مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام - ج ٢

جواد الكاظمي

مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام - ج ٢

المؤلف:

جواد الكاظمي


المحقق: محمّد الباقر البهبودي
الموضوع : الفقه
الناشر: المكتبة المرتضويّة لإحياء الآثار الجعفريّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٢٣

١

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(كتاب الزكاة)

وفيه أبحاث :

الأوّل : في وجوبها ومحلّها.

وفيه آيات :

الاولى : (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) (١).

(لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) البرّ اسم للخير ، وكلّ فعل مرضيّ ، والخطاب إمّا لأهل الكتاب ، فإنّهم أكثروا الخوض في أمر القبلة حين حوّلت ، وادّعى كلّ طائفة أنّ البرّ هو [اسم] التوجّه

__________________

(١) البقرة : ١٧٧.

٢

إلى قبلته ، فردّ الله عليهم ، وقال : ليس البرّ ما أنتم عليه فإنّه منسوخ ولكنّ البرّ ما نبيّنه واتّبعه المؤمنون ، وإمّا عامّ لهم وللمؤمنين ، أي ليس البرّ مقصورا على أمر القبلة أو ليس البرّ العظيم الّذي يحسن أن يذهلوا بشأنه عن غيره أمرها (وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ) أي البرّ الّذي يجب الاهتمام بشأنه برّ من آمن ، على حذف المضاف ، ويجوز أن يراد من البرّ البارّ أو ذو البرّ ، أو يكون الحمل على المبالغة كقولها : وإنّما هي إقبال وإدبار(١).

__________________

(١) هذا عجز بيت اوله.

ترتع ما رتعت حتى إذا ادكرت

وروى غفلت مكان رتعت ورواه محب الدين افندى في شرح شواهد الكشاف ص ٨٦ لا تسأم الدهر منه حين ما ادكرت. وقبل البيت :

فما عجول على بو تطيف به

قد ساعدتها على التحنان أظئار

وبعده.

لا تسمن الدهر في أرض وان ربعت

وانما هي تحنان وتسجار

يوما بأوجد منى يوم فارقنى

صخر وللدهر أحلاء وإمرار

وان صخرا لمولانا وسيدنا

وان صخرا إذا نشتو لنحار

وان صخرا لتأتم الهداة به

كأنه علم في رأسه نار

ويروى الأبيات بتفاوت في الألفاظ والتقديم والتأخير يعرف عند مراجعة المصادر وهي تنيف على ثلثين بيتا.

والعجول الثكول ، أراد به الناقة فقدت ولدها بموت أو نحر ، ووجد هن يزيد على وجد وروى وما أم سقب وهو الذكر من ولد الناقة.

والبو جلد ولد الناقة يحشى تبنا لتدر الام عليه ، والتحنان الحنين والاظئار جمع ظئر وهي التي تعطف على ولد غيرها ولا تسأم الدهر أى لا تمل من الحنين اليه ورتعت الإبل إذا رعت وتحنان وتسجار يقال حنت إذا طربت في أثر ولدها فإذا مدت الحنين وطربت قيل تسجرت ، بالجيم. أحلاء وإمرار اى سرور وحزن وانما قالت إذا نشتو لنحار لان النحر في الشتاء.

٣

__________________

ـ والبيت أنشده في المطول في الإسناد المجازي والرضى في شرح الكافية باب المبتدإ والخبر ج ١ ص ٩٦ ط حاج محرم افندى ١٢٧٥ وشرحه البغدادي شرح الشاهد ٧٠ ج ١ ص ٢٩١ ط ١٣٤٧ وابن جنى في المنصف ج ١ ص ١٩٧ وشرحه لجنة من الأستاذين في ص ٤٣١ والمجمع ج ١ ص ٢٦١ وج ٣ ص ٢٨٠ وشرحه القزويني في ج ٢ ص ١٢٩ بالرقم ٣٩٨ والتبيان ج ١ ص ١٩٥ ط إيران وروح الجنان ج ٢ ص ٢٠ والكشاف ج ١ ص ٢٥١ وكذا ج ٢ ص ١٠١ تفسير سورة هود انه عمل غير صالح وكذا ج ١ ص ٢٧٠ واللسان لغة (قبل) ص ٥٣٨ ج ١١ وكلمة (سوى) ج ١٤ ص ٤١٠ ط بيروت والسمط ٤٥٥ والبيان والتبيين ج ٣ ص ٢٠١ والكامل للمبرد ص ١٢١٢ والشريف المرتضى في الأمالي المجلس ١٤ والمجلس ٣٥ والعلامة آية الله البلاغي قدس‌سره في الهدى الى دين المصطفى ط مطبعة العرفان ١٣٣١ ج ١ ص ٣٣٢ وله في ذلك بيان لطيف وأنشده في الشعر والشعراء ص ١٢٥ وهو من شواهد سيبويه في الكتاب ج ١ ص ١٦٩ والاشمونى وهو في شرح محمد محي الدين عبد الحميد ج ٢ ص ٣٦٤ الرقم ٤٢٤ وفي حاشية الصبان ج ٢ ص ١١٩ واستشهد به أيضا ابن أبي الإصبع في بديع القرآن ص ٦٠.

استشهدوا به على صحة وقوع اسم المعنى خبرا عن اسم الغين إذا لزم ذلك المعنى لتلك العين حتى صار كأنه هي. وفيه ثلاث توجيهات : أحدها كونه مجازا عقليا بحمله على الظاهر وهو جعل المعنى نفس العين مبالغة والثاني ان المصدر في تأويل اسم الفاعل في نحوه وتأويل اسم المفعول في نحو زيد خلق اى مخلوق والثالث على تقدير مضاف محذوف اى ذات إقبال وادبار قال الشيخ عبد القادر : لا تريد بالإقبال والادبار غير معناهما حتى يكون المجاز في الكلمة وانما المجاز في ان جعلتها لكثرة ما تقبل وتدبر كأنها تجسمت من الإقبال والادبار وليس أيضا على حذف مضاف واقامة المضاف اليه مقامه وان كانوا يذكرونه منه إذ لو قلنا أريد انما هي ذات إقبال وادبار أفسدنا الشعر وخرجنا إلى شيء مغسول وكلام عامي مرذول لا سياغ له عند من هو صحيح الذوق والمعرفة نسابة للمعاني انتهى.

