عمدة الأصول - ج ٣

السيّد محسن الخرّازي

عمدة الأصول - ج ٣

المؤلف:

السيّد محسن الخرّازي


المحقق: السيّد علي رضا الجعفري
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسه در راه حق
المطبعة: كيميا
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥١

ومنها إطلاق أداة الشرط بدعوى أنّ مقتضى جريان مقدّمات الإطلاق في أداة الشرط أنّ المراد من الترتّب المستفاد من أداة الشرط هو الترتّب بنحو العليّة المنحصرة لأنّه الذي لا يحتاج الى مئونة زائدة على بيان نفس الترتّب بقول مطلق إذ قيده عدمي لأنّ المترتّب العلّي المنحصر هو الترتب على الشرط لا غير بخلاف الترتّب غير المنحصر فإنّه الترتّب على الشرط وعلى الغير ومن المعلوم أنّ الترتّب غير المنحصر يحتاج إلى المئونة الزائدة فكما أنّ في إثبات نفسيّة الوجوب يتمسّك بالإطلاق ويقال أنّ خصوصيّة الوجوب النفسي خصوصيّة عدميّة لأنّه الوجوب لا للغير بخلاف الوجوب الغيري فإنّه الوجوب للغير فكذلك يتمسّك بالإطلاق في الترتّب العلّي المنحصر بعد ما عرفت من أنّه هو الترتّب المطلق ولا يحتاج إلى المئونة الزائدة.

يمكن أن يقال قياس المقام بالوجوب النفسي قياس مع الفارق لأنّ الوجوب النفسي يغاير الوجوب الغيري بخلاف الترتّب في المقام فإنّ سنخ الترتّب في العلّيّة المنحصرة لا يغاير الترتّب في غير المنحصرة إذ الانحصار وعدمه ليسا من شئون العلّيّة بل هما من شئون العلّة.

وليس مدلول الأداة هو التعليق والتوقيف حتى يقال أنّه ملازم للانحصار ويغاير مع ما لم يكن للانحصار وعليه فالترتّب بنحو الانحصار وبنحو غير الانحصار مصداقان للترتّب وإرادة كلّ واحد منهما يحتاج إلى القرينة ولا يكفى ليتعيّن أحدهما الأخذ بالإطلاق ، فتأمّل.

ومنها إطلاق الشرط بدعوى أنّ إطلاق الشرط من دون قيد لو لا شرط آخر يقتضي أن يكون الشرط مؤثّرا بالفعل وحده وبخصوصه من دون تقييده بعدم شيء آخر في السابق أو المقارن وهذا المعنى هو العلّة المنحصرة.

يمكن أن يقال لا إنكار في الدلالة على المفهوم مع كون المتكلّم في مقام بيان

٤٤١

المؤثّر الفعلي بنحو المذكور ولكنّه نادر جدّا ، بل القدر المسلّم في القضيّة الشرطيّة هو كون المتكلّم في مقام إفادة العليّة وصلاحيّة الشيء للتأثير من دون دخل شيء آخر وجودا أو عدما في العليّة الشأنيّة هذا مضافا إلى أنّ الجزاء إذا كان قابلا للتكرار لا يدلّ الفعليّة المذكورة على الانحصار بل مقتضى فعليّة كل شرط هو تأثير كل شرط في فرد من الجزاء ولا ينافي الفعليّة في التأثير مع تعدّد الشرط وعليه فلا ينتج الإطلاق المذكور انحصار الشرط والعلّة.

ومنها أنّ تلفيق الوضع في أداة الشرط مع الإطلاق في الشرط يكفي في إفادة المفهوم كما ذهب إليه في الفصول وحاصل كلامه أنّ دلالة أداة الشرط على إناطة الجزاء بالشرط وترتّبه عليه وضعيّة ولذا يكون استعمالها فيما لا إناطة فيه مجازا هذا بخلاف دلالته على تعيين الشرط المذكور في تلو الأداة فإنّها مقتضى جريان مقدّمات الإطلاق في الشرط بعد عدم ذكر كلمة «أو شيء آخر» ولذا إذا ظهر تعدّد الشرط لا يلزم منه أن يكون الاستعمال مجازا بل غايته هو المخالفة مع الظهور الإطلاقي فيحمل على أنّ الشرط أحد الأمرين جمعا بين الأدلّة.

والدليل على كون الأداة موضوعة للترتّب واللزوم هو تبادر العلقة بين الشرط والجزاء بحيث تقتضي عدم انفكاك الجزاء عن الشرط.

وأمّا انّ الشرط سبب للجزاء أو مسبّب عنه أو مشارك له في العلّة فلا مجال للثاني في الجزاء الانشائي إذ لا سببيّة للجزاء الإنشائي بالنسبة إلى الشرط كما لا مجال للثالث إذ الظاهر من الشرط والجزاء هو دخالة الشرط في الجزاء لا كونهما معلولين لعلّة ثالثة فلا يحمل عليه من دون قرينة فبقى الأوّل وهو أن يكون بينهما ترتّب وسببيّة وأمّا أنّ هذه السببيّة هل تكون منحصرة أو لا فلا دلالة للأداة عليها بحسب الوضع.

نعم يمكن أن يتمسّك لها بإطلاق الشرط فإنّ إطلاق الشرط من دون ضميمة «أو شيء آخر» ظاهر في تعيين المذكور وعدم دخالة شيء آخر في ترتّب الجزاء عليه

٤٤٢

وليس المراد من الإطلاق هو إطلاق الجزاء وإثبات أنّ ترتّبه على الشرط إنّما يكون على نحو ترتّب المعلول على علّته المنحصرة حتّى يرد عليه بأنّ ترتّب المعلول على علّته المنحصرة ليس مغايرا في السنخ مع ترتّب غير المنحصرة بل هو في كليهما على نحو واحد فإذن لا مجال للتمسّك بالإطلاق لإثبات الترتّب على العلّة المنحصرة بل المراد هو إطلاق الشرط من دون ضميمة شيء آخر معه.

وهذا الإطلاق مع انضمام مفاد الأداة يدلّ على تعليق خصوص الجزاء على خصوص الشرط بحيث إذا حصل الشرط ثبت الجزاء وإذا انتفى الشرط انتفى الجزاء.

