رسالة في فروع العلم الإجمالي

آية الله الشيخ باقر الزنجاني

رسالة في فروع العلم الإجمالي

المؤلف:

آية الله الشيخ باقر الزنجاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: انتشارات دار التفسير
المطبعة: وفا
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-535-198-2
الصفحات: ٤٤٠

غافلا عن ذلك رأسا كما في صور القطع بتحقّق الفعل المترتّب عليه ، مع مخالفة قطعه للواقع ، أو يكون ملتفتا ، ولكن عرض له الغفلة ، فلم يعمل بما هو وظيفته من إتيان المشكوك مع ما ترتّب عليه ، بل اشتغل بشيء ممّا ترتّب على ذلك المشكوك فيه ، مع الواسطة أو بلا واسطة.

أقول : ومن الواضح أنّ الشكّ المفروض في المقام من هذا القبيل ، حيث إنّ الشكّ في قراءة الحمد كان ـ في الواقع حين حدوثه ـ شكّا في الشيء قبل تجاوز محلّه ، وبمجرّد تحقّقه أصبح مشمولا لحكم القاعدة ؛ أعني لزوم التّدارك بمقتضى إطلاق دليله ، غاية الأمر أنّه كان غافلا عن هذا ، وزاعما أنّ شكّه مصداق لقاعدة التجاوز ، ومحكوم بعدم الاعتناء ، حيث لم يعتن به واشتغل بالقنوت ، فأصبح شكّه من حيث الدوام والاستمرار ، شكّا في الشيء بعد الدخول في غيره بالضرورة ، بناء على ذلك المسلك الفاسد.

ولكنّه لا يجدي شيئا ، لما عرفت من أنّ المناط في شمول الدليل إنّما هو كيفيّة الشكّ حين حدوثه.

وأيضا : التعليل في هذه المسألة بمثل ما تقدّم منه قدس‌سره في المسألة السّادسة والأربعين ، بأنّه لو عاد إلى قراءة السورة بعد حصول القطع بعدم قراءتها ، لا محالة يعود محلّ الشكّ في تحقّق قراءة الحمد.

فممنوع : لما عرفت من أنّه تعليل باطل لا محصّل له ، لا هناك ولا هاهنا ، وإن كان الماتن قدس‌سره علّل هذه المسألة بما عرفت من الوجه الذي هو تام على المسلكين في تعميم الغير أو تخصيصه.

* * *

٣٢١

المسألة الخمسون

قال رحمه‌الله : (إذا علم أنّه إمّا ترك سجدة أو زاد ركوعا فالأحوط قضاء السجدة وسجدتا السهو ثمّ إعادة الصلاة ، ولكن لا يبعد جواز الاكتفاء ...).

أقول : لو كان هناك مانع يمنع عن جريان أصالة العدم في السجدة ، الذي هو أصل موضوعيّ محرز لموضوع التكليف بالقضاء ، أو بسجدة السهو ، ويتنجّز فيه ، لكان اللّازم بقاء الشكّ في وجوب القضاء وسجدة السهو ، وجريان البراءة التي هي أصل حكميّ ناف للتكليف ، وكان اللّازم تعارضها مع أصالة عدم الركوع الزائد ، الذي هو أصل موضوعيّ محرز لانتفاء موضوع التكليف ـ أعني وجوب الإعادة ـ وناف له ، للّزوم المخالفة القطعيّة للعلم الإجمالي المفروض.

ولكنّ الظاهر أنّه لا مانع من جريان أصالة العدم في السجدة.

وما يقال : من أنّ عدم السجدة هو القدر المشترك ، ولا أثر له في إثبات وجوب قضاء السجدة وسجدة السهو ، إذ ليس هو موضوع أثر أصلا ، وإنّما الأثر لنوعيه :

أعني ترك السجدة عمدا ، الموجب للبطلان.

ووجوب الإعادة وتركها سهوا ، الموجب للتدارك.

وسجدة السهو ، وإبقاء العدم الأزلي للسجدة الثانية على ما كان ، لا يثبت الترك السهوي إلّا بالملازمة العقليّة ، من حيث أنّ المفروض القطع بعدم التعمّد ، فموضوع وجوب التدارك وسجدة السهو مقيّد بكون الترك سهويّا ، وهذا ممّا لا

٣٢٢

يمكن إثباته باستصحاب عدم الإتيان بالسجدة.

