رسالة في فروع العلم الإجمالي

آية الله الشيخ باقر الزنجاني

رسالة في فروع العلم الإجمالي

المؤلف:

آية الله الشيخ باقر الزنجاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: انتشارات دار التفسير
المطبعة: وفا
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-535-198-2
الصفحات: ٤٤٠

بل وكذلك ، فيما فرض الشكّ فعلا في دخول الوقت المشترك في أثناء ما أتى به من اللّاحقة ، ولو على القول بصحّة الصلاة فيما فرض إدراك شيء منها في وقتها الصّالح لها ، كما هو المنصوص ، إذ المفروض الشكّ في ذلك ، واستصحاب عدم دخول الوقت الصالح ، وإن كان لا يثبت وقوع مجموع ما وقع في غير وقتها ، إلّا أنّ مجرّد الشكّ في الصحّة يكفي لعدم شمول إطلاق قاعدة البناء على الأكثر لمثله ، فلا بدّ حينئذ من عدم الاكتفاء بما في يده لامتثال أمر اللّاحقة بمقتضى قاعدة الاشتغال ، من غير فرق في ذلك بين ما إذا كان متيقّنا بدخول الوقت المشترك ، حين الاشتغال بركعة الاحتياط ، أو شاكّا في أنّه سيدخل فيه على ما هو واضح.

نعم ، فيما فرض القطع بدخول الوقت المشترك في أثناء ما أتى به من اللّاحقة ، فإنّه يرتفع إشكال تصحيح اللّاحقة من هذه الجهة ، ويبقى الإشكال من حيث فوات الترتيب مع التذكّر في الأثناء وتجاوز محلّ العدول.

أقول : قد تبيّن من خلال جميع ما مرّ أنّ ما ذكرناه هو الحقّ في تقريب عدم إمكان تصحيح ما بيده لا بعنوان المغرب ولا بعنوان العشاء.

وأمّا ما افيد في تقريبه ، من أنّه :

إن كان ما بيده هي الركعة الثالثة من العشاء في الواقع ، فالواجب عليه العدول منها إلى المغرب ، من دون حاجة إلى ركعة الاحتياط.

وإن كانت هي الركعة الرابعة منها ، فلا حاجة إلى ركعة الاحتياط ، لعلمه تفصيلا بلغويّة ركعة الاحتياط ، فيكون الشكّ المفروض من الشكوك الغير المنصوصة ، والأقوى فيها البطلان.

١٠١

فممنوع : إذ لم يقع كون ما بيده ثلاثة أو أربعة ، موضوعا لوجوب العدول قطعا ، بل المستفاد من أخبار العدول ، هو وجوبه مطلقا ، سواء كان ما بيده الثالثة أو الرابعة.

نعم ، الموضوع لوجوبه على ما استفيد من تلك الأخبار إنّما هو صحّة ما بيده من غير جهة فوات الترتيب ، وعدم تجاوز محلّ العدول ، بمعنى عدم استلزامه للحكم ببطلان ما يعدل إليه ، وحيث أنّ ما بيده مشكوك في أنّه ثالثة أو رابعة :

فإذا لم يكن داخلا في ركوعه ، فلا يشكّ في عدم تجاوز محلّ العدول من جهة زيادة الركوع.

وأمّا إذا كان في الركوع ، فيشكّ في تجاوز محلّ العدول من جهة زيادة الركوع ، للشكّ في كون ما بيده الثالثة حتّى لا يزيد الركوع في المعدول إليه ، أو الرابعة حتّى يزيد الركوع فيه ، وقد عرفت أنّ تجاوز محلّ العدول في الفروض ، إنّما يستند إلى وقوع الشكّ بسبب العدول في ركعات المغرب ، من غير فرق بين العنوانين ، فهناك علم تفصيليّ بأنّه غير مكلّف بالعدول ، سواء كان ما بيده في الواقع الثالثة أو الرابعة ، وسواء كان قبل الركوع أو بعده.

فعلى فرض بطلان ما بيده عشاء أيضا ، لا محالة لا يحتاج إلى ركعة الاحتياط ، لتقييد موضوع قاعدة البناء على الأكثر بصحّة العمل ، من غير ناحية الشكّ المفروض ، والمفروض بطلانه من جهة فوات الترتيب ، مع التذكّر في الأثناء وتجاوز محلّ العدول.

وأمّا مع صحّة ما بيده عشاء من غير ناحية الشكّ في عدد الركعات ، بناء على أنّ الحكم في مثله صحّة اللّاحقة ، واغتفار الترتيب ، فلا محالة يكون الاحتياط

١٠٢

بالركعة ممّا يحتمل الحاجة إليه في حصول امتثال أمر العشاء.

