رسالة في فروع العلم الإجمالي

آية الله الشيخ باقر الزنجاني

رسالة في فروع العلم الإجمالي

المؤلف:

آية الله الشيخ باقر الزنجاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: انتشارات دار التفسير
المطبعة: وفا
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-535-198-2
الصفحات: ٤٤٠

المغرب قبل هذا ، وإنّما نوى المغرب فيما بيده وهي ثالثة المغرب ، حيث إنّه لا ينبغي أن يشكّ في أنّه لو أتمّ ما بيده برجاء المغربيّة ، لحصلت منه مغرب ذات ثلاث قطعا ، ولا يحتاج إلى الإتيان بالعشاء فقط.

وكما فيما إذا فاتت منه المغرب والعشاء ، فبناء على عدم لزوم الترتيب في القضاء إذا صلّى صلاتين قضاء ، ثمّ رأى نفسه في التشهّد ، وشكّ في أنّ ما بيده رابعة العشاء وقد صلّى المغرب قبلها ثلاثا ، أو أنّ ما بيده ثالثة المغرب ، وقد صلّى العشاء أربعة قبلها على خلاف الترتيب؟ حيث إنّه لا ينبغي أن يستشكل في أنّه يبني على أنّه لو أتمّ ما بيده بداعي ما في الذمّة لحصل القطع بإتيان مغرب ذات ثلاثة ، وعشاء ذات أربعة ، مردّدا في كلّ منها بين صحّة ما بيده ونقصانها.

* * *

٢٦١

المسألة الثلاثون

قال رحمه‌الله : (إذا علم أنّه صلّى الظهرين تسع ركعات لا يدري أنّه زاد ركعة في الظهر أو في العصر ، فإن كان بعد السلام ...).

أقول : الحكم في الفرض الأوّل واضح ، للعلم الإجمالي ببطلان إحدى الصلاتين بزيادة الركعة في الواقع ، ووجوب إعادتها وإجراء قاعدة الفراغ في كلتيهما ، موجب للمخالفة القطعيّة لهذا التكليف المعلوم بالإجمال ، فبعد تساقطها يجب الاحتياط بإعادتهما ، وحيث إنّهما متجانستين ، فيكفي الإتيان بأربع ركعات بقصد ما في ذمّته من الأمر في الواقع.

وأمّا الفرض الثاني : فلو فرض جريان قاعدة البناء على الأقل في الثانية في مفروض المسألة ، فلا محيص عن تعارضها مع قاعدة الفراغ الجارية في الاولى ، للقطع بمخالفة إحداهما للواقع ، وللزوم المخالفة القطعيّة للتكليف المعلوم بالإجمال في هذا الفرض ؛ أعني وجوب إعادة الثانية ، إن كانت الركعة زائدة فيها ، أو وجوب إعادة الاولى ولو بالعدول بما في يده إليها ، وإتمامها إن كانت الركعة زائدة فيها.

ولكنّ الحقّ : عدم جريان قاعدة البناء على الأقل ، وإتمام الصلاة مع سجدتي السهو فيما بيده في مفروض المسألة ، لا بعنوان أنّها عصر ، ولا بعد العدول بها إلى الظهر وبعنوان أنّها ظهر.

أمّا الأوّل : فلوضوح أنّه إن كانت الركعة زائدة في الواقع في الثانية ، فهي

٢٦٢

عصر باطلة ، يقطع بعدم التكليف بإتمامها في الواقع.

وإن كانت الركعة زائدة في الاولى ، فهى باطلة وهو مكلّف في الواقع بالعدول بما في يده إلى السابقة ، وإتمامها بعنوان الظهر ، لعدم جواز إتمام ما بيده قبل تفريغ ذمّته عن السابقة مع العلم والالتفات.

وبعبارة واضحة : لا يمكنه إتمام ما بيده عصرا ، للعلم بأنّها :

إمّا فاسدة لزيادة الركعة.

أو تفسد بعد ذلك بإتمامها عصرا ، لتفويت الترتيب عمدا.

فيقطع بأنّ الشارع لم يكلّفه بإتمامها عصرا ، مع البناء على الأقلّ والإتيان بسجدتي السهو ، فهو قاطع بأنّه لم يكلّف في الواقع بإتمام ما في يده بعنوان العصر ، كما هو لازم البناء على الأقلّ ، وإتمام الصلاة على ما هو مفاد القاعدة.

