رسالة في فروع العلم الإجمالي

آية الله الشيخ باقر الزنجاني

رسالة في فروع العلم الإجمالي

المؤلف:

آية الله الشيخ باقر الزنجاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: انتشارات دار التفسير
المطبعة: وفا
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-535-198-2
الصفحات: ٤٤٠

المسألة الثالثة عشر

قال رحمه‌الله : (إذا كان قائما وهو في الركعة الثانية من الصلاة ، وعلم أنّه أتى في هذه الصلاة بركوعين ، ولا يدري أنّه أتى بكليهما في الركعة الاولى حتّى تكون الصلاة باطلة ...).

أقول : التمسّك في هذه المسألة بقاعدة الشكّ في المحلّ ممنوع كالتمسّك بقاعدة الاشتغال حيث لا محلّ له ، وليس ذلك من جهة المناقشة في أنّ كونه في المحلّ لعلّه من مصاديق الشبهة المصداقيّة ـ حيث إنّه مع شكّه في تحقّق ركوع الركعة الثانية ، يحتمل أن يكون قيامة الذي هو فيه ، القيام المترتّب على الركوع ، كما ويحتمل أن يكون هو القيام الذي يترتّب عليه الركوع ، وذلك لما عرفت من أنّ الفعل المترتّب على الركوع ، الذي بالدخول فيه يتجاوز محلّ الشكّ في تحقّق الركوع ، إنّما هو السجود أو الهويّ إليه ـ بل من جهة أمر مطّرد بينها وبين قاعدة الاشتغال ، وهو القطع بلغوية الإتيان بالركوع في هذه الركعة ، وعدم الأمر به ، إمّا لإتيانه به في الواقع ، أو لفساد الصلاة في الركعة الاولى بزيادة الركوع.

وحينئذ فربما يقال : بأنّ القطع بعدم التكليف بالركوع في الركعة الثانية ، يوجب عدم كونه مجرى شيء من الاصول ، وحينئذ فتجري أصالة الصحّة في الصلاة ، أو أصالة عدم تحقّق ركوع ثان في الركعة الاولى ، المقتضي للصحّة السليمة عن المعارض ، فيحكم للمصلّي بصحّة صلاته وحرمة قطعها ، ووجوب إتمامها بلا ركوع فيما بيده من الركعة.

١٦١

ولكنّه قول باطل جدّا : لبداهة أنّ العلم بعدم التكليف بالركوع في الرابعة مردّدا بين كونه للصحّة والإتيان ، وبين كونه لفساد أصل الصلاة ، ولغوية إتيان الركوع فعلا ، ووجوب إعادة أصل الصلاة ، تجري لقاعدة الاشتغال بالنسبة إلى أصل الصلاة ، المقتضية لتحصيل البراءة بإتيان صلاة لا يحتمل فيها الفساد ، أو يدفع احتماله بتعبد شرعي ، فكيف يكتفى بصلاة يحتمل فيها نقص الركوع في الركعة الثانية ، اللّازم في الفرض لزيادته في الركعة الاولى ، ما لم يدفع هذا الاحتمال بتعبّد شرعي.

وأمّا أصالة الصحّة ـ بمعنى قاعدة الحمل على الصحّة ـ فهي مع ما فيها من اشكال الاختصاص بفعل الغير لا يخلو : إمّا بمعنى المضيّ بها وعدم عروض المبطل للصلاة ، يعدّ أصلا حكميّا مع ما فيه من الإشكال في نفسه.

أو بمعنى استصحاب عدم تحقّق ركوع ثان في الركعة الاولى ، مع ما فيه من مناقشة معارضته باستصحاب عدم تحقّق أصل الركوع في الركعة الثانية.

فلا يجدي شيء منها في إثبات أنّه ركع في الثانية ، فما لم يدفع احتمال هذا النقص ، لا يمكن أن يكتفي بما في يده من الصلاة ، لمجرّد أنّه متردّد :

بين صحّة صلاته وعدم زيادة الركوع في الأوّل ، وعدم نقصه في الثانية ، فلا يحتاج إلى الركوع في الثانية.

وبين فساد صلاته لزيادة الركوع في الاولى ، فلا ينفع الركوع في الثانية ، بل لا بدّ من استيناف الصّلاة.

ثمّ إنّ من الغريب قيام المصنّف رحمه‌الله بالجمع بين هذا العلم التفصيلي بلغوية

١٦٢

الركوع في الثانية ، مع ما تقدّم من جريان شيء من الاصول الثلاثة المتقدّمة ، الحاكمة بصحّة الصلاة إلى الآن ، وعدم عروض المبطل لها في الركعة الاولى؟

إذ مع جريان شيء من هذه الاصول ، كيف يمكن حصول القطع بعدم فائدة فعليّة من الركوع؟ نعم ، يحصل القطع فيما لو انكشف الواقع وعلم المصلّي أنّ صلاته فاسدة على تقدير زيادة الركوع في الركعة الاولى واقعا ، لكن بعد فرض أنّ هذه الاصول متكفّلة لإلغاء احتمال الفساد ، المستند إلى زيادته في الركعة الاولى ، وساكتة عن رفع احتمال نقصه في الركعة الثانية نفيا وإثباتا معه ، فيحتاج إلى إتيان الركوع في هذه الركعة ؛ لاحتمال نقصه واقعا مع صحّة الصلاة فعلا ، المحرزة على الفرض بتلك الاصول ، من دون اعتبار لسان إثباتها ، وأنّه قد ركع في الثاني ، فإذا ركع فيعلم بتحقّق زيادة الركوع في صلاته.