ففيه : أنّه ليس هناك دليل يدلّ على أنّ الترك إن كان موصوفا ومعنونا بأنّه سهوي ، فيجب التدارك وسجدة السهو ، بل إنّما دلّ الدليل على أن من لم يأت بالسجدة أو التسهد في محلّهما ، وجب عليه التدارك في خارج الصّلاة مع سجدتي السهو ، وقام هناك دليل آخر على أنّ المصلّي لو كان عامدا في ترك جزء من أجزاء الصلاة ، أو قيد من قيودها ، لا محالة تبطل صلاته ، ويجب استينافها.

ولازم الجمع بين الدليلين ، هو ترك موضوع وجوب قضاء السجدة وسجدة السهو مثلا ، من عدم الإتيان بالسجدة ، مع عدم تعمّد فيه من المصلّي ، فتكون المسألة من صغريات ما كان موضوع الحكم مركّبا ، قد احرز أحد جزئيه بالوجدان ، والآخر بالتعبّد ، بلا حاجة إلى لسان الإثبات والتثبت بالملازمة العقليّة ، حيث إنّ عدم العمد في ترك ما ترك ، أو فعل ما فعل ، محرز بالوجدان على الفرض ، وإنّما المشكوك نفس الفعل والترك ، وأصالة العدم محرزة للتّرك في كلّ من السجدة والرّكوع الزائدة ، ومع إحراز ترك السجدة بالتعبّد ، وعدم التعمّد بالوجدان ، يتمّ الموضوع المركّب ، ويثبت حكمه.

وما يرى في أخبار المسألة من التعبير بالسهو النسيان ، فإنّما هو للإشارة إلى عدم تحقّق موضوع الحكم بالبطلان ـ أعني التعمّد في ترك ما ترك ـ لا لأجل أنّ الترك المقيد بأنّه متّصف بالسهويّة ، موضوع للحكم.

وما يقال : من أنّ موضوع وجوب التدارك وسجدة السهو ، إنّما هو فوت السجدة ، وهو أمر وجودي لا يمكن إحرازه بمجرّد استصحاب عدم الإتيان ، إلّا

٣٢٣

بنحو الأصل المثبت.

ففيه : أنّه لو أمكننا إثبات أنّ الموضوع في قضاء الصلاة والصيام الفائتة ، هو الفوت ، لا مجرّد عدم الإتيان بها في أوقاتها ، نظرا إلى أخبار كثيرة وردت فيها متضمّنة للتعبير بالفوات والفائتة ، فلا يمكننا ذلك في مفروض المسألة ، إذ ليس هناك دليل إلّا على أنّ السجدة الواحدة أو التشهّد ، إذا لم يأت بهما المكلّف في محلّهما المقرّر ، ولم يكن متعمّدا في ذلك ، فعليه الإتيان بهما في خارج الصّلاة مع سجدة السهو ، فلا وجه لجعل الموضوع عنوان الفوت ، إذ قلّ ما يتضمّن عنوان الفائت في الأخبار متعلّقة بقضاء الأجزاء المنسيّة وسجدة السهو لها.

بل الحقّ : أنّ هذه المناقشة واهية ، حتّى في باب قضاء الصّلاة وغيرها من العبادات المستقلّة ، فإنّا لا نعقل لكون الفوت عنوانا وجوديّا معنى متحصّلا ، بل الحقيقة إنّ عدم الإتيان بالشيء في وقته المعيّن ، أو في محلّه المعيّن ، ممّا يعبّر عنه في اللّغة والعرف بالفوات ، فلا حقيقة للفوات لغة عرفا وشرعا غير مجرّد عدم الإتيان بالشيء ، فيما كان ينبغي أن يؤتى به فيه من الوقت والمحلّ.

وبالتالي ، فما ورد في أخبار ذلك الباب ، وفي أخبار المسألة ، من التعبير بالفوات والفائتة ، لا يراد منه إلّا مجرّد عدم الإتيان ، هذا.

وأمّا ما توهّم : في المقام من أنّ الترك السهوي للسجدة ، ممّا لعدم الحالة السابقة الأزليّة ، فيستصحب عدمه ، فيعارض مع استصحاب عدم الزيادة السهويّة في الركوع.

فممنوع : لأنّ كينونة الترك أو الزيادة سهويّة أو عمديّة ، إنّما هو بمفاد كان

٣٢٤

الناقصة ، فلا محيص عن كون عدم ذلك بمفاد ليس الناقصة ، ومن الواضح أنّه لا حالة سابقة لشيء منها ، وإنّما الحالة السابقة لعدم وصف السهو من المكلّف في تركه للسجدة ، أو إتيانه بالرّكوع ، بمفاد ليس التامّة. ومن المعلوم أنّ عدم السهو من المكلّف في الأزل ـ أي فيما قبل وجوب الصلاة ـ كان عدما بنحو السالبة المنتفية بانتفاء الموضوع ؛ أي أنّه لم يكن هناك وجوب صلاة ولا الاشتغال بصلاة ، حتّى يتحقّق منه السهو في ترك شيء واجب منها ، أو زيادة شيء يعتبر عدمه فيها.

