مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام - ج ٣

جواد الكاظمي

مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام - ج ٣

المؤلف:

جواد الكاظمي


المحقق: محمّد الباقر البهبودي
الموضوع : الفقه
الناشر: المكتبة المرتضويّة لإحياء الآثار الجعفريّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٤٠

الأباطيل ، فأما من عدا هؤلاء ممن يلعبن بسائر أنواع الملاهي فلا يجوز على حال ، سواء كان في العرائس أو غيرها ـ انتهى كلامه ، وهو جيد.

ويمكن حمل «لهو الحديث» على ما كان لهوا من الحديث مطلقا وان كان سببها خاصا ، فإن العبرة بعموم اللفظ ، ويلزم من ذلك تحريم جميع ما يستلزم ذلك ، كالاحاديث الباطلة التي لا أصل لها وتحريم الكسب بها وأخذ الأجرة عليها.

وفي مجمع البيان (١) انه يدخل فيه كل شيء يلهى عن سبيل الله وعن طاعته من الأباطيل والمزامير والملاهي والمعازف ، ويدخل فيه السخرية بالقرآن واللغو وكل لهو ولعب والأحاديث الكاذبة والاساطير الملهية عن القرآن ، ولا يبعد إدخال القصص والحكايات السابقة التي لا فائدة تحتها.

والمراد بالغناء المحرم ما يسمى في العرف غناء [سواء اشتمل على طرب أم لا] نحو «الحداء» [بالمد ، وهو سوق الإبل بالغناء لها] وربما عرّفه بعضهم بأنه «ترجيع الصوت المطرب» [أى ما اشتمل على الوصفين الترجيع مع الاطراب ، فلو خلا عن أحدهما لم يكن غناءا] وليس في الأدلة ما يدل على اعتباره ، ومن ثم لم يعتبره بعض ، والاحتياط في ترك جميع أقسامه.

الرابعة : (المائدة ٩٤) (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).

(إِنَّمَا الْخَمْرُ) من التخمير ، وهو تغطية العقل وإطلاقه على ما يتخذ من الكرم هو الأكثر ، والظاهر أن المراد به ما يشمل جميع المسكرات ، وبه وردت الاخبار ، وفي الصحيح (٢) عن عبد الرحمن بن الحجاج عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : الخمر من

__________________

(١) المجمع ج ٤ ص ٣١٣.

(٢) الكافي ج ٢ ص ١٨٨ باب ما يتخذ منه الخمر الحديث ١ وهو في المرات ج ٤ ص ٩٠ وفيه انه حسن كالصحيح على الظاهر إذ الظاهر الحجاج مكان الحجال كما في بعض النسخ ورواه في التهذيب ج ٩ ص ١٠١ بالرقم ٤٤٢ والسر في تعبير المجلسي عن الحديث بالحسن وجود إبراهيم بن هاشم ومحمد بن إسماعيل في طريق الحديث وقد مر الكلام فيهما.

٢١

خمسة : العصير من الكرم ، والنقيع من الزبيب ، والبتع من العسل ، والمزر من الشعير ، والنبيذ من التمر. ونحوها من الاخبار (١).

(وَالْمَيْسِرُ) مصدر كالمرجع والموعد ، سمى به القمار لاشتماله على أخذ مال الناس بيسر. والمراد به ما يصدق عليه أنه قمار بجميع أقسامه. وروى (٢) جابر عن ابى جعفر قال : لما أنزل الله عزوجل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ) الآية ، قيل : يا رسول الله ما الميسر؟ فقال : كلما تقومر به حتى الكعاب والجوز ـ الحديث.

وفي الصحيح (٣) عن معمر بن خلاد عن أبى الحسن عليه‌السلام قال : النرد والشطرنج والأربعة عشر بمنزلة واحدة ، وما قومر عليه فهو المسير.

(وَالْأَنْصابُ) الأصنام كانوا ينصبونها للعبادة.

(وَالْأَزْلامُ) جمع زلم بضم أوله كصرد أو فتحه كفرس ، وهي القداح التي كانوا يجيلونها للقمار ، وهي عشرة سبعة منها ذوات أنصباء ، وهي : الفذ له سهم ، والتوأم سهمان ، والرقيب ثلاثة ، والجليس أربعة ، والنافس خمسة ، والمسبل ستة ، والمعلى سبعة. وثلاثة لا نصيب لها ، وهي : المنيح ، والسفيح ، والوغد. ولقد أحسن من قال :

لي في الدنيا سهام ليس فيهن ربيح

وأساميهن وغد وسفيح ومنيح

__________________

(١) انظر الوسائل الباب ١ من أبواب الأشربة ج ٣ ص ٣١٢ ط الأميري والوافي الجزء ١١ ص ٧٨ ومستدرك الوسائل ج ٣ ص ١٣٥ ومتفرقات أبواب الأشربة المحرمة من الكتب السالف ذكرها.

(٢) الكافي ج ١ ص ٣٦٢ باب القمار والنهبة الحديث ٢ وهو في المرات ج ٣ ص ٣٩٣ ورواه في التهذيب ج ٦ ص ٣٧١ بالرقم ١٠٧٥ والفقيه ج ٣ ص ٩٧ بالرقم ٣٧٣.

(٣) الكافي ج ٢ ص ٢٠١ باب النرد والشطرنج الحديث ١ وهو في المرات ج ٤ ص ١٠٠ وفيه انه صحيح والوافي الجزء العاشر ص ٣٥ وقريب منه في تفسير العياشي ج ١ ص ٣٣٩ الرقم ١٨٢ وحكاه عنه في البحار ج ١٦ (م) ٣٤ والبرهان ج ١ ص ٣٩٨ والوسائل الباب ٦٣ من أبواب ما يكتسب به ج ٢ ص ٥٤٧ ط الأميري وحكى حديث الكافي في الوسائل في الباب ١٣٢ ص ٥٦٧.

٢٢

وكانوا يجعلون هذه القداح في خريطة ويضعونها على يد من يعتمدون عليه فيحركها ، ثم يدخل يده الى الخريطة ويخرج باسم كل رجل قدحا ، فمن خرج له قدح من القداح ذوات النصيب المفروض أخذه ، ومن خرج له من القداح غير ذوات النصيب لم يأخذ شيئا ويغرم ثلث قيمة البعير ، فلا يزال يخرج قدحا قدحا حتى يأخذ أصحاب القداح السبعة أنصباءهم ويغرم الثلاثة الذين لا نصيب لهم قيمة البعير.

(رِجْسٌ) قذر مستقذر تكرهه النفوس ، وهو خبر عن مقدر اى تعاطى الأشياء المذكورة (مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ) الذي هو الخيبة والمحق (فَاجْتَنِبُوهُ) أي كونوا في جانب عنه (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) تفوزون بالفلاح.