وبالجملة : فلا يتحقّق له العلم بلغويّة ركعة الاحتياط على كلّ تقدير ، حتّى يكون من الشكوك الغير المنصوصة كما ادّعاه القائل.

* * *

١٠٣

المسألة السابعة

قال رحمه‌الله : (إذا تذكر في أثناء العصر أنّه ترك من الظهر ركعة قطعها ...).

أقول : إذا تحقّق شيء من المنافيات المطلقة عمدا وسهوا بين الصلاتين ، فلا إشكال في بطلان الظهر ، وعلى المصلّي العدول بما في يده إلى الظهر ثمّ الإتيان بالعصر.

ومع عدم تحقّق شيء منها بينهما :

فربما يقال أيضا : إنّه تبطل الظهر ، ويتعيّن عليه العدول بما في يده إلى الظهر ، ثمّ الإتيان بالعصر ، وذلك من جهة كون ما صلّاها بنيّة العصر واقعة في أثناء الظهر ، وماحية لصورة الصلاة المبطلة لها ، ولو كان سهوا وموجبة لزيادة الأركان التي تبطل زيادتها ولو سهوا.

ولكن يجاب عن ذلك : بأنّ دعوى كون مثل الصلاة الواقعة في أثناء الصلاة ماحية لصورة الصلاة ، بحيث لا يصدق على المأتى بها صلاحيّتها ممنوعة جدّا ، وأنّ الظاهر من أدلّة إبطال الزيادة في فرض الله ـ فيما كانت عمديّة في غير الأركان ، ومطلقا في الأركان ـ إنّما هو أن يأتي بجزء من الأجزاء المعتبرة في صلاة بأكثر من المقدار والمعتبر فيها ، بقصد أنّه جزء منها ، ولا بدّ من إتيانه في أثنائها ، ففي مثل المقام لا يتحقّق منه الزيادة في شيء من الفريضتين ، لا في العصر وهو واضح ، ولا في الظهر ؛ لأنّه ما أتى بما أتى به في أثنائها من الأجزاء الواقعة بنيّة العصر بقصد أن تكون أجزاء للظهر ، وإنّما أتى بها بقصد أن تكون أجزاء للعصر ، بظنّ أنّه مكلّف

١٠٤

فعلا بامتثال أمر العصر.

نعم ، قد نحكم بالبطلان بناء على اعتبار الموالاة ، والاتّصال العرفي بين أجزاء الصلاة ـ بمعنى عدم جواز وقوع ما يتخلّل بين أجزائها أمر أجنبيّ عن امتثال أمر تلك الصلاة ، ولو كان ذلك الأجنبي هي الصلاة أو القراءة أو الدّعاء ، مع فرض الإتيان بها في حدّ نفسها امتثالا لأمر إيجابي أو ندبي آخر ، فضلا عمّا إذا كان الأجنبيّ غير الصلاة والقراءة والدّعاء ، سواء كان في نفسه مأمورا به بأمر آخر إيجابي أو ندبي أم لا ، من غير فرق بين ما كان ذلك الأجنبيّ قليلا أو كثيرا ، أو في خصوص ما إذا كان كثيرا وطويلا لا يتسامح به في قطع أجزاء الصلاة ، دون القليل الذي يتسامح به ، ويفرض وجوده كالعدم ـ وذلك لعدم تحقّق الاتّصال والموالاة بين الركعات السابقة من الظهر واللّاحقة منها.

ولكن الإشكال في أصل اعتبار هذا القيد في الصلاة ، مضافا إلى قاطعيّة كلّ ما يوجب محو صورة الصلاة من الأفعال الكثيرة الأجنبيّة المخالفة للأجزاء المعتبرة في الصلاة ، ومع الشكّ في اعتباره ، فالمرجع هى البراءة.

أقول : الأظهر اعتبار هذا القيد في الصلاة ، ويصحّ أن يعبّر عنه بانحفاظ الصورة الشخصيّة للصلاة ، التي لا ينافي زوالها مع بقاء صورة الصلاة عرفا ، ولذا لا ينبغي الإشكال في عدم جواز إدخال أجزاء صلاتيّة من صلاة في اخرى عمدا واختيارا.

ولكن ما يهوّن الأمر ، أنّ فوات هذا القيد في محلّ الكلام إنّما كان سهوا لنسيان الركعة ، وزعم أنّه قد أتمّ الظهر عمدا ، فلا يوجب البطلان ، لعدم مانع من أن

١٠٥

يشملها مثل قوله عليه‌السلام : (لا تعاد الصّلاة).

