آية الله الشيخ باقر الزنجاني
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: انتشارات دار التفسير
المطبعة: وفا
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-535-198-2
الصفحات: ٤٤٠
المسألة الستّون
قال رحمهالله : (لو بقى من الوقت أربع ركعات للعصر وعليه صلاة الاحتياط من جهة الشكّ في الظهر فلا إشكال في مزاحمتها للعصر ما دام يبقى لها من الوقت ركعة ، بل وكذا لو كان عليه ...).
أقول : الظاهر من أدلّة قواعد البناء على الأكثر على ما مرّ غير مرّة ، هو كون البناء على الأكثر حكما تعبّديّا ظاهريّا ، من حيث أصل وجود الركعة ، وإن كان واقعيّا من جهات أخر ، فالركعة المفصولة إنّما تكون أمرا خارجيّا عن الصلاة ، على تقدير تماميّة الصلاة في الواقع ، وإلّا فهي جزء من الصلاة قد رخّص في إتيانه بعد التشهّد والتسليم ، فهي في معرض الجزئيّة للصلاة ما لم ينكشف الخلاف ، وعليه فلا يجوز ارتكاب شيء من منافيات الصلاة بينها وبين الصلاة ، بمعنى الحرمة الوضعيّة الموجبة لإبطال المحرّم تكليفا في خصوص الصلاة ، وكذا لا يجوز التأخير فيها ، بنحو يفوت الموالاة العرفيّة المعتبرة في الصلاة بين أجزائها.
وعليه ، فالظاهر أنّ حالها كحال أصل الصلاة في تقدّمها عن الصلاة المتأخّرة كالعصر مثلا ، وفي مزاحمتها لها فيما أمكن إدراك الركعة من المتأخّرة من الوقت.
وأمّا بناء على بدليّة الركعة المنفصلة المردّدة بين النافلة والفريضة بدليّة مستقلّة ، فحالها كحال الأجزاء المنسيّة ، في أنّه لا يعتبر فيها أزيد ممّا يعتبر في الصلاة المستقلّة الواجبة من الأجزاء والقيود.
وأمّا آثار الجزئيّة الفعليّة للصلاة من اعتبار الموالاة بينها وبينها ، واعتبار عدم
تخلّل المنافيات بينهما ونحو ذلك ، فلا وجه له.
كما أنّ وجوب الإتيان بها فورا حكما تعبّديّا ، فحالها في ذلك كحال وجوب الإتيان بالأجزاء المنسيّة فورا ، في أنّه أمر مرتكز في أذهان المتشرّعة ، وإن كان إتمامه بالدليل في كليهما مشكل ، فلا يترك الاحتياط بذلك في كليهما.
وكيف كان ، فقد أشرنا غير مرّة إلى غاية قوّة احتمال البدليّة المستقلّة في الركعات الاحتياطيّة ، وأنّ حالها كحال الأجزاء المنسيّة بحسب ما يستظهر من التأمّل في أخبار قواعد البناء على الأكثر.
وأمّا قضاء الأجزاء المنسيّة : فغاية ما يستفاد من أدلّتها ، هو كونها بدلا عن الأجزاء الواجبة في الصلاة ، ويعتبر فيها ما يعتبر في أصلها من الأجزاء والقيود والشرائط.
وأمّا كونها أجزاء فعليّة لها ، بحيث تكون هي المخرجة عن الصلاة ، والمفرّغة لها ، فهو خلاف ظواهر الأدلّة ، وخلاف ظاهر أدلّة مخرجيّة السلام الواقع في محلّه من الركعات ، فوجوب إتيانها فورا وجوبا وضعيّا ؛ بمعنى عدم تفويت الموالاة المستلزم للتحريم التكليفي من حيث إبطال الصلاة بتأخيرها ، أو إدخال شيء من منافيات الصلاة بينها وبين الصلاة ، ممّا لا دليل عليه.
كما أنّ استفادة وجوب إتيانها فورا حكما تكليفيّا محضا ، أيضا محلّ للإشكال ، وإن كان المرتكز في أذهان المتشرّعة هو ذلك على ما أشرنا إليه.
