رسالة في فروع العلم الإجمالي

آية الله الشيخ باقر الزنجاني

رسالة في فروع العلم الإجمالي

المؤلف:

آية الله الشيخ باقر الزنجاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: انتشارات دار التفسير
المطبعة: وفا
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-535-198-2
الصفحات: ٤٤٠

النوع أو لهذا ، فلا محالة يعدّ التمسّك بكلّ من دليل القاعدتين ، تمسّكا بدليل الحكم الكبروي في الشبهة الموضوعيّة الصغرويّة ، وهو أمر باطل قطعا ، فلا محيص عن تساقط أصالة الظهور من الطرفين ، كما لا محيص عن تنجيز العلم الإجمالي بوجوب الاحتياط والاستيناف.

وأمّا استصحاب الصحّة : في ما بيده من الصلاة ، فهو ـ مع ما فيه من الإشكالات من حيث أصل الجريان ، وتماميّة الأركان ، كما بيّن في محلّه في استصحاب الصحّة في الأعمال المركّبة في موارد الشكّ في عروض المبطل في الأثناء ، من جهة الشكّ في فقد الشرط ، أو وجود المانع أو القاطع ، أو قاطعيّة الموجود أو مانعيّته ـ على تقدير تسليم جريانه ، قاصر عن إثبات أنّ ما هو الموجود هو المصداق للشكّ المأخوذ في موضوع قاعدة البناء على الأكثر ، فهو قاصر عن إثبات وجوب الإتمام والاحتياط بالركعة.

هذا فضلا عن أنّ أصالة الصحّة مع ما فيها من المناقشة الضعيفة ـ في أصل اعتبارها في فعل النفس ، والمناقشة الواضحة من حيث جريانها في أثناء العمل ، بحيث تجدي في إحراز صحّة مجموع العمل التي لا تكون إلّا بصحّة الأجزاء السابقة من حيث قابليّتها للّحوقيّة ، والأجزاء اللّاحقة من حيث قابليّتها للالتحاق إلّا فيما تنطبق على قاعدة التجاوز ـ فهي على تقدير اعتبارها ، فحالها كحال الاستصحاب المتقدّم في قصورها عن الإثبات ، حيث أنّ مآله إلى التعارض والتساقط ، فلو اخذ استصحاب الصحّة بدون الأخذ بلسان إثباته ، فلا محيص إلّا عن الأخذ بأصالة عدم وجوب الاحتياط بالركعة ، أو أصالة البراءة عن ذلك أصلا

٨١

حكميّا ، وعلى كلّ فهي معارضة لاستصحاب الصحّة ، للزوم المخالفة القطعيّة من إجرائهما معا ، فتتساقطان ممّا يؤدّي إلى تنجّز العام الإجمالي.

* * *

بحث حول كيفيّة جريان قاعدة التجاوز

كما أنّ قاعدة التجاوز مع ما فيها من المناقشة الواضحة ـ من حيث جريانها في الواقع ، التي تكون نسبة مبطليّتها للأجزاء الماضية والآتية على حدّ سواء ، لكونها مبطلة لمجموع العمل ، وليس لعدمها المعتبر في العمل محلّ خاصّ ، حتّى يفرض الشكّ في تحقّق ذلك العدم بعد تجاوز محلّه ، والدخول في الفعل المترتّب عليه من الأمور المعتبرة في الصلاة ، ويبنى على تحقّقه كما هو مفاد أدلّة قاعدة التجاوز ـ فإنّ محلّ

جريانها مجموع الصلاة من أوّلها إلى آخرها ؛ فكلّما شكّ في تحقّق ذلك العدم ، وانقلابه إلى الوجود ، فهو شكّ في الشيء في محلّ اعتباره ، ولا بدّ من إحرازه بمقتضى مفاهيم أدلّة اعتبار قاعدة التجاوز ، وجريانها بالنظر إلى نفس الأجزاء الماضية من حيث الشكّ في صحّتها وفسادها ؛ لا معنى له بعد وضوح أنّ صحّتها في حدّ أنفسها مقطوع بها ، ولا شكّ فيها حتّى يبنى على صحّتها ؛ لكون الشكّ بعد تجاوز محلّها ، وإنّما الشكّ في عروض المبطل لها من جهة عروض القاطع ، وقد عرفت أنّ هذا الشكّ شكّ في المحلّ أينما فرض تحقّقه.

وبالجملة : أدلّة اعتبار قاعدة التجاوز والفراغ حتّى مثل قوله عليه‌السلام : (كلّما مضى من صلاتك وطهورك فامضه كما هو) الظاهر في خصوص قاعدة الفراغ ، أو الشكّ في صحّة مجموع العمل بعد الفراغ ، والخروج عنه ، سواء كان الشكّ في أصل

٨٢

وجود بعض أجزائه أو قيوده ، أو صحّة ما هو الموجود منهما ، فإنّ الأدلّة ظاهرة جدّا في إلغاء الشكّ بالنسبة إلى العمل الحاصل بالنظر إلى الأجزاء والقيود التي مضى محلّها ؛ أي مضى محلّ تحقّقها أو انتفائها.

