القواعد الفقهيّة - ج ٢

آية الله ناصر مكارم الشيرازي

القواعد الفقهيّة - ج ٢

المؤلف:

آية الله ناصر مكارم الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مدرسة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام
المطبعة: مدرسة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام
الطبعة: ٣
الصفحات: ٤٢٦
الجزء ١ الجزء ٢

وقال في «مفتاح الكرامة» في كتاب «المزارعة» بعد قول الماتن «وهو عقد لازم من الطرفين» ما نصه : «إجماعا كما في جامع المقاصد والمسالك ومجمع البرهان. وكأنه إجماع ، لأن الأصل في العقود اللزوم ، الا ما أخرجه الدليل ، للأمر بالوفاء بالعقود في قوله تعالى (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(١).

وبالجملة لا يخفى على الناظر في كلمات الأصحاب في العقود المختلفة ان الأصل عندهم في كل عقد اللزوم ، الا ما خرج بالدليل ، ومن الواضح ان الإجماع في أمثال هذه المسائل وان كان مؤيدا للمطلوب ومرجحا له ، لكنه ليس شيئا يركن اليه ودليلا مستقلا بنفسه بعد إمكان استناد المجمعين إلى الأدلة الأخرى التي ستمر عليك ان شاء الله.

مدارك قاعدة اللزوم

١ ـ استدل له من كتاب الله بما مر ذكره من قوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(٢).

وتقريب الاستدلال بها ظاهر ، لان جميع المعاملات بالمعنى الأعم داخلة في عنوان العقود ، وهو جمع محلى باللام يفيد العموم ، مضافا الى كونها في مقام الإطلاق مع عدم ورود قيد عليه ، والعقد بأي معنى فسر شامل لها ، والأمر بالوفاء دليل على وجوب العمل على طبق العقد ، ولازمه عدم تأثير الفسخ ، فإن الأمر وان كان دليلا على الوجوب التكليفي الا انه يدل على الحكم الوضعي في أبواب المعاملات واجزاء العبادات وشرائطها إذا تعلق الأمر أو النهي بعنوان المعاملة ، أو اجزاء العبادة لا بعنوان آخر ينطبق عليه كما حقق في محله وان شئت قلت ، الأمر بالوفاء بالعقد

__________________

(١) مفتاح الكرامة ج ٧ ص ٣٠٠.

(٢) سورة المائدة : الاية ١.

٣٢١

دليل على تأثيره ، فالوفاء من آثاره ، لا انه واجب مستقل تكليفي ، وحينئذ يدل على الحكم الوضعي دلالة واضحة.

وما قد يتوهم ان لازمه تخصيص الأكثر لخروج العقود الجائزة كلها والعقود اللازمة بأنواع الخيارات ، مدفوع ، بأن كون المعاملات الجائزة من العقود حقيقة لا يخلو عن تأمل ، لأنها تدور غالبا مدار الاذن الحاصل من المالك وشبهه ، وهذا أمر وراء العقد ، وان شئت قلت «العقد» عبارة عن التزام في مقابل التزام ، وليس في غالب العقود الجائزة إلا التزام من طرف واحد ، وبعبارة أوضح هي اجازة ورضى من طرف واحد كما ذكر في محله.

واما الخيارات فليست مستوعبة لأكثر العقود بحسب أزمانها بل استثنائات جزئية من هذه الجهة والا فأكثرها في أكثر الأزمنة لازمة باقية ، وحينئذ لا يلزم التخصيص المستهجن ابدا.

وقوله تعالى (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ)(١).

دل على حرمة أكل المال بالباطل ، ومن الواضح انه إذا انتقل عين الى ملك آخر فصار المال ماله لا يجوز إخراجه عن يده بغير رضاه ، فلو فسخ البيع أو شبهه بدون اذنه وأخذ المال فقد اكله بالباطل.

هذا وقد يورد عليه بان الآية ناظرة إلى الأسباب لا شرائط العوضين ، وبعبارة أخرى : ناظرة الى ما كان من قبيل رضى المتعاملين في مقابل القهر والغصب والرشوة والغش وغيرها من طرق السيطرة على مال الغير بالباطل.

ويؤيده قوله تعالى في آية أخرى (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)(٢).

__________________

(١) سورة النساء : الاية ٢٩.

(٢) سورة البقرة : الاية ١٨٨.

٣٢٢

فان الأدلاء بها الى الحكام لأكل أموال الناس انما هو من باب الأسباب ، ويؤيده أيضا «الباء» في قوله «بالباطل» ، فالاستدلال بالاية لغير ذلك غير جائز.