قال البغدادي ومعنى تقدير المضاف فيه انه لو كان الكلام قد جيء به على ظاهره ولم ـ

٤

__________________

ـ تقصد المبالغة لكان حقه ان يجاء بلفظ الذات لا انه مراد.

ولمحمد محي الدين عبد الحميد في تذييلاته على شرح الاشمونى ص ٣٦٦ ج ٢ عند شرح مراد الشيخ عبد القادر بيان يعجبني نقله قال : وبينه قوم بان المجاز العقلي يطلق على كل جملة أخرجت الحكم المفاد بها عن موضعه في العقل بضرب من التأويل ولا شك ان الحكم المفاد بقول الخنساء فإنما هي إقبال وادبار وهو الحكم بالاتحاد بين الناقة والإقبال والادبار خارج عن موضعه في العقل بتأويل انها صارت بسبب كثرة الإقبال والادبار كأنها عينهما وتجسمت منهما فيكون مجازا عقليا على هذا المعنى فافهم هذا ولا يذهب وهمك الى المعنى المعروف للمجاز العقلي وهو اسناد الفعل وما في معناه الى غير من هو له فتنطلق متسائلا كيف يكون هذا مجازا عقليا والإقبال والادبار من أفعال الناقة انتهى.

ثم لا يخفى عليك ان التوجيهات الثلاث تجري في «وانما هي تحنان وتسجار» أيضا.

وروى الأخفش في شرح ديوان الاخنس انه روى «فإنما هو» أراد فعلها.

والقصيدة للخنساء ترثى بها صخرا ويقال لها خناس كغراب والخنس تأخر الأنف عن الوجه مع ارتفاع قليل في الأرنبة واسمها تماضر بضم المثناة الفوقانية وكسر الضاد المعجمة قال ابن خلف : قالوا للبياض تماضر وأكثر ما يكون للنساء.

وهي بنت عمرو بن الحارث بن الشريد بن الرياح من يقظة عصية بن خفاف بن امرئ القيس بن بهثة بن سليم بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان.

الرياحية السليمة من قيس عيلان من مضر من أهل نجد عاشت أكثر عمرها في الجاهلية وأدركت الإسلام ووفدت على رسول الله (ص) مع قومها بنى سليم وذكروا ان رسول الله (ص) كان يستنشدها ويعجبه شعرها فكانت تنشده وهو يقول هيه يا خناس ويومئ بيده.

وأكثر شعرها لاخويها معاوية شقيقها وصخر أخيها لأبيها وكانا قد قتلا في الجاهلية فتابعت عليهما بالبكاء والرثاء بما لم يقف أخت لأخ حتى ضرب بها المثل وكان حزنها وبكاؤها على صخر أشد من حزنها وبكائها على معاوية لبره بها.

وممن قدمها على جميع النساء وبعض فحول الرجال النابغة في الجاهلية وجرير وبشار في الإسلام قال لها النابغة ما رأيت ذا مثانة أشعر منك قالت ولا ذا خصيتين وقيل لجرير من أشعر ـ

٥

والإيمان بالله بمعنى التصديق به وبجميع صفاته من العلم والإرادة والكراهة والقدرة والسمع والبصر ، قال في مجمع البيان : ويدخل فيه جميع مالا يتمّ معرفته إلّا به كمعرفة حدوث العالم وإثبات المحدث له ، وصفاته الواجبة والجائزة ، وما يستحيل عليه ، ومعرفة عدله وحكمته على ما هو مفصّل في الكلام.

(وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) يعني القيامة ، ويدخل فيه التصديق بالبعث والحساب والثواب والعقاب ، وتطاير الكتب والجنّة والنار وجميع الأمور الواقعة فيه (١).

(وَالْمَلائِكَةِ) أي صدّق بأنّهم عباد الله المكرمون ، لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون (وَالْكِتابِ) يراد به الجنس أي صدّق بالكتب المنزلة من عند الله على

__________________

ـ الناس قال انا ، لو لا الخنساء.

وكان بشار يقول لم تقل امرءة شعرا الا ظهر الضعف فيه فقيل أو كذلك الخنساء فقال : لها أربع خصي ويقال : ان الخنساء كان لها سبع خصي يراد انها محصورة بالشعراء فلم تلد الا شاعرا وكان عصبتها أيضا شعراء وروى ان النبي (ص) أيضا قال لعدي بن حاتم اما أشعر الناس فالخنساء بنت عمرو واما أسخى الناس فمحمد يعنى نفسه (ص) واما افرس الناس فعلى بن ابى طالب.

وأطرءها الشريف المرتضى أيضا في المجلس ٧ وشهدت الخنساء حرب القادسية مع أربعة أولاد لها فاوصتهم عند خروجهم الى القتال بوصية بليغة فقتلوا جميعا فقالت الحمد لله الذي شرفني بقتلهم وتوفيت في أول خلافة عثمان سنه ٢٤ ه‍ انظر ترجمتها في أسد الغابة ج ٥ ص ٤٤١ والإصابة ج ٤ ص ٢٧٩ الرقم ٣٥٥ والاستيعاب بذيل الإصابة ج ٤ ص ٢٨٧ وشرح الشريف على المقامات ط ١٣٧٢ ج ٤ من ص ٤٦ الى ٤٩ والمفصل في تاريخ الأدب العربي ج ١ ص ١١٧ واعلام النساء ج ١ ص ٣٦٠ الى ص ٣٧١ والاعلام ج ٢ ص ٦٩ والشعر والشعراء ص ١٢٢ وجمهرة أنساب العرب ص ٢٦١ وص ٢٦٣ وآداب اللغة العربية ج ١ ص ١٣٨ والمؤتلف والمختلف ص ١٥٧ وريحانة الأدب ج ١ ص ٤١١ الرقم ٩٣٤ وبلاغات النساء ص ١٨٣.