وبالجملة : فلو لم ندّع الجزم بعدم بطلان الظهر بوقوع ما وقع من الصلاة بنيّة العصر في أثنائها ، فلا أقلّ من الشكّ في صحّتها وبطلانها ، ومع احتمال بقاء صحّتها وكونه مكلّفا فعلا بإتمامها ، فلا محالة يحتاج رفع اليد عنها ، والعدول بمجموع ما في يده من العصر إلى مجموع الظهر ، وتبديل ما به الامتثال لأمر الظهر عن الفرد الأوّل إلى الفرد الآخر إلى دليل شرعي يجوّز ذلك ، هذا.

وربّما يقال في المسألة : بإبقاء صحّة الظهر ، وعدم فسادها بوقوع ما وقع بنيّة العصر في أثنائها جزما بالتقريب المتقدّم ، ولكن حيث إنّه لا وجه للعدول بالمجموع إلى المجموع ، وإنّما هو مكلّف بإتمامها ، فلا بدّ له من إتمامها بركعة ولكن لا يحتاج إلى الإتيان بالركعة ، بل له العدول بما صلّى من العصر إلى تتمّة الظهر ؛ بمعنى جعل الركعة التي صلّاها بنيّة العصر تتمّة للظهر ، ثمّ التشهّد والتسليم واستيناف صلاة العصر.

نعم ، يشترط ذلك بعدم تجاوز محلّ العدول ، بأن لم يكن داخلا في ركوع الركعة الثانية من العصر ، فيما كان المنسيّ من الظهر ركعة ، أو في ركوع الثالثة منها فيما كان المنسيّ ركعتين ، وهكذا ، وإلّا فمع تجاوز محلّ العدول تبتني المسألة على ما تقدّم عن الخلاف.

والإشكال : في أنّه في موارد تجاوز محلّ العدول ، مع فرض التذكّر في الأثناء ، هل الحكم هو صحّة ما بيده ووجوب إتمامه بنيّة اللّاحقة أو بطلانه ، ولزوم استينافه بلا إتيان بالسابقة؟

١٠٦

فعلى الأوّل : يتعيّن عليه إتمام ما بيده عصرا ، ثمّ الحاق ركعة تتميما للظهر والتشهّد والتسليم.

وعلى الثاني : يتعيّن عليه في المقام رفع اليد عن العصر ، وإتمام ما نسي منه والتشهّد والتسليم واستيناف العصر.

ممنوع ، لأنّه يرد عليه : أوّلا : أنّ هذا يبتني على الجزم ببقاء صحّة الظهر في مثل الفرض بالتقريب المتقدّم ـ وهو لا يخلو عن الإشكال كما عرفت.

ومع الشكّ في الصحّة والفساد في المعدول إليه ؛ كالشكّ في ذلك في العدول عنه ، لا وجه للعدول ما لم يعالج ذلك الشكّ بوجه مصحّح من الاصول والقواعد ، وليس منها شيء في المقام عدا استصحاب الصحّة ، وفيه من المناقشات ما قد أوضحت في محلّه.

وثانيا : أنّه على فرض التسليم ، فلا وجه لما ذكر من العدول في الركعة المتمّمة :

وذلك أمّا أوّلا : فلأنّ العدول على خلاف الأصل ، ولا بدّ أن يكتفى فيه بما ورد فيه الدليل ، ولم ترد أدلّة إلّا في موارد نسيان السابقة رأسا بحيث يكون العدول بالمجموع إلى المجموع ، ولا دلالة فيها بوجه على جواز العدول فيما كان المنسي بعض السّابقة ، بحيث يكون العدول ببعض اللّاحقة إلى بعض السّابقة.

وتنقيح المناط قياس لا نقول به.

وأمّا ثانيا : فلأنّه على تقدير تسليم شمول أدلّة العدول لمثل الفرض ، فلا

١٠٧

خفاء في تجاوز محل العدول فيما نحن فيه ، إذ العدول مستلزم لإبطال السّابقة ، حيث إنّ المفروض زيادة تكبيرة الإحرام في تلك الركعة المعدول بها ، وتلك الزيادة السهوية ـ حتّى في الرّكن أيضا ـ وإن لم تكن مبطلة لصلاة الظهر ولا العصر على ما تقدّم ، إلّا أنّه بالعدول تصبح زيادة في فرض الله وهي الظهر ، ومع تجاوز محلّ العدول يبتني حكم المسألة على ما تقدّم من الخلاف في صحّة ما بيده وبطلانه ، هذا.

نعم ، قد حكى بعض الأجلّة أنّ مثل هذا العدول قد وردت به رواية شاذّة ، ونحن إلى الآن لم نظفر بالرواية ، فلا ندري ما ذا أراد من الشذوذ فيها ، ويتوقّف الأمر على ملاحظة الرواية المذكورة.