واستدل أصحابنا بالآية على تحريم الخمر وتحريم بيعه وشرائه وأكل ثمنه وجميع استعمالاته ، وعلى ذلك انعقد إجماعهم ، وعنه (١) صلى‌الله‌عليه‌وآله : لعن الله الخمرة وغارسها

__________________

(١) انظر الحديث بالفاظها المختلفة في الوسائل ج ٣ ص ٣٢٤ الباب ٣٤ من أبواب الأشربة المحرمة والوافي الجزء ١١ ص ٨١ ومستدرك الوسائل ج ٣ ص ١٤٣ والبحار ج ١٤ ص ٩١٣ وكذا الوسائل أيضا ج ٢ ص ٥٥٥ ومستدرك الوسائل ج ٢ ص ٤٥٢ باب تحريم بيع الخمر وفي كتب أهل السنة سنن البيهقي ج ٨ ص ٢٨٧ والدر المنثور ج ٢ ص ٣٢٢ والترغيب والترهيب ج ٣ ص ٢٤٩ وص ٢٥٠ وفيض القدير ج ٥ ص ٢٦٧.

ثم في بعض نسخ المصادر حارثها بالثاء المثلثة وفي بعضها بالسين المهملة وأظن ان الثاني أصح إذ على الأول لا فرق بين الغارس والحارث فيكون تكرارا وفي بعض ألفاظ الروايات عاصرها ومعتصرها فان صح فالذي يستفاد من أكثر كتب أهل اللغة وكلمات أهل الأدب ان المعتصر بمعنى طالب عصرها ففي مقاييس اللغة ج ٤ ص ٣٤٢ عصرت العنب إذا وليته بنفسك واعتصرته إذا عصر لك خاصة وفي المحكم لابن سيده ج ١ ص ٢٥٦ وقيل عصره ولى ذلك بنفسه واعتصره عصر له خاصة الا أن في فيض القدير ان المعتصر من يعتصر لنفسه نحو كال واكتال.

وفي تذييل الترغيب والترهيب لمصطفى محمد عمارة معتصرها يريد حابسها في الأواني والزجاجات قلت كل ذلك على ما ظنوه من كسر الصاد في المعتصر فان جعلناه بفتح الصاد يكون اسم مكان لان اسم المكان من المزيد على زنة اسم المفعول ويكون ملعونا على حد لعن الخمر بنفسها كما في أكثر ألفاظ الحديث.

٢٣

وخازنها وحاملها والمحمولة اليه وبائعها ومشتريها وآكل ثمنها وعاصرها وساقيها وشاربها.

وكذا استدلوا بها على تحريم القمار بجميع أقسامه ، وتحريم التكسب به من بيع آلاته وصناعتها وجميع ما يترتب عليه حدوثه.

وعلى هذا علماؤنا أجمع ، وأجاز الشافعي اللعب بالشطرنج محتجا عليه بأن فيه تشحيذ الخواطر فكان محمودا. وهو ضعيف ، لعموم الآية وعدم صلاحية ما ذكره للتخصيص وما تقدم من الحديث ، ويؤيده (١) ما روي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال : من لعب بالشطرنج والنرد فكأنما غمس يده في دم خنزير. ونحوها.

***

ولنردف الكتاب بتفسير آية لها تعلق تام به ، وهي : (النور : ٦١) :

(لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلا عَلى

__________________

(١) ظاهر كلام المصنف انه حديث نبوي (ص) في كتب أهل السنه ولم أظفر على الحديث بهذا اللفظ في كتبهم وانما اللفظ في كتبهم كما في الأدب المفرد ج ٢ فضل الله الصمد ص ٦٦٥ بالرقم ١٢٧١ من لعب بالنرد شير فكأنما صبغ يده في لحم خنزير ودمه وفي تخريجه أنه أخرجه أبو داود وابن ماجه ومالك ومسلم.

ومثله ما رواه في مستدرك الوسائل ج ٢ ص ٤٥٩ عن عوالي اللآلي وكنز العرفان ج ٢ ص ١٨ ليس في الحديث ذكر الشطرنج مع النرد نعم روى مثله في الشطرنج أيضا ففي الجامع الصغير ج ٦ ص ٥ الرقم ٨٢٠٩ فيض القدير ملعون من لعب بالشطرنج والناظر إليها كالأكل لحم الخنزير عن عبدان وابى موسى وابن حزم عن حبة بن مسلم مرسلا ومثله في نيل الأوطار ج ٨ ص ٩٩ وفيه أحاديث أخر أيضا.

ولأجل تلك الاخبار قال بتحريمه مالك وأبو حنيفة واحمد وانما كرهه الشافعي ونقل مثل حديث حبة في مستدرك الوسائل ج ٢ ص ٤٥٩ عن تفسير ابى الفتوح ملعون من لعب بالاستريق يعنى الشطرنج والناظر اليه كأكل لحم الخنزير وعلى اى فاخبارنا بحرمته متظافرة انظر الوسائل الباب ٦٣ ص ١٢٨ الى ص ١٣٢ من أبواب ما يكتسب به ومستدرك الوسائل ج ٢ ص ٤٥٩.

٢٤

أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَواتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خالاتِكُمْ أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ).

(لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ) نفى تعالى عن الأصناف الثلاثة ذوي العاهات الحرج لما يقتضيه حالهم من الآفات النازلة بهم.

واختلف في المراد به ، فقيل المراد به نفي الحرج في التخلف عن الجهاد. ورده القاضي بأنه لا يلائم ما قبله وما بعده ، فان ما بعده ـ أعني قوله (وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ) ـ صريح في نفي الحرج عن الأكل من البيوت المذكورة.

وقد يقال : وجه صحة العطف التقاء الطائفتين في أن كل واحدة منهما منفي عنه الحرج. قال في الكشاف : مثال هذا أن يستفتيك مسافر عن الإفطار في شهر رمضان وحاج مفرد عن تقديم الحلق على النحر ، فتقول ليس على المسافر حرج ان يفطر ولا عليك يا حاج أن تقدم الحلق على النحر.

وقيل : المراد نفي الحرج عن مؤاكلتهم ، لما كانوا يتحرجون من مؤاكلة الأصحاء فإن الأعمى كان يتحرج عن الأكل مع الناس مخافة أن يأكل أكثر منهم وهو لا يشعر ، والأعرج أيضا يقول اني احتاج لزمانتي أن يوسع لي في المجالس فيكون عليهم مضرة والمريض يقول الناس يتأذون منى لمرضي ويتقذرونني فيفسد عليهم الطعام.

وقيل : المراد نفي الحرج في أكلهم من بيت من يدفع إليهم المفتاح ويبيح لهم التبسط فيه إذا خرج الى الغزو وخلفهم على المنازل ، مخافة ان لا يكون ذلك من طيب قلب ، كما حكي عن الحرث بن عمر (١) أنه خرج غازيا وخلف مالك بن زيد في بيته وماله ، فلما رجع رآه مجهودا فقال : ما أصابك؟ قال : لم يكن عندي شيء ولم يحل لي أن آكل من مالك.

