آية الله ناصر مكارم الشيرازي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مدرسة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام
المطبعة: مدرسة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام
الطبعة: ٣
الصفحات: ٤٢٦
فهذا كله دليل على ضمان المنافع المستوفاة بلا ريب.
واما المنافع غير المستوفاة فالمحكي عن المشهور أيضا الضمان فيها ، وهو الموافق لقاعدة احترام مال المسلم ، فمن غصب دارا من غيره ولم يسكنه فقد أتلف منافعه على مالكه ، وحرمة هذه المنافع تقتضي تداركها بأجرة مثلها ، وكذلك من غصب مركبا أو لباسا أو غير ذلك.
ويدل عليه أيضا سيرة العقلاء ، فإنهم لا يشكون في وجوب اجرة المثل على الغاصب للدار وان لم يسكنه ، وكذا غيره من أشباهه ، وحيث لم يمنع منها الشارع فهو اجازة لهذا البناء المستمر.
بل يمكن القول بدلالة قوله صلىاللهعليهوآله «على اليد ما أخذت حتى تؤديه» عليه ، فان المنافع ولو كانت بالقوة يكون أخذها بتبع أخذ العين ، وإذا مضى وقتها ولم يستوفها يصدق أنه أتلفها فتأمل.
وبالجملة لا ينبغي الشك في ضمان المنافع بكلا قسميها.
انما الكلام في انه إذا كان للعين منافع مختلفة تتفاوت بحسب القيمة ، مثل السيارة أو المراكب الأخرى ، تارة تحمل عليها الأثقال والأحمال ، واخرى يركبها الإنسان وقد يكون كرائها في الثاني أكثر من الأول أو بالعكس ، فاذا كان هناك سيارة قابلة لكلتا المنفعتين فغصبها غاصب ولم يستوف منافعها ، فهل هو ضامن لأكثر الأمرين؟ أو لاقلهما؟ أو يكون المالك بالخيار؟
الظاهر هو الأول لأن جميع ما عرفت من الأدلة الدالة على ضمان المنافع غير المستوفاة تدل على أكثر الأمرين ، لصدق تفويت الأكثر عليه ، ولكون الأكثر مأخوذا بتبع العين ، ولقاعدة احترام مال المسلم ، ومن أمواله منافعه ، والمفروض ان العين هنا قابل للمنفعة التي هي أكثر.
الرابع : لو تلف المال وكان مثليا وجب مثله كما انه لو كان قيميا وجب قيمته.
وهذا الحكم هو المشهور بين فقهائنا حتى ادعي الإجماع عليه.
والعمدة فيه ان الواجب على الغاصب أداء العين ، فاذا لم يمكن أداء العين فالواجب عليه الأقرب فالأقرب ، ومن الواضح ان المثل في المثلي أقرب الى العين من كل شيء ، لاشتماله على مالية العين مع كثير من أوصافه ، فمهما أمكن التدارك بالمثل كان واجبا ، وهذا هو المستفاد من قوله «على اليد ما أخذت حتى تؤديه».
وكذلك هذا هو مقتضى قاعدة احترام مال المسلم ـ الى غير ذلك من الأدلة التي مرت عليك.
نعم إذا لم يوجد له مثل أو كان متعسرا لم يجب عليه الا أداء ماليته ، لأنه الأقرب إليه من كل شيء ، والظاهر ان هذا هو الذي جرت عليه سيرة العقلاء الممضاة من قبل الشارع المقدس.
هذا ولكن المهم تعيين ضابطة الفرق بين المثلي والقيمي ، ولهم هنا تعاريف كثيرة لا يهمنا بيان جميعها والبحث عما يرد عليها.
والحق ان يقال : انه لم يرد هذان العنوانان في لسان دليل شرعي ، عدا ما يتوهم من دلالة قوله تعالى (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ)(١) ولكن الظاهر ان الآية أجنبية عن المقام ، بل هي ناظرة إلى مسئلة القتال في الأشهر الحرم ، والى قصاص النفس ، ولذا عبّر فيها بالتعدي في الجانبين ، ومن الواضح ان مسئلة الضمان بالتلف ليس من هذا القبيل ، ويظهر ما ذكرنا لمن راجعها ولاحظ ما قبلها وما بعدها من الايات.
وكذا لم يرد في معقد إجماع وان ادعاه شيخنا العلامة الأنصاري في مكاسبه ، ولو سلمنا الإجماع على ذلك فالظاهر انه ليس إجماعا تعبديا بل هو مأخوذ من بناء العقلاء
__________________
(١) سورة البقرة : الاية ١٩٤.
