عمدة الأصول - ج ٣

السيّد محسن الخرّازي

عمدة الأصول - ج ٣

المؤلف:

السيّد محسن الخرّازي


المحقق: السيّد علي رضا الجعفري
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسه در راه حق
المطبعة: كيميا
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥١

شرعا تكليف بالمحال لعدم القدرة على الجمع بينهما ، ولا فرق في ذلك بين أن يكون متعلّق الأحكام هو الأفراد أو الطبيعة الشاملة للفرد المتّحد مع المنهي عنه.

اجيب عنه بأنّ التكليف ليس متعلّقا إلّا بنفس وجود الطبيعة المقدور عليه من حيث نفسه وله أفراد مقدورة في الخارج بحيث ينطبق عليها لأنّ مفروض الكلام فيما إذا كانت المندوحة ، فإذا كان وجود الطبيعة مقدورا صحّ تعلّق الخطاب بصرف وجود الطبيعة ولا منافاة بين التكليف بصرف وجود الطبيعة والتكليف بعدم وجود الغصب مطلقا لإمكان الإتيان بصرف وجود الطبيعة في غير الدار ، نعم لو لم يكن هناك مندوحة فوجود الطبيعة بما هو غير مقدور حيث لا يمكن تطبيقه في الخارج على أمر مقدور.

وعليه فلا يلزم من اجتماع الأمر والنهي تكليف بمحال عند وجود المندوحة لإمكان الامتثال بترك الصلاة في الدار والإتيان بها في غيرها.

والتكليف بالمحال إنّما يلزم بالأفراد أو الطبيعة السارية والفانية في الأفراد وأمّا إذا تعلّق بصرف الوجود وكان مقتضى الصرافة واللابشرطيّة رفض القيود لا الجمع بين القيود لم يلزم تعلّق التكليف بالمحال (١).

أورد عليه سيّدنا الاستاد المحقّق قدس‌سره بأنّ الحكم لو كان حيثيّا فلا مانع من الاجتماع كاجتماع (الغنم حلال) مع (المغصوب حرام) وأمّا إذا كان الحكم فعليّا بحيث يستلزم النظر إلى تمام جهاته حتّى خصوصيّاته الفرديّة ولو بالإطلاق الذاتيّ فلا مجال لاجتماعهما لعدم إمكان البعث نحو فعل يزجر عنه إذ لا يتمكّن المكلّف من امتثاله ، ولا فرق فيه بين أن يبعث نحوه متعيّنا كما إذا لم تكن مندوحة ومفرّ وبين أن يبعث نحوه تخييرا كما إذا كانت المندوحة إذ تكليف الأشخاص بإتيان شيء متعيّنا أو تخييرا مع

__________________

(١) راجع نهاية الدراية : ج ٢ ص ١٠٤ الاصول على النهج الحديث : ص ١١٢.

٢٢١

النهي عن الشيء المذكور متعيّنا تكليف بالمحال فاللازم هو أن يكون التكليف متعلّقا بالأهم إذا لم تكن مندوحة أو بغير مورد التصادق إذا كانت المندوحة.

يمكن أن يقال أنّ المحال فيما إذا كان النظر إلى الفرد مع ملاحظة خصوصيّاته الفرديّة ومنها عنوان المغصوبيّة فإنّه يرجع إلى التكليف بإتيانه وعدمه وهما متناقضان مضافا إلى عدم القدرة عليه وأمّا إذا كان النظر إلى مصداق عنوان الصلاة من دون النظر إلى سائر العناوين فالمطلوب هو مصداق الصلاة وهو مغاير مع المنهيّ وهو الغصب ومع المغايرة لا يلزم المناقضة ولا التكليف بغير المقدور عند وجود المندوحة لأنّ المكلّف مع توجّه التكليف إليه بترك الغصب مطلقا وبإتيان صرف وجود الصلاة بالإطلاق الذاتيّ الشامل للصلاة في الدار المغصوبة ، يقدر على امتثال التكليفين بترك الغصب والإتيان بالصلاة في غير الدار.

نعم يلزم التكليف بغير المقدور فيما إذا لم تكن مندوحة وهو أجنبيّ عن محلّ الكلام فتحصّل أنّ التكليف مع الإطلاق الذاتيّ أيضا لا يستلزم تكليفا محالا لأنّ متعلّق الأمر مغاير مع متعلّق النهي كما لا يلزم منه التكليف بالمحال لقدرة المكلّف على الامتثال بالجمع بين الغرضين بترك الغصب وإتيان المأمور به في خارج الدار.

لا يقال إنّ التكليف بإتيان شيء تخييرا كما هو المفروض عند المندوحة مع الزجر عنه تعيّنا تكليف محال إذ لا يجتمع الزجر عن الشيء مع التكليف بإتيانه.

لأنّا نقول متعلّق الزجر مغاير مع متعلّق المأمور به إذ متعلّق الزجر هو الغصب ومتعلّق التكليف هو مصداق الصلاة وهما متغايران في محلّ تعلّق التكليف وهو الذهن وإن اتّحدا في الخارج فلا تغفل.

وأمّا المحذور الثاني وهو نقض الغرض فتقريبه إمّا بأن يكون البعث نقضا للزجر من جهة تضادّه معه وفيه ما عرفت من أنّ المناقضة مع تعدّد المعنون ، والحيثيّات لا مورد لها وإن سلّمنا التضادّ بين الأحكام الفعليّة.

٢٢٢

وإمّا بأن يكون البعث نقضا للزجر من حيث الامتثال وأنّه سدّ لباب امتثال الزجر وفيه ما عرفت أيضا من أنّ المكلّف يقدر على الامتثال في مفروض الكلام وهو وجود المندوحة بإتيان المأمور به في غير مورد التصادق وترك مورد التصادق جمعا بين الغرضين.

