رسالة في فروع العلم الإجمالي

آية الله الشيخ باقر الزنجاني

رسالة في فروع العلم الإجمالي

المؤلف:

آية الله الشيخ باقر الزنجاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: انتشارات دار التفسير
المطبعة: وفا
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-535-198-2
الصفحات: ٤٤٠

ثمّ إنّه لا وجه لتعليله الحكم بأنّ الشكّ بعد تجاوز المحلّ ، فإنّه لا شكّ في التشهّد ، فضلا عن أنّ الشكّ في عدد الركعات بعد تجاوز محلّ التدارك للتشهد أو قبله ، أجنبي عن المسألة ، وإنّما المدار بالتذكّر ، وهو في هذا الفرض مشكوك في الذكر تحقّق قبل تجاوز المحلّ الذكرى أو بعده.

نعم ، لو كان المفروض الشكّ بين الثلاث والأربع وهو قائم ، سواء كان قبل الركوع فيما بيده أو بعده ، مع فرض الشكّ في أنّه أتى بالتشهّد بعد إتمام الركعة الثانية أم لا ، فيصحّ في هذه الحالة التعليل بأنّ الشكّ في التشهّد بعد تجاوز المحلّ الشكّي مطلق ، ولكنّه غير فرضه قدس‌سره ، والحكم فيه عدم وجوب التشهّد ، وعدم سجدتي السهو ، لا عدم وجوبه فعلا مع وجوب قضائه بعد الصّلاة مع سجدتي السّهو.

* * *

١٤١

المسألة الثانية عشر

أقول : في هذه المسألة فرضان :

الفرض الأوّل : قوله رحمه‌الله : (إذا شكّ في أنّه بعد الركوع من الثالثة ، أو قبل الركوع من الرابعة بنى على الثاني ...).

أقول : فهو وإن كان فعلا شاكّا في تحقّق ركوع ما بيده من الركعة ، إلّا أنّه شكّ يتردّد أمره بين كونه قبل المحلّ أو بعده ؛ لتردّد القيام الذي هو فيه بين كونه القيام المترتّب على الركوع في الثانية ، وبين القيام الذي يترتّب عليه الركوع في الرابعة ، فلا مجال في مثله للتمسّك بقاعدة الشكّ بعد تجاوز العمل ، ولا بمفهومها ؛ أعني قاعدة الشكّ مع بقاء المحلّ ، لكون الشبهة مصداقيّة بالنظر إليهما.

ولو منعنا عن كون القيام من الأفعال التي يلاحظ الشكّ في أصل تحقّق الركوع بالنظر إليه ، وأنّه قبل تحقّقه ، حتّى يكون شكّا فيه في المحلّ ، أو بعده حتّى يكون شكّا فيه بعد تجاوز المحلّ.

وذلك من جهة أنّ تردّد القيام الذي يرى المصلّي نفسه فيه ، مع شكّه في أصل الركوع بين كونه القيام المترتّب على الركوع ، أو القيام المترتّب عليه الركوع ، تردّد دائمي ، فالشبهة بالنظر إليه مصداقيّة دائما بالنسبة إلى لقاعدة ومفهومها ، فلا يعقل أن يكون الدّخول فيه وعدمه مناطا للقاعدة ومفهومها ، كما هو المستفاد من أخبار قاعدة الفراغ والتجاوز ، حيث فرض فيها الشكّ في الركوع بعد ما سجد ، إذ الطفرة من الهويّ إلى السجدة ، وإن كان يحتمل أن تكون لأجل أنّ المناط التجاوز

١٤٢

إلى الأجزاء الأصليّة للصلاة دون الأفعال المقدّميّة ، إلّا أنّ الطفرة منه من القيام إلى السجدة لا وجه له ظاهرا ، غير أنّ الشكّ في تحقّق الركوع مع فرض إحراز الدخول في القيام المترتّب عليه أمر غير معقول ، فلا محيص عن ملاحظة حال الشكّ بالنظر إلى الأفعال المتأخّرة عن القيام المتأخّر عن الركوع ، كالسجود أو الهويّ إليه ، والشكّ في المقام شكّ في تحقّق الركوع فيما بيده من الركعة قبل الدخول في السجود أو الهويّ إليه ، فيكون محلّا للتمسّك بمفهوم القاعدة.

أقول : ولكن لا يخفى أنّ هذا الشكّ مسبّب عن الشكّ في أنّ ما بيده هي الثالثة حتّى يكون قد ركع فيها ، أو هي الرابعة حتّى يكون لم يركع فيها بعد ، ولا تصل النوبة إلى الاصول والقواعد الجارية في الشكوك المسبّبة ، مع وجود الاصول والقواعد الجارية في الشكّ السببي والشكّ المسبّبي ، الّذي هو الشكّ في ثالثيّة ما بيده من الركعة ورابعيّته بمفاد كان الناقصة ، حيث أنّ مجرى القاعدة حينئذ البناء على الأكثر ، حيث تكون حاكمة على قاعدة الشكّ في المحلّ التي هي عين قاعدة الاشتغال بحسب المفاد والنتيجة.

