رسالة في فروع العلم الإجمالي

آية الله الشيخ باقر الزنجاني

رسالة في فروع العلم الإجمالي

المؤلف:

آية الله الشيخ باقر الزنجاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: انتشارات دار التفسير
المطبعة: وفا
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-535-198-2
الصفحات: ٤٤٠

القصد وسائر الأجزاء والقيود للعمل محصّلة ومقدّمة لوجودها ، بل الواجبات إنّما هي نفس تلك الأجزاء والقيود. غاية الأمر ، مع اعتبار الشرع جزء آخر ، هو قصد أن يتعنون ذلك العمل بعنوان الظهريّة والعصريّة مثلا ، فالشكّ في اعتبار شيء من الأجزاء والقيود في العمل ، ليس شكّا فيما هو محصّل للمأمور به ، بل هو شكّ في بعض أجزاء المركّب والمقيّد المأمور به ، ولا مانع من كونه موردا لجريان البراءة.

أقول أوّلا : إنّ من الواضح أنّ اعتبار مثل هذا القصد إنّما هو اعتبار شرعيّ ، كاعتبار سائر الأجزاء والقيود الشرعيّة ، لا أنّه ممّا يعتبره العقل في مرحلة الطاعة لمجرّد أنّ الطاعة لا تحصل عقلا إلّا بها ، كما هو الواقع في التمييز المعتبر في باب النيّة في موارد تعدّد الأمر والاشتراك في المتعلّق مثلا.

وثانيا : كما أنّ من الواضح أيضا أنّ حال هذا القصد والمقصود ، حال سائر الأجزاء والقيود ، في أنّه ممّا يمكن للشارع اعتباره في متعلّق الأمر بنفس الأمر الأوّل ، من دون حاجة إلى خطاب متمّم ، كما يحتاج إليه في اعتبار التقرّب وما يلحق به في باب النيّة.

وثالثا : كما أنّ من الواضح أيضا أنّ مثل هذه العناوين القصديّة ، ممّا يدور تحقّقها مدار قصدها تفصيلا وإجمالا ، ولكنّها ممّا لا يتصوّر فيها القصد إليها اجمالا مع الخطأ في التطبيق ، فكما لو انحنى أحد قدّام أحد بداعي سخريّته واستهزائه زاعما أنّه عدوّه وكان في الواقع مولاه ، فقد تحقّق منه التمسخر والاستهزاء لعدوّه ، ولم يتحقّق منه التعظيم لمولاه ، فلا يصحّ أن يقال إنّه قد قصد تحقّق ما هو مطلوب في الواقع ، وقد أخطأ في التطبيق ، وزعم أنّ ما هو المطلوب

٢١

هو الاستهزاء ، فلا بدّ أن يتحقّق التعظيم.

وهكذا فيما لو صلّى أحد أربع ركعات مثلا بقصد العصريّة ، زاعما أنّه قد صلّى الظهر ، فقد تحقّق منه العصر ؛ ولا معنى لأن يقال إنّه قد قصد ما هو المأمور به في الواقع ، وظنّه عصرا ، ولكن بما أنّه أخطأ في التطبيق فإنّ المتحقّق منه خارجا هو الظهر دون العصر.

وبالجملة : العناوين القصديّة ممّا لا بدّ في تحقّقها بالقصد ، من قصدها بالخصوص تفصيلا أو إجمالا بأحد العنوانين المشيرة إليها بالخصوص إجمالا ، فالقصد المتعلّق بها إجمالا ، وإن كان ربما يكفي في تحقّقها الاعتباري ، إلّا أنّه فيما لم يكن هناك القصد التفصيلي المتعلّق بضدّ ما هو المقصود بالإجمال.

إذا عرفت هذا فنقول في مفروض المسألة : إنّ هنا حالتان ينبغي البحث عنهما :

الحالة الاولى : إذا كان قد علم بأصل النيّة فيما بيده ، مع الشكّ والتردّد فيما نواه ، مع القطع بإتيانه للظهر ، فلا محالة له علم إجماليّ بأحد التكليفين في الواقع :

الأوّل : إمّا استيناف الصّلاة بنيّة العصر ، على تقدير كونه قاصدا فيما بيده الظهر ، حيث إنّ مقتضى الإطلاقات لزوم قصد العنوان المأمور به من أوّل افتتاح الصّلاة إلى آخره ، والاجتزاء بقصده في الأثناء مع سبق قصد العنوان الآخر خلاف هذه الأصول اللفظيّة ، فيكتفى فيه بما قام عليه الدليل ، ولم يقم إلّا في موارد العدول من اللّاحقة إلى السابقة دون العكس.

الثاني : وإمّا وجوب إتمام ما بيده عصرا ، وحرمة قطعه تكليفا على تقدير كونه قاصدا فيما بيده العصر ، وهو واضح ، فلو كان هناك أصل متكفّل لتصحيح ما

٢٢

بيده عصرا ، لكان حاكما على أصالة البراءة عن وجوب الإتمام ، وحرمة القطع ، لكون موضوعها الشكّ ، والمفروض أنّ الأصل المفروض معدم للشكّ تعبّدا ، وموجب لتحقّق الصحّة في ما بيده التي هي موضوع دليل وجوب الإتمام وحرمة القطع.

