القواعد الفقهيّة - ج ٢

آية الله ناصر مكارم الشيرازي

القواعد الفقهيّة - ج ٢

المؤلف:

آية الله ناصر مكارم الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مدرسة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام
المطبعة: مدرسة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام
الطبعة: ٣
الصفحات: ٤٢٦
الجزء ١ الجزء ٢

هذا كله إذا لم نقل بان منع المالك عن ترك الانتفاع بماله يكون دائما من قبيل الضرر ، فان كل مال معد للانتفاع وإذا منع منه كان ضررا فتأمّل.

٤ ـ نسبة قاعدة التسلط مع الواجبات المالية

يبقى الكلام في النسبة بين هذه القاعدة وما دل على وجوب الزكاة والخمس في أموال الناس وما دل على ان للميّت حق في ثلث ماله إذا اوصى به ، وكذا ما دل على حجر المفلّس بحكم الحاكم وغير ذلك من أشباهها.

لا ينبغي الشك في ورود بعض ما ذكر على قاعدة التسلط ، فان ما يدل على تشريك الله ورسوله وذوي الحقوق الأخر في أموال الناس ينفي ملكية المالك بالنسبة الى هذا المقدار ، وإذا انتفت الملكية انتفت السلطنة ، وقال الله تعالى (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ)(١).

وقال (فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ)(٢) بناء على كونه ناظرا الى الحقوق الواجبة.

وكذا ما دل على ان الله عزوجل فرض للفقراء في أموال الأغنياء ما يسعهم ، ولو علم ان ذلك لا يسعهم لزادهم.» و «لو ان الناس أدوا حقوقهم لكانوا عائشين بخير» (٣).

فان ظاهره ان الزكاة ليست واجبا تكليفيا فقط ، بل هو حكم وضعي وحق للفقراء في أموال الأغنياء فقوله تعالى (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ ...) وان كان ظاهرا في ان المال لهم ولكن كونهم مالكين انما هو بحسب الظاهر وقبل فرض الزكاة ، لا أقول

__________________

(١) الأنفال : ٤١.

(٢) الذاريات : ١٩.

(٣) الوسائل أبواب الزكاة الباب ١ الحديث ٢.

٤١

انهم شركاء على نحو الإشاعة ، بل أقول ان لأرباب الزكاة حقا وضعيا فيها ، وقد أوضحنا حال هذا الحق وآثاره في أبواب الزكاة ، وانه حق لا كسائر الحقوق له أحكام خاصة واخترنا هذا القول من بين الأقوال الثمانية الموجودة في المسألة في كيفية تعلق حق الفقراء بأموال الأغنياء.

اما إذا لم يكن من هذا القبيل فلا شك ان أدلة تعلق هذه الواجبات المالية حاكمة على قاعدة التسلط لأنها ناظرة إليه ، فلا يبقى شك في تخصيصها بها ولو لم تكن النسبة بينهما عموما وخصوصا مطلقا.

الى هنا تمَّ الكلام في «قاعدة التسلط» ويتلوه الكلام ان شاء الله في قاعدة «حجية البينة».

٩ جمادى الأولى ١٤٠٤

٤٢

٢ ـ قاعدة حجية البينة

تعريفها ومعناها لغة وشرعا

أدلة حجية البينة

شرائطها والقيود المعتبرة فيها

الموارد المستثناة من هذه القاعدة

اعتبار كون البينة في الأمور المحسوسة

كون حجية البينة عاما لكل أحد وبالنسبة الى جميع الاثار

نسبة البينة مع غيرها

تعارض البينتين

٤٣
٤٤

حجية البينة

والمراد منها هنا شهادة عدلين ، أو ما يقوم مقامها من شهادة المرأة ، في جميع الموضوعات ، مما يترتب عليه حكم من احكام الشرع ، فلا يدور الكلام مدار لفظ «البينة» فلا يهمنا البحث في ان تسمية شهادة العدلين باسم البينة هل هي حقيقة شرعية ثابتة من لدن زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أو بعد ذلك في زمن المعصومين عليهم‌السلام أو في لسان الفقهاء؟

والحاصل ان المقصود هنا إثبات قاعدة كلية تقوم على حجية شهادة عدلين في جميع أبواب الفقه ، سواء في باب القضاء أو غيره من الأبواب والموضوعات.

وعدها من القواعد الفقهية ـ لا من المسائل الأصولية ولا المسائل الفقهية ـ انما هو من هذه الجهة ، فإنه لا يبحث هنا عن ما يقع في طريق الاستنباط حتى يكون مسألة أصولية ، بل يبحث عن ما يقع في طريق إثبات الموضوعات.