فالحقّ في المسألة : أنّه بناء على عدم جريان شيء من تلك الاصول ، القاضية بالصحّة لا محالة ، يحصل العلم بلغوية الركوع في الثانية ، ويبقى العمل مشكوكا في صحّته وفساده ، فيقتضي قاعدة الاشتغال في أصل الصلاة ، عدم الاكتفاء بإتمامها بلا ركوع ، بل يجب استيناف الصلاة أيضا لتحصيل البراءة اليقينيّة.

واحتمال صحّة العمل في الواقع ، ووجوب إتمامه ، يقتضى إتمام ما بيده بلا ركوع ، فهو عالم إجمالا بوجوب أحد الأمرين :

من إتمام ما بيده بلا ركوع ، ومن استيناف الصلاة.

فكان لا بدّ من الاحتياط على طبقه ، لو لا قيام الأصل المرخّص ـ أعني البراءة ـ أو الأصل المنجّز ـ أعني قاعدة الاشتغال ـ وإلّا فلا يجب الإعادة ، وإن كان

١٦٣

هو الأحوط.

وأمّا بناء على جريانها ، وإحراز الصحّة ، فلا محالة يتحقّق ، لوضوح الحاجة إلى الركوع في الثانية ، وهي صحّة الصلاة فعلا المحرزة بتلك الاصول ، القاصرة عن إثبات أنّه ركع في الثانية ، ولكنّه إذا ركع يقطع بالفساد للقطع بزيادة الركوع.

وبالجملة : فالأحوط على جميع التقادير ، هو ما ذكرناه من لزوم إتمام ما بيده بلا ركوع برجاء الصحّة ، ثمّ الاستيناف.

* * *

١٦٤

المسألة الرابعة عشر

قال رحمه‌الله : (إذا علم بعد الفراغ من الصلاة أنّه ترك سجدتين ، ولكن لم يدر أنّهما من ركعة واحدة أو من ركعتين ، وجب عليه الإعادة ...).

أقول : الحكم المذكور مبنيّ على أنّه عالم إجمالا بأنّه :

إمّا قد بطلت صلاته والأمر باق ، ويجب عليه امتثاله بالإعادة في الوقت والقضاء في خارجه.

أو قد فاتت سجدتان وصحّت الصّلاة ، ووجب قضائهما مع سجدتي السهو لكلّ منهما.

وحيث أنّ محصّل علمه المفروض ، أنّه في ركعتين من صلاته ـ سواء كانتا هي الأوّل والثانية ، أو الثالثة والرابعة ، أو الثانية والثالثة والرابعة ، أو الثالثة والرابعة ، أو كانتا مرددتين بين هذه المفروض ـ قد تحقّقت سجدتان في الأربع الواجبة فيها ، وقد فاتت اثنتان منها ، ولكن تردّدت الفائتتان في أنّهما معا فاتتا من اولى الركعتين ، أو من ثانيتهما حتّى تبطل الصلاة ، لعدم لحوق السجود في إحداهما ، أو فاتت كلّ واحدة منهما من واحدة منهما حتّى تصحّ الصلاة ، ولا يجب قضائها مع سجدتي السهو لكلّ منهما؟

ومن الواضح أنّ فوتهما من واحدة منهما ، بمعنى فوت الاولى والثانية منهما ، وفوت واحدة من كلّ منهما ، بمعنى فوت الثانية في كلّ منهما ؛ وذلك لتمحّض ما وجد من المتدرّجين في كونه للأوّل ، وتمحّض ما لم يوجد بعده في

١٦٥

أنّه الثاني على تقدير وجوده ، ولا خفاء في أنّ فوتهما معا من إحدى الركعتين ـ أيّتهما كانت ـ هو العارض المبطل المحتمل الذي نحتاج إلى دفع احتماله ، وإحراز عدمه بقاعدة الفراغ أو التجاوز.

وبعبارة اخرى : تحقّق مسمّى السجود في كلّ منهما ، الذي لا يكون إلّا بتحقّق الاولى مع المعتبرتين في كلّ واحدة منهما ، هو الرّكن الذي نحتاج إلى دفع احتمال عدمه ، وإحراز وجوده بالقاعدة ، فمفاد القاعدة بالنظر إلى هذا الشكّ والاحتمال هو البناء على عدم فوتهما معا من إحدى الركعتين ، الذي لا يكون إلّا بالبناء على تحقّق المسمّى ، المنطبق على السجدة الاولى في كلّ منهما.

والنتيجة : أنّه بالنظر إلى هذا الاحتمال ، لا بدّ من جريان القاعدة في كلّ من الركعتين ، بالنظر إلى الاولى من السجدتين المعتبرتين في كلّ منهما ، وجريانها في كلّ منهما إنّما ينتج في تصحيح العمل مع جريانها في الاخرى ، وإلّا فيلغو جريانها ، ولا تعارض بينها لعدم العلم بفوتها معا من إحداهما ، وإنّما هو احتمال مجرّد.

