رسالة في فروع العلم الإجمالي

آية الله الشيخ باقر الزنجاني

رسالة في فروع العلم الإجمالي

المؤلف:

آية الله الشيخ باقر الزنجاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: انتشارات دار التفسير
المطبعة: وفا
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-535-198-2
الصفحات: ٤٤٠

فإن كان ما يحتمل فواته من الركعة الثانية السجدتان ، ومن الركعة الاولى السجدة الواحدة ، فعليه الإتيان بالسجدتين في المحلّ مع إجراء البراءة عن احتمال وجوب قضاء السجدة الواحدة وسجدتي السهو ، لاحتمال فواتها من الركعة الاولى.

وإن كان الأمر بالعكس ، فعليه الإتيان بالسجدة الواحدة في المحلّ ، مع إعادة الصلاة.

وإن كان المحتمل هو فوات السجدتين معا ، وواحدة منها في كلّ من الركعتين ، فعليه الإتيان بهما في المحلّ مع إعادة الصّلاة.

(٤) وأمّا إذا فرض حصول العلم قبل تجاوز المحلّ للتدارك الشكّي على بعض التقادير ، كأن علم في حال الجلوس بأنّه قد فاتته سجدتان ، إمّا من هذه الركعة أو من الركعة الاولى :

فإن كان المحتمل فوات سجدة واحدة من الثانية ، وفوات سجدتين من الاولى ، فهو قاطع بفوات السجدة الثانية من الركعة الاولى ، ويشكّ في فوات الاولى منها بعد تجاوز محلّها ، كما أنّه قاطع بتحقّق السجدة الاولى من الركعة الثانية ، ويشكّ في تحقّق الثانية منها قبل تجاوز محلّها ، فتجب عليه سجدة واحدة في المحلّ بمقتضى مفهوم قاعدة التجاوز وقاعدة الاشتغال ، ويجب عليه قضاء السجدة الثانية من الركعة الاولى بعد إتمام الصلاة ، مع إجراء قاعدة التجاوز بالنظر إلى احتمال فوات الاولى منها.

وإن كان المحتمل هو فوات سجدتين من الثانية ، وفوات سجدة واحدة من

١٨١

الاولى ، فهو قاطع بتحقّق الاولى من الاولى ، وإنّما يحتمل فوات الثانية منها ، فحينئذ تجري قاعدة التجاوز ، لأنّه قاطع بعدم تحقّق الثانية من الركعة الثانية ، وإنّما يشكّ في تحقّق الاولى منها قبل تجاوز المحلّ ، فلا بدّ من الإتيان بها في المحلّ.

وإن كان المحتمل فواتهما معا من الاولى أو من الثانية ، أو كلّ واحدة منها في واحدة منها ، فهو قاطع بتحقّق الاولى في إحدى الركعتين لا بعينها ، وشاكّ في تحقّق الاولى من الاخرى ، كما أنّه شاكّ في تحقّق الثانية في كلّ منها ، وحيث إنّ ما تحقّقت فيه الاولى غير متعيّنة ، فلا محالة يكون شاكّا في كلّ من الاولى والثانية في كلّ من الركعتين ، ولكن الشكّ فيهما بالنظر إلى الثانية شكّ قبل تجاوز المحلّ ، فلا بدّ حينئذ أن يأتي بها بمقتضى مفهوم قاعدة التجاوز ولقاعدة الاشتغال ، فتجري التجاوز بالنظر إلى الركعة الاولى سليمة عن المعارض.

* * *

١٨٢

المسألة الخامسة عشر

قال رحمه‌الله : (إن علم بعد ما دخل في السجدة الثانية مثلا أنّه إمّا ترك القراءة أو الركوع ...).

أقول : إنّ طرد الحكم في الفرض الأوّل ونحوه ، ممّا يفرض أحد المحتملين :

ممّا لا يجب قضائه على تقدير فواته سهوا ، حيث يبتني على القول بوجوب سجدة السهو لكلّ زيادة ونقيصة سهويّة ، وإلّا فلا ينبغي الإشكال في أنّ العلم الإجمالي بما له الأثر وما لا أثر له ، لا يؤثّر في التنجيز ، فلا يكون هو علما بالتكليف على كلّ تقدير حتّى ينجّزه ، فما لا أثر له من الأطراف ، لا يشكّ في ثبوت التكليف فيه ؛ أي لا يحتمل فيه التكليف حتّى يكون مجرى الأصل المرخّص أو المنجّز ، وما له أثر حيث يأتي فيه احتمال التكليف ، فهو مجرى الاصول المرخّصة أو المنجّزة.