(١) ـ زاد في سن : وهذا الايمان مفرع على سابقه لأنا ما لم نعلم كونه تعالى عالما بجميع المعلومات ولم نعلم قدرته على جميع الممكنات لا يمكننا أن نعلم صحة الحشر والنشر.

٦

أنبيائه ، ويجوز أن يراد به القرآن (وَالنَّبِيِّينَ) أي الأنبياء كلّهم فإنّهم معصومون [منزّهون] مطهّرون فيما أدّوه إلى الخلق صادقون (١).

(وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ) عطف على آمن أي من أعطى المال على حبّه تعالى خالصا لوجهه لا يريد به جزاء ولا شكورا ويجوز أن يرجع الضمير إلى المال ويؤيّده قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله لما سئل أيّ الصدقة أفضل «أن تؤتيه وأنت صحيح شحيح تأمل العيش وتخشى الفقر» (٢) وأن يرجع إلى الإيتاء المدلول عليه بالفعل ، والجارّ والمجرور في موضع الحال.

(ذَوِي الْقُرْبى) قرابة المعطي (٣) ويؤيّده ما ورد من الحثّ على دفع الصدقة إليهم وصلتهم بها ، قال صلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا سئل عن أفضل الصدقة «جهد المقلّ (٤) على ذي الرحم

__________________

(١) زاد في سن : فان قيل : لا يمكننا العلم بوجود الملائكة ولا العلم بصدق الكتب المنزلة إلا بواسطة صدق الرسل ، فقول الرسل كالأصل لذلك ، فلم قدم الملائكة والكتب على الرسل؟. قلنا المراعى في الآية ترتيب الوجود الخارجي ، فإن الملك يوجد أولا ، ثم يحصل بواسطة تبليغه نزول الكتب ، ثم يصل الكتاب الى الرسول.

(٢) انظر البخاري بشرح فتح الباري ج ٤ ص ٢٧ باب فضل صدقة الشحيح والنسائي ج ٥ ص ٦٨ والكشاف ج ١ ص ٢٥١ والبيضاوي ص ٣٦ والجامع الصغير بشرح فيض القدير ج ٢ ص ٣٦ الرقم ١٢٥٨ عن أبي هريرة أخرجه عن احمد والبخاري ومسلم وابى داود والنسائي مع زيادة وتفاوت يسير في الألفاظ.

(٣) قرابة الرجل خ.

(٤) رواه بلفظ المصنف في المجمع ج ١ ص ٢٦٣ ورواه مع تفاوت في الفقيه ج ٢ ص ٣٨ بالرقم ١٦٥ والتهذيب ج ٤ ص ١٠٦ بالرقم ٣٠١ والكافي ج ١ ص ١٦٤ والكشاف ج ١ ص ٢٥٢ واللسان والنهاية (ك ش ح) والمستدرك ج ١ ص ٥٣٦ عن الجعفريات وكتاب الغايات.

ثم الكشح ما بين الخاصرة إلى الضلع الخلف (بكسر الخاء) وهو ما بين السرة إلى المتن.

قال ابن سيدة على ما في اللسان : والكاشح العدو الباطن العداوة كأنه يطويها في كشحه ـ

٧

الكاشح» وقولهم عليهم‌السلام «لا صدقة وذو رحم محتاج» (١) ويجوز أن يراد بها قرابة النبيّ لقوله تعالى (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) (٢) وهو المرويّ عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام (٣) ، ورجّح بعضهم الأوّل بكون المراد بيان مصارف الزكاة في الظاهر وحينئذ فيقيّد إطلاقهم بالمحتاج منهم كما فعله البيضاويّ وصاحب الكشّاف (٤) وغيرهما من المفسّرين وكذا يقيّد بغير واجب النفقة منهم.

«واليتامى» جمع يتيم ، وهو من لا أب له ، أخذا من اليتم وهو الانفراد (٥) ، ومنه

__________________

ـ أو كأنه يوليك كشحه ويعرض عنك بوجهه وفي المقاييس ج ٥ ص ١٨٤ : وقال قوم بل الكاشح الذي يتباعد عنك من قولك كشح القوم عن الماء إذا تفرقوا.

وانما فضلت الصدقة على الكاشح لمكان مخالفة الهوى

(١) انظر الفقيه ج ٢ ص ٣٨ الرقم ١٦٦ ومستدرك الوسائل ج ١ ص ٥٣٦ عن المفيد في الاختصاص وهو في الاختصاص ص ٢١٩ والبحار ج ٢٠ ص ٣٩.

(٢) الشورى : ٢٣.

(٣) في بعض النسخ : وهو المروي عن الصادقين ، انظر المجمع ج ١ ص ٢٣٦.

(٤) انظر الكشاف ج ١ ص ٢٥٢ والبيضاوي ص ٣٦.