في أبواب الضمانات كما مر وسيأتي الإشارة إليه أيضا.
نعم ورد التعبير بالمثل في صحيحة أبي ولاد المشهورة ، حيث قال الصادق عليهالسلام «ارى له عليك مثل كراء بغل ذاهبا من الكوفة إلى النيل ، ومثل كراء بغل راكبا من النيل الى بغداد ، ومثل كراء بغل من بغداد إلى الكوفة توفيه إياه» (١).
ولكن من الواضح انها أيضا أجنبية عن المقام بل هي ناظرة إلى أجرة المثل كما هو واضح.
وحينئذ لا يبقى مجال للبحث عن تعريف المثلي تارة بأنه «ما تماثلت اجزاؤه وتقاربت صفاته» (كما عن التحرير)
أو انه «ما تتساوى اجزائه في الحقيقة النوعية» (كما عن غاية المراد)
أو انه «المتساوي الاجزاء والمنفعة المتقارب الصفات» (كما عن الدروس)
أو «ما يجوز بيعه سلما» (كما عن بعض العامة)
أو «ما قدر بالكيل والوزن» (كما عن بعض آخر منه) الى غير ذلك ، ثمَّ البحث عن ما يرد عليها نقضا وعكسا وكذا الكلام بالنسبة إلى القيمي الذي هو مقابله.
وذلك لما عرفت من انه فرع ورود هذا العنوان في لسان دليل شرعي أو معقد إجماع معتبر.
ومن الجدير بالذكر ان شيخنا العلامة الأنصاري قدسسره لما لم يجد لشيء من هذه التعاريف ملاكا واضحا التجأ إلى الأخذ بالقدر المتيقن بعد ما اعتقد بورود العنوانين في معتقد إجماع معتبر فقال :
«كلما ثبت كونه مثليا بالإجماع كان مضمونا بالمثل ، وكلما كان قيميا كذلك كان مضمونا بالقيمة» ثمَّ تكلم في موارد الشك مثل الذهب والفضة المسكوكين والحديد وما أشبهه من الفلزات ، والعنب والرطب وغيرها ، وان مقتضى الأصل
__________________
(١) الوسائل ج ١٣ أحكام الإجارة الباب ١٧ الحديث ١.
كونها قيميا أو مثليا أو تخيير الضامن أو تخيير المالك.
ولكن الإنصاف انه ليس لنا هنا معيار أوضح من الرجوع الى بناء العقلاء في أمثال المقام ، ويظهر من الرجوع إليهم ان كلما يوجد له مثل متقارب الصفات بسهولة ولا يكون من الشواذ التي لا تصل الأيدي اليه نادرا فحينئذ يحكمون بوجوب تحصيل المثل على الضامن الا ان لا يكون المطلوب فيها إلا المالية كالنقود الرائجة ولم ينكر الشرع هذا البناء.
والحاصل ان الأعيان على ثلاثة أقسام :
قسم لا يطلب منها الا المالية ، كالاوراق التي تستعمل بعنوان النقد الرائج في زماننا فلو تلف شيء منها عند الضامن أو أتلفه فليس عليه الا أداء ما يعادله بحسب المالية فيجوز إعطاء عشرة في مقابل واحد إذا كان مجموعها يعادله ، كعشرة دنانير في مقابل ورقة تعادل عشرة.
وقسم منها يطلب منها المالية والصفات أيضا وهو على قسمين :
ما يوجد له مثل غالبا يشتمل على أكثر صفاته ، وبنائهم فيه على أداء المثل.
وقسم منها قل ما يوجد له مثل يشتمل على أغلب صفاته ففيه يكون الضامن مكلفا بأداء القيمة فقط.
ومن هنا يظهر بسهولة انهما يختلفان باختلاف الأمكنة والأزمنة فرب شيء يكون مثليا في مكان وقيميا في مكان آخر ، أو مثليا في زمان وقيميا في زمان آخر.
والظاهر انه ليس المدار على الأشخاص ، بل المدار على نوع المكلفين ونوع الأجناس ، فلو وجد للقيمي مثل أحيانا أشكل إلزام الضامن بأدائه ، كما انه لو اختار الضامن المثل حينئذ يشكل إلزام المالك بقبوله ، فان هذه الاحكام لا تدور مدار الافراد.