وربما يقال في المسألة : بأنّه يتعيّن عليه إتمام ما بيده عصرا ، ثمّ إتمام الظهر بإضافة الركعة المنسيّة إليها بعد الفراغ عن العصر ؛ نظرا إلى أنّ الظهر باقية على صحّتها جزما بالتقريب المتقدّم ، وحيث إنّه لا محلّ فيه للعدول بالمجموع إلى المجموع ، للجزم بصحّة السابقة ، ولا للعدول ببعض اللّاحقة إلى بعض السابقة ، لما مرّ أيضا فيه ، فيبتني الحكم على الخلاف في صحّة اللّاحقة وفسادها ، فيما فرض التذكّر في الأثناء ، مع عدم إمكان العدول ، لاستلزامه بطلان المعدول إليه.

فعلى القول بالصحّة في مثله ، ووجوب الإتمام ، وتدارك السابقة بعد الفراغ ، مثل ما إذا كان التذكّر بعد الفراغ ، لا بدّ في المقام من أن يتمّ العصر ، ثمّ يأتي بالركعة المنسيّة من الظهر ، والمفروض اعتقاد الترتيب بين الفريضتين في مثله ، فلا مانع من جهة تأخير بعض صلاة الظهر عن مجموع صلاة العصر.

١٠٨

وهذا الوجه قد احتمله الاستاذ العلّامة قدس‌سره في حاشيته على المقام.

فإنّه يقال : مضافا إلى ما تقدّم من منع كون الحكم في موارد عدم إمكان العدول مع التذكير في الأثناء ، هو الصحّة والإتمام ، بل الحكم هو البطلان ، ووجوب الإتيان بالسابقة ، ثمّ استيناف اللّاحقة على ما مرّ توضيحه.

أنّ مجرّد بقاء صحّة الظهر بإلحاق الركعة المنسيّة بها بعد إتمام العصر ، على القول باعتبار الموالاة والاتّصال العرفي بين أجزاء الصلاة ، فإنّ ما فات منه بسبب تخلّل ما تقدّم من العصر ، وإن كان مغتفرا بمثل

(حديث لا تعاد) حيث إنّه إنّما فات سهوا لا عمدا ، ولكنّ تفويته فيما بعد التذكّر بإيقاع ما بقي من العصر ، بين ما تقدّم من الظهر وما بقي منها ، تفويت للموالاة عمدا واختيارا ، فلا وجه لاغتفاره.

نعم ، لا مانع من ذلك على المبنى ، بناء على عدم اعتبار الموالاة في الصلاة أزيد من اعتبار عدم تخلّل ما يستلزم محو الصورة ـ أي الصورة الصّلاتية ـ وإن فرض محو الصورة الشخصيّة للصلاة عرفا ، وقد عرفت أنّ الأظهر اعتبار هذا القيد في الصّلاة.

وربما يقال : ببطلان ما بيده من المترتّبين ، لعدم الأمر بها قبل إتمام السابقة.

فإنّه يقال : إنّ هذه الدعوى ممنوعة ، لما أوضحناه في محلّه من فعليّة الأمرين بدخول الوقت ، غاية الأمر اعتبار الترتيب في حال التذكّر فقط ، وما فات من الترتيب بالنظر إلى ما أتى به من أجزاء ما بيده قد فات سهوا.

وبالجملة : فلا وجه للحكم ببطلان كلتا الصّلاتين ، وببطلان الاولى دون الثانية ، ولا ببطلان الثانية دون الاولى ، من غير فرق في ذلك بين الفريضتين

١٠٩

والنافلتين ، والفريضة والنافلة ، ولا بين المترتبتين وبين غيرهما.

كما لا سبيل أيضا إلى تصحيح كلتا الصّلاتين معا ، بإتمام إحداهما ثمّ إتمام الاخرى ، لوضوح الحاجة في كلّ منهما إلى التسليمة المستفادة من الأخبار كونها كلاما آدميّا قاطعا للصّلاة ، حتّى ولو لم تكن واقعة بقصد الجزئيّة للصّلاة التي وقعت في أثنائها ، فإتمام كلّ منها يوجب إبطال الاخرى عمدا.

مضافا إلى كون تفويت الموالاة بالنظر إلى أجزاء ماهيّتها ثانيا يعدّ تفويتا عمدا ، غير جائز في المترتبين.

مضافا إلى ذلك كلّه ، لا يجوز إتمام ما بيده أوّلا ثمّ إتمام الاولى ، لكونه تفويتا للترتّب المعتبر بالنظر إلى الأجزاء عمدا ، وفي حال التذكّر ، ولا مجوّز له.

وعليه ، فلا مانع من التخيير في غير المترتّبين ، وفيها يتعيّن إتمام الاولى أوّلا ، ثمّ يحتاط بإتمام الثانية أيضا بعد إتمام الاولى ، ويحتاط أخيرا بإعادة الصلاتين.