والمفروض في المسألة أنّ الأصل الجاري فيها هو من الاصول المرخّصة ، وهي :

قاعدة التجاوز ، لو كان العلم المفروض في أثناء الصّلاة وبعد تجاوز المحلّ للتدارك.

وقاعدة الفراغ ، لو كان الشكّ بعد التسليم.

فلا محالة يحكم بصحّة الصّلاة ، ووجوب إتمامها ، من دون لزوم شيء عليه.

وكيف كان ، فعلى القول بوجوب سجدة السهو لكلّ زيادة ونقيصة ، حال

١٨٣

هذا الفرض كحال الفرض الثاني ، سواء فرض حصول العلم في أثناء الصّلاة أو خارجها ، في أنّ الحكم فيه هو وجوب الإعادة ، واستحباب الاحتياط بإتمام الصلاة وسجدة السهو ، أو هي وقضاء ما فرض فوته ثمّ إعادة الصّلاة ، وذلك لغير ما تقدّم في المسألة السابقة من تعارض قاعدتي التجاوز أو الفراغ في الرّكن أو غيره ، وتساقطهما ووصول النوبة إلى استصحاب عدم تحقّق الرّكن ، الموجب لفساد الصلاة المأتيّة بها بحكم الشرع ، المستلزم للغوية استصحاب عدم تحقّق ذلك الجزء غير الركني.

وعلى فرض تسليم عدم لغويته ، فهما وإن كانا غير متعارضين بناء على كون التعارض معلولا للزوم المخالفة العمليّة للتكليف ، وعليه فيجب إتمام الصلاة وسجدة السهو ، أو هي مع قضاء الفائت وإعادة الصلاة ، كلّ ذلك بحكم الشرع والتعبّد الاستصحابي.

إلّا أنّهما متعارضان ومتساقطان ، بناء على كون التعارض ناشئا عن العلم بكذب أحد الأصلين المحرزين أيضا ، فتصل النوبة إلى قاعدة الاشتغال الحاكمة بعدم الأمن من العقاب ، على تقدير الاكتفاء بما بيده من الصلاة مع سجدة السهو ، أو هي مع قضاء الفائت ، بل يحتاج الأمر منه على كلّ حال إلى استيناف الصلاة ، ومعها فلا محالة تكون أصالة البراءة عن وجوب سجدتي السهو ، أو قضاء الفائت ، للشكّ في تحقّق موجبها سليمة عن المعارض.

وأمّا توهّم : عدم الأثر لمثل هذا العلم مطلقا ، لتوهّم أخذ التذكّر والعلم التفصيلي في موضوع وجوب قضاء الفائت من الأجزاء ، أو سجدتي السهو.

١٨٤

ممنوع : لما عرفت بطلانه بما لا مزيد عليه.

كما أنّ توهّم : عدم جريان قاعدة التجاوز أو الفراغ من الجزء غير الركني ، للعلم بعدم تحقّقه على وفق أمره ، لدوران أمره في الواقع بين عدم الإتيان به ، أو الإتيان به فاسدا ؛ لفوات الرّكن.

ممنوع أيضا : لما عرفت فساده بما لا مزيد عليه ، وأنّ من المستحيل تولّد العلم التفصيلي بعدم الحاجة إلى القاعدة في الجزء غير الركني ، ما دامت القاعدة جارية بالنظر إلى الجزء الركني ، وملغية تعبّدا لاحتمال كونه مأتيّا به فاسدا.

وعليه ، فلا يبقى إلّا احتمال عدم إتيانه ، وهو مجري لقاعدة التجاوز أو الفراغ ، فلا بدّ من معارضتها للقاعدة الجارية بالنظر إلى الجزء الركني ، هذا.

أقول : مضافا إلى أنّه على فرض تسليمه ، فاللّازم هو الحكم بصحّة الصلاة بلا موجب لسجدتي السهو أو قضاء السجدة مثلا ، لبداهة أنّ وجوبها ليس من الآثار المترتّبة على المعنى الجامع ، الأعمّ من عدم الإتيان سهوا أو الإتيان مع فساد الصلاة سهوا ، وإنّما هو من آثار خصوص عدم الإتيان سهوا ، وعليه فجريان قاعدة التجاوز أو الفراغ ، الحاكمة بصحة الصّلاة ، وإلغاء احتمال فوت الرّكن ، لا يثبت كون الفائت هو الجزء غير الركني ، حتّى تجب سجدة السهو مع قضاء الفائت.

