القواعد الفقهيّة - ج ٢

آية الله ناصر مكارم الشيرازي

القواعد الفقهيّة - ج ٢

المؤلف:

آية الله ناصر مكارم الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مدرسة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام
المطبعة: مدرسة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام
الطبعة: ٣
الصفحات: ٤٢٦
الجزء ١ الجزء ٢

أو الإتلاف تعمدا فعليه الضمان.

مثل ما رواه محمد بن قيس عن ابي جعفر عليه‌السلام في قضايا أمير المؤمنين عليه‌السلام قال قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في رجل أعار جارية فهلكت من عنده ولم يبغها غائلة ، فقضى ان لا يغرمها المعار ، ولا يغرم الرجل إذا استأجر الدابة ما لم يكرهها أو يبغها غائلة (١).

فان في قوله ما لم يكرهها أو يبغها غائلة دلالة ظاهرة على انه لو أتلفها كان عليه الضمان.

وما رواه عبد الله بن سنان عن أبا عبد الله عليه‌السلام قال سألته عن العارية فقال لا غرم على مستعير عارية إذا هلكت إذا كان مأمونا (٢).

وفي معناه روايات أخر واردة في ذاك الباب بعينه.

الطائفة العاشرة : ما ورد في أبواب الزكاة وان من بعث بزكاته إلى أخيه ليقسمها ففسدت أو تغيرت فهو ضامن لها إذا وجد لها أهلا.

مثل ما رواه زرارة قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل بعث إليه أخ له زكاته ، ليقسمها فضاعت ، فقال ليس على الرسول ولا على المؤدي ضمان قلت فإنه لم يجد لها أهلا ففسدت وتغيرت أيضمنها؟ قال لا ، ولكن إذا عرفت لها أهلا فعطبت أو فسدت فهو لها ضامن حتى يخرجها (٣).

فإن إبقاء الشيء الذي يقبل الفساد مع وجود المصرف له من مصاديق الإتلاف والإفساد فيدخل في قاعدة من أتلف.

فهذه طوائف عشر كلها تدل على المطلوب ، مضافا الى غير ذلك مما يجده المتتبع في مختلف أبواب الفقه وكتبه مما يدل بوضوح على ان «ضمان من أتلف

__________________

(١) الوسائل ج ١٣ أبواب أحكام العارية الباب ١ الحديث ٩.

(٢) الوسائل ج ١٣ أبواب أحكام العارية الباب ١ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ج ٦ كتاب الزكاة أبواب المستحقين للزكاة الباب ٣٩ الحديث ٢.

٢٠١

مال غيره» كان من المسائل الواضحة عند جميع الناس ، ولذا لم يقع السؤال عن أصل المسألة ، بل عن مصاديقها المشكوكة ، وقد عرفت ان غير واحد منها يدل على العموم بمقتضى التعليلات الواردة فيها ، وما لا يدل على العموم يمكن إلغاء الخصوصية عنه ، بعد ما عرفت من وروده في أبواب كثيرة غاية الكثرة ، حيث لا يحتمل احد اختصاص الأحكام الواردة فيها بمواردها ، ولعمري ان المسألة من الوضوح بمكان لا يرتاب فيها احد.

٣ ـ بناء العقلاء

هذه القاعدة كما ذكرنا قاعدة عقلائية مضافا الى كونها شرعية كما في كثير من القواعد الفقهية بل جلها أو كلها ، ولا يزال العقلاء وأهل العرف يستندون إليها في أمورهم ، ويرون من أتلف مال الغير بدون حق ضامنا لما أتلفه من اي جنس ومن اي نوع من المنافع ولا ينكر ذلك احد على احد بل يعدون كبرى القاعدة من المسلمات التي لا كلام لهم فيها ويلتمسون صغراها ومصاديقها ، فلو تمت الصغرى عندهم وثبت موضوع الإتلاف بالنسبة إلى عين أو منفعة ، كان الضمان مفروغا عنه عندهم.

ولا فرق في ذلك بين أرباب المذاهب وغيرهم ، وكثيرا ما يوسعون دائرتها أكثر مما ورد في الشرع فيحكمون بضمان منافع الحر عند إتلافها ويقولون بوجوب التدارك المالي عند هتك الاعراض وشبهها ، وبالجملة كون القاعدة عندهم من المسلمات مما لا ينبغي الشك فيه ، وحيث لم يردع عنها الشارع بل أمضاها في كثير من كلماته فهي ثابتة في الشرع أيضا ، ولعمري ان هذا من أقوى الأدلة على المسألة نعم لها استثنائات عندهم كما هو كذلك في الشرع ولكن هذا قادحا في عمومها فيما لم يثبت الاستثناء بدليل.