أقول : ولكنّ الاحتياط بإتمام الثانية بعد إتمام الاولى ، ضعيف في الغاية ؛ لكون احتمال بقاء صحّتها مع إتمام الاولى الموجب لوجوب إتمامها وحرمته قطعها ، ضعيفا في الغاية.

* * *

١١٠

المسألة الثامنة

قال رحمه‌الله : (إذا صلّى صلاتين ثمّ علم نقصان ركعة أو ركعتين ...).

أقول : مفروض المسألة ما إذا فرض الفراغ بالتسليم عن كلتا الصلاتين ، فلا يخلو :

إمّا أن يفرض تحقّق ما ينافي الصلاة عمدا وسهوا بعد الفراغ عن كلّ من الصلاتين.

أو بعد الفراغ عن الثانية فقط دون الاولى.

أو بعد الفراغ عن الاولى فقط دون الثانية.

أو يفرض عدم تحقّق شيء منها لا بعد الاولى ولا بعد الثاني.

فعلى الأوّل : يعدّ المصلّي قد تجاوز محلّ تدارك الركعة الفائتة حسب ما دلّت عليه النصوص ، سواء كانت فائتة من الاولى أو الثانية ، فقد حصل العلم الإجمالي ببطلان إحدى الصلاتين ، وقاعدة التجاوز والفراغ في كلّ منهما يعارض معهما في الاخرى ، فيتساقطان ويتنجّز العلم :

فإن كانتا متجانستين يأتى بواحدة مردّدة بقصد ما في الذمّة.

وإن كانتا متخالفتين ، فيعيدهما.

أمّا في الفرض الثاني : فالحكم كذلك بعينه على ما هو واضح.

وعلى الثالث : فقد فات محلّ تدارك الركعة ، وبطلت الصلاة على تقدير الفوات من الأوّل ، وبقي محلّه ، والصّلاة حينئذ صحيحة ، ويجب إتمامها بتدارك

١١١

الركعة وإعادة ما يترتّب عليها من التشهّد والتسليم مع سجدتي السهو ، لما سبق منه من التشهّد والتسليم على تقدير الفوات من الثانية ، وبعد تساقط القاعدة في الطرفين لا محالة يتنجّز العلم ، فيجب عليه إضافة ركعة إلى الثانية فعلا ، مع إعادة ما يترتّب عليه من التشهّد والتسليم مع سجدة السهو ، لما يحتمل زيادته في الثانية من التشهّد والتسليم مع إعادة الصلاة الاولى.

ولكن ذلك بناء على تجاوز محلّ العدول في المترتّبين ، كالظهرين والعشاءين ، ومطلق الفوائت بناء على لزوم الترتيب بينها بالتسليم والفراغ عن الصّلاة كما هو المشهور ، بناء على اختصاص ذلك بالمتخالفتين.

وإمّا في المتماثلتين : فما نواه لا حقا قد وقعت سابقا قهرا ، وبلا حاجة إلى العدول ، أو بجعلها السابقة بالعدول بالنيّة ، كما دلّت عليه صحيحة زرارة والحلبي و «الفقه الرضوي» ، وهو ما أفتى به المصنّف في المتن ، فلا بدّ في هذا الفرض ـ في المسألة المبحوث عنها ، فيما كانت الصلاتين مترتّبتين متجانستين ـ من أن يقال :

إنّه غير متيقّن ببراءة ذمّته عن الاشتغال بالسابقة ، فعليه العدول بما في يده إلى السابقة ، وإضافة ركعة إليها في المحلّ ، مع سجدتي السهو ، لاحتمال زيادة التشهّد والتسليم ، ثمّ إعادة الصلاة الثانية.

ومورد تلك النصوص وإن كان هو تذكّر ترك أصل السابقة يقينا ، بعد الفراغ عن الثانية بالتسليم ، مع احتمال كونه بعد في أثنائها ، لوقوع التسليم في غير محلّه ، إلّا أنّه لا وجه لاختصاص الحكم به ، بعد ظهور مجموع أخبار العدول ، في أنّه طريق إلى تحصيل الترتيب ما لم يتجاوز محلّه ، والتجاوز عن المحلّ إنّما يكون

١١٢

باستلزام العدول إبطال المعدول إليه.

وعليه ، فالأحوط في هذا الفرض ، أن يعدل بنيّته من الثانية إلى الاولى ، ثمّ يأتي بركعة متّصلة بقصد ما في الذمّة ، من غير تعيين أنّها متمّمة للاولى أو الثانية ، لعدم الجزم بصحّة العدول ، ولا بعدم صحّته في مثله ، ثمّ يعيد واحدة مردّدة بين الاولى والثانية بقصد ما في الذمّة.