ثمّ إنّ فوت الثانية في كلّ منهما هو العارض المحتمل الموجب للقضاء وسجدتي السهو ، فهو الذي نحتاج إلى دفع احتماله ، وإحراز عدمه ، للتخلّص عن القضاء وسجدتي السهو بقاعدة الفراغ أو التجاوز.

وببيان آخر : تحقّق الثانية في كلّ منهما ، هو الذي نحتاج إلى دفع احتمال عدمه ، وإحراز وجوده بتلك القاعدة.

والنتيجة : أنّه بالنظر إلى هذا الاحتمال أيضا ، لا بدّ من جريان القاعدة في كلّ من الركعتين ، بالنظر إلى الثانية من السجدتين المعتبرتين فيهما.

١٦٦

ولكنّه من المعلوم أنّ دفع احتمال الانتفاء ، والبناء على الموجود في الثانية من سجدتي كلّ منهما ، لا يكون إلّا في فرض إحراز تحقّق الاولى من سجدتي كلّ منهما ، وإلّا فلا معنى للتعبّد بالوجود بعنوان الثانويّة ، والمفروض أنّ في المقام لم يحرز تحقّق الاولى في كلّ منهما إلّا بقاعدة الفراغ أو التجاوز.

وبالجملة : أنّ جريان قاعدة الفراغ أو التجاوز في الثانية مع تحقّق السجدتين في كلّ منهما ، من حيث إمكان أصل مفادها وتعقّله ، موقوف على إحراز تحقّق الاولى في سجدتي تلك الركعة بعينها ، والمفروض عدم إمكان إحرازه إلّا بنفس القاعدة وهذا دور ممنوع.

وأيضا : أنّ دفع احتمال الانتفاء ، والبناء على الوجود في الثانية من سجدتي كلّ منهما ، ودفع احتمال وجوب القضاء وسجدتي السهو ، إنّما يكون في فرض إحراز صحّة الصلاة ، وإلّا فمع بطلانها ، فلا مجال لاحتمال وجوب قضاء السجدة ، أو وجوب سجدتي السهو ، والمفروض أنّ صحّة الصلاة في المقام موقوف على تحقّق الاولى من السجدتين في كلّ منهما ، ولا يمكن إحراز الشكّ في المقام إلّا بقاعدة الفراغ أو التجاوز.

والنتيجة : أنّ جريان قاعدة الفراغ أو التجاوز في الثانية من سجدتي كلّ من الركعتين ، يتوقّف على جريانها في الاولى في كلّ منهما.

أقول : الحقّ أنّ القاعدة تجري في الاولى من كلّ من الركعتين ، ويبنى على تحقّقها في كلّ منهما ، ويدفع احتمال البطلان من دون معارضة بينها ، وكذلك تجري في الثانية في كلّ منهما ، ويبنى على تحقّقها في كلّ منهما من دون معارضة

١٦٧

بينها ، ولكن لا محيص عن تعارض القاعدتين في الأوليين منهما ، وفي المتباينين منهما ، للعلم بعدم تحقّق الأربع ، بل وعدم الثلاث ، فلا بدّ من تساقط الطائفتين ، فتصل النوبة إلى الاصول المحكومة ، وهي الاستصحابات العدميّة الموضوعيّة.

بل الحقّ : أنّه لا محيص لإجراء القاعدة مرّتين ؛ أعني في كلّ ركعة مرّة بالنظر إلى السجدة الاولى منها والشكّ ؛ إذ المفروض العلم بتحقّق المسمّى في أحد الركعتين ، ولا يحتمل فوته في كلتيهما معا ، وما يحتمل فوته هنا إنّما هي إحدى الركعتين بلا تعيين ، فأصل الركعتين بلا تعيين ممّا يقطع بوجود المسمّى فيها ، والاخرى منها مشوبة بحالة الشكّ في وجوده ، فيبنى على وجوده بقاعدة الفراغ ولا أثر لإضافة المسمّى المحتمل فواته إلى الركعة الاولى بخصوصها ، أو الثانية كذلك ، حتّى نحتاج إلى إجراء القاعدة في كلّ واحدة من الركعتين.

وكيف كان ، فجريان قاعدة الفراغ مرّة واحدة ، يكفي في الحكم بصحّة الصّلاة ، وصحّة جريان القاعدة في السجدة الثانية في كلّ ركعة ، ولكنّها متعارضة معها ممّا يوجب سقوطهما وتصل النوبة إلى الاستصحابات العدميّة الموضوعيّة.

بيان ذلك : من الواضح أنّ كلّ واحدة من السجدات الأربعة في الركعتين مسبوقة العدم ، كما أنّه عالم ببقاء اثنتين منها على العدم ، فلا مجرى فيها للاستصحاب ، وإنّما يجري الاستصحاب بالنظر إلى خصوصيّة الاولى والثانية في خصوص الاولى من الركعتين والثانية ، هذا.