وفيه أولا ان كون هذه الأمور من الباطل مما لا ريب فيه ، ولكن لا دليل لنا على حصر الآية في خصوص الأسباب ، وآية البقرة لا تنفي ما سواها ، وكون الباء للسببية أيضا غير مانع ، فمن أكل مال الغير في مقابل الخمر وآلات القمار مثلا فقد اكله بسبب باطل ، وكذلك في مقابل الحشرات والأشياء التي لا مالية لها عند العقلاء وأهل الشرع.

سلمنا ذلك ولكن ما نحن فيه أي الفسخ من جانب المشتري أو البائع من دون موافقة الطرف الأخر من الأسباب الباطلة وعلى كل حال شمول الآية لما نحن بصدده مما لا ينبغي الريب فيه.

ومن الايات قوله تعالى (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ)(١).

وجه الاستدلال به على أصالة اللزوم ما ذكره الشيخ الأعظم : ان حلية البيع التي لا يراد منها الا حلية جميع التصرفات المترتبة عليه ، التي منها ما يقع بعد فسخ احد المتبايعين بغير رضى الأخر مستلزمة لعدم تأثير ذلك الفسخ ، وكونه لغوا غير مؤثر (انتهى).

وحاصله ان إطلاق الحلية الدالة على تأثير البيع يشمل ما بعد زمان الفسخ من الجانب الأخر ، ولازمه عدم تأثير الفسخ أصلا.

وفيه انه انما ورد في جواب الكفار والمخالفين لتحريم الربا ، وقولهم «انما البيع مثل الربا» فقد قال الله تعالى في جوابهم : ليس البيع مثل الربا ، الربا حرام والبيع حلال ، فلا يجوز قياس أحدهما على الأخر ، ومن البعيد ان يكون مثل هذا الكلام ناظرا الى حكم الفسخ ، وفي مقام البيان من هذه الجهة ، بل المقصود

__________________

(١) سورة البقرة : الاية ٢٧٥.

٣٢٣

منه بيان حرمة الربا من أصله ، وبيان حلية البيع كذلك ، من دون النظر الى جميع خصوصياته.

هذا ، مضافا الى إمكان القول بان التمسك بإطلاقه بعد الفسخ من قبيل التمسك بعموم العام في الشبهات المصداقية ، فإن بقاء البيع وآثاره مشكوك بعد الفسخ على ما هو المفروض ، والتمسك بالاستصحاب هنا رجوع اليه لا الى عموم قوله : (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ).

كما ان القول بأن حلية البيع توجب الملكية ، ومن آثارها عدم جواز سلطة الغير عليه بدون رضا صاحبه أيضا رجوع إلى الأدلة الاتية مثل قوله : «الناس مسلطون على أموالهم» ، و «لا يحل مال امرء الا من طيب نفسه».

ولنعم ما قال المحقق اليزدي في حواشيه على المكاسب حيث قال : الإنصاف ان هذه الآية لا دلالة لها الأعلى مجرد حلية البيع بمعنى التمليك والتملك ، ولا تعرض فيها لحلية التصرفات بعد البيع ، حتى تشمل بإطلاقها ما كان بعد الفسخ (١).

وقد عرفت ان هذا أحد الإيرادات الواردة على الاستدلال بالاية الشريفة.

٢ ـ يدل على أصالة اللزوم من السنة عدة روايات :

(١) المؤمنون عند شروطهم

وهذه الرواية رواها جمع من العامة والخاصة في كتبهم واستدلوا بها في موارد مختلفة ، ومنها استدلال غير واحد منهم بها على لزوم العقود.

فقد رواها في «دعائم الإسلام» عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بهذه العبارة ، انه قال : «المسلمون عند شروطهم ، الا كل شرط خالف كتاب الله» (٢) وتارة عن علي عليه‌السلام بهذه العبارة قال : «المسلمون عند شروطهم الا شرطا في معصية» (٣).

__________________

(١) تعليقات السيد على المكاسب أبواب الخيارات ص ٤.

(٢) المستدرك ج ٢ كتاب التجارة أبواب الخيار ح ١ و ٣ الباب ٤ ص ٤٧٣.

(٣) المستدرك ج ٢ كتاب التجارة أبواب الخيار ح ١ و ٣ الباب ٤ ص ٤٧٣.

٣٢٤

ورواها في الوسائل عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : المسلمون عند شروطهم الا كل شرط خالف كتاب الله عزوجل فلا يجوز (١).

وما رواه أيضا عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سمعته يقول : من اشترط شرطا مخالفا لكتاب الله فلا يجوز له ولا يجوز على الذي اشترط عليه ، والمسلمون عند شروطهم مما وافق كتاب الله عزوجل (٢).