(٥) قال في المقاييس ج ٦ ص ١٥٤ الياء والتاء والميم يقال اليتيم في الناس من قبل الأب وفي سائر الحيوان من قبل الام ويقال لكل منفرد يتيم حتى قالوا بيت من الشعر يتيم وفي اللسان ج ١٢ ص ٦٤٥ ط بيروت عن ابن خالويه ينبغي ان يكون اليتم في الطير من قبل الأب والام لأنهما كليهما يرزقان فراخهما وفيه عن ابن بري ان اليتيم الذي يموت أبوه والعجى الذي تموت امه واللطيم الذي يموت أبواه قال الشريف الرضى قدس‌سره في حقائق التأويل ص ٣٠٤ : وكان المفضل الضبي يخالف في أصل اليتم فيقول هو الانفراد وكل منفرد يتيم قال ويقال للرملة المنفردة من الرمال يتيمة ويقال للبيت المنفرد من الشعر يتيم ويقال الدرة اليتيمة يراد بذلك المنفردة عن إشكالها ونظائرها لجلالة قدرها انتهى ما في حقائق التأويل أقول ونقله في اللسان عن يعقوب وفيه عن المفضل ان أصل اليتم الغفلة وبه سمى اليتيم يتيما لانه يتغافل عن بره ثم اليتم بضم الياء وفتحها على ما في اللسان.

٨

الدرة اليتيمة ، وأصله يتايم ثمّ قلبت فقيل يتامى ، أو أنّه جمع على يتمى كأسرى ، لأنّه من باب الآفات ثمّ جمع على يتامى كأسرى وأسارى ، فهو معطوف على القربى ، وحينئذ فيعطى المال من يكفلهم ويكون وليّهم ، إذ لا يصحّ دفع المال إلى من لا يعقل ، ويحتمل عطفه على ذوي القربى فيعطى المال لهم أنفسهم كذا في مجمع البيان لكن على الثاني ينبغي تقييده بدفع ما هو من لوازمهم كالأكل واللّبس ونحوه لا المال نفسه.

هذا في الحقوق الواجبة ، ولو حملنا الكلام على ما يعمّ الصدقة المندوبة أمكن القول بجواز دفعه إلى اليتيم سيّما المميّز.

(وَالْمَساكِينَ) جمع مسكين ، وهو من أسكنته الخلّة والحاجة ، وأصله دائم السكون كالمسكير لدائم السكر ، والمراد به شرعا من لا يملك قوت السنة له ولعياله فعلا أو قوّة.

(وَابْنَ السَّبِيلِ) المسافر المنقطع به لحاجته في السفر سمّي به لملازمته السبيل يعنى الطريق (١). وقيل المراد به الضيف لأنّ السبيل يرعف به أي يقذفه.

(وَالسَّائِلِينَ) المستطعمين الطالبين للصدقة فهو أخصّ من المسكين إذ ليس كلّ مسكين يسأل وفي الحديث. للسائل حقّ وإن جاء على [ظهر] فرسه (٢).

__________________

(١) زاد في سن : كما سمى اللص القاطع للطريق ابن الطريق.

(٢) انظر الكشاف ج ١ ص ٢٥٢ والبيضاوي ص ٣٦ وأخرجه السيوطي في الجامع الصغير بالرقم ٧٣٤٢ ج ٥ ص ٢٩٠ فيض القدير عن احمد وابى داود والطبراني في الكبير ونقل ملا على القاري في الموضوعات الكبير ص ٩٧ عن ابن الربيع عن احمد انه قال حديثان يدوران في الأسواق ولا أصل لهما أحدهما قوله للسائل حق وان جاء على فرس والثاني يوم نحركم يوم صومكم قال وهو غريب منه بعد ما ذكر عن شيخه السخاوي حديث للسائل حق رواه احمد وأبو داود عن الحسين بن على موثوقا وسنده جيد كما قاله العراقي وتبعه غيره وسكت عليه أبو داود ولكن قال ابن عبد البر انه ليس بقوي انتهى.

وفي فيض القدير للمناوى ج ٥ ص ٢٩٠ أورده ابن الجوزي في الموضوعات وتبعه القزويني لكن رده ابن حجر كالعلائى انتهى. ـ

٩

(وَفِي الرِّقابِ) أي في تخليصها بمعاونة المكاتبين حتّى يكفّوا رقابهم فقيل في ابتياع الرقاب وإعتاقها : بأن يشترى العبيد والإماء ويعتق مطلقا ، وقيل في فكّ الأسارى والآية محتملة للجميع ، والأولى حملها على ذلك.

(وَأَقامَ الصَّلاةَ) المفروضة أدّاها لوقتها وحدودها المعيّنة (وَآتَى الزَّكاةَ) يحتمل أن يكون المراد منه ومن سابقه الزكاة المفروضة إلّا أنّ في السابق بيّن مصارفها وهنا أمر بأدائها والحثّ عليها ، ويحتمل أن يراد بالسابق غير الزكاة الواجبة من الحقوق كما قيل إنّها محمولة على حقوق في مال الإنسان غير الزكاة ممّا له سبب وجوب كالإنفاق على من يجب نفقته ، وعلى من عليه سدّ رمقه إذا خاف عليه التلف ، وعلى ما يلزمه من النذور والكفّارات. أو تطوّع ، ويدخل فيها ما يخرجه الإنسان على وجه التطوّع والقربة إلى الله تعالى ، لأنّ ذلك كلّه من البرّ ونقله في مجمع البيان عن الشعبي (١) وغيره. قالوا لا يجوز حمله على [عين] الزكاة المفروضة لأنّه عطف عليه الزكاة (٢) وإنّما خصّ هؤلاء لأنّ الغالب أنّه لا يوجد الاضطرار إلّا فيهم.

(وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا) عطف على (مَنْ آمَنَ) ولا يبعد أن يراد بالعهد ما يعمّ النذر والعهد واليمين الّتي بينهم وبين الله تعالى ، والعقود الّتي بينهم وبين الناس ، إذ كلاهما يلزم الوفاء به.

(وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ) الفقر والشدّة (وَالضَّرَّاءِ) الوجع والعلّة ، وانتصابه على المدح وإنّما لم يعطفه على سابقه لكون الصبر أفضل من سائر الأعمال (٣) فاخرج

__________________

ـ وفي أحاديث الشيعة مضمونه بلفظ أعط السائل ولو على ظهر فرس انظر الفقيه ج ٢ ص ٣٩ الرقم ١٧١ والتهذيب ج ٤ ص ١١٠ الرقم ٣٢١ والكافي ج ١ ص ١٦٦ ومنتقى الجمان ج ٢ ص ١٥٣.