وان شئت اختبر حالهم في اصطدام السيارات فإنهم يرون السبب الأصلي

٢٠٢

ضامنا ولكن لا يزالون يبحثون ويفتشون عنه ، حتى انه قد يخفى امره ويسئل أهل الخبرة في ذلك ، واما إذا ثبت ان السبب في الإتلاف من هو ، فلا يشك احد منهم في وجوب أداء الخسارة عليه ويتعجبون غاية العجب ممن يقربانه السبب في الخسارة والإتلاف ولكن لا يعترف بوجوب جبرانها وتداركها.

٤ ـ الإجماع

ويدل على حجية القاعدة إجماع العلماء وأهل الشرع أيضا ، والإجماع وان لم يكن حجة في مثل هذه الموارد ، مما يكون فيه أدلة أخرى يمكن استناد المجمعين إليها ، ولكن يؤيد المقصود ويسدد الأدلة الأخرى.

قال شيخ الطائفة في المبسوط : الماشية إذا أفسدت زرعا لقوم فان كانت يد صاحبها عليها فعليه ضمان ما أتلف لأن جنايتها كجنايته ، وفعلها كفعله (١).

وقال أيضا إذا كان لرجل كلب عقور فلم يحفظه فأتلف شيئا كان عليه ضمانه لأنه مفرط في حفظه (٢).

ومن الجدير بالذكر أنه أرسل الحكم بالنسبة إلى ضمان المتلف إرسال المسلمات ، ولم يتعرض له بل انما تعرض لبعض مصاديقه الذي قد يخفى على الناظر فاكتفى بمساواة جناية الماشية أو الكلب العقور لجناية صاحبها في إثبات الضمان ، فلو لم يكن ضمان المتلف من الواضحات لم يقنع بذلك حتى انه لم يستدل بالإجماع لإثبات الكبرى هنا لكونها أوضح من أن يحتاج اليه.

وقال العلامة في التذكرة : المباشر للإتلاف ضامن بلا خلاف (٣).

وقال في الجواهر : الطبيب يضمن ما يتلف بعلاجه ان كان قاصرا. بلا خلاف

__________________

(١) المبسوط ج ٨ ص ٧٢ كتاب الدفع عن النفس.

(٢) المبسوط ج ٨ ص ٧٢ كتاب الدفع عن النفس.

(٣) التذكرة ج ٢ ص ٣٧٤.

٢٠٣

أجده في شيء من ذلك. وفي الرياض : هذا الحكم مما لم نجد خلافا فيه ، في صورة كان الطبيب قاصرا (١).

وقال أيضا في شرح قول المحقق «وهنا أسباب أخرى يجب معها الضمان. الأول مباشرة الإتلاف» ما نصه : بلا خلاف فيه بين المسلمين فضلا عن المؤمنين بل الإجماع بقسميه عليه ان لم يكن ضروريا (٢).

والانصاف ان هذا الحكم ضروري عند المسلمين كما أشار اليه.

وقال أيضا في مسألة «لو أرسل في ملكه ماء فأغرق مال غيره أو أجج فيه فأحرق لم يضمن ما لم يتجاوز قدر حاجته اختيارا» بلا خلاف أجده فيه ، ثمَّ قال الا ان الانصاف عدم خلو ذلك عن النظر ضرورة المفروغية من قاعدة من أتلف التي لهجت بها ألسنة الفقهاء في كل مقام (٣).

وقال العلامة الأنصاري قدس‌سره في مكاسبه : إذا أتلف المبيع فان كان مثليا وجب مثله بلا خلاف (٤).

وقال السيد الرشتي في كتابه المعروف (الغصب) عند ذكر أسباب الضمان غير اليد وهو كثيرة الا أن مرجعها إلى شيء واحد وهو الإتلاف فنقول انه ينقسم الى قسمين أحدهما ما كان على وجه المباشرة وثانيهما ما كان على وجه التسبيب.

أما الأول فلا اشكال ولا كلام في موضوعه ولا في حكمه لأن مباشرة الإتلاف أمر متضح كما ان إيجابه الضمان من الواضحات المجمع عليها (٥).

الى غير ذلك مما طفحت به آثارهم وكلماتهم في مصنفاتهم في الفقه وغيره ،

__________________

(١) الجواهر ج ٤٣ كتاب الديات ص ٤٤.

(٢) الجواهر ج ٣٧ كتاب الغصب ص ٤٦.

(٣) الجواهر ج ٣٧ كتاب الغصب ص ٥٩.

(٤) المكاسب ص ١٠٥.

(٥) كتاب الغصب ص ٢٩.

٢٠٤

ما لو حاولنا نقله لكان كتابا ضخما ، وفيما ذكرنا غنى وكفاية ،

فلنرجع الى بيان ما بقي في المسألة في القاعدة من الخصوصيات بذكر تنبيهات :

تنبيهات

الأول : ـ الإتلاف اما بالمباشرة أو بالتسبيب

ذكر الفقهاء رضوان الله عليهم في كلماتهم تقسيم الإتلاف على قسمين : الإتلاف بالمباشرة وبالتسبيب وقد يقال في تعريف الأول ان ضابط المباشرة صدق نسبة الإتلاف اليه ، وفي تعريف الثاني ان ضابط السبب ما لولاه لما حصل التلف ، لكن علة التلف غيره ، كحفر البئر ونصب السكين وإلقاء الحجر (يعني في الطريق) فان التلف عنده بسبب العثار (١).