وإمّا المحذور الثالث وهو التقرّب بالمبعّد ففيه ما لا يخفى لأنّ التقرّب بحيثيّة مقرّبة لا بالحيثيّة المبعّدة وإن اتّحدا في الخارج في الوجود ولا مجال لدعوى لزوم التقرّب بالمبعّد مع تعدّد الحيثيّات والمعنونات ولا منافاة ـ كما في نهاية الدراية ـ بين أن يكون الواحد مسقطا للأمر حيث إنّه مطابق لما تعلّق به ومسقطا للنهي بالعصيان حيث إنّه خلاف ما تعلّق به ونقيضه وكذا ترتّب الثواب عليه من حيث إنّه موجب لسقوط الأمر بإتيان ما يطابق متعلّقه المحصّل للغرض منه فإنّه لا ينافي ترتّب العقاب عليه من حيث إنّه موجب لسقوط النهي بإتيان ما يناقض متعلّقه المنافي لغرضه منه.

بل هكذا حال القرب والبعد الناشئين من التخلّق بالأخلاق الفاضلة أو الرذيلة فإنّه بواسطة التخلّق بالخلق الفاضل له التشبّه بالمبدإ الكامل فهو قريب منه من هذا الوجه وإن كان بواسطة التخلّق بخلق رذيل بعيد منه من ذلك الوجه (١).

فإذا عرفت المقدّمات المذكورة ظهر لك أنّه لا محذور ولا مانع من اجتماع الأمر والنهي في الواحد المنطبق عليه العنوانان لأنّ الواحد المذكور معنون بعنوانين في موطن تعلّق الأحكام وهو الذهن فيكون متعلّق الأمر مغايرا مع متعلّق النهي وعليه فلا يلزم من التكليف بهما تكليف محال لتعدّد متعلّقهما كما لا يلزم من ذلك تكليف بمحال مع وجود المندوحة لإمكان امتثال الأمر في غير مورد التصادق ومع أماكن الامتثال بإتيان المأمور به في غير مورد التصادق وترك المنهي عنه بترك جميع أفرادها فالغرض من الأمر والنهي حاصل فلا وجه لدعوى لزوم نقض الغرض فتحصّل أنّ مقتضى عدم وجود المانع والمحذور هو صحّة القول بجواز اجتماعهما.

__________________

(١) نهاية الدراية : ج ٢ ص ١٠٦.

٢٢٣

وذلك واضح ولا يحتاج إلى إقامة دليل آخر كما لا يخفى.

ولكن مع ذلك ذهب بعض إلى الاستدلال بامور :

من جملتها : أنّه لو لم يجز اجتماع الأمر والنهي لما وقع نظيره وقد وقع كما في العبادات المكروهة كالصلاة الواجبة في الحمّام حيث اجتمع فيها الوجوب مع الكراهة أو كصلاة النافلة المبتدأة عند غروب الشمس أو طلوعها حيث اجتمع فيها الاستحباب مع الكراهة.

ومن الواضح أنّ وقوع شيء في الخارج أدلّ دليل على إمكانه وجوازه ، بيان الملازمة أنّه لو لم يكن تعدّد الجهة مجديا في إمكان اجتماعهما لما جاز اجتماع حكمين آخرين في مورد مع تعدّد الجهة لعدم اختصاص الوجوب والحرمة من بين الأحكام بالتضادّ إذ جميع الأحكام بأسرها متضادّة ، والتالي باطل لوقوع اجتماع الوجوب مع الكراهة أو الاستحباب معها أو اجتماع الوجوب مع الإباحة أو الاستحباب مع الإباحة أو اجتماع الاستحباب مع الاستحباب.

اورد عليه في نهاية الاصول بأنّ المحقّق إنّما هو صحّة العبادات المكروهة وأمّا كونها متعلّقة للأمر والنهي معا فغير مصرّح به في كلام الأصحاب ، فلعلّ صحّتها من جهة واجديّتها للملاك وعدم مانعيّة النهي التنزيهيّ عن مقرّبيّتها من دون أن تكون بالفعل مأمورا بها.

وبالجملة يمكن أن تكون متعلّقة للنهي فقط وتكون صحّتها من جهة الملاك لا الأمر والنهي التنزيهيّ غير مانع عن صحّتها لعدم كونه موجبا للبعد عن ساحة المولى (١).

وعليه فالاستدلال بهذا الدليل لجواز اجتماع الأمر والنهي في غير محلّه.

__________________

(١) نهاية الاصول : ج ١ ص ٢٦٧.

٢٢٤

الخلاصة :

الفصل الثاني في جواز اجتماع الأمر والنهي وعدمه في شيء

واحد ممّا ينطبق عليه العناوين كعنوان الصلاة وعنوان الغصب

ولا بدّ هنا من تقديم جهات :

الجهة الاولى : في تحرير محلّ النزاع ولا يخفى عليك أنّ المراد من الواحد المذكور في عنوان المسألة ليس هو الواحد الشخصيّ في قبال الكلّي وإلّا لزم خروج الواحد الجنسيّ المعنون بعنوانين كلّيّين كالحركة الكلّية المعنونة بعنوان الصلاتية والغصبية المنتزعة من الحركات الخارجيّة عن محلّ النزاع مع أنّه لا موجب لإخراجه وليس المراد منه أيضا هو الواحد الجنسيّ أو النوعيّ والّا لزم دخول السجود الكلّي الذي له نوعان بتقييده بكونه لله أو للصنم مثلا مع أنّه خارج قطعا إذ لا نزاع فيه كما لا يخفى.

وليس المراد أيضا الأعمّ من الشخصي والجنسيّ أو النوعي وإلّا لزم الخروج والدخول المذكورين كما عرفت.

بل المراد من الواحد هو الواحد في الهوية والوجود ممّا يصحّ أن ينطبق عليه عنوان المأمور به والمنهىّ عنه كما في العناوين المتخالفة كعنوان الغصب والصلاة من دون فرق بين أن يكون الواحد المذكور شخصيّا أو كلّيّا فالواحد المذكور في قبال المتعدّد من حيث الهوية والوجود ممّا ينطبق عليه العناوين المتقابلة كعنوان السجود لله وعنوان السجود للصنم.