نعم ، الظاهر في سجدة السهو أنّها لا ترتبط بالصلاة بنحو الجزئيّة أو القيديّة في صحّتها أبدا ، وأمّا وجوبها فورا تكليفا فهو مذهب المشهور ، وعليه فيتزاحم
ذلك التكليف غير الموقّت الفوري ، مع تكليف العصر الموقّت المضيّق ، والظاهر أنّه لا ينبغي الإشكال في أهمّية الصلاة وإدراكها بتمام أجزائها في الوقت المضروب لها ، وكذا الحال لو قلنا بوجوب إتيان ركعة الاحتياط أو الأجزاء المنسيّة فورا حكما تكليفيّا فقط.
* * *
المسألة الحادية والستّون
قال رحمهالله : (لو قرء في الصلاة شيئا بتخيّل أنّه ذكر أو دعاء أو قرآن ، ثمّ تبيّن أنّه كلام الآدمي ، فالأحوط سجدتا السهو ، لكن الظاهر عدم وجوبهما ...).
أقول : الواقع في الأخبار الدالّة على وجوب سجدتي السهو عند التكلّم في الصلاة ، هو عنوان السهو والنسيان ، فهي بظاهرها مختصّة بموارد السهو ؛ أعني ما إذا كان قاصدا للتكلّم بكلام الآدمي بعنوانه الخاصّ ، ولكن ساهيا وغافلا عن كونه في الصلاة ، فلا يشمل مثل محلّ الكلام ؛ أعني ما إذا كان ملتفتا إلى كونه مصلّيا ، وكون الكلام مبطلا لها ، وقاصدا لقراءة ذكر أو دعاء ، وغير قاصد لكلام الآدميّين بعنوانه ، لأنّ ما قصده لم يتحقّق وما تحقّق لم يكن مقصودا إليه ، بل تحقّق منه الكلام المبطل بهذا النحو من الغفلة المتحقّقة في ضمن الجهل بالموضوع.
وكذا لا تشمل ما إذا تحقّق الكلام منه بلا قصد متعلّق به رأسا ، بل كان قاصدا القرآن أو ذكر فسبق لسانه إلى الكلام بلا اختيار والتفات.
ولكن التناسب المرتكز بين الحكم والموضوع في الأذهان ربما يوجب ظهور تلك الأخبار ، في أنّ ما يوجب السجدتين هو الكلام الصادر من المصلّي بلا تعمّد ، بلا فارق بين صور الغفلة وكيفيّاتها.
وربما يؤيّد ذلك : إطلاق ما ورد في مرسلة سفيان بن السمط من أنّه : (تجب عليك السجدة في كلّ زيادة ونقيصة تدخل عليك) ؛ الشامل بإطلاقه لمحلّ الكلام ؛ أعني الكلام.
أقول : ولكن الإنصاف أنّ التناسب المذكور ليس بدرجة من الإمكان ، يوجب ظهور تلك الأخبار في الإطلاق ، وأنّ ذكر خصوص السهو والنسيان من باب المثال ، ومن باب أنّه أحد المصاديق ، بل من المصاديق الغالبة ، وإلّا فلا فرق بين السهو والنسيان ، وبين الغفلة المتحقّقة في ضمن الجهل بالموضوع أو الحكم قصورا أو تقصيرا ، فالمسألة محلّ للإشكال ، ولا يترك الاحتياط بإتيان السجدتين في الفرض الأوّل والثاني ، وكذا في فرض الجهل بالحكم قصورا.
وأمّا تقصيرا : فالأقوى بطلان العمل بالزيادة والنقيصة بشيء من الأجزاء والقيود ، على ما سيأتي التنبيه عليه في المسألة الخامسة والستّون.
وأمّا الفرض الثالث : أعني قراءة الذّكر والدّعاء الملحون ، فربما يظهر من الماتن في بعض فروع باب القراءة ، أنّ الملحون في كلام الآدميّين مبطل للصلاة إن كان عمدا ، وموجب لسجدة السهو إذا كان سهوا.
ولكنّ الإنصاف انصراف عنوان الكلام الوارد في تلك الأخبار إلى الجمل العاديّة التي يتجاوز بها في افهام المقاصد ، والملحون قرآن أو دعاء ملحون.
نعم ، لا مانع من إيجابه للسجدة من باب أنّه زيادة في الصلاة ؛ فإن كان ما قرأه إنّما قرأه لاستحبابه ، فمع التعبّد تبطل بها الصلاة من جهة الاختلال في النيّة بما أعمله من التشريع ، وكذا مع الجهل تقصيرا على الأقوى ، ومع السهو والنسيان توجب السجدة للزيادة بناء على وجوبها لكلّ زيادة ونقيصة ، ومع الجهل القصوري ، ففيه الإشكال المتقدّم في الفرضين السابقين.