__________________

(١) الكشاف ج ٣ ص ٢٥٦.

٢٥

وقيل : المراد نفي الحرج من اجابة من يدعوهم الى بيوت آبائهم وأولادهم وأقاربهم فيطعمونهم كراهة أن يكونوا كلا عليهم.

وقيل : كان ذلك في أول الإسلام ، فنسخ بقوله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ) و[قد كان في أزواج النبي من لهنّ الآباء والأخوات ، وعمّ بالنهي عن دخول بيوتهن إلا بإذن في الدخول وفي الأكل] بقول النبي (١) صلى‌الله‌عليه‌وآله «لا يحل مال امرئ مسلم الا عن طيب نفسه». وهذا القول مرغوب عنه فيما بيننا.

__________________

(١) الحديث رواه في كتب الشيعة في المجمع ج ٤ ص ١٥٦ بلفظ المصنف وفي مستدرك الوسائل ج ٣ ص ١٤٥ عن دعائم الإسلام عن على (ع) بلفظ لا يجوز أخذ مال المسلم بغير طيب نفس منه وهو في دعائم الإسلام ط مصر ج ٢ ص ٥٧ وعن عوالي اللائي عن النبي (ص) بلفظ المسلم أخو المسلم لا يحل ماله الا عن طيب نفس منه ومثله في ج ١ ص ٢٢٢ ومثله في قلائد الدرر ج ٢ ص ٢٢٥.

وفي الفقيه ج ٤ ص ٦٦ بالرقم ١٩٥ عن زرعه عن سماعه عن ابى عبد الله عن رسول الله (ص) في خطبته في حجة الوداع حديث مبسوط وفيه فإنه لا يحل دم امرئ مسلم ولا ماله إلا بطيبة نفسه وهو في الكافي ج ٢ ص ٣١٦ الباب ٢ من كتاب الديات الحديث ٥ وهو في المرات ج ٤ ص ١٨٩ وجعله المجلسي من الموثق ومثله الحديث ١٢ من الباب الأول من كتاب الديات عن أبي أسامة زيد الشحام عن ابى عبد الله.

وفي تحف العقول ص ٣٤ ط مكتبة الصدوق ١٣٧٩ ايها الناس انما المؤمنون اخوة ولا يحل لمؤمن مال أخيه إلا عن طيب نفس منه قاله النبي (ص) في خطبته في حجة الوداع وترى أحاديث الفقيه والكافي وتحف العقول في الوسائل الباب ٣ من أبواب مكان المصلى ج ١ ص ٢٩٣ ط الأميري وكذا حديث الكافي وحديث الفقيه في الوافي الجزء التاسع ص ٨٢ وأرسل الحديث في كنز العرفان ج ٢ ص ٣٠ وقلائد الدرر ج ٢ ص ٢٢٩.

وفي كتب أهل السنة رواه الدار قطني بعدة طرق مع تفاوت في الألفاظ انظر ج ٣ ص ٢٥ و ٢٦ وفي مجمع الزوائد ج ٤ ص ١٧١ وص ١٧٢ ورواه في نيل الأوطار ج ٥ ص ٣٣٤ عن احمد وابن حبان والحاكم والبيهقي ورواه أبو إسحاق الشيرازي أيضا في المهذب ج ١ ص ٣٧٤ مرسلا عن ابى حميد الساعدي عن النبي (ص).

٢٦

(وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ) من البيوت التي تملكونها ، فان ذلك هو الظاهر من الإطلاق. ولعل النكتة فيه مع ظهور اباحته ، الإشارة إلى مساواة ما ذكر له فيها والتنبيه على أن الأقارب المذكورين والصديق ينبغي جعلهم بمثابة النفس في أن يحبّ لهم ما يحب لها ويكره لهم ما يكره لها كما جعل بيوتهم كبيته.

وقيل : هي بيوت الأزواج والعيال ، لأن بيت المرأة كبيت الرجل.

وقيل : هي بيوت الأولاد ، لأنهم لم يذكروا في الأقارب مع أنهم اولى منهم بالموافقة ، ولأن بيت الولد كبيته لقوله (١) صلى‌الله‌عليه‌وآله «أنت ومالك لأبيك» وقوله (٢) صلى‌الله‌عليه‌وآله «ان أطيب ما يأكل الرجل من كسبه وولده من كسبه».

(أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَواتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خالاتِكُمْ أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ) وهو ما يكون تحت أيديكم وتصرفكم من ضيعة أو ماشية وكالة أو حفظا ، وأطلق على

__________________

(١) المجمع ج ٤ ص ١٥٦ والتبيان ج ٢ ص ٣٤٤ وكنز العرفان ج ٢ ص ٣١ وقلائد الدرر ج ٢ ص ٢٢٦ وكذا الكافي باب الرجل يأخذ من مال ولده الحديث ٥ و ٦ ج ١ ص ٣٦٦ وهما في المرآة ج ١ ص ٣٩٦ وفي التهذيب ج ٦ ص ٣٤٣ الرقم ٩٦١ و ٩٦٢ وص ٣٤٤ الرقم ٩٦٦ والاستبصار ج ٣ ص ٤٨ وص ٤٩ الرقم ١٥٧ و ١٥٨ و ١٦٢ والفقيه ج ٣ ص ١٠٩ الرقم ٤٥٦ ونور الثقلين ج ٣ ص ٦٢٥ و ٦٢٧.

وانظر أيضا الوسائل الباب ١٠٧ من أبواب ما يكتسب به ج ٢ ص ٥٦٠ ط الأميري ومستدرك الوسائل ج ٢ ص ٤٥٤ وأخرجه من أهل السنة أيضا السيوطي في الجامع الصغير الرقم ٢٧١٢ ج ٣ ص ٤٩ فيض القدير عن ابن ماجه والبزار والطبراني في الكبير.

(٢) رواه في المجمع ج ٤ ص ١٥٦ وكنز العرفان ج ٢ ص ٣١ وقلائد الدرر ج ٢ ص ٢٢٦ وروى عن المجمع في نور الثقلين ج ٣ ص ٦٢٧ بالرقم ٢٥٦ وأخرجه في الكشاف ج ٣ ص ٢٥٧ ولابن حجر في تخريجه تفصيل فراجع. وأخرجه السيوطي أيضا في الجامع الصغير بالرقم ٢٢٠٦ ج ٢ ص ٤٢٥ فيض القدير بلفظ ان أطيب ما أكلتم من كسبكم وان أولادكم من كسبكم عن البخاري في التاريخ والترمذي وابن ماجه والنسائي عن عائشة.