ورواها أيضا عن إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه عليه‌السلام ان علي بن أبي طالب عليه‌السلام كان يقول من شرط لامرأته شرطا فليف لها به ، فان المسلمين عند شروطهم الا شرطا حرم حلالا أو أحل حراما (٣).

ومن طرق الجمهور ما رواه البخاري في صحيحه بعنوان «المسلمون عند شروطهم» عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (٤).

ورواه الترمذي أيضا في صحيحه في أبواب الاحكام بهذه العبارة : «والمسلمون على شروطهم الا شرطا حرم حلالا» (٥).

وقد رواه الأصحاب في أبواب المكاتبة أيضا.

مثل ما عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام في مكاتب شرط عليه ان عجز أن يرد في الرق قال : «المسلمون عند شروطهم» (٦).

وفي معناه ما عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٧) في ذاك الباب بعينه.

وما رواه سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن رجل كان له

__________________

(١ و ٢) الوسائل ج ١٢ أبواب الخيار الباب ٦ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ج ١٢ أبواب الخيار الباب ٦ الحديث ٥.

(٤) صحيح البخاري ج ٣ ص ١١٩ كتاب التجارة الباب ١٤ باب أجر الثمرة.

(٥) رواه المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي ج ٣ ص ٩٩.

(٦) الوسائل ج ١٦ أبواب المكاتبة الباب ٤ الحديث ٣.

(٧) الوسائل ج ١٦ أبواب المكاتبة الباب ٤ الحديث ٥.

٣٢٥

أب مملوك وكانت لأبيه امرأة مكاتبة قد أدت بعض ما عليها ، فقال لها العبد : هل لك ان أعينك في مكاتبك حتى تؤدي ما عليك بشرط ان لا يكون لك الخيار على ابي إذا أنت ملكت نفسك؟ قالت : نعم فأتاها في مكاتبتها على ان لا يكون لها الخيار بعد ذلك ، قال : لا يكون لها الخيار «المسلمون عند شروطهم» (١).

فعلى ذلك ، الرواية مشهورة بين الفريقين ورويت من طرقنا بطرق كثيرة بعضها صحيحة وان كان بعضها غير صحيحة فإذا لا مجال للإشكال من جهة السنة.

واما من ناحية الدلالة فهو مبني على شمول الشرط لكل عقد ، ومن الواضح ان وقوف المؤمن أو المسلم عند شرطه بمعنى عدم مفارقته عنه وهو كناية عن الالتزام والوفاء به.

ولكن أورد عليه «تارة» من ناحية الصغرى بان الشرط يطلق على التزام كان مرتبطا بغيره فلا يشمل الالتزام الابتدائي ، ولا أقل من الشك في ذلك ، وفي القاموس الشرط إلزام الشيء والتزامه في البيع ونحوه.

واخرى من ناحية الكبرى بأنها لا تدل على أزيد من الرجحان لتعليقه على الايمان وان هو الا نظير قوله «المؤمن إذا وعد وفى».

ولكن كل ذلك ممنوع اما الأول فلانا لو سلمنا اختصاص الشرط بالالتزام الذي هو في ضمن التزام آخر ومرتبط به ، فلا أقل من الأخذ بالفحوى ، فاذا وجب العمل بالشرط الذي هو تابع لعقد فيجب العمل بنفس العقد بطريق أولى ، فإنه الأصل وهذا هو الفرع.

واما الثانية : فلان ظاهر الرواية الوجوب ، وقد علق في غير واحد من طرقه من العامة والخاصة على الإسلام ، لا على الايمان ، ومما يدل على الوجوب دلالة واضحة انه استدل في الروايات بهذه الفقرة على وجوب بما في مواردها من الشروط.

__________________

(١) الوسائل ج ١٦ أبواب المكاتبة الباب ١١ الحديث ١.

٣٢٦

وبالجملة الإشكال في هذه الرواية ضعيف جدا.

(٢) قوله : لا يحل مال امرء مسلم الا من طيب نفسه

رواها سماعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : من كانت عنده أمانة فليؤدها الى من ائتمنه عليها ، فإنه لا يحل دم امرء مسلم ، ولا ماله إلا بطيبة نفس منه (١).

ورواها في الكافي بطريق آخر عن أبي عبد الله عليه‌السلام أيضا.

ورواها أيضا في تحف العقول عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال في خطبة الوداع : «أيها الناس ، (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) ، ولا يحل لمؤمن مال أخيه إلا عن طيب نفس منه» (٢).