وأمّا الشكّ الناشئ عن الشكّ في عروض الفساد للعمل السابق ، من جهة الشكّ في انتفاء الشرط المتأخّر ـ سواء الوجودي أو العدمي ـ فلا تكون القاعدة متكفّلة لتصحيحها وإلغاء الفاسد المشكوك ، بل هو مورد لمفاهيم تلك الأدلّة وأنّه لا بدّ من إحراز ذلك بنحو ؛ وعليه فلو شكّت المستحاضة في أصل اغتسالها اللّيلية ، أو في صحّة ما هى مشتغلة بها من الغسل ـ بناء على اعتباره في صحّة صوم اليوم الخاصّ ـ فلا يمكن لها البناء على صحّة الصوم بالتمسّك بأدلّة قاعدة التجاوز أو الفراغ ، بل لا بدّ لها من إحراز القيد بنحو.

كما أنّه لو شكّ المصلّي في عروض العجب أو الرّياء بعد العمل بناء على إفسادهما للصلاة مثلا ، واعتبار عدمها قيدا متأخّرا فيها ، فلا وجه لدفع احتمال الفساد بالتمسّك بأدلّة القاعدتين ، بل لا بدّ من إحراز تحقّق القيد العدمي المفروض ولو بأصل عمليّ كالاستصحاب مثلا.

وحال احتمال عروض القاطع في أثناء العمل بالنظر إلى اعتبار عدمها في بقاء وصف الصحّة في الأجزاء الماضية ، كحال هذه الأمور في أنّه ليس موردا لأدلّة قاعدة التجاوز.

وخلاصة الكلام : وكيف كان ، فقاعدة التجاوز مع ما فيه من هذه المناقشة الواضحة ، فهي على تقدير جريانها حالها كحال الاستصحاب وأصالة الصحّة

٨٣

المتقدّمتين ، في أنّها قاصرة عن إثبات تحقّق موضوع وجوب الاحتياط بالركعة ، فيئول الأمر إلى التعارض والتساقط وتنجيز العلم الإجمالي.

أقول : ومن هنا يتبيّن حكم ما لو فرض الشكّ المفروض في المسألة ، بعد الفراغ عن الصّلاة بإتمامه الرابعة البنائيّة ، والتشهّد والتسليم منها ، فإنّ مجموع الصلاة وإن هي مجرى لقاعدة الفراغ بلا مناقشة ، إلّا أنّها قاصرة عن إثبات أنّ ما هو الموجود كان مصداقا لموضوع الحكم بالصحّة ، ووجوب الإتمام والاحتياط بالركعة ، فيئول الأمر إلى التعارض والتساقط وتنجيز العلم الإجمالي المفروض.

* * *

٨٤

المسألة الخامسة

قال رحمه‌الله : (إذا شكّ في أنّ الركعة التي بيده آخر الظهر أو أنّه أتمّها وهذه أوّل العصر ، جعلها آخر الظهر).

أقول : إنّ المكلّف في فرض المسألة عالم بالإجمال بوجوب إتمام ما بيده من الصلاة ، وحرمة قطعها إمّا ظهرا أو عصرا ، ولا يحتمل خللا من جهة نقص شيء أو زيادته ، لا في الظهر على تقدير كون ما بيده الظهر ، ولا في العصر على تقدير كونه العصر ، فلا مجال في المسألة للبحث عن مسألة العدول.

وبعبارة أوضح : هناك بحث في كيفيّة العدول وموارد جريانه :

قد يقال : العدول تشمل لمثل المفروض ، ممّا فرض فيه إتيان السّابقة وبقاء شيء منها ، بحيث لو عدل فإنّما يجعل بالعدول بعضا ممّا أتى به من اللّاحقة جزءا متمّما للسّابقة.

وقد يقال : إنّه يتمّ العدول فيما لو فرض عدم الإتيان بالسابقة رأسا مع إتيان بعض اللّاحقة ، بحيث لو عدل فإنّه يجعل بالعدول ما أتى به من اللّاحقة ما يفتتح به السابقة ، ويتمّم ما بقي منها بنيّة السابقة.

وغير ذلك من المناقشات التي نشير إليها في المسائل الآتية.

وعلى أيّ تقدير فإنّه لو فرض الإغماض عن تلك المناقشات ، فإنّه لا مجال للعدول في المسألة المبحوث عنها ، للقطع بلغويّته على كلّ حال ، إذ لا يخلو في الواقع :

٨٥

إمّا أن تكون ما بيده الرابعة من الظهر ، وبعد هو في أثنائها ، فلا معنى للعدول إليها.