توضيح ذلك : إنّه لا ينبغي الإشكال في أنّ مفاد قاعدة البناء على الأكثر ، ليس مجرّد البناء على أصل وجود الركعة المشكوكة الزائدة على الركعات المتيقّنة ، لأنّ ذلك يناقض مفادها من حيث البناء على الأكثر ، الذي هو ـ على الفرض ـ عبارة عن البناء على أصل تحقّق الركعة المشكوكة ، وإيجاب الاحتياط في خارج الصلاة ، الذي هو عبارة عن مراعاة الركعة المشكوكة ، والتحذّر عن احتمال نقصها وعدم تحقّقها.

١٤٣

وبعبارة اخرى : لو كان مفاد القاعدة هو البناء العملي على الأكثر ، بمعنى تحقّق أصل وجود الركعة المشكوكة ، لكانت الجهة التي تضمّنت القاعدة الترخيص بالنظر إليها ، غير الجهة التي تضمّنت التنجيز بالنظر إليها. ولا خفاء في أنّ ما تتضمّنه من التنجيز إنّما هو بالنظر إلى احتمال أصل وجود الركعة المشكوكة ، وأنّه يبني على عدم تحقّقها ، أو لا أقلّ من عدم البناء على تحقّقها ، فيتدارك بالاحتياط في الخارج ، فلو كان ما تتضمّنه من الترخيص أيضا بالنظر إلى أصل وجود الركعة المشكوكة في نفسه ـ أي مع صرف النظر عن اللّوازم العقليّة والشرعيّة لأصل وجودها ـ فلا محالة يكون المرخّص فيه ، هو عين ما أوجب فيه الاحتياط ، وذلك يعدّ تناقضا في مفاد القاعدة لا يحتمل صدورها من الشارع. بل الظاهر من أدلّة القاعدة كونها مجعولة لأجل علاج الشكّ بالنظر إلى وصف ما خرج عنه المكلّف ، أو ما بيده من الركعة ، وأنّه الثانية أو الثالثة ، أو أنّه الثالثة أو الرابعة مثلا ، وأنّه يبني على الأكثر ، أي يبني عملا على ثالثيّته أو رابعيّته بمفاد كان الناقصة ؛ بمعنى أنّه يترتّب عليها جميع الآثار الشرعيّة أو العقليّة المترتّبة على ثالثيّتها أو رابعيّتها ، سواء كانت من الآثار المربوطة بالركعات السابقة على تلك الركعة ، أو كانت من الآثار المربوطة بالركعات اللّاحقة عليها ، فلو كان جالسا وتيقّن أنّه تشهّد بعد إتمام الركعة الثانية ، ولكنّه شكّ بين الاثنتين والثلاث ، فمآل شكّه إلى :

أنّ ما خرج عنه هي الركعة الثانية ، وأنّ جلوسه جلوس بعد الفراغ عن التشهّد.

١٤٤

أو هي الركعة الثالثة ، وأنّ جلوسه جلوس بعد إكمال السجدتين من الثالثة.

فمقتضى البناء على الأكثر ، هو البناء على ثالثيّة ما خرج عنه ، وترتيب جميع الآثار الشرعيّة المترتّبة فعلا ، وقطعه بتحقّق التشهّد الأوّل في هذه الصلاة في محلّه قطعا ، وعدم احتمال فواته الموجب للقضاء والسجدتين لا بدّ له من البناء العملي على آثار كون هذه الركعة هي الرابعة دون الثالثة أو الخامسة ، وأنّ ما بعد إتمام السجدتين منها محلّ للتشهّد الثاني والتسليم ، وأنّ هذا التسليم تسليم واقع في محلّه ، لا أنّه تسليم سهوي واقعي ، فكلّما يتّفق من الشكّ فيما بعده ، فهو من الشكّ بعد السّلام والفراغ ، وعلى هذا القياس.

ولو كان في المثال شاكّا بين الاثنتين والثلاث ، مع القطع بأنّه على تقدير كون ما خرج عنه الثالثة ، فقد تشهّد بعد الثانيّة في محلّه ، وإن كان الثانية فهو لم يتشهّد بعد ، فبمقتضى البناء على الأكثر ، لا بدّ له ـ مضافا إلى ترتيب الآثار السّابقة التي أشرنا إليها ـ من أن يرتّب آثار ثانويّة الركعة التي تقدّمت على هذه التي بنى على ثالثيّتها ، فلا بدّ له من البناء على تحقّق التشهّد في محلّه بعد الركعة الثانية ، وعدم فواته ، وعدم وجوب قضائه ، لا أنّه يكون بالنظر إلى التشهّد بعد الركعة الثانية شاكّا فعلا ، لشكّه في ثانويّة ما خرج عنها وثالثيّته ، وإن كان قاطعا بالعدم على تقدير إحراز الأوّل ، وبالوجود على تقدير إحراز الثاني ، حتّى يبحث عن أنّه :

هل هو من الشكّ في الشيء في محلّه ، كما هو مقتضى صرف النظر عن قاعدة البناء على الأكثر.

أو هو من الشكّ في الشيء بعد محلّه ، كما هو مقتضى حكومة قاعدة البناء

١٤٥

على الأكثر.

أو الشبهة مصداقيّة لقاعدة الشكّ في الشيء في محلّه وبعد تجاوز محلّه ، كما هو مقتضى التردّد في مفاد قاعدة البناء على الأكثر.