وبالتالي لا يصحّ ما قيل من أنّ من آثار قاعدة الفراغ وجوبها ، نظرا إلى أنّ فوت القراءة في الصلاة الصحيحة موجب لسجدتي السهو ، أو أنّ فوت السجدة الواحدة في الصلاة الصحيحة موجب لها مع قضاء الفائت.

وجملة القول في دفع هذا التوهّم : إنّه ليس العلم الإجمالي بعدم تحقّق الجزء

١٨٥

غير الركني على وفق أمره ، لدوران أمره بين الانتفاء أو الوجود في الصلاة الباطلة ، عين العلم الإجمالي ، وحاله كحاله في أنّه لا يعقل كونه مانعا عن جريان الأصل وموجب للغويته في بعض أطرافه ، مع كونه منجّزا للتكليف ، على تقدير كونه في ذلك الطرف بلا منجز آخر عدا العلم نفسه ، ومرخصا فيه على تقدير كونه في الطرف الآخر ، لوجود الأصل المرخّص ، ولا يعقل أن يكون ذلك العلم الإجمالي مولّدا للعلم التفصيلي بوجوب قضاء الفائت ، أو سجدة السهو ، أو معا على كلّ تقدير ؛ أي سواء كان ذلك الجزء غير الركني متروكا أو مأتيّا به في صلاة فاسدة.

ومع اندفاع احتمال كونه مأتيّا به في صلاة فاسدة ، وبقاء احتمال كونه غير مأتي به رأسا ، فهل يعقل تنجّز هذا الاحتمال ، لمجرّد كونه أحد أطراف العلم الإجمالي ، مع كونه غير مأتي به رأسا؟ فهل يعقل تنجّز هذا الاحتمال لمجرد كونه أحد أطراف العلم الإجمالي مع كونه احتمالا تدفعه قاعدة الفراغ أو التجاوز؟

كما أنّ احتمال التكليف المبتني على هذا الاحتمال ، مجرى لأصالة البراءة بعد فرض تساقط قاعدتي التجاوز أو الفراغ.

أقول : ومن ذلك كلّه يتبيّن فساد ما يتوهّم أيضا ، من أنّ مقتضى دوران أمر الجزء غير الركني في الواقع ، بين عدم الإتيان به ، وبين إتيانه في الصلاة الفاسدة ، أو عدم جريان قاعدة التجاوز أو الفراغ فيه ، للقطع بفساد مفادها في الواقع على كلّ تقدير ؛ لأن مفادها هو البناء على كونه مأتيّا به ، وأمر هذا البناء يدور بين كونه مخالفا للواقع وبين كونه موافقا للواقع في صلاة فاسدة ، فلا بدّ من سقوط القاعدة فيه ، وجريان القاعدة في الجزء الركني سليمة عن المعارض ، والحكم بصحّة

١٨٦

الصلاة من دون حاجة إلى سجدتي السهو أو قضاء السجدة.

وجه الفساد : ما عرفت من أنّ أمر هذا البناء يدور بين المخالفة للواقع ، وبين كونه موافقا للواقع في صلاة فاسدة في الواقع ، ولكنّه قد حكم شرعا بصحّتها بمقتضى قاعدة الفراغ الجاري.

وبعبارة واضحة : جريان قاعدة الفراغ بالنظر إلى الجزء الركني ، شرط ومتمّم لجريانها بالنظر إلى الجزء غير الركني ، فمع جريانهما لا محيص عن جريانهما بمقتضى إطلاق أدلّة الاعتبار ، ومع جريانهما فلا محيص عن تعارضها وتساقطهما على ما مرّ تفصيله.

* * *

١٨٧

المسألة السادسة عشر

قال رحمه‌الله : (لو علم بعد الدخول في القنوت ، قبل أن يدخل في الركوع ، أنّه إمّا ترك سجدتين من الركعة السابقة ، أو ترك القراءة وجب عليه العود ...).

أقول : الضابط الجامع في المسألة ، حصول العلم الإجمالي بفوات أحد جزءين ، أحدهما مترتّب على الآخر ، كالسجدة أو السجدتين من الركعة السابقة ، والقراءة من الركعة اللّاحقة ، وكالسجدة أو السجدتين من الركعة ، والتشهّد الواجب عقبيها ، وعلى هذا القياس ، سواء كانا ركنين ، أو السابق ركنا دون اللّاحق أو بالعكس ، أو كانا غير ركن.

ثمّ لا يخلو :

إمّا أن يفرض حصول العلم بعد تجاوز المحلّ للتدارك الذكري لكليتهما ، بالدخول في ركن الركعة اللّاحقة أو قبله ، ولكن بعد تجاوز المحلّ للتدارك الشكّي لكليتهما أو قبل تجاوزه أيضا.