وقد يقال المراد بالمباشرة أعم من ان يصدر منه الفعل بلا آلة كخنقه بيده ، أو ضربه بها ، أو برجله ، فقتل به ، أو بآلة كرميه بسهم ونحوه ، أو ذبحه ، أو كان القتل منسوبا اليه بلا تأول عرفا ، كالقائه في النار أو غرقه في البحر ، أو إلقائه من شاهق ، الى غير ذلك من الوسائط التي معها تصدق نسبة القتل اليه.

وقال العلامة في كتاب الديات من القواعد عند تعريف السبب ، ان السبب هو كل ما يحصل التلف عنده بعلة غيره ، الا انه لولاه لما حصل من العلة تأثير كالحفر مع التردي.

وقال ولده قدس‌سرهما في الإيضاح لو حبس الشاة أو حبس المالك عن حراسة ماشيته فاتفق تلفها ، أو غصب دابة فتبعها ولدها يصدق في الأول من انه مات بسببه لصحة إسناده إليه عرفا ، ولان السبب هو فعل ما يحصل الهلاك عنده لعلة سواه وهذا تفسير بعض الفقهاء ، وزاد آخرون ولولاه لما أثرت العلة ، وهذا التفسير اولى.

__________________

(١) ذكره في الجواهر في شرح كلام المحقق ج ٤٣ ص ٤٣ و ٩٥.

٢٠٥

والانصاف ان كثيرا من هذه التعاريف غير نقية عن الإشكال ، فإن اسناد التلف في جميع ذلك ثابت عرفا ، فمن القى حجرا في طريق مظلم فمر به إنسان فعثر وهلك أو وقع به خسارة اخرى يسند القتل والجرح اليه ، وكذلك من حفر بئرا في الطريق وأخفاه فعبر عنه عابر فوقع فيه وهلك يسند القتل الى الحافر ، فليس الفرق بين المباشرة والتسبيب بالإسناد في الأول ، وعدمه في الأخير ، بل الاسناد فيهما ثابت من دون فرق.

قال في مفتاح الكرامة في كتاب الديات ما حاصله ان الموجب للقتل أمور : «العلة» وهي ما يسند اليه الموت ، و «السبب» وهو ماله أثر في الموت ولكن لا بالمباشرة ، بل يولده ولو بوسائط وقد يتخلف الموت عنه ولا يتخلف عن العلة كما في شهادة الزور وتقديم الطعام المسموم الى غيره ، والإكراه على شرب السم و «الشرط» ما يقف عليه تأثير المؤثر ولا مدخل له في الفعل كحفر البئر في الطريق إذ الوقوع فيه مستند إلى التخطي.

ثمَّ قال كان السبب هنا أعم من فعل السبب بالمعنى المذكور هناك وفعل الشرط انتهى ملخصا (١).

أقول : وقد اضطربت كلماتهم في هذا المقام في تعريف السبب وغيره حين ما لم يتعرض كثير منهم لمعنى السبب هنا بل اكتفى بذكر الأمثلة الواردة في الروايات كحفر البئر والإضرار بطريق المسلمين.

لكن المهم انه لم يرد في نصوص الباب شيء من هذه العناوين الثلاثة (المباشرة والتسبيب وإيجاد الشرط) بل المدار على صدق عنوان الإتلاف عمدا أو خطأ ، والظاهر ان النصوص الخاصة الواردة في المقام لا تتعدى عما يصدق عليه هذا العنوان عرفا.

__________________

(١) مفتاح الكرامة كتاب الديات ص ٢٧٧.

٢٠٦

ولكن يظهر من كلمات غير واحد منهم ان الحكم في مثل البئر وغيره على خلاف القاعدة يقتصر على ما ورد في النص ، أو يفهم منه بإلغاء الخصوصية.

قال في الجواهر : يترتب الضمان على ما ثبت من الشرع به الضمان من هذه المسماة بالشرائط عندهم ، أو الأسباب ، وليس في النصوص استقصاء لها ولكن ذكر جملة منها ومنه يظهر وجه إلحاق ما ماثلها (١).

والحق كما عرفت ان السبب أو الشرط أو أي شيء سميته داخل في إطلاقات الإتلاف وليس فيه شيء مخالف للقواعد حتى انه لو لم تكن عندنا النصوص الخاصة لقلنا بضمان حافر البئر ، وناصب السكين ، وغير ذلك من أشباهه بالنسبة إلى النفوس والأموال ، واحاديث الباب مؤكدة لما ذكرنا (راجع الأبواب ٨ ـ ٩ ـ ١١ ـ ٣٢ من أبواب موجبات الضمان من المجلد ١٩ من الوسائل).