وعلى الرابع : فبناء على ما تقدّم تقريبه في المسألة السّابقة ، من عدم عروض البطلان على الصلاة السابقة من ناحية الصلاة المصحّحة في أثنائها سهوا ، فلم يتجاوز محلّ التدارك للركعة ، سواء كانت فائتة من الاولى أو الثانية ، فعليه أن يضيف ركعة بقصد ما في الذمّة ، بلا تعيين أنّه متمّمة للاولى أو الثانية ، مع سجدتي سهو لتسليم زائد قطعا ، إمّا في الاولى أو الثانية :

وعليه ، فإن كانت الركعة قد فاتت من الاولى ، فقد حصل تداركها في محلّها ، أي قبل أن يتحقّق ما يبطل الصلاة مطلقا ، وقد وقع التدارك في خارج الصلاة الثانية ، وهي تامّة في الواقع.

وإن كانت قد فاتت من الثانية ، فالاولى تامّة ، وقد حصل تدارك الفائتة في محلّها.

وعلى كلّ تقدير ، فقد تحقّق منه تسليم واحد في غير محلّه ، فلا بدّ له من سجدتي السهو.

هذا بناء على الجزم بالصحّة في موارد الشكّ السهوي.

وأمّا بناء على الشكّ في الصحّة والبطلان : فالأحوط في المقام ، هو ما ذكر مع

١١٣

إعادة الاولى فقط. ولا فرق فيما ذكر :

بين أن يكون تذكّر نقص الركعة ، نقص من إحدى الصلاتين بعد فرض الفراغ بالتسليم عن كلتيهما ، مع بقاء وقت كلتيهما.

أو مع خروج وقتيهما ، أو مع خروج وقت الاولى دون الثانية.

وتوهّم : أنّه في الفرض الأخير تتعارض قاعدة الفراغ فيهما وتتساقطان ، وتبقى قاعدة الشكّ بعد الوقت في الاولى بلا معارض ، فيحكم بصحّة الاولى ، ويعامل في الثانية معاملة نسيان الركعة ، فتضمّ إليها ركعة ، مع عدم الإتيان بالمنافي ، وتعاد مع الإتيان به بناء على اختصاص التعارض والتساقط في الاصول الجارية في أطراف العلم الإجمالي ، بما إذا اتّحدت الاصول الجارية فيها من حيث السنخ وسواء اتّحدت بالنوع :

كأن تكون الجاري فيها جميعها هي قاعدة الفراغ أو التجاوز فقط.

أو قاعدة الشكّ بعد الوقت فقط.

أو قاعدة الفراغ وقاعدة الشكّ بعد الوقت معا في جميعها.

أو قاعدة الفراغ في بعضها ، وقاعدة الشكّ بعد الوقت في بعضها الآخر.

وأمّا إذا اختلفت من حيث العدد : كأن تكون الجاري في بعضها أصل واحد ، والجاري في الآخر أصلان من نوعين ، فلا بدّ فيه من تعارض أحد الأصلين من الثاني ، مع ما هو من سنخه من الأوّل ، وتساقطها مع بقاء الأصل الآخر في الثاني بلا معارض.

ممنوع : ولا يمكن المساعدة معه بمقتضى القواعد العلميّة ، ما لم يكن

١١٤

حكومة أو ورود بين الأصلين المقدّرين الجاريين في بعض الأطراف ، بحيث لا يكون أحدهما مجتمعا مع الآخر في الجريان الفعلي ، وإلّا فمع وحدة المرتبة ـ سواء كانت الاصول من سنخ واحد كالاستصحاب مثلا ، أو من سنخين كقاعدة الفراغ وقاعدة الشكّ بعد الوقت ـ فلا محيص عن تعارض جمع الاصول الجارية في بعض الأطراف ، بلغت ما بلغت من حيث العدد ، مع الأصل الواحد الجاري في الآخر ، وتساقطها على ما أوضحناه في مباحث العلم الإجمالي.

هذا كلّه فيما فرض تذكّر نقض الركعة فيما بعد الفراغ عن الصلاتين.

وأمّا فيما فرض التذكّر بعد فرض الفراغ عن الاولى بالتسليم ، وقبل التسليم في الثانية :

فإن كان ذلك مع تحقّق شيء من المنافيات المطلقة بين الصلاتين ، فهو عالم بالإجمال بأحد الأمرين :

من بطلان الصّلاة الاولى وكونه مكلّفا بإعادتها.

ومن كونه مكلّفا فعلا بإضافة ركعة متّصلة إلى ما بيده ، وإتمامه بالتسليم.

ولكن حيث أنّ شكّه في الصحّة والفساد بالنسبة إلى الاولى ، شكّ بعد الفراغ عنها ، فهو مجرى لقاعدة الفراغ ، وشكّه فيما بيده شكّ فيما بين الثلاث والأربع ، وهو محكوم بالبناء على الأكثر والاحتياط بالركعة.