وإمّا أن تكون الاولى من العصر وقد افتتحها بنيّة وتكبيرة الإحرام ، فقد تمّت الظهر وسلّم فيها وخرج عنها بلا نقص ، فلا معنى للعدول في الركعة إليها ، إذ المفروض عدم احتمال نقص الركعة من الظهر ، على تقدير كون ما بيده من العصر. ولكن حيث إنّ العلم الإجمالي المتقدّم ممّا لا يمكن موافقته القطعيّة ، إذ لا يمكن إتمام ما بيده من الركعة ظهرا وعصرا معا ، إذ الأوّل يحتاج إلى التشهّد والتسليم ، وهما من الزيادة العمديّة المطلقة للثاني ، ولو فرض الإتيان بها بنحو الرجاء فلا محيص عن سقوط الاحتياط بالموافقة القطعيّة ، ولكن المخالفة القطعيّة ، والموافقة والمخالفة الاحتماليّتين ممكنة في الفرض ، لإمكان رفع اليد عن كلتيهما وهي المخالفة القطعيّة ، وإمكان رفع اليد عن إحداهما والإتمام بنيّة الاخرى ، وهو في الموافقة والمخالفة الاحتماليّتين ، فلا محيص عن تنجيز العلم من هذه الجهة ، وحكم العقل بحرمة المخالفة القطعيّة ، ووجوب الموافقة الاحتماليّة ؛ بمعنى استحقاق العقوبة على المخالفة القطعيّة ، فلو لم يكن في البين ترجّح وتعيّن لإحدى الموافقتين والمخالفتين ، لكان العقل حاكما بالتخيير ، فإن اختار الإتمام بنيّة الظهر ، لكان يحصل له القطع بالبراءة عنها ، وكان يجب عليه استيناف العصر ، وإن اختار الإتمام بنيّة العصر لكان يحصل له القطع بالبراءة من العصر ، ولكن كان يشكّ في البراءة عن الظهر ، فالواجب عليه حينئذ استيناف الظهر.

وخلاصة الكلام : الصحيح أنّه لا سبيل إلى اختيار الثاني ، من جهة اعتبار

٨٦

الترتيب بين الفريضتين المانع عن الاشتغال بالثانية ، ما لم يحصل القطع بالفراغ عن الاولى ، فيتعيّن عليه بحكم العقل الموافقة الاحتماليّة للمعلوم بالإجمال المفروض ، باختيار إتمام ما بيده ، برجاء أن تكون رابعة الظهر ، وحينئذ فيحصل له القطع ببراءة ذمّته عن الظهر ؛ إمّا سابقا وقد زاد ركعة وتشهّدا وتسليما في الخارج عنها ، أو بعد الركعة التي أتمّها وتشهّد وسلّم فيها ، ويجب عليه استيناف العصر للقطع ببقاء اشتغال ذمّته.

أقول : ينبغي التنبيه على أمرين :

الأمر الأوّل : ظهر ممّا ذكرنا أنّ تعبيره قدس‌سره في المسألة بقوله : (جعلها آخر الظهر) ، ليس على ما ينبغي ، لظهور العبارة في أنّه يجب عليه البناء تعبّدا على أنّ ما بيده رابعة الظهر بمقتضى أصل أو قاعدة ، وقد عرفت أنّه ليس إلّا مقتضى حكم العقل بحرمة المخالفة القطعيّة للعلم الإجمالي بحرمة القطع ، ووجوب الإتمام ، وذلك ليس إلّا بمعنى حكمه باستحقاق العقوبة عليها ، وليس فيه لسان إحراز ، وأنّ ما بيده الرابعة من الظهر ولذلك نعتقد أنّ الأصحّ أن يقال : (أتمّ الركعة وتشهّد فيها وسلّم برجاء أن تكون رابعة الظهر).

الأمر الثاني : اتّضح فساد ما وقع في كلمات بعض الأجلّة رحمه‌الله من دعواه أنّ الحكم بالإتمام بنيّة الظهر ترخيصي لا إلزامي باعتبار أنّ جريان استصحاب كونه مشتغلا إلى الآن بالظهر ؛ أي بامتثال أمره ، ولكنّه إنّما يجدي لو كان الأثر ـ أعني وجوب الإتمام بنيّة الظهر ـ يترتّب على كونه مشتغلا بالظهر ، وأمّا على فرض ترتّبه على كون ما بيده الظهر ، فلا يمكن إحراز ذلك باستصحاب كونه مشتغلا

٨٧

بالظهر لا بنحو الإثبات.

وفيه : إنّ الدعوى المذكورة ممنوعة ، لأنّ وصف كونه مشتغلا بالظهر أو بامتثال أمره ونفس صلاة الظهر ، متساوية ومتلازمة في صحّة استصحابها ـ على ما أوضحناه في مبحث الاستصحاب ـ في استصحاب الأمور المركّبة التدريجيّة الوجود ، إلّا أنّها بأجمعها مشتركة في أنّ استصحاباتها لا يحرز بها بقاء إلّا كونه مشتغلا بالظهر ، أو بامتثال أمره ، أو بقاء الظهر التي كان مشتغلا بها إلى حين هذا الشكّ ، ولكن شيء من ذلك لا يثبت كون ما عليه إتيانه ، من تمام الركعة جزءا من الظهر ، بحيث يجب عليه أن يأتي به بداعي امتثال الأمر المتعلّق بالظهر ، إلّا بنحو الإثبات ، والأخذ باللوازم العقليّة.

