العقلي فتدبّر.

وإليه يؤول ما في مناهج الوصول من أنّ الهيئة وإن كانت جزئيّة لكن تناسب الحكم والموضوع يوجب إلغاء الخصوصيّة وجعل الشرط علّة منحصرة لنفس الوجوب وطبيعيه فبانتفائه ينتفي طبيعيّ الوجوب (٢).

ولعلّ هو مراد الشيخ الأعظم قدس‌سره ممّا حكى عنه في الوجوب الإنشائيّ من أنّ ارتفاع مطلق الوجوب فيه من فوائد العلّيّة (المنحصرة) المستفادة من الجملة الشرطيّة حيث كان ارتفاع شخص الوجوب ليس مستندا إلى ارتفاع العلّة المأخوذة فيها فإنّه يرتفع ولو لم يوجد في حيال أداة الشرط كما في اللقب والوصف (٣).

وأمّا بناء على عدم كون المعاني الحرفيّة وأشباهها جزئيّة بل كونها كلّية كما ذهب إليه في الكفاية فالمعلّق في القضيّة الشرطيّة هو نفس الوجوب والخصوصيّات الناشئة من قبل الاستعمال من خصوصيّات معناها المستعملة فيه.

وممّا ذكر يظهر أنّه إذا كان مفاد الجزاء هو الإخبار عن الحكم الكلّي بداعي الإنشاء فلا كلام فيه من جهة أنّ الانتفاء عند الانتفاء من جهة المفهوم كقول القائل إذا جاء زيد يكون إكرامه واجبا مما عبّر عنه بنحو القضيّة الخبريّة فإنّ المستعمل فيه في الخبريّة ليس بجزئيّ بل هو كلّي ولا يضرّه أنّ المتكلّم في مقام الإنشاء إذ الجملة مستعملة في الخبريّة بداعي الإنشاء وعليه فهذه الجملة تدلّ على ثبوت الجزاء عند

__________________

(١) نهاية الدراية : ج ٢ ص ١٦٥.

(٢) مناهج الوصول : ج ٢ ص ١٨٩.

(٣) الكفاية : ج ١ ص ٣١١ ـ ٣١٢.

٣٧٦

ثبوت المجيء وانتفائه عند انتفائه ومن المعلوم أنّ انتفاء الطبيعة الكلّيّة من جهة دلالة القضيّة على انحصار العلّة لا الدلالة العقليّة.

وإنّما الكلام في مثل الوقوف والنذور والعهود والوصايا والأيمان من جهة أنّ انتفاء الأحكام فيها عن غير ما هو المتعلّق لها من الأشخاص هل يكون بدلالة العقل أو المفهوم.

ربّما يقال : ليس بدلالة الشرط أو الوصف أو الدلالة بل لدلالة العقل مثلا إذا قال الواقف وقفت مالي كذا لأولادي إن كانوا عدولا أو لأولادي العالمين فانتفاء الوقف مع سلب العدالة ليس للمفهوم بل لأنّ شخص الوقف ينتفي بانتفاء متعلّقه ولو بقيده أو شرطه عقلا ولا احتمال لجعل آخر لأنّ الشيء إذا صار وقفا على أحد أو أوصى به أو نذر له إلى غير ذلك لا يقبل أن يصير وقفا على غيره أو وصية أو نذرا له كما في الكفاية.

ولكنّ لقائل أن يقول إن كان المجعول شخصيّا كان الأمر كذلك وأمّا إذا احتمل أنّ المجعول ذا مراتب بحسب أغراض الواقف كما إذا احتمل أنّ الواقف أراد أن يكون الشيء وقفا في المرتبة الأولى للعدول من أولاده وفي المرتبة الثانية لنفس أولاده وفي المرتبة الثالثة لغيرهم فالمجعول بقرينة إفادة الجملة الشرطيّة للعلّيّة المنحصرة يكون طبيعة الوقف ومقتضى تعليق الطبيعة على العلّة المنحصرة وهو عدالة أولاده هو انتفاء الطبيعة بانتفاء عدالتهم وعليه فلو طلب غير العدول بعد فقدان العدول شيئا من الوقف أو الوصيّة فلم يؤت شيئا للمفهوم المستفاد من القضيّة الشرطيّة فلا وجه لخروج أمثالها عن المفاهيم ولا دلالة للعقل في نظائر ذلك على الانتفاء لعدم كون الكلام حينئذ في شخص الحكم بل في طبيعة الحكم.