ومع تحقّق ذلك الموضوع بمعونة ذلك الأصل ، لا محيص عن التمسّك بذلك الدليل الاجتهادي ، ومعه لا مجال للتمسّك بأصالة البراءة ، لحكومة الدليل الاجتهادي عليها ، كحكومة الأصل اللفظي على الدليل الاجتهادي.

وفيه : لكن ليس لنا مثل ذلك الأصل ، إذ لا يخلو :

إمّا أن يفرض ذلك أصالة الصحّة ، فهي وإن كان لا ينبغي المناقشة فيها من جهة اختصاص جريانها بفعل الغير ، لما أوضحناه في محلّه من أنّها أصل عقلائيّ أمضاها الشارع في مطلق الأفعال الماضية في المكلّف نفسه أو غيره ، إلّا أنّه يشكل جريانها ، من جهة أنّ المستظهر من بناء العقلاء وسيرة المتشرّعة وكلمات الأصحاب ، إنّما هو اعتبار ذلك الأصل من جهة الظنّ النوعي ، المبتني على أنّ الفاعل العاقل القاصد لعمل لا محالة يأتي به بجميع ما يعتبر فيه من الأجزاء والقيود ، واحتمال العمد أو الغفلة في الإخلال احتمال مرجوح نوعا فيدفع.

ومن المعلوم أنّ هذا إنّما يجري فيما أحرز أنّ الفاعل أتى بعمل مخصوص ، وكان قاصدا لعنوان ذلك العمل ؛ أي كان قاصدا لذلك العمل بخصوصه ، كما إذا أحرز أنّه اشتغل بصلاة الميّت ، أو اشتغل بغسل الثوب بعنوان التطهير وإزالة النجاسة ، أو قصد صلاة المغرب الذي لا بدّ فيه من ثلاث ركعات ، أو العشاء الذي

٢٣

لا بدّ فيه من أربع ركعات وهكذا.

وأمّا فيما لم يحرز ذلك ، بل شكّ أنّه كان قاصدا لأصل الإتيان بذلك العمل المفروض اعتبار ذلك الجزء أو القيد فيه ، أو كان قاصدا لغيره ممّا لا يعتبر فيه ذلك ، فليس هناك منشأ لرجحان احتمال أنّه كان قاصدا لذلك العمل ، حتّى يكون لازمه النوعي كونه قاصدا له بجميع أجزاءه وقيوده.

ومجرّد احتمال اعتبار أصل متكفّل لاحراز أنّه كان قاصدا لصلاة الميّت ، أو تطهير الثوب ، أو صلاة المغرب مثلا.

لا يجدي ما لم يقم عليه دليل ، ولم يقم مثل هذا الدليل في المقام على الفرض ، حيث إنّ الدليل ليس إلّا ما عرفت ، والمتيقّن منه ما عرفت.

نعم ، لو كان ما نواه دائرا بين الحسن والقبيح ، فقد دلّت الأخبار على تنزيه فعل المسلم عن القبيح ، وحمله على أنّه صدر منه على وجه حسن ، ولم يكن بصدد إيجاد القبيح.

ولكن قد أوضحنا في محلّه ، أنّ هذه الأخبار لا تنفعنا شيئا في موارد الحاجة إلى أصالة الصحّة ، وإحراز اتّصاف العمل بالصحّة والتماميّة الموجبة للاجتزاء وترتيب ما له من الآثار.

هذا ، مضافا إلى ما عرفت من أنّ عناوين الصلاة عناوين قصديّة ، تتحقّق بالقصد إليها ، وترتّب تحقّقها على قصد تحقّقها ترتّب تكويني عادي ، وليس ترتّبا شرعيّا مستندا إلى جعل الشارع ، وعليه فإحراز أنّ ما بيده معنون بعنوان العصريّة الذي لا محيص عن إحرازه ، لما مرّ من استفادة اعتبار ذلك من الأخبار ، وأنّ نفس

٢٤

العنوان قيد في المأمور به ، لا أنّ القيد مجرّد قصده ولو لم يتحقّق المقصود ، لا محالة يكون إثباتا من الأصل ، بناء على ما هو الحقّ من كون أصالة الصحّة من الأصول المحرزة لا من الأمارات والطّرق.

* * *

البحث عن قاعدة التجاوز

أقول أوّلا : وممّا ذكرنا آنفا يتبيّن الحال في قاعدة التجاوز أيضا إذ هي أيضا على ما يستفاد من كلمات الأصحاب ، ويستظهر من التعليلات والتعبيرات الواقعة في الأخبار ، من مثل قولهم عليهم‌السلام : (بلى قد ركع) ، أو : (هو حين يتوضّأ أذكر منه حين يشكّ) ؛ أنّ حالها كحال أصالة الصحّة ، في أنّها لا مجرى لها إلّا في موارد تحقّق منشأ الظنّ والرجحان النوعي ، وهي موارد إحراز أصل عنوان العمل. وأمّا فيما لم يحرز ذلك ، كأن صدر منه فعل وشكّ في أنّه كان وضوءا حتّى يكون واجدا لجميع ما يعتبر فيه ، أو كان غسلا للوسخ أو للتبريد مثلا ، فلا مجرى في مثله لا لقاعدة الفراغ ، ولا لقاعدة التجاوز.

