المعالم الجديدة للأصول

آية الله السيّد محمّد باقر الصدر

المعالم الجديدة للأصول

المؤلف:

آية الله السيّد محمّد باقر الصدر


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار التعارف للمطبوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٠٨

كان نوع الموضوع الذي يعالجه ذلك الدليل ، ومثاله صيغة فعل الأمر ، فإنّ بالإمكان استخدامها بالنسبة إلى أيِّ موضوع ، فيقال تارةً : «أحسِن إلى الفقير» ، واخرى «صَلِّ» ، وثالثةً «ادفع الخطر عن الإسلام».

والعناصر الخاصّة في عملية الاستنباط : هي كلّ أداةٍ لغويةٍ لا تصلح للدخول إلّا في الدليل الذي يعالج موضوعاً معيّناً ، ولا أثر لها في استنباط حكمِ موضوعٍ آخر ، ككلمة «الإحسان» فإنّها لا يمكن أن تدخل في دليلٍ سوى الدليل الذي يشتمل على حكمٍ مرتبطٍ بالإحسان ، ولا علاقة للأدلّة التي تشتمل على حكم الصلاة ـ مثلاً ـ بكلمة «الإحسان» ، فلهذا كانت كلمة «الإحسان» عنصراً خاصّاً في عملية الاستنباط ؛ لأنّها تختصّ باستنباط أحكام نفس الإحسان ، ولا أثر لها في استنباط حكمِ موضوعٍ آخر.

وعلى هذا الأساس يدرس علم الاصول من اللغة القسم الأول من الأدوات اللغوية التي تعتبر عناصر مشتركةً في عملية الاستنباط ، فيبحث عن مدلول صيغة فعل الأمر ، وأنّها هل تدلّ على الوجوب ، أو الاستحباب؟ ولا يبحث عن مدلول كلمة «الإحسان».

ويدخل في القسم الأول من الأدوات اللغوية أداة الشرط أيضاً ؛ لأنّها تصلح للدخول في استنباط الحكم من أيِّ دليلٍ لفظيٍّ مهما كان نوع الموضوع الذي يتعلّق به ، فنحن نستنبط من النصّ القائل : «إذا زالت الشمس وجبت الصلاة» أنّ وجوب الصلاة مرتبط بالزوال بدليل أداة الشرط ، ونستنبط من النصّ القائل : «إذا هلَّ هلال شهر رمضان وجب الصوم» أنّ وجوب الصوم مرتبط بالهلال ، ولأجل هذا يدرس علم الاصول أداة الشرط بوصفها عنصراً مشتركاً ، ويبحث عن نوع الربط الذي تدلّ عليه ونتائجه في استنباط الحكم الشرعي.

وكذلك الحال في صيغة الجمع المعرَّف باللام ؛ لأنّها أداة لغوية صالحة

١٦١

للدخول في الدليل اللفظي مهما كان نوع الموضوع الذي يتعلّق به.

وفي ما يلي نذكر بعض النماذج من هذه الأدوات المشتركة التي يدرسها الاصوليون :

١ ـ صيغة الأمر :

صيغة فعل الأمر نحو «اذهب» و «صلِّ» و «صُمْ» و «جاهِدْ» إلى غير ذلك من الأوامر. والمقرّر بين الاصوليّين عادةً هو القول بأنّ هذه الصيغة تدلّ لغةً على الوجوب.

وهذا القول يدعونا أن نتساءل : هل يريد هؤلاء الأعلام من القول بأنّ صيغة فعل الأمر تدلّ على الوجوب أنّ صيغة فعل الأمر تدلّ على نفس ما تدلّ عليه كلمة «الوجوب» فيكونان مترادفين كالترادف بين كلمتي «إنسان» و «بَشَر»؟ وكيف يمكن افتراض ذلك ، مع أنّنا نحسّ بالوجدان أنّ كلمة «الوجوب» وصيغة فعل الأمر ليستا مترادفتين؟ وإلّا لجاز أن نستبدل إحداهما بالاخرى ، فيقول الآمر : «وجوب الصلاة» بدلاً عن «صلِّ» ، ويقول : «وجوب الصوم» بدلاً عن عن «صُمْ» ، وما دام هذا الاستبدال غير جائزٍ فنعرف أنّ صيغة فعل الأمر تدلّ على معنىً يختلف عن المعنى الذي تدلّ عليه كلمة «الوجوب» ، ويصبح من الصعب عندئذٍ فهم القول السائد بين الاصوليّين بأنّ صيغة فعل الأمر تدلّ على الوجوب.

والحقيقة أنّ هذا القول يحتاج إلى تحليل مدلول صيغة فعل الأمر لكي نعرف كيف تدلّ على الوجوب ، ونحن حين ندقّق في فعل الأمر نجد أنّه يشكِّل جملةً مفيدةً بضمّ فاعله إليه ، نظير فعل الماضي أو المضارع إذا ضُمَّ فاعله إليه ، فكما أنّ «ذهب عامر» جملة مفيدة مكوّنة من فعل ماضٍ وفاعلٍ كذلك جملة «اذهب» إذا

١٦٢

خاطبتَ عامراً بها.