ولكن مع ذلك كله لا ينبغي الشك انه قد تقع الشبهة في تشخيص مصاديقهما
ويكون لها مصاديق مشكوكة كما هو الحال في جميع المفاهيم العرفية والشرعية فإن هناك مصاديق معلومة الدخول ، ومصاديق معلومة الخروج ، ومصاديق مشكوكة في كل عنوان.
ولا يبعد تخيير المالك في جميع ذلك ، لان الأصل اشتغال الذمة ولا تحصل البراءة الا به ، ولكن هنا أقوال أو احتمالات أخر تعرضوا لها في الكتب الفقهية والأولى إيكال البحث عنها الى محلها.
وكذلك بالنسبة إلى صورة تعذر المثل في المثلي ، أو إذا لم يوجد المثل إلا بأكثر من ثمن المثل ، أو غير ذلك من احكام «بدل الحيلولة» وغيرها لأنها محررة في كتاب البيع من الفقه.
وهكذا الكلام بالنسبة إلى القيمة في القيمي وان المدار فيه على قيمة يوم الضمان أو يوم التلف ، أو يوم الأداء ، أو أعلى القيم ، أو يوم إعواز المثل ، فيما إذا كان المثل موجودا من قبل ثمَّ أعوز أو غير ذلك.
تمَّ الكلام في قاعدة ضمان اليد يوم الثلاثاء ٣ / الربيع الأول من سنة ١٤٠٥
١٢ ـ قاعدة عدم ضمان الأمين
(ليس على الأمين إلا اليمن)
أدلة القاعدة من الإجماع
الطوائف السبع من الروايات الدالة عليها
الروايات المعارضة ، وعلاجها
بناء العقلاء في المسألة
ما المراد بالأمانة هنا؟
هل يجوز اشتراط ضمان الأمين؟
ما المراد من التعدي والتفريط؟
ضمان وصف الصحة
قاعدة عدم ضمان الأمين
هذه القاعدة مما استند اليه الفقهاء في أبواب مختلفة ، وهي من أشهر القواعد الفقهية وأوسعها دليلا ، وأكثرها فرعا ، وحاصلها ان من أخذ مال غيره بعنوان الامانة سواء كان في عقد إجارة ، أو عارية ، أو مضاربة ، أو مزارعة ، أو مساقاة ، أو وديعة ، أو وكالة ، أو رهن ، أو ولاية على الصغار ، أو جعالة ، أو وصاية ، أو غير ذلك من أشباهه ، فهو غير ضامن لها إذا تلف من غير تعد ولا تفريط في حفظها ، ولم يخالف فيها على إجمالها أحد ممن نعلم ، وان وقع البحث والكلام في خصوصياتها.
ولكن قبل الشروع في ذكر أدلتها على كثرتها لا بد من التنبيه على أمرين :
١ ـ ان الكلام في هذه القاعدة قد يكون من جهة مقام الثبوت بان يعلم ان الأمانة الفلانية لم يقع فيها تعد ولا تفريط ، وهلك بغير ذلك ، ثمَّ نتكلم في عدم ضمانه.
وأخرى يقع الكلام في مقام الإثبات ، وهو ما إذا علم بالتلف ولكن شك في استناده إلى التعدي والتفريط ، فهل يحكم بضمان من تلف في يده أم لا؟
وقد وقع الخلط في كلمات بعض الاعلام بين المقامين ، وحصل منه اشتباه في أحكام المسألة.
وليعلم ان الروايات الواردة في هذه القاعدة أيضا مختلفة ، بعضها ناظرة إلى المقام الأول ، وهو مقام الثبوت ، وبعضها ناظرة إلى المقام الثاني ، وهو مقام الإثبات ولا بد من إعطاء كل حقه كي لا يختلط الاحكام في فروع القاعدة ، وما يستنتج منها.
٢ ـ الأمانة في هذه الأبواب يطلق على معنيين :
الأول ما يكون في مقابل الغصب فالأمين هو الذي ليس بغاصب ، وعلى هذا المعنى المستأجر والوكيل والعامل في المضاربة والمستعير ونظائرهم أمناء ، وان لم يكونوا ثقاة لأن المفروض أنهم أخذوا المال من مالكها برضاه فليسوا بغاصبين.
الثاني : ما يكون في مقابل الخيانة ، وبعبارة أخرى يكون فيها معنى الوثاقة ، فالأمين هو الذي يثق الإنسان بقوله واخباره ، فلو شهد مثلا ان المال تلف بغير تفريط منه يعتمد على كلامه.