(١) انظر المجمع ج ١ ص ٢٦٢.

(٢) زاد في سن : ومن حق المعطوف أن يغاير المعطوف عليه.

(٣) زاد في سن : لقوله (ص) الايمان شطران شطر صبر وشطر شكر وقد روى الحديث ـ

١٠

منصوبا على الاختصاص والمدح وإظهارا لفضله في الشدائد ، ولا يرد أنّ وجود الواو في المنصوب على المدح غير مناسب نظرا إلى أنّه في الأصل صفة وتوسّط الواو فيها غير معلوم لأنّ العطف بالواو في الصفات كثير في كلامهم ، علىّ أنّ النصب على المدح مع وجود الواو قد ورد في كلام العرب ، قال الشاعر :

إلى الملك القرم وابن الهمام

وليث الكتيبة في المزدحم

وذا الرأي حين تغمّ الأمور

بذات الصليل وذات اللّحم (١)

__________________

ـ بهذا اللفظ في كنز العرفان ج ١ ص ٢٢١ وأخرجه السيوطي بالرقم ٣١٠٦ ج ٣ ص ١٨٨ فيض القدير عن البيهقي في شعب الايمان عن النبي بلفظ «الايمان نصفان نصف في الصبر ونصف في الشكر».

(١) البيتان لم يعرف قائلهما وترى البيتين أو أحدهما فيما نسرده : شرح الرضى على الكافية باب المبتدإ والخبر وباب النعت وشرحهما البغدادي في ج ١ ص ٣٠٤ الشاهد الخامس والسبعين من الخزانة والمجمع ج ١ ص ٣٩ وص ٢٦٢ وج ٣ ص ٣٢ وشرحهما القزويني في ج ١ ص ٨٣ بالرقم ٤٩ والكشاف ج ١ ص ١٠٢ وشرحهما محب الدين افندى في شرح شواهد الكشاف ص ١٧٤ والبيضاوي ص ٩ الانصاف لابن الأنباري ص ٤٦٩ الرقم ٢٦٩ في المسئلة ٦٥ من مسائل الخلاف بين البصريين والكوفيين وشرح القطر ص ٢٩٥ الرقم ١٣٧ وأمالي الشريف المرتضى في المجلس ١٤ وتفسير ابن كثير ج ١ ص ٤٣ والطبري ج ٢ ص ١٠٠ ومعاني القرآن للفراء ج ١ ص ١٠٥ والتبيان ط إيران ج ١ ص ١٩٦ وروح الجنان ج ٧ ص ٧٥ والمطول باب أحوال متعلقات الفعل وحيوة الحيوان للدميري ج ٢ ص ٢٥٠ (القرم) وأحكام القرآن للجصاص ج ١ ص ١٥٢.

واستشهدوا بالبيت الأول لعطف بعض الصفات على بعض وبالبيت الثاني لقطع ذا الرأي بل ليث الكتيبة أيضا عما قبله الى النصب بفعل محذوف تقديره امدح أو اذكر أو أعني.

والقرم الفحل الذي يترك من الركوب والعمل ويودع للفحلة ومنه حديث على عليه‌السلام أبو حسن القرم أي أنا فيهم بمنزلة الفحل في الإبل قال ابن الأثير قال الخطابي وأكثر روايات القوم بالواو ولا معنى له وانما هو بالراء اى المقدم في المعرفة وتجارب الأمور والقرم من ـ

١١

فنصب ذا الرأي على المدح ، وأمثاله في كلامهم كثير ، ويحتمل أن يكون الصابرين مجرورا بتقدير «وبرّ الصابرين» عطفا على من آمن ، كما أنّ الموفون عطف عليه أيضا إلّا أنّ المضاف حذف من الموفون ، وأعرب المضاف إليه بإعرابه ، وفي الثاني أقيم على حاله كما قالوه في قوله تعالى (وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ) فيمن قرأ بجرّ الآخرة على إرادة عرض الآخرة.

(وَحِينَ الْبَأْسِ) : وقت مجاهدة العدوّ.

(أُولئِكَ) إشارة إلى الموصوفين بما تقدّم (الَّذِينَ صَدَقُوا) في الدين واتّباع الحقّ وطلب البرّ (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) عن الكفر وسائر الرذائل ، والمتّقون بفعل هذه الخصال نار جهنّم.

وممّا ذكرنا يظهر ما قيل : إنّ الآية لا دلالة فيها صريحة على وجوب الزكاة المفروضة بل ولا وجوب شيء من المذكورات نعم فيها حثّ وتحريص على فعل الأمور المذكورة ، ووجوبها يعلم من موضع آخر. ولعلّ ذكرنا لها هنا وإن كان الأحكام الّتي

__________________

ـ الرجال السيد العظيم المجرب للأمور. والهمام بضم إلها : الملك العظيم الهمة سمى به لأنه إذا هم بأمر فعله والليث الأسد وأصله الشدة والقوة والكتيبة كسفينة : الجيش من الكتب وهو الجمع.

والمزدحم بفتح الدال والحاء المهملتين معركة القتال سميت به لأنها موضع المزاحمة والمدافعة تغم بإعجام الغين اى تبهم وتلتبس والغم في الأصل ستر كل شيء ومنه الغمام لانه يستر ضوء الشمس ومنه الغم الذي يغم القلب اى يستره ويغشيه والصليل بفتح الصاد المهملة الصوت واللجم بضم اللام والجيم جمع اللجام وذات الصليل وذات اللجام معارك الحرب.