أو يفرض حصوله قبل تجاوز المحلّ الشكّي لأحدهما وبعده للآخر.

ثمّ إنّ محلّ الكلام ما إذا فرض كلّ من الجزءين ممّا له أثر شرعيّ :

من وجوب التدارك في الأثناء أو في خارج الصلاة.

أو وجوب إعادة الصّلاة ، أو وجوب سجدتي السهو.

وإلّا فلا إشكال في أنّ العلم المفروض لا يؤثّر شيئا ، بل ينظر إلى ما له الأثر ، ويعمل فيه بما تقتضيه القواعد من قاعدة الشكّ في المحلّ أو التجاوز ، أو نحو ذلك.

١٨٨

وكيف كان ، فيتوضّح الحكم في بعض هذه الفروض يتّضح الحكم في الباقي.

فنقول : فيما فرضه قدس‌سره أوّلا :

ألف : إن كان حصول العلم بعد الدخول في الركوع ، فقد تجاوز المحلين ـ الذكرى والشكّي ـ لكلّ من السجدتين والقراءة :

(١) فإن لم نقل بوجوب سجدتي السهو لكلّ زيادة ونقيصة ، فالقراءة ممّا له أثر واقعا بفواتها ، لمنافاتها القطعي مع التذكّر بعد الدخول في الرّكن ، فلا أثر لاحتماله في أطراف العلم الإجمالي ، إذ لا يكون العلم المفروض علما بالتكليف على كلّ حال ، فتبقى السجدتان قد شكّ في فواتهما نسيانا بعد الدخول في الغير المترتّب عليها ، وهو الركوع ، فيبني على تحقّقهما ، وصحّة الصلاة من غير معارض.

(٢) وإن قلنا بوجوبها لكلّ زيادة ونقيصة ، فلا محيص عن تنجيز العلم ، وتعارض قاعدة التجاوز الجارية في السجدتين ، النافية لوجوب الإعادة ، مع قاعدة التجاوز الجارية في القراءة ، النافية لوجوب سجدتي السهو ، وتساقطهما وتصل النوبة إلى استصحاب العدم فيهما.

ولكن استصحاب العدم في السجدتين محرز لموضوع الحكم بالفساد في أصل الصلاة ، ومعه فاستصحاب عدم القراءة ، نظرا إلى إثبات سجدتي السهو المترتّب وجوبهما على فواتهما لغو لا ثمرة له ، بعد وضوح أنّ الاغتفار بالنظر إلى المنسيّ ، والقراءة بسجدتي السهو إنّما هو في فرض صحّة الصلاة ، وإلّا فمع

١٨٩

الحكم بفسادها ، فوجود القراءة وعدمها سيّان ، في أنّه لا أثر لهما شرعا ، وإنّما الحكم هو وجوب الإعادة فقط.

ولو أغمض عن ذلك ، وفرض جريانها ، فقد عرفت فيما مرّ أنّه بناء على عدم التعارض في الاصول المحرزة في أطراف العلم ، فيما لم يلزم فيها المخالفة العمليّة ، فلا محيص عن جريانها ، والحكم بوجوب كلّ من سجدتي السهو وإعادة الصّلاة بحسب الحكم الشرعي الظاهري.

وأمّا بناء على تعارضهما للعلم بكذب أحدهما ، فلا محيص عن تساقطهما ، وتصل النوبة إلى قاعدة الاشتغال ، بالنظر إلى احتمال الفساد الموجب للإعادة ، وأصالة البراءة عن وجوب الإتمام ، ووجوب سجدتي السهو ، لاحتمال فوت القراءة ، فينحلّ العلم لا محالة.

ب : وإن كان حصول العلم قبل الركوع :

فإن كان قبل القنوت أيضا ، فالعلم المفروض وإن كان مؤثّرا في نفسه ، لكون كلّ من المحتملين ذا أثر شرعيّ ، وهو وجوب التدارك في الأثناء ، ولكن لا محيص عن انحلاله ، لكون أحد طرفيه ـ وهو احتمال ترك القراءة ـ مجرى لأصل منجّز ، هي قاعدة الشكّ في المحلّ ، التي هي عين قاعدة الاشتغال بمقتضى مفاهيم الأدلّة الدالّة على قاعدة التجاوز ، والطرف الآخر وهو احتمال ترك السجدتين مجرى لأصل مرخّص ، هي قاعدة التجاوز ، لكون الشكّ بعد التجاوز عن محلها ، والدخول في الفعل المترتّب عليها ـ وهو القيام بحسب النصوص والفتاوى ـ فيجزيه الرجوع والإتيان بالقراءة فقط ، والمضيّ في الصلاة وإتمامها من دون شيء عليه.