وقد مرّ سابقاً (١) أنّ الجملة المفيدة تدلّ هيئتها دائماً على النسبة التامّة ، وعلى هذا الأساس يكون مدلول فعل الأمر بوصفه جملةً مفيدةً هو النسبة التامة بين مادة الفعل والمخاطب ، أي بين الذهاب والشخص المدعوِّ للذهاب في مثال «اذهب» ، وبين الصلاة والشخص المدعوِّ للصلاة في «صلِّ» ، وهكذا. كما أنّ مدلول فعل الماضي أو المضارع هو النسبة التامة ايضاً ، ف «ذهب عامر» و «اذهب» كلتاهما جملتان مفيدتان تدلّان على النسبة التامة بين مادة الفعل والفاعل.

ولكن «اذهب» و «ذهب» بالرغم من دلالتهما معاً على النسبة التامة يختلفان أيضاً من ناحيةٍ اخرى ؛ لأنّ «اذهب» تعتبر جملةً إنشائية ، وكذلك كلّ أفعال الأمر ، و «ذهب» تعتبر جملةً خبرية ، فأنت تقول : «ذهب عامر» حين تريد أن تخبر عن ذهابه ، وتقول : «اذهب» حين تريد أن تدفعه إلى الذهاب.

وهذا الاختلاف يعني ـ على ضوء ما عرفنا سابقاً من فرقٍ بين الجملة الإنشائية والجملة الخبرية ـ أنّ مدلول «اذهب» هو النسبة بين الذهاب والمخاطب بما هي في طريق التحقيق وباعتبارها يراد تحقيقها ، بينما تدلّ صيغة «ذهب» على النسبة بما هي حقيقة واقعة مفروغ عنها.

ونستخلص من ذلك : أنّ صيغة فعل الأمر تدلّ على نسبةٍ تامةٍ بين مادة الفعل والفاعل منظوراً إليها بما هي نسبة يراد تحقيقها وإرسال المكلَّف نحو إيجادها. أرأيت الصياد حين يرسل كلب الصيد الى فريسته؟ إنّ تلك الصورة التي يتصورها الصياد عن ذهاب الكلب الى الفريسة وهو يرسله إليها هي نفس الصورة

__________________

(١) مضى تحت عنوان : الرابطة التامّة والرابطة الناقصة

١٦٣

التي يدلّ عليها فعل الأمر ، ولهذا يقال في علم الاصول : إنّ مدلول صيغة الأمر هو النسبة الإرسالية.

وكما أنّ الصياد حين يرسل الكلب الى فريسته قد يكون إرساله هذا ناتجاً عن شوقٍ شديدٍ الى الحصول على تلك الفريسة ورغبةٍ أكيدةٍ في ذلك ، وقد يكون ناتجاً عن رغبةٍ غير أكيدةٍ وشوقٍ غير شديد ، كذلك النسبة الإرسالية التي تدلّ عليها الصيغة في فعل الأمر قد نتصورها ناتجةً عن شوقٍ شديدٍ وإلزامٍ أكيد ، وقد نتصورها ناتجةً عن شوقٍ أضعف ورغبةٍ أقلّ درجة.

وعلى هذا الضوء نستطيع الآن أن نفهم معنى ذلك القول الاصولي القائل : إنّ صيغة فعل الأمر تدلّ على الوجوب ، فإنّ معناه : أنّ الصيغة قد وضعت للنسبة الإرسالية بوصفها ناتجةً عن شوقٍ شديدٍ وإلزام أكيد ، ولهذا يدخل معنى الإلزام والوجوب ضمن الصورة التي نتصور بها المعنى اللغوي للصيغة عند سماعها دون أن يصبح فعل الأمر مرادفاً لكلمة «الوجوب».

وليس معنى دخول الإلزام والوجوب في معنى الصيغة أنّ صيغة الأمر لا يجوز استعمالها في مجال المستحبّات ، بل قد استعملت كثيراً في موارد الاستحباب كما استعملت في موارد الوجوب ، ولكنّ استعمالها في موارد الوجوب استعمال حقيقي ؛ لأنّه استعمال للصيغة في المعنى الذي وضعت له ، واستعمالها في موارد الاستحباب استعمال مجازي يبرِّره الشبه القائم بين الاستحباب والوجوب.