قال القزويني :

وقد يقال انما نصب على المدح لان النعت إذا كثر وطال يختلف إعرابه برفع بعض ونصب آخر وذلك لان هذا الموضع من مواضع الإطناب في الوصف فإذا خولف بإعراب الألفاظ كان أشد وأوقع فيما يعن ويعترض لصيرورة الكلام وكونه بذلك ضروبا وجملا وكونه في الاجراء على الأول وجها واحدا وجملة واحدة أه.

١٢

فيها تعلم من موضع آخر متابعة لمن تقدّمنا في الذكر ، واشتمالها على الخصال الحسان حتّى قال البيضاوي إنّها جامعة للأعمال (١) الإنسانيّة بأسرها دالّة عليها صريحا أو ضمنا ، فإنّها لكثرتها وتشعّبها منحصرة في ثلاثة أشياء : صحّة الاعتقاد وحسن المعاشرة وتهذيب الأخلاق ، وقد أشير إلى الأوّل بقوله (مَنْ آمَنَ) إلى قوله (وَالنَّبِيِّينَ) وإلى الثاني بقوله (وَآتَى الْمالَ) إلى (وَفِي الرِّقابِ) وإلى الثالث بقوله (وَأَقامَ الصَّلاةَ) إلى آخرها ولذلك وصف المستجمع لها بالصدق ، نظرا إلى إيمانه واعتقاده ، والتقوى باعتبار معاشرته للخلق ، ومعاملته مع الحقّ جل جلاله ، وتهذيب أفعاله ونفسه وإليه أشار بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله «من عمل بهذه الآية فقد استكمل الإيمان» لكن لا يخفى أنّ العمل بها إنّما يتيسّر لأصحاب النفوس القدسيّة ، ومن يحذو حذوهم.

وفي مجمع البيان استدل أصحابنا بهذه الآية على أنّ المعنىّ بها أمير المؤمنين عليه‌السلام لأنّه لا خلاف بين الأمّة أنّه إذا كان جامعا لهذه الخصال فهو مراد بها قطعا ، ولا قطع على كون غيره جامعا لها ، ولهذا قال الزجّاج والفراء : إنّها مخصوصة بالأنبياء والمعصومين لأنّ هذه الأشياء لا يؤدّيها بكلّيّتها على حقّ الواجب فيها إلّا الأنبياء والأئمّة عليهم‌السلام.

وقد يستدلّ بها على عدم اعتبار الأعمال الصالحة في أصل الإيمان ، بل في كماله كما هو اختيار الأكثر. اللهمّ اجعلنا ممّن اتّصل بك ، وانقطع عمّا سواك ، وجعل أفعاله مقصورة على ابتغاء وجهك وقصد رضاك [ولقّنا حجّتنا يوم نلقاك ، واحشرنا مع الأنبياء والأئمّة المعصومين ، الّذين جعلتهم حججا على الخلق أجمعين] (٢).

الثانية : (وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ) (٣).

__________________

(١) للاعمالات خ ، للكمالات خ.

(٢) الزيادة من نسخة القاضي.

(٣) حم السجدة : ٧.

١٣

(وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ) أى من جهالتهم واستخفافهم بأحكام الله وهي كلمة تستعمل في العذاب والهلاك كالويح والويس.

(الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ) الّتي أوجبها الله على عباده لبخلهم وعدم إشفاقهم على الخلق وذلك من أعظم الرذائل الموجبة لعذابهم وقيل معناه لا يطهّرون أنفسهم من الشرك بقول لا إله إلّا الله وهي زكاة الأنفس ، وهو بعيد ، والظاهر الأوّل.

(وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ) حال عنهم مشعرة بأنّ امتناعهم من الزكاة لاستغراقهم في طلب الدنيا وإنكارهم للاخرة ، وفيها دلالة واضحة على وجوب الزكاة على الكفّار لأنّه يفهم منه أنّ للوصف بعدم إيتاء الزكاة دخلا في ثبوت الويل لهم ، ويلزم من وجوبها عليهم كونهم مخاطبين بالفروع ، لعدم القول بالفرق ، ولكن انعقد الإجماع على أنّها لا تصحّ منهم إلّا بعد الإسلام ، ودلّ عليه أيضا قوله تعالى (وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ) (١) فقول بعض من الأصحاب بصحّة عتق الكافر ووقفه ، لا يخلو من بعد. لعدم النيّة المعتبرة المشتملة على القربة ، وكذا انعقد الإجماع على سقوطها عنهم بعد الإسلام ، ودلّ عليه قوله تعالى (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ) (٢) وما روى عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله «الإسلام يجبّ ما قبله (٣)» وفائدة إيجابها عليه

__________________

(١) براءة : ٥٥.

(٢) الأنفال : ٣٨.

(٣) الحديث رواه في تفسير على بن إبراهيم عند تفسير الآية ٩٠ من سورة الإسراء (وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً) أنه شفعت أم سلمة أخاها عبد الله بن أبي أمية حين أسلم ولم يكن رسول الله (ص) يقبله فقالت الم تقل ان الإسلام يجب ما كان قبله؟ قال (ص) نعم فقبل رسول الله (ص) إسلامه.

ورواه عنه في البرهان ج ٢ ص ٤٥٠ ونور الثقلين ج ٣ ص ٢٢٦ الرقم ٤٤٧ ورواه عن تفسير على بن إبراهيم أيضا البحار ج ٦ باب فتح مكة.

واستشكل على الحديث بوجهين :

الأول ان الإسلام ليس من العقود حتى يحتاج الى القبول فما معنى عدم قبول رسول الله ـ

١٤

حال الكفر أنّه لو مات كذلك كان معاقبا على تركها بخصوصها ، كما يعاقب على ترك الايمان.

__________________

ـ (ص) إسلام عبد الله ابتداء ثم قبوله بالتماس من أم سلمة والجواب انه يمكن كون الإسلام في ذلك الزمن محتاجا الى قبوله (ص) فلعله كان في ذلك الزمن من نظير المبايعة نحو ما قاله تعالى (إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ) ولا استبعاد فيه.

