رسالة في فروع العلم الإجمالي

آية الله الشيخ باقر الزنجاني

رسالة في فروع العلم الإجمالي

المؤلف:

آية الله الشيخ باقر الزنجاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: انتشارات دار التفسير
المطبعة: وفا
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-535-198-2
الصفحات: ٤٤٠

أو بفواتها من الأولى والثالثة تعيينا ، أو من الثانية والثالثة كذلك.

أو يتردّد في أنّها من الاولى والثانية ، أو من الاولى والثالثة ، أو من الثانية والثالثة.

كلّ ذلك بعد الدخول في ركوع الرابعة.

والحكم في هذه الصور هو صحّة الصلاة ، ووجوب إتمامها ، وقضاء السجدتين وسجدتا السهو لكلّ منها وجوبا ؛ بناء على وجوبهما لفوات السجدة الواحدة بالخصوص ، أو بناء على وجوبهما لكلّ زيادة ونقيصة ، وعلى الأحوط بناء على عدم تماميّة الدليل لأحد الأمرين.

واخرى : يكون قبل الدخول في الرّكن اللّاحق ، وقبل التسليم ، كأن يعلم بفواتها في الأوليين قبل الدّخول في ركوع الثالثة ، أو من الاولى والثالثة قبل الدخول في ركوع الرابعة ، أو من الثانية والثالثة.

أو يعلم تفصيلا بفواتها من الاولى والرابعة تعيينا ، أو من الثانية والرابعة كذلك ، أو من الثالثة والرابعة كذلك.

أو يعلم إجمالا بفواتهما إمّا من الاولى أو الثانية أو الثالثة أو الرابعة ، كلّ ذلك قبل التسليم.

فلا ينبغي الإشكال في أنّ الحكم في الجميع ، هو وجوب تدارك الثانية في المحلّ ، مع إعادة ما سبق منه سهوا ، ممّا يترتّب على ذلك الفائت وقضاء الاولى بعد إتمام الصلاة مع سجدتي سهو للفائت الذي قضاء ، ولكلّ زيادة وقع منه سهوا وجوبا أو احتياطا على ما أشرنا إليه.

٦١

أمّا الثاني : إن كان التذكّر بعد الصلاة ؛ أي بعد التسليم في الركعة الأخيرة :

(١) فإمّا أن يكون قبل عروض شيء من المنافيات التي تبطل الصلاة عمدا أو سهوا.

(٢) وإمّا أن يكون بعده.

وعلى التقديرين ، فإمّا أن لا تكون الرابعة طرفا للعلم بالفوات ، أو احتماله كأن يعلم تفصيلا بفواتهما من الأوليين ، أو من الاولى والثالثة ، أو من الثانية والثالثة ، أو يعلم إجمالا بفواتهما ، إمّا الأوليين ، أو من الاولى والثالثة ، أو من الثانية والثالثة.

فلا ينبغي الإشكال في أنّ الحكم في الجميع صحّة الصلاة ، ووجوب قضاء السجدتين في خارج الصّلاة ، مع سجدتي السهو لكلّ منهما على ما تقدّم.

الثالث : وأمّا أن تكون الرابعة طرفا للعلم بالفوات ، كأن يعلم تفصيلا بفواتهما من الرابعة والاولى ، أو من الرابعة والثانية.

أو من الرابعة والثالثة ، أو يعلم تفصيلا بفوات واحدة من الرابعة ، والعلم الإجمالي بفوات الأخرى من الأولى أو الثانية ، أو من الاولى أو الثالثة أو من الثانية أو الثالثة ، أو من الاولى أو الثانية أو الثالثة.

وأمّا أن تكون طرفا للعلم الإجمالي بالفوات ، ومحلّا لاحتمال الفوات فيها ، كأن يعلم تفصيلا بفوات واحدة من الاولى ، مع التردّد في الاخرى بين الثالثة ، أو بين الثانية والرابعة ، أو بين الثالثة والرابعة.

أو يعلم تفصيلا بفوات الاولى من الثانية ، مع التردّد في الاخرى بين الثالثة والرابعة ، أو بين الاولى والرابعة ، أو بين الاولى والثالثة والرابعة.

٦٢

أو يعلم إجمالا بفواتهما إمّا من الاولى والرابعة أو من الثانية والرابعة أو من الثالثة والرابعة.

أقول : الحكم في هذه الصّور أجمعها محلّ للإشكال ، (١) فعلى ما قوّيناه واستظهرناه من الأخبار ـ كما هو ظاهر المشهور ـ من مخرجيّة السلام الواقع في الركعة الأخيرة من الصلاة ، ولو كان سهوا أي مبنيّا على زعم تماميّة الأجزاء السابقة ، فالحكم في الجميع هو صحّة الصّلاة ، ووجوب قضاء السجدتين خارج الصلاة ، مع سجدتي السّهو لكلّ منهما ، على ما تقدّم ، من دون فرق بين صورتي عروض شيء من المنافيات وعدمه.