٢ ـ صيغة النهي :

صيغة النهي نحو «لا تذهب» ، «لا تخن» ، «لا تكسل في طلب العلم». والمقرّر بين الاصوليّين هو القول بأنّ صيغة النهي تدلّ على الحرمة ، ويجب أن

١٦٤

نفهم هذا القول بصورةٍ مماثلةٍ لفهمنا القول بأنّ صيغة الأمر تدلّ على الوجوب ، فإنّ النهي يشكِّل جملةً مفيدةً ويشتمل لأجل ذلك على نسبةٍ تامة ، وتعتبر الجملة التي يشكِّلها جملةً إنشائيةً لا إخبارية ، فأنت حين تقول : «لا تذهب» لا تريد أن تخبر عن عدم الذهاب ، وإنّما تريد أن تمنع المخاطب عن الذهاب وتمسكه عن ذلك ، فصيغة الأمر والنهي متّفقتان في كلّ هذا ، ولكنّهما تختلفان في الإرسال والإمساك ؛ لأنّ صيغة الأمر تدلّ على نسبةٍ إرساليةٍ كما سبق ، وأمّا صيغة النهي فتدلّ على نسبةٍ إمساكية ، أي أنّا حين نسمع جملة «اذهب» نتصور نسبةً بين الذهاب والمخاطب ، ونتصور أنّ المتكلِّم يرسل المخاطب نحوها ويبعثه الى تحقيقها كما يرسل الصياد كلبه نحو الفريسة ، وأمّا حين نسمع جملة «لا تذهب» فنتصور نسبةً بين الذهاب والمخاطب ، ونتصور أنّ المتكلِّم يمسك مخاطبه عن تلك النسبة ويزجره عنها ، كما لو حاول كلب الصيد أن يطارد الفريسة فأمسك به الصياد ، ولهذا نطلق عليها اسم «النسبة الإمساكية».

وتدخل الحرمة في مدلول النهي بالطريقة التي دخل بها الوجوب الى مدلول الأمر ، ولنرجع بهذا الصدد الى مثال الصياد ، فإنّا نجد أنّ الصياد حين يمسك كلبه عن تتبّع الفريسة قد يكون إمساكه هذا ناتجاً عن كراهة تتبّع الكلب للفريسة بدرجةٍ شديدة ، وقد ينتج عن كراهة ذلك بدرجةٍ ضعيفة. ونظير هذا تماماً نتصوره في النسبة الإمساكية التي نتحدّث عنها ، فإنّا قد نتصورها ناتجةً عن كراهةٍ شديدةٍ للمنهيِّ عنه ، وقد نتصورها ناتجةً عن كراهةٍ ضعيفة.

ومعنى القول بأنّ صيغة النهي تدلّ على الحرمة في هذا الضوء : أنّ الصيغة موضوعة للنسبة الإمساكية بوصفها ناتجةً عن كراهةٍ شديدةٍ وهي الحرمة ، فتدخل الحرمة ضمن الصورة التي نتصور بها المعنى اللغوي لصيغة النهي عند سماعها.

وفي نفس الوقت قد تستعمل صيغة النهي في موارد الكراهة فُينهى عن

١٦٥

المكروه أيضاً بسبب الشبه القائم بين الكراهة والحرمة ، ويعتبر استعمالها في موارد المكروهات استعمالاً مجازياً.

٣ ـ الإطلاق :

وتوضيحه : أنّ الشخص اذا أراد أن يأمر ولده بإكرام جاره المسلم فلا يكتفي عادةً بقوله : «أكرم الجار» ، بل يقول : «أكرم الجار المسلم» ، وأمّا اذا كان يريد من ولده أن يكرم جاره مهما كان دينه فيقول : «أكرم الجار» ويطلق «كلمة» الجار ، أي لا يقيّدها بوصفٍ خاصٍّ ، ويفهم من قوله عندئذٍ أنّ الأمر لا يختصّ بالجار المسلم ، بل يشمل الجار الكافر أيضاً ، وهذا الشمول نفهمه نتيجةً لذكر كلمة «الجار» مجرّدةً عن القيد ، ويسمّى هذا ب «الإطلاق» ، ويسمى اللفظ في هذه الحالة «مطلقاً».

وعلى هذا الأساس يعتبر تجرّد الكلمة من القيد اللفظي في الكلام دليلاً على شمول الحكم ، ومثال ذلك من النصّ الشرعي قوله تعالى : (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ)(١) ، فقد جاءت كلمة «البيع» هنا مجرَّدةً عن أيِّ قيدٍ في الكلام ، فيدلّ هذا الإطلاق على شمول الحكم بالحلّية لجميع أنواع البيع. وأمّا كيف أصبح ذكر الكلمة بدون قيدٍ في الكلام دليلاً على الشمول؟ وما هو مصدر هذه الدلالة؟ فهذا ما لا يتّسع له البحث على مستوى هذه الحلقة.