١٩٠

ولا نعرف وجها في مثله ممّا حكم به قدس‌سره عن وجوب العودة لتداركهما ، سواء أراد بذلك ما هو الظاهر في العودة والإتيان بالسجدتين والقراءة معا ، أو أراد بذلك العودة لتدارك السجدتين فقط.

أقول : وظاهر ما استدركه قدس‌سره بقوله : (ويحتمل الاكتفاء بالإتيان بالقراءة ...) أنّه لا يرى في الفرض غير المترتّب على السجدتين أقرب من القنوت ؛ إذ الأقرب منه وإن كانت هي القراءة ، إلّا أنّ الدخول فيها مشكوك فيه على الفرض ، فكأنّه يرى للقراءة والقيام الذي هو شرط فيها أثرا واحدا ؛

وهو مع بطلانه في نفسه ، لوضوح أنّ المقام هو كونه شرطا في القراءة واجب من واجبات الصلاة ، ومترتّب على السجدة ، سواء وجبت عليه القراءة أم لا ، وسواء فاتت القراءة أو أتى بها.

مخالف للنصوص والفتاوى حيث نجد أنّه يعترف قدس‌سره بخلافه في سائر الفروع ، حيث صرّح رحمه‌الله أنّه مع الشكّ في التشهّد بعد الأخذ في النهوض للقيام ، عليه أن لا يعتني به ، بخلاف الشكّ في السجدة ، فإنّ عليه الاعتناء به ما لم يقم ، وأنّ الفارق هو النصّ.

ثمّ لو أغمضنا عن ذلك ، وقلنا بأنّ الشكّ في كلّ من القراءة والسجدتين ، شكّ في المحلّ ، فيجب العود لتداركهما بمقتضى قاعدة الشكّ في المحلّ ، فلا نرى وجها لإيجاب الاحتياط مع ذلك بإعادة الصلاة ؛ لأنّه لا يخلو :

إمّا أن يكون النظر في ذلك إلى احتمال زيادة السجدتين ، وهما ركن تبطل الصلاة بزيادتهما ولو سهوا.

١٩١

وبعبارة اخرى : أمر المصلّي في مثل الفروض يدور بين محذورين :

محذور عدم العود لتدارك السجدتين ، المحتمل معه نقصهما.

أو العود لتداركهما المحتمل معه زيادتهما.

فلا بدّ له بمقتضى قاعدة الاشتغال أن لا يكتفي بما في يده من الصلاة كما هي ، بل يعود إلى تدارك القراءة والسجدتين ، ولا يكتفي بذلك لاحتمال زيادة السجدتين ، بل يعيد الصّلاة أيضا.

ففيه : أنّ الزيادة الواقعة في الصلاة سواء كانت من الأركان أو غيره ، ليست من الزيادة العمديّة المبطلة مطلقا ، فيما كان الإتيان بها مقتضى قاعدة الاشتغال أو قاعدة شرعيّة مجعولة على وفقها من الاستصحاب ، أو قاعدة الشكّ في المحلّ ، وإلّا فيلغو اعتبار تلك القاعدة رأسا.

نعم ، هي زيادة ملحقة بالزيادة السهويّة قطعا ، وهي وإن كانت مبطلة أيضا في الأركان ، إلّا أنّ ذلك فيما تبيّن الواقع ، وعلم أنّه قد زاد في صلاته شيئا من الأركان كالسجدتين مثلا. وأمّا مجرّد احتمالها ، فلا أثر له بعد فرض إلغاء هذا الاحتمال شرعا ، والبناء على احتمال النقيصة ، ومراعاة ذلك الاحتمال فقط ، والإتيان بالمشكوك فيه ، وعدم التحذّر من احتمال كونه زيادة في الصلاة وإلغاء ذلك الاحتمال.