فمحلّ النزاع هو الواحد المنطبق عليه العناوين المتخالفة لا المتعدّد المنطبق عليه العناوين المتقابلة ولا يختصّ الواحد المذكور بالكلّي بل يشمل الجزئي وإن كان الجزئي

٢٢٥

خارجا عن محل البحث لأنّ شأن الاصولي هو أن يبحث عن الكلّي فتدبّر.

الجهة الثانية : أنّ النزاع في المسألة صغروي لا كبروي لأنّ البحث يقع في أنّ الواحد العرفي المعنون بعنوانين هل يكون واحدا حقيقيّا حتّى يمتنع اجتماع الأمر والنهي فيه لضرورة استحالة اجتماعهما في الواحد الحقيقيّ أو لا يكون واحدا حقيقيّا لتعدد الجهات فيه بل يكون متعدّدا في الحقيقة فيجوز اجتماع الأمر والنهي فيه باعتبار تعددها وعليه فالبحث عن كون الواحد العرفي واحدا حقيقيا أو متعدّدا بحيث صغروي لأنّ البحث يرجع إلى أنّ الواحد العرفي هل يكون من مصاديق الواحد الحقيقي أو لا يكون.

ويشهد لذلك بداهة كبرى استحالة اجتماع الامر والنهي في شيء واحد لاستحالة كون شيء واحد محبوبا ومبغوضا للمولى معا على جميع المذاهب والآراء فلا مجال للنزاع فيها بين الاعلام كما لا يخفى.

وتحرير موضوع المسألة بجواز اجتماع الأمر والنهي أو امتناعه في شيء واحد لا يوجب أن يكون البحث كبرويّا لأنّ الباعث على عقد المسألة كذلك هو أنّ تعدّد الوجه والعنوان في متعلّق الأمر والنهي هل يقتضي تعدّد المعنون والمتعلق أو لا يقتضي وهذا الباعث ليس واسطة لثبوت المحمول لموضوعه من دون مدخليّة له في ذلك بل يكون من الجهات التقييدية للموضوع وعليه فمع تقيّد موضوع المسألة وهو جواز الاجتماع وعدمه بوحدة الموضوع أو تعدّده يكون البحث صغرويّا فلا تغفل.

الجهة الثالثة : أنّ الفرق بين هذه المسألة ومسألة أنّ النهي في العبادات هل يقتضي الفساد أو لا واضح لاختلاف الموضوع والمحمول أو كليهما إذ تمايز مسائل العلوم بهذه الاختلافات والموضوع في المقام هو الواحد العرفيّ المعنون بعنوانين ومحموله أنه واحد حقيقي أو متعدّد والموضوع في تلك المسألة هو النهي ومحموله هو أنّه يقتضي الفساد أولا والبحث في المقام بحث صغروي كما عرفت بخلاف البحث في

٢٢٦

تلك المسألة فإنّه بحث عن وجود الملازمة بين النهي والفساد كما لا يخفى.

الجهة الرابعة : أنّه يكفي لكون المسألة مسألة اصوليّة وقوع نتيجتها بأحد طرفيها في طريق الاستنباط وتعيين الوظيفة الفقهيّة من دون حاجة إلى وساطة شيء آخر ولا يضرّ في ذلك عدم وقوع المسألة بطرفها الآخر في طريق الاستنباط كذلك كما أنّ الأمر كذلك في كثير من المسائل كمسألة حجّيّة خبر الواحد ومسألة حجّيّة الظواهر فإنّهما تقعان في طريق الاستنباط على القول بحجّيّتهما لا على القول بعدمها كما لا يخفى مع أنّه لا شبهة في كونهما من المسائل الأصوليّة.

وعليه فمسألة جواز الاجتماع وعدمه مسألة اصوليّة لوقوع نتيجتها بأحد طرفيها وهو الجواز في طريق الاستنباط من دون حاجة إلى وساطة شيء آخر حيث يقال هذا المورد من موارد تعلّق الأمر والنهي بواحد وحيث قلنا بجواز اجتماع الأمر والنهي في الواحد أمكن القول بصحّة العبادة المتوقفة على قصد الأمر لوجود الأمر في المورد ولا حاجة إلى واسطة شيء آخر في ترتّب النتيجة الفقهيّة ولا يضرّ في ذلك عدم ترتب فساد العبادة كذلك على القول بالامتناع إذ اللّازم على القول بالامتناع هو إدراج المورد تحت تعارض دليلي الوجوب والحرمة حتّى يجري عليه أحكامه ليستنبط من ذلك الحكم الفرعي فيحتاج الاستنباط إلى واسطة شيء آخر كما لا يخفى لكفاية ترتّب النتيجة الفقهيّة على أحد طرفي المسألة من دون واسطة شيء آخر.

وعليه فلا وجه لجعل المسألة في المقام من المبادي التصديقيّة من جهة عدم ترتّب نتيجة فقهيّة عليها من دون واسطة شيء آخر على القول بالامتناع.

الجهة الخامسة : أنّ مسألة جواز اجتماع الأمر والنهي وعدمه عقليّة لأنّ الحاكم بالجواز أو الامتناع هو العقل وليس البحث في هذه المسألة عن حدود مدلول اللّفظ حتّى يكون من المباحث اللّفظيّة ولا فرق في ذلك بين أن يكون الموضوع هو اجتماع الأمر والنهي أو اجتماع الارادة والكراهة الواقعيتين لأنّ البحث عن إمكان

٢٢٧

الاجتماع وعدمه في الصورتين لا عن تعيين مدلول اللّفظ كما لا يخفى.