وان شئت ان تفرق بينهما (بين المباشرة والتسبيب) فقل «المباشرة» ما يكون من قبيل العلة و «التسبيب» ما يكون من قبيل الشرائط والمعدات ، فالسبب هنا غير السبب بمعناه المعروف في الفلسفة أو الأصول بل هو هنا أشبهه شيء بالمعدات والشرائط المصطلحة هناك ولكن على كل حال قد عرفت ان الاحكام الفقهية لا تدور مدارها والمعيار في كل حال على الاسناد عرفا سواء كان من قبيل السبب أو المباشرة أو غيرهما.

الثاني : في تعدد الأسباب

إذا اجتمع سببان للإتلاف على شيء واحد فقد يكون كل واحد علة مستقلة في الإتلاف كما إذا حفر رجل بئرا ونصف آخر فيه سكينا ، فعثر إنسان فسقط فيه إذا كان السقوط بنفسه علة للتلف وكان السكين أيضا علة مستقلة له.

__________________

(١) الجواهر ج ٤٣ ص ٩٧.

٢٠٧

وأخرى لا يكون كل واحد بنفسه علة مستقلة كما إذا كان البئر قصيرا أو السكين غير حديد ، ولم يكن كل منهما مستقلا سببا للتلف بل هما معا مؤثران في ذلك.

أما في الأخير فلا شك في اشتراك الأسباب في الضمان وأما في الأول ففيه أقوال فعن جماعة كون الضمان على السابق ، وقد يقال انه أشهر (كما في مفتاح الكرامة) وقد يقال بالاشتراك في الضمان مطلقا ، تقارنا أو تقدم أحدهما على الأخر ، وهناك احتمال ثالث وهو ان السبب الأقوى هو منشأ الضمان ففي مثال حفر البئر ونصب السكين الضمان على ناصب السكين إذا كان قاطعا موجبا للهلاك (ذكره في مفتاح الكرامة احتمالا ولم يذكر قائله ولكن مال هو اليه).

والمسألة غير منصوصة في روايات الباب والظاهر ان الضمان عليهما إذا كان الاستناد إليهما كما هو كذلك إذا كان كل واحد عدوانا ، من دون فرق بين المتقدم والمتأخر ، أو المتقارنين ، والعمدة فيه ما عرفت من صحة الاستناد إليهما جميعا ، نعم إذا كان أحدهما عامدا والأخر غير عامد لا يبعد كون الضمان على العامد والعلة فيه ما عرفت فتدبر.

التنبيه الثالث : لا فرق بين العلم والجهل في الإتلاف

المعروف ان الإتلاف موجب للضمان سواء صدر عن علم وعمد ، أو عن جهل وغفلة ، حتى في حال النوم ، لإطلاق بعض الأدلة السابقة وان كان بعضها مختصا بحال الاختيار ، وما ذكره بعض أعاظم العصر من عدم ضمان النائم إذا انقلب وأتلف نفسا أو طرفا منها لا في ماله ولا على عاقلته (١) قول تفرد به في مقابل القائلين بالضمان على النحو الأول أو الثاني ، فكأنه ناش عن عدم شمول أدلة القتل العمد والخطأ

__________________

(١) راجع مباني تكملة المنهاج ج ٢ ص ٢٢٢.

٢٠٨

له ولما قصر الدليلان حكم بالبراءة.

وهذا الكلام لو سلمناه في باب النفوس لا يجري في باب الأموال ، فإن بعض أدلة ضمان المال عند الإتلاف عام شامل لجميع أقسامه بدون فرق ، هذا مع ان ما افاده غير تام في مورد النفوس أيضا ، فإن النفوس والأطراف لا يمكن ذهابها بغير شيء إذا حصل بسبب إنسان.

هذا هو الذي يستفاد من مجموع أدلة أبواب الديات ، ولذا ورد النص من باب الظئر انها ضامنة على كل حال لو أتلفت طفلا وهي نائمة ، ولكن ان كانت انما ظايرت طلب العز والفخر فالدية من مالها خاصة ، وان كانت انما ظايرت من الفقر فإن الدية على عاقلتها (١).

وليت شعري أي فرق بين النائم والغافل فكما ان الغافل إذا قتل إنسانا أو أفسد مالا وجب تداركه فكذلك النائم.

والعمدة ان استثناء التلف في جميع هذه الموارد الى سببه ثابت عرفا بلا ريب ومع الاستناد ، الضمان ثابت ، غاية الأمر ان الحكم في أبواب الديات يختلف بين العمد وغيره ، ولكن في أبواب ضمان المال والمنافع والحقوق لا فرق بينهما أصلا.

التنبيه الرابع : الفرق بين الغصب والإتلاف

النسبة بين الغصب والإتلاف ما ذا؟

قد يقال ـ كما عن بعض ـ انها عموم من وجه ، ولكن الإنصاف ان الغصب والإتلاف مفهومان مختلفان لا يصدق واحد منهما على الأخر ، بأي معنى عرف الغصب سواء ما عن أهل اللغة في تفسيره ، مثل ما عن الصحاح انه أخذ الشيء ظلما ، وما

__________________

(١) الوسائل ج ١٩ الباب ٢٩ من أبواب موجبات الضمان الحديث ٢١.