٤ ـ أدوات العموم :

أدوات العموم مثالها «كلّ» في قولنا : «احترِمْ كلّ عادل» و «قاطِعْ كلّ من يعادي الإسلام» ، وذلك أنّ الآمر حين يريد أن يدلِّل على شمول حكمه وعمومه

__________________

(١) البقرة : ٢٧٥

١٦٦

قد يكتفي بالإطلاق وذكر الكلمة بدون قيدٍ ـ كما شرحناه آنفاً ـ فيقول : «أكرم الجار» ، وقد يريد مزيداً من التأكيد على العموم والشمول فيأتي بأداةٍ خاصّةٍ للدلالة على ذلك فيقول في المثال المتقدم مثلاً : «أكرم كلّ جار» ، فيفهم السامع من ذلك مزيداً من التأكيد على العموم والشمول ، ولهذا تعتبر كلمة «كلّ» من أدوات العموم ؛ لأنّها موضوعة في اللغة لذلك ، ويسمّى اللفظ الذي دلّت الأداة على عمومه «عامّاً ، ويعبّر عنه ب «مدخول الأداة» ؛ لأنّ أداة العموم دخلت عليه وعمّمته.

ونستخلص من ذلك : أنّ التدليل على العموم يتمّ بإحدى طريقتين :

الاولى سلبية ، وهي الإطلاق ، أي ذكر الكلمة بدون قيد.

والثانية إيجابية ، وهي استعمال أداةٍ للعموم نحو «كلّ» و «جميع» و «كافّة» ، وما إليها من ألفاظ.

وقد اختلف الاصوليون في صيغة الجمع المعرَّف باللام من قبيل : «الفقهاء» ، «العلماء» ، «الجيران» ، «العقود».

فقال بعضهم (١) : إِنّ هذه الصيغة نفسها من أدوات العموم أيضاً ، مثل كلمة «كلّ» ، فأيّ جمعٍ من قبيل «فقهاء» أو «علماء» أو «جيران» اذا أراد المتكلّم إثبات الحكم لجميع أفراده والتدليل على عمومه بطريقةٍ إيجابيةٍ أدخل عليه اللام ، فيجعله جمعاً معرَّفاً باللام ويقول : «احترم الفقهاء» أو «أكرم الجيران» أو (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(٢).

وبعض الاصوليّين (٣) يذهب الى أنّ صيغة الجمع المعرَّف باللام ليست من

__________________

(١) كالفاضل التوني في الوافية : ١١٣ ، والمحقّق النائيني في فوائد الاصول ٢ : ٥١٦

(٢) المائدة : ١

(٣) كالمحقّق الخراساني في الكفاية : ٢٥٥ ، وراجع للتفصيل الفصول الغرويّة : ١٦٩

١٦٧

أدوات العموم. ونحن إنّما نفهم الشمول في الحكم عند ما نسمع المتكلّم يقول : «أكرم الجيران» ـ مثلاً ـ بسبب الإطلاق وتجرّد الكلمة عن القيود لا بسبب دخول اللام على الجمع ، أي بطريقةٍ سلبيةٍ لا إيجابية ، فلا فرق بين أن يقال : «أكرم الجيران» أو «أكرم الجار» ، فكما يستند فهمنا للشمول في الجملة الثانية الى الإطلاق كذلك الحال في الجملة الاولى ، فالمفرد المعرَّف باللام ـ وهو الجار ـ والجمع المعرَّف باللام ـ وهو الجيران ـ لا يدلّان على الشمول إلّا بالطريقة السلبية ، أي بإطلاق الكلمة وتجريدها عن القيد.

٥ ـ أداة الشرط :

أداة الشرط مثالها «إذا» في قولنا : «إذا زالت الشمس فصلِّ» ، و «إذا أحرمت للحجِّ فلا تتطيّب» ، وتسمّى الجملة التي تدخل عليها أداة الشرط جملةً شرطية ، وهي تختلف في وظيفتها اللغوية عن غيرها من الجمل التي لا توجد فيها أداة شرط ، فإنّ سائر الجمل تقوم بربط كلمةٍ باخرى ، نظير ربط الخبر بالمبتدإ في قولنا : «عليٌّ إمام» ، أو ربط الفعل بالفاعل في قولنا : «ظهر نورُ الإسلام». وأمّا الجملة الشرطية فهي تربط بين جملتين ، ففي مثال «إذا زالت الشمس فصلِّ» تعتبر «زالت الشمس» جملة ، وتعتبر «صلِّ» جملةً اخرى ، وأداة الشرط تربط بين هاتين الجملتين وتجعل الاولى شرطاً والثانية مشروطةً أو جزاء.

وعلى هذا الأساس نعرف أنّ الجملة الشرطية تحتوي على شرطٍ ومشروط ، وإذا لاحظنا المثالين المتقدمين للجملة الشرطية وجدنا أنّ الشرط في مثال «إذا زالت الشمس فصلِّ» هو زوال الشمس ، والشرط في قولنا : «إذا أحرمت للحجّ فلا تتطيّب» هو الإحرام للحجّ ، وأمّا المشروط فهو مدلول جملة «صلِّ» و «لا تتطيّب». ولمّا كان مدلول «صلِّ» بوصفه صيغةَ أمرٍ هو الوجوب

١٦٨

ومدلول «لا تتطيّب» بوصفه صيغة نهيٍ هو الحرمة ـ كما تقدّم ـ فنعرف أنّ المشروط هو الوجوب أو الحرمة ، أي الحكم الشرعي ، ومعنى أنّ الحكم الشرعي مشروط بزوال الشمس أو بالإحرام للحجّ : أنّه مرتبط بالزوال أو الإحرام ومقيّد بذلك ، والمقيّد ينتفي إذا انتفى قيده.