نعم ، يصحّ ما قيل من فرض العود والإتيان بالمشكوك فيه بمقتضى الأصل ، أو قاعدة شرعيّة كالاستصحاب ، أو كقاعدة الشكّ في المحلّ ، بناء على كونها قاعدة تعبّديّة مستفادة من مفاهيم أدلّة قاعدة الفراغ أو التجاوز ، وأمّا فيما فرض

١٩٢

ذلك لمجرّد قاعدة الاشتغال ، لعدم جريان الاستصحابات العدميّة ، أو تعارضهما وتساقطها ، مع البناء على أنّ مفاهيم تلك الأدلّة ليست متكفّلة لبيان قاعدة تعبّديّة شرعيّة ، وإنّما هي إرشاد إلى ما يحكم به العقل ، فالحقّ أنّ العقل كما يتحرّز في مثل الفروض عن احتمال النقيصة الموجبة للبطلان ، كذلك يتحرّز عن احتمال الزيادة الموجبة له ، فلا محالة يحكم في جميع موارد قاعدة الشكّ في المحلّ ـ فيما كان المشكوك فيه من الأركان ـ بالاحتياط بالعود والتدارك في المحلّ ، مراعاة لاحتمال وجوب إتمام ما بيده ، وتحذّرا عن احتمال إبطاله بنقص الرّكن سهوا ، ثمّ إعادة الصلاة مراعاة لاحتمال زيادة الرّكن.

ولكن الظاهر من كلماتهم خلاف ذلك ، وأنّ قاعدة الشكّ في المحلّ قاعدة شرعيّة تعبّديّة مؤيّدة لحكم العقل بقاعدة الاشتغال ، ولزوم التشهّد وسجدتي السهو مرّة واحدة لما فات في الواقع.

ج : وإن كان قبل الركوع وبعد القيام ، فيقطع بلغوية القيام ، وكونه زيادة سهويّة قطعيّة ، فلا تجري قاعدة التجاوز في شيء منها ، لكون الشكّ في المحلّ ، أو تتعارضان وتتساقطان على الخلاف في مثله.

وعلى كلّ حال ، مقتضى قاعدة الاشتغال هدم القيام ، والعود إلى تدارك التشهّد والسجدة بما بينهما من الترتيب شرعا ، ويتمّ الصّلاة ولا شيء عليه وإن كان قبل القيام فكذلك ؛ لقاعدة الاشتغال ، وقاعدة الشكّ في المحلّ المستفادة من مفاهيم أدلّة قاعدة التجاوز.

د : كما أنّه يظهر الحال فيما إذا علم إجمالا بترك السجدة أو القراءة ، بناء

١٩٣

على عدم وجوب سجدة السهو للقراءة :

(١) فإن كان حصول العلم قبل القنوت ، فمقتضى قاعدة الاشتغال وقاعدة الشكّ في المحلّ ، العود إلى تداركهما بهدم القيام ، والعلم الإجمالي المتولّد بزيادة أحد الأمرين ، لا أثر له على ما تقدّم.

(٢) وإن كان بعد القنوت فكذلك ، بناء على عدم شمول الغير لمثل ذلك القنوت ، وإلّا فيخلّ العلم ، لعدم الأثر لفوات القراءة حتّى تجري قاعدة التجاوز ، فتجري قاعدة التجاوز في السجدة بلا معارض.

(٣) وكذلك إن كان حصول العلم بعد الركوع على ما هو واضح.

وأمّا توهّم : أنّ في جميع هذه الفروع ونظائرها ، ممّا يعلم إجمالا بفوات أحد الجزءين المترتّبين ، لا مجرى للقواعد والاصول في الجزء الثاني المترتّب ، للعلم بعدم تحقّقه على طبق أمره إمّا بعدم الإتيان بنفسه ، أو للغويّته بعدم الإتيان بما هو مرتّب عليه ، فتجري القواعد ـ من قاعدة الاشتغال ، والشكّ في المحلّ ، وقاعدة التجاوز ، واستصحاب العدم على اختلاف الفروض ـ بلا معارض.

فممنوع : لما عرفت من وضوح بطلانه ، وأنّ هذا ليس بعلم تفصيليّ بالبداهة ، وإنّما هو علم إجماليّ متولّد عن علم إجماليّ آخر ، ومع لغوية أحد احتمالي هذا العلم الثاني في الرتبة السابقة على تولّده ـ أعني في رتبة العلم الإجمالي الأوّل ، بالأصل المرخّص الجاري في بعض أطرافه ، لانحلاله بأصل منجّز في بعض أطرافه ، ومرخّص في بعض أطرافه ـ فلا يعقل تأثير هذا العلم الثاني ، وكونه علما بالتكليف الفعلي على كلّ حال.

١٩٤

كما أنّ توهّم : أنّ العلم الإجمالي بزيادة أحد الأمرين ـ من الرّكن وغيره ـ في الصّور التي نحكم فيها بوجوب العود ، لتدارك الجزءين ، لقاعدة الشكّ في المحلّ ، أو الاستصحاب العدم ، يوجب الاحتياط بعد إتمام ما بيده بقضاء ما يجب قضائه ، مع سجدتي السهو من مثل التشهّد مثلا أو سجدتي السهو فقط في مثل القراءة مثلا وإعادة الصلاة ، كما أنّ العلم الإجمالي بزيادة أحد الأمرين غير الركنيين كالسجدة والتشهّد في تلك الصور بعينها ، يوجب الاحتياط بعد إتمام ما بيده بقضاء كلا الأمرين ، وسجدتي السهو مرّة.