كما لا مجرى لهما فيما شكّ في أصل صدور العمل إلّا فيما بعد الوقت ، فإنّه مجرى للشكّ بعد الوقت.

ففيما نحن فيه ، المشكوك فيه فعل صدر منه ولا نعلم أنّه كان قاصدا لعنوان الظهر حتّى تكون ما بيده باطلة ، أو كان قاصدا للعصر حتّى تكون صحيحة ، فلا أصل حينئذ يحقّق لنا على نحو الإحراز أنّه كان قاصدا للعصر.

مضافا إلى ما عرفت من أنّ إحراز أنّ ما بيده معنون بعنوان العصر ، بمجرّد

٢٥

البناء على أنّه كان قاصدا للعصر ، إثبات من الأصل.

وثانيا : ومن ذلك يتبيّن أيضا أنّه لا فرق في عدم جريان هذين الأصلين في محلّ الكلام :

بين ما إذا كان قاطعا بأنّه كان غافلا حين القيام إلى ما بيده عن أنّه قد صلّى الظهر ، ومع ذلك يحتمل أنّه غفل حين العمل ، ولم يعمل بمقتضى زعمه فنوى العصر.

وبين ما إذا كان قاطعا بأنّه كان ملتفتا إلى أنّه قد صلّى الظهر ، حتّى يكون قد نوى العصر ، أو كان غافلا حتّى يكون قد نوى الظّهر ، إذ ليس في شيء من الصّور عمل قد أحرز كونه مقصودا بعنوانه الخاصّ ، ومشكوكا في صدوره تامّا أو ناقصا ، وإذا لم يجر أصل مصحّح لما بيده ، وموجب لانحلال العلم الإجمالي المتقدّم لكونه موجبا لحرمة القطع ، أو وجوب الإتمام مع جريان البراءة عن وجوب الاستئناف بلا معارض ، فلا محالة ينعكس الأمر ، وتكون قاعدة الاشتغال الجارية بالنسبة إلى تكليف العصر معلّقا على إتمام ما بيده ، وإنّه على تقدير إتمامه يشكّ في فراغ ذمّته بذلك الذي أتمّه عن التكليف الفعلي القطعي بالعصر ، فلا محيص عن استينافه للعمل بنيّة العصر من أوّل افتتاحه ، حتّى يقطع بالفراغ على وفق العلم الإجمالي. ولكون العمومات الدالّة على حرمة القطع غير قابلة للتمسّك ، لكون موضوعهما العمل الصحيح في الواقع ، والشبهة من هذه الجهة مصداقيّة لا محالة ، لاحتمال البطلان القهري ، فلا محيص عن جريان البراءة عن حرمة القطع بلا معارض ، فينحلّ العلم الإجمالي لا محالة ، ممّا يقتضي أن يرفع يده عمّا بيده

٢٦

ويستأنف العمل بنيّة العصر ، وإن كان الأولى إتمام ما بيده بنيّة العصر برجاء الصحّة ، ثمّ الإعادة بنيّة العصر برجاء الصحّة ، وبقاء الأمر من دون فرق بين ما كان في الوقت المختصّ بالظهر ، كما إذا فرض إتيانه بالظهر جهلا قبل الزّوال مع إدراك شيء منها بعد الزوال ، أو في الوقت المشترك ، أو في الوقت المختصّ بالعصر.

توهّم : أنّ موضوع قاعدة الاشتغال هو الشكّ في الفراغ عن العصر ، الذي يتوقّف على عدم قطع ما بيده ، وإلّا فينقلب الشكّ في الفراغ إلى القطع بعدمه ، وتنعدم قاعدة الاشتغال بانعدام موضوعها ، وموضوع البراءة هو ما إذا لم يكن قطع ما بيده معدوما ؛ أي يكون موجودا حتّى تكون البراءة منشأ لمخالفة التحريم الواقعي ، ففي رتبة جريان قاعدة الاشتغال لا مجال لجريان البراءة ، وفي رتبة جريان البراءة لا مجال لجريان قاعدة الاشتغال ، فلا تجتمعان معا حتّى توجبا انحلال العلم.

باطل جدّا : وذلك لوضوح أنّ موضوع قاعدة الاشتغال ، إنّما هو الشكّ في البراءة المعلّق على إتمام ما بيده ، لا الشكّ بالبراءة فعلا ، لبداهة أنّه قبل القطع والإتمام كان على يقين من عدم فراغ الذمّة من العصر ، وليس على شكّ منه ، فلا محالة يحكم العقل بأنّه لا يجوز الاكتفاء بالإتمام الموجب للشكّ في الفراغ ، بل لا بدّ له من الاستيناف الموجب للقطع بالفراغ ، سواء قطع ما بيده أو أتمّها ، فقد تنجّز بهذا الحكم من العقل تكليف وجوب الاستيناف ، ويبقى الشكّ في أنّه هل يجوز له قطع ما بيده حتّى ينعدم موضوع القاعدة ، ويحكم العقد بوجوب الاستيناف من باب الطاعة لا الاحتياط ، أو يحرم ذلك ، بل لا بدّ له من إتمامه حتّى

٢٧

يكون حكم العقل بالاستيناف من باب الاحتياط فقط؟

وهذا الشكّ فعليّ ، ومجرى للبراءة فعلا ، وهي منشأ لمخالفة التكليف الواقعي المحتمل ؛ أعني وجوب الإتمام ، ولا معنى لكونه منشأ لذلك إلّا لكونه سندا ومعوّلا عليه في اقتحام مخالفة التكليف المحتمل ، وهذا إنّما يعقل فيما قبل القطع ، وإلّا فبعد القطع لا مجرى لأصل البراءة ، للغويّتها بعد تحقّق المخالفة.