نعم ، لا يخفى حسن الاحتياط بإتيان إحدى السجدتين ، بلا تعيين أنّه تدارك لهما في المحلّ ، أو قضاء لهما في الخارج ، مع إعادة ما سبق منه سهوا ، ممّا يترتّب عليها برجاء المطلوبيّة ، وقضاء الاخرى في خارج الصلاة ، فيما كان التذكّر قبل عروض المنافي ، وحسن الاحتياط بقضاء السجدتين في الخارج ، مع إعادة أصل الصلاة فيما كان التذكّر بعد عروض المنافي.

(٢) وأمّا بناء على ما ذهب إليه جماعة من متأخّري المتأخّرين ، من أنّ السّلام الواقع في الركعة الأخيرة بتخيّل تماميّة الأجزاء السابقة ، كالسّلام الواقع في أثناء الصّلاة سهوا لسبق اللسان ، أو لنسيان ركعة أو ركعتين مثلا ، ليس مخرجا عن الصّلاة ومتمّما لها ، ومحلّلا لتحريمها ، وإنّما المخرج المحلّل هو عروض شيء من المنافيات المطلقة قبل تدارك المنسي.

فالحكم في جميع ما فرض فيه التذكّر بعد عروض المنافي ، هو صحّة

٦٣

الصلاة ، ووجوب قضاء السجدتين خارج الصلاة ، مع سجدتي السهو لكلّ منهما على ما تقدّم.

وفيما فرض التذكّر قبل عروض المنافي :

أمّا في فرض صور الرابعة :

١ ـ إذا كان موردا للعلم التفصيلي بفوات سجدة منها ، لا بدّ من تدارك سجدتها في المحلّ ، وإعادة ما سبق منه سهوا من التشهّد والتسليم ، وقضاء السجدة الاخرى خارج الصلاة ، مع سجدتي سهو للسجدة الواحدة الفائتة ، وسجدتي سهو لكلّ زيادة وقعت منه سهوا من التشهّد والتسليم.

(١) وإذا كان طرفا للعلم الإجمالي ، وموردا لاحتمال فوات سجدتها ، فالحكم هو البناء على صحّة الصلاة ، والإتيان بسجدة واحدة بلا تعيين أنّها تدارك في المحلّ ، أو قضاء في الخارج ، مع إعادة ما سبق منه ، ممّا يترتّب عليها من التشهّد والتسليم برجاء المطلوبيّة ، وقضاء سجدة اخرى في خارج الصلاة مع سجدتي سهو لتلك السجدة المقضيّة على ما تقدّم ، وسجدتي سهو اخرى لاحتمال فوات السجدة الاخرى ، ووقوع تداركها في الخارج ، وسجدتي سهو اخرى لاحتمال زيادة ما سبق منه من التشهّد والتسليم وجوبا ، بناء على وجوبهما ، لاحتمال الزيادة والنقيصة وإلّا فبنحو الاحتياط الراجح.

والسرّ في ذلك : أنّ المكلّف في هذه الحالة لا محالة عالم بإتيانه السجدة الثانية من أصل الركعات الثلاث السابقة في محلّها ، وعدم إتيانه للسجدة الثانية من إحداهما في محلّها ، فلا هو عالم بإتيانها ولا بعدم إتيانها ليكون محلّا لجريان شيء

٦٤

من الأصول والقواعد المجعولة حالة الشكّ ، فلا بدّ له من العلم التفصيلي بوجوب قضاء سجدة واحدة ، بلا حاجة إلى تعيين أنّه قضاء لما فات من الاولى أو الثانية أو الثالثة ، ويبقى له العلم الإجمالي بعدم إتيان سجدة اخرى ، إمّا في إحدى الثلاث السابقة ، حتّى يكون فات محلّ تداركها في الأثناء ، للدّخول في ركوع الرابعة ، أو في الرابعة حتّى يكون محلّ تداركها في الأثناء باقيا على حاله ، فاحتمال الفوات من إحدى الثلاث السابقة ، واحتمال الفوات من الرابعة يوجبان جريان الاصول والقواعد المجعولة لمرحلة الشكّ ، دون أصالة عدم الإتيان بتلك السجدة للعلم الإجمالي على الفرض ، فلا محيص عن جريان قاعدة التجاوز بالنظر إلى إحدى الثلاث السابقة بلا تعيين ، وبالنظر إلى الرابعة تعيينا ، أو المفروض تجاوز محلّ المشكوك ، وإن لم يتجاوز محلّ المنسي قطعا ، فيتعارضان ويتساقطان ويصل الدور إلى الاصول المحكومة ، وهي الأصول الاستصحابات الموضوعيّة ؛ أعني استصحاب عدم الإتيان بتلك الواحدة التي يشكّ في إتيانها في إحدى الثلاث السابقة ، واستصحاب عدم الإتيان بالثانية من الركعة الرابعة ، لكنّهما يتعارضان ويتساقطان أيضا على تقدير جريانهما.

ولكن لا مجرى لهما في محلّ الفرض أصلا ، لا لعدم اعتبار الاستصحاب في الأعدام الأزليّة باعتبار عدم الأثر لها ، إذ لا مانع من الاستصحاب فيها بعد فرضها ذات آثار شرعيّة فيما لم يزل ، بل لوضوح أنّ الموضوع لوجوب القضاء شرعا في خارج الصلاة ، ليس هو مجرّد العدم المحمولي للسجدة المشكوك في إتيانها ، حتّى يحرز بقائه بمعونة استصحاب الموضوع ، بل إنّما هو تركها وعدم

٦٥

الإتيان بها في الصّلاة ، أي في ضمن امتثال أمر الصلاة ، بعد فعليّة أمره وصيرورة المكلّف في مرحلة امتثاله.