وهذه القاعدة كما ترى قاعدة منجّزة لا مرخصة محضة ، فهي على وفق العلم الإجمالي تنجّز الإتيان بالركعة على تقدير فواتها ممّا بيده ، غاية الأمر بتقييد أن يكون الإتيان بها بعد التشهّد والتسليم والخروج عن الصّلاة ، ومع النيّة والتكبير

١١٥

فيما يأتي به من الركعة ، وليس مفاد القاعدة هو البناء على الأكثر فقط حتّى تكون معارضة مع قاعدة الفراغ في الاولى.

وبالجملة : لا محيص عن انحلال العلم الإجمالي المفروض في المقام بقاعدة مرخّصة في أحد طرفي العلم ، وقاعدة منجّزة في الطرف الآخر ، فيحكم بصحّة الاولى ، وعدم وجوب إعادتها ، وصحّة الثانية ووجوب إتمامها ، والاحتياط بركعة في الخارج عنها.

ولو أبى عن ذلك آب ، وزعم الأصلين مرخّصين ، فلا محيص عن تعارضهما وتساقطهما ، فلا محيص عن تنجيز العلم بلزوم إعادة الاولى ـ كما هو مقتضى قاعدة الاشتغال أيضا ـ وصحّة الثانية ، ولزوم إتمامها بإضافة الركعة ، ثمّ التشهّد والتسليم ، فيكون المحصّل هو الشكّ في فراغ الذّمة عن الاولى ، مع القطع بصحّة ما بيده ، وكونه في أثنائها ، ومكلّفا بإتمامها ، فهو محلّ للعدول من اللّاحقة إلى السّابقة من دون إشكال ، فيعدل بما في يده إلى السابقة ، ويضيف الركعة ، ويتشهّد ويسلّم من دون حاجة إلى سجدة سهو أصلا ، ثمّ يستأنف الثانية.

وإن كان ذلك مع عدم تحقّق شيء من المنافيات بين الصّلاتين ، فالحكم هو ما مرّ من انحلال العلم الإجمالي بوجوب إضافة ركعة ، إمّا إلى الاولى أو الثانية ، بقاعدة الفراغ الجارية في الاولى ، وقاعدة الاحتياط ـ أعني قاعدة البناء على الأكثر ـ والاحتياط بالركعة في الثانية ، فيحكم بصحّة الاولى ، ويبني في الثانية على الأربع ويتمّ الصّلاة ويحتاط بركعة.

ولو أبى عن ذلك آب ، وزعم التعارض والتساقط ، فلا بدّ من تنجيز العلم ،

١١٦

ولزوم الاحتياط.

فربما يقال : إنّ على المصلّي في هذا الفرض إضافة ركعة إلى ما بيده ، بقصد ما في الذمّة ، من دون تعيين أنّها متمّمة للسابقة أو اللّاحقة ، ثمّ التشهّد والتسليم ، برجاء أن تكون ما أضافها متمّمة للسابقة ، وكانت قد فاتت منها الركعة ووقع التشهّد والتسليم منه فيها زائدا في غير محلّه ، ثم التشهّد والتسليم بنيّة إتمام ما بيده ، إذ هو لازم على كلّ تقدير ، فيقطع بصحّة كلتا الصّلاتين ، وبراءة الذمّة عن الاشتغال بها ، غاية الأمر أنّه يحتاط من غير لزوم سجدتي سهو ، لاحتمال زيادة التشهّد والتسليم في الاولى.

وكيف كان ، فليس هذا الفرض مثل الفرض السابق ، حتّى يحكم بالعدول بما بيده إلى السابقة ، وذلك لوضوح أنّ العدول من اللّاحقة إلى السابقة ، إنّما يكون فيما يقطع بفساد الاولى ، أو يشكّ في صحّتها وفسادها ، ولكن مع عدم ما يقتضي الحكم بصحّتها فعلا ، ووجوب إتمامها باعتبار جريان قاعدة الاشتغال حينئذ ، الحاكم بلزوم دفع الضرر المحتمل ، ولزوم تفريغ الذّمة كما في الفرض الأوّل ، حيث لم يكن هناك احتمال صحّة السّابقة فعلا ، بمعنى كون المكلّف لا زال في أثنائها ، ومحكوما بإتمامها ، لاغتفار ما اقتحمه من الصلاة الثانية في أثنائها ، بخلاف هذا الفرض حيث أنّ المفروض عدم تحقّق المنافي بعد تسليم الاولى ، فالصّلاة الاولى :

إمّا صحيحة فعلا ، ومحكوما بإتمامها جزما.

أو ممّا يحتمل فيه ذلك ، ولا يقطع بفساده.

١١٧

فلا معنى للعدول ومعاملة الشكّ في الظهر بين الثلاث والأربع ، بل لا بدّ من الحكم بتنجيز العلم الإجمالي في هذه الصورة ، كما يجب عليه إضافة ركعة إلى السابقة أو إلى اللّاحقة ، هذا بالنظر إلى السّابقة.