أيضا ممنوع : لما قد عرفت توضيح فساده ، وأنّه لا أثر لهذا العلم المتولّد بعد إلغاء الاحتمالين في أطرافه في المرتبة السابقة ؛ أعني في أطراف العلم الإجمالي الأوّل إلغاء شرعيّا.

نعم ، له وجه فيما كان العود بمقتضى قاعدة الاشتغال فقط.

وتوهّم : أنّ في موارد دوران أمر الفائت بين الرّكن وغيره ، واقتضاء شيء من القواعد والاصول لزوم العود والتدارك ، يدور أمر المصلّي بين المحذورين ، أعني :

العود والتدارك ، واحتمال الزيادة المبطلة.

وعدم العود والمضيّ ، واحتمال النقيصة المبطلة.

فلا يمكنه إتمام ما بيده فيرفع اليد عنها ويعيد الصلاة.

باطل جدّا : كيف وهذا الدوران موجود في جميع موارد إجراء قاعدة الشكّ في المحلّ ، في الرّكن أو غيره ، غاية الأمر الدوران بين الاحتمالين المبطلين في الأوّل ، وغير المبطلين في الثاني ـ من غير فرق في ذلك ، بينما كان المشكوك فيه

١٩٥

أمرا واحدا ، أو أحد أمرين ـ عند فرض بقاء محلّ تداركهما ، وقد فرض أنّ دليل الأصل الشرعي المفروض قد ألغى احتمال الزيادة فيهما ، فلا أثر لاحتمال الزيادة ما دام الاحتمال باقيا ، لم ينقلب إلى العلم بالزيادة.

نعم ، لو لم يكن في البين إلّا قاعدة الاشتغال ، فالعقل حينئذ يحكم بالاحتياط ، مراعاة لاحتمال النقيصة مع بقاء المحلّ ، وحرمة القطع بالعود والتدارك في المحلّ ، وإتمام الصلاة ، ومراعاة لاحتمال الزيادة بإعادة الصلاة مع سجدتي السهو في بعض الفروض ، وسجدتي السهو فقط ، لما في الذمّة في بعض الفروض.

هذا. وعليك بالتأمّل ومن الله الهداية.

* * *

١٩٦

المسألة السابعة عشر

قال رحمه‌الله : (إذا علم بعد القيام إلى الثالثة ، أنّه ترك التشهّد ، وشكّ في أنّه ترك السجدة أيضا أم لا ، يحتمل ...).

قيل : لازم القطع بشمول الغير في أدلّة القاعدة لمثل هذا القيام ـ المقطوع بلغويّته ، وكونه زيادة سهويّة في الصلاة ، لوقوعه في غير محلّ للقطع بفوات التشهّد المترتّب عليه ـ هو الجزم بصحّة الصلاة من ناحية هذا العلم ، والشكّ الحادثين ، ولزوم هدم القيام والإتيان بالتشهّد فقط ، وإتمام الصلاة مع سجدتي السهو للقيام الزائدة ، بناء على وجوبها لكلّ زيادة ونقيصة ، واستحباب الاحتياط بقضاء سجدة لاحتمال فواتها في الواقع.

وفيه : لا منشأ للاحتياط بإعادة الصلاة ، لا وجوبا ولا استحبابا ؛ إذ لا احتمال لبطلانها ، لا من ناحية فوات السجدة واقعا على ما هو واضح ، ولا من ناحية عدم العود لتداركها في المحلّ ؛ إذ لا احتمال على الفرض أن يكون مثله من صغريات قاعدة الشكّ في المحلّ.

ولازم فرض عدم القطع بذلك ـ ولكن مع استظهار الإطلاق والشمول من أدلّة القاعدة ـ هو ما مرّ بعينه ، غير أنّ ما يستحسن على الشاكّ أن يقوم بفعله هو الاحتياط بإعادة الصلاة لا بقضاء السجدة ؛ لاحتمال أن يكون المورد من صغريات قاعدة الشكّ في المحلّ ، ولزوم تدارك السجدة أيضا في المحلّ ، وكون تركه تركا عمديّا لها مبطلا للصّلاة.