كما أنّ الموضوع لوجوب التدارك في الأثناء أيضا ، ليس مجرّد عدم الإتيان بالسجدة محموليّا ، وإنّما الموضوع له هو عدم إتيانها في الصلاة ، وفي ضمن امتثال أمرها. ومن المعلوم أنّ إحراز بقاء العدم المحمولي للسجدة إلى ما بعد الفراغ من الثلاث السابقة ، أو إلى الحال في الرابعة بحكم الاستصحاب ، لا يجدي ما لم يحرز أنّ هذا الترك وعدم الإتيان ترك في ضمن الصلاة ، الذي هو قيد نعتي بمفاد كان الناقصة ، وليس لهذا النعت حالة سابقة حتّى تستصحب.

واستنتاج النعت باستصحاب نفس المنعوت ، إثبات من الأصل لا محالة.

وهذا مضافا إلى أنّه من المعلوم أنّ مجرّد ترك المتّصف بكونه في الصلاة ، أي في ضمن امتثال أمرها أيضا ، ليس موضوعا لشيء من الحكمين ، بل الموضوع هو الترك في الصّلاة المقيّد بعدم كونه عمديّا ، أو المقيّد بكونه سهويّا ، وإلّا فهو موضوع لوجوب الاستيناف.

وحينئذ فإحراز بقاء العدم المحمولي للسجدة ، كما لا يثبت كونه تركا في الصلاة ، كذلك لا يثبت كونه لا عن عمد ، أو كونه عن سهو ، إذ ليس لعدم كونه عمديّا أو كونه سهويّا حالة سابقة ، وإنّما الحالة السابقة للعدم المحمولي والنعتان ، إنّما كان معدومين بنحو السالبة بانتفاء الموضوع ، حيث إنّه في الأوّل لم تكن هناك صلاة واجبة ، بالغة مرحلة امتثال أمرها ، ولا مكلّف يكون في مقام امتثاله حتّى يتّصف ذلك العدم بالعمديّة أو بالسهويّة ، أو بعدم العمديّة والسهويّة ، فإحراز بقاء

٦٦

ذلك العدم إلى الحال بحكم الاستصحاب ، واستنتاج أنّه ليس بعمدي في الصّلاة ، أو أنّه سهوي فيها ، يعدّ من الأصل المثبت لا محالة.

وبالجملة : فلا مجرى لجريان الاستصحابين رأسا في طرفي العلم الإجمالي المفروض ، إلّا أنّ لكلّ منها أثر مخصوص.

وعلى تقدير جريانهما ، فهما متعارضان ومتساقطان قطعا ، بناء على تعارض الاصول المحرزة في أطراف العلم الإجمالي ، ولو كانت على وفق العلم الإجمالي ، فتصل النوبة لا محالة إلى الاصول الحكميّة ، وليست هي قاعدة الاشتغال بالنظر إلى نفس إحراز صحّة الصلاة وامتثال أمرها ، حيث إنّه لا يقطع بالفراغ من ذلك إلّا بإتيان السجدة المحتمل فواتها من الرابعة في المحلّ ، مع إعادة ما سبق منه سهوا برغم التماميّة ، ولا يحصل القطع بذلك بقضائها في خارج الصلاة ، على ما هو المفروض ، من بقاء المحلّ ، وعدم مخرجيّة السلام المفروض وكونه سهوا ومع الإتيان بها كذلك ، فيبقى أصالة البراءة ـ بالنظر إلى وجوب الإتيان بسجدة اخرى قضاء في خارج الصّلاة ، لاحتمال فواتها أيضا من إحدى الثلاث السابقة ـ سليمة عن المعارض.

نعم ، لو أتى بما يأتي بها في المحلّ ، بلا تعيين أنّها تدارك في المحلّ ، أو قضاء في الخارج ، ويأتي بما يترتّب عليها ممّا سبق سهوا من التشهّد والتسليم برجاء المطلوبيّة ، فإنّه حينئذ تحصل البراءة القطعيّة عن المعلوم بالإجمال المفروض ، إذا الفائتة لو كانت فائتة في الرابعة ، فقد قام بتداركه في الأثناء على وجهه ، ولو كانت فائتة من أصل الثلاث السابقة ، فقد حصل قضائها في خارج

٦٧

الصلاة ، إذ المفروض أنّ التذكّر كان بعد السلام في الرابعة ، وكانت الرابعة تامّة على فرض النقصان من إحدى الثلاث السابقة.

وكذلك الحال بعينها على تقدير القول بجريان الاستصحابين المذكورين في الطرفين ، وعدم تعارضهما ، لكونهما على وفق العلم الإجمالي ؛ وذلك لوضوح أنّ الاستصحاب وغيره من الحجج لا يقتضي أزيد من الجري العملي الخارجي على وفقه تعويلا عليه.

وأمّا الموافقة الالتزاميّة ، بالالتزام بأن يأتي به بمقتضاه أداء وتدارك في المحلّ في أحدهما ، وقضاء في الخارج في الآخر.