الجهة السادسة : أنّ ملاك النزاع في جواز الاجتماع والامتناع التضادّ وهو لا يختصّ بنوع خاصّ من أنواع الايجاب والتحريم كالنفسيين التعينين العينيين بل التضادّ موجود بين الغيريين والتخييرين والكفائيين وعليه فيجري النزاع في جواز اجتماعهما وعدمه فيها أيضا.

فكما يقع البحث عن جواز اجتماع مثل وجوب الصلاة مع حرمة الغصب في الشيء الواحد المعنون بعنوان الصلاة والغصب وعدمه فكذلك يقع البحث عن جواز اجتماع الوجوب الغيري مع الحرمة الغيرية في شيء واحد يكون معنون بعنوان مقدّميّة الواجب ومقدّميّة الحرام وعدمه أو عن جواز اجتماع الأمر التخييريّ مع النهي التخييري في الشيء الواحد وعدمه أو عن جواز اجتماع الوجوب الكفائيّ مع التحريم الكفائيّ في فعل واحد وعدمه.

وقد استثنى من ذلك بعض الأعلام الواجب والحرام التخييرين بدعوى أنّهما لا يجتمعان في شيء واحد لأنّ مرد الحرمة التخييرية إلى حرمة الجمع باعتبار قيام مفسدة ملزمة بالمجموع لا الجامع بينهما ومرد الوجوب التخييري إلى ايجاب الجامع لا إيجاب كلّ منهما بخصوصه ومع تغاير المتعلّق لا تضادّ ولا منافاة.

ويمكن أن يقال أنّ إيجاب الجامع في الوجوب التخييري ممنوع لتعلّق الوجوب والحرمة التخييرين بنفس الامور لا بالجامع الانتزاعي وعليه فينافي وجوب كلّ واحد تخييرا مع النهي عنه تخييرا.

الجهة السابعة : في اعتبار قيد المندوحة أي تمكّن المكلّف من امتثال الأمر في مورد آخر غير مورد الاجتماع.

الظاهر من كلماتهم كجعل ثمرة جواز الاجتماع أن يكون المكلّف مثابا ومعاقبا ومأمورا به ومنهيّا عنه هو تقيّد محلّ النزاع بوجود المندوحة وإلّا فمع عدم المندوحة

٢٢٨

عند الامتثال لا معنى للثمرة المذكورة لاستحالة فعليّة التكليفين مع عدم التمكّن من امتثالهما ومع عدم فعليتهما لا مجال للثمرة المذكورة ولا مورد للنزاع للاتّفاق على الامتناع كما لا يخفى ودعوى أنّ عدم المندوحة يمنع عن الأمر لعدم القدرة على الامتثال لا الرجحان الذاتي الصالح للتقرّب به وعليه فكما أنّ تعدّد الجهة يكفي من جهة رفع التضادّ فكذلك يكفي من حيث ترتّب الثمرة وهي صحة الصلاة إذا أتى بها بقصد الرجحان الذاتي فإذا أمكن ترتّب الثمرة صحّ اتصاف المكلّف بإصابة الثواب والعقاب ولا ينافي ذلك مع الاتّفاق على امتناع اجتماع الأمر والنهي.

مندفعة بأنّ ذلك لا يساعد عنوان البحث من جهة جواز اجتماع الأمر والنهي إذ مع عدم وجود المندوحة لا أمر لعدم القدرة على الامتثال نعم لو كان عنوان البحث هو صحّة العبادة مع تعدّد الجهة وعدمها ، ثمّ ما ذكر فتدبّر.

وعليه فبعد ما عرفت من اعتبار قيد المندوحة يقع النزاع بعد وجود الأمر والنهي المتعلقين بعنوانين وتمكّن المكلّف من امتثالهما بإتيان المأمور به في غير مورد الاجتماع في أنّه هل يجوز اجتماع الأمر والنهي في مصداق واحد وهل يصحّ امتثال الأمر باتيان المنهيّ بسوء الاختيار أو لا يجوز ولا يصحّ.

الجهة الثامنة : أنّه لا يختصّ النزاع في مسألة جواز الاجتماع وعدمه بما إذا تعلّقت الأحكام بالطبائع الكلّية بل يجري فيما إذا تعلّقت بالطبائع الجزئية أيضا لمغايرة الطبيعة الجزئية مع الطبيعة الجزئية الاخرى كمغايرة الطبيعة الكلّية مع الطبيعة الكلّية الاخرى.

فالمصداق الخارجي عند تداخل الطبيعتين الجزئيتين في الوجود الخارجي وإن كان وجودا واحدا ولكنّ الذهن يفكّك بينهما لتفكيكه في مصداق الطبيعتين الكلّيتين.

فكما أنّ تعدّد العناوين في الطبائع الكلّية أمكن أن يكون سببا للقول بالجواز فكذلك تعدّدها في الطبائع الجزئية أمكن أن يكون سببا لذلك حرفا بحرف فالنزاع في

٢٢٩

الجواز والامتناع مثلا أنّ الحركة الخاصّة في الدّار المغصوبة قد تلحظ بعنوان هذا الغصب مع قطع النظر من حيث كونها صلاة أيضا وقد تلحظ بعنوان هذه الصلاة مع قطع النظر عن جهة كونها غصبا أيضا ولا شكّ في أنّ هذين اللحاظين متغايران في الذهن ولا ينافيان مع وحدة مصداقهما في الخارج وعليه فلا يختصّ النزاع في المسألة بصورة تعلّق الأحكام بالطبائع بل يعمّ صورة تعلّق الأحكام بالأفراد إذ المراد من الأفراد ليس الأفراد الخارجية لأنّ الخارج ظرف السقوط لا الثبوت بل المراد منها هي الطبائع الجزئية الشخصيّة وهذه الطبائع قابلة للملاحظة في الذهن ويتعلّق الأحكام بها كالطبائع الكليّة وربما يتداخلان في الوجود الخارجي كما قد يتداخل الطبائع الكليّة في الوجود الخارجي ومع التداخل في الوجود يقع فيهما النزاع في جواز اجتماع الأمر والنهي وامتناعه فمن ذهب إلى الجواز نظر إلى موطن تعلّق الحكم فإنّ المتعلّق في الذهن متعدّد ومن ذهب إلى الامتناع نظر إلى تداخلهما في الوجود الخارجي وعليه فلا وجه لتخصيص النزاع بصورة تعلّق الأحكام بالطبائع الكلّية فتدبّر جيّدا.