نعم ، استصحاب بقاء نفس التكليف المتعلّق بالظهر ، موجب لحكم العقل بوجوب إسقاطه بالامتثال الذي لا يكون في مثل المفروض إلّا بإتيان ما يحتمل بقائه من أجزاء الظهر فقط ، دون الأجزاء الماضية بداعي الأمر الفعلي المتعلّق بالظهر بحكم الاستصحاب ، وهذا ليس من قبيل الإثبات ، إلّا أنّ الشأن في جريان استصحاب التكليف في موارد حكم العقل بقاعدة الاشتغال ، وهو محلّ نظر وإشكال ، وإن كان الأظهر جريانه في مثل الفرض ، وحكومته على قاعدة الاشتغال ، والتفصيل على عهدة محلّه.

* * *

٨٨

المسألة السادسة

قال رحمه‌الله : (إذا شكّ في العشاء بين الثلاث والأربع ، وتذكّر أنّه سها عن المغرب بطلت صلاته ...).

محلّ الكلام ما إذا حصل الشكّ أوّلا ثمّ تذكّر السهو ، وكان حصولهما دفعة واحدة ، وإلّا فلا ينبغي الإشكال في البطلان ، لوضوح أنّ احتمال اختصاص الأدلّة الدالّة على لزوم الحفظ في عدد ركعات المغرب ، ومبطليّة الشكّ فيها في أثنائها بما إذا حصل الشكّ فيما افتتحها بعنوان المغرب ، وعدم شمولها لما إذا افتحها بعنوان العشاء ، وجعلها مغربا بالعدول في الأثناء ، وإن كان احتمالا موافقا لما في مثل تلك الأدلّة من الانصراف البدوي ، إلّا أنّه مخالف لحالها من الظهور المستقرّ في الإطلاق ، بعد التأمّل الصادق في مفادها والتعليلات الواقعة فيها ، فهو احتمال ساقط جدّا.

وهذا ، كما أنّه في محلّ البحث هناك احتمال صحّة العدول إلى المغرب ، وإتمام ما بيده مغربا ، ثمّ الإتيان بالعشاء ، نظرا إلى أنّ ظاهر تلك الأدلّة هو إبطال وقوع الشكّ في المغرب ، وأمّا عروض عنوان المغربيّة على ما يشكّ فيه ، فلا دليل على مبطليّته ، إذ أنّ مآله ومرجعه إلى ما تقدّم من الاحتمال المخالف للإطلاق الساقط جدّا.

أقول : ينبغي ملاحظة الشكّ في المقام ، فإنّه لا يخلو :

إمّا أن يكون شكّه قبل الدخول في ركوع ما يحتمل رابعيّته للعشاء.

٨٩

وإمّا أن يكون بعد الدخول.

وعلى الأوّل : فهو بعد العدول :

إمّا يبني على الأقلّ ويتمّ الركعة ثالثة للمغرب ، فهو مخالف للإطلاقات الدالّة على لزوم البناء على الأكثر ، ومخالف للاتّفاق الظاهر من الكلمات.

أو يبني على الأكثر ، فعليه أن يهدم القيام ، فيؤول شكّه إلى الاثنتين والثلاث ، فعليه أن يبني على الثلاث ويحتاط ؛ وهو أيضا مخالف لاتّفاق الظاهر من الكلمات.

وعلى الثاني : أيضا إمّا أن يبني على الأقلّ فهو مخالف لإطلاقات البناء على الأكثر بعد أن لا دليل على حكمه غير الأدلّة الدالّة على البطلان ، وغير تلك الإطلاقات.

وإمّا أن يبني على الأكثر ، فهو بناء تعبّدي على زيادة الركعة المبطلة للصلاة من دون إشكال.

وبالجملة : هذا الاحتمال كسابقة احتمال ساقط في المسألة ، ولا تساعده الأدلّة ولا كلمات الاصحاب عليه.

وأمّا احتمال تعيين البطلان : باعتبار أنّه في الحقيقة ناو للمغرب الذي هو المأمور به في الواقع ، وإنّما أخطأ في تطبيقه ، فقد أشرنا في ذيل المسألة الاولى إلى حكمه في أمثال هذه المسائل ، فراجع.

وأمّا احتمال صحّة ما بيده : ووجوب إتمامه عشاء ، ثمّ الإتيان بالمغرب ، مثل ما إذا حصل له هذا الشكّ وبنى على الأكثر وأتمّ واحتاط بركعة ، ثم تذكّر السهو عن

٩٠

المغرب ، فهو يبتني على مقدّمات ثلاث :

المقدّمة الاولى : اختصاص الحكم بجواز العدول ، بما إذا كان هناك محلّ للعدول ، بحيث يمكنه تصحيح العمل والاجتزاء بما في يده في امتثال أمر العدول إليه من دون عروض ما يبطله.

المقدّمة الثانية : التشريك في تجاوز محلّ العدول ، بين مطلق ما يوجب بطلان العمل المعدول إليه.

سواء كان ذلك زيادة ركعة ، كما فيما إذا أتمّ العشاء أربعة فتذّكر ترك المغرب.

أو زيادة ركن فيه ، كما إذا تذكّر ترك المغرب مثلا بعد الدخول في ركوع الرابعة من العشاء.

أو خروج الوقت المشترك ، كما إذا تذكّر فوت الظهر مثلا في أثناء العصر ، فيما لم يبق من الوقت إلّا بمقدار إتمام العصر.