٢٧

ذلك ملك المفاتح لكونها في يده وحفظه ، ويؤيده (١) ما رواه الكليني عن ابن ابى عمير مرسلا عن ابى عبد الله عليه‌السلام في قول الله عزوجل (أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ) قال : الرجل يكون له وكيل يقوم في ماله فيأكل بغير اذنه. وقيل هو بيوت المماليك ، لأن مال العبد لمولاه فهو مالك له. والمفاتح جمع مفتح ، وهو ما يفتح به ، وقرئ «مفتاحه» (٢).

(أَوْ صَدِيقِكُمْ) أو بيوت صديقكم على حذف المضاف ، والصديق يكون واحدا وجمعا كالخليط ، والمرجع في الصديق الى العرف لعدم تحديده شرعا. وفي صحيحة الحلبي (٣) عن الصادق عليه‌السلام قال : سألته ما يعني بقوله (أَوْ صَدِيقِكُمْ)؟ قال : هو والله الرجل يدخل بيت صديقه بغير اذنه.

ومقتضى الآية جواز الأكل من بيوت المذكورين مع حضورهم وغيبتهم ، وسواء دل ظاهر الحال على الرضا أولا ، لكن العلماء خصصوه بما إذا لم يعلم الكراهة ولو بالقرائن الحالية ، أو يحصل له الظن الغالب بها ، فان ذلك كاف في الامتناع وعدم الجواز.

ولعل الوجه في الإطلاق كون الأغلب عدم الكراهة في المذكورين لمكان الاتحاد التام بينهم.

واعتبر القاضي (٤) في جواز الأكل العلم برضا صاحب البيت بإذن أو قرينة ، ولذلك خصص هؤلاء فإنه يعتاد التبسط بينهم. ومقتضاه ان مع عدم العلم بالرضا لا يباح الأكل وان لم يعلم الكراهة أيضا. وفيه نظر ، لإطلاق الجواز ما لم يعلم المنع ، ولأنه مع

__________________

(١) الكافي ج ٢ ص ١٥٩ باب أكل الرجل في منزل أخيه الحديث ٥ وهو في المرات ج ٤ ص ٦٥ ونقله في نور الثقلين ج ٣ ص ٦٢٧ بالرقم ٢٥٥ ورواه أيضا في قلائد الدرر ج ٢ ص ٢٢٧.

(٢) نقله في الكشاف ج ٣ ص ٢٥٧ ونقله في فتح القدير ج ٤ ص ٥١ عن قتاده ونقل فيه أيضا قراءة مفاتيحه بياء بين التاء والحاء.

(٣) الكافي ج ٢ ص ١٥٩ باب أكل الرجل في منزل أخيه الحديث ١ وهو في المرات ج ٤ ص ٦٤ ونقله في نور الثقلين ج ٣ ص ٦٢٦ بالرقم ٢٥٠.

(٤) البيضاوي ج ٣ ص ٢٤٠ ط مصطفى محمد.

٢٨

العلم بالرضا بالاذن لم يبق فرق بين من تضمنته الآية وغيره.

ولا يعارضه قبح التصرف في مال الغير بغير إذن ، لأن ذلك مع معلومية عدم الاذن ولعل هذا هو الفرق بين بيوت المذكورين وبيوت غيرهم ، من حيث ان بيوت غيرهم يشترط العلم بالرضا فيها ، وأما بيوت المذكورين فيكفي فيها عدم العلم بالكراهة.

قال في المجمع (١) : «وهذه الرخصة في أكل مال القرابات وهم لا يعلمون ذلك كالرخصة لمن دخل حائطا وهو جائع أن يصيب من ثمرة ، أو مر في سفره بغنم وهو عطشان أن يشرب من لبنه ، توسعة منه على عباده وتلطفا لهم ورغبة لهم عن دناءة الأخلاق وضيق العطن».

قلت : لا يخفي أن هذه الرخصة ليست بمثابة تلك ، فان الدليل قائم هنا وغير واضح هناك ، ومن ثم منعه (٢) بعض الأصحاب ، ومن جوّزه لم يقيده بالجائع ولا بالحائط بل الحكم في المار على الغلة وغيرها أن يأكل منها ، وليس في كلام الأصحاب ما يدل على جواز شرب اللبن لمن مر بغنم في الطريق ـ فتأمل.

هذا ، ومقتضى الآية الأكل من بيوت هؤلاء ، فيجب الاقتصار عليه ولا يجوز الحمل ولا إطعام الغير ، ولا يتعدى الحكم الى تناول غير المأكول ، الا أن يدل عليه الأكل بمفهوم الموافقة كالشرب من مائه والوضوء به ، أو يدل عليه بالالتزام كالكون فيها حالته.

واحتج أبو يوسف بظاهر الآية على أن لا قطع على من سرق من ذوي رحم محرم. وذلك أنه تعالى أباح الأكل من بيوتهم ودخولها بغير اذن ، فلا يكون ماله محرزا

__________________

(١) انظر المجمع ج ٤ ص ١٥٦.

(٢) انظر الاخبار في هذه المسئلة في الوسائل ج ٢ ص ٣٦ الباب ١٧ من أبواب الزكاة وص ٥٥٥ الباب ٨٢ من أبواب ما يكتسب به وص ٦٢٠ الباب ٨ من أبواب بيع الثمار وج ٣ ص ٢٩٩ الباب ٨٠ من أبواب الأطعمة المباحة وص ٤٥٢ الباب ٢٣ من أبواب السرقة ومستدرك الوسائل ج ١ ص ٥٢٠ وج ٢ ص ٤٨٣.

وقد تظافرت الاخبار بالجواز ان لم نقل انها متواترة وعمل بها الأصحاب حتى ابن إدريس القائل بعدم جواز العمل بخبر الواحد.

٢٩

منهم. وأورد عليه لزوم أن لا يقطع إذا سرق من صديقه. وأجيب بأن السارق لا يكون صديقا ، وضعفه ظاهر.

وهل يجوز دخول بيوتهم لغير الأكل أو الكون بها بعده وقبله؟ نظر من تحريم التصرف في مال الغير الا ما استثنى ، ومن دلالة القرائن على تجويز مثل ذلك من المنافع التي لا يذهب من المال بسببها شيء حيث جاز إتلافه فيما ذكر. والجواز أظهر عملا بمفهوم الموافقة في الآية.

والمتبادر من المذكورين كونهم كذلك بالنسب ، وفي إلحاق من كان منهم كذلك بالرضاع وجه غير بعيد ، من حيث أن الرضاع لحمة كلحمة النسب ، ولمساواته له في كثير من الاحكام. ووجه العدم تبادر النسبي من الإطلاق ، والاحتياط التمسك بأصالة الحرمة في موضع الشك.

(لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ) جرم واثم (أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً) مجتمعين أو متفرقين قيل نزلت في بني ليث بن عمرو بن كنانة كانوا يتحرجون أن يأكل الرجل وحده ، فربما قعد الرجل منتظرا نهاره الى الليل ، فان لم يجد من يؤاكله أكل ضرورة. وقيل في قوم من الأنصار ، إذا نزل بهم ضيف لا يأكلون معه. وقيل في قوم تحرجوا عن الاجتماع على الطعام لاختلاف الناس في الأكل وزيادة بعضهم على بعض (١).

وفي «المجمع» (٢) معناه لا بأس أن يأكل الغني مع الفقير في بيته ، فإن الغني كان يدخل على الفقير من ذوي قرابته أو صداقته فيدعوه الى طعامه فيتحرج. قال الشيخ في «ن» : والاولى حمل ذلك على عمومه وانه يجوز الأكل وحدانا وجماعة ، ومقتضى الآية جواز ذلك ، فلا ينافيه كراهة الأكل وحده لثبوته بدليل من خارج ، فقد وقع في الاخبار «ان من يأكل زاده وحده ملعون» ونحوه ، وهو محمول على المبالغة في الكراهة ، جمعا بين الأدلة فلا ينافي الجواز الثابت بالاية.

__________________

(١) انظر البيضاوي ج ٣ ص ٢٤٠.

(٢) المجمع ج ٤ ص ١٥٧ ومثله في كنز العرفان ج ٢ ص ٣٢.

٣٠

(فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً) في الكشاف من هذه البيوت للأكل ، والاولى حمله على العموم كما صرح به الشيخ في «ن» ، والمراد أيّ بيت كان من أي شخص كان (فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ) اي ليسلم بعضكم على بعض ، كقوله تعالى (اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ). وقيل معناه فسلموا على أهليكم. وفي «المجمع» قال أبو عبد الله عليه‌السلام : هو أن يسلم الرجل على أهل البيت حين يدخل ثم يردون عليه ، فهو سلام على أنفسكم. وقال إبراهيم : إذا دخلت بيتا ليس فيه احد فقل : السّلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.

(تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللهِ) ثابتة بأمره مشروعة من لدنه ، أو علمها الله وشرعها لكم ، فإنهم كانوا يقولون «عم صباحا». وانتصابها بسلّموا ، لأنها في معنى تسليما ، نحو قعدت جلوسا.

(مُبارَكَةً) لأنها يرجى بها زيادة الخير والثواب (طَيِّبَةً) تطيب بها نفس المستمع وقيل لما فيها من الأجر الجزيل والثواب العظيم. وعن أنس انه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال «متى لقيت أحدا من أمتي فسلم عليهم يطل عمرك ، وإذا دخلت بيتك فسلم عليهم يكثر خيرك».

(كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ) أي كما بين لكم هذه الاحكام والآداب يبين (لَكُمُ الْآياتِ) الدالة على جميع ما يتعبدكم به (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) أي لكي تعقلوا معالم دينكم فتعرفون ما فيه الصلاح والفساد.

٣١

كتاب البيع

وفيه آيات :

الاولى : (النساء ٢٩) (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً. وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً). (النساء ٣٠)

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ) أى بما لم يبحه الشرع كالغصب والربا والقمار ونحوها. والمراد النهي عن التصرف في مثل ذلك ، وذكر الأكل لأنه معظم المنافع ، أو لأن الأكل قد يطلق على وجوه التصرفات ، كما يقال «أكل ماله» وان أنفقه في غير الأكل.

(إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ) استثناء منقطع لعدم دخوله فيما تقدم ، أى ولكن كون تجارة عن تراض غير منهي عنه ، أو اقصدوا كون تجارة كذلك. وعن تراض صفة لتجارة ، اى صادرة عن تراض من المتعاقدين بما تعاقدا عليه.

وفي المجمع : ثم وصف التجارة وقال (عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ) أى يرضى كل واحد منكما بذلك. وظاهر الآية يقتضي اعتبار التراضي حال صدور العقد منهما وان كونه عن تراض كاف في حصول الملك من غير توقف على أمر آخر.

ولا ينافي ذلك كون اللزوم يتوقف على تفرق المجلس ، كما يذهب إليه أصحابنا المثبتون لخيار المجلس للأخبار الدالة عليه واكتفى الحنفية بمجرد التراضي حال الإيجاب والقبول في اللزوم من غير اشتراط التفرق من المجلس ، فلا خيار عندهم بعد العقد وان لم يتفرقا نظرا الى حصول التراضي. وهو قول المالكية أيضا.

ويرده أنه بعد قيام الدليل على توقف اللزوم على ذلك لا ينبغي التوقف فيه ، وقد

٣٢

قام الدليل عندهم على ذلك ، وهو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (١) المتبايعان كل واحد منهما بالخيار ما لم يفترقا».

والى هذا القول يذهب الشافعية أيضا ، فإنهم أثبتوا خيار المجلس في المعاوضات كما أثبتناه.

وقد يستفاد منها عدم صحة البيع (٢) فضولا وان أجازه المالك فيما بعد ، نظرا الى أن

__________________

(١) انظر الوسائل الباب ١ و ٢ من أبواب الخيار ج ٢ ص ٥٨٤ ط الأميري والوافي الجزء العاشر ص ٦٨ ومستدرك الوسائل ج ٢ ص ٤٧٢ و ٤٧٣ وقد روى الحديث أهل السنة أيضا بطرق مختلفه وألفاظ متفاوتة انظر نيل الأوطار ج ٥ ص ١٩٥ ـ ٢٠٠ وسنن البيهقي ج ٥ من ص ٢٦٨ ـ ٢٧٢ وفتح الباري ج ٥ ص ٢٣٠ ـ ٢٣٨ وكنز العمال ج ٤ من ص ٥٠ ـ ٥٣ وشرح النووي على صحيح مسلم ج ١٠ ص ١٧٣ ـ ١٧٦ وشرح الزرقاني على موطإ مالك ج ٣ ص ٣٢٠ ـ ٣٢١ والام للشافعي من ص ٤ ـ ١٠ ومختصر المزني ص ٧٥ وص ٧٦ والبحر الزخار ج ٣ من ص ٣٤٥ ـ ٣٤٧.

(٢) وأجاب المحقق الأنصاري قدس‌سره في المكاسب بان استفادة ذلك اما بمفهوم الحصر أو بمفهوم الوصف ولا حصر لان الاستثناء منقطع غير مفرغ ومفهوم الوصف على القول به مقيد بعدم ورود الوصف مورد الغالب كما في ربائبكم اللاتي في حجوركم.

والحق في الواجب ما افاده المحقق النائيني قدس‌سره في منية الطالب ج ١ ص ٢٢٠ من ان دلالة الآية على الحصر لا تفيد بطلان الفضولي لأن الحصر انما هو في التجارة التي هي المسبب واعتبار مقارنة الرضا معه لا اشكال فيه واما العقد فلا يطلق عليه التجارة حتى يعتبر صدوره عن رضى المالك انتهى.