ومجمل القول : إنّ الشكّ في وجوب الإتمام ، وجواز القطع قبل فعليّة القطع والإتمام ، موضوع للبراءة ، فلا محيص عن جريانها قبلهما ، والعقد حاكم بأنّه على تقدير قطع ما بيده يجب الاستيناف للطاعة ، وعلى تقدير إتمامه يجب الاستيناف للاحتياط وتحصيل القطع بالفراغ ، فوجوب الاستيناف المحتمل متنجّز ومعاقب على مخالفته بحكم العقل المفروض ، ووجوب الإتمام وحرمة القطع غير متنجّز ، لكونه مجرى للبراءة عقلا وشرعا بلا معارض ، ولا يعني الانحلال سوى هذا الذي ذكرناه.

الحالة الثانية : إذا فرض في المسألة كونه قاطعا بعدم إتيان الظهر :

فإن كان ناويا الظهر فيما بيده فإنّه يكون قد نوى ما هو المأمور به من أوّل الأمر.

وإن كان ناويا فيه العصر ، يكون قد نوى اللّاحق الغير المأمور به ، لكنّه محل لوجوب العدول ، المستفاد بالأولويّة من الأخبار الدالّة عليه فيما علم تفصيلا أنّه كان قد نوى اللّاحقة.

وحينئذ فإن كان في الوقت المختصّ بالظهر ، أو في الوقت المشترك ، وجب عليه العدول إلى الظهر فيما بيده ، وإتمامه ظهرا ، ثمّ الإتيان بالعصر.

٢٨

وإن كان في الوقت المختصّ بالعصر :

فإن كان الوقت بمقدار لو عدل فيما بيده إلى الظهر لبقى للعصر مقدار إدراك ركعة من الوقت ، فإنّه لا بدّ له من العدول وإتمامه ظهرا ، ثمّ الإدراك بركعة من العصر في الوقت ، وإتمامها في خارجه.

وإن كان بمقدار لا يسع لإحدى الصّلاتين ، يكون قد فاتته الظهر ، ولا يبقى له مجال للعدول ، ولكنّه تبطل ما بيده ؛ لما عرفت من عدم إمكان إحراز صحّته ، فلا بدّ من رفع اليد عنه ، واستيناف الصلاة عصرا ولو بإدراك ركعة منها في الوقت ، ثمّ قضاء الظهر الفائتة.

وهذا التفصيل يجري بعينه فيما إذا شكّ في أنّ المأتي بها كان ظهرا أم لا ، وذلك بمقتضى أصالة عدم الإتيان وقاعدة الاشتغال بالظهر.

نعم ، في هذا الفرض في خصوص ما إذا كان في الوقت المختصّ بالعصر وعدمه إشكال :

في أنّ مثله هل يعدّ من صغريات قاعدة الشكّ بعد الوقت بالنظر إلى الظهر ؛ نظرا إلى خروج الوقت الصالح فعلا لتفريغ الذمّة عن الظهر أداء بعلم والتفات ، ممّا يقتضي أن يبني على أداءه لها وفراغ ذمّته منها ، وبالتالي فلا قضاء عليه.

أمّ أنّه ليس من صغرياتها ، نظرا إلى بقاء الوقت الصالح شأنا لإتيان الظهر فيه صحيحة أداء ، فيبقى أصالة عدم الإتيان ، وهو كاف للدلالة على وجوب القضاء ، بناء على أنّ موضوعه مجرّد عدم الإتيان في الوقت ، أو قد لا يكون كافيا ، بل تجري البراءة ، بناء على أنّ موضوعه الفوت الذي لا يثبت بأصالة عدم الإتيان.

* * *

٢٩

المسألة الثانية

قال رحمه‌الله : (إذا شكّ في أنّ ما بيده مغرب أو عشاء ...).

أقول : حكم هذه المسألة متطابق مع ما تقدّم في المسألة السابقة حذوا بحذو ، ولا فرق بينها ، إلّا من جهة بقاء محلّ العدول من الظهرين إلى ما قبل أن يسلّم للصلاة بسلام واجب ، وفي العشاءين ينتهي محلّ العدول بالدخول في الركوع من الرابعة ، أمّا القيام بأعمال زائدة على مقدار الصلاة السابقة ، ولو بمثل القيام والتسبيح ونحو ذلك ممّا يتقدّم على ركوع الرابعة مثلا ، محلّ إشكال في كونه محلّا للعدول ، وإن كان الأظهر على ما يستظهر من إطلاق الأخبار ، كونه محلّا له ، وأنّ العدول من اللّاحقة إلى السّابقة واجب مطلقا ، ما لم يوجب العدول زيادة ركعة أو ركن في الصلاة.