وروايات الباب بعضها ناظرة إلى المعنى الأول ، وبعضها الى المعنى الثاني ، ولا بد في كل مقام من التمسك بالقرائن الحالية أو المقالية.
وقد يشتبه الحال ولا يعلم ان الأمانة في الرواية بالمعنى الأول أو الثاني؟
فمن الأول ما عن غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله عليهالسلام ان أمير المؤمنين عليهالسلام أتى بصاحب حمام وضعت عنده الثياب فضاعت فلم يضمّنه ، وقال انما هو أمين (١).
ومن الثاني ما رواه الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام قال كان أمير المؤمنين عليهالسلام يضمّن القصار والصائغ احتياطا للناس ، وكان أبي يتطوع عليه إذا كان مأمونا (٢).
فإن القصار والصائغ مأمونان بالمعنى الأول فقوله إذا كان مأمونا فهو للمعنى الثاني ، وكم لهما من نظير في أبواب الضمانات.
__________________
(١) الوسائل ج ١٣ كتاب الإجارة الباب ٢٨ الحديث ١.
(٢) الوسائل ج ١٣ كتاب الإجارة الباب ٢٩ الحديث ٤.
ومن الجدير بالذكران الامانة بالمعنى الأول يناسب مقام الثبوت ، وبالمعنى الثاني يناسب البحث عن مقام الإثبات ، وكن من هذا على بصيرة فإنه ينفعنا في جميع أبحاث المسألة.
وإذ قد عرفت ذلك فلنرجع الى البحث عن مدارك القاعدة «أولا» وعن محتواها «ثانيا» ، وعما يتفرع عليها «ثالثا».
١ ـ في أدلة القاعدة
يمكن الاستدلال عليها بعد الإجماع اللائح من كلمات القوم ، وعدم ظهور المخالف فيها ، بالكتاب والسنة وبناء العقلاء.
اما من كتاب الله فقد استدل بقوله تعالى (ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ)(١) وكون الأمين محسنا واضح.
كما ان الضمان سبيل فينفى عنه بمقتضى الآية.
والآية وان وردت في مورد الجهاد واستثناء المرضى والضعفاء وأشباههم عن حكمه إذا نصحوا لله ورسوله ، ولكن التعليل فيها عام يشمل المورد وغيره.
هذا والاستدلال به لا يخلو عن إشكال فإن صدق المحسن بالنسبة إلى الودعي ومن يتبرع بحفظ متاع كآخذ اللقطة ليجد صاحبها ، وشبه ذلك ظاهر ولكن صدقه بالنسبة إلى الأجير والمستعير والعامل في المضاربة ونظائرهم ممن يأخذ المال من مالكه لمنفعة نفسه مشكل جدا ، فاذا لا تندرج تحت الآية الا موارد يسيرة من القاعدة ويخرج منها أكثرها.
وأما من السنة : فهي طوائف كثيرة من الاخبار :
__________________
(١) سورة التوبة : الاية ٩١.
الطائفة الأولى : ما يدل على هذه القاعدة عموما وهي روايات :
منها ما رواه في دعائم الإسلام عن علي عليهالسلام «ليس على المؤتمن ضمان» (١).
ان كان المراد بالمؤتمن هنا الودعي كان خاصا بباب الوديعة ولكن ان كان بمعناه العام يشمل كل أمين ، وكذا لو قلنا بان تعليق الحكم على الوصف دليل على العلية كان بمنزلة العموم.
ومنها ما روي عن طرق الجمهور عن النبي صلىاللهعليهوآله قال «على اليد ما أخذت حتى تؤدي» ثمَّ ان الحسن نسي حديثه فقال «هو أمينك لا ضمان عليه» (٢).
وكان ظاهره انه إذا تلف المال من غير تفريط وعلم فلا ضمان عليه.
الطائفة الثانية : ما علل فيه عدم الضمان بكون صاحبه أمينا الذي هو من قبيل القياس منصوص العلة ، فيستفاد منها عدم الضمان في سائر موارد الأمانة أيضا ، وهي روايات كثيرة :
١ ـ منها ما عن غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله عليهالسلام ان أمير المؤمنين عليهالسلام اتى بصاحب حمام وضعت عنده الثياب فضاعت فلم يضمّنه وقال انما هو أمين (٣).