فأحد شطري القاعدة ـ وهو البناء على الأقلّ ، وإتمام الصلاة ـ قطعيّ المخالفة للواقع ، وإن كان شطره الآخر ـ أعني الإتيان بسجدتي السهو ـ لا مانع في التعبّد به ، لاحتمال الزيادة في العصر.

ولكن لا سبيل إلى التفكيك في مفاد هذه القواعد بين شطريها ، فعدم إمكان التعبّد بأحد شطريها موجب لعدم شمول دليل اعتبارها على المورد ، والقطع بعدم اعتبارها فيه ، وحينئذ فتبقى قاعدة الفراغ في الاولى سليمة عن المعارض.

أمّا الثاني : فلوضوح أنّ العدول في مثله لا محيص عن كونه تقديريّا مطلقا ، على فرض بطلان السابقة ، وحينئذ فمع العدول التقديري المعلّق بهذا النحو ، لا يخلو :

٢٦٣

إمّا أن تكون السابقة هي الباطلة ، فقد تحقّق العدول ، وصارت ما بيده ظهرا صحيحة لم تزد فيها ركعة قطعا ، وزيادتها في الاولى لا أثر لها ببطلان الصلاة معها في الواقع ، وإنّما تجب السجدة في الصلاة التي حكم بصحّتها ، مع فرض الزيادة أو احتمالها.

وإمّا أن تكون اللّاحقة هي الباطلة ، فلا أثر لزيادة الركعة فيها من حيث إيجاب سجدة السهو ، والسابقة صحيحة لم تزد فيها ركعة قطعا.

ومحصّل الكلام : أنّه يقطع بفساد إحدى الصلاة بزيادة الركعة فيها ، وهذه الزيادة القطعيّة في الصلاة الباطلة الواقعيّة ، لا توجب سجدتي السهو ، ويقطع بتحقّق ظهر صحيحة لم تزد فيها الركعة قطعا ، فيقطع بعدم الموجب لسجدتي السهو على كلّ حال ، فلا يمكن التعبّد بوجوبها ، ومع عدم إمكان التعبّد بوجوبها ، لا يمكن التعبّد بالقاعدة ، لما عرفت من عدم إمكان التفكيك في مفادها ، فلا ينبغي الإشكال في سقوط قاعدة البناء على الأقلّ في الثانية ، والبناء على الصحّة في الاولى ، بحكم قاعدة الفراغ.

وحيث لا يمكنه تصحيح ما بيده عصرا ، فمقتضى قاعدة الاشتغال إعادة العصر فقط ، ولا موجب للعدول بما بيده إلى الظهر.

نعم ، لا مانع من العدول ، بل هو الأولى والأحوط مراعاة لاحتمال صحّة ما بيده ، وحرمة قطعها في الواقع ، ولكن لا موجب للزوم هذا الاحتياط لا من ناحية الظهر ـ لوجود القاعدة المفرّغة ـ ولا من ناحية حرمة الإبطال لكونه شبهة مصداقيّة.

٢٦٤

وعلى كلّ حال ، فلو عدل فعليه إتمام ما بيده برجاء كونها عصرا صحيحة أوّلا ، وصارت ظهرا صحيحة ثانيا ؛ فيقطع بتحقّق ظهر صحيحة منه على كلّ حال ، ولا يحتاج إلى سجدتي السهو ولا يفرق في الحكم بهذا النحو بين أحوال الصلاة من كونه بعد إكمال السجدتين ، أو في أثنائهما ، أو قبلهما ، إذ هذه أجمعها محلّ للعدول من اللّاحقة إلى السابقة.

وتقييد المتن ذلك بما بعد إكمال السجدتين ، مع الالتزام بوجوب سجدتي السهو ، إنّما هو بزعمه رحمه‌الله جريان قاعدة البناء على الأقلّ في مفروض المسألة في الثانية ، على كلّ حال ، إمّا بعنوان العصر ، أو بعنوان الظهر بعد العدول إليها.

ولكن حيث إنّ جريانها فيها بعنوان العصر متعارض مع جريان قاعدة الفراغ في الظهر فتتساقطان.

أقول : ولكن لا مانع من العدول ، ومعه فيكون ما بيده ظهرا يشكّ في عدد ركعاتها بين الأربع والخمس ، فيبني على الأقلّ ، ويتمّ الظهر ، ويسجد سجدتي السهو.