* * *

٣٠

المسألة الثالثة

(إذا علم بعد الصلاة أو في أثنائها أنّه ترك سجدتين ...).

أقول : الظاهر من أدلة وجوب حفظ الركعتين الأوّلتين ، إنّما هو وجوب حفظها من حيث العدد ، وأمّا أجزائها الرّكنيّة أو غيرها ، فحاله حال الركعات الباقية ، في أنّها ربما تحرز نفيا وإثباتا بالأصول والقواعد الشرعيّة ، من مثل قاعدة التجاوز والفراغ والاستصحاب وغير ذلك ، كما أنّ حال فواتها العمديّة والسهويّة كحال فوات أجزاء الركعات الباقية ، في أنّ الأركان منها قد تكون قابلة لأن تتلافى قبل الدخول في الرّكن اللّاحق ، وقد تكون غير قابلة لذلك ، بل تبطل الصّلاة فيما إذا كان التذكّر بعد الدخول في الرّكن ، أو بعد عروض ما يبطل الصلاة عمدا وسهوا ، وأنّ الغير الركنيّة منها منها ، ما لا تتلافى مطلقا ؛ أعني حتّى فيما لم يدخل في الرّكن ، لكن لم يعرض عليها ما يبطلها عمدا وسهوا ممّا يوجب صحّة الصلاة.

ومنها ما تتلافى قبل الأمرين وتوجب صحّة الصلاة بلا حاجة إلى سجدتي السّهو.

ومنها ما لا تتلافى بعد الأمرين ، وتوجب صحّة الصلاة ، لكن مع وجوب القضاء ممّا فات أو بدونه مع وجوب سجدتي السّهو أو بدونه.

قال الشيخ : ـ وتبعه جماعة ـ إنّ الصلاة باطلة فيما لم تكن الركعة الاولى أو إتيانها محرزة بجميع أجزاءها ، كأن يعلم بفوت شيء كالسجدة أو السّجدتين منها ، أو يشكّ في ذلك سواء دخل في الرّكن أو عرض المبطل أم لا ، لا مدرك له.

٣١

وفيه : إنّ دعواه بالبطلان ممنوعة لا مدرك له عليه ، بل نعتقد أنّه لا فرق في مفروض المسألة بين صدرها من حيث فرض العلم بأنّ السجدتان فاتتا من الأولتين ، أو العلم بأنّهما فاتتا من الأخيرتين ، أو العلم الإجمالي بفواتها ؛ أمّا من الأوّلتين أو من الأخيرتين ، أو العلم بفواتها إجمالا مع التردّد في أنّها فاتتا من الاولى والثانية ، أو من الثّانية والثالثة ، أو من الثالثة والرابعة ، أو من الاولى والثالثة ، أو من الاولى والرابعة ، أو من الثانية والرابعة ، في أنّه لا منشأ للبطلان في شيء منها من ناحية مجرّد العلم بعدم الإتيان في المحلّ المعيّن له ، أو الشكّ في إتيانه فيه ، بل لا بدّ في الجميع من الجري على ما تقتضيه القواعد.

ثمّ إنّ محلّ تدارك الجزء المنسي الفائت إنّما هو في محلّه الأصلي ـ ركنا كان أو غيره ـ ما لم يدخل في الرّكن.

والحكم بتحقّق الفوت ، وبطلان الصلاة أو صحّتها ، مع وجوب سجدة السهو فقط ، أو قضاء ما فات فقط ، أو هما معا بالدخول في الرّكن ، ممّا يستفاد من نفس النصوص الواردة في الركوع أو السجود أو التشهّد أو

غيرها ، الدالّة على وجوب التدارك ما لم يدخل في الرّكن ، الظاهرة في أنّ المناط في وجوب التدارك إنّما هو إمكان التدارك مع بقاء الصلاة على الصحّة ، وعدم استلزامه لزيادة يبطل عمدا وسهوا ، في ما يمكن فيه ذلك ، فيجب تداركه مع إعادة ما قدّمه من الأجزاء ممّا يترتّب على ذلك المتدارك ، إلّا ما خرج بالدّليل الخاص ، كما في نسيان الجهر أو الإخفات مثلا ، وما لم يكن فيه ذلك فلا محلّ لتداركه ، بل يعدّ فائتا :

فإن كان ما تبطل الصلاة به عمدا وسهوا ، فالعمل باطل رأسا ، ولا بدّ من استينافه.

٣٢

وإن كان من غيره ، فالعمل صحيح ، ولكن يجب عليه قضاء ما فات في بعض الصور دون بعض ، مع سجدتي السهو أو بدونه.

ولظهورها في هذه الإناطة ، نلتزم بفوات محلّ التدارك لمثل ذكر الركوع والسجود ونحو ذلك ، بمجرّد الخروج عنهما ، ورفع الرأس عنهما ، فإنّه وإن لم يكن داخلا في الرّكن اللّاحق على الفرض ، إلّا أنّ تدارك ما فات لا يكون إلّا في محلّه المتحقّق ؛ أعني الركوع والسجود ، وهما قد مضيا وإعادتهما لتدارك ما فات موجب للزيادة المبطلة عمدا وسهوا.