ومنع آية الله الخوانساري مد ظله في ج ٣ ص ٨٧ جامع المدارك عدم صدق التجارة على العقد وجعل الاولى ان يقال : إذا باشر المالك وصار طرفا للعقد مع مثله يصدق التجارة من جهة اعتبار العقلاء وإذا باشر الأجنبي فقبل تعلق الرضا به من المالك لا يصدق التجارة لعدم اعتبار العقلاء ومع لحوق الإجازة يصدق التجارة ويكون عن تراض فالعقد قبل تعلق الرضا حاله حال الإيجاب الذي لم يلحقه القبول بعد لكنه بحيث يلحقه القبول ويصير منشأ لاعتبار العقلاء انتهى.

قلت وهذا البيان يستفاد من مطاوي كلمات العلامة الأنصاري قدس‌سره أيضا فراجع ودقق النظر تعرف صحة ما ادعيناه.

٣٣

ظاهر الآية كون التجارة صادرة عن تراض حال العقد ، وهو منتف في صورة الفضولي والى هذا يذهب الشيخ في المبسوط والخلاف ، وتابعه عليه جماعة من الأصحاب ، ونقله في «الكشاف» عن الشافعي.

وذهب بعض أصحابنا إلى الصحة ، ويقف اللزوم على الإجازة ، مستدلين عليه بأن الإجازة في ثان الحال كاشفة عن حصول الرضا حال العقد وانه بيع صدر من أهله في محله ، فيقع صحيحا. وفي الدليلين بحث لا يخفى على الناظر.

وربما استدلوا عليه برواية عروة البارقي (١) لما أعطاه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله دينارا

__________________

(١) حديث عروة البارقي لم يروه أصحابنا الإمامية في كتبهم الحديثية وانما أرسله الفقهاء في كتبهم الفقهية نعم رواه في مستدرك الوسائل ج ٢ ص ٤٦٢ الباب ١٨ من أبواب عقد البيع عن محمد بن على الطوسي مرسلا.

واما أهل السنة فقد رواه البخاري في آخر كتاب المناقب الكتاب ٦١ قبل كتاب فضائل أصحاب النبي (ص) ج ٧ ص ٤٤٦ فتح الباري وأبو داود في كتاب البيوع باب في المضارب يخالف ج ٣ ص ٣٤٨ ط ١٣٦٩ مصر بالرقم ٣٣٨٤ و ٣٣٨٥ وهو في عون المعبود ج ٣ ص ٢٦٥ وأخرجه الترمذي في كتاب البيوع بعد باب ما جاء في اشتراط الولاء والزجر ج ٢ ص ٢٤٩ تحفة الاحوذى ، وأخرجه ابن ماجه في كتاب الصدقات باب الأمين يتجر فيه فيربح ص ٨٠٣ بالرقم ٢٤٠٢ و ٢٤٠٣ وأخرجه الدار قطني في السنن في كتاب البيوع ج ٣ ص ١٠ بالرقم ٢٩ و ٣٠ وأخرجه البيهقي في السنن ج ٦ ص ١١٢ وأخرجه الشافعي في الإمام ج ٣ ص ١٦ وأخرجه ابن تيمية في المنتقى كتاب الوكالة ج ٥ ص ٢٨٥ نيل الأوطار وأخرجه في البحر الزخار كتاب الوكالة ج ٥ ص ٥٤.

ولهم حديث آخر عن حكيم بن حزام تراه في بعض المصادر التي قدمناها وفي مجمع الزوائد ج ٤ ص ١٦١ وكل احاديث الباب غير نقى السند اما بقطع أو إبهام أو ضعف يتضح لك بعد مراجعة المصادر التي قدمناها فالحديث ضعيف على مباني أهل السنة أيضا ولم يثبت في كتب قدماء أصحابنا عملهم بالحديث وحكمهم في المسئلة حتى ينجبر ضعفه.

بل ادعاه الشيخ في الخلاف ج ٢ ص ٧٤ المسئلة ٢٧٥ وكذا ابن زهره وابن إدريس إجماع الفرقة على عدم صحة الفضولي يوضح لنا عدم اعتنائهم بالحديث فكيف يدعى انجبار ـ

٣٤

فاشترى شاتين وباع إحداهما بدينار في الطريق وأقره النبي. وفيه انه بعد تسليم الرواية جاز أن يكون ذلك لكون النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وكله وكالة مطلقة.

وخص التجارة بالذكر ـ وان كان غيرها من الأموال المستفادة بنحو الهبة والوصية والإرث وأخذ الصدقات والمهور وأروش الجنايات حلالا ـ لأن أكثر أسباب

__________________

 ـ ضعف الحديث بالعمل فالاستناد بحديث عروة لصحة الفضولي لا يخلو عن ضعف وسيشير المصنف اليه بعيد ذلك وان كنا في غنى عن ذلك بعد عمومات وجوب الوفاء بالعقد وحل البيع.

ثم ان صاحب القصة في المصادر التي قدمناها غير حكيم بن حزام هو عروة البارقي وهو ابن ابى الجعد وقيل الجعد وقيل : عياض بن الجعد نسب الى جده والبارقي منسوب الى بارق وهو اسم رجل من الأزد أو اسم جبل نزله بعض الأزد وجماع بارق سعد بن عدا بن حارثة بن عمرو بن عامر بن حارثة بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد فكل من انتسب الى سعد هذا يقال له بارقي وكل بارقي أزدي.

وذكر الشيخ في رجاله ص ٤٧ الرقم ٩ عرفة الأزدي والرقم ١٠ عرفة المدني في أصحاب على عليه‌السلام وذكر في المدني دعاء الرسول (ص) في حقه اللهم بارك له في صفقته ونقله عنه في مجمع الرجال ج ٤ ص ١٣٧ وذكر البرقي ص ٣ دعاء رسول الله (ص) في عروة الأزدي بعد سرده من أصفياء أصحاب أمير المؤمنين (ع) ومثله في رجال ابن داود ص ٢٣٤ الرقم ٩٧٤ نقلا عن رجال الشيخ مع انك قد عرفت ان في رجال الشيخ نقل الدعاء في عرفة المدني.

وفي رسالة الشيخ حر العاملي في تحقيق الصحابة نقل الدعاء في عرفة الأزدي عن الخلاصة والبرقي وفي الخلاصة ص ١٣١ سرده في حرف العين من الآحاد في القسم الأول ولم أظفر على عرفة في معاجم أهل السنة وانما المذكور في ج ٤ ص ١٦٩ من اسد الغابة غرفة الأزدي بالغين المعجمة وانه الذي دعا له النبي أن يبارك له في صفقته.