وعليه فاستصحاب هذا العدم إلى حين الاشتغال بالصلاة ، لا يجدي في إحراز أنّه لم يتحقّق منه السهو في حال الاشتغال بالصّلاة فيما يعتبر فيها ، إلّا بالملازمة العقليّة.

وبالجملة : فلا مجرى لاستصحاب عدم النقيصة السهويّة ، ولا عدم الزيادة السّهويّة حتّى يتعارضان ، وإنّما الصحيح استصحاب عدم تحقّق الركوع الزائد على ما يعتبر في الصّلاة ، واستصحاب عدم تحقّق السجود الثاني المعتبر في الصّلاة ، والأوّل أصل ناف معذّر عن التكليف ، والثاني أصل محرز منجّز للتكليف ، فلا محيص عن انحلال العلم الإجمالي بذلك كما هو القاعدة في نظائر المقام.

ومن هنا يندفع توهّم آخر في المقام وهو : أنّه لا إشكال في أنّ الأمر بقضاء السجدة وسجدة السهو ، مقيّد بحسب الأدلّة بصورة صحّة الصلاة ؛ أي إحراز صحّتها من غير ناحية نسيان هذا المنسي ؛ إمّا بالوجدان أو بالتعبّد ، والمفروض انتفائهما في المقام ، لاحتمال زيادة الركوع المبطلة لما بيده من الصلاة.

وجه الاندفاع : أنّ أصالة عدم الركوع الزائد إذا كانت جارية بلا معارض ، فهي

٣٢٥

إحراز تعبّدي لصحّة ما بيده من ناحية احتمال الفساد بزيادة الركوع ، والمفروض أنّه لا احتمال للفساد من ناحية أخرى.

أقول : نعم ، هنا شيء ينبغي ملاحظته ، وهو أنّه كان اللّازم في المسألة أن يقال بأنّ احتمال زيادة الركوع ، حيث إنّه ليس مجرى لقاعدة التجاوز بحسب ظواهر أدلّتها ، ولكن احتمال نقيصة السجدة مجرى لقاعدة التجاوز ، فتتعارض القاعدة فيها مع الاستصحاب في الطرف الآخر ، حيث إنّهما متنافيان يلزم من إجراء كليهما مخالفة العلم الإجمالي قطعا ، فبعد تساقطهما تصل النوبة إلى الاصول المحكومة ، وهي أصالة العدم في السجدة ، وأصالة البراءة في الركوع ، ولا تعارض بينهما ، فينحلّ العلم الإجمالي.

ولكن يمكن أن يقال : إنّ قاعدة التجاوز في السجدة ـ سواء أردنا إجرائهما في أثناء الصلاة أو بعد الفراغ عنها ـ لا مجرى لها في المقام ، من جهة أنّ مفادها هو تصحيح العمل من ناحية المحتمل ، وهي النقيصة في المفروض ، وذلك لغو لا نتيجة له إلّا فيما احرزت الصحّة في أصل العمل من نواحي أخر إمّا بالوجدان أو بالتعبّد ، وإحرازها في مثل المفروض بالتعبّد ، إنّما هو بمعونة أصالة العدم في الزيادة ، فشمول دليل اعتبار القاعدة للسجدة ، متوقّفة على جريان أصالة العدم فعلا في احتمال زيادة الركوع ، وإلّا فهي لغو لا فائدة فيها ، وجريانها فعلا يتوقّف على عدم المعارض لها ، والمفروض أنّ القاعدة ـ على فرض جريانها ـ معارض لها ، فجريان القاعدة يتوقّف على جريان أصالة العدم فعلا ، وجريانها كذلك يتوقّف على عدم جريان القاعدة فعلا ، فجريان القاعدة يتوقّف على عدم جريانها ،

٣٢٦

وهذا خلف ومناقضة باطلة ، فلا بدّ من سقوط القاعدة ، وجريان أصالة العدم في كلا الطرفين ، وهو موجب للانحلال كما عرفت.