وإن كان إنّما قرأه امتثالا للأمر بالقراءة أو الذّكر الواجب في الصلاة ، فتبطل
الصلاة مع التعمّد والجهل التقصيري ، ويشكل وجوب السجدة مع الجهل القصوري ، ومع السهو والنسيان.
فإن انكشف له الواقع قبل الدخول في الرّكن ، وتدارك القراءة أو الذّكر بقراءة الصحيح منها ، فلا تجب السجدة إلّا للزيادة.
ومع انكشاف الواقع بعد الدخول في الرّكن ، فتجب سجدة للزيادة ، واخرى للنقيصة على ما هو واضح.
* * *
المسألة الثانية والستّون
قال رحمهالله : (لا يجب سجود السهو فيما لو عكس الترتيب الواجب سهوا ، كما إذا قدّم السورة على الحمد ، وتذكّر في الركوع ، فإنّه لم يزد شيئا ولم ينقص ...).
أقول : انصراف أدلّة الأحكام المترتّبة على الزيادة والنقيصة في الصلاة ، إلى نفس الأجزاء دون كيفيّاتها ، لا يقبل الإنكار ، ولكن ذلك بمجرّده لا يكفي في نفي وجوب سجدة السهو في مفروض المسألة ، إلّا مع قيام دليل على أنّ كلّا من المتقدّم والمتأخّر الواقعين على خلاف الترتيب المقرّر لهما ، قد وقعا دخيلين في مصداقيّة هذا المصداق للمأمور به ، وفي ما فاته للغرض القائم بالمأمور به. غاية الأمر ، قد فات الترتيب ، وهو غير دخيل في ملاك المأمور به ، فيما فات سهوا كما هو مقتضى عموم صحيحة لا تعاد ، ولكن لم يقم على ذلك دليل ، بل لازم اعتبار الحمد والسورة مثلا في الصلاة ، بشرط تأخّر الثانية عن الأولى ، أنّ السورة الواقعة قبل الحمد سهوا قد وقعت لغوا ، لا مدخليّة لها في غرض المولى أصلا.
نعم ، هي قد وقعت فاصلة بين الأجزاء السابقة كالتكبير في المفروض وبين الحمد ، وكان الشكّ مبطلا للصلاة لو كان تعمّدا في ذلك ، ولكنّه معفوّ عنه ولا تعاد الصلاة من ناحيته ؛ حيث إنّه قد وقع سهوا كما هو مقتضى عموم لا تعاد ، وهذا هو الموجب للجزم بأنّ الحمد لا يعتبر في صحّته ودخالته في الغرض ، ووقوعه جزءا فعليّا للصلاة ، عدم مسبوقيّته بالسورة ولو سهوا ، بل هو معتبر لا بشرط بالنسبة إلى السورة الواقعة سهوا ، بمقتضى حديث لا تعاد.
وعليه ، فالسورة السابقة قد زادت في الصلاة قطعا ، فعليه أن يسجد سجدتي السهو له بعد الصلاة على كلّ حال.
غاية الأمر ، أنّه إن كان قد التفت إلى ما فعله من عكس الترتيب قبل الركوع ، فتدارك السورة بأن قرأها مجدّدا بعد ما قرأه من الحمد ، فقد وقع الجزءان في محلّهما ، ولا نقيصة في الصلاة ، وإنّما الخلل الواقع هي زيادة السورة فقط.
وإن لم يلتفت إلى أن دخل في الركوع ، فقد تحقّق فعل زيادة السورة قبل الحمد ، ونقيصة السورة بعدها ، ولكن الحمد واقع في محلّه الشرعي ، أي المحلّ الذي لو كان عقّبه بالسورة لكانت الصلاة تامّة الموافقة للأمر ، فعليه أن يسجد سجدة لزيادة السورة قبل الحمد ، واخرى لنقص السورة الواجبة بعدها.
* * *
المسألة الثالثة والستّون
قال رحمهالله : (إذا وجب عليه قضاء السجدة المنسيّة أو التشهّد المنسي ، ثمّ أبطل صلاته أو انكشف بطلانها ، سقط وجوبه لأنّه إنّما يجب في الصلاة الصحيحة ...).