فنقول : عدم الاولى من السجدتين قد تبدّل بالوجود في إحدى الركعتين لا على التعيين ، ولكن الشكّ في عدم الاولى منها في الركعة الاخرى لا على التعيين

١٦٨

من جهة الشكّ في بقائه وتبدّله إلى الوجود ، فيستصحب عدم الاولى منها في إحدى الركعتين ، وهذه عبارة اخرى عن أنّ تحقّق الرّكن ـ وهو مسمّى السجود ـ مقطوع في أصل الركعتين ، وتحقّقه في الآخر مشكوك فيه ، فيستصحب عدمه الأزلي ، ولازمه بطلان الصلاة ، ولزوم الإعادة أو القضاء.

ثمّ إنّ عدم الثانية في كلّ ركعة يشكّ في بقائه وتبدّله إلى الوجود ، ممّا يقتضي استصحاب عدمها في كلّ منهما ، ولازمه وجوب قضائها ، ووجوب سجدة السهو لكلّ منهما.

لكن لا مجال لجريان استصحاب العدم في الثانية من كلّ ركعة ، لحكومة استصحاب عدم تحقّق المسمّى من إحدى الركعتين الموجب للبطلان ، على هذين الاستصحابين ؛ لوضوح أنّ جريانها فيها بحيث ينتج وجوب قضائهما ، ووجوب سجدة السهو لهما ، يتوقّف على صحّة العمل ، وعدم عروض الفساد عليه ، وإلّا فلا مجال لقضائهما وسجدة السهو لهما مع العلم التفصيلي بعدم الإتيان ، فضلا عمّا إذا كان ذلك مقتضى الأصل العملي ، والمفروض أنّ استصحاب عدم تحقّق المسمّى محرز لموضوع فساد العمل ، فيلغو الاستصحابان ، ويبقى استصحاب عدم تحقّق المسمّى في إحدى الركعتين ، الموجب للحكم بالفساد ووجوب الإعادة ، وهو كما يكون حاكما على الاستصحابين ، كذلك حاكم على أصالة البراءة عن وجوب قضاء السجدتين ، وسجدتي السهو ، لعدم احتمال وجوبهما مع إحراز فساد العمل بمقتضى ذلك الاستصحاب.

هذا ، ولو تنزّلنا عن ذلك وقلنا ، إنّ الاستصحابين جاريان ومحرزان لعدم

١٦٩

الثانية في كلّ ركعة فنقول :

نعم ، ولكنّهما يتعارضان مع استصحاب عدم تحقّق المسمّى من إحدى الركعتين ، الذي عرفت أنّه ينطبق على استصحاب عدم تحقّق الاولى من إحدى الركعتين ، إذ لازم الاصول الثلاثة فوات ثلاث سجدات ، وهو مخالف للعلم بتحقّق اثنتين من الأربعة.

فعلى القول بعدم التعارض ، حتّى في الاصول المحرزة ، فيما كانت على وفق العلم الإجمالي بالتكليف ، ولم تلزم منه المخالفة القطعيّة للتكليف ، فلا محيص عن العمل بالاستصحابات الثلاث بقضاء السجدتين وسجدتي السهو لكلّ منهما مع إعادة الصّلاة.

وأمّا على القول بتعارضهما لمجرّد العلم بعدم مطابقة بعضها للواقع ، ولو لم تلزم منها مخالفة المعلوم بالإجمال ، فلا محيص عن تساقط الاستصحابات الثلاث المذكورة ، ولزوم الرجوع إلى الاصول الحكميّة المحكومة ، وهي قاعدة الاشتغال القاضية بعدم الاكتفاء بالصلاة المفروضة ، مع قضاء السجدتين ، ووجوب سجدتي السهو ، فينحلّ لا محالة العلم الإجمالي المفروض في أصل المسألة بقاعدة الاشتغال المنجّزة في بعض الأطراف ، والبراءة المرخّصة في بعضها ، فتجب الإعادة فقط.

نعم ، الأحوط من غير لزوم ، هو قضاء السجدتين ، وسجدتا السهو لكلّ منهما ، ثمّ الاستيناف.

وقد ظهر بذلك فساد ما صدر في المقام عن الأجلّة الأعلام :