فالقضيّة الشرطيّة بعد كون المتكلّم في مقام البيان تدلّ على الثبوت عند الثبوت والانتفاء عند الانتفاء وبالجملة فكما أنّه لو شكّ في مدخليّة شيء آخر في شرطية المذكور يدفع بالإطلاق فكذلك لو شكّ في وجود البديل للمذكور يدفع بالإطلاق وهذا لا يعتبر إلّا الانحصار كما لا يخفى.

ويشهد على أنّ الجملة الشرطيّة دلّت على المفهوم عدّة من الروايات منها صحيحة أبي أيّوب قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام إنّا نريد أن نتعجّل السير وكانت ليلة النفر حين سألته فأيّ ساعة ننفر؟ فقال لي أمّا اليوم الثاني فلا تنفر حتى تزول الشمس وكانت ليلة النفر وأمّا اليوم الثالث فإذا ابيضّت الشمس فانفر على بركة الله فإنّ الله جلّ ثناؤه يقول فمن تعجّل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخّر فلا إثم عليه فلو سكت لم يبق أحد إلّا تعجّل ولكنّه قال ومن تأخّر فلا إثم عليه (١).

وهذه الرواية ونحوها تكفي لإثبات المفهوم للقضيّة الشرطيّة بما هي هي من دون ضمّ قرينة إليها لأنّ قوله عليه‌السلام فلو سكت لم يبق أحد إلّا تعجّل يدلّ على أنّ المفهوم من القضيّة الشرطيّة هو أنّ من لم يتعجّل فعليه الإثم وكان ذلك مفهوما عرفيّا

__________________

(١) الكافي : ٤ ص ٥١٩ و ٥٢٠.

٤٤٣

بحيث لو سكت الله تعالى ولم يقل ومن تأخّر فلا إثم عليه لم يبق أحد إلّا استفاد من القضيّة الشرطيّة حرمة التأخير وتعجّل لئلّا يبتلي بالحرمة.

فالأظهر كما أفاد صاحب الفصول وذهب اليه صاحب الحاشية والشيخ الأعظم وغيرهم من الأعلام هو أنّ القضيّة الشرطيّة تدلّ على المفهوم أعنى الانتفاء عند الانتفاء.

بقي التنبيه على أمور :

أحدها : أنّ المنتفي في المفهوم هو سنخ الحكم المعلّق على الشرط عند انتفاء الشرط وانتفاء سنخ الحكم هو انتفاء طبيعة الحكم وانتفاء الطبيعة ليس إلّا بانتفاء جميع الأفراد ولا تدلّ القضيّة الشرطيّة على انتفاء الطبيعة عند انتفاء الشرط إلّا إذا كان الشرط في القضيّة الشرطيّة علّة منحصرة لوجود الطبيعة فالحكم المعلّق في القضيّة الشرطيّة هو الطبيعة وهذه الطبيعة تحقّقت ببعض الأفراد عند وجود الشرط وتنتفي بجميع الأفراد عند انتفاء الشرط.

وليس الحكم المعلّق في القضيّة الشرطيّة هو شخص الحكم فإنّه خارج عن محلّ الكلام إذ انتفاء شخص الحكم بانتفاء موضوعه أو علّته عقلي ولا يحتاج إلى إقامة دليل على انحصار علّته بأداة أو غيرها.

وليس الحكم المعلّق فيها هو الحكم الكلّي بحيث لا يشذّ عنها فرد منها لعدم الفرق بين أكرم زيدا في القضيّة الشرطيّة وبين أكرم زيدا في غيرها فكما أنّ أكرم زيدا ليس في الثاني كلّيا فكذلك في القضيّة الشرطيّة وليس الحكم المعلّق في القضيّة الشرطيّة هو صرف وجوب الطبيعة الذي هو ناقض للعدم الكلّي بحيث إذا تحقّق صرف الوجوب نقض العدم الكلّي وإذا انتفى شرط صرف الوجوب بقي العدم المطلق لأنّ الوجود نقيض العدم وكلّ وجود بديل عدم نفسه لا العدم المطلق فانتفائه انتفاء نفسه لا انتفاء سنخ الوجوب.

٤٤٤

وبالجملة انتفاء ناقض العدم لا يوجب بقاء العدم المطلق على حاله بل هو عدم ما هو ما بديل له فتعليق الوجوب على الشرط بهذا المعنى لا يقتضى انتفاء سنخ الحكم.

فالتحقيق هو أن يقال أنّ المعلّق على العلّة المنحصرة هو طبيعة وجوب الإكرام المنشأ في شخص هذه القضيّة لكنّه لا بما هو متشخّص بلوازمه بل بما هو وجوب وطبيعة والوجه في كون المراد من الحكم هو طبيعة الحكم هو أنّ التعليق يكون لمناسبة بين الشرط ومادّة الجزاء وهذه المناسبة لا تختصّ بفرد من المادّة بل إذا كانت علّة الوجوب بما هو وجوب منحصرة في المجيء استحال أن يكون وجوب فرد آخر بعلّة أخرى.

ولقد أفاد وأجاد في الكفاية حيث قال : إنّ المفهوم إنّما هو انتفاء سنخ الحكم وعليه فلا حاجة في إثبات المفهوم إلى إثبات سنخ الحكم في المنطوق بل يكفي تعليق طبيعة الحكم مع إفادة أداة الشرط ومقدّمات الإطلاق انحصار العلّة فالهيئة وإن كانت جزئية ولكن تناسب الحكم والموضوع يوجب إلغاء الخصوصية وجعل الشرط علّة منحصرة لنفس الوجوب وطبيعته وعليه فبانتفاء الشرط ينتفى طبيعة الوجوب وهو مساوق لانتفاء سنخ الحكم.

هذا كلّه بحسب القاعدة الكلّيّة في القضايا الشرطيّة من دون قيام قرينة على ارادة شخص الحكم وأمّا مع قيام القرينة على إرادة شخص الحكم فلا إشكال في أنّ الانتفاء عند الانتفاء حينئذ يكون عقليّا لا بدلالة الشرط أو الوصف أو اللقب كما أنّ الغالب في مثل الوقوف والنذور والعهود والوصايا يكون كذلك ولذلك تكون خارجة عن دائرة المفاهيم ثمّ إنّ البحث المذكور فيما إذا كان الجزاء في القضيّة الشرطيّة إنشاء.