نعم ، لو كان العلم المفروض علما بعد الفراغ من الصلاة ، فكلا الطرفين وإن كانا محلين لجريان قاعدة الفراغ ، فكان اللّازم تعارضها وتساقطها ، وجريان أصالتي العدم بلا تعارض ، إلّا أنّ لازم ما ذكر ـ من توقّف جريان القاعدة في طرف النقيصة غير المبطلة في طرف الزيادة المبطلة ، وكونه موجبا للخلف والمناقضة ـ يوجب سقوط القاعدة في طرف النقيصة ، وجريان أصالة العدم في السجدة الثانية المشكوكة ، وجريان قاعدة الفراغ في احتمال زيادة الركوع المبطل بلا معارض.

أقول : ولكن بطلان تلك المناقشة واضح ، وأنّه لا توقّف لجريان القاعدة في المحتمل غير المبطل ، على جريان القاعدة أو الأصل المحرز فعلا في طرف المحتمل المبطل ، وإنّما يتوقّف على شأنيّة جريانها ، ولا منافاة بين ذلك ، وبين عدم فعليّة شيء منها للمعارضة ، كيف وإلّا لكان اللّازم القلب ، وأنّ أصالة العدم أو قاعدة الفراغ في طرف الزيادة لو جرت ، فجريانها مستلزمة لجريان القاعدة في طرف السجدة المشكوكة ، وكونه مشمولا لدليل القاعدة ، وجريانها فيها معارض لجريانها في طرف الزيادة الموجب لسقوطها.

وبالتالي فجريان القاعدة في طرف الزيادة ، موجب لعدم جريانها ، وما يلزم من وجوده عدمه فهو محال ، لأنّ جريان القاعدة أو الأصل المحرز للصحّة في طرف الزيادة أمر مستحيل.

أقول : ثمّ لا يخفى عليك أنّه على فرض تعارض قاعدة الفراغ أو أصالة

٣٢٧

العدم في طرف الزيادة ، مع قاعدة التجاوز وسقوطهما ، فالأصل المحكوم الجاري في طرف الزيادة ، إنّما هي قاعدة الاشتغال دون البراءة عن وجوب الإعادة ، على ما هو واضح.

فالحقّ في المسألة : التفصيل بين ما فرض العلم حاصلا في أثناء الصلاة ، وبين ما فرض حاصلا بعد الفراغ عنها ، فيبنى في الأوّل على تعارض قاعدة التجاوز في طرف النقيصة ، مع أصالة العدم في طرف الزيادة وتساقطها ، وجريان أصالة العدم في طرف النقيصة ، الموجبة لإحراز موضوع القضاء وسجدة السهو ، وجريان قاعدة الاشتغال في طرف احتمال الزيادة ، الموجبة للاستيناف لتحصيل البراءة القطعيّة.

فالأصلان أحدهما موضوعي محرز ، والآخر حكمي محض ، وكلاهما على وفق العلم ، فلا محيص عن جريانهما والعمل على وفقهما.

هذا إذا فرض تجاوز محلّ تداركها عند الشكّ وعند التذكّر.

وأمّا إذا فرض بقاء محلّ ذكرها وتجاوز محلّ شكّها ، فتعارض قاعدة التجاوز مع أصالة العدم ، ويتساقطان ، فتجري أصالة العدم في النقيصة المحتملة ، وقاعدة الاشتغال في طرف الزيادة ، فتوجب تدارك النقيصة في المحلّ وإتمام الصلاة ، ثمّ الإعادة.

وإن لم يتجاوز محلّ شكّها ، فتجري أصالة العدم في طرف النقيصة ، فيجب التدارك في المحلّ وفي طرف الزيادة ، فيبني على الصحّة ، ويستغنى عن الإعادة. ويبني في الثاني على تعارض قاعدتي الفراغ في كلا طرفي احتمال النقيصة

٣٢٨

والزيادة وتساقطهما ، وجريان أصالتي العدم المنجّز والمعذّر في الطرفين ، من دون معارضة ، وانحلال العلم الإجمالي بذلك ، بناء على تقدّم القاعدة على أصالة العدم رتبة ، وعدم جريانها في رتبة جريان القاعدة في موردها ، حتّى تعارضها القاعدة في الطرف الآخر ، وإنّما تجري في الرتبة اللّاحقة بعد سقوط القاعدتين بالتعارض.

وأمّا قاعدة الاشتغال في طرف احتمال الزيادة ، فهي محكومة لأصالة العدم بلا إشكال.

* * *

٣٢٩

المسألة الحادية والخمسون

قال رحمه‌الله : (لو علم أنّه أمّا ترك سجدة من الاولى أو زاد سجدة في الثانية ، وجب عليه قضاء السجدة والإتيان بسجدتي السهو مرّة واحدة بقصد ما في الذمّة ...).