ورواها الصدوق في إكمال الدين فيما ورد على الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان العمري قدس‌سره في جواب مسائل محمد بن جعفر الأسدي الى صاحب الدار ـ الى أن قال ـ فلا يحل لأحد ان يتصرف في مال غيره بغير اذنه (٣).

ومن طرق الجمهور ما رواه أبو هرة الرقاشي عن عمه ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : لا يحل مال امرء مسلم الا بطيب نفس منه (٤).

ورواه احمد بن حنبل في مسنده (٥).

وفي معناها روايات أخر مروية من طرق الأصحاب والمخالفين تدل على

__________________

(١) الوسائل ج ٣ كتاب الصلاة أبواب مكان المصلى الباب ٣ الحديث ١.

(٢) الوسائل ج ٣ كتاب الصلاة أبواب مكان المصلى الباب ٣ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ج ٦ كتاب الخمس الباب ٣ من أبواب الأنفال الحديث ٦.

(٤) السنن للبيهقي ج ٦ كتاب الغصب ص ١٠٠.

(٥) مسند احمد بن حنبل ج ٥ ص ٧٢.

٣٢٧

احترام أموال المسلمين كدمائهم.

وبالجملة الحديث متظافرة مشهورة بين الأصحاب وهذا كاف في إثبات صحتها من حيث السنة.

واما تقريب دلالتها فلان المال إذا انتقل الى شخص بأي سبب كان من العقود وغيرها كان المال ماله فلا يجوز أخذه منه بدون رضاه ، بمجرد الفسخ وغيره ، فهذا دليل على عدم تأثير الفسخ.

وتوهم كون التمسك بعمومها بعد إجراء صيغة الفسخ من قبيل التمسك بعموم العام في الشبهات المصداقية ، فاسد جدا ، لان عمومها دليل على عدم تأثير الفسخ ، فلا يكون شبهة في المصداق.

وبعبارة أخرى شمول الرواية لكل ملك مانع عن تأثير الفسخ فما كان ملكا في الرتبة المتقدمة لا يمكن إخراجها عن يد مالكها بغير رضى منه في الرتبة المتأخرة.

فهذه الرواية دليل على اللزوم في جميع العقود والإيقاعات المستلزمة لخروج الملك عن يد صاحبها وصيرورتها ملكا لاخر.

(٣) قوله (ص) : الناس مسلطون على أموالهم

وهذه الرواية أيضا مشهورة في ألسنة الفقهاء وهي وان كانت مرسلة لكنها مجبورة بعمل الأصحاب قديما وحديثا لاستنادهم إليها في مختلف أبواب الفقه.

وهناك روايات أخرى لا تشتمل على هذا العنوان ولكن تحتوي معناها ومغزاها وقد أشرنا إليها مشروحة في قاعدة التسلط من هذه القواعد (فراجع القاعدة الاولى من هذا المجلد).

فهي أيضا معتبرة من حيث السند.

٣٢٨

واما من ناحية الدلالة فمقتضى السلطة على المال هو عدم جواز إخراجه من يد مالكه بغير رضاه ، فمجرد الفسخ من المالك السابق لو أثر في إخراجه عن ملكه كان منافيا لحقيقة السلطنة على المال.

وتوهم كونه من الشبهة المصداقية للملك بعد إجراء صيغة الفسخ ، توهم فاسد قد عرفت جوابه آنفا ، وحاصله ان الملكية والسلطة الحاصلة قبل اجراء الفسخ يمنع عن تأثيره فهي مسقطة له عن التأثير قطعا.

٤ ـ قوله (ص) : البيعان بالخيار ما لم يفترقا

وقد رواه عدة من أصحابنا منهم محمد بن مسلم وزرارة عن الصادق عليه‌السلام عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله (١).

وأخرى عن الصادق عليه‌السلام نفسه مثل ما رواه فضيل والحلبي عنه عليه‌السلام (٢).

وثالثة عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام مثل ما رواه علي بن أسباط عنه عليه‌السلام (٣).

ورابعة عن علي عليه‌السلام مثل ما رواه غياث بن إبراهيم عن جعفر بن محمد عليه‌السلام عن أبيه عن علي عليه‌السلام (٤).

وهي وان وردت بعبارات شتى الا ان مفاد الجميع واحد ، وهو ان البائع والمشتري بالخيار ما داما في مجلس البيع ، فاذا حصل الافتراق وجب البيع من جميع جهاته ، فلا يؤثر الفسخ الا ان يدل عليه دليل خاص فيؤخذ بمفاده في مورده.

وهذه الروايات كثيرة مستفيضة ، وفيها صحيح الاسناد ، وقد ذكر شيخنا العلامة

__________________

(١) الوسائل ج ١٢ احكام الخيار الباب ١ ح ١ و ٢.