ومن المعلوم أنّ هذا إنّما يستقيم فيما كان محلّا لجريان القاعدة بحسب أدلّتها ، وليس ذلك إلّا ما بعد إكمال السجدتين.

وأمّا في غير تلك الحال ، فهذا الشكّ :

إمّا باطل لا يمكن معه تصحيح الصلاة.

أو صحيح يحتاج إلى هدم القيام ؛ كما لو كان الشكّ في حال القيام ومعه يرجع الشكّ فيما بيده إلى الشكّ بين الثلاث والأربع ، فيرجع المسألة إلى المسألة السابقة.

* * *

٢٦٥

المسألة الحادية والثلاثون

قال رحمه‌الله : (إذا علم أنّه صلّى العشاءين ثمان ركعات ولا يدري أنّه زاد الركعة الزائدة في المغرب أو العشاء ...).

أقول : يجري فيها التقدّم في سابقتها حذوا بحذو ، فالحقّ جريان قاعدة الفراغ في المغرب سليمة عن المعارض ، وحيث لا يمكنه تصحيح ما بيده عشاء ، فعليه إعادتها بمقتضى قاعدة الاشتغال.

نعم ، الأبحاث المتقدّمة من الحكم بالعدول ، ساقطة في المقام ، إذ حال ما قبل السلام فيها كحال ما بعدها ، في أنّه لا محلّ للعدول ، لعدم تجانس الصلاتين ، الموجب لتجاوز محلّ العدول بمجرّد الورود في الركعة الرابعة أو بتحقّق الرّكن فيها.

* * *

٢٦٦

المسألة الثانية والثلاثون

قال رحمه‌الله : (لو أتى بالمغرب ، ثمّ نسى الإتيان بها ، بأن اعتقد عدم الإتيان ، أو شكّ فيه ، فأتى بها ثانيا ...).

أقول : الحقّ أنّه لا أثر للعلم بالزيادة المفروضة ، وإنّما المؤثر هو احتمال الزيادة في الاولى ، الموجبة لإعادتها ، وهو مشكوك بدوي تجري معه قاعدة الفراغ في الاولى سليمة عن المعارض.

وبعبارة أخرى : الصلاة الثانية في الواقع :

إمّا مغرب صحيح قد تحقّق به الامتثال ، ولا تجب إعادته.

وإمّا أربع ركعات باطلة لغو ، لا حاجة إليها ، فلا تجب إعادتها.

فلا يحتمل وجوب إعادة المغرب الثاني أبدا ، حتّى يكون مجرى لقاعدة الفراغ ، فيما كان حصول العلم المفروض فيما بعد السلام ، أو لقاعدة إبطال عروض الشكّ في المغرب.

فمع جريان قاعدة الفراغ في الاولى سليمة عن المعارض ، له أن يرفع اليد عمّا بيده ، لعدم الموجب لإتمامها ، وله أن يتمّه برجاء أن يصبح هو ما به الامتثال ، لوقوع خلل في الاولى في الواقع.

ولكن ذلك مبنيّ على ما مرّ من أنّ ما هو المبطل هو الشكّ العارض في عدد ركعات ما هو المغرب ، دون الشكّ في عدد الركعات الناشئ عن الشكّ في كون الصلاة مغربا به الامتثال ، أو لغوا باطلا قد نوى فيه المغربيّة بلا وجه ، وإلّا فلا يبقى

٢٦٧

محلّ لإتمام ما بيده برجاء أن يتحقّق به الامتثال ، لبطلانه بمجرّد عروض الشكّ المفروض.

* * *

٢٦٨

المسألة الثالثة والثلاثون

قال رحمه‌الله : (إذا شكّ في الركوع وهو قائم ، وجب عليه الإتيان به ، فلو نسى حتّى دخل في السجود ، فهل يجري عليه حكم الشك ...).

أقول : لا ينبغي الإشكال في أنّ ظواهر الأخبار الدالّة على عدم الاعتناء بالشكّ في الشيء بعد التجاوز عنه ، إناطة الحكم بحدوث الشكّ في الشيء بعد التجاوز عن محلّه ، وإرادة الأعمّ منه وممّا كان حدوثه قبل التجاوز ، ولكن صار من حيث البقاء بعد التجاوز ؛ أي استمرّ ذلك الشكّ الحادث قبل التجاوز إلى ما بعد التجاوز ، خلاف ظاهر تلك الأخبار ، ولو لا ذلك لما بقى مورد لقاعدة الشكّ في المحلّ ، الذي ورد التصريح بها في بعض تلك الأخبار ، وهي الظاهر المفهومي في جلّها.