كما انه ليست من المسائل الخاصة في الفقه ، لأنه يجري في جميع الأبواب من الطهارة إلى الديات ، وعلى كل حال نتكلم في هذه القاعدة في مقامات :

١ ـ المقام الأول : في تعريف البينة ومعناها لغة وشرعا.

٢ ـ المقام الثاني : في أدلة حجيتها بعنوان عام من الكتاب والسنة والإجماع وبناء العقلاء.

٤٥

٣ ـ المقام الثالث : شرائطها والقيود المعتبرة فيها.

٤ ـ المقام الرابع : الموارد المستثناة من هذه القاعدة التي يلزم فيها أربع شهود وما يقوم شهادة المرأة مقام شهادة الرجل.

٥ ـ المقام الخامس : في اعتبار كون البينة في الأمور المحسوسة.

٦ ـ المقام السادس : في كون حجية البينة عاما لكل أحد وبالنسبة الى جميع الاثار.

٧ ـ المقام السابع : في نسبة البينة مع غيرها.

٨ ـ المقام الثامن : في تعارض البينتين.

المقام الأول

في تعريفها ومعناها لغة وشرعا

«البينة» مأخوذة من «بان ، يبين ، بيانا وتبيانا» وهي كما قال «الراغب» في «المفردات» الدلالة الواضحة ، عقلية كانت أو محسوسة ، وسمي الشاهدان بينة لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله «البينة على المدعى واليمين على من أنكر» (١).

وقد استعمل في هذا المعنى (الدلالة الواضحة) في عشرات من الايات في القرآن الحكيم.

وقد استعمل بصورة المفرد في تسعة عشر موضعا من كتاب الله منها قوله تعالى (قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ)(٢).

وقوله تعالى (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ)(٣).

__________________

(١) المفردات : مادة «بين».

(٢) الأعراف : ٧٣ ، ٨٥.

(٣) الأنفال : ٤٢.

٤٦

وبصورة الجمع «البينات» في اثنين وخمسين موضعا ، منها قوله تعالى (لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ)(١) وقوله تعالى (وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّناتٍ وَما يَكْفُرُ بِها إِلَّا الْفاسِقُونَ)(٢).

والمراد منها في جميع هذه الايات على كثرتها هو معناها اللغوي أي الأمر البين الواضح ، سواء كان من المعجزات الباهرات ، أو من الايات القرآنية ، والكلمات الإلهية ، التي نزلت على الأنبياء والرسل.

واستعمل أيضا سائر مشتقاتها من «المبينة» و «المبينات» و «المبين» و «المستبين» وغيرها في آيات كثيرة في هذا المعنى.

ومن الجدير بالذكر انه لم يستعمل في شيء من آيات الكتاب على كثرتها هذه الكلمة في معناها المصطلح في الفقه ، بل استعمل ـ كما سيأتي ـ شهادة العدلين أو الرجلين أو شبه ذلك.

ومن هنا وقع الكلام بينهم في ان لها حقيقة شرعية في شهادة العدلين من لدن زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أو لم تثبت له ذلك ، وانما ثبت كونها حقيقة في هذا المعنى في زمن الصادقين عليهما‌السلام ومن بعدهم من الأئمة عليهم‌السلام ، أو لم يثبت شيء من ذلك؟

الظاهر من كلمات القوم ان البينة كانت حقيقة في هذا المعنى من لدن عصره صلى‌الله‌عليه‌وآله ولذا استدلوا بالحديث المشهور منه صلى‌الله‌عليه‌وآله «إنما أقضي بينكم بالبينات والايمان» على حجية قول العدلين.

قال بعض المحققين : «تبادر هذا المعنى منها في لسان الشرع يرجع الى انصراف المفهوم الكلي الى بعض مصاديقه ، ولذلك لم يحتمل احد من الفقهاء من

__________________

(١) الحديد : ٢٥.

(٢) البقرة : ٩٩.

٤٧

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله «البينة على المدعي واليمين على من أنكر» (١) أو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله «إنما أقضي بينكم بالبينات والايمان» (٢) ان يكون مراده صلى‌الله‌عليه‌وآله غير هذا المعنى.

ولكن يمكن الخدشة فيه بان فهم الفقهاء (رضوان الله عليهم) وتبادر هذا المعنى في أذهانهم ، يمكن ان يكون مستندا الى ما حدث في الأزمنة المتأخرة ، فلا يكون دليلا على كونها حقيقة في هذا المعنى في عصر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ومن بعده.