(٢) الوسائل ج ١٢ احكام الخيار الباب ١ ح ٣ و ٤.

(٣) الوسائل ج ١٢ احكام الخيار الباب ١ ح ٥.

(٤) الوسائل ج ١٢ احكام الخيار الباب ١ ح ٧.

٣٢٩

الأنصاري في بعض كلماته أنها مستفيضة وفي بعضها الأخر أنها متواترة (١). والتواتر المصطلح وان لم يكن موجودا هنا الا ان الاستفاضة مما لا ريب فيه.

وقد رواها العامة أيضا في كتبهم بطرق متعددة في صحاحهم المعتبرة عندهم ، وقد عقد له ابن ماجه في سننه له بابا روى فيه عدة روايات ولا يبعد دعوى التواتر بعد ذلك (٢).

وما قد يتوهم أنها ناظرة إلى خيار المجلس فقط نفيا وإثباتا ، ولا دلالة فيها على لزوم البيع بعد الافتراق من ناحية سائر أسباب الخيار ، كما حكي عن المحقق الخراساني في حواشيه على المكاسب ، فهو مما لا يمكن المساعدة عليه ، بل إطلاق قوله فاذا افترقا وجب البيع يدل على اللزوم بعد الافتراق من جميع الجهات ، فأدلة خيار العيب والعين والحيوان والشرط وغير ذلك مخصصة لها ، ولا مانع من ورود هذه التخصيصات عليه بعد كون ما يبقى تحته أكثر وأوفر.

هذا ولكن الإشكال العمدة في الاستدلال بهذه الرواية انها أخص من المدعي فإنها مختصة بأبواب البيع مع ان المقصود إثبات اللزوم في جميع المعاملات بالمعنى الأعم بيعا كان أو غيره.

٣ ـ الاستدلال بالاستصحاب

ومما استدل به على أصالة اللزوم في المعاملات بالمعنى الأعم الاستصحاب فإنه إذا شك بعد اجراء الفسخ في تأثيره في انفساخ المعاملة يستصحب بقاء آثارها ، من الملكية للعين ، أو المنافع ، أو غيرهما من الاثار كعقد الزوجية وشبهها.

ولكن يورد عليه أمور :

__________________

(١) المكاسب ص ٢١٦.

(٢) السنن لابن ماجه ج ٢ ص ٧٣٦.

٣٣٠

الأول : عدم حجية الاستصحاب في الشبهات الحكمية على ما هو المختار. نعم هذا الاشكال مندفع عند من يلتزم بحجية الاستصحاب مطلقا ، في الشبهات الحكمية والموضوعية.

أضف الى ذلك ان الشك في لزوم المعاملة وان كان ينشأ غالبا من الشك في حكم الشارع ولكن قد يكون منشأ الشك الأمور الخارجية فيكون من قبيل الشبهات المصداقية كما إذا شك ان الموهوب له ذو رحم أو غيره ، أو ان الهبة كانت معوضة أو غير معوضة ، فحينئذ يشك في لزوم المعاملة لا من ناحية حكم الشرع ، بل من ناحية الموضوع الخارجي ، فيتمسك فيه باستصحاب بقاء آثاره بعد اجراء الفسخ فتأمل.

الثاني : قد يعارض هذا الاستصحاب باستصحاب بقاء علقة المالك على ملكه ، ومن المعلوم ان استصحاب بقاء هذه العلقة حاكم على استصحاب بقاء الاثار عند الشك فإن الثاني مسبب عن الأول.

ولكن يمكن الجواب عنه بان معنى جواز العقد بالذات أو الخيارات العارضة عليه ليس بقاء علقة المالك على ملكه ، بل الجواز أو الخيار حكم مستقل شرعي ، أو حق حادث بعد العقد ، وحينئذ لا معنى لاستصحاب بقاء علقة المالك على ملكه.

وان شئت قلت : ليس الملك اللازم والجائز نوعان أو صنفان من الملكية ، بل الملكية أمر واحد ، وانما التفاوت في أحكامها فالملك الجائز هو الذي يجوز الفسخ فيه ، والملك اللازم هو الذي لا يؤثر فيه الفسخ ، هذا مضافا الى ما قد يقال من ان التسبب هنا ليس شرعيا فالحكومة باطلة فتأمل.

الثالث : وقد يعارض هذا الاستصحاب في خصوص البيع باستصحاب بقاء الجواز الحاصل من خيار المجلس ، فيقال : نعلم بان الملك كان جائزا قابلا للفسخ عند كونهما في المجلس ، وبعد افتراقهما ليشك في بقاء هذه الحالة فيستصحب بقاء الجواز.