١٧٠

القول الأوّل : ما قيل من أنّه في جميع فروض المسألة ـ أي سواء كان الشكّ بعد الفراغ عن الصّلاة ، أو في أثنائها بعد تجاوز المحلّ الذكري أو الشكّي لكلّ من أطراف العلم ، أو بقائه لبعضها ـ لا محيص عن كون المصلّي قاطعا بعدم تحقّق السجدة الثانية من الركعة الثانية على وفق أمرها ، إمّا لعدم الإتيان بها ، أو الإتيان بها باطلا ، إذ مع تحقّق إتيانها فلا محالة قد تحقّق الأولى منهما أيضا ، فلا محالة تبطلان ، لكون الفائت حينئذ السجدتان معا من الاولى ، وهذا بخلاف البواقي فإنّ كلّا منهما ممّا يحتمل فيها عدم الإتيان ، ويحتمل فيها الإتيان مع البطلان من دون القطع بذلك ؛ فالرابعة من الأربعة وهي الأخيرة من الأخيرة ، ليست مشكوكة حتّى تكون مجرى قاعدة أو أصل ، كما أنّ الاولى من الأربعة ، وهي الاولى من الاولى موردا لجريان قاعدة الفراغ ، ولا تعارضه جريان القاعدة في البقيّة ، لتوقّف جريانها في البقيّة على جريانها في الاولى من الاولى ، ممّا يقتضي يحكم بصحّة الصّلاة التي هي شرط لجريان القاعدة في الثانية من الاولى ، ودفع احتمال وجوب القضاء ، أو في الأوّل من الثانية ودفع احتمال الفساد ، فيبقى التعارض بين القاعدة في الثانية من الأربعة ، الدافعة لاحتمال وجوب قضاء السجدة ، والثالثة منها الدافعة لاحتمال الفساد ، إذ البناء على مفادهما موجب للحكم بصحّة الصلاة مع نفي قضاء سجدة اخرى غير الرابعة ، وهو مخالف للعلم بفوات سجدتين ، ففيما كان العلم الإجمالي بعد الفراغ عن الصلاة أو في الأثناء ، بعد تجاوز المحلّ الذكري ـ بل المحلّ الشكّي ـ لا مجال لجريان القاعدة إلّا في الاولى من الاولى فقط لما مرّ.

وأمّا حكم بقيّة الموارد :

١٧١

فالرابعة لا مجرى لها فيها ، لما مرّ من القطع بعدم التحقّق على وفق الأمر.

وفي الثانية والثالثة جارية وساقطة بالتعارض.

ومقتضى الاستصحابات العدميّة وإن كانت قضاء ثلاث سجدات ، إلّا أنّه من المقطوع عدم وجوب أزيد من قضاء اثنتين ، فلا تجب عليه إلّا قضاء السجدتين مع سجدتي السهو لكلّ منهما ، مع الحكم بصحّة أصل الصلاة وعدم وجوب إعادتها.

أقول : هذا حاصل ما أفاده رحمه‌الله في المقام ، وهو في الحقيقة من غرائب الكلمات ، من جهات :

الجهة الاولى : أنّه لا معنى للحكم بجريان القاعدة في الاولى من الأربعة بلا معارض ، لمجرّد توقّف جريان القاعدة في البقيّة على حدّه ؛ لوضوح أنّ توقف جريانها في البقيّة على جريانها فيها ، لا يمنع من جريان الجميع بمقتضى إطلاق دليل اعتبار القاعدة ، إذ لا مانع من توقّف جريان كلّ من أصلين على جريان الآخر ، فضلا عمّا إذا توقّف أحدهما على الأخر دون العكس ، وهذا كما إذا شكّ بدوا في أنّه هل فات الركوع من الركعة الاولى والثانية أم لا؟

نعم ، في المقام كان اللّازم من جريان القاعدة في البقيّة ـ أعني الثانية والثالثة ـ تعارضها مع جريانها في الاولى وتساقطها ، وهذا ليس من قبيل لزوم عدم الشيء في فرض وجوده ، حتّى يكون خلفا مستحيلا ، وإنّما هو فرض عدم إمكان العمل بالأصول للمعارضة في فرض جريانها في حدّ أنفسها ، بمقتضى أدلّة اعتبارها ، لتماميّة شرائطها وقيودها ، مع أنّه لو كان من ذلك القبيل لاستلزم استحالة

١٧٢

جريان قاعدة الفراغ في الاولى من الاولى ، للزوم عدمها في فرض وجودها ، حيث إنّ فرض وجودها موجب لجريان معارضها المسقط لها بالتعارض ، لا أنّ اللّازم جريانها وعدم جريان الباقية ليرتفع التعارض.

الجهة الثانية : أنّه كما يتوقّف جريان القاعدة في البقيّة ، التي منها جريانها في الاولى من الثانية ، على جريانها في الاولى من الاولى ، كذلك يتوقّف جريانها في البقيّة التي منها جريانها في الاولى من الاولى على جريانها في الاولى من الثانية ، إذ من الواضح أنّ البناء على تحقّق المسمّى في الركعة الاولى ، أو تحقّق السجدة الثانية فيها ، لا يوجب صحّة الصّلاة ولا ينتجها ، إلّا فيما إذا احرز صحّتها من جهة احتمال فوت المسمّى في الركعة الثانية ، ولا محرز لها في المقام عدا دلالة قاعدة الفراغ ، فاللّازم على ما أفاده جريانها في الاولى من الاولى ، والاولى من الثانية بلا معارض لهما ، وبلا تعارض بينهما ، فما معنى للحكم بجريانها في الاولى من الثانية ، ولما ذا لا يعكس الأمر فيحكم بجريان القاعدة في الاولى من الثانية بلا معارض ، وإلقاء المعارضة بين جريانها في الاولى من الاولى والثانية منها؟

فالحقّ حينئذ هو جريانهما في الثلاثة ، وتعارض جريانها في الاولى من الاولى ، والاولى من الثانية ، مع جريانها في الثانية من الاولى على ما هو واضح.