أقول : هنا عدّة صور ينبغي البحث عن حكمها :

الصورة الاولى : إنّه بناء على ما هو الحقّ من عدم وجوب سجدة السهو إلّا في المواضع الخمسة أو الستّة المعهودة ، فلا أثر للعلم في المفروض ، لعدم الأثر في طرف احتمال الزيادة ، فتجري قاعدة التجاوز أو الفراغ في طرف احتمال النقيصة بلا معارض ، ولذلك ليس عليه شيء.

الصورة الثانية : وأمّا بناء على وجوبهما لكلّ زيادة ونقيصة عمدا ، بمقتضى مرسلة سفيان بن السّمط وما يؤيّدها ـ كما هو مختار الماتن ـ فلا بدّ من جريان قاعدة التجاوز أو الفراغ في طرف احتمال النقيصة دون الزيادة وتعارضها ، مع أصالة عدم الزيادة وتساقطهما ، ووصول النوبة إلى الاصول المحكومة ، وهي أصالة العدم في السجدة المشكوكة ، وأصالة البراءة في طرف الزيادة ، وجريانها من دون معارضة لكون أحدهما منجّز والآخر مرخّص ، وفي مثله ينحلّ العلم الإجمالي ، فيجب عليه قضاء السجدة ، وسجدة السهو لخصوص النقيصة ، عملا بمقتضى الأصلين.

نعم الأولى والأحوط أن يأتي بسجدة السهو بقصد ما في الذمّة.

الصورة الثالثة : وأمّا ما هو ظاهر المتن ، من وجوب قضاء ، ووجوب سجدة

٣٣٠

السهو بقصد ما في الذّمة ، فلا وجه له ، عدا من زعم أنّ وجوب سجدة السهو في محلّ الفرض لأحد الأمرين ، من النقيصة والزيادة معلوم بالإجمال ، فلا بدّ من تنجيزه ، وطريق الخروج عن عهدة امتثاله إنّما هو بإتيان سجدتين ، إحداهما للنقيصة والاخرى للزيادة ، أو بإتيان واحدة ما في الذّمة.

ولكن لا وجه لهذا الزّعم ؛ إذ لا يخلو :

(١) إمّا نقول في مثل المسألة بأنّ وجوب سجدة السهو معلوم بالإجمال ، ووجوب قضاء السجدة مشكوك فيها ، فيتردّد التكليف المعلوم بالإجمال بين الأقلّ والأكثر الاستقلاليّين ، فيؤخذ بالمتيقّن ، وينفى الزائد البراءة ، وعليه فلا موجب لقضاء السجدة.

(٢) وإمّا أن نقول إنّ العلم المفروض ينحلّ ، بمعونة أصالة عدم إتيان السجدة المشكوكة ، الموجبة لتنجّز كلا التكليفين أعني :

القضاء وسجدة السهو ، وأصالة البراءة كما عرفت.

أو أصالة عدم الزيادة.

بناء على أنّ كلّ احتمال نقيصة أو زيادة مجرى لقاعدة التجاوز وتعارضها ، ووصول النوبة إلى أصالتي العدم.

وعليه ، فلا موجب لسجدة السّهو للزيادة ، ولا منجّز لاحتمال وجوبها.

أقول : قد عرفت أنّ الحقّ هو الثاني ، وذلك من جهة أنّه مضافا إلى أنّ الانحلال المفروض في الشقّ الأوّل لا يخلو عن المناقشة هنا ، من جهة استلزامه الخلف ونحو ذلك ، على ما فصّل في محلّه ، لا محلّ لدعواه في محلّ البحث ، بعد

٣٣١

وضوح أنّ أصالة عدم السجدة المشكوكة مقتضية لوجوب القضاء أيضا ، وهي جارية بلا معارضة ، ومع جريانها لا تصل النوبة إلى أصالة البراءة عن وجوب القضاء.

هذا فضلا عن أنّ ذلك الأصل مقتض لوجوب سجدة سهو أيضا للنقيصة ، ومعه لا تصل النوبة إلى البراءة عنها حتّى تتعارض هي مع البراءة ، أو أصالة العدم في طرف الزيادة وسقوطهما وتنجّز التكليف بسجدة السهو لأحد الأمرين إجمالا.

* * *

٣٣٢

المسألة الثانية والخمسون

قال رحمه‌الله : (لو علم أنّه إمّا ترك سجدة أو تشهّدا ، وجب الإتيان بقضائهما وسجدة السهو مرّة).