فلا وجه له جدّا ؛ لوضوح أنّ المكلّف مع الإتيان بما يأتيه على وجهه ، من دون تعيين أداء ولا قضاء ، لا يعدّ مخالفا للحجّة المفروضة جدّا.

وعلى كلّ حال ، فقد تحصّل أنّه على المبنى المتقدّم ـ أعني عدم مخرجيّة السلام الواقعة في الرابعة ـ ليس الواجب على المكلّف على جميع التقادير إلّا الإتيان بسجدة واحدة في المحلّ ، بلا تعيين كونها أداء ولا قضاء بمقتضى العلم الإجمالي المفروض ، وسجدة واحدة قضاء في خارج الصلاة ، بمقتضى القطع بفوته من إحدى الثلاث السابقة.

* * *

٦٨

المسألة الرابعة

قال رحمه‌الله : (إذا كان في الركعة الرابعة مثلا ، وشكّ في أنّ شكّه السابق ...).

فلا محالة يحصل له العلم الإجمالي بأنّه إمّا مكلّف بإعادة الصلاة ، أو مكلّف بركعة الاحتياط في خارج الصلاة ؛ حيث إنّ المفروض أنّ ما بيده رابعة يجب بنائه على الأكثر ، وأنّ ما أتى به قبل ذلك إنّما هو ثلاث ركعات ، وأنّ ما بيده من الركعة إتمام للصلاة مع كونه مكلّفا بالاحتياط بعد إتمامها ، فهو فعلا شاك في أنّ ما بيده من الركعة هل هي الثالثة أو الرابعة في الواقع ، سواء كان ما حدث له من الشكّ سابقا شكّا بين الاثنتين والثلاث بعد إكمال السجدتين أو قبلهما ، ولكن لا حكم لهذا الشكّ الفعلي في عدد الركعات ، حيث إنّه تحوّل للشكّ السابق ، وتكيّف له بكيفيّة اخرى موجبة لتبدّل متعلّق الشكّ من جهة إضافة ما أضافه إلى صلاته بعد شكّه ، حيث إنّ الشكّ في أوّل حدوثه إنّما كان متعلّقا بوصف ما بيده خرج عنها ، وأنّها هل هي متّصفة بأنّها الثانية ، أو متّصفة بأنّها الثالثة؟

والشكّ فعلا تعلّق بوصف ما بيده التي أضافها إلى صلاته بعد الشكّ ، وأنّها هل هي متّصفة بأنّها الثالثة ، أو متّصفة بأنّها الرابعة؟

والقواعد المجعولة للشكوك في عدد الركعات تصحيحا وإبطالا ، إنّما هي مجعولة للشكّ بالنظر إلى كيفيّة حدوثه أوّلا ، لا بالنظر إلى ما تحوّل إليه من حيث البقاء ، وإلّا لاختلف مجاري تلك القواعد ، فيكون الشكّ الحادث قبل إكمال السجدتين ، شكّا بين الاثنين والثلاث مثلا بدون إحراز أصل تحقّق الاثنتين ،

٦٩

ومشمولا لأدلّة الإبطال.

مع أنّه لو أتمّ ما بيده بإكمال السجدتين ، لانقلب شكّه المفروض إلى الشكّ بين الاثنتين والثلاث بعد الإكمال ، ومشمولا لأدلّة التصحيح والبناء على الأكثر وهو الثلاث.

كما أنّ الشكّ الحادث بعد إكمالها ، يكون شكّا بين الاثنتين والثلاث ، ومكلّفا بالبناء على الثلاث ، وإضافة ركعة ، والاحتياط بركعة في خارج الصلاة.

ولكن بعد ما أضاف إليها ركعة ، فهو قبل أن يسلّم ويخرج من الصلاة ، أصبح شكّه شكّا بين الثلاث والأربع ، فيكون حينئذ مكلّفا بالبناء على الأربع ، وإتمام الصلاة والاحتياط بركعة في الخارج ، فالشكّ الواحد لا بدّ أن يكون مشمولا لقاعدة البناء على الأكثر مرّتين في كلّ منهما بكيفيّته. مع أنّ من الواضح أنّ المصحّح للعمل والمعوّل عليه في تصحيحه في مثل الفرض ، إنّما هو شمول القاعدة للشكّ المفروض مرّة واحدة بكيفيّة واحدة ، ولا يعقل أن يكون شمول القاعدة من حيث إنّه من الكيفيّة الحادثة بعد الانقلاب والتحوّل فقط ، كيف ولا يعقل إهمال دليل القاعدة بالنظر إلى الشكّ المفروض من الكيفيّة التي له حين حدوثه ، فلا محيص عن أن يكون شمولها له بالنظر إلى ما له من الكيفيّة حين حدوثه فقط ، من دون نظر ومن دون حاجة إلى النظر إلى ما يحصل له من الكيفيّة من حيث البقاء.

وجملة القول : إنّه لا حكم قطعا في الواقع للشكّ الموجود فعلا في عدد الركعات ، عدا الحكم الذي كان له في أوّل حدوثه :

فإن كان في أوّل حدوثه قبل الإكمال ، فهو قد كان محكوما بالقاطعيّة ،

٧٠

وبطلان ما بيده ، ووجوب الاستيناف ، وهذا الحكم باق إلى الآن.