الجهة الثالثة : أنّه لا معنى للقول بعدم جريان القاعدة في الثانية من الثانية ، للجزم بأنّه :

إمّا أن لم يأت بها ، أو أتى بها باطلة ، إذ لا أثر لهذا العلم فعلا بعد فرض لغوية الاحتمال الثاني ، بمقتضى جريان قاعدة الفراغ في الاولى من الاولى ، والاولى من

١٧٣

الثانية ، أو في خصوص الأوّل من الاولى ، على ما زعمه ، ويبقى فيها احتمال عدم الإتيان بها ، وهو مشكوك يبني فيه على الإتيان بمقتضى القاعدة ، فيئول الأمر بالأخرة إلى جريان القاعدة في الاولى من الاولى ، والاولى من الثانية ، والحكم بصحّة الصّلاة وجريانها في الثانية في كلّ منهما ، والحكم بعدم وجوب القضاء ، وعدم وجوب سجدتي السهو ، وتعارض الأوليان للثانيتين ، وتساقطهما ووصول الدور إلى الاستصحابات العدميّة.

الجهة الرابعة : أنّه لا معنى لإجراء القاعدة بالنظر إلى خصوص الاولى من الاولى ، وخصوص الاولى من الثانية ، بعد عدم تأثير فوت الاولى من خصوص الاولى أو من خصوص الثانية ، بل أي منهما فرض فهو مبطل ، ولكنّه مقطوع بعدم الفوات في إحداهما ، ويشكّ في الفوات في الاخرى ، فما هو المشكوك فيه هو مجرى لقاعدة الفراغ وأنّه ليس إلّا الاولى من إحدى الركعتين ، وهي المعارض لجريانها في كلّ ركعة بالنظر إلى السجدة الثانية ، على ما هو واضح.

هذا فضلا عن أنّ مقتضى ما زعمه من جريان قاعدة الفراغ في الاولى من الاولى بلا معارض ، وعدم جريانها في الثانية من الثانية ، للجزم بعدم موافقة أمره ، وجريانها في الثانية من الاولى والاولى من الثانية وتعارضها وتساقطها ، والرجوع إلى استصحاب فيهما ، مستلزم للغوية الاستصحاب في الثانية من الاولى ، بعد أن اقتضى جريان استصحاب العدم في الاولى من الاولى بطلان الصلاة ، وبعد سقوطه باللغويّة يبقى استصحاب العدم في الاولى من الثانية معارضا لقاعدة الفراغ في الاولى إذ مقتضى الاستصحاب هو بطلان الصلاة ، ومقتضى القاعدة هي

١٧٤

صحّتها ، ومع التساقط تصل النوبة إلى قاعدة الاشتغال بالصّلاة ، وأصالة البراءة عن وجوب قضاء السجدتين ، ووجوب سجدتي السهو هذا.

القول الثاني : ما قيل من أنّ العلم الإجمالي المفروض في المقام لا أثر له في التنجيز ؛ لأنّ البطلان ووجوب الإعادة ، وإن كان مترتّبا على فوات الرّكن ـ أعني فوات السجدتين من ركعة واحدة في محلّ الكلام في الواقع ـ إلّا أنّ وجوب القضاء في كلّ ما يجب قضائه ـ على تقدير فواته في محلّه ، من أجزاء الصلاة الفائتة كالسجدة الواحدة والتشهّد ووجوب سجدتي السهو لأيّ زيادة أو نقيصة ـ حيث نلتزم بوجوبهما فيها ، لم يكونا مرتّبين على فوات ما فات واقعا ، ولا على السهو الواقعي ، وإنّما يترتّبان على ما لو تذكّر بعد السهو وعرف بتركه لجزء سهوا.

ومن المعلوم أنّ التذكّر بمعنى العلم بالسهو لا يكون إلّا علما تفصيليّا ، ففي أمثال مفروض المسألة ممّا يفرض أحد طرفي العلم الإجمالي ما يوجب القضاء ، أو سجدتي السهو ، أو كلا الأمرين ، ينتفي وجوب القضاء أو سجدتي السهو جزما ، لا لقيام الاصول بالأصول المعذرة ، بل للعلم بانتفاء موضوعهما ، فيبقى الأصل الجاري في الطرف الآخر سليما عن المعارض ، والأصل في مفروض المسألة في الطرف الأخير ، هو قاعدة الفراغ أو التجاوز ، الحاكمان بصحّة الصلاة من دون حاجة إلى الإعادة ، ومن دون حاجة إلى قضاء السجدتين أو سجدتي السهو لكلّ منهما.

وفيه : أنّ لازم ذلك هو عدم تأثير العلم الإجمالي أيضا ، فيما كان جميع أطرافه من الأمور التي لا يوجب فواتها في الصلاة إلّا القضاء أو سجدتي السهو ، أو كلا الأمرين ، كأن يعلم إجمالا بأنّه إمّا ترك سجدة واحدة سهوا ، أو ترك التشهّد

١٧٥

سهوا ، وعلى هذا القياس ، وهذا ممّا لا يمكن الالتزام به.

أقول : والحلّ أنّ حال السهو والنسيان والغفلة والخطأ ، ونحو ذلك من العناوين التي من طبعها زوالها وانصرامها بالعلم والالتفات إلى تحقّقها ، حال سائر العناوين في أنّه يمكن أن يكون حدوثها وتحقّقها في الواقع علّة وموضوعا لثبوت الحكم ، بحيث يكون تحقّق ذلك الحكم مطلقا على تقدير تحقّق ذلك العنوان ، لكن تحقّقا ماضويّا لا تحقّقا تلبّسيّا.