فقوله «انما هو أمين» بيان للصغرى ، ودليل على ان عدم ضمان الأمين كان أمرا مفروغا عنه ، لا يحتاج الى البيان.
نعم في غير واحد من الروايات تعليل عدم ضمان صاحب الحمام بأنه انما يأخذ الأجر على الحمام ولا يأخذ اجرا على الثياب (٤) ولكن لا منافاة بين التعليلين
__________________
(١) المستدرك ج ٢ ص ٥٠٦ كتاب الوديعة.
(٢) السنن الكبرى للبيهقي ج ٦ كتاب العارية ص ٩٠.
(٣) الوسائل ج ١٣ كتاب الإجارة الباب ٢٨ الحديث ١.
(٤) الوسائل ج ١٣ كتاب الإجارة الباب ٢٨ الحديث ٢ و ٣.
كما سيأتي ان شاء الله ، فان كل واحد منهما جزء من العلة الواقعية.
٢ ـ ما رواه الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : ليس على مستعير عارية ضمان وصاحب العارية والوديعة مؤتمن (١).
فإن قوله عليهالسلام «صاحب العارية والوديعة مؤتمن» في مقام التعليل.
٣ ـ ما رواه في دعائم الإسلام عن أمير المؤمنين عليهالسلام صاحب الوديعة والبضاعة مؤتمنان (٢).
٤ ـ ما عن سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليهالسلام في رجل استأجر ظئرا فغابت بولده سنين ، ثمَّ انها جائت به فأنكرته امه ، وزعم أهلها انهم لا يعرفونه ، قال عليهالسلام ليس عليها شيء الظئر مأمونة (٣).
فإن إطلاق الحكم بأن الظئر مأمونة دليل على ان المراد منه الأمانة في مقابل الغصب ، وعدم ذكر الكبرى فيها دليل على كونها قطعية.
٥ ـ وما رواه ابان بن عثمان عمن حدثه عن أبي جعفر عليهالسلام في حديث قال : وسألته الذي يستبضع المال فيهلك أو يسرق أعلى صاحبه ضمان؟ فقال ليس عليه غرم بعد ان يكون الرجل أمينا (٤).
فإن قوله «بعد ان يكون الرجل أمينا» في مقام التعليل ، فيستفاد منه العموم اما لو كان من قبيل الشرط والتقييد دخل في الأحاديث الناطقة عن الحكم في مقام الإثبات ، ولكنه خلاف الظاهر.
٦ ـ وما رواه حماد عن الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام قال في رجل استأجر أجيرا
__________________
(١) الوسائل ج ١٣ كتاب العارية الباب ١ الحديث ٦.
(٢) المستدرك ج ٢ كتاب الوديعة ص ٥٠٦.
(٣) الوسائل ج ١٩ كتاب الديات أبواب موجبات الضمان الباب ٢٩ الحديث ٢.
(٤) الوسائل ج ١٣ كتاب الوديعة الباب ٤ الحديث ٥.
فأقعده على متاعه فسرقه قال : هو مؤتمن (١).
والظاهر ان قوله فسرقه اي فسرقه سارق فلم يضمّنه لكونه مؤتمنا.
٧ ـ ومن طريق الجمهور ما رواه «الدارمي» في كتاب الوصايا عن النبي صلىاللهعليهوآله «الوصي أمين فيما اوصى اليه به» (٢).
الى غير ذلك مما يطلع عليه المتتبع.
الطائفة الثالثة «ما دل على عدم ضمان الأمين في موارد خاصة» بحيث يمكن اصطياد العموم من ملاحظة مجموعها بحيث لا يبقى شك في انه حكم عام في جميع الأبواب.
١ ـ منها ما ورد في باب الوديعة مثل ما أرسله في المقنع سئل الصادق عليهالسلام عن المودع إذا كان غير ثقة هل يقبل قوله؟ قال : نعم ولا يمين عليه (٣).
وهو وان كان ناظرا الى مقام الإثبات ، الا ان عدم اعتبار الوثاقة فيه ، يدل على عدم الضمان في مقام الثبوت على كل حال.
٢ ـ منها ما ورد في أبواب العارية ، مثل ما رواه الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «إذا هلكت العارية عند المستعير لم يضمنه ، الا ان يكون اشترط عليه» (٤) ومنها ما رواه العامة والخاصة في القضية المعروفة ان رسول الله صلىاللهعليهوآله جاء الى صفوان بن أمية فسأله سلاحا ، ثمانين درعا ، فقال له صفوان : عارية مضمونة أو غصبا؟ فقال له رسول الله صلىاللهعليهوآله : بل عارية مضمونة (٥).