وأمّا إذا كان الجزاء قضيّة خبريّة وإن استعملت بداعى الإنشاء فليس بجزئي بل هو كلّي وتدلّ القضيّة حينئذ على ثبوت الجزاء عند ثبوت الشرط وانتفائه عند

٤٤٥

انتفائه ومن المعلوم أنّ الدلالة على الانتفاء من جهة دلالة القضيّة على انحصار العلة لا من جهة الدلالة العقلية فلا تغفل.

ثانيها : أنّ محلّ الكلام في القضايا الشرطية هو ما إذا كان الموضوع ثابتا في صورتي وجود الشرط وعدمه كقوله إن جاء زيد فأكرمه فإنّ الموضوع هو زيد والمحمول وجوب الإكرام والشرط هو المجيء والموضوع ثابت في صورة وجود المجيء وعدمه.

وأمّا إذا لم يكن الموضوع محققا إلّا بالفرض والشرط كقوله إن رزقت ولدا فاختنه فهو خارج عن محلّ الكلام لأن انتفاء الحكم في هذه الصورة بانتفاء الموضوع عقلي ولا مفهوم للقضيّة إذ لم يبق الموضوع عند انتفاء الشرط حتى يمكن أن يدلّ القضيّة الشرطيّة على انتفاء الحكم فيه.

ثالثها : أنّ دائرة المفهوم تتّسع بتعدّد القيود والشروط في القضيّة الشرطيّة إذ انتفاء كلّ قيد يكفي في انتفاء الجزاء مثلا إذا قال السيّد إن جاء زيد فأكرمه كان مفهومه إن لم يجئ فلا يجب إكرامه وإذا قال إن جاء زيد وسلّم عليك وأتى بهدية فأكرمه كان مفهومه انتفاء الإكرام بانتفاء أحد الأمور المذكورة.

رابعها : أنّه لا إشكال في لزوم التطابق بين المفهوم والمنطوق في جميع القيود عدى السلب والإيجاب.

فالمفهوم من قولك إن جاء زيد يوم الجمعة فأكرمه يوم السبت أنّه إن لم يجيئك زيد يوم الجمعة لا يجب إكرامه يوم السبت.

ولا كلام فيه إلّا في العموم المأخوذ في الجزاء فانه قد وقع الخلاف بين الأعلام في أنّه لو أخذ العموم على وجه الاستغراق في المنطوق هل يكون المفهوم هو رفع الإيجاب الكلّي الملائم مع الإيجاب الجزئي أو يكون المفهوم هو السلب الكلّي.

واستدلّ للأوّل بما هو مقرّر في المنطق من أنّ نقيض كلّ شيء رفعه ومقتضى

٤٤٦

ذلك أن نقيض الموجبة الكليّة السالبة الجزئية ونقيض السالبة الكلّيّة الموجبة الجزئية وهذا هو التفاهم العرفي في أمثال تلك القضايا.

ففي نفس القضيّة المذكورة في الجزاء يلاحظ الآحاد مستقلا ولا يلاحظ العموم إلّا مرآة لها.

وعند ملاحظة القضية مع ارتباطها بالشرط يلاحظ العموم مستقلا.

والتطابق بين المنطوق والمفهوم محفوظ لأنّ العموم ملحوظ مستقلا في المنطوق والمفهوم غايته أنّ العموم منحلّ إلى الأشياء بنفسه في المنطوق دون المفهوم فإنّه رفع المنطوق ولا يلزم فيه الاستغراق.

يمكن أن يقال أنّ ملاحظة المتكثّرات بعنوان واحد وشيء وحداني عين.

ملاحظة المتكثّرات بنفسها لأنّ المفروض أنّ العنوان الوحداني مرآة بالنسبة اليها وملاحظة العموم بما هو عموم بعنوان الموضوع المستقلّ يحتاج إلى مئونة زائدة مضافا إلى أنّه خلف في كون العام للاستغراق وأداة الشرط لمجرّد الإناطة لا لتغير موضوع القضيّة الجزائية وعليه فالاستظهار المذكور في القضايا الشرطيّة الدالّة على المفهوم محلّ تأمّل وإشكال.

واستدلّ للثاني بأنّ مفاد القضية الشرطية إذا كان الشرط علة منحصرة هي علّيّة الشرط بالإضافة الى كلّ واحد من الأفراد ولازم ذلك هو انتفاء الحكم عن كلّ واحد منها عند انتفاء الشرط.

مثلا قوله عليه‌السلام إذا كان الماء قدر كرّ لم ينجّسه شيء يدلّ بالمنطوق على أنّ الكرّيّة علّة منحصرة لعدم تنجيس كلّ واحد من النجاسات للماء فعلّة عدم تنجيس كلّ واحد من النجاسات بالنسبة الى الماء منحصرة في الكرّيّة وعليه فلا مفرّ من القول بعموم المفهوم لأنّه إذا كان العموم حاصلا من علّة واحدة منحصرة يلزم من انتفاء هذه العلّة انتفاء جميع أفراد هذا العموم فإنّ العموم عبارة عن نفس الآحاد فلو كان

٤٤٧

لبعض الآحاد علّة أخرى للحكم فلم يتحقّق العموم بعليّة هذه العلة بل بعض الأفراد وبعضها الآخر بعلّيّة العلّة الاخرى وهو خلف في كون العلّة علّة منحصرة وهذه قرينة على تعميم المفهوم بحيث لولاها لكان نقيض الموجبة الكلّيّة هي السالبة الجزئية ونقيض السالبة الكلّيّة هي الموجبة الجزئيّة والثاني أقرب على المختار من أنّ القضايا الشرطيّة تفيد العليّة المنحصرة بل الأمر كذلك لو لم نقل بذلك ولكن قامت قرينة على إفادة المفهوم والعلّيّة المنحصرة فتحصّل أنّ المنطوق إذا كان الموضوع فيه مأخوذا على وجه الاستغراق فالمفهوم في القضية الشرطيّة هو السلب الكلّي إذا كان المنطوق إيجابا كلّيّا أو هو الإيجاب الكلّي إذا كان المنطوق سلبا كلّيّا.