والفرق بين الشكّ الصادق من حيث البقاء للدخول في الغير ، بترك مقتضى القاعدة متعمّدا ، وبين الشكّ المصادف له بترك الوظيفة نسيانا ؛ بإلحاق الثاني بموارد حدوث الشكّ بعد الدخول في الغير دون الأوّل ، ممّا لا سبيل إليه ، ولا يساعده المتفاهم العرفي في تلك الأخبار ، فكلّما شكّ فيه قبل الدخول في الغير ، فهو محكوم ظاهرا بوجوب تداركه ، فلو نسيه فلا يوجب نسيانه تبدّل ذلك الحكم الظاهري إلى حكم ظاهري مرخّص ، بل لا بدّ له ما لم يتحقّق منه الرّكن في الأفعال المترتّبة على المشكوك ، في أن يعود ويتدارك ما يشكّ فيه ، ثمّ يأتي ما يترتّب عليه ويكون ما أتى به في حال النسيان الوظيفة ، زيادات سهويّة موجبة لسجدتي السهو.

٢٦٩

ولازم ذلك في الفرض الأوّل ، وإن كان هو الرجوع وإتيان الركوع ثمّ السجدة ، ما لم يتحقّق منه وضع الجبهة على الداخل من السجدة الثانية ، وبطلان الصلاة ظاهرا ، ووجوب الإعادة فيما تحقّق منه ذلك ، إلّا أنّ المنصوص قد روى على البطلان بمجرّد الدخول في السجود ، فلا بدّ من الحكم بالبطلان ظاهرا في الفرض الأوّل ، بمجرّد الدخول في السجدة الاولى ، فضلا عن باقي الفروض.

أقول : ولا يخفى عليك أيضا أنّ القيام بعد الركوع ، وإن كان فعلا من أفعال الصلاة ، ومترتّب على الركوع ، وحاله كحال القيام للقراءة في ذلك ، وإن كان أمره مردّدا بين أن يكون متمّما للركوع أو ابتداء للسجود ، أو فعلا مستقلّا في ضمنه ، وإن قوّينا الأخير بحسب ما يستظهر من بعض الأدلّة ، إلّا أنّ النصوص قد دلّت على لزوم إتيان الغير المترتّب على السجود فيما يشكّ فيه القيام دون النهوض ، والفعل المترتّب على الركوع فيما يشكّ فيه السجود دون الهويّ والقيام.

والسرّ في عدم التعرّض للمورد ، باعتبار أنّه فعل مقدّمي لا فعلا واجبا مستقلّا من أفعال الصلاة ، كما هو الحال في النهوض.

والسرّ في عدم التعرّض للقيام واضح ، فإنّ له مصداقين :

أحدهما : مترتّب على الركوع بحسب نظم الصلاة.

والآخر : يترتّب عليه الركوع.

وإحراز كون القيام هو القيام المترتّب مع فرض الشكّ في تحقّق الركوع ، أمر غير معقول ، فأجرى الشارع عليه حكم القيام قبل الركوع ، وجعل السجود فعلا مترتّبا عليه. والله العالم.

* * *

٢٧٠

المسألة الرابعة والثلاثون

قال رحمه‌الله : (لو علم نسيان شيء قبل فوات محلّ المنسي ، ووجب عليه التدارك فنسي حتّى دخل في ركن بعده ...).

أقول : يعني لو تيقّن النسيان ، فوجب عليه التدارك بزعمه ، ثمّ زال يقينه بالتبدّل إلى الشكّ الساري ، بعد الدخول في الرّكن الذي بعده ، أو فعل آخر مترتّب على الشكّ فيه ، فلا ينبغي حينئذ توهّم الحكم الظاهري في موارد القطع بالنسيان والترك كما هو واضح ، بل الحكم الواقعي ـ وليس حكما واقعيا جديدا ـ إنّما هو عين الأمر الواقعي بالعمل المشتمل على الجزء المفروض بالترتيب المخصوص ، ولم يتصرّف الشارع إلّا باغتفار ما وقع في خلاف الترتيب ، والزيادات الواقعة في غير محلّها.