أقول : حكم المسألة واضحة في تمام فروضها.
واحتمال : وجوب سجدة السهو كفّارة للسهو الواقع ، ولو في صلاة باطلة حين السهو ، أو عرض عليها البطلان بعده ، أو ولو في الصلاة التي لا أمر بها شرعا ، وإنّما أتى بها بأمر عقلي ، والمقدّميّة العلميّة لحصول امتثال الأمر الواقعي في موارد الاشتباه.
احتمال ضعيف جدّا.
بل الظاهر أنّ حال سجدة السهو ، كحال الأجزاء المقضيّة في أنّ ظاهر الأدلّة إنّما هو كونها كفّارة أو جبرا لنقص الصلاة التي قد وقعت مصداقا للمأمور به ، وقد اجتزى الشارع بها ، وقبلها بدلا عن التامّ في مرحلة الامتثال.
* * *
المسألة الرابعة والستّون
قال رحمهالله : (إذا شكّ في أنّه هل سجد واحدة أو اثنتين أو ثلاث ، فإن لم يتجاوز محلّها بنى على واحدة وأتى باخرى ، وإن تجاوز بنى على الاثنتين ولا شيء عليه عملا بأصالة عدم الزيادة. وأمّا إن علم ...).
أقول : حيث لا علم بالتكليف ، فلا مانع من جريان الاصول والقواعد ـ نافية أو مثبتة ـ في شيء من صور هذا الفرض :
(١) فإن كان الشكّ حاصلا قبل تجاوز محلّ الشكّ للنقيصة المحتملة ، كأن يحصل الشكّ المفروض بعد رفع الرأس من السجدة ، فالنقيصة مجرى لقاعدة الشكّ في المحلّ ، المثبت للتكليف بالتدارك ، والزيادة مجرى لأصالة العدم ، النافية لوجوب سجدة السهود.
(٢) وإن كان الشكّ حاصلا بعد تجاوز محلّ الشكّ لها ، وقبل تجاوز محلّ تداركها ، عند تذكّر النقصان ، كأن يحصل الشكّ بعد القيام أو التشهّد وقبل الركوع ، فالنقيصة مجرى لقاعدة التجاوز النافية لكلا الأمرين من وجوب التدارك ، وسجدة السهو ، والزيادة مجرى لأصالة العدم ، النافية لوجوب سجدة السهو.
(٣) وإن كان بعد تجاوز محلّ التذكّر أيضا ، فالنقيصة مجراة لقاعدة التجاوز ، النافية لوجوب قضاء السجدة ، وسجدة السهو والزيادة مجراة لأصالة العدم ، النافية لوجوب سجدة السهو.
وأمّا الفرض الثاني :
(١) فإن كان الشكّ حاصلا قبل تجاوز محلّ الشكّ للنقيصة ، فالنقيصة
مجراة لقاعدة الشكّ في المحلّ ، فيجب الإتيان بسجدة واحدة ، والزيادة مجراة لأصالة العدم ، فينحلّ العلم الإجمالي بأحد الأمرين من وجوب التدارك ، أو السجدة بالأصل المثبت والنافي.
(٢) وإن كان الشكّ حاصلا بعد تجاوز محلّ الشكّ ، وقبل تجاوز محلّ التذكّر ، فالنقيصة مجراة لقاعدة التجاوز النافية للتكليف بالتدارك ، والزيادة مجراة لأصالة العدم ، النافية لسجدة السهو ، فتتعارضان وتتساقطان ، فتصل النوبة إلى الاصول المحكومة ، وهي أصالة عدم الإتيان في طرف النقيصة ، المثبتة للتكليف بالتدارك ، وأصالة البراءة في طرف الزيادة النافية لسجدة السهو ، فينحلّ العلم أيضا بالأصل المثبت والنافي.
(٣) وإن كان الشكّ حاصلا بعد تجاوز محلّ التذكّر أيضا ، فبعد تساقط قاعدة التجاوز في طرف النقيصة ، النافية لوجوب قضاء السجدة ، وسجدة السهو ، وأصالة العدم في طرف الزيادة النافية لسجدة السهو للتعارض ، تصل النوبة إلى أصالة العدم في النقيصة ، المثبتة لكلّ من القضاء سجدة السهو ، وأصالة البراءة في طرف الزيادة النافية لوجوب سجدة السهو للزيادة ، فينحلّ العلم بذلك ، ولا يبقى محلّ لدعوى الانحلال من جهة العلم الإجمالي بوجوب سجدة السهو على كلّ حال ، والشكّ البدوي في وجوب القضاء ، على ما مرّ توضيحه في بعض المسائل السابقة ، ففي هذا الفرض يكفي قضاء السجدة مع سجدتي السهو للنقيصة.