وهذا وإن كان ينافي ما قرّر في المنطق من أنّ نقيض الموجبة الكلّيّة هي السالبة الجزئية ونقيض السالبة الكلّيّة هي الموجبة الجزئيّة ولكنّه لا مفسّر منه لأنّه خواصّ إفادة العلّيّة المنحصرة في القضايا الشرطيّة فاللازم هو حمل ما في المنطق على غير القضايا الشرطيّة بناء على إفادتها العلّيّة المنحصرة هذا مضافا إلى ما قيل من أنّ موضوع كلام المنطقيين هو المعقولات ولا يرتبط بموضوع كلام الاصولي والفقيه فإنّ موضوع كلامهم هو ظاهر الألفاظ ، فتدبّر.

خامسها : أنّ مع فرض تسليم أنّ مفهوم القضيّة الشرطيّة الموجبة الكليّة هي السالبة الجزئيّة ومفهوم القضيّة الشرطيّة السالبة الكلّيّة هي الموجبة الجزئيّة يقع الكلام في أنّ الأمر في العموم الأحوالي يكون كذلك أولا ذهب بعض الأعلام إلى أنه كذلك نظرا إلى أنّ مفاد المنطوق في مثل قوله عليه‌السلام : (إذا كان الماء قدر كرّ لم ينجّسه شيء) سالبة كليّة وهي أنّ الكرّ لا ينجّسه شيء من النجاسات أو المتنجّسات في شيء من الحالات فيكون نقيضها رفع هذا العموم ويكفي في صدقه تنجّس ما دون الكرّ ببعض النجاسات ولو في بعض الحالات فنفس المفهوم ليس فيه عموم أفرادي ولا إطلاق أحوالي.

٤٤٨

ويمكن أن يقال أنّ الإنصاف هو الفرق بين العموم الأحوالي المصرّح به بمثل قوله في كلّ حال ففي هذه الصورة يصحّ أن يقال نقيضه هو رفع هذا العموم وهو يشمل الأحوالي أيضا ولا حاجة في هذه الصورة إلى المقدّمات وبين العموم الأحوالي المستفاد من مقدّمات الحكمة.

فإنّ الظاهر في هذه الصورة يحتاج إلى المقدّمات ثمّ أنّ نسبة المقدّمات الى المنطوق والمفهوم على السواء وتجري بالنسبة إليهما في عرض واحد وعليه تدلّ المقدّمات المذكورة على العموم الأحوالي في المنطوق والمفهوم ويكون المفهوم في مثل قوله عليه‌السلام : «إذا كان الماء قدر كرّ لم ينجّسه شيء» أنّه إذا لم يكن الماء قدر كرّ ينجّسه بعض الأشياء في جميع أحواله سواء كان الشيء واردا على الماء أو كان الماء واردا عليه أو كانا متلاقيين.

وعليه فمفهوم أخبار الكرّ يدلّ على نجاسة ما دون الكرّ بملاقاة نجس ما بالإطلاق الأحوالي من دون فرق بين أنحاء الثلاثة.

نعم يتوقّف الإطلاق الأحوالي على إدراج قيد الملاقاة بالارتكاز العرفي في مثل النجس ينجّس الشيء كما يدرج المماسّة في مثل السكّين يقطّع اليد أو الإشراق في مثل الشمس تنضّج الأثمار.

ومن المعلوم أن بعد الإدراج المذكور كان المقدّر كالمذكور في كونه مجري الإطلاق الأحوالي.

سادسها : أنّ العلّيّة المستفادة من القضيّة الشرطيّة بعد استظهار الانحصار بالوضع والإطلاق تدلّ على أنّ وجود تالي الأداة علّة لترتّب الحكم على الموضوع المذكور وعدمه علّة لانتفاء سنخ الحكم عن الموضوع المذكور ولا تعرّض له بالنسبة إلى غيره من الموضوعات وعليه فالعلّيّة هنا ليست على نحو العلّيّة المستفادة من اللام لوجود الفرق بين قولنا الخمر حرام لأنّه مسكر وقولنا الخمر حرام إذا كان مسكرا إذ

٤٤٩

مفاد الأوّل هو أنّ ميزان الحرمة هو الإسكار في أيّ موضوع كان ومفاد الثاني أنّ وصف الإسكار متى تحقّق في موضوع الخمر يوجب ترتّب الحرمة عليه ومتى لم يتحقّق فيه يوجب انتفائها عنه من دون تعرّض لحال غير الخمر اللهمّ إلّا أن قلنا بالغاء الخصوصيّة ، فتدبّر جيّدا.

سابعها : في تعدّد الشرط مع عدم إمكان تكرار الجزاء كالقتل كما إذا ورد إن ارتد المسلم قتل وإن زنى المسلم المحصن قتل ففي مثله بناء على إفادة القضيّة الشرطيّة للمفهوم يقع التعارض بين الدليلين فإنّ مقتضى إفادة المفهوم أنّ كلّ قضيّة تنفي الحكم عن غير موضوعه.

ولذلك ذكروا وجوها للجمع بينهما.

الأوّل : تقييد مفهوم كلّ منهما بمنطوق الآخر فيكون كلّ واحد من الشرطين مستقلا في التأثير ولا يتوقّف على وجود الشرط الآخر فالارتداد موجب للقتل كما أنّ الزنا من الشخص المذكور موجب للقتل وعليه فانتفاء القتل بانتفاء الشرطين ويكفي وجود أحدهما لترتّب الجزاء وإن حصل الشرطان بالتعاقب فالتأثير للسابق وإن تقارنا في الحصول فالتأثير لهما.

وحيث أنّ المفهوم في هذه الصورة باق في كلّ منهما فينفيان الثالث.

الثاني : رفع اليد عن المفهوم في الطرفين بدعوى أنّ المفهوم متقوّم بالخصوصيّة وهي إفادة العليّة المنحصرة فمع تعدّد الشرط لا موجب للانحصار ومع اختلال الانحصار لا موجب للمفهوم فحينئذ يكون كلّ واحد من الشرطين سببا مستقلا ولا ينفيان الثالث.