أقول : إنّ حكم المسألة واضح ، بمقتضى قواعد تنجيز العلم الإجمالي ، وقد سبق بأن تحدّثنا عنه بالتفصيل في المسائل السابقة ، فلا نعيده.

* * *

٣٣٣

المسألة الثالثة والخمسون

قال رحمه‌الله : (إذا شكّ في أنّه صلّى المغرب والعشاء أم لا قبل أن ينتصف الليل ، والمفروض أنّه عالم بأنّه لم يصلّ في ذلك اليوم إلّا ثلاث صلوات ...).

أقول : الشكّ في امتثال المغرب والعشاء محلّ لجريان قاعدة الاشتغال ، الجارية فيما قبل خروج الوقت في الفروض الثلاثة أجمعها. فلا محيص عن الإتيان بها عملا بالأصل المنجّز الجاري فيها على وفق العلم في الفروض الثلاثة أجمعها.

أمّا في الفرض الأوّل : فإنّه بعد إتيانهما لا يبقى له علم ببقاء اشتغال الذمّة بشيء من الفائتتين المعلومتين ، وإنّما يبقى مجرّد احتمال البقاء ، الناشي عن احتمال كون الفائتتين أو إحداهما من الصلاة النهاريّة ، وحيث إنّ هذا الاحتمال شكّ في إتيانها بعد خروج وقتها ، فهو مجرى لقاعدة الشكّ بعد الوقت بلا معارض.

وفي الفرض الثاني : بعد إتيانهما يبقى له يقين ببقاء واحدة ممّا اشتغلت ذمّته بها في صلاة النهار ، واحتمال بقاء اثنتين أو ثلاثة منها ، وحيث إنّ الاحتمال المفروض ، شكّ في فوات ما زادت عن الواحدة المبهمة في صلاة يومه بعد خروج الوقت ، فهو مجري لقاعدة الشكّ بعد الوقت بلا معارض.

وأمّا الواحدة التي يعلم بفواتها من صلاة اليوم ، فالعلم به منجز لا محالة ، وحيث إنّه مردّد بين أعيان الثلاثة ، وقاعدة الشكّ بعد الوقت في كلّ منهما

٣٣٤

بخصوصها معارضة بها في الآخرين ، وبعد تعارضها وتساقطها لا محيص عن الاحتياط بإضافة ثنائيّة ورباعيّتين ، ولكن يكفي إضافة رباعيّة واحدة بقصد ما في الذمّة.

ومع إتيان تلك الصلاة الأربعة ، وإن كان لا يقطع بحصول البراءة عن جميع الثلاثة التي علم اشتغال ذمّته بها ، لاحتمال كون الفائتة ثلاثة رباعيّة ، وهو قد أتى برباعيّتين ، إلّا أنّه لا ضير فيه بعد فرض أنّ قاعدة الشكّ بعد الوقت جارية بلا معارض ، بالنسبة إلى ما زاد عن واحدة من صلوات اليوم ، ومؤمّنة من تلك الناحية ؛ أي ناحية احتمال فوت رباعيّتين من النهار.

وفي الفرض الثالث : بعد إتيانهما يبقى له علم ببقاء اشتغال ذمّته باثنتين فائتتين من صلوات النهار قطعا ، واحتمال فوات الثلاثة منها باجمعها ؛ وذلك الاحتمال وإن كان مجرى لقاعدة الشكّ بعد الوقت ، إلّا أنّه لا ثمرة لها بعد أن الاثنتين المقطوعتين مردّدتين بين أن تكونا صبحا وظهرا ، أو صبحا وعصرا ، أو ظهرا وعصرا ، والقاعدة في كلّ اثنتين من هذه الثلاثة بخصوصيّتهما معارضة معها في الأخريات ، وبعد التساقط فلا محيص عن الاحتياط بثنائيّة وظهر وعصر.

أقول : وما هو ظاهر المتن ، من كون الحكم في هذا الفرض أيضا مثل الفرض الثاني :

فإن كان المراد منه مجرّد التشبيه في أصل الحكم ، أعني لزوم الإتيان بالعشاءين ، وإضافة ما يقتضيه العلم ببقاء اشتغال الذمّة في كلّ فرض ، حسب العلم المفروض فيه ، فلا اعتراض عليه ، إلّا من جهة قصور العبارة.