فتوهّم : أنّ وجوب تدارك المنسيّ ما لم يفت محلّه ، قد اخذ في موضوعه التذكّر ـ أي العلم والالتفات بالنسيان ـ ولا يكتفى فيه بمجرّد النسيان والترك الواقعي.

باطل جدّا : بل الموضوع لوجوب التدارك بمعنى بقاء الأمر الأوّل ، أمر عقلي هو عدم إتيان ما أمر به كما أمر به ، فمجرّد عدم إتيان الجزء في محلّه في الواقع ، موضوع لحكم العقل وكشفه بقاء الأمر الأوّل.

نعم ، حال هذا التكليف من حيث بقائه ، كحاله من حيث حدوثه ، في أنّه لا بدّ في تنجّزه من العلم والالتفات.

٢٧١

فإن قيل : بكون التذكّر مأخوذا في موضوع وجوب التدارك ، فهو منتف بالوجدان في محلّ الفرض فعلا ، لتبدّله إلى الشكّ ، فلا معنى لثبوت الحكم مع زوال الموضوع.

وإن قلنا : بكون الموضوع له هو مجرّد عدم الإتيان واقعا ، فمن الواضح أنّ الشبهة في محلّ الفرض مصداقيّة من هذه الجهة ، فلا يمكن الحكم بوجوب التدارك في الواقع ، مع الشكّ في الإتيان وعدمه ، فلا يبقى بالنظر إلى ما بيده إلّا الشكّ المتأخّر الموجود فعلا ، وهو مجرى لقاعدة التجاوز ، فيحكم بالصحّة ، وعدم وجوب إعادة الصلاة لو كان المشكوك فيه من الأركان ، وبعدم وجوب التدارك في الواقع مع الشكّ في الإتيان وعدمه ، فلا يبقى بالنظر إلى ما بيده إلّا الشكّ المتأخّر الموجود فعلا ، وهو مجرى لقاعدة التجاوز ، فيحكم بالصحّة وعدم وجوب إعادة الصلاة ، لو كان المشكوك فيه من الأركان ، وبعدم وجوب التدارك بعد الصلاة ، ولا سجدتي السهو في مثل السجدة الواحدة والتشهّد ، وبعدم وجوب سجدتي السهو لو كان المشكوك ممّا لا يوجب غيرها.

نعم ، هنا شبهة انصراف تلك الأخبار عن مثل هذه الشكوك المسبوقة باليقين بالفوات ، وهذا هو المنشأ لاحتياط الماتن قدس‌سره.

ولكنّه ضعيف جدّا : إذ لا منشأ للانصراف ، وليس حال الشكّ من حيث المسبوقيّة باليقين بالفوات ، إلّا كحال مسبوقيّته باليقين بالإتيان ، في أنّ كلّا منهما مشمول لإطلاق أخبار القاعدة.

* * *

٢٧٢

المسألة الخامسة والثلاثون

قال رحمه‌الله : (إذا اعتقد نقصان السجدة أو التشهّد ، ممّا يجب قضاءه أو ترك ما يوجب سجود السهو في أثناء الصلاة ، ثمّ تبدّل اعتقاده بالشكّ ...).

أقول : إذا كان ما اعتقد في أثناء الصلاة نقصانه ركنا فربما يفرض :

تارة : زوال الاعتقاد والتبدّل إلى الشكّ في أثناء الصّلاة ، قبل التجاوز عن المحلّ الشكّي ، فلا بدّ من الإتيان به ، وربما يكون بعد التجاوز عن المحلّ الذكري.

واخرى : يكون بعد التجاوز عن المحلّ الذكري أيضا.

وثالثة : ربما يكون بعد الصّلاة.

وهذه الثلاثة بأجمعها داخلة في محلّ الكلام في المسألة ، ولكنّها في الاولى والثانية متداخلة مع المسألة السابقة ، وكذلك إذا كان ما اعتقد نسيانه ، ممّا يجب تداركه بعد الصلاة مع سجدتي السهو ، أو ممّا تجب فيه سجدتا السهو فقط.

أقول : ولم يظهر لي دليل على وجه تقييد المسألة بخصوص ما إذا اعتقد ترك غير الرّكن ، ممّا يوجب التدارك مع سجدتي السهو أو سجدتي السّهو فقط ، كما أنّه لم يظهر لي دليل على وجه تعميم المسألة ، على فرض تبدّل القطع بالنسيان بالشكّ فيه في أثناء الصلاة ، الموجب للتكرار وتداخل المسألة مع سابقتها.