ولكن الأولى والأحوط الإتيان بسجدتي السهو بقصد ما في الذمّة.
* * *
المسألة الخامسة والستّون
قال رحمهالله : (إذا ترك جزءا من أجزاء الصلاة من جهة الجهل بوجوبه ، أعاد الصلاة على الأحوط ، وإن لم يكن من الأركان. نعم ، لو كان الترك مع الجهل بوجوبه مستندا إلى النسيان بأن كان بانيا ...).
أقول : هنا عدّة صور ينبغي ملاحظة حكمها :
(١) إن كان ما تركه ركنا ، فالصلاة باطلة على جميع التقادير.
(٢) وإلّا فإن كان الجهل عن تقصير ، فالظاهر انصراف مثل صحيحة لا تعاد عن الخلل المستند إلى مثل هذا الجهل ، الذي لا يعذر فيه عقلا ، كما ينصرف عنه الدليل الدال على قضاء التشهّد المنسي أو السجدة المنسيّة ، والدليل الدال على وجوب سجدة السهو لها أو لكلّ زيادة ونقيصة ، لما مرّت الإشارة إليه في المسائل السابقة ، من أنّ هذه الأدلّة ظاهرة في إيجاب تدارك الصلاة الصحيحة التي قد فرض اجتزاء الشارع بها في مرحلة الامتثال ، ولا يمكن أن يحرز ذلك بنفس هذه الأدلّة على ما هو واضح ، فالأقوى هو بطلان الصلاة في هذا الفرض.
نعم ، الأولى تدارك سجدة السهو ، ثمّ إعادة الصلاة.
(٣) وأمّا إن كان الجهل عن قصور ، فلا يستبعد دعوى إطلاق صحيحة لا تعاد وشموله له ، وعدم اختصاصه بخصوص السهو والنسيان ، بل هذا هو الأظهر على ما قرّبناه في محلّه ، فيحكم بصحّة الصلاة ، ووجوب سجدة السهو ، بناء على استظهار الإطلاق من أدلّة وجوبه ، إن كان موضوعه الخلل الذي لم يتعمّد فيه ، وإلّا فلا تجب هي أيضا.
(٤) وأمّا إن كان جاهلا بوجوب الجزء تقصيرا أو قصورا ، ولكن كان معتقدا
باستحبابه ، وكان بانيا على الإتيان به ، فنسى أن يأتي به ، فالظاهر شمول حديث لا تعاد لمثله بلا قصور ؛ لعدم استناد الخلل إلى الجهل بوجه ، وإنّما استند إلى النسيان ، ولا منشأ لدعوى انصراف الصحيحة إلى صورة استناد الخلل إلى النسيان ، مع فرض العلم بالحكم.
كما أنّ الظاهر شمول أدلّة التدارك وسجدة السهو أيضا لذلك ، ولا منشأ لدعوى انصرافها إلى صورة السهو والنسيان ، ولكن في خصوص ما إذا كان عالما بالحكم ، هذا والله العالم ومنه التوفيق وبه الهداية.
الحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين ، ولعنة الله على أعدائهم أعداء الدّين.
* * *
وقد وقع الفراغ من تسويدها في خامس عشر من شهر الصيام المبارك من شهور سنة ألف وثلاثمائة وسبعين في النجف الأشرف ، بيد العبد العاصي محمّد باقر جمال الدّين بن محمّد مهدي الزنجاني عفى عنهما.
* * *
وقد وقع الفراغ من استنساخها من نسخة المؤلّف ، بيد العبد العاصي ، المحتاج إلى رحمة ربّه الغنيّ مرتضى بن جواد الحسيني النجومي عفى عنهما ، بحقّ محمّد وآله الطاهرين ، عصر يوم الاثنين السابع والعشرين من شهر جمادي الثانية ، من شهور سنة ألف وثلاثمائة وأربعة وسبعين هجريّة ، والحمد لله أوّلا وآخرا. وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله الطيّبين الطاهرين.