وبالجملة : لا مجال في مثله للتمسّك بقاعدة الشكّ بعد تجاوز المحلّ من دون معالجة الشكّ في تحقّق موضوعها ، كما لا للتمسّك بقاعدة البناء على الأكثر في معالجة ذلك الشكّ ، في إحراز تحقّق موضوع قاعدة الشكّ في الشيء بعد تجاوز محلّه ، حتّى يتمسّك بها ، بل لا حاجة إلى شيء من ذلك بعد أن ظهر أنّ مفاد قاعدة البناء على الأكثر إنما هو البناء على ثالثيّة ما خرج عنه ، وما يلزم ذلك من الأمور التي منها ثانويّة ما تقدّمت عليها.

وبعبارة اخرى : يستلزم جريانها تقدّم الثانية عليها ، والمفروض أنّه قاطع بتحقّق التشهّد في الثانية الواقعيّة على تقدير كونها سابقة على ما خرج عنها فعلا.

وعليه : فلو كان في المثال متيقّنا بأنّه إن كان ما خرج عنه الثالثة ، فلم يتشهّد فيه إلّا في سابقتها التي هي الثانية على هذا التقدير ، وإن كان هي الثانية فقد تشهّد فيه.

فمقتضى البناء على الأكثر ، البناء على ثالثيّة ما خرج عنه ، وثانويّة سابقتها ، وفوات التشهّد فيها ووجوب قضائها ، بعد الصّلاة ، لا أنّه يكون من صغريات الشكّ في التشهّد في الثانية الواقعيّة ، أو فيما خرج عنها من الركعة ، للشكّ في أنّ الثانية هي التي خرج عنها أو هي سابقتها ، وإن كان متيقّنا بالتشهّد على تقدير إحراز الأوّل ، ومتيقّنا بالعدم على تقدير إحراز الثاني.

أمّا لو كان في المثال متيقّنا بأنّه إن كان ما خرج عنه الثالثة فلم يتشهّد فيها ،

١٤٦

ولكنّه يشكّ على هذا التقدير في أنّه تشهّد في سابقتها التي هي الثانية على هذا التقدير أم لا ، ومتيقّنا بأنّه إن كانت هي الثانية فقد تشهّد فيها.

فمقتضى البناء على الأكثر ، هو عدم الاعتناء بالشكّ في التشهّد في الثانية الواقعيّة ، التي هي السابقة على ما خرجت عنه ، لكونه شكّا فيه بعد تجاوز المحلّ.

أمّا لو كان في المثال متيقّنا بأنّه إن كان ما بيده الثانية ، فلم يتشهد فيها ، وإن كانت هي الثالثة فقد تشهّد فيها ، ولكنّه لم يتشهّد في السابقة عليها.

فمقتضى البناء على الأكثر ، البناء على أن ما خرج عنها هي الثالثة ، وقد زاد فيها التشهّد في غير محلّه ، وتجب لها سجدة سهو ، وأنّ الثانية الواقعيّة هي التي سبقت على هذه ، وقد فات منها التشهّد قطعا ، وفات محلّ تداركه في الأثناء ، وعلى هذا القياس.

وبالجملة : ظاهر أدلّة البناء على الأكثر ليس هو معالجة الشكّ في أصل وجود الركعة الثالثة أو الرابعة بالبناء على وجودها ، بل هي بالنظر إلى هذا الشكّ منجّزة وغير ملغية لاحتمال نقصها ، وحاكمة بلزوم تداركها ، وإنّما هي ظاهرة في معالجة الشكّ في ثالثيّة ركعة بعينها أو رابعيّتها ، بالبناء على ثالثيّتها أو رابعيّتها بما لها من الآثار الشرعيّة ، وبما لها من اللّوازم والملزومات والملازمات العقليّة ، وبما لهذه من الآثار الشرعيّة بحيث لا يبقى للمكلّف بعد تدارك احتمال نقص أصل الركعة بركعة الاحتياط في الخارج ، تحيّر وحالة منتظرة لمعالجة شكّ يتفرّع على الشكّ في ثالثيّة تلك الركعة ، أو ثانويّتها ، أو ثالثيّتها ، أو رابعيّتها بالنظر إلى الأحكام الشرعيّة المرتبطة بتلك اللوازم والملزومات ، وإلّا فلو كان مفاد القاعدة ترتيب

١٤٧

الآثار الشرعيّة المترتّبة على نفس ثالثيّة الركعة أو رابعيّتها فقط ، دون الآثار الشرعيّة أو العقليّة المترتّبة على لوازمها وملازماتها وملزوماتها ، لما أفادت القاعدة في رفع التحيّر ومعالجة الشكوك الملازمة للشكّ في ثانويّة الركعة أو ثالثيّتها ، وهكذا في غالب الموارد ، بحيث يستهجن محلّ إطلاق أدلّة البناء على الأكثر على خصوص ما إذا لم يكن هناك شكّ فيما عدا الأحكام الشرعيّة المترتّبة على ثالثيّته أو رابعيّته ، وقد أوضحنا في مباحث الاستصحاب ، أنّه لو كان دليل الأصل ظاهرا في تنزيل كلّ من اللّازم والملزوم بما لهما من الآثار الشرعيّة ، فلا محيص عن الأخذ بظهوره ، والأخذ بلسان الإثبات من الأصل المفروض.