وفيه أولا ان خيار المجلس يرتفع بصريح روايات الباب بعد افتراقهما ،

٣٣١

وثانيا عند الافتراق ينقلب الموضوع الى موضوع آخر ، والاستصحاب مع عدم بقاء الموضوع باطل قطعا.

وان أريد الاستصحاب بنحو استصحاب الكلي من القسم الثالث بان يقال ان خيار المجلس قد ارتفع قطعا ولكن يحتمل حدوث حكم آخر بالجواز عند ارتفاعه أو مقارنا له ، ولكن المحقق في محله عدم حجية استصحاب الكلي من القسم الثالث.

هذا كله مضافا الى ان خيار المجلس ينحصر بالبيع ، ولا يجري في سائر العقود مع ان أصالة اللزوم عام في جميعها بل وقد يكون البيع خاليا عن خيار المجلس لاشتراط سقوطه من أول الأمر ، أو غير ذلك. فهذا الدليل لو فرض صحته لكان أخص من المدعى.

٤ ـ بناء العقلاء على اللزوم

ومما يمكن الاستدلال به على أصالة اللزوم في المعاملات هو بناء العقلاء الذي أمضاه الشارع بسكوته وتقريره ، لا بل بإمضائه بما عرفت من الايات والروايات.

فإن بنائهم قد استقر على الحكم ببقاء آثار كل عقد الا ان يثبت حق الفسخ لأحد الطرفين ، فلا يجوز عندهم فسخ البيع ولا النكاح ولا الإجارة ولا غيرها ما لم يثبت حق لأحد الطرفين على الفسخ ، وبعبارة أخرى بقاء آثار المعاملات عندهم لا يحتاج الى دليل ، بل هو مقتضى طبيعتها ، والذي يحتاج الى الدليل هو نفي آثارها وإلغائها وما لم يكن هناك دليل ، بقيت الاثار على حالها.

٣٣٢

١٦ ـ قاعدة البينة واليمين

(البينة على المدعى واليمين على من أنكر)

مدارك القاعدة من عموم السنة وخصوصها

معيار معرفة «المدعى» من «المنكر»

ما استثنى من القاعدة من مسألة الدماء

شرائط سماع الدعوى من المدعى

عدم اشتراط الخلطة

هل المدار في معرفة المدعى والمنكر على مصب الدعوى أو نتيجتها؟

٣٣٣
٣٣٤

قاعدة البينة واليمين

ومن القواعد المشهورة بين جميع علماء الإسلام قديما وحديثا قاعدة «البينة على المدعى واليمين على من أنكر» التي استدلوا بها في أبواب القضاء كلها بل هي الأصل الوحيد قبل كل شيء في القضاء الشرعي الإسلامي ، وهي التي استقر عليه عمل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في حياته والأئمة المعصومين عليهم‌السلام بعد وفاته صلى‌الله‌عليه‌وآله وقضاة الشرع في اجواء العالم الإسلامي طي القرون والأعصار في كل مكان.

وهذه العبارة (البينة على المدعي واليمين على من أنكر) وان ترد بعينها في لسان الأدلة إلا قليلا ولكن معناها ورد في روايات كثيرة نبوية ، وغيرها ، والعمدة بهذه العبارة «البينة على المدعى واليمين على المدعى عليه».

واللازم التكلم هنا في مقامات :

١ ـ في مدرك هذه القاعدة.

٢ ـ في معنى المدعي والمنكر وملاكهما.

٣ ـ في ما يتفرع عليها ويستثنى منها أحيانا.

الأول : في مدرك هذه القاعدة

هذه القاعدة وان كان مجمعا عليه بين الخاصة والعامة بل هي كالضروريات في الفقه الإسلامي ، ولكن العمدة في مدركها هي الروايات العامة التي تدل بعمومها

٣٣٥

على هذه القاعدة ، والأحاديث الخاصة الواردة في أبواب معينة التي يمكن اصطياد العموم من ملاحظة مجموعها.

اما الأول فهي عدة روايات وردت من طرقنا وطرق المخالفين.

ومما وردت من طرقنا هي عدة روايات :

١ ـ ما رواه جميل وهشام عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «البينة على من ادعى واليمين على من ادعى عليه» (١).

٢ ـ ما رواه بريد بن معاوية عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال سألته عن القسامة فقال : «الحقوق كلها البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه الا في الدم خاصة» (٢).

وسيأتي الكلام ان شاء الله في استثناء حكم الدماء عن هذه القاعدة وشرائطه.

٣ ـ ما أرسله الصدوق قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه ، والصلح جائز بين المسلمين الا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا» (٣).