وعلى كلّ حال ، فالحكم في المسألة واضح ، قد تحرّر في سابقتها ، ولا منشأ للشبهة والتردّد إلّا الانصراف الذي عرفت أنّه لا منشأ له.

* * *

٢٧٣

المسألة السادسة والثلاثون

قال رحمه‌الله : (إذا تيقّن بعد السّلام قبل إتيان المنافي عمدا أو سهوا نقصان الصلاة وشكّ في أنّ الناقص ركعة أو ركعتان ، فالظاهر أنّه يجري ...).

أقول : لا ينبغي الإشكال في أنّ ظاهر أخبار الباب هو أنّ السلام الواقع مع نقص الركعة أو الركعتين زائد ، ويعدّ وجوده كالعدم ، وغير مخرج عن الصّلاة ، ولذا يكون وقوع شيء من المنافيات عمدا أو سهوا بعده ، وقبل تدارك الناقص ، موجبا لبطلان الصّلاة ، لكونها واقعة في أثنائهما ، ومع عدم وقوع شيء منها ، فهو بعد في أثناء الصلاة ، وحاله كحال من علم بزيادة السلام في الركعة الاولى ، ثمّ حصل له شيء من الشكوك في الركعات أو الأفعال ، في أنّه محلّ لجريان قاعدة البناء على الأكثر ، فإنّ ظاهر أدلتها في أنفسها أنّها إنّما تعتبر في ما كان الشكّ في الأثناء ، مضافا إلى دلالة أخبار قاعدة الفراغ بعدم الاعتناء بالشكّ بعد الفراغ عن الصلاة ، الذي من أوضح مصاديقه التسليم المخرج عن الصلاة ، فإنّ إطلاقها وشمولها للشكوك في الركعة أيضا تكون قرينة على أنّ قواعد البناء على الأكثر ، إنّما هى جارية فيما كان الشكّ في الأثناء.

وبالجملة : فإنّ ظواهر الأخبار الدالّة على أنّ مع العلم بنقص الركعة أو الركعتين بعد السلام ، لا بدّ من استينافها ـ إن كان قد وقع بشيء من المنافيات ـ وإضافة النقص ، ثمّ التشهّد والتسليم ، وسجدتي السهو للتسليم الزائد ، هو زيادة ذلك التسليم ، وكون وجوده كالعدم في جميع الآثار التي منها كونه ما به الفراغ عن

٢٧٤

الصلاة ، أو الخروج عنها الذي هو موضوع لقاعدة الفراغ ، ولا سبيل إلى التفكيك بحسب ظواهرها بين الآثار ، والالتزام بعدم مخرجيّة ذلك التسليم ، بالنظر إلى مبطليّة المنافيات ، أو إضافة النقص المعلوم ، والالتزام بعدم مخرجيّته بالنظر إلى باقى الآثار.

وعليه ، فالمتعيّن في المسألة البناء على الأكثر ، ثمّ الإتيان بالنقص المعلوم وإتمام الصلاة ، ثمّ الإتيان بصلاة الاحتياط.

كما أنّ المتعيّن فيما فرض ذلك القطع والشكّ في المغرب ، هو بطلان الصلاة ، ووجوب إعادتها ، وفرض ذلك في المغرب واضح ؛ إذ مناط الفرض هو القطع بعدم كون التسليم الصادر منه في محلّه ، وهو عقيب الرابعة في الرباعيّات ، وعقيب الثالثة في الثلاثيّات. ولكن مع الشكّ في أنّه عقيب الثانية أو الثالثة في الرباعيّات ، وعقيب الاولى أو الثانية في الثلاثيّة.

وأمّا فرضه في الصبح ، فلا مجال له ، إذ مع القطع بأنّ التسليم الواقع منه ليست في محلّه وهو عقيب الثانية ، فلا يبقى إلّا احتمال كونه عقيب الاولى ، ولا يعقل الشكّ والتردّد ، إلّا أن يراد من التردّد في ركعات الصبح ، مع العلم بنقص الركعة المتردّدة في أنّ التسليم المفروض هل هو واقع عقيب الاولى أو هو واقع قبل الركوع والسجود من الاولى.