وقال في «تحقيق الدلائل» بأن اختصاص عنوان البينة في الشريعة عند الإطلاق على ما فوق الواحد ، من الواضحات بأدنى رجوع الى كلماتهم والاخبار ، فبسببه بعد اشتهار قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله «البينة على المدعى.» جعلت شهادة خزيمة ثابت شهادتين وسمى به حتى اشتهر بذي الشهادتين وبه اتفقت الأخبار الحاكية لقضاياهم على شهادة اثنين (انتهى موضع الحاجة) (٣).

فإن كان مراده من ذلك كونه حقيقة في هذا المعنى من لدن زمانه صلى‌الله‌عليه‌وآله فما ذكره لا يثبت شيئا من ذلك ، وجعل شهادة خزيمة شهادتين من قبيل بيان المصداق ولا يدل على انحصار المفهوم فيه.

وقال النراقي في العوائد ان معناها المصطلح في الاخبار هو الشاهد المتعدد ، ويدل عليه توصيفها في رواية منصور عن الصادق عليه‌السلام بالجمع حيث قال «واقام البينة العدول» (٤).

ولذا قال في التنقيح : «والذي يمكن ان يقال ان لفظ البينة لم تثبت لها حقيقة شرعية ولا متشرعة ، وانما استعملت في الكتاب والاخبار بمعناها اللغوي ، وهو ما

__________________

(١) المستدرك كتاب القضاء الباب ٣ من أبواب أحكام الدعوى.

(٢) الوسائل كتاب القضاء الباب ٢ من أبواب كيفية الحكم الحديث ١.

(٣) تحقيق الدلائل ص ٢٥٩.

(٤) العوائد ص ٢٧٧.

٤٨

به البيان وما به يثبت الشيء ، ومنه قوله تعالى (بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ) وقوله تعالى (حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ) وقوله تعالى (إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي) وغيرها من الموارد ، ومن الظاهر انها ليست في تلك الموارد الا بمعنى الحجة وما به البيان ، وكذا في ما ورد عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من قوله «إنما أقضي بينكم بالبينات والايمان» اي بالايمان والحجج ، وما به يبين الشيء ، ولم يثبت في شيء من هذه الموارد ان البينة بمعنى شهادة عدلين وغرضه صلى‌الله‌عليه‌وآله من قوله «إنما أقضي.» على ما نطقت به جملة من الاخبار بيان ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وسائر الأئمة عليهم‌السلام سوى خاتم الأوصياء المهدي (عج) لا يعتمدون في المخاصمات والمرافعات على علمهم الوجداني المستند إلى النبوة والإمامة» (١).

أقول : ولكن مع ذلك كله فهناك قرائن مختلفة واردة في اخبار الباب يمكن ان يستفاد من مجموعها ان البينة كانت حقيقة في هذا المعنى في عصر الأئمة عليهم‌السلام وانتقلت من معناها اللغوي العام الشامل لكل دليل ، الى خصوص شهادة العدلين ، وإليك نماذج منها :

١ ـ ما ورد في ذيل رواية سعدة بن صدقة الاتية ، من قوله «والأشياء كلها على هذا حتى تستبين لك غير هذا أو تقوم به البينة» (٢) فإن جعل الاستبانة في مقابل قيام البينة دليل على ان البينة ليست مطلق الاستبانة والدليل الظاهر الواضح ، بل خصوص شهادة العدلين.

٢ ـ ويدل عليه أيضا ، في رواية منصور قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : «رجل في يده شاة فجاء رجل فادعاها فأقام البينة العدول انها ولدت عنده. وجاء الذي في يده بالبينة مثلهم عدول أنها ولدت عنده.».

فان توصيف البينة بالعدول مرتين في الرواية دليل على ان المراد منها الشهود

__________________

(١) التنقيح ج ١ ص ٢٥٨.

(٢) الوسائل ج ١٢ أبواب ما يكتسب به الباب ٤ الحديث ٤.

٤٩

العدول عند إطلاقها ، ولذا أطلق عنوان البينة على هذا المعنى من غير تغيير بالعدول في نفس هذه الرواية مرارا ، حيث قال الصادق عليه‌السلام في جوابه : «حقها للمدعي ولا اقبل من الذي في يده بينة ، لان الله عزوجل إنما أمر ان تطلب البينة من المدعي فان كانت له بينة والا فيمن الذي هو في يده ، هكذا أمر الله عزوجل» (١).