٤ ـ ما رواه أبو بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «ان الله حكم في دمائكم بغير ما حكم فيه في أموالكم ، حكم في أموالكم ان البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه ، وحكم في دمائكم ان البينة على من ادعى عليه واليمين على من ادعى لئلا يبطل دم امرئ مسلم» (٤).

٥ ـ ما رواه منصور عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث تعارض البينتين في شاة في يد رجل ، قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «حقها للمدعي ولا اقبل من الذي في يده بينة ، لان الله عزوجل إنما أمر ان تطلب البينة من المدعي فان كانت له بينة والا

__________________

(١) الوسائل ج ١٨ كتاب القضاء أبواب كيفية الحكم الباب ٣ الحديث ١.

(٢) الوسائل ج ١٨ كتاب القضاء أبواب كيفية الحكم الباب ٣ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ج ١٨ كتاب القضاء أبواب كيفية الحكم الباب ٣ الحديث ٥.

(٤) الوسائل ج ١٨ كتاب القضاء أبواب كيفية الحكم الباب ٣ الحديث ٣.

٣٣٦

فيمن الذي هو في يده هكذا أمر الله عزوجل» (١).

٦ ـ وما رواه محمد بن سنان عن الرضا عليه‌السلام فيما كتب اليه من جواب مسائله في العلل : «والعلة في أن البينة في جميع الحقوق على المدعي واليمين على المدعى عليه ما خلا الدم ، لان المدعى عليه جاحد ولا يمكنه إقامة البينة على الجحود لأنه مجهول (الحديث) (٢).

٧ ـ ويشهد له ما دل على ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يطلب البينة من المدعي في أول الأمر ، فان لم يكن له بينة طلب اليمين من المدعى عليه ، مثل ما رواه علي بن عدي عن أبيه قال اختصم امرئ القيس ، ورجل من حضرموت الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في أرض فقال ألك بينة؟ قال لا ، قال : فيمنه ، قال اذن والله يذهب بأرضي قال ان ذهب بيمينه كان ممن لا ينظر الله اليه يوم القيمة ، ولا يزكيه ، وله عذاب اليم ، قال ففزع الرجل وردها اليه (٣).

٨ ـ ما رواه عثمان بن عيسى ، وحماد بن عثمان ، جميعا عن ابي عبد الله عليه‌السلام في حديث فدك ان أمير المؤمنين عليه‌السلام قال لأبي بكر : «أتحكم فينا بخلاف حكم الله في المسلمين؟ قال : لا ، قال فان كان في يد المسلمين شيء يملكونه ادعيت انا فيه ، من تسئل البينة؟! قال إياك كنت اسئل البينة ، على ما تدعيه على المسلمين ، قال فاذا كان في يدي شيء فادعى فيه المسلمون تسئلني البينة على ما في يدي وقد ملكته في حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وبعده؟ ولم تسئل المؤمنين البينة على ما ادعوا علي كما سئلتني البينة على ما ادعيت عليهم؟ ـ الى أن قال ـ وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : البينة على من ادعى واليمين على من أنكر» (٤).

__________________

(١) الوسائل ج ١٨ كتاب القضاء أبواب كيفية الحكم الباب ٣ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ج ١٨ كتاب القضاء أبواب كيفية الحكم الباب ٣ الحديث ٦.

(٣) الوسائل ج ١٨ كتاب القضاء أبواب كيفية الحكم الباب ٣ الحديث ٧.

(٤) الوسائل ج ١٨ كتاب القضاء أبواب كيفية الحكم الباب ٢٥ الحديث ٣.

٣٣٧

٩ ـ ما رواه في دعائم الإسلام عن أبي عبد الله عليه‌السلام عن أبيه عن آبائه عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «البينة في الأموال على المدعي واليمين على المدعى عليه» قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : «والبينة في الدماء على من أنكر برأيه مما ادعى عليه واليمين على من ادعى» (١).

وهي وان كانت مختصة بالأموال ولكن الظاهر ان المراد منها مطلق الحقوق ما عدا الدم الذي له حكم خاص في مسألة القضاء سيأتي الإشارة اليه ان شاء الله عن قريب.

١٠ ـ وما رواه في الغوالي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال : البينة على المدعي واليمين على من أنكر (٢).

الى غير ذلك مما يعثر عليه المتتبع.

واما من طرق العامة فهي أيضا عدة روايات :

١ ـ ما رواه أحمد في مسنده عن ابن عباس ان رجلين اختصما الى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فسأل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله المدعي البينة ، فلم يكن له بينة فاستحلف المطلوب (الحديث) (٣).