٢٠٩

عن النهاية انه أخذ مال الغير ظلما وعدوانا ، وما عن بعض الشافعية زيادة جهارا ، لتخرج السرقة ونحوهما ، وفي الشرائع والقواعد وغيرهما انه الاستقلال بإثبات اليد على مال الغير عدوانا (ذكروه في كتاب الغصب).

وقريب منه ما عن بعض آخر انه الاستيلاء على مال الغير بغير حق.

ومن المعلوم ان جميع ذلك مباين للإتلاف فإن أخذ الشيء عدوانا ، أو جهارا أو الاستقلال بإثبات اليد على مال الغير ، أو شبه ذلك ، قد يكون من مقدمات الإتلاف وقد لا يكون ، وكيف كان ليس بإتلاف ، فرب شيء يستولي الإنسان عليه عدوانا ولا يتلفه ، وبالعكس رب شيء يتلفه الإنسان ولا يستولي عليه ، كما في من القى حجرا من خارج الدار فكسر بعض ما فيه.

نعم الغصب ملازم في الغالب لإتلاف المنافع ، فان من استولى على شيء واستوفى منافعه ، أو تلف المنافع تحت يده بغير استيفاء ، فغصبه ملازم لإتلاف بعض المنافع ، ولكن مع ذلك قد ينفك منه ، كما إذا أخذ بزمام الدابة أو استولى على السيارة ، وكان سائقها ولكن استوفى منافعه في تلك الحالة مالكها بالركوب عليها.

وبالجملة لا تلازم بين «الغصب» و «الإتلاف» ، بل لكل منها مفهوم مستقل.

ولكن العمدة انه ليس عنوان الغصب مأخوذا في لسان أدلة الاحكام ، الا نادرا مثل «الغاصب يؤخذ بأشق الأحوال» مع ما فيه أيضا من الكلام ، كما ان الإتلاف أيضا كذلك ، لما عرفت من ان قاعدة «من أتلف مال الغير فهو له ضامن» مصطادة مما ورد في موارد مختلفة لا بهذا اللفظ ، بل بما يكون من مصاديقه أو يوافقه معنى ، فلا يهمنا البحث لا عن لفظة «الغصب» ، ولا عن لفظة «الإتلاف» بعد عدم الاعتماد عليهما في لسان أدلة الشرع.

٢١٠

١٠ ـ قاعدة ما يضمن وما لا يضمن

(كل عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده وكل عقد لا يضمن)

(بصحيحه لا يضمن بفاسده)

جمع ممن تعرض للقاعدة

مفاد القاعدة ومغزاها

مدركها من الإجماع وسيرة العقلاء ، وقاعدة اليد ، ولا ضرر ، وقاعدة الإقدام

العمدة فيها قاعدة احترام الأموال

موارد شمولها

ما المراد بالضمان هنا؟

هل العموم باعتبار أنواع العقود أو أصنافها وأشخاصها

شمول القاعدة للمنافع والأعمال

٢١١
٢١٢

قاعدة ما يضمن

والكلام فيه يقع في مقامات :

المقام الأول : في من تعرض لها

من القواعد المعروفة في لسان المتأخرين قاعدة «ما يضمن» إثباتا ونفيا ، وهي انه كل عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده ، وكل عقد لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده.

وهذه القاعدة بهذه العبارة وان لم توجد في كلمات قدماء الأصحاب ، ولا وقعت في مقعد إجماع منهم ولا في شيء من النصوص ، الا ان القول بمفادها محكي عن الشيخ قدس‌سره في المبسوط ، وشاع الاستدلال بها بين المتأخرين والمعاصرين ، في مختلف أبواب الفقه.

فهذا هو المحقق البارع صاحب الجواهر استدل بها في كتاب «التجارة» و «الإجارة» و «العارية» و «الوكالة» و «الشركة» و «الرهن» وغيرها.

قال في كتاب «التجارة» عند قول المحقق : «لو قبض المشتري ما ابتاعه بالعقد الفاسد لم يملكه وكان مضمونا عليه» ما نصه : «ومن ذلك كله ظهر لك الوجه فيما ذكروه هنا في الاستدلال على الحكم المزبور من قاعدة كل ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده ، التي قد يظهر من بعضهم الإجماع عليها.

٢١٣

نعم قد يتوقف فيما صرحوا به من مفهومها على وجه القاعدة أيضا ، وهو ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده ، كالمال في الهبة والعارية ، ونحوهما إذ لا وجه له سواء انهما قد أقدما على المجانية فلا ضمان لكنه كما ترى» (١).