الجهة التاسعة : أنّ محلّ الكلام عند الإماميّة في اجتماع الأمر والنهي هو ما إذا كانا واجدين للمناط فيبحث حينئذ عن جواز اجتماع الحكمين وامتناعه مع كون كلّ واحد منهما ذا ملاك ففي صورة الامتناع يرجع إلى مرجّحات باب المزاحمة دون صورة الجواز لعدم التزاحم بينهما على القول بجواز الاجتماع كما لا يخفى هذا بخلاف مورد التعارض والعلم بكذب أحدهما فإنّ مرجعه الى العلم بعدم وجود المناط في أحد الطرفين وهو يخرج عن مورد التزاحم بل يرجع فيه إلى مقتضى القاعدة في باب التعارض بناء على شمول الأخبار العلاجية للعامّين من وجه وإلّا فيرجع إلى مقتضى الأصل وهو التساقط والرجوع إلى العموم أو الأصل في المسألة.

ثمّ إنّ مقتضى التحقيق على القول بالامتناع في مسألة اجتماع الأمر والنهي هو

٢٣٠

التفصيل بين صورة المندوحة وعدمها ففي الاولى يتقيّد ذو المندوحة بحكم العقل بغير مورد التصادق ويرجّح عليه ما لا مندوحة فيه لأنّه مقتضى الجمع في الفرضين بحكم العقل ولا وجه لرفع اليد من أحد الغرضين من دون موجب وفي صورة عدم المندوحة وعدم امكان الجمع بين الغرضين يرجع إلى مرجحات باب المزاحمة والأخذ بأقوى المناطين.

وعليه فما في الكفاية من إطلاق الحكم بالرجوع إلى مرجّحات باب المزاحمة وترجيح أقوى المناطين غير صحيح بإطلاقه لما عرفت من أنّ في صورة المندوحة مقتضى الجمع بين الغرضين مهما أمكن هو ترجيح غير ذي المندوحة وإن كان ذو أقوى أو دليله أظهر هذا مضافا إلى أنّ الترجيح بالأظهريّة من مرجّحات باب التعارض لا التزاحم والمقام من باب التزاحم.

إذ المفروض هو وجود الملاكين في الطرفين كما هو واضح.

ثمّ إنّ تمييز مورد التزاحم عن مورد التعارض يحصل بالعلم أو العلميّ بوجود الملاك في الطرفين فيكون من باب التزاحم أو بوجود الملاك في أحدهما فيكون من باب التعارض.

ويمكن استكشاف وجوده في الطرفين من ناحية إطلاق الدليل في كلّ طرف ما لم يعلم إجمالا بكذب أحد الطرفين فإنّ كلّ دليل يدلّ بالدلالة المطابقيّة على ثبوت مضمونه من الوجوب والحرمة ومعنى ذلك هو ثبوت المقتضي والشرط وعدم المانع من تأثير المقتضي وعدم وجود المزاحم بحسب الوجود لمضمونه المطابقي فإذا قدّم أحد الدليلين على الآخر من جهة قوّته لا يدلّ هذا الدليل المقدّم إلّا على عدم تماميّة العلّة من حيث فقد شرط التأثير وأمّا عدم وجود المقتضى فلا دلالة له ليكون حجّة في قبال الحجّة الأخرى الدالّة على وجود المقتضى في الطرف الآخر ومع إحراز وجود المقتضي وبقائه في صورة الاجتماع يندرج المتعارضان بنحو العموم من وجه في باب

٢٣١

المتزاحمين فيما إذا لم يعلم بكذب أحدهما.

ويترتّب عليهما ما يترتّب على المتزاحمين وقد عرفت عدم التزاحم على القول بالجواز واختصاص التزاحم بصورة الامتناع وترجيح غير ذي المندوحة على ذيها وتقييد ذي المندوحة بغير مورد التصادق والأخذ بالأقوى منهما مناطا مع عدم وجود المندوحة فتدبّر جيّدا.

الجهة العاشرة : في ثمرة بحث جواز الاجتماع وامتناعه ولا يخفى عليك أنّ جماعة من الأصحاب فصّلوا بين الجواز والامتناع أو بين صورة العلم والجهل في صحّة العبادة وعدمها ولكنّ التحقيق عدم صحّة التفصيلات المذكورة وذلك لأنّ على القول بالجواز يتحقّق الامتثال ولسقط الأمر باتيان المجمع ولو في العبادات وإن كان معصية للنهي أيضا عند وجود المندوحة والعلم بالغصب.

ولا كلام فيه في صورة الجهل بالموضوع أو الحكم قصورا لتعدّد الملاك ووجود الأمر على الطبيعة حيث أنّ تقييد المأمور به بحكم العقل بغير مورد التصادق من جهة أنّ المنهي عنه طبيعة مرسلة والمامور به صرف الوجود لا ينافي وجود الملاك في الطرفين إذ التقييد العقلي لا يوجب تقييد الملاك.

وإنّما الكلام في صحّة العمل مع العلم بالموضوع والحكم ووجود المندوحة فانّه ربّما يفصّل في الصحّة وعدمها بين ما إذا كان التركيب بين الخصوصيّة العباديّة والخصوصيّة المحرّمة اتّحاديا فلا تصحّ العبادة لعينيّة حركة العباديّة مع الخصوصيّة المحرّمة ومع العينيّة لا تصلح حركة العباديّة للمقربيّة إذ هي بعينها مبعّدة والمبعّد لا يكاد يكون مقرّبا.