٣ ـ ما ورد في رواية محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري عن صاحب الزمان (أرواحنا فداه) وفيها قوله في السؤال «أقام به البينة العادلة. وله بذلك كله بينة عادلة» (٢).

فإن توصيف البينة بالعادلة قرينة على ان المراد منها خصوص الشهود لا غير.

٤ ـ ما ورد في رواية أبي بصير عن ابي عبد الله عليه‌السلام «قال سئلت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يأتي القوم فيدعى دارا في أيديهم ويقيم البينة ، ويقيم الذي في يده الدار البينة أنه ورثها عن أبيه ، ولا يدري كيف كان أمرها؟ قال : أكثرهم بينة يستحلف وتدفع إليه» (٣).

فإن تقييد البينة بالأكثرية دليل على ان المراد منها خصوص الشهود فتدبر.

٥ ـ ما ورد في رواية «عبد الله بن سنان» قال سمعت «أبا عبد الله» عليه‌السلام يقول أن رجلين اختصما في دابة الى علي عليه‌السلام فزعم كل واحد منهما انها نتجت عنده على مزودة ، واقام كل واحد منهما البينة سواء في العدد.» (٤).

فان توصيف البينة بقوله سواء في العدد دليل على ان المراد منها الشهود.

٦ ـ وما ورد في تفسير الامام الحسن بن علي العسكري عن آبائه عن أمير المؤمنين

__________________

(١) الوسائل ج ١٨ كتاب القضاء الباب ١٢ من أبواب كيفية الحكم الحديث ١٤.

(٢) الوسائل ج ١٨ كتاب القضاء الباب ١٦ من أبواب كيفية الحكم الحديث ١.

(٣) الوسائل ج ١٨ كتاب القضاء أبواب كيفية الحكم الباب ١٢ الحديث ١.

(٤) الوسائل ج ١٨ كتاب القضاء أبواب كيفية الحكم الباب ١٢ الحديث ١٥.

٥٠

عليه‌السلام قال كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إذا تخاصم اليه رجلان قال للمدعي ألك حجة؟ فان أقام بينة يرضاها ويعرفها أنفذ الحكم على المدعى عليه ، وان لم يكن له بينة حلف المدعى عليه بالله ما لهذا قبله ذلك الذي ادعاه ، ولا شيء منه ، وإذا جاء بشهود لا يعرفهم بخير ولا شر قال للشهود أين قبائلكما فيصفان.» الحديث (١).

فان توصيف البينة بكونها معروفة عنده صلى‌الله‌عليه‌وآله ويرضاها ، دليل على ان المراد منها الشهود ، ولذا ذكر في مقابله بعد تلك العبارة قوله «وإذا جاء بشهود لا يعرفهم بخير ولا شر» فبدل البينة بالشهود فهذا دليل على ان المراد بهما واحد ، فاذا عرف الشهود ورضيها حكم به وان لم يعرفهم بعث الى قبائلهما واستخبر حالهما.

ويتحصل من جميع ذلك ان كونها حقيقة في هذا المعنى في زمن الأئمة عليهم‌السلام بحيث يفهم منها عند إطلاقها لا ينبغي إنكاره ، واما كونها كذلك في زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فهو قابل للتأمل ، وان كان بعض ما مر مشعرا بكونه كذلك حتى في عصره صلى‌الله‌عليه‌وآله والله العالم.

المقام الثاني

في أدلة حجية البينة

ويدل عليها أمور :

الأول «كتاب الله العزيز» وفيه آيات كثيرة تدل على حجية قول العدلين من غير التصريح بعنوان البينة.

منها ما ورد في سورة المائدة في أحكام الوصية (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ)(٢)

__________________

(١) الوسائل ج ١٨ كتاب القضاء أبواب كيفية الحكم الباب ٦ الحديث ١.

(٢) المائدة : ١٠٥.

٥١

ودلالتها على حجية قول العدلين واضحة ، وان لم يكن موردها خصوص الشهادة بل يحتمل كونهما مع ذلك وصيين عن الميت ، فاذا قبلت قولهما في الشهادة والوصاية فقبوله في الشهادة المجردة عن الوصاية بطريق اولى.

واما قوله تعالى (أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ) فالمراد منه على الظاهر شاهدان آخران ثقتان من غير المسلمين إذا لم يوجد من المسلمين ، ولا شك انه مختص بحال الضرورة ، والا فالأيمان شرط بلا اشكال.