كما أنّ لظهورها في هذه الإناطة دلالة أيضا في أنّ وجوب التدارك ما لم يدخل في الرّكن ، إنّما هو فيما إذا كانت الصّلاة باقية على وصف الصحّة من غير ناحية فقد هذا المنسي ، أو فقد الترتيب أو الزيادة التي ليست من الأركان ، بأن لم يكن قد عرض لها ما يبطلها عمدا كان أو سهوا من سائر منافيات الصّلاة ، من مثل الحدث والاستدبار ، والفعل الكثير الماحي للصورة ، ونحو ذلك ، وإلّا فمع عروض شيء من ذلك ، تعدّ الصلاة المذكورة باطلة من ناحية تلك العوارض.

ومجرّد قابليّة ما فات للتدارك في حدّ نفسه ، لا يجدي شيئا بعد أن عدّ تداركه واقعا لا محالة في صلاة باطلة.

وعليه فكما أنّه لو نسي الركوع أو السجدتين ، أو غيرهما من الأركان ، وتذكّر قبل الدّخول في الرّكن اللّاحق ، ولكن بعد حدوث شيء من تلك المنافيات في أثناء الصلاة ، تبطل الصلاة لا محالة لكن لا من جهة فوات الرّكن ، بل من جهة عروض ذلك المبطل الخارجي ، كذلك تبطل الصلاة فيما لو نسي الجهر

٣٣

أو الإخفات ، أو القراءة ، أو شيئا منها ، أو التشهّد ، أو السجدة الواحدة أو شيئا من أجزاءها وقيودها ، وتذكّر قبل الدخول في الرّكن اللّاحق ، لأنّه بعد عروض شيء من تلك المنافيات لا محالة تبطل الصلاة ، لا من جهة فقد ذلك المنسي ، أو عدم إمكان تداركه لاستلزامه زيادة مبطلة ، بل من جهة سبق البطلان المستند إلى تلك المنافيات ، الموجب للغوية تدارك ما فات ، وعدم إمكان تداركه على وجه يكون ما به يحصل امتثال التكليف.

أقول : وهذا كلّه ممّا لا يخفى على المتأمّل في تلك الأخبار ، وكيفيّة الجمع والتوفيق العرفي في مداليلها ، ولكن ذلك إنّما هو فيما فرض أنّ عروض تلك المنافيات إنّما هو في أثناء الصلاة ، وقبل الخروج عنها بما هو مخرج عنها ، ومحلّل عن تحريمها.

وأمّا في الموارد التي عرض شيء منها ، بعد تسليمة يشكّ في كونها مخرجا عن الصلاة ومحلّلا لتحريمها على نحو الشبهة الحكميّة ؛ كما إذا نسي السّجدتين ، أو الواحدة ، أو التشهّد ، أو شيئا من أبعاضها في الركعة الأخيرة ، وتذكّر بعد التسليم ، وبعد عروض شيء من تلك المنافيات ، فلا تنفع ظواهر تلك الأخبار في تصحيح مثل هذه الصلاة أبدا.

تذكّر النقص قبل التسليمة : إنّما تنفع ظواهرها بالنظر إلى ما إذا تذكّر قبل التسليم الواجب ، وبما أنّه قد فاته التدارك ـ ركنا كان أو غيره ـ أمكن الحكم بالصحّة في مثله ، لعدم استلزام زيادة مبطلة عمدا وسهوا ، وبلا سبق عروض البطلان على الصلاة من غير ناحية ذلك المنسي في محلّه الأصلي ، فلا بدّ من

٣٤

التدارك بمقتضى نفس تلك النصوص ، ويكون مقتضى الجمع العرفي بينها وبين مثل حديث (لا تعاد) أنّ هذه إنّما هي ناظرة إلى الموارد التي يمكن فيها تدارك ما فات بلا استلزام البطلان ، أو سبق عروض المبطل ، والحديث ناظر إلى الموارد التي لم يسبق فيها عروض البطلان عن منشأ آخر ، مع توقّف تدارك ما فات على إعادة نفس الصلاة ، لعدم إمكان تداركه في الأثناء ، لاستلزامه الإبطال ، وأنّه إن كان المفقود من الخمسة فتجب إعادة الصلاة لتدارك ما فات ، وإن كان من غيرها فلا تجب إعادة الصلاة لتدارك ما فات ، مع السكوت عمّا هو الوظيفة ، وإيكالها إلى ما افيد في تلك الأخبار.

وأمّا فيما إذا كان التذكّر بعد السّلام وبعد عروض شيء من المنافيات :

فإن كان المنسي ركنا كالسجدتين ، فلا ثمرة في تشخيص أنّ مثل هذا السّلام مخرج أم لا ، للقطع التفصيلي ببطلان ما بيده من الصلاة :

إمّا لفوات الرّكن ، وعدم إمكان تداركه في أثناء الصلاة للفراغ عنها ، بحيث لو أتى به لكان إتيانه بعد العمل إن قلنا بكون هذا التسليم الواقع سهوا ، بزعم تماميّة الصلاة مخرجا عنها ومحلّلا لتحريمها.

وإمّا لعروض البطلان في أثناء العمل من منشأ آخر غير فقد ذلك المنسي ، إن قلنا بعدم كونه مخرجا ومحلّلا ، وإنّما هو شيء وقع في غير محلّه ، وهو بعد في أثناء الصلاة ، ومكلّف بإتيان السّجدتين وما بعده ممّا يترتّب عليهما حتّى نفس التسليمة.