وبين ما إذا كان التركيب بينهما انضماميّا فتصحّ العبادة فإنّ حركة العباديّة حينئذ مغايرة مع الخصوصيّة المحرّمة فلا مانع مع المغايرة من أن تكون حركة العباديّة مقرّبة.

والتحقيق أنّ الاتّحاد الخارجي لا يوجب البطلان بعد كون الوجود الخارجي

٢٣٢

مصداقا لكلّ واحد من الخصوصيّة العباديّة والخصوصيّة المحرّمة إذ الوجود الخارجي المذكور مقرّب بما هو مصداق للخصوصيّة العباديّة ومبعّد بما هو مصداق للخصوصيّة المحرّمة وليس المقرّب بما هو المبعّد مقرّبا حتّى لا يمكن ذلك غايته هو تقارن المقرّب مع المبعّد ولا ضير فيه.

وعليه فالتفصيل المذكور على القول بالجواز لا وجه له بل يمكن القول بالصحّة سواء كان التركيب الخارجي اتّحاديّا أو انضماميّا لأنّه باتيانه أطاع وعصى ولا دليل على اشتراط عدم اتّحاد العبادة مع المحرّم في صحّة العبادة كما لا يخفى نعم العقل يحكم بلزوم إتيان المأمور به في غير مورد التصادق عند وجود المندوحة جمعا بين الغرضين ولكنّ إذا عصى المكلّف وأتى بمورد التصادق فالأقرب هو الصحّة سواء كان التركيب اتّحاديّا أو انضماميّا.

ودعوى إنّ الغرض من التكليف حيث أنّه كان جعل الدّاعي للمكلّف نحو الفعل فمقتضاه هو كون متعلّقه مقدورا ضرورة استحالة جعل الدّاعي نحو الممتنع عقلا وشرعا ونتيجة ذلك هي أنّ متعلّق التكليف حصّة خاصّة من الطبيعة وهي الحصّة المقدورة عقلا وشرعا وعليه فلا يمكن تصحيح العبادة في مورد الاجتماع على القول بالجواز لعدم انطباق الطبيعة المأمور بها عليها مندفعة بأنّ مجرّد كون الغرض من التكليف هو جعل الدّاعي لا يوجب تقييد المتعلّق بالحصّة الخاصة شرعا لأنّ غايته هو الاستدلال العقلي على لزوم كون المتعلّق مقدورا هذا مضافا إلى أنّ اعتبار القدرة شرعا على فرض التسليم لا يقتضي إلّا كون المتعلّق مقدورا في الجملة ولو باعتبار القدرة على بعض أفراده ضرورة كفاية ذلك في البعث نحو المتعلق على نحو ضرب القانون.

لا يقال أنّ ملاك الأمر إنّما يصلح للتقرّب به فيما إذا لم يكن مزاحما بالقبح الفاعلي وإلّا فلا يكون صالحا للتقرّب فإنّ صحّة العبادة كما هي مشروطة بالحسن

٢٣٣

الفعلي بمعنى أن يكون الفعل في نفسه محبوبا وحسنا فكذلك هي مشروطة بالحسن الفاعلي والمفروض فيما نحن فيه أنّه ليس كذلك ضرورة أنّ المكلّف بايجاد الصلاة في الأرض المغصوبة أوجد أمرين أحدهما الصلاة والآخر الغصب لا أنّه أوجد الصلاة فحسب وعليه فلا محالة يكون موجدهما مرتكبا للقبح في إيجاده ومعه يستحيل أن يكون الفعل الصادر منه مقرّبا.

لأنّا نقول أنّ الموجد إذا أوجد المجمع أوجد أمرين أحدهما الصلاة والآخر الغصب فكما أنّ الصلاة غير الغصب في الوجود الوحداني فكذلك الموجد للصلاة مغاير مع الموجد للغصب وارتكاب القبح لا يكون إلّا باعتبار إيجاده الغصب لا باعتبار إيجاده الصلاة.

ومجرّد ملازمة إيجاد ذاك لهذا لا يوجب سراية القبح من هذا إلى ذاك فالفاعل باعتبار إيجاده للصلاة حسن فمع وجود الحسن الفعلي والفاعلي فلم لا تكون العبادة صحيحة هذا كلّه بناء على القول بالجواز.

وأمّا على القول بالامتناع وسراية الحكم من العنوان إلى معنونه في مورد التصادق يستحيل اجتماع الأمر والنهي في المعنون ولا بدّ من ترجيح أحدهما على الآخر.

فإن رجّح جانب الأمر كما إذا لم تكن مندوحة فلا اشكال في صحّة العبادة لوجود الملاك والأمر.

فإن قدّم جانب النهي كما إذا كانت المندوحة فتقديم النهي ليس بمعنى أنّ ملاكه أقوى من ملاك الأمر بل من جهة أنّ المنهيّ عنه طبيعة مرسلة ولا بدل لها بخلاف المأمور به فإنّ المطلوب فيه الوجود أو صرف الوجود فيتزاحمان كتزاحم الواجب الموسّع في الواجب المضيّق فكما أنّ الموسّع يتقيّد بزمان غير المضيّق فكذلك المأمور به يتقيّد بغير مورد التصادق وحيث أنّ التقييد المذكور عقلي لا شرعي فالمأمور به في

٢٣٤

مورد التصادق وإن كان أمره ساقطا ولكنه ذو ملاك لأنّ كلّ مورد يحكم العقل بالتقييد لا يوجب سلب الملاك عنه ولذا لو ارتفعت المزاحمة أو التعذّر كان كما لا مزاحم له من أوّل الأمر.

ولا فرق في ذلك بين صورة جهل المكلّف بحكم الغصب أو موضوعه وبين العلم بهما وعليه أمكن القول بصحّة عبادة من توسّط في الأرض المغصوبة ولو مع العلم والعمد إذ عبادته في الدّار المغصوبة عين صلاته في خارجها من جهة وجدان الملاك ومن جهة كونه مختارا في إيجادها.