أقول : ثمّ إنّك قد عرفت أنّ قاعدة البناء على الأكثر ، قاعدة واحدة متكفّلة :

أوّلا : لجهة الترخيص ، بالنظر إلى احتمال ثانويّة الركعة أو ثالثيّتها مثلا ، وأنّه احتمال ملغى في نظر الشارع ، وأنّه لا يترتّب شيء من الآثار الشرعيّة المترتّبة على ثانويّتها أو ثالثيّتها ، أو شيء منها ومن الآثار الشرعيّة المترتّبة على اللوازم العقليّة والعاديّة لثانويّتها أو ثالثيّتها على الوجهين ، من عدم اعتبار مثبتاتها أو اعتبارها ، وإنّما تترتّب الآثار الشرعيّة المترتّبة على ثالثيّتها أو رابعيّتها كوجوب التشهّد والتسليم فيها ، أو هي مع الآثار الشرعيّة المترتّبة على اللّوازم العقليّة أو العاديّة لثالثيّتها أو رابعيّتها ، كوجوب التشهّد في الركعة الثالثة التي لا بدّ من أن تكون رابعة بعد البناء على ثالثيّة سابقتها.

وثانيا : متكفّلة لجهة التنجيز ، بالنظر إلى احتمال نقص أصل الركعة ، وأنّه احتمال غير ملغى ، بل محكوم بالتدارك ، وقد أوضحنا في محلّه أنّ العلم الإجمالي

١٤٨

لا محيص عن انحلاله ، وعدم وجوب الموافقة القطعيّة ، فيما فرض جعل البدل في بعض أطرافه ، بمعنى تنجيز التكليف على تقدير وجوده في بعض الأطراف ، بمقدار المعلوم بالإجمال ، إذا كان المتكفّل لانتاج هذا المعنى من جعل البدل ، قيام أمارة منجّزة في بعض الأطراف ، أو جريان أصل محرز في بعضها ، أو جريان أصل غير محرز كالاحتياط في الشبهات البدويّة من الدّماء والفروج مثلا ؛ وقد حقّقنا هناك أنّه مع وجود المنجّز في بعض الاطراف بمقدار المعلوم بالإجمال ، فلا مانع من جريان الأصل المرخّص في باقي الأطراف ، من دون فرق بين ما كان الاصول المرخصة والمنجزة الجارية في الأطراف كلّها من نوع واحد كالاستصحاب مثلا.

أو بعضها من نوع كالاستصحاب ، وبعضها من نوع آخر كالبراءة ، أو كقاعدة الاشتغال الجارية في بعض الأطراف ، مع قاعدة التجاوز أو الفراغ الجارية في البعض الآخر.

وقد حقّقنا هناك أيضا أنّ المناط في الانحلال وجريان الأصل المرخّص في بعض الأطراف بلا معارض ، إنّما هو عدم لزوم المخالفة القطعيّة للمعلوم بالإجمال ، فلا فرق بين أن تكون الاصول المرخّصة المنجّزة متعدّدة من نوع واحد أو من أنواع متعدّدة ، أو أصلا واحدا قد فرض تكفّل الدليل على جعله ، كأن يفرض دلالة دليل على الترخيص الظاهري في بعض الأطراف ، العلم والاحتياط في الباقي تعيينا أو تخييرا.

وقد اتّضح لك في المقام أنّ قاعدة البناء على الأكثر من مصاديق مثل ذلك الأصل المتكفّل للترخيص والتنجيز ، فلا محيص عن كونه موجبا لانحلال علم

١٤٩

إجمالي يفرض أنّ القاعدة تفيد الترخيص بالنظر إلى بعض أطرافه ومحتملاته ، والتنجيز بالنظر إلى الآخر.

أقول : إذا عرفت ذلك ، فلنعد إلى حكم المسألة ، ونقول في أصل المسألة :

لا معنى للجمع بين التمسّك بقاعدة الشكّ في المحلّ ، وقاعدة البناء على الأكثر ؛ لوضوح أنّه :

بناء على اعتبار الثانية في إثبات أنّ ما بيده هي الرابعة ، التي لم يركع فيها ، فلا محالة تكون هي حاكمة على قاعدة الشكّ في المحلّ ، ولو كانت متوافقتين في النتيجة ، ولكن حكم العقل بوجوب الركوع فيما بنى على كونها رابعة ، يكون لأجل القطع بعدم إتيان الركوع في الرابعة الواقعيّة ، غاية الأمر أنّ القاعدة تعبّدت بلزوم هذا القطع ، وأنّ ما بيده هي الرابعة ، لا لأجل الشكّ في أنّه أتى بالركوع فيما تعبّد بكونه رابعة أو في الرابعة الواقعيّة.

وأمّا بناء على عدم اعتبار قاعدة البناء على الأكثر في إثبات أزيد من رابعيّة ما بيده ، من حيث الآثار الشرعيّة المترتّبة عليها بلا واسطة ، فلا محالة تكون المسألة محلّا للتمسّك بقاعدة الشكّ في المحلّ ، بالنظر إلى ركوع ما بيده من الركعة ، مع قطع النظر عن أنّها ثالثة أو رابعة.

وعليه فما صنعه قدس‌سره من التمسّك بالقاعدتين معا ، الظاهر أنّه ليس للغفلة عن جهة الحكومة ، وإنّما هو بنحو التنزّل المبنيّ على إشكاله في أصل كيفيّة اعتبار قاعدة البناء على الأكثر ، وأنّه بنحو البناء على أحد طرفي شكّ المكلّف بما له من اللّوازم أو الملزومات أو الملازمات القطعيّة ، أو بنحو البناء على أحد طرفي شكّه

١٥٠

بما له من الآثار الشرعيّة المترتّبة على نفسه فقط.