أو تعلّق شكّ مبطل كما في محلّ الكلام.

المقدّمة الثالثة : كون الحكم في مطلق موارد تجاوز محلّ العدول ، هي صحّة ما بيده بعنوان اللّاحقة التي افتتحها به ، وفوات الترتيب واغتفاره ، لاستناده إلى الغفلة أوّلا ، ولو فرض الالتفات في الأثناء أو بعد العمل.

أقول : إنّ المقدّمتان الاولى والثانية من هذه المقدّمات الثلاث مستفادة من نفس أخبار العدول ، حيث إنّ المفروض فيها من العدول في الأثناء ـ كما في أكثرها ـ أو بعد العمل أيضا ـ كما في صحيحة زرارة ـ إنّما هو في المتماثلين من

٩١

الفرائض ، وأمّا المتخالفتين كالمغرب والعشاء فلم يحكم في شيء منها بالعدول ، فيما إذا كان التذكّر بعد الفراغ من العشاء ، وإنّما حكم بالعدول فيما إذا قام في الثالثة من العشاء ونحو ذلك ، ممّا يشترك معه في عدم العدول إلى زيادة في المغرب مبطلة عمدا وسهوا.

وهذا مضافا إلى وضوح ظهورها بأجمعها في أنّ العدول إنّما هو لتصحيح العمل ، ولتحصيل الترتيب الواجب بين الفريضتين ، فهي بأجمعها منصرفة عمّا إذا كان العدول موجبا للحكم بالبطلان المعدول إليه.

أمّا المقدّمة الثالثة : فهي موضع المناقشة والإشكال ، وما يمكن أن يقال في إثباتها أحد امور :

منها : أنّ الأدلّة الدالّة على وجوب الترتيب بين الفريضتين ، إنّما تدلّ على وجوبه في صورة الالتفات والتذكّر ابتداء أو في الأثناء ، ولكن مع إمكان العدول ، إذ المتيقّن من الإجماع ذلك ، كما أنّ المنصرف من الأخبار الدالّة على اشتراك الفريضتين في الوقت (إلّا أنّ هذه قبل هذه) هو ابتداء العمل مع التذكّر والالتفات ، وإنّما استفيد وجوب الترتيب مع التذكّر في الأثناء ، من الأخبار الدّالة على وجوب العدول ، وقد عرفت أنّ الظاهر منها إنّما هو وجوبه في صورة إمكانه ، بلا استلزامه لإبطال العمل ، وبالتالي فلم يبق إطلاق يمكن التمسّك به لإثبات وجوبه فيما فرض التذكّر بعد الفراغ عن العمل أو في الأثناء.

ولكن مع عدم إمكان العدول ، لو شكّ في وجوبه حينئذ ، فهو مدفوع بأصالة البراءة الجارية في الأقلّ والأكثر ، من دون حاجة إلى التمسّك بمثل حديث لا تعاد ونحوه.

٩٢

نعم ، يمكن تأييد الحكم بالنصوص الدّالة على صحّة العشاء أو العصر ، ولزوم تدارك المغرب أو الظهر ، كما في صحيحة زرارة وخبر صفوان الوارد في من صلّى العصر قبل الظهر ، وتذكّر بعد خروج الوقت.

ولكن الاستدلال بهذا النحو ضعيف جدّا ، إذ لا مجال لانصراف تلك الأخبار الدالّة على الاشتراك في الوقت عدا ما تقدّم الأوّل على الثاني من خلال قوله : (إلّا أنّ هذه قبل هذه) ، بل حالها حال أدلّة سائر الأجزاء والقيود ، في أنّها ظاهرة في اعتبار الجزء والقيد في ماهيّة العمل ، مع صرف النظر عن تنجّز التكليف بهما على المكلّف ، لعلمه والتفاته.

هذا ، مع أنّ في نفس الأخبار الدالّة على وجوب العدول ، وردت جملة صالحة للتمسّك بإطلاقها ، مثل قوله عليه‌السلام في رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، قال :

«سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل نسى صلاة حتّى دخل وقت صلاة اخرى؟

فقال : إذا نسى الصلاة أو نام عنها صلّاها حين يذكرها ، فإذا ذكرها وهو في صلاة بدأ بالتي نسي ، الحديث».

فهي بإطلاقها ظاهرة في وجوب الاشتغال بالفريضة السابقة المنسيّة ، فيما إذا تذكّر في أثناء اللّاحقة ، سواء أمكن العدول أو لم يمكن.

غاية الأمر أنّ هذه الرواية كسائر أخبار العدول ترشد المكلّف من خلال أسهل الطريقين إلى تحصيل الترتيب وامتثال أمر الفريضة السابقة ، وهو العدول عمّا بيده إلى السابقة فيما أمكن ولم يستلزم إبطال العمل ، فاشتراط وجوب

٩٣

العدول بإمكانه ، وعدم استلزامه للإبطال ، لا وجه لأن يكون شرطا لأصل وجوب الترتيب فيما تذكّر في الأثناء ، حتّى يكون ظهورها في هذا التقييد تقييدا في أصل ما استفيد من صدر الرواية المتقدّمة ، من لزوم الترتيب فيما تذكّر في الأثناء مطلقا.