ودعوى أنّ العالم العامد لا يتمشّى منه قصد القربة لاتّحاد العبادة مع الغصب والغصب مبعّد والمبعّد لا يكون مقرّبا.

مندفعة بمنع عدم التمشّى بعد مشاهدة تمشّى ذلك من العوام الّذين يعلمون الحرمة ومع ذلك يقصدون القربة والوقوع أدلّ شيء على الإمكان.

والسّرّ فيه أنّ الماتي به مصداق للعبادة والغصب كليهما والآتي به يقصد القربة من جهة الإتيان بالعبادة.

لا نقول على الامتناع بجواز الإتيان بالعبادة تكليفا في مورد التصادق لحرمة الاتيان بها في محلّ مغصوب ولكن لو عصى وأتى بالعبادة في مورد التصادق لا يوجب ارتكاب الحرام بطلان العبادة إذ لا يجب في صحّة العبادة إلّا أن يؤتى بها لله والمفروض أنّه حاصل ولا دليل على اشتراط عدم اتّحادها مع المحرّم في صحتها.

وما ذكره الفقهاء رضوان الله تعالى عليهم في باب اشتراط اباحة المكان أو اباحة اللباس للمصلّي مبنيّ على القواعد لضعف الأدلّة السمعية المذكورة هناك وقد عرفت أنّ مقتضى القواعد ليس كذلك.

ويشهد لما ذكرناه حكمهم بصحّة الصلاة في الدّار المغصوبة حال الخروج عند تضيّق الوقت سواء توسّط الدار بسوء الاختيار أو بدونه مع أنّ الاتّحاد لو كان موجب

٢٣٥

لسلب الملاك فلا مجال للحكم بالصحّة في هذا الفرض لكون الخروج غصب والصلاة متّحدة معه والتصرّف في الدار المغصوبة ولو بالخروج مبغوض إذا دخل بسوء الاختيار وإن سقط عنه النهي فعلا.

فكما أنّ مبغوضيّة الخروج ومبعّديته في حال تضيّق الوقت لا ينافي صحّة صلاته وتمشّى منه قصد القربة فكذلك في غير حال تضيّق الوقت ويشهد أيضا لما ذكرناه حكم الأصحاب بوجوب الصلاة على من توسّط في الدّار المغصوبة مع العلم والعمد ولم يتمكّن من الخروج منها مع أنّ مكثه فيها مبغوض لكونه داخلا فيها بسوء الاختيار ومتّحد مع الصلاة.

فوجود الملاك يكفي في الحكم بالصحّة أيضا على القول بالامتناع وتقديم جانب النهي ودعوى أنّه لا طريق لنا إلى إثبات وجود الملاك فإنّه كما يمكن أن يكون سقوط الحكم عنه من ناحية المانع فكذلك يمكن أن يكون من ناحية عدم المقتضي والملاك ولا ترجيح مندفعة بأنّ الأمر المتعلّق بالطبيعة يكشف عن وجود الملاك والمحرز من المزاحمة هو رفع الأمر لا رفع الملاك ولا وجه على رفع الملاك بعد ثبوته باطلاق الخطاب إذ المفروض أنّ التقييد عقلي لا شرعي.

نعم لو ذهب الامتناعي إلى عدم وجود ملاك الأمر في ناحية العبادة عند وجود المندوحة أمكن له القول بالبطلان مع العلم بموضوع الغصب وحرمته بل لازم عدم وجود الملاك عند وجود المندوحة هو القول بالبطلان في صورة الجهل أيضا لفقدان الملاك وهو لا يناسب التفصيل المنسوب إلى المشهور بين صورة العلم وبين صورة الجهل القصوريّ.

وبالجملة فمقتضى ما ذكرناه هو القول بصحّة العبادة على كلّ تقدير سواء قلنا بجواز اجتماع الأمر والنهي أو لم نقل وسواء علم بالغصب موضوعا وحكما أو لم يعلم والتفصيلات المذكورة في الكفاية من جهة الحكم الوضعي بين الاضطرار بسوء

٢٣٦

الاختيار وبدونه أو بين العلم والجهل والنسيان محلّ نظر لما ذكرناه ودعوى الإجماع على البطلان في صورة العلم مندفعة أوّلا بمنع الاجماع وثانيا بأنّه غير كاشف مع احتمال كون مدركهم هو القواعد والوجوه المذكورة.

والاستدلال ببعض الروايات مع ضعفها وعدم ثبوت بخيار ضعفها بعمل الأصحاب لا يكفي لاثبات البطلان في بعض الصور فالتفصيلات المذكورة في المقام بعنوان الثمرة في غير محلّها.

بيان المختار ومقدّماته :

إذا عرفت الجهات العشرة فالمختار هو جواز الاجتماع وبيان ذلك يحتاج إلى تمهيد مقدّمات.

أوّلها : أنّ متعلّق الأوامر والنواهي هي العناوين لا الوجود الخارجي وإلّا لزم تحصيل الحاصل عند البعث إليه أو المناقضة عند الزجر عنه.

وحيث أنّ العناوين متعدّدة لا يجتمع الأمر والنهي في واحد ولا فرق في ذلك بين أن يكون بين الأحكام مضادّة أولا ، لأنّ الأحكام ولو كانت متضادّة لا مانع من تعلّقها بالعناوين المتعدّدة وإنّما المحذور فيما إذا تعلّقت بالواحد الحقيقيّ والمفروض أنّها متعلّقة بالعناوين المتعدّدة لا بالواحد فالبحث عن تضادّ الأحكام وعدمه غير لازم.