فالتمسّك بقاعدة الشكّ في المحلّ ، إنّما هو مبنيّ على فرض عدم اعتبار القاعدة بالنحو الأوّل ، بل بالنحو الثاني القاصر عن حكومته على قاعدة الشكّ في المحلّ ، وحيث أنّهما متوافقتان في النتيجة ، فلا محالة لا تخلو المسألة عن كونها مجرى لكلتيهما ، أو لإحداهما الخاصّة.

وعلى كلّ منهما ، فالحكم هو البناء على الأكثر ، والإتيان بالركوع وإتمام الصلاة والاحتياط بالركعة.

وهذا بخلاف الفرض الثاني ، حيث أنّ قاعدة الشكّ في المحلّ مع قاعدة البناء على الأكثر متخالفتان في النتيجة ، فإنّ الاولى يقتضي الإتيان بالركوع ، والثانية ـ بناء على حكومتها عليها ـ تقتضي عدم الإتيان به ، فالإشكال في كيفيّة اعتبار قاعدة البناء على الأكثر ، يوجب الإشكال في سقوط قاعدة الشكّ في المحلّ ، ولا بدّ من أن يؤخذ بالمقدار المتيقّن من مفاد قاعدة البناء على الأكثر.

وأمّا حكومتها على قاعدة الشكّ في المحلّ ، فتدفع بأصالة عدم الاعتبار ، ما لم يقم دليل تامّ على اعتباره ، فتبقى قاعدة الشكّ في المحلّ جارية بلا قاعدة حاكمة عليه ، وحينئذ فيكون مقتضى قاعدة البناء على الأكثر من حيث المفاد القطعي منها ، البناء على الأكثر ، أي رابعيّة ما بيده ، والتشهّد والتسليم فيها مع الاحتياط بالركعة ، ويكون مقتضى قاعدة الشكّ في المحلّ ، هو الإتيان بالركوع فيما بنى على كونها الرابعة ، وحينئذ فلا محالة يحصل له العلم الإجمالي فعلا بأنّه إمّا زاد ركوعا في الرابعة الواقعيّة ، أو نقص ركعة من صلاته ، وكلّ منهما موجب

١٥١

لبطلانها ، فهو عالم ببطلان صلاته فعلا ، غاية الأمر مع التردّد في منشأ البطلان.

وبالجملة : فما يرد عليه قدس‌سره في المقام امور :

الأمر الأوّل : تضعيف تردّده وإشكاله في كيفيّة اعتبار قاعدة البناء على الأكثر ، الموجب لتردّده في حكومتها على قاعدة الشكّ في المحلّ ، ومن المعلوم أنّ هذا التضعيف يبتني على استظهار اعتبارها من أدلّة اعتبارها بنحو البناء على أحد طرفي شكّه ، بما له من اللوازم القطعيّة الشرعيّة والعقليّة ، وترتيب ما لتلك اللّوازم العقليّة من اللّوازم والآثار الشرعيّة ، وتأييد ذلك الاستظهار بما أمكن من وجوه التأييد كما صنعناه.

وعليه ، فلا بدّ أن يكون كلا فرضي المسألة مشتركين في حكومة قاعدة البناء على الأكثر ، وسقوط قاعدة الشكّ في المحلّ ، والبناء في الأوّل على الأربع بلا ركوع فيأتي بالركوع ، وفي الثاني على الأربع مع الركوع ، فيتمّ ولا يركع ، فلا يبقى منشأ للركوع حتّى يتولّد منه العلم الإجمالي المتقدّم.

الأمر الثاني : أنّه على فرض تسليم الإشكال في كيفيّة اعتبار القاعدة ، والأخذ بالمتيقّن في مفادها ، وإجراء قاعدة الشكّ في المحلّ ، فنقول :

إنّه على فرض ركوعه وتولّد ما مرّ من العلم الإجمالي ، فإنّه لا أثر لهذا العلم الإجمالي ؛ وذلك لما مرّ من أنّ قاعدة البناء على الأكثر ، كما يتكفّل إثبات الترخيص ، كذلك يتكفّل التنجيز بالنظر إلى احتمال نقص الركعة ، ويوجب الاحتياط بالتدارك غاية الأمر في الخارج ، لتضمّنه الترخيص ، بالنظر إلى لزوم إتيانها مستقلّة على تقدير نقصها.

١٥٢

وعليه ، فالعلم الإجمالي بأحد الأمرين : من نقص الركعة ، أو زيادة الركوع في الرابعة ، لا محالة ينحلّ بقاعدة البناء على الأكثر ، الموجب للاحتياط بالنظر إلى احتمال نقص الركعة ، وقاعدة الشكّ في المحلّ الذي هو معذور ومرخّص بالنظر إلى احتمال الزيادة في الركوع ما دام جاريا ولم ينكشف الواقع ، فإنّه ما دام شاكّا في إتيان الركوع فيما بيده من الركعة قبل تجاوز المحلّ ، محكوم بحكم الشرع بأنّه لا بدّ من إتيانه وإلغاء احتمال كونه مأتيّا به سابقا ، ولا يجوز ترتيب الأثر عليه ، فهذه القاعدة وإن كانت منجزة بالنظر إلى تكليف نفس الركوع ، إلّا أنّها مرخصة بالنظر إلى التكليف بإعادة الصلاة لبطلانها المسبّب عن زيادة الركوع.