وإن كان في أوّل حدوثه بعد الإكمال ، فهو قد كان محكوما بالبناء على الأكثر ، والاحتياط بركعة في الخارج ، وهذا الحكم باق.

والمفروض أنّه قد بنى على الأكثر ، وأضاف ما يحتاج إليه ، ومن دون القيام بإتيان ركعة الاحتياط ، فلا بدّ من إتيانه بحسب تكليفه الفعلي بمقتضى القاعدة ، وهذا هو العلم الإجمالي الذي أشرنا إليه.

فصورة فرض المسألة أنّه قاطع بأنّه شكّ سابقا بين الاثنتين والثلاث ، وبنى على الثلاث ، واشتغل بإتمام الصلاة حتّى يتمّها ، واحتاط بركعة في الخارج ، ولكنّه يشكّ فعلا في شكّه السابق ، فحدوث الشكّ :

تارة : يكون بعد الإكمال حتّى يكون ما بنى عليه وجرى على طبقه في محلّه وعلى طبق وظيفته.

واخرى : يكون قبل الإكمال حتّى يكون ما بنى عليه وجرى على طبقه واقعا في غير محلّه ، وعلى خلاف ما هو وظيفته من رفع اليد عمّا بيده واستيناف الصلاة.

وهذا هو المنشأ لما تقدّم من العلم الإجمالي ، ومآل الشكّ في صحّة ما بيده وبطلانه إلى الشكّ في قاطعيّة الموجود ؛ أعني الشكّ السابق ، كما أنّ مآل الشكّ في وجوب إتمام ما بيده والاحتياط بالركعة ، إلى الشكّ في مصداقيّة السابق للشكّ المأخوذ موضوعا في أدلّة قاعدة البناء على الأكثر.

فلو كان هناك من الاصول والقواعد ما يعيّن حال المصداق ، وأنّه من الأوّل أو الثاني ، فلا محالة ينحلّ العلم الإجمالي إلى العلم التفصيلي بوجوب الاستيناف

٧١

فقط ، أو وجوب الإتمام والاحتياط فقط ، وإلّا فلا محيص من تنجيز العلم والاحتياط بإتمام الصلاة والاحتياط بالركعة واستيناف الصلاة.

والحقّ : أنّه ليس في المقام أصل يتكفّل لتشخيص ذلك أبدا.

توضيح ذلك : أنّه لو التزمنا بأنّ المستفاد من إطلاق أدلّة قاعدة البناء على الأكثر ، هو شمولها للشكّ في عدد الركعات مطلقا :

سواء كان في الثنائيّة أو الثلاثيّة أو الرّباعيّة.

وسواء كان بين الواحدة والاثنتين ، أو بين الاثنتين والثلاث ، أو بين الثلاث والأربع ، وهكذا.

وفي كلّ من ذلك أيضا :

سواء كان الشكّ المفروض قبل إكمال السجدتين أو بعده ، وكان المفروض أنّه :

(١) ورد التقييد الأفرادي المنتج نتيجة التخصيص ، من الحكم ببطلان الصلاة في مطلق الشكوك الواقعة في الثنائيّة والثلاثيّة ،

(٢) وورد أيضا التقييد الأحوالي في الشكوك المتعلّقة بالاثنتين ، وغيرهما في الشكوك الواقعة في الرباعيّة.

فإذا كان هذا الشكّ حادثا قبل إكمال السجدتين ، فهو قاطع للصلاة ومبطل لها.

وإن كان حادثا بعده ، فهو محكوم بالبناء على الأكثر ، بحيث كان الموضوع لكلا الحكمين شكّ واحد بالوحدة النوعيّة ، غاية الأمر أنّ موضوعيّته لأحد الحكمين مقيّد ببعض أحواله ، وموضوعيّته الآخر مقيّدة بمقابل تلك الحالة.

أقول : بعد وضوح ما ذكرنا ، يقتضي المقام البحث عمّا التزم به بعض

٧٢

الأساتيد الأعلام في المقام حيث يقول :

إنّ المستفاد من الأدلّة هل هو تقيّد الشكّ في موضوعيّته لأدلّة التخصيص والتقييد بقيد وجودي هو مفاد كان الناقصة ، من مثل كونه قبل إكمال السجدتين ، ونحو ذلك من العناوين ، وتقيّده في موضوعيّته لإطلاقات قاعدة البناء على الأكثر بقيد وجودي كذلك ، من مثل كونه بعد إكمال السجدتين ونحو ذلك ، حتّى يقال إنّ هذه العناوين المتقابلة التي هى في النعوت ، ليست لها حالة سابقة ـ وجوديّة أو عدميّة ـ حتّى تستصحب بمفاد كان أو ليس الناقصتين ، وما له الحالة السابقة هو العدم المحمولي للشكّ المفروض بمفاد ليس التامّة ، ولا أثر لوجوده ولا لعدمه بمفاد كان أو ليس التامّتين حتّى تستصحب ، فإنّ إحراز ما له الأثر من تلك النعوت ـ نفيا أو إثباتا ـ باستصحاب العدم المحمولي ، يعدّ من الاصول المثبتة التي تثبت عدم اعتبارها.