واحتمل بعضهم ان يكون المراد من قوله (مِنْكُمْ) من أقاربكم و (غَيْرِكُمْ) اي من الأجانب (١).

وقد يقال ان قوله (أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ) منسوخ ولكن المشهور بين الأصحاب بقائه وعدم نسخه ، وتخصيصه بشهادة أهل الذمة مع تعذر شهادة المسلمين في الوصية.

واما القيود الأخر الواردة في هذه الآية من قوله (تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ.) سواء كانت واجبة أو مستحبة فهي مختصة بموردها ، وما يلحق بها ، ولا ينافي ما نحن بصدده.

ومنها قوله تعالى في حكم كفارة قتل الصيد في حال الإحرام (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ)(٢).

دل على وجوب كون الكفارة مماثلا للحيوان الذي اصطاده ، وحيث ان المماثلة قد تخفى وتكون موردا للشك وجب ان تكون بحكم ذوي عدل ، اي خبرتين عدلين.

__________________

(١) حكاه في «كنز العرفان» عن بعض من لم يسمه (ج ٢ ص ٩٧ كتاب الوصية).

(٢) المائدة : ٩٥.

٥٢

وهل المراد المماثلة في الكبر والصغر والنوع ، أو المماثلة في القيمة؟ الظاهر هو الأول واليه ذهب أصحابنا في ما يوحد له مماثل.

وتقييده بقوله (مِنْكُمْ) بعد ذكر العدالة اما من باب التأكيد لأن العدالة لا ينفك عن الايمان والإسلام ، واما من جهة ان العدالة هنا بمعنى الوثاقة الى قد تجتمع مع الايمان وعدمه ، فذكر هذا القيد لاشتراط الايمان.

نعم يرد عليه ان الآية ناظرة إلى حجية قول أهل الخبرة ، مع ان كلامنا في حجية قول الشاهدين في المحسوسات ، ولكن يمكن الجواب عنه بأن حجية قول العدلين في الحدسيات دليل على حجيته في الحسيات بطريق أولى (فتأمل).

ومنها قوله تعالى في أحكام الطلاق (فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ)(١)

أي إذا بلغت النساء عدتهن ، والمراد ببلوغ العدة ، كما قيل ، مقاربتها أو مشارفة تمامها بحيث يبقى للزوج مجال للرجوع ، فاما ان يرجع إليها ويحسن معاشرتها فيكون من قبيل الإمساك بالمعروف ، أو يتركها حتى يخرج عدتها فيكون من المفارقة بالمعروف.

وهل الاشهاد بالنسبة إلى الرجوع كما قالت الشافعية ، أو راجع الى الطلاق كما ذهب إليه أصحابنا ، وهو المروي عن أئمتنا عليهم‌السلام لكون الكلام في الطلاق ، لا يتفاوت فيما نحن بصدده ، فإنه دليل على حجية قول العدلين اما في الطلاق أو الرجوع وهو المطلوب.

ومنها قوله تعالى في حكم الدين («وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ ... وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ)(٢)

__________________

(١) الطلاق : ٢.

(٢) البقرة : ٢٨٢.

٥٣

دلت الآية على الوجوب أو استحباب كتابة الديون وإشهاد رجلين مسلمين (بقرينة قوله تعالى (مِنْ رِجالِكُمْ) (فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ).

وقوله (مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ ...) إشارة إلى العدالة أو الوثاقة.

وقوله بعد ذلك (وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ) ظاهر في إشهاد عدلين ، الذي سبق ذكره ، فالاية دالة على حجية قول العدلين في الديون وكذا في أبواب البيوع.

وكون هذا الحكم بعنوان الوجوب أو الاستحباب لا يهمنا بعد ما عرفت وقال في كنز العرفان : «الأمر هنا عند مالك للوجوب والأصح انه اما للندب أو الإرشاد إلى المصلحة» (١).

ولو لم يكن المقام مقام الإرشاد أمكن القول بوجوبه لظهور الأمر في الوجوب.

وتحصل مما ذكرنا حجية شهادة العدلين في الطلاق ، والوصية ، والدين ، والبيع ، واحكام الكفارات ، وهل يمكن استفادة العموم من هذه الموارد الخاصة ، أو لا بد من الاقتصار على مواردها ، وعدم التعدي منها الى غيرها؟

الإنصاف أنه بحسب الفهم العرفي يصطاد منها العموم بلا اشكال ، لا سيما مع مناسبة الحكم والموضوع ، وقوله تعالى في أحكام الدين (مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى)(٢) الذي هو من قبيل التعليل وهو دليل على العموم ولا أقل من الاشعار.