واذن فالأقوال في صاحب القصة غير حكيم بن حزام أربعة ـ عروة البارقي ، عرفة الأزدي ، وعرفة المدني وغرفة الأزدي ، والظاهر ان القصة واحدة والحقيقة غير معلومة والجمع بين الأزدي والمدني بعدم التنافي كالازدى مع البارقي لان البارقي من الأزد لا يرفع اختلاف الاسم بما عرفت مع ان الظاهر ان كلا مشتهر بلقب والذي يسهل الخطب ان أصل القصة غير معلومة ولا طائل في معرفة صاحب قصة هي غير متحققه.

٣٥

الرزق يتعلق بالتجارة.

وقد دخل تحت النهي أكل مال الغير بالباطل وأكل مال نفسه بالباطل ، كما أن قوله (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) كذلك ، أو ان المراد لا تهلكوها بارتكاب الآثام والمعاصي ، فإن ذلك هو القتل للنفس حقيقة ، أو لا تقتلوا أنفسكم بإلقائها إلى التهلكة ليتفق قتلها ، أو لا تقتلوها حقيقة كما يفعله بعض الجهلة حينما يعرضه غم أو خوف أو مرض شديد يرى قتل نفسه أسهل عليه. قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله «من تردّى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيها خالدا مخلدا أبدا ، ومن تحسى سما فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ، ومن قتل نفسه بحديدة في يده يتوجا بها في بطنه فهو في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا (١)».

__________________

(١) أخرجه البخاري في كتاب الطب باب شرب السم ج ١٢ ص ٣٦٠ فتح الباري ومسلم في كتاب الايمان ج ٢ ص ١١٨ شرح النووي والترمذي كتاب الطب ج ٣ ص ١٦٠ تحفة الاحوذى والدارمي ج ٢ ص ١٩٢ كتاب الديات وأخرجه أيضا في المنتقى ج ٧ ص ٤٩ نيل الأوطار والبيهقي ج ٨ ص ٢٣ وص ٢٤ والنيسابوري عند تفسير الآية ج ١ ص ٤٢٣ ط إيران وفي ألفاظ الحديث قليل اختلاف في المصادر التي سردناها يعرف بالمراجعة.

ثم السم بضم السين وفتحها وكسرها أفصحها الفتح وجمعه سمام وتحسى بمهملتين بوزن تغذى بمعنى تجرع ويجأ بفتح الياء وتخفيف الجيم اى يطعن بها وروى بضم اوله ولا وجه له وانما يبنى للمجهول بإثبات الواو فيقال يوجأ على وزن يوجد وفي رواية مسلم يتوجأ على وزن يتكبر وهو بمعنى الطعن أيضا.

والروايات على حرمة قتل الإنسان نفسه من طرق الفريقين متظافرة وروى الصدوق في الفقيه ج ٣ ص ٣٧٤ بالرقم ١٧٦٧ وقال الصادق (ع) من قتل نفسه متعمدا فهو في نار جهنم خالدا فيها قال الله تبارك وتعالى (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً) ونقله في البرهان ج ١ ص ٣٦٤ بالرقم ١٢.

وانظر أيضا الوسائل الباب ٥٢ من أبواب الوصايا ج ٢ ص ٦٧٥ والباب ٥ من أبواب القصاص في النفس ج ٣ ص ٤٦٤ ط الأميري والوافي الجزء التاسع ص ٨٣ والجزء الثالث عشر ص ٢٥ ومستدرك الوسائل ج ٣ ص ٢٥١.

٣٦

أو لا يقتل بعضكم بعضا ، فإنكم بمثابة نفس واحدة. أو لأنكم إذا قتلتم غيركم قتلتم به قصاصا فيكون قد قتلتم أنفسكم وقيل ان الكلام على ظاهره ، فان الله تعالى كلف بني إسرائيل أن يقتلوا أنفسهم ليكون القتل توبة لهم عن ذنوبهم ، ورفع ذلك عن أمة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رحمة لهم كما أشار إليه بقوله (إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً) حيث أمر بني إسرائيل بقتل أنفسهم ونهاكم عنه. وعلى هذا ففي الآية دلالة على تحريم قتل الإنسان نفسه ، بل ما يؤدى اليه ولو نادرا وهو كالجرح والضرب ونحوهما. ولو حملنا القتل على ما يعم ذلك فلا اشكال.

ثم بالغ في التحريم بقوله (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ) أى القتل ، أو جميع ما تقدم من المحرمات (عُدْواناً وَظُلْماً) افراطا في التجاوز عن الحق وإتيانا بما لا يستحق وقيل أراد بالعدوان التعدي على الغير وبالظلم التعدي على نفسه بتعريضها للعقاب (فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً) ندخله إياها ، وقرئ بالتشديد من صلّى ، وبفتح النون من صلى (وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً) لا عسر فيه ولا صارف عنه.

وبه استدل على أن القتل كبيرة ، لمكان التوعد عليه ، ولو رجع إلى أكل المال بالباطل كان هو أيضا كبيرة.

الثانية : (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ وَمَنْ عادَ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ. يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ. إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ). (البقرة ٢٧٥ ـ ٢٧٩)

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ). (آل عمران ١٣١ ـ ١٣٠)

٣٧

(الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا) أى الذين يأخذونه ويتصرفون فيه وانما خص الأكل بالذكر لأنه أعظم منافع المال ، وقد وقع نظير ذلك في القرآن كثيرا ، نحو قوله (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ) وقوله (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى) ونحو ذلك مما أريد به مطلق الأخذ والتصرف.

و«الربا» في الأصل الزيادة (١) ، وفي عرف الشارع بيع أحد المثلين بالآخر مع الزيادة. وهو قسمان : ربا الفضل وهو أن يبيع منا من الحنطة بمنين ، وربا النسيئة وهو الذي كان يتعارفونه في الجاهلية ، كانوا يدفعون المال على أن يأخذوا كل شهر قدرا معينا ، ثم إذا حل الدين طلب المديون برأس المال فان تعذر عليه الأداء زادوا في الحق والأجل.

وروى العامة عن ابن عباس (٢) انه كان لا يحرم الا ربا النسيئة ، وكان يقول «لا ربا إلا في النسيئة ويجوز ربي النقد». ولعل حجته فيما ذهب اليه عموم صحة البيع المتناول لبيع الدرهم بالدرهمين نقدا ، وعدم تناول تحريم الربا في الآية لمثله ، فإنه إنما ينصرف الى العقد المخصوص الذي كان معروفا بينهم. وربما (٣) أكد ذلك ما في الاخبار الدالة على أن الربا في النسيئة ، وما روي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله «لا ربا فيما كان يدا بيد» (٤). ويرده تظافر

__________________

(١) في فقه اللسان ج ١ ص ٣٢٦ ان الربا مصدر فرعى من رف بواسطة رب قلبوا احدى البائين ياء فصار المضاعف ناقصا أصله الزيادة في جسم الربيب بالتربية ثم أطلق على الزيادة وان كانت من غير تربيب وتربيه.