الثالث : تقييد كلّ واحد من المنطوقين بمنطوق الآخر ورفع اليد عن استقلاليّة كلّ واحد منهما فالشرط مع التعدّد هو مجموع الشرطين ومفهومهما هو انتفاء الجزاء بانتفاء المجموع ولو مع بقاء أحدهما.

٤٥٠

الرابع : أن يجعل الشرط والسبب هو الجامع بين الشرطين وأن يرفع اليد عن خصوصيّة كلّ واحد منهما ففي هذه الصورة يكفي في ترتّب الشرط أحد الأمرين.

والتحقيق هو الوجه الأوّل بعد ما عرفت من أنّ المختار في إفادة المفهوم هو وضع الأداة للإناطة وجريان مقدّمات الإطلاق في تاليها فإنّ مع تعدّد الشرط لا تستعمل الأداة أو الهيئة الشرطيّة في غير معناها الحقيقي ولا يخل بالإطلاق اللفظي والاستعمالي وإنّما يكشف تعدّد الشرط عن تقييد المراد الجدّي فمقتضى الجمع بين الشرطين هو تقييد إطلاق كلّ منهما المقتضي للمفهوم بالآخر ويبقى الإطلاق اللفظي في بقيّة الموارد تحت أصالة الجدّ كسائر المطلقات المقيّدة فإن مقتضى القاعدة هو رفع اليد عن مقتضى الإطلاق بمقدار المقيّدات فالمنطوقان يدلّان على تأثيرهما بالخصوص في الجزاء ومقتضاه هو انحصار علّة الجزاء في الشرطين.

ومنشأ التقييد المذكور هو التصرّف في المنطوقين إذ كلّ منطوق يدلّ بمقدّمات الإطلاق على كونه بلا بديل وبلا حاجة إلى الضميمة علّة في الجزاء فمع ملاحظة دليل آخر يرفع اليد عن إطلاق عدم البديل ويقيّد كلّ منطوق بالآخر ويرفع اليد من الانحصار الحقيقي ويحملان على إفادة الانحصار الإضافي بالنسبة إلى غيرهما وهكذا يتقيّد مفهوم كلّ منهما بمنطوق الآخر كما أنّ أصالة الإطلاق في كلّ واحد من المنطوقين والمفهومين متقيّدة بالأخرى.

وممّا ذكر يظهر عدم صحّة الوجه الثاني لأنّ الانحصار لا يستفاد من الوضع حتّى يقال مع تعدّد الشرط اختلت دلالة الجملة الشرطيّة على الانحصار ومع الاختلال المذكور لا دلالة للجملتين على المفهوم لأنّ قوام دلالتهما عليه بالخصوصيّة التي هي الانحصار والمفروض أنّهما ليستا مستعملتين في المعنى الموضوع له فلفظ الأداة بعد استعمالها في غير معناها الحقيقي بقرينة التعدّد لا تدلّ على الانحصار ولا على عدم مدخليّة شيء آخر بل عرفت أنّ الانحصار يستفاد من الوضع والإطلاق ومن المعلوم

٤٥١

أنّ التقييد لا ينافي بقاء الإطلاق والانحصار الاضافي ودعوى رفع أصل الحصر لا موجب له كما لا يخفى.

وهكذا يظهر عدم صحة الوجه الثالث والرابع إذ لا وجه لرفع اليد عن الظهور في السببيّة المستقلّة لكلّ منهما بعنوانه فدعوى الاشتراك في التأثير أو دعوى أنّ المؤثّر هو الجامع خلاف الظاهر ولا موجب لرفع اليد عن الاستقلال في التأثير أو عن العنوان الخاصّ.

فتحصّل أنّ الوجه الأوّل مقدّم بناء على استفادة العلّيّة المنحصرة من مقدّمات الإطلاق فلا تغفل.

ثامنها : في تداخل الشروط والأسباب والمسبّبات والجزاء وعدمه فيما إذا تعدّد الشروط والأسباب واتّحد الجزاء أو المسبّب عنوانا ولكن كان قابلا للتكرار والبحث فيه يقع في مقامين.

المقام الأوّل : في تداخل الشروط والأسباب وعدمه والمراد من التداخل عند تعدّد الشروط والأسباب هو تداخل الأسباب أو الشروط في استيجاب الجزاء أو المسبّب.

مثلا إذا ورد أنّه إذا زلزلت الأرض أو انخسف القمر صلّ ركعتين فإن قلنا بالتداخل فالواجب عند وقوعهما صلاة واحدة وإن لم نقل به فالواجب صلوات متعدّدة.

ثمّ إنّ هذا البحث لا يتبنى على المفهوم بل يجري في القضيّات الحمليّات الدالّة على سببيّة شيء لشيء بنحو القضيّة الحقيقيّة إذ لا فرق بين أن يقال إذا زلزلت الأرض أو انخسف القمر صلّ ركعتين وبين أن يقال حدوث الزلزلة في بلدكم أو وقوع الخسف في أفقكم يوجب صلاة ركعتين والسرّ فيه أنّه من مباحث المنطوق لا المفهوم.

ثمّ إنّ المراد من تعدّد السبب هو أن يكون السبب قابلا للتعدّد سواء كان التعدّد

٤٥٢

نوعيّا أو شخصيّا وأمّا ما لا يكون قابلا للتعدّد كما إذا كان السبب صرف الوجود فهو خارج عن محلّ البحث لأنّ صرف الشيء لا يتكرّر ولا يتعدّد والمفروض هو البحث عن تداخل الأسباب المتعدّدة.