وقال في كتاب «العارية» : وكذا لو تلف العين في يد المستعير ولم تكن مضمونة عليه (أي لا يرجع اليه). اللهم الا أن يقال ان قاعدة ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده تقتضي ذلك ، ولعلها المدرك للمصنف وغيره في الحكم بعدم الضمان (٢).

وقال في كتاب «الإجارة» في شرح قول المصنف : «لو شرط سقوط الأجرة ان لم يوصله فيه لم يجز وكان له اجرة المثل» ما نصه : «لقاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» (٣).

وقال في ذاك الكتاب بعينه في شرح قول المصنف : «كل موضع يبطل فيه عقد الإجارة يجب فيه اجرة المثل مع استيفاء المنفعة.» ما نصه : «بلا خلاف أجده فيه في شيء من ذلك ، بل يظهر من ارسالهم ذلك إرسال المسلمات انه من القطعيات ، مضافا الى مثل ذلك بالنسبة إلى قاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده الشاملة للمقام» (٤).

وقال في كتاب «الشركة» : «بقي الكلام فيما ذكره المصنف وغيره ، من قسمة الربح على المالين ، بناء على البطلان ـ الى أن قال ـ وأما الأجرة لكل منهما عوض عمله في المال ، بنقل ونحوه ، فالوجه فيه احترام عمل المسلم ، واقدام المتبرع

__________________

(١) الجواهر ج ٢٢ ص ٢٥٨ ـ ٢٥٩.

(٢) الجواهر ج ٢٧ ص ١٦٦.

(٣) الجواهر ج ٢٧ ص ٢٣٣.

(٤) الجواهر ج ٢٧ ص ٢٤٦.

٢١٤

منهما بزعم صحة العقد ، فمع فرض بطلانها لم يكن منه تبرع ، لكن قد يقال بمنع الأجرة مع ذلك لأصالة البراءة ، نعم هو كذلك بالنسبة الى من شرطت الزيادة له باعتبار صيرورته كالقراض الفاسد ، فان العامل يستحق الأجرة فيه لان ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده ، فكذا هنا» (١).

وقال في كتاب «السبق» في شرح قول المصنف «إذا فسد عقد السبق لم يجب بالعمل اجرة المثل» ما نصه : «لكن في القواعد وجامع المقاصد ومحكي التذكرة ان له اجرة المثل. لقاعدة ما يضمن بصحيحه» (٢).

الى غير ذلك مما هو كثير في أبواب الفقه ولا يختص بباب دون باب.

والمقصود من ذلك كله انهم اعتمدوا على القاعدة ، وأرسلوه إرسال المسلمات بل يظهر مما عرفت من كلام بعضهم انه مجمع عليه عندهم ، وان كان الإجماع في أمثال هذه المسائل مما لا يمكن الاعتماد عليه ، بعد وجود مدارك أخرى في المسألة.

المقام الثاني : في مفاد القاعدة

وقد تصدى بعض أساطين الفن كالعلامة الأنصاري (رضوان الله عليه) لتحقيق معنى القاعدة ومفادها وان المراد من العقد في قولنا كل عقد يضمن بصحيحه ما ذا وهل يشمل العقود الجائزة واللازمة كليهما أو ما فيه شائبة الإيقاع أيضا ، مثل الجعالة والخلع.

وان المراد بالعقد هل هو أنواعه أو أصنافه أو أشخاصه؟

وان المراد بالضمان هل هو ضمان المثل أو المسمى أو القدر الجامع بينهما؟

وان المراد بالباء في قولنا يضمن بصحيحه ويضمن بفاسده هل هو معنى السببية

__________________

(١) الجواهر ج ٢٦ ص ٣٠٣.

(٢) الجواهر ج ٢٨ ص ٢٣٨.

٢١٥

أو الظرفية؟ الى غير ذلك.

ولكن من المعلوم كما ذكره جمع من أعاظم المعاصرين أو ممن قارب عصرنا انه لم يرد هذه القاعدة بهذه العبارة في شيء من النصوص ، ولا في معاقد الإجماعات ، حتى يتكلم في جزئيات مفاد ألفاظها ، بل اللازم في مثل ذلك الرجوع الى مداركها الأصلية ، ثمَّ البحث عن مقدار دلالتها وما يستفاد منها.

وبالجملة لا نحتاج الى البحث عما تحتوي عليه هذه العبارة ، كما أتعب العلامة الأنصاري نفسه الزكية في ذلك ، فلو دل الدليل على ما يخالف هذه العبارة نأخذ به ، ولو دلت العبارة على شيء لا ترشد إليه الأدلة فلا يسعنا القول به ، فلا وجه للمعاملة مع هذه العبارة كآية ، أو حديث ، أو معقد إجماع ، بعد عدم ذكر لها في شيء من النصوص فاللازم الرجوع الى ما ذكروه من الأدلة هنا.