ثانيها : أنّ كلّ عنوان يحكي عن معنونه إذا كان له واقعية في نفس الأمر ومقتضى ذلك هو تعدّد المعنون بتعدّد العنوان ولا يضرّ الوجود الوحدانيّ بتعدّد المعنون بعد كونه مصداقا للعناوين المتعدّدة والذهن يقدر على تفكيك ما هو في الخارج ولو كان متّحدا مع غيره وبعد التفكيك يكون متعلّق كلّ حكم مغايرا مع متعلّق الآخر ومقتضى المغايرة بين المتعلّقين هو جواز اجتماع الأمر والنهي.

فالتفصيل بين التركيب الانضماميّ والاتّحاديّ في الواحد الخارجي والقول

٢٣٧

بالامتناع على الثاني والجواز على الأول أجنبي عن المقام لما عرفت من أنّ موطن تعلّق الأحكام هو الذهن لا الخارج والمفروض أنّ الذهن يقدر على تفكيك العناوين الصادقة على الواحد الخارجي وإن كان التركيب اتّحاديّا لا انضماميّا.

ثالثها : أنّ المحذور من اجتماع الأمر والنهي إن كان هو وحدة المتعلق فلا مورد له بعد ما عرفت من أنّ موطن تعلق الأحكام هو الذهن ومتعلّق الأمر فيه مغاير لمتعلّق النهي فلا وحدة في المتعلّق ومع عدم الوحدة لا يكون التكليف تكليفا محالا وإن كان المحذور هو التكليف بالمحال أو لزوم نقض الغرض أو التقرّب بالمبعّد فالجواب عن الأوّل بأنّه يلزم لو كان التكليف متعلّقا بجميع الأفراد أو الطبيعة السارية والفانية في الأفراد بخلاف ما إذا كان التكليف متعلّقا بصرف الوجود والمفروض أنّ المندوحة موجودة إذ لا منافاة بين التكليف بصرف وجود الطبيعة والتكليف بعدم وجود المنهي عنه مطلقا لإمكان الإتيان بصرف الوجود في غير مورد المنهي فامتثال الأمر والنهي مقدور بإتيان صرف الوجود في غير مورد النهي.

والجواب عن الثّاني وهو نقض الغرض بأنّه لا مورد له لأنّ المكلّف يقدر على الامتثال في مفروض الكلام وهو وجود المندوحة بإتيان المأمور به في غير مورد التصادق وترك مورد التصادق حتّى يجمع بين الغرضين والجواب عن الثالث بأنّ التقرب ليس بحيثيّة مبعّدة بل بحيثيّة مقرّبة وإن اتّحدا في الخارج في الوجود لما عرفت من تعدّد الحيثيّات والمعنونات.

فإذا عرفت المقدّمات المذكورة انقدح أنّه لا محذور ولا مانع من اجتماع الأمر والنهي في الواحد الّذي انطبق عليه العنوانان يكون بأحد العنوانين مأمورا به وبالآخر منهيّا عنه لأنّ موطن تعلّق الأحكام هو الذهن ومتعلّق الأمر فيه مغاير مع متعلّق النهي ولا يلزم من التكليف بهما تكليف محال لتعدّد متعلّقهما كما لا يلزم من ذلك التكليف بمحال مع إمكان امتثال الأمر في غير مورد التصادق إذ المفروض وجود

٢٣٨

المندوحة والأمر متعلّق بصرف الوجود وعليه فلا مجال لدعوى نقض الغرض من تعلّق الأمر والنهي بالواحد المذكور لأنّ الغرض في الطرفين حاصل إذ غرض الأمر متحقّق بالاتيان به ولو في غير مورد التصادق والغرض من النهي هو ترك الطبيعة بترك جميع أفرادها وهو حاصل إذا اكتفى في امتثال الأمر بغير مورد التصادق.

فتحصّل أنّ المختار هو جواز الاجتماع فيما إذا كانت المندوحة موجودة ولا مانع من صحّة العمل لإمكان التقرّب بالحيثيّة المقرّبة وإن عصى وأتى بمورد التصادق لأنّ الواحد المذكور مصداق للحيثيتين كما لا يخفى.

٢٣٩

تصوير اجتماع الأمر والنهي في العبادات المكروهة

ولا إشكال على القول بجواز اجتماع الأمر والنهي ، في تصوّر العبادات المكروهة أمّا إذا كانت النسبة بين العبادة والعنوان المكروه عموما من وجه كالصلاة المندوبة أو الواجبة مع الكون في مواضع التهمة فلتعدّد العنوان وعدم سراية الحكم من أحدهما إلى الآخر فالصلاة مستحبّة أو واجبة ولو في مواضع التهمة بإطلاق الدليل كما أنّ الكون في مواضع التهمة مكروه ولو للعبادة واجبة كانت أو مستحبّة ، ولا منافاة بينهما بعد تعدّد الجهة والعنوان واشتمال الكراهة على الترخيص في الفعل كما لا يخفى.

نعم بناء على الامتناع وترجيح جانب الأمر فلا مجال للنهي المولويّ مع فعليّة الأمر لعدم تعدّد الجهة بناء على الامتناع فانحصر النهي في الإرشاديّ إلى غيرها من سائر الأفراد ممّا لا يكون متّحدا معه.

هذا كلّه بناء على كون النسبة بين العبادة والعنوان المكروه عموما من وجه.

وأمّا إذا كانت النسبة بين العبادة والعنوان المكروه هي الأعمّ والأخصّ المطلق فإن أخذ مفهوم الأعمّ في الأخصّ كقولهم (صلّ ولا تصلّ في الحمّام) ففي جريان جواز الاجتماع إشكال لأنّ المطلق عين ما أخذ في المقيّد ومع العينيّة لا يعقل تعلّق الحكمين المختلفين بالطبيعة الواحدة حتّى في الذهن وعليه فيجري فيه حكم الامتناع من حمل النهي على الإرشاد إلى سائر الأفراد بعد عدم إمكان تعلّق النهي مع الأمر بالطبيعة الواحدة أو تخصيص النهي بالمشخّصات الخارجة عن الطبيعة الواحدة كإيقاع الصلاة

٢٤٠