__________________
(١) الوسائل ج ١٣ كتاب الوديعة الباب ٤ الحديث ٢.
(٢) الدارمي كتاب الوصايا ص ٩ (نقله في المعجم المفهرس في مادة أمن).
(٣) الوسائل ج ١٣ كتاب الوديعة الباب ٤ الحديث ٧.
(٤) الوسائل ج ١٣ كتاب الوديعة الباب ١ الحديث ١.
(٥) الوسائل ج ١٣ كتاب العارية الباب ١ الحديث ٥ وروى أبو داود هذه الرواية بطرق مختلفة وعبارات شتى في سننه ج ٣ الباب ٥٤.
دل على ان العارية بطبيعتها لا توجب الضمان الا ان يشترط.
وفي رواية أخرى قال في ذيلها : فجرت السنة في العارية إذا شرط فيها ان تكون مؤداة (١).
٣ ـ منها ما ورد في كتاب الرهن مثل ما رواه ابان بن عثمان عمن أخبره عن أبي عبد الله عليهالسلام انه قال : في الرهن إذا ضاع من عند المرتهن من غير ان يستهلكه ، رجع في حقه على الراهن فأخذه ، فإن استهلكه ترادا الفضل بينهما (٢).
دل على انه إذا تلف الرهن عند المرتهن من دون تقصير ليس بضامن ، وإذا أتلفه كان ضامنا ، ولذا لا يأخذ مما أعطاه إلا الفضل.
وما رواه سليمان بن خالد في الرهن أيضا عن أبي عبد الله عليهالسلام إذا رهنت عبدا أو دابة فمات فلا شيء عليك ، وان هلكت الدابة أو أبق الغلام فأنت له ضامن (٣).
والفرق بين الصورتين ان في الأولى تلف بغير تفريط ، وفي الثانية تفريط منه ، يشهد له قرينة المقابلة.
الى غير ذلك مما ورد في أبواب الرهن ، وهو كثير.
٤ ـ ومنها ما ورد في أبواب المضاربة مثل ما رواه محمد بن قيس عن أبي جعفر عليهالسلام قال قال أمير المؤمنين عليهالسلام : من اتجر مالا واشترط نصف الربح ليس عليه ضمان (٤).
الى غير ذلك مما ورد في «أبواب المضاربة».
٥ ـ ومنها ما ورد في أبواب الإجارة مثل ما رواه محمد بن قيس عن أبي جعفر عليهالسلام قال قال أمير المؤمنين (في حديث) ولا يغرم الرجل إذا استأجر الدابة ما لم
__________________
(١) الوسائل ج ١٣ كتاب العارية الباب ٢ الحديث ١.
(٢) الوسائل ج ١٣ كتاب الرهن الباب ٥ الحديث ٧.
(٣) الوسائل ج ١٣ كتاب الرهن الباب ٥ الحديث ٨.
(٤) الوسائل ج ١٣ كتاب المضاربة الباب ٣ الحديث ٢.
يكرهها أو يبغها غائلة (١).
دل على عدم الضمان ما لم يتعد أو يفرط ـ هذا في إجارة العين واما إجارة النفس :
مثل ما رواه علي بن محمد القاساني قال كتبت إليه يعني أبا الحسن عليهالسلام : رجل أمر رجلا يشتري له متاعا أو غير ذلك ، فاشتراه فسرق منه ، أو قطع عليه الطريق من مال من ذهب المتاع؟ من مال الأمر أو من مال المأمور؟ فكتب عليهالسلام من مال الأمر (٢).
وهو صريح في عدم ضمان الأجير عند عدم التعدي ، فإنه القدر المتيقن منه.
الى غير ذلك مما ورد في هذا الباب.
نعم هناك روايات تدل على تضمين الصائغ والقصار والحائك وغيرهم ، ومن يكون أجيرا مشتركا على الإطلاق ، وروايات دالة على خلافها ، سيأتي الكلام فيها ان شاء الله وانها من قبيل الاستثناء من حكم عدم ضمان الأجير أولها محامل أخر.
٦ ـ ومنها ورد في أبواب الوصية مثل ما رواه محمد بن مسلم قال قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : رجل بعث بزكاة ماله لتقسم ، فضاعت ، هل عليه ضمانها حتى تقسم؟
فقال : إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها فهو لها ضامن ، الى ان قال ـ وكذلك الوصي الذي يوصى اليه يكون ضامنا لما دفع إليه إذا وجد ربه الذي أمر بدفعه إليه ، فان لم يجد فليس عليه ضمان (٣).