نعم التمسّك بهذه الموارد لإثبات المفهوم للقضيّة الشرطيّة في جميع الموارد لا يخلو عن النظر لأنّ المتكلّم في هذه المقامات يكون في مقام تحديد موضوع وقفه أو

٣٧٧

وصيّته وهو قرينة خاصّة فلا يقاس سائر المقامات بها مع عدم قيام قرينة خاصّة فيها فتدبّر جيّدا.

ثانيها : إنّ محلّ الكلام في القضايا الشرطيّة هو ما إذا كان الموضوع ثابتا في صورتي وجود الشرط وعدمه كقوله إن جاء زيد فأكرمه فإنّ الموضوع زيد والمحمول وجوب الإكرام والشرط هو المجيء والموضوع ثابت في صورة وجود المجيء وعدمه فيتمكّن القائل بالمفهوم من أن يقول القضيّة الشرطيّة تدلّ على وجوب الإكرام عند ثبوت المجيء وعدم وجوب إكرامه عند عدم ثبوت المجيء.

وأمّا إذا لم يكن الموضوع محقّقا إلّا بالشرط فهو خارج عن محلّ الكلام لأنّ انتفاء الحكم في هذه الصورة بانتفاء الموضوع عقليّ ولا مفهوم للقضيّة إذ لم يبق الموضوع عند انتفاء الشرط حتّى تدلّ القضيّة الشرطيّة على انتفاء الحكم فيه كقوله إن رزقت ولدا فأختنه فعدم وجوب الختان عند عدم الولد إنّما هو لأجل انتفاء الموضوع وهو الولد وهو عقلي لا لأجل المفهوم وبالجملة يعتبر في المفهوم حفظ الموضوع في طرف المفهوم ففي مثل إن جاء زيد يجب إكرامه يكون الموضوع وهو زيد محفوظا فالقضيّة تدلّ بناء على دلالتها على المفهوم على عدم وجوب إكرام زيد عند انتفاء الشرط وهو المجيء هذا بخلاف إن رزقت ولدا فأختنه فإنّها قضيّة شرطيّة محقّقة الموضوع فلا مفهوم لها ويكون انتفاء الختان فيها عند انتفاء الولد من جهة انتفاء الموضوع لا من جهة دلالة القضيّة لما عرفت من عدم بقاء الموضوع.

ثالثها : إنّ دائرة المفهوم تتّسع بتعدّد القيود والشروط في القضيّة الشرطيّة لأنّ انتفاء كلّ قيد يكفي في انتفاء الجزاء فإذا قال السيّد إن جاء زيد فأكرمه كان مفهومه إن لم يجيء فلا يجب إكرامه وإذا قال إن جاء زيد وسلّم عليك وأتى بهدية فأكرمه كان مقتضاه انتفاء وجوب الإكرام بانتفاء المجيء أو بانتفاء السلام أو بانتفاء الإتيان بالهديّة وهكذا فكلّ قيد وشرط يوجب توسعة في ناحية المفهوم كما أنّه يوجب ضيقا

٣٧٨

في ناحية المنطوق إذ دائرة وجوب الإكرام مع التقيّد بالشرطين أضيق ممّا يقيد بشرط واحد.

هذا كلّه إذا جمع بين القيود وأمّا إذا ذكرت على سبيل البدليّة كما تقول إن جاء زيد أو سلّم عليك أو أهدى إليك فأكرمه فدائرة المنطوق والمفهوم كليهما تسع بمقدار إضافة القيود.

رابعها : كما أفاد شيخنا الأستاذ الأراكي قدس‌سره تبعا لما أفاده شيخه الأستاذ أنّه لا إشكال في لزوم الاتّفاق والتطابق بين المفهوم والمنطوق في جميع القيود في الجملة ويمحض الاختلاف في السلب والإيجاب فالمفهوم من قولك :

«إن جاء زيد يوم الجمعة فأكرمه يوم السبت» ، أنّه «إن لم يجئك يوم الجمعة لا يجب إكرامه يوم السبت».