وحاصل الكلام في المقام أنّ المختار هو عدم تداخل الأسباب والشروط في مفروض الكلام وتوضيح ذلك أنّه إذا كانت الدلالة على التعدّد في السبب والشرط وضعيّا مع اتّصال القضايا فلا إشكال في تقدم الدلالة على التعدّد المذكور على إطلاق المسبّب والجزاء المقتضي للوحدة لعدم انعقاد الإطلاق في ناحية الجزاء أو السبب مع الدلالة الوضعيّة على التعدّد لعدم تماميّة مقدّمات الحكمة مع وجود القرينة على التعدّد وهو الدلالة الوضعيّة في ناحية السبب والشرط إذ من المعلوم أنّ تعدّد الأسباب والشروط يقتضي تأثير كلّ واحد منها من قبل نفسه في وجود ماهية المسبّب أو الجزاء بل الأمر كذلك إذا كانت الدلالة المذكورة لمقدّمات الإطلاق لتضرّع إطلاق الجزاء على المقدّم كتفرّع الحكم على الموضوع أو كتفرّع الإطلاق الأحوالي على العموم الأفرادي هذا كلّه مع اتّصال القضايا.

وأمّا مع انفصال القضايا فالظهور وإن كان في كلّ واحد من الشرط والجزاء والسبب والمسبّب منعقدا ولكن مع ذلك لا يمنع ظهور الجزاء والمسبّب عن ظهور الشرط والسبب في التعدّد وذلك لأنّ اقتضاء كلّ واحد لا يعارض مع اقتضاء الآخر لأنّ البعث لا يتعلّق بالطبيعة بما هي هي إذ ليست هي إلّا هي لا مطلوبه ولا غير مطلوبة بل يتعلق بوجودها فالبعث المتعلّق بوجود الطبيعة يقتضي وجودا واحدا من الطبيعة ولا يقتضي عدم البعث إلى وجود آخر بل هو بالاضافة إلى وجود آخر بوجوب آخر لا اقتضاء والبعث الآخر يكون مقتضيا لوجود آخر بوجوب آخر وعليه فلا تعارض بين الاقتضاء واللااقتضاء بهذه الملاحظة وإن انعقد الظهور في كلّ قضيّة لانفصال كلّ قضية عن الاخرى.

٤٥٣

وبالجملة إنّ اقتضاء الوحدة في ناحية الجزاء والمسبّب اقتضاء حيثيّ وليس بإطلاقي ولو من جهة سبب آخر وإلّا لزم أن يكون كلّ قضيّة ناظرة إلى قضيّة أخرى وهو ممنوع وعليه فلا منافاة بين ظهور كلّ قضيّة شرطيّة أو سببيّة في إفادة الحدوث عند الحدوث وظهور الجزاء أو المسبّب في وحدة وجود الطبيعة لما عرفت من عدم التعارض بين الاقتضاء واللااقتضاء إذ الماهية في الجزاء أو المسبّب لا اقتضاء لها بالنسبة إلى وجود آخر بخلاف القضيّة الشرطيّة أو القضيّة السببيّة فإنّها تكون مقتضية لوجودات أخرى ولا تعارض بين اللااقتضاء والاقتضاء وإن انعقد الظهور في الوحدة في كلّ قضيّة لكونها منفصلة عن القضيّة الاخرى لأنّ هذا الظهور حيثيّ فلا يمنع ظهور الجزاء أو المسبّب في الوحدة من ناحية سبب نفسه أو شرطه المذكور في هذه القضيّة عن وجود آخر بسبب أو شرط آخر كما لا يخفى.

وعليه فكلّ قضيّة مفادها التحريك إلى وجود واحد فنفس التحريك الثاني تحريك آخر فيقتضي حركة أخرى لا أنّ المتعلّق مقيّد بالآخر ضرورة أنّ كلّ قضيّة ليست ناظرة إلى قضيّة أخرى لأنّ المبحث في المقام لا يكون مبتنيا على النظارة والمفهوم نعم لو فرض ذلك لزم أن يقيّد إطلاق كلّ قضيّة بالأخرى كما لا يخفى.

فلحاظ صرف الوجود في الجزاء لو ثبت ليس إلّا من جهة سبب نفسه أو شرطه ولا نظر فيه إلى غيره من الأسباب والشرائط.

فإذا كانت الأسباب أو الشرائط متعدّدة وكان الجزاء قابلا للتكرار كما هو المفروض لزم تكرار المسبّب أو الجزاء لأنّ كلّ واحد من الأسباب والشرائط يقتضي وجوده هذا بخلاف تكرار الأمر من دون تكرار السبب أو الشرط فإنّه لا يدلّ إلّا على التأكيد ولا أقلّ من الشكّ في التأسيس أو التأكيد في الأمر المكرّر من دون ذكر سبب أو شرط فمقتضى البراءة هو جواز الاكتفاء بالواحد والحمل على التأكيد كما لا يخفى.

وعليه فإذا ورد إن فعلت كذا فتصدّق بكذا وإن فعلت ذاك فتصدّق بكذا كان

٤٥٤

مقتضى القاعدة هو تكرار التصدّق بتكرار الشرط وهكذا في السبب ولا فرق فيه بين أن كانت القضايا متّصلة أو منفصلة وهذا هو الذي يعرفه العرف ويحكم به إذ كلّ سبب عنده يقتضي ويؤثّر في مسبّبه بل الأمر كذلك فيما إذا كان السبب أو الشرط من جنس واحد وتكرّر فإنّ مقتضى جعل السببيّة للطبيعة هو سراية السببيّة إلى كلّ فرد فرد منها.

وعليه فبعد جعل السببيّة بطبيعة شيء يترتّب عليها ما يترتّب على الأسباب التكوينيّة فكما أنّ كلّ سبب من الأسباب التكوينيّة يؤثّر ولو من جنس واحد فكذلك يؤثّر كلّ سبب شرعي كما لا يخفى.

قال الشيخ الأعظم إنّ الأسباب الشرعيّة كالأسباب العقليّة فحينئذ لو كانت الأسباب الشرعيّة سببا لنفس الأحكام وجب تعدّد إيجاد الفعل فانّ المسبّب يكون هو اشتغال الذمّة بإيجاده والسبب الثاني لو لم يقتض إشغالا آخر فإمّا أن يكون لنقص في السبب أو المسبّب وليس شيء منهما أمّا الأوّل فمفروض وأمّا الثاني فلانّ قبول الاشتغال للتعدّد تابع لقبول الفعل المتعلّق به والمفروض قبوله للتعدّد واحتمال التأكيد مدفوع.