وبالجملة لو لم يكن في المقام دليل آخر على العموم كفانا ما ورد في الكتاب العزيز ، ولكن ستعرف ان هناك أدلة كثيرة أخرى أيضا.

وقد يستدل هنا بالآيات الواردة في حكم وجوب الشهادة مثل قوله تعالى (وَلا

__________________

(١) كنز العرفان كتاب الدين ج ٢ ص ٤٧.

(٢) البقرة : ٢٨٢.

٥٤

تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ)(١) وقوله تعالى (وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ)(٢) وغير ذلك.

ولكن الإنصاف أنها بأنفسها غير دالة على المقصود الا ان ينضم إلى الإجماع أو غيرها ، بل يأتي فيها ما ذكر في الأصول في أبواب حجية خبر الواحد ، من ان وجوب الإظهار على العالم ، والإنذار على الفقيه ، وأشباههما لا تدل على حجية قولهم تعبدا ، نعم غاية ما يمكن ان يقال في المقام انها لو لم تكن حجة لكانت لغوا ولكن يكفي في دفع اللغوية حصول العلم منها كثيرا كما يحصل بقول العالم والفقيه.

الثاني : السنة

اما الروايات العامة فهي كثيرة واردة في باب القضاء منها :

١ ـ ما رواه يونس عمن رواه ، قال : استخراج الحقوق بأربعة وجوه ، بشهادة رجلين عدلين ، فان لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ، فان لم تكن امرأتان فرجل ويمين المدعي ، فان لم يكن شاهد فاليمين على المدعى عليه (٣).

ولكنها مرسلة مضافا الى الإضمار وعدم التصريح باسم الإمام المروي عنه فيه.

٢ ـ ما رواه صفوان الجمال في حديث قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام لقد حضر الغدير اثنا عشر ألف رجل يشهدون لعلي بن أبي طالب عليه‌السلام فما قدر على أخذ حقه ، وان أحدكم يكون له المال ويكون له شاهدان فيأخذ حقه (٤).

٣ ـ ما رواه محمد بن سنان عن الرضا عليه‌السلام في ما كتب إليه في جواز مسائله : «والعلة في شهادة أربعة في الزنا واثنتين في سائر الحقوق ، لشدة حد المحصن ،

__________________

(١) البقرة : ٢٨٣.

(٢) الطلاق : ٢.

(٣) الوسائل ج ١٨ كتاب القضاء أبواب كيفية الحكم الباب ١٥ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ج ١٨ كتاب القضاء أبواب كيفية الحكم الباب ١٥ الحديث ٣.

٥٥

لان فيه القتل» (١).

الى غير ذلك مما ورد في هذا المعنى.

٤ ـ منها ما دل على «ان البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه» بنحو عام ، كالخبر المعروف المروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال «البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه» (٢) وهو مروي أيضا عن ابي عبد الله عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله «البينة على من ادعى واليمين على من ادعي عليه» (٣).

٥ ـ ما رواه سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال في كتاب علي عليه‌السلام ان نبيا من الأنبياء شكى الى ربه فقال يا رب! كيف اقضي فيما لم أر ولم اشهد؟ قال فأوحى الله إليه : احكم بينهم بكتابي وأضفهم إلى اسمي ، فحلّفهم به وقال هذا لمن لم تقم له بينة (٤).

والروايات في هذا المعنى كثيرة جدا (رواها في الوسائل في الباب الأول والثاني والثالث من أبواب كيفية الحكم من كتاب القضاء).

ولكن كل ذلك مبينة على ان المراد بالبينة شاهدي عدل ، وقد مر كلامنا في هذا المعنى فراجع.

ثمَّ ان هذه الروايات وان كانت عامة في أبواب القضاء متضافرة ، أو متواترة ولكن لا تشمل الموضوعات المختلفة في أبواب الفقه إذا لم تكن محلا للدعوى ، اللهم الا ان يتمسك بالأولوية ، ويقال : إذا كان الشاهدان حجة في أبواب الحكم والقضاء ، وما فيه النزاع والدعوى ، ففي ما ليس كذلك يكون حجة بطريق أولى ،

__________________

(١) الوسائل ج ١٨ كتاب القضاء أبواب كيفية الحكم الباب ٥ الحديث ٢.

(٢) التاج ج ٣ ص ٦١ كتاب الامارة والقضاء باب البينة على المدعى واليمين على من أنكر.

(٣) الوسائل ج ١٨ كتاب القضاء أبواب كيفية الحكم الباب ٣ الحديث ١.