ولكن الذي يراد من هذه القاعدة إجمالا في عباراتهم حتى نتكلم في خصوصياتها بعد ذكر الأدلة ، ان العقود التي يبذل فيها المال بإزاء مال ولا يكون مجانيا عند صحتها لا يكون مجانيا في صورة الفساد ، ولا يسع المشتري أو المستأجر أو غيرهما ان يرى نفسه بريئا من الضمان استنادا الى فساد العقد ، فان العقد الفاسد في هذه الموارد أيضا موجب للضمان كصحيحه.

وهكذا في عكس القاعدة أي إذا كان عقد بنائه على المجانية ، فلا يمكن القول بالضمان في فرض فساده ، استنادا إلى قاعدة اليد.

هذه خلاصة مضمون القاعدتين وتفاصيلها تأتي بعد ذكر أدلتها.

المقام الثالث : فيما يدل على صحة القاعدة

لا بد لنا هنا أولا التفكيك بين القاعدة أصلا وعكسا والتكلم في كل واحد

٢١٦

منهما مستقلا فنقول ومن الله التوفيق والهداية :

استدلوا لأصل القاعدة بأمور كثيرة متفرقة في كلماتهم وحاصلها ما يلي :

١ ـ «الإجماع» المدعى في كلمات غير واحد منهم.

٢ ـ «سيرة العقلاء» وبناء طريقتهم على الضمان في العقود الفاسدة ، إذا كان صحيحها موجبا للضمان ، كالبيع والإجارة الفاسدتين ، وكذا عقد النكاح والمضاربة ، بل الجعالة أيضا ، فمن أنكر الضمان في هذه المقامات ينكرون عليه ، وحيث ان الظاهر ان هذه السيرة تستمر الى زمن الشارع ، بل وما قبله ، ولم يردع عنه فهي حجة معتبرة.

٣ ـ «قاعدة على اليد» فان المقبوض بالعقد الفاسد إذا تلف في يد القابض فهو ضامن له بمقتضى هذه القاعدة ، المستفادة من النصوص الكثيرة العامة والخاصة الواردة في أبواب مختلفة ، والقول بعدم شمولها للمنافع فلا يشمل الإجارة الفاسدة فهو ممنوع ، لان المنافع ـ مثل منافع الدار وغيرها ـ تجرى عليها اليد بتبع جريانها على العين ، فمن استولى على الدار استولى على منافعه ، فلو تلف المنافع وهي في يده تكون قاعدة على اليد حجة عليه ، ولذا يكون قبض المنافع في باب الإجارة بقبض العين ، نعم قاعدة على اليد لا تشمل اعمال المسلم ، فإنها ليست عينا ولا منفعة على المشهور ، فلو كان الدليل على القاعدة ، قاعدة اليد لم يمكن الاستناد إليها في أبواب المضاربة الفاسدة والمزارعة والمساقاة وشبهها.

٤ ـ «قاعدة لا ضرر» فان عدم ضمان المشتري بالعقد الفاسد لتلف العين يعد ضررا عظيما فيندرج تحت قاعدة لا ضرر ، الا انه يأتي فيه الاشكال المعروف بأن قاعدة لا ضرر لا يثبت حكما بل ينفي الأحكام الضررية ، وحيث ان المراد هنا الاستدلال بها لإثبات حكم الضمان يشكل الأخذ بها ، ولكن قد ذكرنا في محله نفي الجد عن كون قاعدة لا ضرر مثبتا للاحكام التي لولاها يلزم منها الضرر ، وتفصيل القول فيه

٢١٧

موكول الى محله.

٥ ـ «قاعدة الإقدام» الذي استند إليها جمع كثير منهم الشيخ في المبسوط فيما حكي عنه وتبعه غيره في هذا الاستدلال.

٦ ـ «قاعدة احترام مال المسلم» والمنافع المتعلقة به واعماله ، بل وغير المسلم ممن يكون أمواله محترمة.

إذا عرفت هذا فاعلم ان العمدة من هذه الأدلة على المختار هو الأخير.

توضيحه : ان الأصل في الأموال والمنافع والأعمال المتعلقة بإنسان بنحو مشروع ان لا تخرج من يده بغير اذنه ، وان لا يتصرف فيها بغير رضاه ، وهذا مما استقر عليه بناء جميع العقلاء من أرباب الملل وغيرها ، وممن تدين بدين أو لم يتدين ، وما ورد في الشرع من ان حرمة مال المسلم كحرمة دمه ، أو انه لا يحل لأحد ان يتصرف في مال غيره بغير اذنه ، أو غير ذلك من الروايات ، مما يحتوي على مضمونها ، فهي كلها إمضاء لبناء العقلاء واستقرار ديدنهم على احترام الأموال والمنافع والاعمال ، وليست أحكاما تأسيسية كما هو كذلك جل أبواب المعاملات.

والظاهر ان هذا المعنى اعني احترام الأموال مستفاد من حقيقة الملك وتسلط الإنسان على أمواله ، بل وعلى منافعه ، فان السلطة التي تسمى ملكا للعين أو المنافع أو تسلطه على اعماله تقتضي ذلك ، فإنها تفيد عدم جواز مزاحمة غيره له بغير اذنه ، وانه إذا زاحمه وأتلفها لا بد له من تدارك الخسارات.