بطلان التفصيل بين اتّحاد الجنس وعدمه

وحيث عرفت أنّ مقتضى القاعدة هو عدم تداخل الأسباب والشروط في التأثير مع إمكان تكرار المسبّب والجزاء فلا فرق في ذلك بين أن يكون الجنس متّحدا أو مختلفا لأنّ المناط في الجميع واحد وهو ظهور القضيّتين في تعدّد الأسباب والشروط فيما إذا كانت الأجناس مختلفة وظهور القضيّة المأخوذة فيه طبيعة الشرط والسبب في الطبيعة السارية فيما إذا كانت الأجناس واحدة ومقتضى سريان الطبيعة هو انحلال طبيعة الشرط أو السبب إلى آحادها وعليه فمقتضى ظهور الجملة السببيّة

٤٥٥

أو الشرطيّة في كلتا الصورتين في الحدوث عند الحدوث يقتضي أن كلّ فرد فرد يكون سببا مستقلا لترتّب الأثر عليه فلا وجه لتداخل الأسباب بعضها في بعض ولو كان من جنس واحد.

وعليه فإن سها المصلّي في صلاته بما يوجب سجدتي السهو مرّات عديدة في صلاة واحدة يجب عليه لكلّ مرة سجدتا السهو وإن كان سببه واحدا نوعيا كما لا يخفى.

بطلان التفصيل بين كون الأسباب الشرعيّة معرّفات أو مؤثّرات

وذلك لأنّ مجرّد المعرفيّة لا تقتضي المصير إلى التداخل لإمكان معرفيّة الأسباب الشرعيّة لأسباب حقيقيّة واقعيّة.

ويكفي لإثبات ذلك ظهور الجملة السببيّة أو الشرطيّة في الطبيعة السارية وفي الحدوث عند الحدوث وفي تعدّد المسبّب أو الجزاء بتعدّد السبب أو الشرط فإنّ هذه الظهورات تدلّ على تعدّد السبب الحقيقي أو الشرط الحقيقي المنكشف بالمعرّفات الشرعيّة.

فاختيار كون الأسباب الشرعيّة معرّفات لا يستلزم القول بالتداخل بعد الاعتراف بظهور الجملة الشرطيّة أو السببيّة فيما ذكر.

هذا مضافا إلى أنّ حمل العناوين المأخوذة في لسان الأدلّة الشرعيّة على المعرّفات لا تساعده ظواهر الأدلّة حيث أنّ الظاهر من العناوين أنّها بأنفسها موضوعات لا بعنوان كونها معرّفات.

وعدم دخالة الأسباب الشرعيّة في أحكامها كدخل العلّة الطبيعيّة في معلولها لا يستلزم أن تكون الأسباب الشرعيّة معرّفات محضة بل هي كما يقتضيه الظواهر موضوعات لها وتتوقّف فعليّة الأحكام على فعليّة تلك الموضوعات ولا تنفكّ عنها

٤٥٦

أبدا ومن هنا تشبه العلّة التامّة من هذه الناحية أي من ناحية استحالة انفكاكها عن موضوعاتها فتحصل أنّ القضايا سواء كانت دالة على الجنس الواحد أو المتعدّد تدلّ على تعدّد الأسباب وعدم تداخلها وذلك لما عرفت من ظهور الجمل المذكورة في الحدوث عند الحدوث وهو يقتضي عدم التداخل بين الأجناس والآحاد كما لا يخفى.

المقام الثاني : في تداخل المسبّبات وعدمه.

ولا يخفى عليك أنّ بعد ما عرفت من عدم تداخل الأسباب والشروط وتأثير كلّ واحد منها يقع البحث في جواز الاكتفاء بمسبّب واحد أو جزاء واحد في امتثال الجزاء والمسبّبات المتعدّدة وعدمه.

والتحقيق أنّه يجوز التداخل بالإتيان بمسبّب واحد أو جزاء واحد فيما إذا كان العنوانان عامّين من وجه لتصادقهما على المأتي به مع قصد الامتثال للمتعدّد إن كان أمرا قصديّا وإلّا فيتصادقان عليه قهرا ففي مثل إذا جاءك زيد فأكرمه وإذا سلّم عليك فأطعمه ممّا كان النسبة بينهما هي العموم من وجه يجوز التداخل بأن يمتثل الأمر بالإكرام والأمر بالإطعام بكيفيّة يصدق عليه الإكرام والإطعام ومع صدقهما يسقط الأمر بهما ولا معنى للامتثال إلّا ذلك.

وهكذا بالنسبة إلى غسل الجنابة وغسل الحيض فإنّه يمكن أن تأتي المرأة بغسل واحد بقصدهما فإنّه مع قصدها ذلك يصدق على المأتي به أنّه غسل الجنابة وغسل الحيض لأنّ العنوانين من العناوين المتصادفة وكانت النسبة بينهما هي العموم من وجه ومع الصدق المذكور يتحقّق الامتثال.

وبالجملة فمع الإتيان بالواحد المعنون بالعنوانين يصدق الإتيان بهما ويتحقّق الامتثال كما لا يخفى.

ولا يتوقّف ذلك على القول بجواز الاجتماع في الأمر والنهي لجواز الاكتفاء بإتيان ما فيه الملاكان في الحكم بالامتثال بناء على عدم لزوم قصد الأمر في الامتثال

٤٥٧

كما هو الظاهر.

ويلحق بذلك ما إذا كانت النسبة بين المتعلّقين عموما من وجه من ناحية إضافتهما إلى موضوعهما فقوله إذا جاءك زيد فأكرم العالم وإذا سلّم عليك فأكرم الهاشمي مثل قوله إذا جاءك زيد فأكرمه وإذا سلّم عليك فأطعمه فكما أنّ النسبة بين الإكرام والإطعام هي العموم من وجه فكذلك تكون النسبة بين إكرام العالم وإكرام الهاشمي عموما من وجه فيجوز التداخل في الامتثال بإتيان المجمع لانطباق العنوانين عليه إذ لا يعتبر في تحقّق الامتثال إلّا الإتيان بما ينطبق عليه متعلّق الأوامر والمفروض هو صدقه عليه.