١٩٧

غاية الأمر أنّ هذا الاحتمال ، حيث إنّه على خلاف الحجّة الموجودة ، ولذا يكون ذلك الاحتياط راجحا غير واجب ، ولازم القطع بعدم شمول الغير لمثل هذا القيام ، هو :

الجزم بصحّة الصلاة من ناحية هذا العلم والشكّ الحادثين.

ولزوم إتمام الصلاة بهدم القيام والإتيان بالتشهّد بعد الإتيان بالسجدة.

أمّا الثاني : لكون الشكّ فيها في المحلّ.

وأمّا الأوّل : فللقطع بتركه.

ثمّ سجدتي السهو للقيام الزائد على الخلاف ، واستحباب الاحتياط بسجدتي السهو مرّة اخرى ، لاحتمال زيادة السجدة واقعا.

ولكن لا منشأ للاحتياط بإعادة الصلاة لا وجوبا ولا استحبابا ؛ لعدم احتمال بطلان الصلاة :

لا من ناحية زيادة السجدة الواحدة في الواقع ، وهو مقتضى العمل بقاعدة الشكّ في المحلّ ، الموجب لكون الزيادة على تقديرها عمديّة اختياريّة ، ولكن ملحقة بالسهويّة في الحكم على ما تقدّم مرارا.

ولا من ناحية احتمال كون المراد من صغريات قاعدة التجاوز ، وكون التدارك في المحلّ زيادة عمديّة مبطلة للصلاة ؛ إذ المفروض الجزم وانتفاء ذلك الاحتمال.

ولازم عدم القطع بذلك ـ ولكن مع استظهار اعتبار ذلك الاختصاص من أدلّة القاعدة من جهة ظهورها وانصرافها ـ هو ما مرّ بعينه.

إلّا أنّ المستحسن على ذلك ، هو الاحتياط بعد الإتمام ، بإعادة الصلاة لا

١٩٨

بسجدتي السهو مرّة أخرى ؛ لاحتمال أن يكون المورد من صغريات قاعدة التجاوز ، وكون التدارك زيادة عمديّة مبطلة للصلاة ، غاية الأمر أنّ هذا الاحتمال حيث إنّه على خلاف الحجّة الموجودة ، فلا يوجب الاحتياط ، وإنّما يقتضي حسنه.

ولازم الشكّ والتردّد في المسألة ، وعدم الجزم بأحد الطرفين ، وعدم التمكّن من استظهار أحدهما من الأدلّة ، هو الجزم بصحّة ما بيده من الصلاة من ناحية هذا العلم والشكّ الحادثين ، ولزوم إتمامها.

ولكن مع دوران الأمر بالنظر إلى تدارك السجدة في المحلّ ، وتركه بين المحذورين.

إذ كما يحتمل أن يكون المورد من صغريات قاعدة التجاوز ، ويكون التدارك كالزيادة العمديّة المبطلة.

كذلك يحتمل أن يكون من صغريات قاعدة الشكّ في المحلّ ، ويكون ترك التدارك كالنقص العمدي.

وحيث إنّه لا ترجيح لأحدهما على الآخر ، فلا محيص عن تخيير المكلّف في إتمامه للصلاة بين الإتيان بالسجدة ثمّ التشهّد ، وبين الإتيان بالتشهّد فقط.

ولكن أيّا منها اختار ، فلا محالة يشكّ في حصول براءة الذمّة عمّا اشتغلت به يقينا بإتمام ما بيده ، بالكيفيّة التي اختارها في إتمامها ، فيجب عليه الاحتياط بإعادة الصلاة على كلّ تقدير ، مضافا إلى سجدتي السهو القيام الزائد على الخلاف.

أقول : وحيث إنّ الظاهر من الماتن قدس‌سره في هذه المسألة هو هذا الفرض لا غير ، كما هو ظاهر قوله : (يحتمل أن يقال ...) فلذا أوجب الاحتياط بإعادة الصلاة

١٩٩

على كلّ من تقديري الإتيان بالسجدة وتركها ، وإن كان ربما يظهر منه قدس‌سره في بعض هذه المسائل استظهار العموم من أدلّة القاعدة ، ولازمه ـ كما عرفت ـ استحباب الاحتياط بإعادة الصلاة ، مع تعيّن الإتيان بالتشهّد فقط.

وحيث إنّ الأظهر عندنا هو الفرض الرابع ، فالمتعيّن إتمام الصلاة بإتيان السجدة والتشهّد كليهما في المحلّ واستحباب الاحتياط بإعادة الصلاة مع الاحتياط بسجدتي السهو للقيام الزائد.

* * *

٢٠٠