أو أنّ المستفاد من أدلّة التقييد ، هو تركّب موضوع الحكم بالبطلان من أمرين :

أحدهما : وجودي ، وهو الشكّ في عدد الركعة.

والآخر : عدمي ، وهو عدم تماميّة ما بيده من الركعة ؛ بمعني عدم الإتيان بالسجدة الثانية منهما.

كما أنّ المستفاد من أدلّة قاعدة البناء على الأكثر ، هو تركّب موضوع الحكم بوجوب الإتمام ، والاحتياط في الخارج من أمرين وجوديّين هما : الشكّ ، وتماميّة ما بيده من الركعة ؛ بمعنى الإتيان بالسجدة الثانية منها ، حتّى يقال إنّ المسألة من

٧٣

صغريات الحادثين المشكوك في ما هو المتقدّم منهما ، فيفصّل بين الصور :

(١) أنّه إن كان مع العلم بتاريخ إكمال السجدتين ، والشكّ في تحقّق الشكّ حينذاك ، فيستصحب عدم تحقّق الشكّ إلى ذلك الحين ، ولا معارض له ، فيدفع بذلك احتمال البطلان لإحراز انتفاء الجزء الوجودي من موضوعه المركّب بحكم الأصل ؛ ففي زمان تحقّق جزئه العدمي قد أحرز انتفاء جزئه الوجودي بالتعبّد ، وفي زمان تحقّق جزئه الوجودي بالوجدان ؛ أعني الشكّ في حين الإكمال وما بعده ، قد أحرز انتفاء جزئه العدمي ، وتبدّله إلى الوجود ، ولكنّه مع ذلك لا يجدي شيئا في إثبات تحقّق الموضوع المركّب لقاعدة الصحّة والبناء على الأكثر ، إلّا بنحو الإثبات على ما هو واضح.

(٢) وإن كان مع العلم بتاريخ الشكّ ، فيستصحب عدم الإتيان ببقيّة الركعة إلى حين الشكّ ، فيتمّ الجزءان من موضوع البطلان :

أحدهما : بالوجدان وهو الشكّ.

والآخر : بالتعبّد وهو عدم إكمال الركعة.

كما أنّ به يرتفع أحد الجزءين من موضوع دليل الصحّة ، والبناء على الأكثر.

(٣) وإن كان مع الجهل بتاريخهما ، فيتعارض الأصلان حيث إنّ استصحاب عدم الشكّ إلى حين الإتيان بالسجدة ، رافع لأحد جزئي موضوع البطلان ، ورافع لاحتمال البطلان ، واستصحاب عدم السجدة إلى حين الشكّ ، محقّق لموضوع البطلان فيتساقطان ، وتصل النوبة إلى البراءة من وجوب الاستيناف ، والبراءة من وجوب الإتمام والاحتياط فيتساقطان ممّا يؤدّي إلى تنجّز العلم.

٧٤

ومن مثل أنّ تخصيص العام بالمخصّص المنفصل ، حيث إنّه لا يوجب تعنون العامّ بعنوان الخاصّ المقابل للعنوان المأخوذ في المخصّص ، بل يبقى موضوع العامّ محكوما بحكمه ما لم يتعنون بالخاصّ بأيّ عنوان تعنون ، أو لم يتعنون بعنوان أصلا.

وعليه فالأدلّة الدالّة على تخصيص أدلّة قاعدة البناء على الأكثر ، وإخراج الشكّ بين الاثنتين ، وبين ما عداهما عن تحته ، والحكم عليه بالإبطال ، حيث إنّه لا يوجب تعنون موضوع تلك الإطلاقات والعمومات بعنوان ، فلا محالة يكون الشكّ في عدد الركعات كالشكّ بين الاثنتين وبين غيرهما موضوعا للحكم بالصحّة والاحتياط ، ما لم يتعنون بعنوان كونه قبل إكمال السجدتين ، حيث لا يحتاج حينئذ إلى التمسّك بتلك العمومات لإحراز تعنون الشكّ بعنوان حاصل ، بل لو أمكننا دفع احتمال تعنونه بأصل معتبر كفى ذلك في صحّة التمسّك بتلك الإطلاقات.

أقول أوّلا : يرد على أصل المبنى :

ينبغي التفريق بين عدم قدرة المخصّص المنفصل من إيجاد التضييق في دائرة ظهور العامّ والمطلق ، وعدم انقلابه عمّا له من الظهور الأوّلي في كلّ فرد ، بل انقلابه عن حجّيّته بمقدار ما للخاصّ من الظهور المعتبر ، وبين عدم قدرة التقييد والتخصيص الواقعي ، بإخراج بعض الأنواع والأفراد بعنوان مخصوص ، لتقييد موضوع الحكم في العام والمطلق بما يقابل ذلك العنوان لبّا وفي الواقع.

وما هو المسلّم هو الأوّل ، ولكنّه لا يجدي شيئا في صحّة التمسّك بالعموم

٧٥

والإطلاق في المصداق ، بمجرّد دفع احتمال تحقّق عنوان الخاصّ والمقيّد بأصل موضوع ، بعد أنّ مصداقيّة الفرد الموجود لموضوع العامّ مجهول غير محرز والدليل هو المتكفّل للحكم الكبروي ، ولا يعقل أن يتكفّل بنفسه لإحراز تحقّق الموضوع والصغرى.