وينتج عن ذلك : أنّ أداة الشرط تدلّ على انتفاء الحكم الشرعي في حالة انتفاء الشرط ؛ لأنّ ذلك نتيجة طبيعية لدلالتها على تقييد الحكم الشرعي وجعله مشروطاً ، فيدلّ قولنا : «إذا زالت الشمس فصلِّ» على عدم وجوب الصلاة قبل الزوال ، ويدلّ قولنا : «إذا أحرمت للحجّ فلا تتطيّب» على عدم حرمة الطيب في حالة عدم الإحرام للحجّ ، وبذلك تصبح الجملة الشرطية ذات مدلولين : أحدهما إيجابي ، والآخر سلبي.

فالإيجابي هو ثبوت الجزاء عند ثبوت الشرط ، أي أنّ الوجوب يثبت عند الزوال.

ومدلولها السلبي هو انتفاء الجزاء عند انتفاء الشرط ، أي عدم وجوب الصلاة قبل الزوال ، وعدم حرمة الطيب في غير حالة الإحرام للحجّ.

ويسمّى المدلول الإيجابي «منطوقاً» للجملة ، والمدلول السلبي «مفهوماً».

وكلّ جملة لها مثل هذا المدلول السلبي يقال في العرف الاصولي : إنّ هذه الجملة أو القضية ذات مفهوم.

وقد وضع بعض الاصوليين (١) قاعدةً عامةً لهذا المدلول السلبي في اللغة ، فقال : إنّ كلَّ أداةٍ لغويةٍ تدلّ على تقييد الحكم وتحديده لها مدلول سلبي ؛ إذ تدلّ

__________________

(١) كفاية الاصول : ٢٤٦ ، وأجود التقريرات ١ : ٤٣٧ ، وفوائد الاصول ١ ـ ٢ : ٥٠٥ ، ودرر الفوائد ١ ـ ٢ : ٢٠٤

١٦٩

على انتفاء الحكم خارج نطاق الحدود التي تضعها للحكم ، وأداة الشرط تعتبر مصداقاً لهذه القاعدة العامة ؛ لأنّها تدلّ على تحديد الحكم بالشرط.

ومن مصاديق القاعدة أيضاً : أداة الغاية حين تقول مثلاً : «صُمْ حتّى تغيب الشمس» ، فإنّ «صُمْ» هنا فعل أمرٍ يدلّ على الوجوب ، وقد دلّت حتّى بوصفها أداة غايةٍ على وضع حدٍّ وغايةٍ لهذا الوجوب الذي تدلّ عليه صيغة الأمر ، ومعنى وضع غايةٍ له : تقييده ، فيدلّ على انتفاء وجوب الصوم بعد مغيب الشمس ، وهذا هو المدلول السلبي الذي نطلق عليه اسم «المفهوم».

ويسمّى المدلول السلبي للجملة الشرطية ب «مفهوم الشرط» ، كما يسمّى المدلول السلبي لأداة الغاية ـ من قبيل «حتّى» في المثال المتقدّم ـ ب «مفهوم الغاية».

١٧٠

الفصل الثاني

في حجّية الظهور

ما هو المطلوب في التفسير؟ :

إذا أردنا أن نفسّر كلمةً من ناحيةٍ لغويةٍ ـ كما يصنع اللغويون في معاجم اللغة ـ فسوف نفسِّرها بمعناها الذي ارتبطت به في اللغة أو بأقرب معانيها إليها إذا كانت ذات معانٍ متعدّدة ، فنقول عن كلمة «بحر» مثلاً : إنّها تدلّ في اللغة على الكمّية الهائلة الغزيرة من الماء المجتمعة في مكانٍ واحد ؛ لأنّ هذا هو أقرب المعاني الى الكلمة في اللغة ، أي المعنى الظاهر منها.

وأمّا إذا جاءت كلمة «بحر» في كلام شخصٍ يقول : «اذهب الى البحر في كلّ يوم» وأردنا أن نفسّر الكلمة في كلامه فلا يكفي أن نعرف ما هو أقرب المعاني الى كلمة «البحر» لغةً ، أي المعنى الظاهر منها ، بل يجب أن نعرف ما ذا أراد المتكلِّم بالكلمة ؛ لأنّ المتكلّم قد يريد بالكلمة معنىً آخر غير المعنى الظاهر. فالمهمّ بصورةٍ أساسيةٍ إذن أن نكتشف مراد المتكلّم ، أي المدلول النفسي للّفظ ، ولا يكفي مجرّد معرفة المدلول اللغوي.