وهو يدل على المقصود من جهتين : من جهة عدم كون الأمين في حفظ الزكاة ضامنا ، وكذا من جهة الوصي.
__________________
(١) الوسائل ج ١٣ كتاب الإجارة الباب ٣٢ الحديث ١.
(٢) الوسائل ج ١٣ كتاب الإجارة الباب ٣٠ الحديث ١٥.
(٣) الوسائل ج ١٣ كتاب الوصايا الباب ٣٦ الحديث ١.
وهناك روايات أخر مروية من طرق الجمهور تدل على المقصود.
منها ما رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : من أودع وديعة فلا ضمان عليه (١).
وروى البيهقي عن شعيب مثله عنه صلىاللهعليهوآله الا انه قال من استودع وديعة فلا ضمان عليه (٢).
ومنها ما رواه مصعب بن ثابت قال سمعت عطا يحدث ان رجلا رهن فرسا فنفق في يده ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله للمرتهن : ذهب حقه (٣).
والظاهر ان الضمير عائد إلى الراهن وذهاب حقه بمعنى عدم ضمان المرتهن للعين المرهونة ، وهذا مما ورد في أبواب الرهن.
ومنها ما رواه سعيد بن المسيب ان رسول الله صلىاللهعليهوآله قال لا يغلق الرهن من صاحبه ، له غنمه وعليه غرمه (٤).
هذا أيضا مما ورد في أبواب الرهن.
وقد مر آنفا ان هناك روايات تدل على الضمان في بعض أبواب الإجارة ، والوديعة ، رويت في كتب الفريقين ، وسيأتي الكلام فيها ان شاء الله وانها لا تعارض القاعدة المسلمة ، وهي عدم ضمان الأمين.
الطائفة الرابعة :
ما يدل على ان الضمان مشروط باشتراطه ، الذي يدل بمفهومه على انه لو لا
__________________
(١) سنن ابن ماجه ج ٢ باب الوديعة ص ٨٠٢ الحديث ٢٤٠١.
(٢) السنن الكبرى للبيهقي ج ٦ ص ٢٨٩.
(٣) السنن الكبرى للبيهقي ج ٦ ص ٤١.
(٤) السنن الكبرى للبيهقي ج ٦ ص ٣٩.
الاشتراط ، لما كان هناك ضمان ، أو ان الضمان ثابت إذا خالف الشرط الذي اشترط عليه صاحبه في ماله.
منها ما ورد في أبواب المضاربة مثل ما رواه محمد بن عيسى في نوادره عن أبيه قال قال أبو عبد الله عليهالسلام كان للعباس مال المضاربة ، فكان يشترط ان لا يركب بحرا ، ولا ينزل واديا فان فعلتم فأنتم له ضامنون ، فأبلغ ذلك رسول الله صلىاللهعليهوآله فأجاز شرطه عليهم (١).
الى غير ذلك مما ورد في هذا الباب.
ومنها ما ورد في أبواب الإجارة مثل ما رواه الحلبي قال سئلت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل (خ ـ ما تقول في رجل) تكارى دابة إلى مكان معلوم ، فنفقت الدابة قال ان كان جاز الشرط فهو ضامن (٢).
ومنها ما رواه الحلبي عن ابي عبد الله عليهالسلام انه قال في الرجل يعطى المال ، فيقول له ائت أرض كذا وكذا ولا تجاوزها واشتر منها ، قال فان جاوزها وهلك المال فهو ضامن (٣) الى غير ذلك مما ورد في هذا الباب.
الطائفة الخامسة :
ما يدل على ان الضمان متوقف على التعدي والتفريط الذي يدل بمفهومه على عدم الضمان عند عدمهما.
منها ما ورد في أبواب المضاربة من ان العامل إذا خالف الشرط كان ضامنا ومن الواضح ان مخالفة الشرط من مصاديق التعدي ، مثل ما رواه محمد بن مسلم
__________________
(١) الوسائل ج ١٣ أبواب المضاربة الباب ١ الحديث ١٢.
(٢) الوسائل ج ١٣ أبواب الإجارة الباب ١٧ الحديث ٣.
(٣) الوسائل ج ١٣ أبواب المضاربة الباب ١ الحديث ٢.