(٢) بل وكذا الخاصة فقد نقله في الخلاف ج ٢ ص ١٩ مسائل الربا المسألة ٦ عن ابن عباس وعبد الله بن الزبير وأسامة بن زيد وزيد بن أرقم وادعى إجماع المسلمين عدا الأربعة المذكورة ومثله في التذكرة ج ١ ص ٣٧٥.

(٣) أخرجه في كنز العمال ج ٤ ص ٦٤ بالرقم ٦٢١ انما الربوا في النسيئة عن حم م ن ه عن أسامة بن زيد وانظر فتح الباري ج ٥ ص ٢٨٥ و ٢٨٦ والدر المنثور ج ١ ص ٣٦٧ و ٣٦٨ والبيهقي ج ٥ ص ٢٨١ و ٢٨٢ ونيل الأوطار ج ٥ ص ٢٠٣ و ٢٠٤

(٤) انظر المصادر التي مرت قبيل ذلك وأخرجه في كنز العمال ج ٤ ص ٦٣ بالرقم ٦١٢ عن حم ق ن ه عن أسامة بن زيد.

٣٨

الاخبار بتحريم ربا الفضل عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ويروى عن ابن عباس (١) انه رجع عن قوله وحكم بتحريم الربا مطلقا ، وهو قول كل العلماء أيضا ، فكان الحكم بتحريم الربا مطلقا إجماعي.

ويثبت الربا عندنا في المكيل والموزون سواء كان مطعوما أولا ، وقد تظافرت أخبارنا عن الأئمة عليهم‌السلام بذلك. وفي المعدود عند بعض أصحابنا.

أما العامة فجعلوا علّة التحريم الطعم ، وقاسوا المطعومات على البر وأمثاله مما ثبت فيه الربا إجماعا لعلة المطعومية أو الاقتيات أو نحوهما على خلاف بينهم. ونحن قد أبطلنا القياس في الأصول.

وكتب «الربا» (٢) بالواو كالصلاة والزكاة للتفخيم على لغة ، وزيدت الألف

__________________

(١) انظر تذكرة الفقهاء للعلامة الحلي قدس‌سره ج ١ ص ٤٧٥ ونقل رجوعه أيضا في تفسير المنار ج ٣ ص ١١٧.

(٢) قال الشوكانى في نيل الأوطار ج ٥ ص ٢٠٠ قال الزمخشري في الكشاف كتبت بالواو على لغة من يفخم كما كتبت الصلاة والزكاة وزيدت الالف تشبيها بواو الجمع وقال في الفتح الربا مقصور وحكى مده وهو شاذ وهو من ربا يربو فيكتب بالألف ولكن وقع في خط المصاحف بالواو انتهى.

قال الفراء انما كتبوه بالواو لأن أهل الحجاز تعلموا الخط من أهل الحيرة ولغتهم الربو فعلموهم الخط على صورة لغتهم قال وكذا قرأه أبو سماك العدوي بالواو وقرأه حمزة والكسائي بالألف بسبب كسرة الراء وقرأه الباقون بالتفخيم لفتحة الباء قال ويجوز كتبه بالألف والواو والياء انتهى وأجاز الكوفيون كتابة تثنيته بالياء بسبب الكسر في اوله وغلطهم البصريون انتهى ما في نيل الأوطار.

فعليه لكتابة الربا بالواو وجهان التفخيم وموافقة القراءة الشاذة فإنه قرئ بضم الباء وسكون الواو وفي نثر المرجان ج ١ ص ٣٦٩ وفي الاحتجاج انما كتب بالواو للفرق بينه وبين الزنا.

أقول وهو ينتقض بما في سورة الروم من ربا بالألف كما في بعض المصاحف انتهى ثم قال في ج ٥ ص ٢٩٩ عند شرح الآية ٢٩ من سورة الروم ربا بكسر الراء واختلف في رسمه قال الداني وفي الروم في بعضها اى بعض المصاحف وما أتيتم من ربا بالألف بغير واو وفي ـ

٣٩

بعدها تشبيها بواو الجمع.

(لا يَقُومُونَ) يوم القيامة (١) إذا بعثوا من قبورهم (إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ) الا قياما كقيام المصروع الذي يتخبطه الشيطان فيصرعه. والخبط ضرب على غير الساق كخبط العشواء (مِنَ الْمَسِّ) أي الجنون.

والكلام على التجوز ، لأن الشيطان لا يصرع الإنسان على الحقيقة ، ولكن من غلب عليه المرة أو السوداء وضعف ربما يخيل اليه الشيطان أمورا هائلة ويوسوس اليه فيقع الصرع عند ذلك من فعل الله تعالى. ونسبته الى الشيطان مجازا لمكان وسوسته وقيل على الحقيقة ، إذ يجوز أن يكون الصرع من فعل الشيطان في بعض الناس دون بعض امتحانا لهم وعقوبة على ذنب صدر منهم ولم يتوبوا منه ، كما يتسلط بعض الناس على بعض فيظلمه ويأخذ ماله ولا يمنعه الله سبحانه عنه ، وليس في العقول ما ينافي ذلك.

__________________

 ـ بعضها ربوا بالواو.

وقال صاحب الخزانة وتبعه صاحب الخلاصة ان رسمه بالألف بعد الباء من غير واو أكثر انتهى أقول وليس كذلك بل هما سواء في الكثرة فإن الشاطبي قد قال «وليس خلف ربا في الروم محتقرا» قال السخاوي في الوسيلة ، معناه انه غير محتقر انما كتب بالوجهين كثيرا انتهى وتوجيه الرسمين ان الرسم بالواو على لفظ التفخيم كما نص عليه الداني فالألف التي بعد الواو مزيدة تشبيها لها بواو الجمع في التطرف كما نص عليه في الكشاف واما الرسم بالألف فقط فلانه ثلاثي واوي.

ورسم الجزري في مصحفه بالوجهين حيث الحق واو صفراء بين الباء والألف إشارة إلى الخلاف ثم هو منون بالاتفاق انتهى ما في نثر المرجان قلت وقد بينا في ص ٢٦٨ ج ٢ من هذا الكتاب علة الزيادة في كتب المصاحف بما لا مزيد عليه فراجع.

(١) وقرأ ابن مسعود لا يقومون يوم القيامة الا كما يقوم نقله في فتح القدير ج ١ ص ٢٦٦ وأيد في المنار ج ٣ ص ٩٤ والميزان ج ٢ ص ٤٣٨ قول ابن عطية ان المراد تشبيه المرابي في الدنيا بالمتخبط المصروع وللعلامة الطباطبائي مد ظله في تحقيق التشبيه بيان دقيق متين وأتم مما في المنار وانسب باستدلال الآية ذلك بأنهم قالوا انما البيع مثل الربوا فراجع.

٤٠