(٤) الوسائل ج ١٨ كتاب القضاء أبواب كيفية الحكم الباب ١ الحديث ١.

٥٦

وليس ببعيد.

واما الروايات العامة التي تشمل الأبواب كلها سواء أبواب القضاء وغيرها فلم نجد منها غير رواية «مسعدة بن صدقة» المروية عن «أبي عبد الله عليه‌السلام» قال سمعته يقول : «كل شيء هو لك حلال حتى تعلم انه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك وذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته وهو السرقة ، والمملوك لك لعله حر قد باع نفسه ، أو خدع فبيع قهرا ، أو امرأة تحتك وهي أختك أو رضيعتك ، والأشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البينة» (١).

وأورد عليها تارة بضعف السند للإشكال المعروف في وثاقه «مسعدة» فإن النجاشي والعلامة في الخلاصة والشيخ في الفهرست والكشي وغيرهم ذكروه من غير توثيق ، مضافا الى انه عامي بتري ولكن أجيب عنه بان عمل الأصحاب يوجب انجبارها.

هذا ولكن وجود روايات كثيرة وآيات متعددة على حجية شهادة العدلين يمنع عن العلم أو الظن بكون استناد الأصحاب في إثبات حجيتها إلى رواية مسعدة.

وأورد عليها من حيث الدلالة أيضا أو لا بان المراد من البينة معناها اللغوي ، وهو الدليل الواضح الظاهر ، ولا أقل من الشك فالرواية مجملة.

ولكن قد عرفت انها وان كانت بهذا المعنى في اللغة ، والاستعمالات القرآنية ولكن نقلت الى المعنى الشرعي ، لا سيما في زمن الصادقين عليهما‌السلام.

وهنا قرينة واضحة في نفس الرواية على هذا المعنى أيضا فإنه جعلت البينة في مقابل الاستبانة العلمية ، فقال «حتى تستبين أو تقوم به البينة» وهذا يدل على ان المراد بالبينة غير ما هو معناها اللغوي ، والا لم يحتج اليه بعد ذكر الاستبانة.

وثانيا ان البينة في الرواية جعلت غاية للحليّة ، فغاية ما يستفاد منها ان الحلية

__________________

(١) الوسائل كتاب التجارة أبواب ما يكتسب به الباب ٤ الحديث ٤.

٥٧

المستندة إلى أصالة الحل تنتهي بقيام البينة ، واما ان البينة حجة في نفسها فلا دليل عليه.

والانصاف سقوط هذا الاشكال جدا ، فان ظاهرها ـ لا سيما بقرينة عطف البينة على الاستبانة ـ انه إذا قام البينة ، أو الدليل العلمي على الحرمة ، يؤخذ بها ، لأنها حجة ، فإذا لا يبقى مجال بلا اشكال على الرواية من حيث الدلالة.

وهاهنا اشكال آخر لا من هذه الناحية ، بل من جهة ان الحلية في الأمثلة المذكورة في الرواية ليست مستندة الى أصالة الحل ، بل في مسألة الثوب ، والعبد مستندة الى حجية اليد ، وفي مسألة الرضاع مستندة الى استصحاب عدمه ، فشيء من الأمثلة غير منطبق على قاعدة الحل.

ولكن يمكن ان يجاب عنه أو لا بان المراد من الاستناد إلى قاعدة الحل انه مع قطع النظر عن اليد والاستصحاب الحكم هو الإباحة فتأمل ، أو ان ذكر الأمثلة من باب التقريب الى الذهن.

وثانيا وجود الاشكال فيها من حيث الأمثلة وعدم العلم بمحتواها ومغزاها من هذه الناحية ، لا يمنع عن الأخذ بالكبرى الواردة فيها فتدبر.

هذا وقد ورد روايات خاصة كثيرة في مختلف أبواب الفقه لا يمكن إحصاء جميعها في هذا المختصر ، ولكن يمكن اصطياد العموم من مجموعها ، واستظهار الإطلاق من ناحيتها ، بحيث لا يبقى شك للناظر فيها في حجية البينة مطلقا وإليك نماذج من هذه الروايات نلقيها عليك من أبواب مختلفة من كل باب نموذجا.

منها ما ورد في أبواب النكاح ، عن يونس : «قال سئلته عن رجل تزوج امرأة في بلد من البلدان فسألها لك زوج؟ فقالت لا ، فتزوجها ، ثمَّ ان رجلا أتاه فقال هي امرأتي فأنكرت المرأة ذلك ، ما يلزم على الزوج؟ فقال هي امرأته الا ان

٥٨

يقيم البينة» (١).