عن أحدهما عليهماالسلام قال : سألته عن الرجل يعطى المال مضاربة وينهى ان يخرج به ، فخرج ، قال يضمن المال والربح بينهما (١).
وفي معناه روايات كثيرة أخرى وردت في نفس الباب (٢).
ومنها ما ورد في أبواب الإجارة وانه لو خالف المستأجر الشرط كان ضامنا.
مثل الرواية المعتبرة المعروفة لأبي ولاد الخياط التي لا يزال يستدل بها القوم في أبواب الضمانات ، والرواية طويلة حاصلها انه اكترى بغلا لطلب غريم له ، ولما لم يجده خالف شرط الإجارة ، وذهب به الى امكنة اخرى فسئل أبا عبد الله عليهالسلام عن حكمه بعد ما اتى صاحب البغل عند أبي حنيفة وقال في جملة كلام له : «قلت له (اي للصادق عليهالسلام) أرأيت لو عطب البغل ونفق أليس كان يلزمني؟ قال : نعم ، قيمة بغل يوم خالفته» (٣).
والروايات في هذا الباب أيضا كثيرة رواها في الوسائل في نفس ذاك الباب (٤).
ومنها ما ورد في أبواب الإجارة أيضا من ان المستأجر إذا فرط في حفظ الدابة فعيبت أو هلكت فعليه ضمانها ، مثل ما رواه علي بن جعفر في كتابه عن أخيه موسى ابن جعفر عليهالسلام قال سألته عن رجل استأجر دابة فوقعت في بئر ، فانكسرت ما عليه؟ قال : هو ضامن ، ان كان لم يستوثق منها ، الحديث (٥).
وفي معناها روايات أخرى في نفس الباب (٦).
الى غير ذلك مما ورد في هذا المعنى.
__________________
(١) الوسائل ج ١٣ أحكام المضاربة الباب ١ ح ١.
(٢) روى جميعها في الوسائل في الباب الأول من أبواب أحكام المضاربة.
(٣) الوسائل ج ١٣ أحكام الإجارة الباب ١٧ ح ١.
(٤) رواها في الوسائل في الباب ١٧ من أبواب أحكام الإجارة وفي الباب ١٦ أيضا
(٥) الوسائل ج ١٣ أحكام الإجارة الباب ٣٢ الحديث ٤.
(٦) رواها في الوسائل في الباب ٣٢ من أبواب أحكام الإجارة.
الطائفة السادسة :
ما دل على ان عدم الضمان مشروط بالأمانة والوثاقة.
وهذه الطائفة وان وردت في مقام الإثبات ولكنها دليل على انه لو لم يتعد ولم يفرط في مقام الثبوت فليس بضامن ، والروايات في هذا المعنى كثيرة وإليك نموذج منها.
منها ما رواه عبد الله بن سنان قال سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن العارية ، فقال لا غرم على مستعير عارية إذا هلكت إذا كان مأمونا (١).
ومنها ما رواه ابان عن ابي جعفر عليهالسلام قال وسألته عن الذي يستبضع المال فيهلك أو يسرق ، أعلى صاحبه ضمان؟ فقال ليس عليه غرم بعد ان يكون الرجل أمينا (٢) بناء على ان يكون قوله «بعد ان يكون الرجل أمينا» بمنزلة الشرط لا في مقام التعليل.
والأحاديث في هذا المعنى كثيرة في مختلف أبواب المعاملات.
الطائفة السابعة :
ما دل على ان صاحب اليد ان أقام بينة على عدم التعدي والتفريط لم يكن ضامنا ، والا فهو ضامن ، وهذه الطائفة وان وردت في مقام الإثبات أيضا لكنها دليل على انه إذا لم يتعد ولم يفرط الأمين واقعا فليس بضامن وهي أيضا كثيرة إليك بعضها :
منها ما رواه الحلبي عن ابي عبد الله عليهالسلام في حمّال يحمل معه الزيت فيقول : قد ذهب ، أو أهرق ، أو قطع عليه الطريق ، فان جاء ببينة عادلة انه قطع عليه ، أو ذهب ، فليس عليه شيء والا ضمن (٣).
__________________
(١) الوسائل ج ١٣ أحكام العارية الباب ١ ح ٣.
(٢) الوسائل ج ١٣ أحكام العارية الباب ١ ح ٧.
(٣) الوسائل ج ١٣ أحكام الإجارة الباب ٣٠ ح ١٦.