وأمّا الثاني فهو ممنوع جدّا ، بل هو أمر غير معقول ، ولا محيص عن تقيّد الموضوع في الحكمين لبّا ، ومعه فلا محالة يكون الفرد الموجود مردّدا في مصداقيّته للموضوعين ، ولا يمكن التمسّك بشيء من الدليلين ، ما لم يحرز مصداقيّته لموضوعه ولو بمعونة أصل عمليّ.

وثانيا : أنّ هذا على فرض تسليمه ، إنّما يجدي فيما لو فرض جريان أصل رافع سليم عن المعارض ، يرفع احتمال تحقّق عنوان الخاصّ والمقيّد ، وهذا في محلّ الكلام أمر ممنوع جدّا ، حيث إنّه لا أصل في المسألة إلّا الاستصحاب ، وقد عرفت تفصيل القول فيه ، ولا نعرف معنى محصّلا لأصالة عدم كون الشكّ المفروض شكّا قبل الإكمال ، ما لم يرجع إلى الاستصحاب المذكور ، وقد سبق وأن تحدّثنا عن عدم إمكان جريانه في المقام ، فلا نعيده.

وبالجملة : لو كان المستفاد من الأدلّة هو ما قدّمناه ، لكانت المسألة محلّا لتنقيح أمثال هذه المباحث ، ولكن الحقّ أنّ هذه المباحث كلّها ساقطة في المسألة المبحوث عنها ، بعد أن تبيّن أنّ التعبير بأنّ الشكّ بين الاثنتين والثلاث مثلا يوجب البطلان فيما كان قبل إكمال السجدتين ، ويوجب الاحتياط فيما كان بعده ، إنّما هو تعبير من الفقهاء في مقام الإشارة الإجماليّة إلى ما استفيد من أدلّة الحكمين ، لا أنّ

٧٦

التقييد بأمثال هذه العناوين واقع في أخبار الحكمين ، وإلّا فالأخبار متطابقة في وضوح دلالتها.

هذا فضلا عن أنّ الموضوع في الحكمين نوعان من الشكّ متمايزان بتمايز المتعلّق ، والمشكوك فيه زائد ، وأنّ ما تكلّفت عليه أدلّة البطلان في الثنائيّة والثلاثيّة والأوّلتين من الرباعيّة ، إنّما هو التخصيص الأنواعي ـ وإخراج بعض الأنواع من الشكوك عن تحت العموم والإطلاق الأنواعي في أدلّة قاعدة البناء على الأكثر والاحتياط ـ لا أنّه تقييد احوالي في بعض الأنواعي.

ومحصّل مفادها : أنّ عدد الركعات في الثنائيّة والثلاثيّة والأوّلتين من الرباعيّة ، لا بدّ أن يكون محرزا بحيث يعدّ إحرازها شرطا في صحّة الصلاة ، ومع عدمه لا شكّ في بطلانها ، وهذا معنى أنّه لا وهم فيها ، ولذا فإنّ تلك الأخبار ناظرة إلى أدلّة قاعدة البناء على الأكثر ، ومبيّنا لمقدار موضوعها ، وحاكمة عليها ، ومنتجة نتيجة التخصيص ، وأنّ المراد من الشكّ المأخوذ في أدلّة البناء على الأكثر ، عدد الركعات فيها في طرف القلّة والكثرة ، بحيث لا يحصل الشكّ والتردّد في كمّية ركعاتها في طرف القلّة أو الكثرة ، أو من الجهتين من أثنائها ، حتّى يكون المكلّف قد أتمّ وأحرز الاثنتين أو الثلاثة أو الأوّلتين من الرباعيّة.

نعم ، لا يضرّ الشكّ الحاصل فيها بعد الفراغ عن الصلاة والتسليم ، بمقتضى قاعدة الفراغ.

هذا ، ولا يخفى أنّ الشكّ في أثناء الثنائيّة والثلاثيّة ، بمعنى الشكّ قبل الفراغ عنها بالتسليم ، كما يكون بالشكّ واحتمال النقصان فقط ، كأن يشكّ بين الواحدة

٧٧

والاثنتين في الثنائيّة والثلاثيّة ، أو بين الاثنتين والثلاثة ، أو بين الواحدة والاثنتين والثلاثة في الثلاثية. كذلك يكون تارة بالشكّ واحتمال الزيادة فقط ، كأن يشكّ بين الاثنتين والثلاثة في الثنائيّة ، أو الثلاثة والأربعة في الثلاثيّة.

وتارة اخرى بالشكّ واحتمال كلا الأمرين من الزيادة والنقصان ، كأن يشكّ بين الواحدة والاثنتين والثلاثة في الثنائيّة ، أو بين الاثنتين والثلاثة والأربعة مثلا في الثلاثيّة.

وعلى جميع التقادير ، فهي خارجة عن تحت أدلّة البناء على الأكثر.

وأمّا عروض الشكّ في أثناء الأوّلتين من الرّباعيّة ، فلا يتصوّر إلّا بالشكّ واحتمال النقصان ، سواء كان مع القطع بعدم الزيادة ، أو مع احتمالها أيضا ، كأن يشكّ في أنّ ما بيده من الركعة ـ ولم يخرج عنها بإتمام سجدتها الثانية ـ هل هي الركعة الاولى أو الثانية.