وأمّا بالنظر إلى اللّاحقة ، فلا ينبغي الإشكال في صحّتها فعلا ، حتّى بناء على احتمال كون اقتحامها في أثناء السابقة سهوا مضادّا للسابقة ، أو لا وجه لفساد ما اقتحمه إلّا من جهة كونه سببا لقطع الاولى ، وكان مأمورا بإتمامها ، فكان الأمر به مقتضيا للنهي عن ضدّه ، أو عدم الأمر به ، والاقتضاء للنهي ممنوع كما بيّن في محلّه ، واقتضاء عدم الأمر مسلّم ، كما هو لازم تزاحم التكليفين ، وتقديم أحدهما كما هو المفروض في المقام ، حيث إنّ أمر السابقة هو المقدّم بملاحظة الترتيب ، إلّا أنّه فيما إذا فرض تنجيز أمر السابقة ، والمفروض أنّ اقتحامه للثانية في أثناء الاولى على تقدير تحقّقه ، إنّما كان سهوا ، ونسيان الركعة من الاولى لا عمدا واختيارا.

وبالجملة : بناء على صحّة الصلاة السابقة واللّاحقة فعلا ، وعدم عروض البطلان عليهما من ناحية الاقتحام ، فلا محيص بعد تساقط قاعدة الفراغ والبناء على الأكثر عن الاحتياط ، بإتمام كلتا الصلاتين فعلا ، بإتمام الاولى أوّلا ، ثمّ إتمام الثانية بعدها مراعاة للترتيب فيما بقي من الأجزاء ، بعد اغتفاره فيما مضى ، ولكن لا يحتاج إلى تكرار الركعة ، بل لو أتى بركعة بقصد ما في الذّمة ، ثمّ التشهّد والتسليم بنيّة احتمال تتميم الاولى ، ثمّ التشهّد والتسليم بنيّة تتميم الثانية ليحصل القطع بتدارك ما فات من الركعة كان كافيا.

١١٨

وفيه : إلّا أنّه يرد عليه أنّها تسليمة وقعت بقصد تتميم الاولى ومثلها تعدّ قاطعة ومبطلة للصّلاة الثانية ، فلا يصحّ تجويزها.

كما أنّ اقتحام الركعة باحتمال تتميم الاولى ، تفويت عمدي للموالاة المعتبرة بين أجزاء الثانية.

وعليه ، فالأحوط مع الإتمام بالنحو المذكور ، هو إعادة الصّلاتين.

وعلى كلّ حال ، فمن الغريب جدّا التزام بعض الأجلّة بوجوب إتمام الثانية بركعة متّصلة ، للعلم بوجوبها على كلّ حال ، إمّا لعدم الإتيان بها ، أو الإتيان بها على خلاف الترتيب لعدم تماميّة الصّلاة الاولى ، في حين أنّه لا بدّ من أن يبنى بوجوب الركعة في السابقة بمقتضى قاعدة الفراغ ، فعليك بالتأمّل.

أقول : وممّا ذكرنا يتبيّن الحكم فيما إذا كان التذكّر بعد السلام في الصّلاة الثانية ، وقبل التسليم في الصلاة الاولى ، وأنّه مع تحقّق المنافي بعد الثانية لا محالة يحصل العلم ببطلان إحدى الصلاتين ، فيجب الإتيان بواحدة بقصد ما في الذّمة في المتماثلتين ، وإعادة الصلاتين مع المخالفة.

ومع عدم تحقّق المنافي ، لا محالة يحصل العلم الإجمالي بوجوب إتيان ركعة فعلا : إمّا لتتميم الاولى أو لتتميم الثانية ، ولكنّه ينحلّ بقاعدة الفراغ الجارية في الثانية ، وبقاعدة البناء على الأكثر الجارية في الاولى ، فيجب عليه البناء على الأكثر في الاولى ، والتشهّد والتسليم ، ويحتاط بركعة منفصلة.

ولو أبى عن ذلك آب ، وزعم تعارض القاعدتين وتساقطهما ، فلا محيص عن تنجيز العلم الإجمالي المفروض ، وإتيان ركعة متّصلة بقصد ما في ذمّته من

١١٩

تتميم الاولى أو الثانية ، ثمّ التسليم بنيّة الخروج من الصّلاة الاولى ، إذ هو لازم على كلّ حال ، ثمّ التسليم باحتمال أن تكون الركعة متمّمة للثانية ، وقد وقع التسليم أو التشهّد والتسليم فيها في عين محلّه.

ولكن الأحوط مع ذلك هو استيناف الصلاتين على ما عرفت.

* * *

١٢٠