نعم ، مثل هذا الإطلاق لا ينفع بالنظر إلى صور التذكّر بعد الفراغ عن الفريضة اللّاحقة ، ولكن تكفي الأخبار الدالّة على الاشتراك في مثله ، مع قطع النظر عن النصوص الخاصّة الدالّة على الاغتفار في مثله ، وعن مثل حديث لا تعاد ونحوه.

أقول : هذا كلّه مضافا إلى أنّا قد أوضحنا في بعض تنبيهات مسألة البراءة والاشتغال ، عدم معقوليّة تقييد جزئيّة شيء أو قيديّته في العمل في الواقع ، بحال التذكّر والالتفات إليه ، والدلالة على هذا التقييد ـ لحاظيّا أو بالنتيجة ـ بدليل متكفّل لبيان الحكم الواقعي أو الظاهري.

وذلك لأنّ الجزئيّة والقيديّة لا محيص عن ثبوتهما في نفس الأمر ، غاية الأمر بلا تنجّز في فروض السهو والنسيان.

نعم ، المعقول اجتزاء الشارع بالناقص بدل التامّ لمصالح تقتضي ذلك.

فأصل دعوى تقييد قيديّة مثل الترتيب بحال التذكّر ، بحسب الأدلّة الدالّة على أصل اعتباره بالتوفيق العرفي بين مجملاتها ومبيّناتها ومطلقاتها ومقيّداتها ، دعوى ساقطة جدّا.

ومنها : أنّ اعتبار الترتيب بين الفريضتين ـ وإن كان مطلقا ـ ثابت بحسب الأخبار الدالّة عليه ، مع تأيّدها بتلك الجملة الواقعة في صدر الصحيحة بالنظر إلى مطلق موارد التذكّر في الأثناء ، سواء أمكن العدول أم لا ، إلّا أنّ الظاهر من ملاحظة

٩٤

مجموع أخبار العدول التي منها تلك الصحيحة ، أنّ الترتيب مفتقر رأسا فيما فوّته المكلّف عن غفلته في مجموع العمل ، أو في مقدار من الأجزاء السابقة ، حيث أنّ الشارع قد اكتفى بالناقص بدل التامّ.

ولكن كلّ ذلك فيما إذا لم يمكن العدول ، ولم يستلزم ذلك الإبطال.

وأمّا فيما أمكن العدول ، من دون أن يستلزم الإبطال ، فلا بدّ من تحصيل الترتيب بالعدول ، سواء كان ذلك في الأثناء أو بعد العمل ، حيث إنّها بأجمعها ، وإن كانت ظاهرة في عدم وجوب العدول ، إلّا لتصحيح العمل الذي لا يكون إلّا فيما لم يستلزم البطلان ، وأثبت العدول في الأثناء في المتماثلين مطلقا ، وفي المختلفين فيما إذا لم تزد ما بيده في عدد الركعات السابقة ، وهي ساكتة عن حكم ما إذا دخل في ركوع الرابعة مثلا حيث يقتضي سقوط جواز العدول ، وتعيّن استيناف العمل ، ورفع اليد عمّا بيده ، أو يقتضي صحّة ما بيده ، ولزوم تدارك السابقة بعد الفراغ عن اللّاحقة ، واغتفار الترتيب في مثله بالنظر إلى مجموع الفريضة.

إلّا أنّ صحيحة زرارة ـ المتأيّدة برواية الحلبي و «الفقه الرضوي» أثبتت العدول في المتماثلين بعد الفراغ أيضا ، وأثبتت في المختلفتين ـ أعني المغرب والعشاء ـ صحّة ما فرغ عنها من الفريضة اللّاحقة ، ولزوم تدارك السّابقة واغتفار الترتيب ، فهي بأجمعها ظاهرة في أنّ في الموارد التي لم يتذكّر المكلّف الترتيب عند افتتاح العمل ، وفوّته عن غفلته :

فإن أمكن العدول من دون أن يستلزم البطلان فمراعاة الترتيب حينئذ واجبة ، ممّا تقتضي الاستيناف ، وانّما يجب العدول ليحصل الترتيب سواء تذكّر

٩٥

في الأثناء أو بعد الفراغ.

وإن لم يمكن بل استلزم البطلان بنحو ، فلا يجوز العدول ، ولكن الترتيب أيضا مغتفر ، ممّا يدلّ على اجتزاء الشارع بالناقص بدل التامّ ، لمصلحة اقتضى ذلك ، سواء في الأثناء أو تذكّر بعد الفراغ.

هذا غاية ما يمكن أن يقال في تقريب استفادة صحّة ما بيده من العمل في موارد عدم إمكان العدول.

أقول : ولكن لا يخفى عليك أنّ استظهار إناطة اغتفار الترتيب وعدمه ، بفوات محلّ العدول مطلقا وعدمه مطلقا ، من مجموع هذه الأخبار ، يبتني على كون الصحيحة معمولا بها في تمام ما فيها من الأحكام ، التي منها وجوب العدول ، وعدم اغتفار الترتيب فيما أمكن العدول ، حتّى بعد الفراغ عن العمل ، كما في المتماثلتين.