ومثال ذلك أيضاً : صيغة الأمر إذا جاءت في كلام الآمر ولم ندرِ هل أراد الوجوب أو الاستحباب؟ فإنّ الغرض الأساسي هو أن نعرف ما ذا أراد؟ ولا يكفينا أن نعرف مدلول الصيغة لغوياً فحسب ، إذ قد يكون مدلولها

١٧١

اللغوي هو الوجوب والمتكلّم قد أراد الاستحباب على سبيل الاستعمال المجازي مثلاً.

وإذا كنّا قد درسنا في الفصل السابق المدلول اللغوي لصيغة «افعل» فإنّما ذلك لكي نستفيد منه في تحديد المدلول النفسي التصديقي للصيغة ، ولكي يوجّهنا المدلول اللغوي الى معرفة المدلول التصديقي واكتشاف إرادة المتكلّم كما سنرى.

ظهور حال المتكلّم :

عرفنا سابقاً أنّ للدلالة مصدرين : أحدهما اللغة بما تشتمل عليه من أوضاع ، وهي مصدر الدلالة التصورية. والآخر حال المتكلّم ، وهو مصدر الدلالة التصديقية النفسية.

وكما نتساءل بالنسبة الى المصدر الأول : ما هو أقرب المعاني الى اللفظ في اللغة لكي يكون هو المعنى الظاهر للَّفظ لغوياً من بين سائر معانيه؟ كذلك نتساءل بالنسبة الى المصدر الثاني : ما هو المدلول التصديقي النفسي الأقرب الى حال المتكلّم؟ ونريد بالمعنى الأقرب الى اللفظ لغةً في السؤال الأول : المعنى الذي ينتقل الذهن الى تصوره عند سماع اللفظ قبل أن ينتقل الى تصور غيره ، ونريد بالمدلول التصديقي الأقرب لحال المتكلّم في السؤال الثاني : ما هو المرجّح في تقدير نوعية الإرادة التي توجد في نفس المتكلّم.

ومثال ذلك : كلمة «البحر» ، فنحن نتساءل أولاً : ما هو المعنى الأقرب إليها في اللغة ، هل البحر من الماء أو البحر من العلم؟ ونجيب : أنّ المعنى الأقرب لغوياً لها بموجب النظام اللغوي العام هو البحر من الماء ؛ لأنّه معنىً حقيقي ، والمعنى الحقيقي في النظام اللغوي العام أقرب من المعنى المجازي ، ويعني كون المعنى

١٧٢

الحقيقي أقرب الى اللفظ : أنّ الذهن ينتقل الى تصوره عند سماع اللفظ قبل أن ينتقل الى تصور غيره.

ونتساءل ثانياً : ما ذا يريد المتكلِّم بكلمة «البحر» في قوله : «اذهب إلى البحر في كلّ يوم»؟ فهل يريد المعنى الأقرب لغوياً الذي نتصوره عند سماع الكلمة قبل غيره من المعاني وهو البحر من الماء ، أو يريد المعنى الأبعد لغوياً وهو البحر من العلم؟ ولمّا كان مصدر الدلالة التصديقية الدالّة على إرادة المتكلّم هو حال المتكلّم فيجب أن نعرف أيَّ هذين التقديرين أقرب الى حال المتكلّم ، فهل الأقرب الى حاله أن يريد المعنى الحقيقي الظاهر من اللفظ لغةً ، أو المعنى الأبعد؟

ويجيب علم الاصول على ذلك : أنّ الظاهر من حال المتكلّم أنّه يريد المعنى الأقرب لغوياً ، ويعني كون هذا أقرب الى حال المتكلّم : أنّ المرجّح في حال المتكلّم ـ بوصفه قد تكلّم بلفظٍ له معنىً لغوي ظاهر ـ أنّه يريد المعنى الظاهر الأقرب الى اللفظ دون الأبعد.

فلدينا إذن ظهوران : ظهور لغوي لكلمة «البحر» في المعنى الحقيقي ، وهذا الظهور لا يعني أكثر من أنّ الذهن ينتقل الى تصور هذا المعنى قبل تصور المعاني الاخرى ، وظهور حالي تصديقي وهو ظهور حال المتكلّم في أنّه يريد باللفظ إفهام الأقرب إليه من معانيه لغةً ، وهذا الظهور يعني أنّ الأرجح في حال المتكلّم أن يريد باللفظ معناه الظاهر.

حجّية الظهور :

ومن المقرَّر في علم الاصول أنّ ظهور حال المتكلّم في إرادة أقرب المعاني الى اللفظ حجّة ، ومعنى حجّية هذا الظهور اتّخاذه أساساً لتفسير الدليل

١٧٣

اللفظي على ضوئه ، فنفترض دائماً أنّ المتكلّم قد أراد المعنى الأقرب الى اللفظ في النظام اللغوي العام (١) أخذاً بظهور حاله. ولأجل ذلك يطلق على حجّية الظهور اسم «أصالة الظهور» ؛ لأنّها تجعل الظهور هو الأصل لتفسير الدليل اللفظي.