وجملة القول : إنّ العلم الإجمالي لا أثر له بعد أنّ ثبت أنّ جهة التنجيز في قاعدة البناء على الأكثر ، ناظرة إلى أحد محتمليه ، وجهة الترخيص في قاعدة الشكّ في المحلّ ناظرة إلى محتمله الآخر ، وقد مرّت الإشارة إلى أنّ عدم تأثير العلم الإجمالي مرخّص بالنظر إلى بعض محتملاته ، ومنجّز بالنظر إلى بعض محتملاته ، وعدم التعارض بين الأصلين المتكفّلين لهذين الأمرين من الترخيص والتنجيز أمر عقلي ، لا فرق في مناطه بين وحدة الأصل وبساطته في كلّ طرف أو تركّبه ، واشتماله على جهة الترخيص والتنجيز في بعض الأطراف.

نعم ، لو انكشف الواقع بعد ذلك ، وعلم أنّ ما بيده كانت الثالثة ومع نقصانها لركعة واحدة ، فإنّ الصلاة تكون حينئذ صحيحة ، لحصول تداركها بركعة الاحتياط على ما نطقت به نصوص القاعدة.

أمّا لو علم أنّ ما بيده كانت الرابعة ، وقد زاد فيها ركوعا ، فلا بدّ من الحكم

١٥٣

ببطلان الصلاة ، ولزوم إعادتها ، للعلم بزيادة الرّكن من دون قيام دليل يدلّ على الاجتزاء.

واحتمال ذلك وإن كان موجودا حال الصلاة ، إلّا أنّه كان ملغى بحكم العقل والشرع ؛ حيث إنّ من القطعي أنّ بناء الشارع والعقل في مثل ذلك ممّا يدور الأمر في المشكوك فيه بين المحذورين ؛ أعني النقص المبطل ، أو الزيادة المبطلة ، على مراعاة احتمال النقص ، وإلغاء احتمال الزيادة ، وعدم ترتيب الأثر عليه ما دام باقيا على احتماليه.

الأمر الثالث : ومن يعتقد بعدم إثبات قاعدة البناء على الأكثر للوازم رابعيّة الركعة ، ويعتقد بكون الركوع مجرى لقاعدة الشكّ بعد المحلّ ، لا بدّ له من الفرق بين المسألتين بأنّ في الاولى منهما لا محالة يحصل العلم بلغوية ركعة الاحتياط ، لدوران الأمر بين تماميّة الصلاة وبين زيادة الركوع في الثالثة ، بخلاف الثانية ؛ إذ مع الإتيان بالركوع لا يدور الأمر بين تماميّة الصلاة وبين نقص الركوع في الثالثة ، حتّى يلزم لغوية ركعة الاحتياط ، وإنّما اللّازم هناك العلم الإجمالي بأحد الأمرين من نقص الركعة أو زيادة الركوع في الرابعة ، فاحتمال الحاجة إلى ركعة الاحتياط باق على حاله ، فلو كان الشخص معتقدا بعدم الأثر لهذا العلم الإجمالي ، فلا بدّ له من الحكم بالبطلان في المسألة الاولى ، والحكم بالصحّة في المسألة الثانية.

وعلى هذا جرى آية الله السيّد الأصفهاني قدس‌سره في «حاشية العروة» من حكمه بأنّه لا فرق بين الفرضين في المسألة في أنّه وإن قلنا باعتبار قاعدة البناء على الأكثر ، وإثباته لوازم رابعيّة ما بيده من الركعة ، وحكومتها ـ لكونها جارية في الشكّ

١٥٤

السببي ـ على قاعدة الشكّ في المحلّ ـ لكونها جارية في الشكّ المسبّبي ، وتقديمها في الفرضين ، وإن كانت في الأوّل منهما على وفق ما تقتضيه قاعدة البناء على الأكثر ، وفي الثاني منهما على خلافه ، إلّا أنّه مع البناء على الأكثر في الفرض الأوّل والإتيان بالركوع ـ لا محالة يحصل له العلم بأنّه إن كانت ما بيده رابعة ، فقد تمّت الصلاة ، ولا حاجة إلى التدارك بركعة الاحتياط ، وإن كانت ثالثة ، فقد زاد فيها ركوع وبطلت الصلاة ، ولا فائدة لتداركها بركعة الاحتياط.

ومع البناء على الأكثر في الفرض الثاني ، وإتمام السجود بلا ركوع ، لا محالة يحصل له العلم بأنّه إن كانت ما بيده رابعة ، فقد تمّت الصلاة ولا حاجة إلى ركعة الاحتياط ، وإن كانت ثالثة ، فقد نقص منها الركوع ، وبطلت الصلاة ، فلا فائدة في التدارك ، لعلمه تفصيلا بلغوية ركعة الاحتياط ، وعدم الأمر بها في كلا الفرضين.

وعليه فلا محيص عن الالتزام بعدم شمول أدلّة قاعدة البناء على الأكثر ، على مثل هذا الفرض الذي لا يحتاج فيه إلى ركعة الاحتياط على كلّ تقدير ، لاحتمال الصحّة والتماميّة واحتمال البطلان.