٣٣٥

وإن كان المراد منه القياس بالفرض الثاني في كفاية إضافة ثنائيّة ورباعيّة ، فلا وجه له ظاهرا عدا توهّم أنّ في مثله وإن كان قاطعا يكون اثنتين من الأربعة من صلاة اليوم ، إلّا أنّه غير قاطع بكونها رباعيّتين أو ثنائيّة ورباعيّة ، ولكنّه قاطع بكون إحداهما رباعيّة ، ويحتمل كون الاخرى أيضا رباعيّة ، فيدفع احتمال ذلك ، ويكتفى برباعيّة واحدة.

ولكن فيه : أنّه لا دافع لاحتمال كون الثانية من فوائت العشاء رباعيّة من شيء من الاصول والقواعد.

أمّا الاستصحاب : فواضح ، فإنّ اتّصاف الفائتة الثانية بالرباعيّة وعدمها ليست له حالة سابقة ثبوتيّة أو عدميّة حتّى تستصحب.

وأمّا القاعدة : أي قاعدة الشكّ بعد الوقت ، فجريانها في الرباعيّة الثانية معارضة بجريانها في الثنائيّة ، لعدم الترجيح في الجريان في إحداهما ، والمخالفة القطعيّة من إجرائهما معا.

والنتيجة : أنّه لا رافع في البين من الاصول والقواعد ، لاحتمال كون الفائتين من اليوم رباعيّتين.

* * *

٣٣٦

المسألة الرابعة والخمسون

قال رحمه‌الله : (إذا صلّى الظهر والعصر ، ثمّ علم إجمالا أنّه شكّ في إحداهما بين الاثنتين والثلاث ، ولا يدري أنّ الشكّ المذكور في أيّهما كان يحتاط بإتيان صلاة الاحتياط ...).

الحقّ في المسألة أن يقال : إن كان العلم حاصلا بعد تحقّق أحد الأمور التي تبطل الصلاة ـ عمدا كانت أو سهوا ـ من الاستدبار والحدث ونحوهما ، فهو عالم بصحّة إحدى الصلاتين في الواقع وتماميّتها ، وشاكّ في صحّة الاخرى ، بلا معيّن للتامّة والمشكوكة ، فإنّه إن كان الظهر تامّا في الواقع ؛ أي كأن لم يشكّ فيه ، وإنّما كان الشكّ في العصر ، فلا تخلو العصر في الواقع :

إمّا أنّها كانت تامّة غير محتاجة إلى التدارك ، فتصحّ هي أيضا.

وإمّا أن تكون ناقصة محتاجة إلى التدارك ، فتبطل هي لتخلّل المنافي بين الصلاة وبين ركعة الاحتياط ، بناء على كونها جزءا من الصّلاة ، وعلى هذا الفرض لا منشأ للاحتياط بوجوب إعادة الظهر ، لعدم المنشأ لبطلانها حينئذ أصلا ، كما لا منشأ لوجوب الاحتياط بإتيان ركعة الاحتياط لا للظهر وهو واضح ، ولا للعصر لبطلانها ، وعدم قابليّتها للتدارك إلّا على وجه موهون ، هو استقلال ركعات الاحتياط بالوجوب ، وعدم ترتيب آثار الجزئيّة عليها.

هذا ، وإن كان الأمر بالعكس في الواقع بأن كانت العصر تامّة في الواقع ، أي كأن لم يشكّ فيه ، وإنّما كان الشكّ في الظهر ، فلا تخلو الظهر في الواقع :

٣٣٧

إمّا أنّها كانت ثابتة غير محتاجة إلى التدارك ، فتصحّ هي أيضا في الواقع ، فلا يحتاج لا إلى الإعادة ولا إلى ركعة الاحتياط في شيء منها.

وإمّا أنّها كانت ناقصة محتاجة إلى التدارك ، فهي تكون باطلة حينئذ لتخلّل المنافي بينها وبين ركعة الاحتياط ، ولا منشأ حينئذ للاحتياط بإعادة العصر إلّا من ناحية فوات الترتيب بينها وبين الظهر ، حيث إنّها وقعت قبل فراغ الذمّة عن الظهر ، ولكنّه حيث إنّه شرط ذكري فلا إشكال ، فلا يضرّ فواته سهوا من دون إشكال ، كما لا منشأ حينئذ للاحتياط بركعة الاحتياط للظهر ، إلّا على ذلك الاحتمال المتقدّم الموهون.

فتحصّل : أنّه في فرض تحقّق إحدى المنافيات ، لا منشأ للاحتياط بالركعة وجوبيّا. نعم ، لا مانع عنه استحبابيّا ، لاحتمال البدليّة الاستقلاليّة ، ولكنّه لا بدّ أن يؤتى بها بقصد ما في الذمّة ، لتردّدها بين الصلاتين.