وفي ضوء هذا نستطيع أن نعرف لما ذا كنّا نهتمّ في الفصل السابق بتحديد المدلول اللغوي الأقرب للكلمة والمعنى الظاهر لها بموجب النظام اللغوي العام ، مع أنّ المهمّ عند تفسير الدليل اللفظي هو اكتشاف ما ذا أراد المتكلّم باللفظ من معنى؟ لا ما هو المعنى الأقرب إليه في اللغة ، فإنّا ندرك في ضوء أصالة الظهور أنّ الصلة وثيقة جدّاً بين اكتشاف مراد المتكلّم وتحديد المدلول اللغوي الأقرب للكلمة ؛ لأنّ أصالة الظهور تحكم بأنّ مراد المتكلّم من اللفظ هو نفس المدلول اللغوي الأقرب ، أي المعنى الظاهر من اللفظ لغةً ، فلكي نعرف مراد المتكلّم يجب أن نعرف المعنى الأقرب الى اللفظ لغةً لنحكم بأنّه هو المعنى المراد للمتكلّم.

تطبيقات حجية الظهور على الأدلّة اللفظية :

وسوف نستعرض في ما يلي ثلاث حالاتٍ لتطبيق قاعدة حجّية الظهور :

الاولى : أن يكون للَّفظ في الدليل معنىً وحيد في اللغة ولا يصلح للدلالة على معنىً آخر في النظام اللغوي العام. والقاعدة العامة تحتِّم في هذه الحالة أن

__________________

(١) لا نريد باللغة والنظام اللغوي العامّ هنا اللغة في مقابل العرف ، بل النظام القائم بالفعل لدلالة الألفاظ ، سواء كان لغوياً أوّلياً أو ثانوياً. (المؤلّف قدس‌سره)

١٧٤

يُحمَل اللفظ على معناه الوحيد ويقال : «إنّ المتكلّم أراد ذلك المعنى» ؛ لأنّ المتكلّم يريد باللفظ دائماً المعنى المحدَّد له في النظام اللغوي العام ، ويعتبر الدليل في مثل هذه الحالة صريحاً في معناه.

الثانية : أن يكون للَّفظ معانٍ متعدّدة متكافئة في علاقتها باللفظ بموجب النظام اللغوي العام ، من قبيل المشترك ، وفي هذه الحالة لا يمكن تعيين المراد من اللفظ على أساس تلك القاعدة ، إذ لا يوجد معنى أقرب الى اللفظ من ناحيةٍ لغويةٍ لتطبَّق القاعدة عليه ، ويكون الدليل في هذه الحالة مجملاً.

الثالثة : أن يكون للَّفظ معانٍ متعدّدة في اللغة ، وأحدها أقرب الى اللفظ لغوياً من سائر معانيه ، ومثاله كلمة «البحر» التي لها معنى حقيقي قريب ، وهو «البحر من الماء». ومعنى مجازي بعيد وهو «البحر من العلم» ، فإذا قال الآمر : «اذهب الى البحر في كلِّ يومٍ» وأردنا أن نعرف ما ذا أراد المتكلّم بكلمة «البحر» من هذين المعنيين؟ يجب علينا أن ندرس السياق الذي جاءت فيه كلمة «البحر». ونريد ب «السياق» : كلّ ما يكتنف اللفظ الذي نريد فهمه من دوالّ اخرى ، سواء كانت لفظيةً كالكلمات التي تشكّل مع اللفظ الذي نريد فهمه كلاماً واحداً مترابطاً ، أو حاليةً كالظروف والملابسات التي تحيط بالكلام وتكون ذات دلالةٍ في الموضوع.

فلا بدّ لنا لكي نفهم المعنى الذي أراده المتكلّم من لفظ «البحر» في المثال المتقدّم أن ندرس السياق الذي جاءت فيه كلمة «البحر» ، ونحدّد المدلول اللغوي والمعنى الظاهر لكلّ كلمةٍ وردت في ذلك السياق ، فإن لم نجد في سائر الكلمات التي وردت في السياق ما يدلّ على خلاف المعنى الظاهر من كلمة «البحر» كان لزاماً علينا أن نفسِّر كلمة «البحر» على أساس المعنى اللغوي الأقرب ، ونقرِّر أنّ مراد الآمر من البحر الذي أمرنا بالذهاب إليه في كلِّ يومٍ هو بحر الماء ، لا بحر

١٧٥

العلم تطبيقاً للقاعدة العامة القائلة بحجّية الظهور.