وأمّا إن كان المنسي غير الرّكن : كالسجدة الواحدة أو التشهّد.

٣٥

فالإشكال : إنّما هو في تشخيص أنّ هذه التسليمة :

هل هي محلّلة ومخرجة عن الصلاة ، وإن كانت واقعة سهوا في غير محلّه ، أو بزعم سبق ما يجب عليه.

أو أنّ التسليمة المحلّلة والمخرجة عن الصلاة لا تكون إلّا التسليمة الواقعة في محلّها ، مترتّبة على ما سبقها من واجبات الصلاة ، وأمّا الواقعة في غير محلّها بزعم الإتيان ممّا ترتّب هي عليها ، فهي تسليمة زائدة وقعت سهوا ؛ أي مبنيّا على نسيان السجدة مثلا ، واعتقاد الإتيان بها.

أمّا الأوّل : فإنّه يترتّب عليه أمران :

أحدهما : صحّة ما فرغ عنها من الصّلاة ، لوقوع المنافي لها في الخارج عنها وبعد الفراغ عنها.

والثّاني : فوات ذلك المنسي ، وعدم إمكان تداركه في أثناء العمل ، بحيث يقع كلّ جزء على طبق ما أمر به ، وامتثالا أدائيّا للأمر المتعلّق به في ضمن الأمر بالكلّ ، وإنّما الممكن هو تداركه قضاء في خارج العمل ، فيحكم بصحّة الصلاة مع فوات ذلك الجزء ، أو عدم إمكان تداركه في أثناء العمل ، وعدم وجوب إعادتها لما هو مقتضى مثل حديث (لا تعاد) ، ولا مجال حينئذ للحكم بوجوب التدارك مع ما يترتّب عليه ، ويفرض التسليمة الواقعة كغير الواقعة ، كما يصنع في الأجزاء المنسيّة وما ترتّب عليها في أثناء الصّلاة ، فيما إذا كان التذكّر قبل الدخول في الرّكن ، لعدم دلالة الأخبار السابقة على وجوب التدارك في مثله ، وإنّما تدلّ الأخبار على التدارك فيما إذا كان المكلّف بعد في أثناء العمل ، لا فيما إذا خرج عنه وفرغ

٣٦

عنه بحكم الشرع.

وأمّا القضاء فإنّه إنّما يحكم بوجوبه بحسب ما يستفاد من تلك الأخبار ، من أنّ مثل السجدة والتشهّد ممّا يجب تداركه بقضاء نفسه في خارج الصّلاة ، فيما فرضت صحّة الصّلاة ، وفوات محلّ تداركه في الأثناء بالدخول في الرّكن ، فيستظهر منها أنّ المناط في ذلك هو فرض صحّة الصلاة مع فوت محلّ التدارك في الأثناء ، سواء كان ذلك للدخول في الرّكن اللّاحق كما هو المفروض فيها ، أو للفراغ عن الصلاة والخروج عنها بالتسليمة المحلّلة للمحذورات المنافية.

أمّا الثاني : فإنّه يترتّب عليه أنّ حال مثل هذه التسليمة الواقعة في آخر الركعة الأخيرة من الصلاة ، كحال التسليمة الواقعة خلال الصلاة في الركعة الأولى والثانية أو الثالثة بزعم تماميّة الصّلاة ، ونسيان ركعة أو ركعتين أو ثلاث منها ، ولذلك لا يترتّب عليها شيء من أحكام التسليمة المخرجة والمحلّلة ، بل المكلّف يعدّ مشغولا بالصلاة ، فلو عرض شيء من المنافيات المطلقة ، فإنّه لا محالة تبطل الصّلاة ، ويعدّ عاجزا عن تدارك المنسي بنفسه لا في الأثناء ولا بعد العمل ، سواء كان ركنا أو غيره ، لاستناد البطلان إلى ذلك المنافي. وقد مرّ أن تدارك المنسي ـ ركنا كان أو غيره ـ في أثناء العمل أو خارجه ، لا بدّ أن يكون في فرض صحّة العمل من غير ناحية ذلك المنسي ، على ما هو المستفاد من الأخبار السّابقة ، ولو لم يعرض شيء منها فلا محالة يبقى محلّ تدارك المنسي ـ ركنا كان أو غيره ـ مع إعادة ما سبق منه ، ممّا يترتّب على ذلك المنسي ، مع عدم استلزام تداركه بوجود ما يبطلها عمدا وسهوا ، وقد عرفت أنّ ظاهر تلك الأخبار هو وجوب التدارك في مثله.