أو هل هي الاولى أو الثانية أو الثالثة وهكذا.

أو هل هي الثانية أو الثالثة وهكذا ، بحيث يكون أصل وجود الركعة الثانية مشكوكا فيه ، وإن كانت تماميّتها مقطوع العدم ، كما في الفرض الأوّل والثاني.

ونحوها ممّا يفرض فيه احتمال الواحدة فيما بيده ، أو يكون أصل وجود الركعة الثانية مقطوعا به ، ولكن يشكّ في كونها قد تمّت أو بعد في أثنائها ، كما في الفرض الثالث ونحوه ممّا يفرض فيه القطع بعدم كون ما بيده هي الواحدة.

وأمّا عروض الشكّ في أثناء الأوّلتين مع القطع بتماميّة الأوّلتين ، بمعنى القطع بأصل تحقّق وجودهما وتماميّتها قبل عروض الشكّ ، مع احتمال الزيادة

٧٨

على الأوّلتين ، فهو أمر غير معقول ؛ إذ القطع بتماميّتهما موجب للخروج عن الركعتين ، حيث إنّ الخروج عنهما إنّما هو بإكمال السجدتين من الثانية ، ومعه فلا يكون الشكّ واحتمال الزيادة عارضا في أثنائهما ، بل يكون عارضا لعدمها ، وحيث إنّ المستفاد من النصوص أنّ موضوع الحكم بصحّة الصلاة إنّما هو إحراز إتمام الأوّلتين ، وعليه فالموضوع للحكم بالبطلان إنّما هو مقابل ذلك الإحراز ، وهو الشكّ وعدم إحراز إتمام الأوّلتين.

والأوّل لا يكون إلّا بإحراز أصل وجود الأولتين وإحراز تماميّتهما ، سواء كان غير شاكّ في عدد الركعات أو كان شاكّا.

والثاني لا يكون إلّا باحتمال النقصان فقط ، أو هو مع الزيادة ، وهو لا يكون إلّا فيما فرض عروض الشكّ قبل إكمال السجدتين فيما بيده من الركعة التي يحتمل فيها كونها الثانية.

والثالث لا يكون إلّا باحراز أصل وجود الأوّلتين ، مع الشكّ في عدد الركعات ، وهو لا يكون إلّا فيما فرض عروض الشكّ بعد إكمال السجدتين من الركعة الثانية.

فما هو الموضوع للحكم بالبطلان ، إنّما هو نوع خاصّ من الشكّ ، وهو الشكّ بمعنى احتمال انتفاء الركعة الثانية دائما ، أو احتمال انتفاء تماميّتها فقط ، أو مع احتمال الزيادة ، فالمشكوك فيه إنّما هو أصل وجود الركعة الثانية أو تماميّتها ، وما هو الموضوع للحكم بالصحّة والاحتياط في قاعدة البناء على الأكثر ، نوع خاصّ آخر من الشكّ ، وهو الشكّ بمعنى احتمال الزيادة على الركعتين فقط ،

٧٩

فالمشكوك فيه إنّما هو وجود ما زاد على الاثنتين ، لا وجود واحدة من الاثنتين ، فهما شكّان متمايزان بالنوع ، وليس هناك شكّ واحد بوحدة نوعيّة حتّى يكون المتعدّد باعتبار الأحوال فقط ، وأنّه عرض قبل الإكمال أو بعده ، إذ من البديهي أنّ تمايز الشكوك إنّما هو بتمايز المتعلّقات ؛ أعني الشكّ فيها.

وفرض عروض الشكّ قبل إكمال السجدتين من الثانية يعدّ فرض تحقّق الشكّ في أصل وجود الاثنين أو تماميّتها ، أمّا فرض عروضه بعد إكمالها يعدّ فرض تحقّق الشكّ فيما زاد على الاثنين.

وأحد هذين النوعين موضوع لقاعدة الحكم بالبطلان ، والآخر موضوع لقاعدة الحكم بالصحّة والبناء على الأكثر.

أقول : وهذا هو الذي استفاده الأصحاب من مجموع نصوص الباب ، وتعبيرهم بالشكّ قبل الإكمال وبعده ، إنّما هو للإشارة السهلة بالطريق الواضح إلى ضابطة النوعين من الشكّ ، لا أنّ هناك شكّ واحد نوعي ، إنّما أخذ في موضوع إحدى القاعدتين بقيد أن يكون قبل الإكمال ، وفي موضوع الاخرى بقيد أن يكون بعده.

وعليه فالمفروض في المسألة المبحوث عنها ، هو العلم الإجمالي بأنّه قد تحقّق سابقا منه في أثناء صلاته أحد الفردين من النوعين من الشكّ ، وتحقّق من خلال أحدهما موضوع الحكم بالبطلان ووجوب الاستيناف ، وتحقّق من خلال الآخر موضوع الحكم بالصحّة والبناء على الأكثر ، والاحتياط في الخارج.

وحيث إنّ أصالة العدم المحمولي في كلّ من الفردين ، معارض مع الآخر ، وموجب للتّساقط ، وليس هنا أصل آخر يعيّن حال الفرد الموجود ، وأنّه فرد لذلك

٨٠