* * *
رسالة
في مفاد صحيحة «لا تعاد الصلاة»
تأليف
آية الله العظمى الشيخ ميرزا محمّد باقر الزنجاني قدسسره
(١٣٩٤ ـ ١٣١٢ ه. ق)
بسم الله الرّحمن الرّحيم
وبعد ، فهذه رسالة في معنى صحيحة «لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة» ؛ ممّا برز من يراع الإمام الهمام ، خاتم المجتهدين المتبحّرين ، سلطان المحقّقين المدقّقين ، وحيد العصر ، وفريد الدهر ، الورع التقي الثّبت ، أمين الدّنيا والدّين ، آية الله الكبرى في بلاده ، وحجّته العظمى في عباده ؛ شيخنا الأجلّ الميرزا محمّد باقر جمال الدّين الزنجاني دامت بركاته العالية.
* * *
بسم الله الرّحمن الرّحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيّبين الطاهرين ، ولعنة الله على أعدائهم أعداء الدّين.
وبعد ، فيقول العبد الآثم محمّد باقر جمال الدّين بن محمّد مهدي الزنجاني عفى الله عنهما : هذه شطر ممّا كتبته أثناء بحثي عن الخلل الواقع في الصلاة ، أحببت أن أفردها كرسالة متكفّلة لما يهمّ من الأبحاث المتعلّقة بمفاد صحيحة «لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة» ، أسأل الله تعالى أن يجعلها ذخرا ليوم فقري وفاقتي.
فأقول ، مستعينا ومستمدّا منه تعالى شأنه :
روى الصدوق والشيخ بإسنادهما عن زرارة عن أبي جعفر عليهالسلام ، قال :
«لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة ؛ الطهور ، والوقت ، والقبلة ، والركوع ، والسجود.
ثمّ قال : القراءة سنّة ، والتشهّد سنّة ، ولا تنقض السنّة الفريضة».
أقول : والرواية صحيحة ، وعليها عمل الأصحاب في الجملة قديما وحديثا ، وإنّما المهمّ تشخيص مقدار مفادها ، وهو يحتاج إلى الكلام في جهات :
الجهة الاولى : الخلل الواقع في الصلاة على عدّة صور :
الصورة الاولى : قد يكون الخلل تارة عن عمد وعلم والتفات بجزئيّة الجزء ، أو قيديّة القيد ، وجوديّا كان أو عدميّا ، وهذا :
تارة : يفرض بالاختيار ، وبنحو العصيان وبلا مجوّز.
واخرى : يفرض بالاختيار ، ولكن مع وجود مجوّز ؛ كما إذا فرض وجود مزاحم أهمّ لوجوب إتمام الصلاة ، بأن يفرض ابتلاء المكلّف بحفظ النفس المحترمة مثلا في أثناء اشتغاله ، بالصلاة فاشتغل بانجائه ففاتت الموالاة بين أجزاء الصلاة ، أو تحقّق فعل كثير ماح لصورة الصلاة ، ونحو ذلك.
وثالثة : يفرض بلا اختيار منه ؛ كما إذا فرض إكراهه على السجود على ما لا يصحّ السجود عليه ونحو ذلك ، أو اضطرّ لأكل وشرب ، أو إكراه مكره بزوال الستر في أثناء صلاته ، ونحو ذلك.
الصورة الثانية : يكون عن جهل بالحكم عند الجزئيّة والقيديّة ؛ وذلك الجهل :
(١) ربّما يكون جهلا مركّبا ابتدائيّا ، بأن يقطع بعدم الجزئيّة أو القيديّة.
(٢) وربّما يكون جهلا طارئا ، يعبّر عنه بنسيان الحكم.
(٣) وثالثة يكون جهلا بسيطا يفرض بالتفات المصلّي واحتماله للجزئيّة أو القيديّة راجحا أو مرجوحا أو متساويا.
وعلى التقادير يكون الجهل :
تارة : عن قصور ، كما في صور الغفلة رأسا ، أو الالتفات والفحص واليأس عن الظفر بالحجّة على الاعتبار ، أو قيام حجّة معتبرة عنده على عدم الاعتبار من طريق أو أصل.
واخرى : يكون عن تقصير في المقدّمات ، بأن يتفحّص وخاض في غير ما