بيان ذلك : الفرق بينهما في إمكان كون سائر العناوين ـ حتّى عنوان الجهل والشكّ ـ ممّا يمكن أن يكون تحقّقها حدوثا وبقاء ، علّة وموضوعا لتحقّق الحكم ، بحيث ينتج فعليّة الحكم في حال التلبّس بتلك العناوين ، كما ينتج كون زمن امتثال ذلك التكليف هو زمن فعليّة تلك العناوين ، وهذا ممّا لا يعقل في عنوان الغفلة والسهو ونحوهما ، بل لا محيص فيها ـ على تقدير موضوعيّتها لحكم من الأحكام ـ عن أن تكون تحقّقاتها الماضويّة فقط علّة وموضوعا لذلك الحكم ، بحيث لا يتحقّق إنشاء هذا الحكم معلّقا على تقدير تحقّق ذلك العنوان ، بنحو القضيّة الحقيقيّة إلّا فعليّة الحكم عند زوال ذلك العنوان ، الذي لا يكون إلّا بالعلم والالتفات إلى تحقّقه في السابق ، ولكن ذلك لا يوجب أن يكون عنوان التذكّر ـ بمعنى العلم بتحقّق النسيان فيما مضى ـ هو العلّة والموضوع للحكم المفروض ، أو جزء العلّة والموضوع له ، بحيث يكون ما هو الدخيل في المصلحة المقتضية لجعل ذلك الحكم ، هو نفس عنوان التذكّر أو السهو والنسيان ، ولكن بشرط التذكّر. وإنّما يوجب عدم إمكان إحراز تحقّق الموضوع المخصوص المفروض ،

١٧٦

عند زواله وانصرامه ، لمساوقة انصرامه مع العلم بتحقّقه الماضوي ، وهذه عبارة اخرى عن أنّ مثل هذا الحكم لا محالة يصير فعليّا في نفس الأمر ، بمجرّد تحقّق موضوعه ؛ أعني السهو والنسيان تحقّقا ماضويا في نفس الأمر ، ولكنّه لا يصبح منجّزا كسائر الأحكام إلّا من خلال العلم أو ما يقوم مقامه من الطرق والاصول ، غاية الأمر أنّ تنجّزه بخصوص العلم مساوق لزواله وانصرامه ، بخلاف ما إذا تنجّز أمارة كالبيّنة أو أصل مثلا ، ولذا لا خفاء في أنّ حال هذه الأحكام حال سائر الأحكام ، في أنّ العلم بتحقّق موضوعها ـ وهو السهو والنسيان ـ طريق محض تقوم مقامه سائر الطرق والأمارات والاصول المحرزة ، نفيا وإثباتا ، ولو كان التذكّر ـ بمعنى العلم بتحقّق السهو النسيان فيما مضى ـ تمام الموضوع أو جزئه ممّا كانت هي قائمة مقامه بمجرّد أدلة الاعتبار على ما هو واضح ، بل لم تكن هناك حاجة إلى الطرق والاصول النافية أو المثبتة ، بعد أنّ ثبت أنّ الموضوع أو قيده ـ على الفرض ـ ممّا يدور أمره بين الوجود والعدم وجدانا ، ومن البديهي أنّ البيّنة القائمة على أنّ المصلّي سها عن ركوعه ، أو سجدته الواحدة ، أو قراءته مثلا ، تقبل مضمونها ودلالتها من حيث حكايتها عن تحقّق السهو في الواقع ، لا من حيث حكايتها عن تحقّق التذكّر ، أو تحقّق النسيان والتذكّر كليهما.

هذا كلّه بناء على أنّ الموضوع لها هي نفس تلك العناوين من السهو النسيان ونحوهما.

وأمّا بناء على أنّ الموضوع لها هو فوات جزء أو قيد لواجب مفروض ، فيما إذا لم يكن معلولا للعمد والاختيار ، كما هو الواقع في الحكم بالصحّة والاجتزاء ،

١٧٧

ووجوب القضاء ، أو سجدة السهو ، أو هما معا في فوات بعض أجزاء الصلاة أو قيوده سهوا ونسيانا.

فالأمر أوضح جدّا ، إذ لا مدخل لنفس تلك العناوين في الحكم المفروض ، فضلا عن دخالة العلم بالتحقق والتذكّر المساوق لزوالها في الحكم المفروض ، بل الموضوع هو نفس فوات الجزء أو القيد ـ أي انتفائه الواقعي ـ لكن بقيد أن يكون معلولا للعمد والاختيار ؛ أي مستندا في تحقّقه الواقعي إليها. غاية الأمر ، أنّ حال هذا الموضوع كحال سائر الموضوعات ، في أنّه لا يتنجّز الحكم المعلّق عليه ، ولا يمكن تعويل المكلّف في الانبعاث والانزجار عليه ، إلّا عند إحراز تحقّق ذلك الموضوع بالعلم ، أو ما يقوم مقامه من الطرق والاصول.