فتلخص من جميع ما ذكرنا ان القاعدة نشأت من عمق معنى الملكية وحقيقة السلطة الموجودة فيها ، فاذا كانت السلطة المسماة بالملكية مشروعة ممضاة عند العقلاء والشرع فلا يحل لأحد إزالتها إلا برضا مالكها ، ولو أزالها لزم عليه جبرانها وتداركها.

واما سائر الأدلة التي أقاموها على القاعدة فهي اما منظور فيها ، أو ترجع

٢١٨

بالمآل الى ما ذكرنا.

اما الإجماع فعدم جواز الاعتماد عليه في أمثال المقام ظاهر.

واما «قاعدة لا ضرر» فهي تعود الى ما عرفت فان الضرر ينشأ من أخذ مال المالك وقطع سلطته بغير اذن منه.

وكذا «على اليد» فان الضمان الحاصل عن تلف مال إنسان في يد آخر انما هو من ناحية احترام ماله ومقتضى ملكيته.

واما «الاقدام» فلا دليل على انه بمجرده يوجب الضمان ما لم يكن مزاحما لسلطنة الإنسان على ماله ، فإن الإقدام يرجع الى الدخول في أمر بقصد شيء ، ومن المعلوم ان مجرد قصد شيء لا يوجب الالتزام به ، ما لم يندرج تحت عقد أو إيقاع معتبر ، فلو أقدم إنسان على أخذ بعض المباحات الأصلية بقصد ان يكون مكلفا بأداء مثله أو قيمته الى شخص آخر ، فمن الواضح انه لا يوجب عليه شيئا ، كما انه لو كانت المسألة على عكس ذلك بان وضع يده على مال غيره لا بقصد الضمان ، بل بأن يكون له مجانا ، فان هذا القصد لا يؤثر شيئا بعد ان كان المال مال شخص آخر وكان وضع يده عليه بغير اذنه.

وبالجملة الإقدام بنفسها لا يوجب الضمان لا وجودا ولا عدما بل لا بد ان ينضم إليه إزالة سلطة إنسان عن ماله بغير رضاه ، وإذا انضم اليه هذا المعنى لم يحتج إلى الإقدام على الضمان.

هذا كله بالنسبة إلى أصل القاعدة واما «عكسها» وهو ان «كل عقد لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده» فغاية ما يمكن ان يستدل عليه أمور :

أولها «الإجماع» وقد عرفت الكلام فيه.

هذا لو تمَّ دعوى الإجماع هنا ، وفيها تأمل.

٢١٩

ثانيها «الأولوية» التي استدل بها الشيخ في المبسوط كما حكي عنه بالنسبة إلى الرهن ، وحاصلها ان العقد الصحيح مثل الإجارة والعارية والهبة إذا لم يقتض الضمان مع ان الشارع أمضاها ، فالفاسد الذي بمنزلة العدم لا يؤثر في الضمان ، لان الضمان اما من ناحية الاقدام عليه ، والمفروض عدمه ، واما من ناحية حكم الشارع بالضمان ، بواسطة المعاملة الفاسدة ، والمفروض انها لا تؤثر شيئا ، ولو كان العقد صحيحا أمكن ان يقال ان الضمان من مقتضيات الصحيح ، ولكن في الفاسد الذي بمنزلة اللغو فلا معنى للقول به.

ولكن يرد عليه ان الأمر بالعكس فإنه يمكن ان يقال ان الصحيح لا يوجب الضمان لان الشارع أمضاه ، وامضى ما يتضمن عليه من التسليط الأماني ، وبه يخرج عن قاعدة احترام مال المسلم وضمان اليد ، واما إذا لم يمضها الشارع فيبقى قاعدة الاحترام وضمان اليد بحالها ، ولا مخرج عن الضمان ، فلا يمكن الاعتماد على الأولوية في إثبات عكس المسألة.

وثالثها «قاعدة الامانة» وحاصله ان من استأمنه المالك على ملكه غير ضامن وهذه قاعدة مستفادة من بناء العقلاء والنصوص الكثيرة الواردة في أبواب الضمانات والإجارات ، وغيرها.

وهذه القاعدة كما تقتضي عدم الضمان في صورة صحة العقد كذلك يقتضي عدمه في صورة الفساد.

اللهم الا ان يقال استيمان المالك كان على فرض صحة العقد ، واما على فرض فساده فلا استيمان ، وبعبارة اخرى انما سلط المالك غيره على ماله ، وجعله امانة في يده مثل اجارة الدار ، وأشباهه ، بناء على صحة العقد وكون ذلك من حقوق المستأجر ، اما لأجل الجهل بفساد العقد ، أو مع العلم به وعدم الاعتناء بحكم الشرع والبناء على حكم العقلاء فقط ، ومن المعلوم ان هذا الاستيمان المبني على هذا البناء

٢٢٠