* * *

٢٧٥

المسألة السابعة والثلاثون

قال رحمه‌الله : (لو تيقّن بعد السّلام قبل إتيان المنافي ، نقصان ركعة ثمّ شكّ في أنّه أتى بها أم لا ، ففي وجوب الإتيان ...).

أقول : قد اتّضح مدرك الحكم في هذه المسألة أيضا من البيان المتقدّم في سابقتها ، وأنّ السلام المفروض وقوعه زائد ، وغير مخرج عن الصلاة قطعا ، فالشكّ الحادث بعده ، لا تشمله أدلّة قاعدة الفراغ لو كنّا نحن وذلك التسليم ، بل هو في أثناء الصّلاة ، فلا بدّ أن يكون مشمولا لأدلّة البناء على الأكثر والاحتياط.

ودعوى : كون هذا الشكّ في الإتيان مسبوقا بالعلم بالفوات ، ووجوب التدارك ، فلا يجري فيه قاعدة البناء على الأكثر.

ممنوعة : إذ لا وجه لدعوى انصراف أدلّة القواعد عن مثل هذه الشكوك ، وهذه هي العلّة في عدم كون المسألة من مجاري قاعدة الفراغ.

أمّا ما أفاده في المتن : من أنّ ما هو مجرى للقاعدة ، إنّما هو الشكّ بعد السّلام في إتيان شيء وعدمه قبل السلام ، لا في إتيان شيء وعدمه بعده ، فمدفوع.

أقول : ولكنّ الإنصاف أنّ حكم المسألة لا يتّضح بهذا المقدار ، فينبغي البحث عنه.

والحقّ : أنّ للمسألة صور :

الصورة الاولى : فيما لو شكّ في أنّه هل أتى الركعة الناقصة بتمامها ؛ أي من صدرها إلى آخرها من التشهّد والتسليم ، أم لم يأت بشيء منها.

٢٧٦

والصورة الثانية : فرض قطعه بوقوع التشهّد والتسليم منه ، بعد العلم بالنقصان ، وبعد التشهّد والتسليم الواقع في غير محلّه ، مع الشكّ في أنّه هل أتى بالركعة وأتمّها بما صدر منه من التشهّد والتسليم أم أنّه نسيها وأتى بالتشهّد والتسليم فقط.

والصورة الثالثة : فرض قطعه بعدم تحقّق التسليم ، بعد العلم بالنقص ، ووجوب التدارك ، مع الشكّ في أنّه هل أتى بالركعة بركوعه وسجدته مثلا ، حتّى يتمّه بالتشهّد والتسليم ، أو لم يأت بها رأسا ، حتّى تجب عليه الإتيان بالركعة بتمامها.

فعلى الاولى : لا مجرى لقاعدة الفراغ ، للقطع بعدم مخرجية السلام الأوّل ، كما عرفت ـ لأنّ الشكّ في تحقّق السلام المخرج ، يوجب كون التمسّك بإطلاق أدلّتها تمسّكا بالإطلاق في الشبهة المصداقيّة ، كما لا مجال لجريان قاعدة البناء على الأكثر والاحتياط ، لوضوح عدم اعتبارها ، إلّا فيما كان الشكّ في أثناء العمل وقبل الفراغ عنه ، وذلك مشتبه في المفروض ، إذ السّلام الأوّل وإن كان غير مخرج جزما ، إلّا أنّ المخرج محتمل الوجود ، وعلى تقدير وجوده فالشكّ الحادث حادث بعد الفراغ عن الصلاة ، ومشمول لقاعدة الفراغ في الواقع.

وعليه ، فالتمسّك بإطلاق أدلّة القاعدة يعدّ تمسّكا بالإطلاق في الشبهة المصداقيّة ، فلا محيص عن كونه مجرى لأصالة عدم الإتيان ، لسقوط كلتا القاعدتين المتقدّمتين.

وهي وإن كانت لا تثبت رابعيّة ما يوجدها من الركعة حتّى الإتيان بالتسليم

٢٧٧

عقيبها ، إلّا أنّه لا يضرّ في التسليم المأتى به برجاء أن يكون محلّا له في الواقع ، فهو تسليم محتمل النفع ، ولا يضرّ في صلاته قطعا ، إذ لو يكن قد جاء بالركعة لعدّ التسليم تسليما في محلّه ، وإن كان قد أتى بها ، فهي ركعة وتسليمة زائدة في خارج الصلاة ، ولا تضرّان بالصلاة.