ومن طرق العامة ما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال : لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل (٢).

وفي رواية أخرى المروي عن طرقنا عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام قال لأبي يوسف : «ان الله أمر في كتابه بالطلاق ، وأكد فيه بشاهدين ، ولم يرض بهما الا عدلين ، وأمر في كتابه بالتزويج ، فأهمله بلا شهود ، فأثبتّم شاهدين فيما أهمل ، وأبطلتم الشاهدين فيما أكد» (٣)!

وفي غير واحد منها انه انما جعلت البينة في النكاح من أجل المواريث.

وهناك روايات أخر واردة في أبواب ٢٢ و ٢٣ وغيرهما من كتاب النكاح في الوسائل مما يدل على هذا المعنى.

ومنها ما ورد في أبواب الطلاق من اشتراط صحة الطلاق بوجود شاهدين عدلين ، فان هذا ليس تعبدا محضا ، بل الظاهر ان اعتبار الشهود من جهة عدم خفاء طلاق المرأة ، وإمكان إثباته في المستقبل ، سواء عند القضاة أو غيرهم ، فلا يرجع هذا الحكم إلى حجية البينة في أبواب القضاء فقط.

فعن بكير بن أعين وغيره عن أبي جعفر عليه‌السلام : «وان طلقها للعدة بغير شاهدي عدل فليس طلاقه بطلاق» (٤).

__________________

(١) الوسائل ج ١٤ كتاب النكاح أبواب عقد النكاح الباب ٢٣ الحديث ٣.

(٢) سنن البيهقي ج ١٠ ص ١٤٨ والتاج ج ٢ ص ٢٩٣ كتاب النكاح.

(٣) الوسائل ج ١٤ كتاب النكاح أبواب مقدماته الباب ٤٣ الحديث ٥.

(٤) الوسائل ج ١٥ كتاب الطلاق أبواب مقدماته الباب ١٠ الحديث ٢ وفي معناها الحديث ٣ و ٤ و ٧ و ٨ و ١٢ و ١٣.

٥٩

ومنها ما ورد في أبواب رؤية الهلال من كتاب الصوم ، مثل ما عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «ان عليا عليه‌السلام كان يقول : لا أجيز في الهلال إلا شهادة رجلين عدلين» (١).

وما رواه حماد بن عثمان عنه عليه‌السلام أيضا قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : «لا يجوز شهادة النساء في الهلال ولا يجوز إلا شهادة رجلين عدلين» (٢).

وما رواه منصور بن حازم عنه عليه‌السلام أيضا : انه قال : «صم لرؤية الهلال وأفطر لرؤيته ، وان شهد عندك شاهدان مرضيان بأنهما رأياه فاقضه» (٣).

ومثله روايات كثيرة أخرى أوردها في الوسائل في أبواب الصيام.

وهذا المعنى مروي من طرق أهل السنة أيضا مثل ما رواه ابن عمر وابن عباس عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قالا : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا يجيز على شهادة الإفطار إلا شهادة رجلين (٤).

ولكن ورد من طرقهم كفاية شهادة الرجل الواحد أيضا.

ومنها ما ورد في أبواب الأطعمة في باب الجبن عن أبي عبد الله عليه‌السلام حيث شك بعض أصحابه في حليته لما وصل إليهم من وضع إنفحة الميتة ، فيها قال عليه‌السلام : «كل شيء لك حلال حتى يجيئك شاهدان يشهدان ان فيه ميتة» (٥).

وقد ذكرنا في محله ان إنفحة الميتة وان كانت طاهرة وحلالا عند الأصحاب ولكن يمكن نجاسة ظاهرها بالملاقاة مع الرطوبة بالميتة.

__________________

(١) الوسائل ج ٧ كتاب الصوم أبواب أحكام شهر رمضان الباب ١١ الحديث ١

(٢) الوسائل ج ٧ كتاب الصوم أبواب أحكام شهر رمضان الباب ١١ الحديث ٣

(٣) الوسائل ج ٧ كتاب الصوم أبواب أحكام شهر رمضان الباب ٣ الحديث ٨.

(٤) سنن البيهقي ج ٤ ص ٢١٢ (باب الشهادة على رؤية هلال رمضان).

(٥) الوسائل ج ١٧ كتاب الأطعمة والأشربة أبواب الأطعمة المباحة الباب ١٦ الحديث ٢.

٦٠