وإنّما الإشكال في بعض القيود مثل العموم المأخوذ في الجزاء فإنّه إذا كان على وجه العموم المجموعي فلا إشكال في التطابق بمعنى مأخوذيّته في طرف المفهوم أيضا على وجه المجموعي دون الاستغراقي.

فإذا قيل : إن جاءك زيد فيجب إكرام مجموع العلماء بحيث كان المطلوب إكرام المجموع كان المفهوم انتفاء إكرام المجموع الغير المنافيّ مع وجوب إكرام البعض.

وأمّا لو أخذ على وجه الاستغراق كما لو قيل أكرم كلّ عالم على وجه كان المطلوب إكرام كلّ واحد واحد بالاستقلال فحينئذ قد وقع الخلاف بين أستادي الفنّ الشيخ محمد تقي والشيخ مرتضى (قدس‌سرهما) في المفهوم مع أنّهما من القائلين بالمفهوم.

فقال الأوّل : المفهوم رفع الإيجاب الكلّيّ الملائم مع الإيجاب الجزئيّ فالمفهوم في المثال أنّه على تقدير عدم المجيء لا يثبت هذا الحكم الكلّيّ وهو وجوب إكرام كلّ عالم ولا ينافي ذلك مع ثبوت وجوب إكرام البعض (لأنّ رفع الحكم الكلّيّ يساعد مع

٣٧٩

الحكم الجزئيّ).

وقال الثاني : بل المفهوم هو السلب الكلّيّ إذ كما أنّ الاستغراق ثابت في نفس القضيّة الجزائيّة كذلك يثبت الاستغراق في ارتباطها بالشرط فكلّ حكم من الأحكام الجزئيّة صار مرتبطا بالشرط فكأنّه قيل :

إن صار كذا فأكرم هذا وإن صار كذا فأكرم ذاك وهكذا إلى آخر الأفراد ولا شك أنّ لازم القول بالمفهوم على هذا ارتفاع الحكم عن جميع الأفراد على سبيل الاستغراق عند عدم الشرط هذا ثمّ رجّح شيخنا الأستاذ القول الأوّل بناء على المفهوم حيث قال : ولا يخفى أنّ ملاحظة الأمثلة العرفيّة والتفاهم العرفي في أمثال تلك القضايا يشهد بكون المفهوم جزئيّا وأنّ الحقّ مع الشيخ محمّد تقي قدس‌سره.

فباعتبار نفس القضيّة وحمل الحكم على الموضوع يلاحظ الآحاد مستقلّا ولا يلاحظ العموم إلّا مرآة لها وعند ملاحظة التقييد بالشرط يلاحظ العموم مستقلّا ولا ينافي هذا مع الكبرى المتقدّمة أعني لزوم التطابق في غير النفي والإثبات فيما بين المفهوم والمنطوق فإنّ الكلّ في طرف المنطوق لوحظ بما هو عموم وشيء وحدانيّ منحلّ إلى أشياء لا أن يكون الملحوظ هي المنحلّات والمتكثّرات وإن كانت هي ملحوظة في نفس القضيّة الجزائيّة والحكم المذكور فيها فهذا المعنى الوحدانيّ محفوظ في كلا الجانبين فيقع تلو الإيجاب في المنطوق وتلو النفي في المفهوم غاية الأمر أنّ رفع الإيجاب الكلّيّ ليس إلّا سلبا جزئيّا وكذلك رفع السلب الكلّيّ ليس إلّا الإيجاب كذلك ، فتدبّر. ثمّ قال شيخنا الأستاذ قد نقل الأستاذ دام ظلّه استظهار ذلك من سيّدنا الأستاذ الميرزا الشيرازيّ عند بحثه قدس‌سره عن ماء الغسالة انتهى (١).

ولا يذهب عليك أنّ ملاحظة المتكثّرات والمنحلّات بعنوان واحد وشيء

__________________

(١) حاشية الدرر المطبوعة جديدا مع الدرر : ص ٣١٤ ـ ٣١٦.

٣٨٠