٢ ـ ما رواه ابن ماجه في سننه عن الأشعث بن قيس قال كان بيني وبين رجل من اليهود ارض فجحدني فقدمته إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هل لك بينة؟ قلت : لا ، قال لليهودي : احلف (الحديث) (٤).

__________________

(١) مستدرك الوسائل ج ٣ كتاب القضاء أبواب كيفية الحكم الباب ٣ الحديث ١.

(٢) مستدرك الوسائل ج ٣ كتاب القضاء أبواب كيفية الحكم الباب ٣ الحديث ٤.

(٣) مسند احمد ج ٢ ص ٧٠ (طبعة دار صادر).

(٤) السنن لابن ماجه ج ٢ ص ٧٧٨ (باب البينة على المدعى واليمين على المدعى عليه).

٣٣٨

٣ ـ ما رواه البخاري في صحيحه عن الأشعث بن قيس قال لفي والله أنزلت «قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً.) كانت بيني وبين رجل خصومة في بئر ، فاختصمنا الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : شاهدك أو يمينه ـ الحديث ـ (١).

دل على ان المعتبر في القضاء ، الشاهد ولو لم يكن فيمين المدعى عليه.

٤ ـ ما رواه البخاري مرسلا في باب «اليمين على المدعى عليه في الأموال والحدود» قال : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : شاهداك أو يمينه (٢).

٥ ـ ما رواه في التاج عن الترمذي عن عبد الله بن عمر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه (٣).

٦ ـ ما رواه البيهقي عن ابن عباس قال ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : لو يعطى الناس بدعواهم لادعى رجال دماء رجال وأموالهم ، ولكن البينة على الطالب واليمين على المطلوب (٤).

٧ ـ ما رواه البيهقي عن ابن عباس ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : لو يعطى الناس بدعواهم لادعى رجال أموال قوم ودمائهم ولكن البينة على المدعي واليمين على من أنكر (٥).

وفي معناه رواية أخرى عنه في نفس الباب.

٨ ـ وما رواه أحمد أيضا عن وائل بن حجر قال كنت عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأتاه رجلان يختصمان في أرض فقال أحدهما ان هذا انتزى على ارضي يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله

__________________

(١) صحيح البخاري ج ٣ ص ١٨٨ (باب في اختلاف الراهن والمرتهن).

(٢) صحيح البخاري ج ٣ ص ٢٣٢.

(٣) التاج الجامع للأصول ج ٣ ص ٦١.

(٤) السنن للبيهقي ج ١٠ ص ٢٥٢ كتاب الدعوى والبينات.

(٥) السنن للبيهقي ج ١٠ ص ٢٥٢ كتاب الدعوى والبينات.

٣٣٩

في الجاهلية ، وهو امرؤ القيس ابن عابس الكندي ، وخصمه ربيعة بن عبدان ، فقال له : بيّنتك؟ قال : ليس لي بينة ، قال : يمينه (١).

الى غير ذلك مما لا يخفى على المتتبع.

أضف الى ذلك كله الروايات الخاصة الكثيرة الواردة في موارد معينة يمكن اصطياد العموم من مجموعها :

مثل ما رود في أبواب الرهن عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام ـ الى ان قال ـ البينة على الذي عنده الرهن انه بكذا وكذا ، فان لم تكن له بينة ، فعلى الذي له الرهن اليمين (٢).

وفي معناه روايات كثيرة أخرى مروية في ذاك الباب بعينه أو ما يليه من الباب (١٧) و (٢٠).

ويؤيد جميع ذلك ما روي بالطرق المتعددة عن ابي عبد الله عن كتاب علي عليهما‌السلام ان نبيا من الأنبياء شكى الى ربه فقال يا رب كيف اقضي فيما لم أر ولم اشهد؟ قال فأوحى الله إليه : احكم بينهم بكتابي وأضفهم إلى اسمي فحلفهم به ، وقال هذا لمن لم تقم له بينة (٣).

وفي معناه غيره ، بل الظاهر ان قوله «هذا لمن لم تقم له بينة» من كلام أمير المؤمنين علي أو الصادق عليهما‌السلام فيكون دليلا على المطلوب.

والانصاف ان هذه الروايات المروية بأسانيد مختلفة في أصول الشيعة والسنة ربما تكون متواترة ويثبت بها المطلوب بدون اي شك.

__________________

(١) مسند احمد ج ٤ ص ٣١٧ (في أحاديث وائل بن حجر).

(٢) الوسائل ج ١٣ كتاب الرهن الباب ١٦ الحديث ١.

(٣) الوسائل ج ١٨ كتاب القضاء أبواب كيفية الحكم الباب ١ الحديث ١.

٣٤٠