واحتمال لزوم الإتيان بالمتعلّق منفردا لا مجتمعا مندفع بإطلاق المتعلّق من كلّ الدليلين إذ لم يتقيّد كلّ واحد منهما بعدم اجتماعه مع الآخر مع امكان التقييد بذلك كما يقيد صلاة العصر بكونها واقعة عقيب صلاة الظهر.

ثمّ لا فرق فيما ذكر بين أن يكون الطرفان واجبين كما في الأمثلة المذكورة أو واجبا ومستحبّا كصوم الاعتكاف وصوم القضاء أو مستحبّين كنافلة المغرب وصلاة الغفيلة.

فإنّ مقتضى إطلاق الأمر بكلّ منها من دون تقييدها بالانفراد هو عدم دخالة التقدّم والتأخّر في المأمور به ومعه يجوز الجمع بينها في مقام الامتثال بأن يأتي بصلاة بعنوان النافلة والغفيلة أو أن يأتي بصوم بعنوان صوم الاعتكاف والقضاء وهكذا.

ومع الإطلاق لا مجال لاحتمال أن يكون العنوانان متباينين في الواقع بحيث لا يمكن قصدهما بعمل واحد نظير عدم امكان الإتيان بأربع ركعات بقصد الظهر والعصر.

إذ معنى الإطلاق هو عدم اشتراط إتيان نافلة المغرب أو صلاة الغفيلة أو صوم الاعتكاف أو صوم القضاء بكيفيّة خاصّة كإتيان نافلة المغرب قبل الغفيلة أو بعدها

٤٥٨

أو إتيان الغفيلة بعد نافلة المغرب أو قبلها فمع عدم اشتراط الكيفيّة المخصوصة ينتفي احتمال التباين ومعه يجوز أن يأتي بهما مجتمعا في مقام الامتثال ثمّ لا يبعد جواز التداخل فيما إذا كانت النسبة بين العنوانين هي العموم والخصوص المطلق بحسب الخارج ولكن لم يؤخذ مفهوم الأعمّ في الأخصّ كقولهم حرّك ولا تدن إلى موضع كذا أو حرّك وأدن من موضع كذا وكقولهم جئني بحيوان وجئني بناطق لكفاية تغاير المفهومين في الذهن في جواز اجتماع الأمر والنهي أو اجتماع المثلين وإن كانت النسبة بحسب الخارج هي العموم والخصوص فيجوز تعلّق الحكمين بالعنوانين فيتداخلان في الأخص بحسب الخارج ولعلّ الأمر في مثل الجنس والفصل كالحيوان والناطق كذلك فإنّهما متغايران بحسب الذهن ولكن النسبة بينهما هي العموم والخصوص بحسب الخارج والاتّحاد الخارجي لا يضرّ لعدم كون الخارج متعلّقا للحكم وإنّما هو مصداق للمفهومين المتغايرين اللذين كانا موردا للحكمين.

وممّا ذكرناه يظهر أنّه لا مجال للتداخل فيما إذا كانت النسبة بين المفهومين هي التباين لعدم إمكان اجتماعهما كالكسوة والإطعام فتغاير المفهومين المتعلّقين للحكمين لا يبقى مجالا للتداخل كما لا يخفى.

ويلحق به ما إذا كان متعلّق الحكمين حقيقة واحدة لأنّ تعدّد الأمر في الحقيقة الواحدة غير معقول فمع عدم الحمل على التأكيد لا بدّ وأن يكون متعلّق كلّ واحد من الأمرين هو الفرد المغاير للفرد الواجب بالأمر الآخر.

ومن المعلوم أنّه لا مجال لتداخل الأفراد ولو من ماهيّة واحدة لمغايرة الأفراد بعضها مع بعض.

والمراد من الفرد ليس عنوانا كلّيا حتى يكون قابلا للانطباق على الكثيرين من الأفراد حتّى يقال بأنّ عدم إمكان تداخل العنوانين من ماهيّة واحدة غير مسلم بل القيود الواردة على ماهية مختلفة فقد تكون موجبة لصيرورة المقيّدين متباينين

٤٥٩

كالإنسان الأبيض والأسود وقد لا تكون كذلك كالإنسان الأبيض والعالم ممّا بينهما عموم من وجه.

فالوضوء في قوله إذا نمت فتوضّأ وإذا بلت فتوضّأ ماهية واحدة ولا بدّ من كونها مقيّدة حتّى يكون كلّ سبب علّة مستقلّة للإيجاب على أحد العنوانين لكن لا يجب أن يكون بين العنوانين التباين حتى يمتنع تصادقهما على الفرد الخارجي.

بل المراد من الفرد هو الوجود الذهني من الفرد الخارجي بنحو الوجود اللافراغي

فصورة الذهني من كلّ فرد كنفس الفرد الخارجي في أنّها مغايرة لغيرها ومباينة لها ومع المغايرة والمباينة لا مجال لتداخل الفردين في واحد كما لا مجال للتداخل في الماهيتين المتباينين.

فلا يجوز الاكتفاء بالوضوء الواحد في المثال المزبور وإن كان في المثال مناقشة لأنّ ناقض الوضوء هو صرف وجود الناقض وهو لا يتكرّر فالأولى أن يذكر طواف النساء في ما إذا أتى بعمرتين فإنّ كلّ عمرة توجب طواف النساء غير طواف النساء الذي اقتضته عمرة أخرى فالمغايرة بين الفردين تمتّع عن امتثالهما بوجود واحد فاللازم هو أن يأتي بطواف النساء مرّتين ولا يكتفي بطواف واحد اللهمّ إلّا أن يقال يمكن إلقاء الخصوصيّات الفرديّة ومعه تكون الصورة الذهنيّة من كلّ فرد بمنزلة الكلّي فتأمّل.

مقتضى الأصل في الشك في تداخل الأسباب

ولا يخفى أنّ الشكّ في تداخل الأسباب وعدمه يرجع الى احتمال كون المؤثّر هو الجامع المنطبق على أوّل الوجود أو كلّ واحد من الأسباب فالمتيقن حينئذ هو حدوث تكليف واحد ويرجع في الزائد إلى أصالة البراءة.

٤٦٠