وبعبارة اخرى : لا شبهة في ظهور أدلّة القاعدة لتصحيح العمل ، من جهة احتمال نقص الركعة فقط ، وأمّا فيما كان احتمال بطلان العمل من جهة اخرى ، على تقدير تماميّة الرّكعات أيضا ، فلا تكون القاعدة متكفّلة للتصحيح في مثله.

وعليه ، بناء على الالتزام بالفساد في الموارد التي لا تنطبق عليها قواعد الشكوك المنصوصة في الركعات ، لا محيص عن الالتزام في هذه الموارد بالبطلان ، بمعنى عدم إمكان إحراز الصحّة في كلا الفرضين من المسألة ، فلا بدّ من

١٥٥

استيناف العمل فيها لتحصيل البراءة اليقينيّة ، بالبناء على الأكثر في المسألتين ، والجرى على طبق ما تقتضيه تلك القاعدة ، من الركوع في الفرض الأوّل ، وتركه في الفرض الثاني ، وإتمام الصلاة مع إلحاق ركعة احتياط ثم الاستيناف.

نعم ، بناء على أن المعوّل عليها في تلك الموارد ـ التي لا تنطبق عليها قواعد الشكوك المنصوصة ـ ما تقتضيه سائر الاصول والقواعد من الصحّة أو البطلان ، فيمكن الأخذ في المسألتين بما هو المتيقّن ممّا أتى به من الصلاة ، ركوع الركوع الثالثة وما قبلها في الفرض الأوّل ، وما قبل حد ركوع الثالثة في الفرض الثاني ، ويستصحب فيما زاد على ذلك ، فيتمّ الصلاة على طبق ما يقتضيه الاستصحاب.

هذا توضيح ما أورده غير واحد من أجلّة من تأخّر عنه قدس‌سره عليه في المسألتين.

ولكنّ الحقّ عندنا : أنّه كما أنّ العلم الإجمالي المتقدّم لا يعقل أن يتولّد منه فعلا العلم ببطلان الصلاة على كلا التقديرين من نقص الركعة ، أو زيادة الركوع في الرابعة ، كذلك هذان العلمان الإجماليّان لا يعقل أن يتولّد منهما العلم بلغوية ركعة الاحتياط ، وعدم الحاجة إليه على كلا تقديري تماميّة الصلاة أو زيادة الركوع في الثالثة ، أو تماميّة الصلاة ونقص الركوع في الثالثة ؛ وذلك لما عرفت من أنّ قاعدة البناء على الأكثر ، متضمّنة لجهة الترخيص بالنظر إلى ترتيب جميع لوازم رابعيّة ما بيده من الركعة ، وعدم ترتيب شيء من لوازم ثالثيّته عدا الحاجة إلى التدارك على تقدير النقص ، ومتضمّنة لجهة التنجيز بالنظر إلى احتمال نقص صلاته من حيث الركعات.

ففي الفرض الأوّل ما دام هو شاكّا في ثالثيّة ما بيده ورابعيّتها ، فنفس القاعدة

١٥٦

من حيثيّة ترخيصها لعدم لزوم الركعة إلى الصلاة قبل السلام ، متكفّلة لإلغاء احتمال ثالثيّة ما بيده ، وعدم ترتيب شيء من لوازمها التي منها وقوع ما يأتي به من الركوع زيادة فيها ، وحاكمة بأنّها هي الركعة ، وما يأتي به من الركوع هو جزئها اللّازم إتيانه فيها ، وبحكم هذا التقييد لا يحتمل كون ما بيده من الركعة ثالثة ، حتّى يكون ما يأتي به من الركوع زيادة فيه.

وأمّا احتمال نقص صلاته من حيث الركعات ، فهو مع ذلك الترخيص احتمال منجز في نظر الشارع ، وموجب للاحتياط بالركعة ، فالمصلّي ما لم ينكشف له الواقع ، مشمول للقاعدة ، وبشمولها له مرخّصة له معذّرة من جهة ، ومنجّزة من جهة اخرى ، وبلسان ترخيصها رافعة تعبّدية لاحتمال زيادة الركوع في الثالثة ، لكونها رافعة تعبّديّة لاحتمال كون ما بيده ثالثة ، وبلسان تنجيزها حاكمة بالتحذّر من احتمال نقص الركعة ، ووجوب تداركها بركعة الاحتياط ، فهو ما دام باقيا على شكّه في ثالثية ما بيده ورابعيّتها ، محكوم بالبناء على رابعيّتها ، وعدم احتمال ثالثيّتها بالنظر إلى لوازم الثالثيّة ، التي منها زيادة الركوع فيها ، ومحكوم في غير الحال بالاحتياط بالركعة بالنظر إلى احتمال نقصها في الصلاة ، فهو في حين أنّه متحمّل وجدانا لثالثيّة ما بيده ، وزيادة ما يأتي به من الركوع فيها ، مع نقص صلاته ، قد تكفّلت القاعدة بلسانيها على التعبّد به ، مع احتمال الثالثيّة فيما بيده وزيادة الركوع فيها ، وتنجيز احتمال بعض لوازم ثالثيّة ما بيده ، أعني وقوع نقص الركعة في صلاته.

والنتيجة : أنّه محكوم فعلا بأن يحتمل في صلاته البطلان المستند إلى ثالثيّة

١٥٧

ما بيده ، وزيادة الركوع فيها الموجب للغوية ركعة الاحتياط ، ومحكوم بأن يحتمل نقص الركعة في صلاته ، ويحتاط لأجله بركعة في الخارج.