لكنّها مع معارضتها في هذه الجملة بصحيحة صفوان (١) ، ولو بالنظر إلى

__________________

(١) ـ وهي على ما نقلها في «الوسائل» : (عن الرجل نسي الظهر حتّى غربت الشمس وقد كان صلّى العصر. فقال : كان أبو جعفر عليه‌السلام ـ أو كان أبي ـ يقول : إن كان أمكنه قبل أن يفوته المغرب صلّاها وإلّا صحّ المغرب) ، ولكن لا يخفى أنّه لا تعارض بين هذه الصحيحة والثلاثة السابقة ، لظهور هذه فيما بعد خروج الوقت الذي لا محلّ فيه للعدول من الحاضرة إلى الحاضرة ، لفوات محلّ العدول بانتهاء الوقت المشترك ، وإنّما هو من صغريات مسألة تقديم الفائتة على الحاضرة ، وقد أجابه عليه‌السلام ناظرا إلى هذه الجهة ، وأمّا أمثلته المتقدّمة فهي إنّما تدلّ على العدول بعد الفراغ فيما لم يتجاوز محلّه الذي يتوقّف على بقاءه الوقت ، بحيث لو عدل لوقعت السابقة في الوقت المشترك ، فلا تنافي بينها وبين الصحيحة ، إلّا أنّ ما يهوّن الأمر هو ما عرفت من عدم عمل الأصحاب على طبق هذه الثلاثة.

٩٦

خصوص ما بعد الوقت ، حيث أنّها تدلّ على عدم وجوب العدول وعدم اغتفار الترتيب ، وعدم صحّة ما فرغ عنه بعنوان اللّاحقة ، ولزوم تدارك السابقة ، لكن الأصحاب أعرضوا عنها ولم يعلموا بها ، وعليه فيبقى حكم موارد تجاوز محلّ العدول مع التذكّر في الأثناء مسكوتا عنه ، ولا يمكن استظهار حكمه من الصحيحة ، ولا من سائر الأخبار ، إذ كما يحتمل حينئذ أن يكون مناط الصحّة والاغتفار هو تجاوز محلّ العدول ولو كان التذكّر في الأثناء ، استيناسا لذلك من الحكم بالصحّة والاغتفار بعد الفراغ من المتخالفتين ، كما وقع في الصحيحة ، كذلك يحتمل أن يكون مناط الاغتفار والصحّة هو التذكّر فيما بعد الفراغ ، سواء أمكن العدول أم لا كما وقع في خبر صفوان وفي الصّحيحة ، ولا مرجّح لأحد الاحتمالين من حيث الاستظهار والتوفيق العرفي ، وبالتالي فلا بدّ لنا من الحكم بالصحّة والاغتفار في موارد التذكّر في ما بعد الفراغ مطلقا ، عملا بتلك النصوص الخاصّة الواردة فيها ، المؤيّدة بمثل (حديث لا تعاد) حيث يدلّ على الصحّة بعد شموله لمثل الترتيب الفائت مع التذكّر فيما بعد الفراغ ، كما في سائر الأجزاء والقيود المنسيّة عدا المستثنيات منها.

وأمّا موارد التذكّر في الأثناء مع تجاوز محلّ العدول بنحو ، فلا بدّ لنا من الرجوع فيها إلى سائر القواعد ، وليست هنا قاعدة يتوهّم تكفّلها لتصحيح ما بيده من العمل واغتفار الترتيب عدا قاعدة (لا تعاد) ، لكن التمسّك بها لا ينفع شيئا في المقام ، بعد وضوح أنّ الترتيب بمعنى التقدّم والتأخّر في القيود التي إنّما تقوم بمجموع العمل ، لا بخصوص الأجزاء السابقة من العمل ، وحينئذ فما فات من

٩٧

الترتيب بالغفلة ، إنّما هو بالنظر إلى ما مضى من أجزاء ما بيده من الصلاة التي أتى بها بعنوان الثانية ، واغتفار إعادة الصلاة المعلولة لفوات ما فات ، لا يستلزم بوجه اغتفار إعادتها المعلولة لفوات الترتيب فيما بقي من الأجزاء الذي لا يكون فواتا بغفلته ، وإنما يكون تفويتا بتذكّر وعمد واختيار.

وإن شئت فلاحظ مثل ما إذا نسي الستر أو لبس ما لا يؤكل غفلة ونحو ذلك ، فتذكّر في أثناء العمل ، فإنّ الحديث لا يتكفّل في مثله إلّا للتصحيح بالنظر إلى فوات الترتيب في الأجزاء السابقة ، دون الأجزاء القادمة ، وحينئذ فإن أمكنه تحصيله ممّا بقي من دون استلزام إبطال في العمل ، فيحكم بالصحّة ويجب تحصيله ، وإلّا فلا بدّ من الحكم ببطلان العمل ورفع اليد عنه ، وتحصيل الستر ونحوه ، واستيناف العمل عملا بقاعدة الاشتغال ، وهذا من الوضوح بمكان.