وجملة المقال : إنّه لا ينبغي الإشكال في تطابق النصوص وأقوال الأصحاب ، على أنّ الموضوع للحكم بالبطلان في الأجزاء المركّبة ، وبعض القيود ـ كما هو مفاد قاعدة (لا تعاد) بعقده الاستثنائي وغيره ـ إنّما هو مجرّد الانتفاء الواقعي لا بشرط أن يكون معلولا للعمد والاختيار ، أو مستندا إلى السهو والنسيان ، فمن فات منه شيء من ذلك في الواقع سهوا أو نسيانا ، فصلاته تكون محكومة في الواقع بالحكم الوضعي الذي هو الفساد ، وعدم الانطباق على المأمور به ، ممّا يقتضي ذلك بنفسه وجوب تداركه إعادة بمقتضى الأمر الأوّل ، أو قضاء بمقتضى دليل وجوب القضاء.

غاية الأمر أنّ هذا الحكم التكليفي كسائر الأحكام التكليفيّة ، ممّا لا يتنجّز إلّا عند إحراز تحقّقه ، وأنّه فات ذلك الجزء أو القيد ، معلولا للعمد أو النسيان.

١٧٨

وكذلك الموضوع للحكم بالصحّة والاجتزاء بالناقص بدلا عن الكامل ، في الأجزاء غير الركنيّة ، وبعض القيود ـ كما هو مفاد (لا تعاد) بالعقد الأوّل وغيره ، مع وجوب قضاء الفائت ، أو وجوب سجدتي السهو لفواته أو وجوبهما معا ـ إنّما هو الانتفاء الواقعي ، لكن بشرط أن لا يكون مستندا إلى العمد والاختيار ، فمن فات منه شيء من ذلك في الواقع مستندا إلى السهو أو النسيان ، فصلاته تكون محكومة في الواقع بالحكم الوضعي ـ أعني الصحّة بمعنى الاجتزاء ، والقبول للناقص بدلا عن التامّ ـ وهذا الحكم بنفسه يقتضي أن يكون محكوما في الواقع بالحكم التكليفي ؛ أعني وجوب تدارك الفائت ، أو سجدة السهو أو هما معا ، غاية الأمر أنّ هذا الحكم التكليفي كسائر الأحكام التكليفيّة ، لا يتنجّز إلّا عند إحراز تحقّق موضوعه ، وأنّه فات ذلك الجزء أو القيد ، وكان فواته معلولا للسهو والنسيان ، هذا.

القول الثالث : ما قيل من أنّه كان على السيّد قدس‌سره إيجاب الاحتياط بقضاء السجدتين مع سجدتي السهو ، ثمّ الإعادة عملا بالعلم الإجمالي بوجوب أحدهما.

أقول : وفساد هذا الكلام لا يخفى عليك بالتأمّل فيما أسلفناه من تقريب الحكم في المسألة ، وأنّ الواجب على كلّ تقدير هي الإعادة فقط ، ولا مانع من الاحتياط بقضاء السجدتين وسجدتي السهو ، هذا.

ولنعد إلى حكم بقيّة شقوق أصل المسألة ، فنقول :

(١) هذا كلّه إذا كان العلم الإجمالي المفروض حاصلا بعد الفراغ عن الصلاة بالتسليم ، سواء تحقّق منه شيء من المنافيات المبطلة عمدا وسهوا أم لا.

(٢) وكذلك الحال بعينه فيما إذا حصل العلم في أثناء الصلاة ، ولكن بعد

١٧٩

تجاوز محلّ التدارك الذكري للسجدة ، على جميع تقادير المعلوم بالإجمال ، كأن يعلم بعد ما دخل في ركوع الثالثة أنّه فاتته سجدتان من الاولى والثانية :

إمّا كلتيهما من إحدى الركعتين.

أو كلّ منهما من ركعة.

من دون فرق في الفرضين بين فرض المحتمل فوات السجدتين معا من الاولى ، أو كلّ واحدة من ركعة ، أو فرض العكس من ذلك ، أو فرض المحتمل ثلاثة :

أحدها : فواتهما معا من الاولى.

والثاني : فواتهما معا من الثانية.

والثالث : فوات كل منهما من ركعة.

(٣) وأمّا إذا حصل العلم قبل تجاوز المحلّ الذكري على بعض التقادير ، ولكن بعد تجاوز المحلّ الشكّي على جميع التقادير ، كأن علم بعد ما دخل في التشهّد أو القيام بفوات السجدتين من الأوليين ، فلا محالة تتعارض قواعد التجاوز في الفروض الثلاثة من المسألة ، بالنظر إلى ما يحتمل فواته من كلّ من الركعتين وتتساقط ، وتصل النوبة إلى الاستصحابات العدميّة ، ولكن يلغو الاستصحاب في كلّ سجدة واحدة يحتمل فواتها بعد جريان استصحاب عدم الإتيان بالركن وهو المسمّى.

ولو فرض جريانه مع جريانه ، فلا محالة تتعارض وتتساقط ، فلا محالة تصل النوبة إلى قاعدة الاشتغال ، بالنظر إلى ما بقي محلّ تداركه الذكري ، والبراءة عمّا يحتمل فواته من الركعة السابقة.

١٨٠