٣٧

وبعبارة اخرى : يمكن أن يقرّب الوجه الثاني ويستدلّ عليه ، بالأخبار الواردة في نسيان الركعة أو الركعتين إلى ما بعد الفراغ عن الصلاة ، بالتسليمة المفصّلة ، بين ما إذا فرض التذكّر بعد الاستدبار ، وبين ما إذا فرض قبله ، من الحكم بالبطلان ، أو وجوب استيناف الصلاة في الأوّل ، والحكم بالصحّة ووجوب تدارك نفس الركعة أو الركعتين ، الظاهرة في حدّ نفسها ـ على ما فهمه الأصحاب ـ في التدارك أثناء الصلاة ؛ بمعنى البناء على الصلاة وإتمامها بإضافة الركعة أو الركعتين ، مع إعادة ما سبق منه ، ممّا يترتّب على الفائت لا بمعنى القضاء في خارج العمل ، فيقال إنّ المذكور فيها ، وإن كان هو الاستدبار ، إلّا أنّه من باب المثال ، وإلّا فالمناط عبارة عن مطلق ما ينافي الصلاة ويبطلها ، عمدا كان أو سهوا ، والمذكور في الأخبار وإن كان عنوان نسيان الركعة ، إلّا أنّها من باب المثال ، وإلّا فالمناط هو فوت شيء يجب تداركه في أثناء العمل ، فيما لم يسبقه البطلان من منشأ آخر ولم يوجب تداركه عروض البطلان.

فتكون الأخبار ظاهرة في أنّ التسليمة الواقعة في غير محلّها مطلقا ، حتّى ولو كانت في الركعة الأخيرة ، غير مخرجة عن الصّلاة ، وغير محلّلة لتحريمها وغير مفوّتة لمحلّ ما فات من واجباتها ركنا كان أو غيره.

أقول : لكن قد حكي العدول من هذين الوجهين عن جماعة منهم الشهيد رحمه‌الله في «الذكرى» وصاحب «المدارك» وصاحب «الرياض» ، بل حكي عن الأخير أنّه لم يجد في الحكم خلافا ، وصرّحوا بأنّه :

إن كان المنسي السجدتين ، وتذكّر المصلّي بعد التسليم ، بطلت صلاته

٣٨

لفوات الرّكن.

وإن كان سجدة واحدة ، قضاها منفردة ، لفوات محلّ تداركها في الأثناء.

واستدلّ صاحب «المدارك» على ذلك بعدّة أدلّة :

منها : إطلاق قوله عليه‌السلام في صحيحة ابن سنان :

«إذا نسيت شيئا من الصّلاة ركوعا أو سجودا أو تكبيرا ، فاقض الذي فاتك سهوا».

بناء على ظهورها في فرض النسيان ، ما دام هو في الصّلاة ، وفرض التذكّر فيما بعد الفراغ عنها بالتسليمة ، وظهور (القضاء) في القضاء المصطلح ؛ أعني التدارك خارج العمل.

ومنها : قوله عليه‌السلام في صحيحة ابن مسلم ، عن أحدهما عليهما‌السلام :

«في الرّجل يفرغ من صلاته ، وقد نسى التشهّد حتّى ينصرف؟

فقال : إن كان قريبا رجع إلى مكانه فتشهّد ، وإلّا طلب مكانا نظيفا فتشهّد فيه».

بناء على ظهورها في القضاء المصطلح ، كما هو ظاهر تخصيص التدارك بنفس التشهّد من دون التعرّض لتجديد ما يترتّب عليه ؛ أعني التسليمة.

ومنها : الاستدلال بقوله عليه‌السلام في صحيحة حكم ابن حكيم ، قال :

«سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل ينسى في صلاته ركعة أو سجدة أو الشيء منها ، ثمّ يذكر بعد ذلك؟

قال : يقضي ذلك بعينه.

فقلت : أيعيد الصلاة؟ فقال : لا».

٣٩

بناء على ظهورها في القضاء المصطلح ، وفرض التذكّر فيما بعد الفراغ.

وقد اشتملت الرواية الاولى والثالثة بإطلاقهما ونصوصيّتهما على ما لا يقول به الأصحاب ، من وجوب القضاء لكلّ ما فات على ما هو واضح ؛ وذلك موهن للتمسّك بإطلاقها جدّا.

وما يقال : إنّ المستهجن إنّما هو التخصيص للأكثر في العمومات الوضعيّة ، وأمّا التقييد في الإطلاقات ، فلا استهجان في كثرته ، بل لا مانع منه حتّى ينتهي إلى واحد لا يصغى إليه.

فإنّه يقال : لو سلّم ذلك ، فإنّه يسلّم ذلك في الإطلاقات البدليّة. وأمّا الشموليّة فحالها كحال العمومات ، في أنّ استهجان كثرة التقييد المساوق لكثرة التخصيص في النتيجة أمر لا يقبل الإنكار.

وأمّا دلالتها على وجوب القضاء في السجدة الفائتة بالنصوصيّة ، فلا جدوى فيه بعد ما ثبت أنّها وردت من باب المثال ، ومن جهة تطبيق العموم عليها ، لا أنّه حكم فيها أنّها سجدة بخصوصيّتها.

فالوهن في دلالتهما فيها بالنصوصيّة ، عين الوهن في الإطلاق المفاد فيها.

وحملهما على مطلق رجحان القضاء ، في مطلق فوائت أجزاء الصلاة ، الأعمّ من الوجوب والاستحباب ، فيما فرض التذكّر فيما بعد الفراغ ، حتّى يثبت بإطلاقهما كون السّلام الواقع في غير محلّه مخرجا عن الصّلاة.

لا يجدي شيئا ، بعد أن ثبت أنّ من الفوائت ما لا رجحان في تداركه قضاء ، حتّى مع فرض صحّة الصلاة.

٤٠