وإذا كان هذا عين مفاد القاعدة ، فمع فرض اعتبارها وجريانها فعلا ، كيف يعقل أن يحصل للمكلّف العلم بلغوية ركعة الاحتياط.

على كلّ تقدير فهل يعقل ذلك الّا ببقاء احتمال ثالثيّة الموجود على حاله؟!

وهل يعقل بقاء ذلك الاحتمال على حاله مع التعبّد بالبناء على الرابعيّة؟

وهل هناك تلازم بين بقاء احتمال عدم الركعة الرابعة ، ونقص الصلاة الذي هو من جملة لوازم ثالثيّة ما بيده على حاله ، وعدم إلغائه من ناحية الشارع ، وبغير بقاء احتمال ثالثيّة ما بيده ، وعدم إلغائه حتّى بالنظر إلى سائر ما لها من اللّوازم ، التي منها وقوع ما يأتي به من الركوع زيادة فيها؟

نعم ، إذا انكشف الخلاف في جهة تنجيز القاعدة ، وتبيّن عدم الحاجة إلى ركعة الاحتياط ، من جهة أنّ ما بيده كانت الرابعة ، فقد صحّت صلاته ، ولو تبيّن الخلاف في جهة ترخيصها ، وأنّ ما بيده كانت الثالثة ، فقد علم تفصيلا ببطلان صلاته لزيادة الركوع فيه.

وأمّا الفرض الثاني من المسألة :

قال رحمه‌الله : (وأمّا لو انعكس بأن كان شاكّا في أنّه قبل الركوع من الثالثة أو بعده من الرابعة ...).

أقول : يمكن تصوير هذا الفرض على نحوين :

أحدهما : أن يشكّ في أنّ ما بيده الثالثة أو الرابعة ، مع القطع بأنّه :

١٥٨

إن كانت الرابعة فقد ركع فيها ، كما أنّه قد ركع في الثالثة التي هي سابقتها في الواقع.

وإن كانت هي الثالثة فلم يركع فيها بعد.

وحال هذا الفرض غير حال الفرض المتقدّم ، في أنّه لا يعقل أن يحصل له العلم بلغوية ركعة الاحتياط ، لدوران الأمر بين تماميّة الصلاة وبين نقصها ، ولكن مع نقص الركوع في الثالثة ما دامت قاعدة البناء على الأكثر جارية ومتكفّلة لكلتا جهتي الترخيص والتنجيز ، حيث إنّها تتكفّل على التعبّد برابعيّة ما بيده ورفع احتمال ثالثيّته.

وبعبارة اخرى : تتكفّل القاعدة التعبّد بعدم احتمال البطلان في صلاته استلزام ثالثيّة ما بيده ونقص الركوع فيها ، ومع ذلك فيبقى احتمال الحاجة إلى ركعة الاحتياط ، لبقاء احتمال أصل نقص الركعة في الصلاة على حاله.

نعم ، لو انكشف الخلاف في جهة تنجيز القاعدة ، وأنّ ما بيده كانت الرابعة ، ولم يكن محتاجا إلى تدارك النقص ، فقد صحّت الصلاة ، ولو تبيّن الخلاف في جهة ترخيصها ، وأنّ ما بيده كانت الثالثة ، تكون صلاته باطلة ، لعلمه بنقص الركوع فيها.

الثاني : أن يكون قاطعا بأنّه لم يركع في الثالثة الواقعيّة ، سواء كانت هي التي بيده أو سابقتها ، وإن كانت ما بيده الرابعة فقد ركع فيها ، ولم يركع في الثالثة التي هي سابقتها.

ففي مثل هذا الفرض وإن كانت قاعدة البناء على الأكثر متكفّلة لإلغاء احتمال البطلان في صلاته ، مستندا إلى أنّ ما بيده ثالثة نقص فيها الركوع ، وحاكمة

١٥٩

بأنّها رابعة ركع فيها ، إلّا أنّ لازم ذلك البناء ، على أنّ الثالثة التي هي سابقتها لم يركع فيها.

وبعبارة اخرى : كان قاطعا بعدم الركوع في الثالثة ، والقاعدة لم تنفع إلّا في نفي كون ما بيده هي الثالثة التي لم يركع فيها ، وهذا لا يجدي شيئا في صحّة الصلاة بعد القطع بنقص الركوع في صلاته على كلّ حال ، هذا.

كما أنّه لو كان قاطعا بأنّه لو كان ما بيده الرابعة فقد ركع فيها ، ولكنّه يشكّ في أنّه على هذا التقدير هل ركع في سابقتها التي هي الثالثة أم لا ، ولو كان ما بيده الثالثة فلم يركع فيها ، أو يشكّ في أنّه ركع فيها أم لا.

أو كان قاطعا بأنّه لو كان ما بيده الرابعة فقد ركع فيها ، ولم يركع في سابقتها التي هي الثالثة ، ولو كان ما بيده هي الثالثة فقد ركع فيها ، أو يشكّ في أنّه ركع فيها أم لا.

ففي شيء من هذه الفروض لم لا تنفع القاعدة شيئا في تصحيح العمل ، وإزالة الشكّ في البطلان ، من حيث احتمال نقص الركوع الذي هو أمر آخر غير احتمال نقص الركعة.

* * *

١٦٠