وعلى الثاني : أي فيما لو فرضنا كونه قاطعا بصدور التشهّد والتسليم منه ، بعد علمه بالنقصان.

فربما يقال : لا مانع من التمسّك بقاعدة الفراغ ، للقطع بالتسليم الذي هو بصورة الفراغ ، والخروج عن العمل ، مع احتمال كونه واقعا في محلّه ، ومخرجا عن الصلاة واقعا ، لأنّه واقع عقيب الرابعة ، غاية الأمر أنّه يشكّ في مخرجيّة ذلك التسليم ، للشكّ في نقص شيء قبله ، ولو كان ذلك مانعا من التمسّك بالقاعدة ، لما بقي لها مورد سليم من هذا الإشكال.

وبالجملة : فالمتعيّن على هذا التمسّك بقاعدة الفراغ ، والبناء على صحّة العمل الحاصل ، وأنّ ما علم بنقصه لو أتى بها على وجهها ، فحينئذ لا مجال لاستصحاب عدم الإتيان ، لتقدّم القاعدة عليه ، لكونها مجعولة في موارده ، كما لا مجال لجريان قاعدة البناء على الأكثر ، للقطع بحدوث الشكّ المفروض بعد السلام المحتمل مخرجيّته عن الصلاة ، وهذا يكفي في الحكم بكونه واقعا بعد الفراغ.

ولكن يرد عليه : أنّ التسليم المحتمل كونه واقعا في محلّه ، إنّما يكون مخرجا عن الصلاة على كلّ حال ـ أي سواء كان واقعا في الواقع في محلّه بالنظر

٢٧٨

إلى إتيان جميع ما يترتّب هو عليه ، أو كان واقعا في غير محلّه بفوات شيء من السوابق عليه ، المعتبرة في الصلاة ـ فيما كان ما يحتمل فواته ممّا تصحّ الصلاة مع فوته سهوا ، لا ممّا تبطل الصلاة مع فواته حتّى ولو كان عن عمد ، كالركعة في محلّ الكلام ، وعليه فالتسليم الواقع المحتمل كونه واقعا عقيب الرابعة في الواقع ، والمحتمل كونه واقعا بنقص الرابعة ، إنّما يكون مخرجا عن فرض كونه واقعا عقيب الرابعة ، وأمّا على فرض وقوعها قبلها ، فحالها كحال التسليم السابق ، من أنّه غير مخرج عن الصلاة.

وعليه ، فلا سبيل في هذا الفرض أيضا إلى التمسّك بقاعدة الفراغ ، ولا إلى التمسّك بقاعدة البناء على الأكثر ، للشكّ في كون الشكّ المفروض أنّ شكّه في الأثناء أم لا؟

وعليه ، فالمتعيّن الرجوع إلى أصالة عدم الإتيان وإضافة الركعة.

ولكن هذا الإشكال ضعيف جدّا : لوضوح أنّ لازم ما ذكر ، هو عدم جريان القاعدة في كلّ ما شكّ فيه بعد السّلام ، في فوات شيء ، فعليه لا تبطل الصلاة بفواته ، ولو لا عن عمد ، سواء كان ركعة أو ركوعا أو سجدتين أو نحو ذلك ، مع أنّه لا ينفى الإشكال في جريان القاعدة ، فيما شكّ في شيء من ذلك بعد الفراغ عن الصلاة بالتسليم.

فالحقّ : أنّ هذا الفرض مجرى لقاعدة الفراغ ، دون قاعدة البناء على الأكثر وأصالة عدم الركعة.

وعلى الثالث : فلا مجرى لقاعدة الفراغ ، لعدم الخروج عن الصلاة جزما ، لا

٢٧٩

بالتسليم الأوّل ـ للجزم بعدم مخرجيّته ـ ولا بالتسليم الثاني ـ للجزم بعدم تحقّقه ـ ولا لاستصحاب عدم الإتيان ، لتقدّم قاعدة البناء على الأكثر عليه ، لكونها مجعولة في موارده.

فالمتعيّن ، هو الرجوع إلى قاعدة البناء على الأكثر ، وإتمام الصلاة ، والاحتياط في خارجها ، لكون الشكّ المفروض في أثناء العمل جزما.

* * *

٢٨٠