وهذا كما أنّه لا علم أيضا ببطلان إحدى الصلاتين في الواقع ، وإنّما هو مجرّد احتمال في إحداهما بلا تعيين ، ومقتضى قاعدة الاشتغال استينافها ، ولكنّه يكفي إتيان واحدة بقصد ما في الذمّة.

نعم ، لو كان هذا العلم حاصلا بعد خروج الوقت ، فلا يحصل العلم بتحقّق موضوع القضاء ؛ أعني فوت الواجب ، فينفى بالبراءة.

وأمّا إن كان هذا العلم حاصلا في الوقت ، وقبل حصول إحدى منافيات الصلاة ، فعلى تقدير تماميّة الظهر في الواقع ـ أي عدم وقوع الشكّ فيها ـ :

فإمّا أن تكون الأمر تامّة في الواقع أو ناقصة.

٣٣٨

فعلى الأوّل : تصحّ الصلاتان معا ، بلا حاجة إلى التدارك.

وعلى الثاني : تصحّ العصر أيضا بتدارك الركعة من دون مانع.

فعلى هذا التقدير ، لا منشأ بالنظر إلى الظهر ولا للاستئناف ولا للركعة وهو واضح ، كما لا منشأ لاستيناف العصر وإنّما تحتاج العصر إلى الركعة ، وعلى تقدير تماميّة الأمر في الواقع ، بأن كانت العصر تامّة لم يشكّ فيها :

فإمّا أن تكون الظهر تامّة غير محتاجة إلى التدارك في الواقع ، أو ناقصة محتاجة إليه ، فلا منشأ حينئذ لإعادة العصر إلّا من ناحية ناحية فوات الترتيب ، حيث إنّه قد قام بها في الواقع قبل فراغ ذمّته عن الظهر ، وقد عرفت أنّه شرط ذكري لا يخلّ فواتها السّهوي القطعي فضلا عن الاحتمالي ، كما في مفروض المسألة ، كما لا منشأ للركعة الاحتياطيّة بالنظر إليها أبدا ، ولا منشأ لوجوب استيناف الظهر حينئذ ، إلّا من ناحية فوات الموالاة بينها وبين ركعة الاحتياط ، بناء على الجزئيّة ، ولا إشكال في أنّ فوتها سهوا ممّا لا يضرّ في صحّة الصّلاة ، على ما هو قضيّة صحيحة لا تعاد.

وقد تحصّل : أنّ في فرض حصول العلم قبل تحقّق إحدى المنافيات ، لا منشأ للاحتياط باستيناف الصلاتين إلّا استحبابيّا ، ويكفي في هذا الاحتياط المندوب إعادة واحدة بقصد ما في الذمّة.

كما أنّه لا علم له في هذا الفرض بالحاجة إلى التدارك في إحدى الصلاتين في الواقع ، إلّا أنّ وظيفته العمل بالاحتياط بالركعة المفصولة ، ما لم ينكشف الواقع في شكّه ، كما أنّ وظيفة الاحتياط ومراعاة كلا الاحتمالين ، من حاجة الظهر أو العصر

٣٣٩

بإتيان ركعة بقصد ما في الذمّة ، ما لم ينكشف الواقع بالنظر إلى محلّ شكّه ، هذا.

وأمّا بناء على ما هو الأقوى في النظر ، من بدليّة ركعات الاحتياط المنفصلة بدليّة مستقلّة ، وعدم إضرار تخلّل المنافيات بينها وبين الصلاة بصحّتها ، ولا بصحّة الصلاة ، وأنّ السلام الواقع مخرج ومحلّل للشاكّ ، ما دام شاكّا ولم يتدارك النقص المحتمل ، ولا ينقلب هذا الحكم إلّا بانكشاف النقص قبل التدارك.

فالأقوى في المسألة : كفاية ركعة الاحتياط بقصد ما في الذمّة ، من دون حاجة إلى الإعادة ، واللّازم على القول بالجزئيّة وإبطال تخلّل المنافيات للصلاة ، هو التفصيل بوجوب إعادة واحدة بقصد ما في الذمّة ، من دون حاجة إلى ركعة الاحتياط في فرض تخلّل النافي ، ووجوب ركعة الاحتياط بقصد ما في الذمّة ، دون الإعادة في فرض عدمه.

ولازم الإشكال في المسألة وعدم الجزم بأحد الطرفين ، هو الجمع بين الأمرين.

* * *

٣٤٠