وقد نجد في سائر أجزاء الكلام ما لا يتّفق مع ظهور كلمة «البحر» ، ومثاله أن يقول الآمر : «اذهب الى البحر في كلّ يومٍ واستمع الى حديثه باهتمام» فإنّ الاستماع الى حديث البحر لا يتّفق مع المعنى اللغوي الأقرب الى كلمة «البحر» ؛ لأنّ البحر من الماء لا يستمع الى حديثه ، وإنّما يستمع الى حديث البحر من العلم ، أي العالم الذي يشابه البحر لغزارة علمه ، وفي هذه الحالة نجد أنفسنا نتساءل : ما ذا أراد المتكلّم بكلمة «البحر»؟ هل أراد بها البحر من العلم بدليل أنّه أمرنا بالاستماع الى حديثه ، أو أراد بها البحر من الماء ولم يقصد بالحديث هنا المعنى الحقيقي ، بل أراد به الإصغاء الى صوت أمواج البحر؟

وهكذا نظل متردِّدين بين كلمة «البحر» وظهورها اللغوي من ناحية ، وكلمة «الحديث» وظهورها اللغوي من ناحيةٍ اخرى ، ومعنى هذا أنّا نتردّد بين صورتين : إحداهما صورة الذهاب الى بحرٍ من الماء المتموِّج والاستماع الى صوت مَوجه ، وهذه الصورة هي التي توحي بها كلمة «البحر». والاخرى صورة الذهاب الى عالمٍ غزير العلم والاستماع الى كلامه ، وهذه الصورة هي التي توحي بها كلمة «الحديث».

وفي هذا المجال يجب أن نلاحظ السياق جميعاً ككلٍّ ونرى أيَّ هاتين الصورتين أقرب إليه في النظام اللغوي العام؟ أي أنّ هذا السياق إذا القي على ذهن شخصٍ يعيش اللغة ونظامها بصورةٍ صحيحةٍ هل سوف تسبق الى ذهنه الصورة الاولى أو الصورة الثانية؟ فإن عرفنا أنّ إحدى الصورتين أقرب الى السياق بموجب النظام اللغوي العام ـ ولنفرضها الصورة الثانية ـ تكوَّن للسياق ككلٍّ ظهور في الصورة الثانية ووجب أن نفسِّر الكلام على أساس تلك الصورة الظاهرة.

١٧٦

ويطلق على كلمة «الحديث» في هذا المثال اسم «القرينة» ؛ لأنّها هي التي دلّت على الصورة الكاملة للسياق وأبطلت مفعول كلمة «البحر» وظهورها.

وأمّا إذا كانت الصورتان متكافئتين في علاقتهما بالسياق فهذا يعني أنّ الكلام أصبح مجملاً ولا ظهور له ، فلا يبقى مجال لتطبيق القاعدة العامة.

القرينة المتّصلة والمنفصلة :

عرفنا أنّ كلمة «الحديث» في المثال السابق قد تكون قرينةً في ذلك السياق ، وتسمّى «قرينة متّصلة» ؛ لأنّها متّصلة بكلمة «البحر» التي أبطلت مفعولها وداخلة معها في سياقٍ واحد ، والكلمة التي يبطل مفعولها بسبب القرينة تسمّى ب «ذي القرينة».

ومن أمثلة القرينة المتّصلة : الاستثناء من العام ، كما إذا قال الآمر : «أكرم كلّ فقيرٍ إلّا الفسّاق» ، فإنّ كلمة «كلّ» ظاهرة في العموم لغةً ، وكلمة «الفسّاق» تتنافى مع العموم ، وحين ندرس السياق ككلٍّ نرى أنّ الصورة التي تقتضيها هذه الكلمة أقرب إليه من صورة العموم التي تقتضيها كلمة «كلّ» ، بل لا مجال للموازنة بينهما ، وبهذا تعتبر أداة الاستثناء قرينةً على المعنى العام للسياق.

فالقرينة المتّصلة هي : كلّ ما يتّصل بكلمة اخرى فيبطل ظهورها ويوجّه المعنى العام للسياق الوجهة التي تنسجم معه.

وقد يتّفق أنّ القرينة بهذا المعنى لا تجيء متّصلةً بالكلام ، بل منفصلةً عنه فتسمّى «قرينةً منفصلة». ومثاله أن يقول الآمر : «أكرم كلّ فقير» ، ثمّ يقول في حديث آخر بعد ساعة : «لا تكرم فسّاق الفقراء» ، فهذا النهي لو كان متّصلاً

١٧٧

بالكلام الأول لاعتُبر قرينةً متّصلةً ولكنّه انفصل عنه في هذا المثال.

وفي هذا الضوء نفهم معنى القاعدة الاصولية القائلة : «إنّ ظهور القرينة مقدَّم على ظهور ذي القرينة ، سواء كانت القرينة متّصلةً أو منفصلة».

وهناك فروق بين القرينة المتّصلة والمنفصلة لا مجال لدراستها على مستوى هذه الحلقة.

١٧٨

الاستنباط القائم على أساس الدليل

٢

الدليل البرهاني

تمهيد.

العلاقات القائمة بين نفس الأحكام.

العلاقات القائمة بين الحكم وموضوعه.

العلاقات القائمة بين الحكم ومتعلّقه.

العلاقات القائمة بين الحكم والمقدّمات.

العلاقات القائمة في داخل الحكم الواحد.

١٧٩
١٨٠