أقول : قد تحصّل من جميع ذلك ، أنّ الأظهر في موارد عدم إمكان العدول بنحو ، مع فرض التذكّر في الأثناء ، هو البناء على بطلان ما بيده ، ورفع اليد عنه ، واستيناف الفريضتين على الترتيب المعتبر بينها ، إذ السابقة ممّا تجب عليه على كلّ حال ؛ إمّا بعد رفع اليد عمّا بيده وقبل استيناف اللّاحقة ، أو بعد إتمام ما بيده.

وعليه ، فالثابت إجمالا أحد الأمرين :

إمّا يجب عليه إعادة اللّاحقة بعد الإتيان بالسابقة.

أو يجب عليه إتمام ما بيده امتثالا لأمر اللّاحقة.

وقاعدة الاشتغال تقتضي عدم الاكتفاء بإتمام ما بيده في امتثال أمر اللّاحقة ، والبراءة تدفع احتمال وجوب إتمامها وحرمة قطعها ، لكون الشبهة مصداقيّة لا

٩٨

يمكن التمسّك فيها بدليل حرمة الإبطال.

فالعلم الإجمالي بوجوب إتمام ما بيده أو استينافها امتثالا لأمر اللّاحقة ، ينحلّ بقاعدة الاشتغال والبراءة ، فيتعيّن عليه الاستيناف ، وحينئذ فيعمل بأدلّة اعتبار الترتيب ، وعليه استيناف العملين على الترتيب المعتبر بينهما.

نعم ، الأولى حينئذ أن يحتاط بإتمام ما بيده بنيّة اللّاحقة ، ثمّ استيناف الفريضتين على الترتيب.

وما يقال : من عدم المانع عن شمول قاعدة البناء على الأكثر لما في يده ويكون مفاد (لا تعاد الصلاة) تجاوز محلّ العدل ، فيتمّها عشاء ثمّ يصلّي المغرب.

ساقط جدّا : فإنّه مع اختصاصه بما إذا دخل في ركوع ما بيده من الركعة ، لا ينفع شيئا بعد ما ثبت أنّ الحكم من حيث الصحّة والبطلان من جهة فوات الترتيب ، فيما فرض تجاوز محلّ العدول ، مشكوك في حدّ نفسه على ما عرفت ، والقاعدة إنّما تجري فيما فرضت صحّة ما بيده من غير ناحية الشكّ بين الثلاث والأربع ، فالتمسّك بعمومها في المقام تمسّك بالعامّ في الشبهة المصداقيّة.

وبالجملة : قد تحصّل من جميع ذلك ، أنّ الحكم في المسألة المبحوث عنها ، هو بطلان ما بيده التي أتى بها بعنوان العشاء ـ بمعنى جواز رفع اليد عنه ، لعدم إمكان تصحيحه له بعنوان السابقة ، ولا بعنوان اللّاحقة ـ ولزوم استيناف العملين على الترتيب ، وإن كان الأحوط هو إتمام ما بيده عشاء ، والإتيان بركعة الاحتياط ، ثمّ الإتيان بالفريضتين على الترتيب ، من دون فرق في ذلك كلّه بين ما إذا كان تذكّر السّهو عن المغرب والشكّ فيما بيده بين الثلاث والأربع ، قبل الدخول في الركوع

٩٩

أو بعده ، وفي الوقت المشترك أو في الوقت المختص بالعشاء أو المغرب ، لاشتراك جميع هذه الصور في عدم إمكان العدول ، لاستلزامه وقوع الشكّ في المغرب وإبطاله له.

غاية الأمر ، أنّه مع ذلك يستند فوات محلّ العدول إلى خروج الوقت أيضا ، فيما فرض الوقت مختصّا باللّاحقة ، كما يحتمل أيضا استناده إلى زيادة الرّكن ، فيما فرض التذكّر بعد الدخول في ركوع الركعة التي يشكّ على الفرض في كونها ثالثة أو رابعة.

نعم ، فيما كان الوقت مختصّا بالعشاء ، تعيّن عليه رفع اليد عمّا بيده ، واستيناف العشاء ، ثمّ قضاء المغرب فيما وسع ، وعليه فيما بقي من الوقت الاستيناف ، وإلّا فيتعيّن عليه إتمام ما بيده عشاء ، والاحتياط بالركعة ، ثمّ قضاء المغرب ، إذ لا إشكال في سقوط الترتيب فيما فرض خروج وقت السابقة وصيرورته قضاء.

كما أنّه إذا كان الوقت مختصّا بالمغرب ، فاتمام ما بيده عشاء يزيد على الإشكال ، من جهة فوات الترتيب فيما تذكّر في الأثناء ، وقد تجاوز محلّ العدول إشكالا آخر من جهة وقوع السابقة بأجمعها في خارج الوقت ، وفي الوقت المختص بالسّابقة ، بمقتضى التعبّد والبناء على الأكثر ، فيما فرض اليقين فعلا بعدم مضيّ الوقت أزيد من مقدار ثلاث ركعات ، بناء على بطلان اللّاحقة في مثله ، ولو فرض الاشتغال بها سهوا ، كما هو لازم مذهب المشهور من القول بالوقت للاختصاص الغير الصالح لوقوع اللّاحقة ولو سهوا ، وإن كان المختار خلاف ذلك.

١٠٠