الوجه الثاني انه كيف لم يقبل إسلامه ابتداء ثم قبله بالتماس أخته مع انه (ص) كان عالما بما صدر عنه في حال كفره وبأن الإسلام يجب ما قبله فكان عليه ان يقبل إسلامه من أول الأمر والجواب انه يمكن كون ذلك لمصلحة مثل إظهار شأن أم سلمة وجلالتها واحترامها وإكرامها وأمثال ذلك أو كون عبد الله غير قابل لقبول إسلامه الا بالتماس أخته لما صدر منه من التكذيب الشديد الذي أسقطه عن درجة قابلية قبول إسلامه بلا واسطة فكان خارجا عن حيز قوله (ص) «الإسلام يجب ما قبله» ابتداء بالتخصص ، ولكن بالتماس أخته صار قابلا لقبول إسلامه فدخل تحت هذه القاعدة لانطباق الكبرى على الصغرى حينئذ.

وروى ابن شهرآشوب في المناقب ج ص ٣٦٤ ط قم عن القاضي نعمان عن ابى عثمان النهدي قضاء أمير المؤمنين عليه‌السلام فيمن طلق امرءته في الشرك تطليقة وفي الإسلام تطليقتين أنه عليه‌السلام قال هدم الإسلام ما كان قبله هي عندك على واحدة ، وحكاه عنه السيد محسن أمين في كتاب عجائب أحكام أمير المؤمنين ص ٤٠ الرقم ٣٥ ورواه أيضا في البحار عن ابن شهرآشوب ج ٩ ص ٤٧٨ ط كمپانى باب قضايا أمير المؤمنين.

ونوقش في دلالة الحديث بأنه كما يمكن ان يكون ان الكافر إذا أسلم جب ما قبله فيكون المراد إسلام الشخص كذلك يمكن أن يكون المراد أنه بعد ان شرع النبي الإسلام انهدم ما كان صدر من الناس قبل تشريعه من طلاق وغيره فيكون المراد تشريع الإسلام لا تشريع الشخص ومع الاحتمال يبطل الاستدلال.

والجواب ان الاحتمال الثاني خلاف الظاهر إذ الظاهر أن المراد بالإسلام هو إسلام الشخص لا تشريع الإسلام فيتم الاستدلال.

ومن أهل السنة أخرج حديث أن الإسلام يجب ما كان قبله ابن سعد في الطبقات عند شرح إسلام المغيرة بن شعبة ج ٤ ص ٢٨٦ ط بيروت واللفظ فيه : فان الإسلام يجب ما كان ـ

١٥

أمّا الاستدلال بالآية على أنّ مستحلّ ترك الزكاة كافر ففيه خفاء وإن كان ذلك معلوما من خارج ، وقد يكون في الآية إشعار مّا به فتأمّل.

__________________

ـ قبلة ونقل القصة ابن ابى الحديد عند شرح قول على عليه‌السلام دعه يا عمار ج ٢٠ ص ١٠ ط دار احياء الكتب العربية ١٩٦٤ عن الأغاني واللفظ فيه يجب ما قبله.

وكذا في ج ٧ ص ٤٩٧ من الطبقات عند شرح ارتداد عبد الله بن سعد بن ابى سرح أخي عثمان من الرضاعة لما شفعه عثمان عنده (ص) واللفظ فيه الإسلام يجب ما قبله ومثله في السيرة الحلبية ج ٣ ص ١٠٥.

واخرج الحديث أيضا ابن الأثير في أسد الغابة عند ترجمة هبار بن الأسود الذي روع زينب بنت رسول الله (ص) فاهدر دمه ج ٥ ص ٥٤ والإصابة ج ٣ ص ٥٦٥ الرقم ٧٩٣١ واللفظ انه (ص) قال بعد اعتراف هبار بالذنب وإقراره بسوء فعله : قد عفوت عنك وقد أحسن الله إليك حيث هداك إلى الإسلام والإسلام يجب ما قبله ومثله في السيرة الحلبية ج ٣ ص ١٠٦ ونقل القصة مع قول النبي له بمثل ما مر أيضا في سفينة البحار ج ١ ص ٤١٢ كلمة (خ ل ق).

واخرج الحديث أيضا في الجامع الصغير ج ٣ ص ١٧٩ ، فيض القدير بالرقم ٣٠٦٣ عن ابن سعد بلفظ الإسلام يجب ما كان قبله وقال المناوى في شرحه وأخرجه الطبراني باللفظ المذكور.

واخرج مسلم في كتاب الايمان ج ٢ ص ١٣٨ بشرح النووي عن عمرو بن العاص عند ما كان في سياقة الموت انه قال له النبي عند إسلامه : أما علمت ان الإسلام يهدم ما كان قبله؟ وان الهجرة تهدم ما كان قبلها؟ وان الحج يهدم ما كان قبله؟ وأخرجه السيوطي عن مسلم وعن ابن أحمد في الدر المنثور ج ٣ ص ١٨٤.

وفي النهاية لابن الأثير لغة (جب) ومنه الحديث ان الإسلام يجب ما قبله ، والتوبة تجب ما قبلها أى يقطعان ويمحوان ما كان قبلهما من الكفر والمعاصي والذنوب ، ومثله في اللسان ج ١ ص ٢٤٩ ط بيروت وقريب منه في مجمع البحرين لغة (ج ب ب).

ثم لا ينبغي الإشكال في الحديث بضعف أسانيده فإنه منجبر بعمل الأصحاب واستنادهم الى الحديث في فتاويهم في مسائل عديدة. ـ

١٦

الثالثة : (الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ) (١).

(الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ) الكنز هو المال المذخور تحت الأرض ، ولعلّ المراد هنا حفظها وعدم إخراج الزكاة الواجبة فيها ، كما دلّ عليه قوله (وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ) لأنّهم لو أخرجوا زكاتها وكنزوا ما بقي لم يكونوا ملومين بلا خلاف ، والمعنيّ بالآية أمّا كثير من الأحبار والرهبان المحكىّ عنهم سابقا فيكون مبالغة في وصفهم بالحرص على المال والضنّ بهما ، وإمّا المسلمون ويكون ذكرهم مع المرتشين من أهل الكتاب للتغليظ ، والأولى : أن يحمل على العموم في الفريقين كما قاله الشيخ في مجمع البيان لعموم اللفظ فيعمل عليه وضمير «ينفقونها» إمّا أن يعود إلى الكنوز والأموال المدلول عليها ، وإمّا أن يعود إلى الفضّة وحدها ، واكتفي بها عن الآخر للإيجاز ، وتساوى حكمهما أو أولويّته في الذهب.

(فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) أصل البشرى ما يظهر في بشرة الوجه من فرح أو غمّ إلّا أنه كثر استعماله في الفرح ، وأريد بها التهكّم بحالهم وما يلحقهم من العذاب.

(يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ) متعلّق بما تقدّمه كأنّه بيان للعذاب الأليم اللّاحق

__________________

ـ إنما الإشكال في جريان قاعدة الجب في الأحكام الوضعية ، من حقوق الناس كالقرض والوديعة والسرقة والزكاة والخمس وغيرها وغير حقوق الناس كالطهارة والنجاسة والصحة والبطلان وكذلك في جريانها في الواجبات الموسعة إذا أسلم الكافر وقد قضى من وقتها بمقدار أدائها جامعة للشرائط وخالية عن الموانع ، والبحث مبسوط مذكور في متفرقات المسائل الفقهية في الكتب المفصلة وقد نقحه العالم الجليل المجهول القدر السيد فتاح تغمده الله بغفرانه في كتابه عناوين الأصول في العنوان السادس والستين.

(١) براءة : ٣٦.

١٧

بهم إلى يوم توقد النار ذات حمى شديد عليها ، وأصله يحمى بالنار فجعل الأحماء للنار مبالغة ثمّ غير الكلام بحذف النار وإسناد الفعل إلى الجارّ والمجرور تنبيها على المقصود فانتقل الفعل من صيغة التأنيث إلى صيغة التذكير ، والضمير إمّا للكنوز أو للفضّة كما عرفت.

(فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ) تخصيص المواضع الثلاثة مع أنّ الكيّ شامل لجميع أبدانهم إمّا لأنّ جمعهم وإمساكهم كان لطلب الوجاهة بالغنى والتنعّم بالمطاعم [الشهيّة] والملابس البهيّة أى لهذه الثلاثة.

وإمّا لأنّ صاحب المال إذا رأى الفقير قبض وجهه ، وزوى ما بين عينيه ، وطوى كشحه ، وولّاه ظهره ، فالإعراض يحصل بها وإمّا لأنّ المراد بالجباه هنا الأعضاء الظاهرة لاشتمالها على الأعضاء الرئيسة الّتي هي الدماغ والقلب والكبد.

(هذا ما كَنَزْتُمْ) أى يقال لهم حال الكيّ أو بعده هذا جزاء ما ادّخر تموه (لِأَنْفُسِكُمْ) لمنفعتها ، ولم تؤدّوا حقّ الله منها ، وكان في الواقع عين مضرّتها وسبب تعذيبها (فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ) أي وباله ، وذوقوا العذاب بسبب كنزكم ومنعكم حقّ الله وحذف للظهور.

وظاهر الآية تحريم الكنز ، وترتّب الوعيد عليه وهو محمول على الكنز بدون إنفاق الواجب كما أشرنا إليه ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «من ترك صفراء أو بيضاء كوي بهما» (١) ونحوه محمول على ما إذا لم يؤدّوا الحقّ الواجب ، فلا حاجة إلى ما ذكره بعضهم من أنّ الآية دلّت على تحريم الكنز وعدم الإنفاق لكن نسخ ذلك بآية الزكاة ، لأنّ النسخ خلاف الأصل فلا يصار إليه إلّا بموجب قوىّ.

__________________

(١) انظر الدر المنثور ج ٣ ص ٢٣٣ اخرج عن أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن حبان والحاكم وابن مردويه عن ثوبان قال : كان نصل سيف أبي هريرة من فضة فقال له أبو ذر أما سمعت رسول الله (ص) يقول : ما من رجل ترك صفراء ولا بيضاء الا كوى بهما؟ وانظر في تفسير الآية تفسير الميزان للعلامة الطباطبائي مد ظله من ص ٢٦٠ الى ٢٧٧ ج ١٠ ففيها مباحث مفيدة جدا فراجع.

١٨

ولا منافاة هنا بين تحريم الكنز ووجوب الزكاة بل الظاهر أنّ التحريم لترك الواجب ومن ثمّ لم يتعرّض أكثر المفسّرين لكونها منسوخة ، وعلى هذا فيكون فيها إشارة إلى وجوب الزكاة في النقدين ويكون بيان القدر الواجب المخرج وقدر النصاب وما يتعلّق بذلك معلوما من دليل خارج عنها ، كالأخبار والإجماع.

الرابعة (وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) (١) (وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ) يحتمل أن يراد بها الزكاة المفروضة فإنّها معلومة بتعيين الشارع ، وتبيينه من كلّ جنس قدرا معيّنا ، وأن يراد به الصدقات المندوبة الّتي وظّفوها (٢) على أنفسهم تقرّبا إلى الله تعالى وإشفاقا على الناس.

(لِلسَّائِلِ) وهو المستجدى الّذي يطلب (وَالْمَحْرُومِ) وهو المتعفّف الّذي يظنّ بذلك غنيّا فيحرم من الإعطاء ، والآية مسوقة لمدحهم على ذلك ، فإن أريد الزكاة كانت في ثبوت المدح لهم بذلك خفاء فانّ كلّ مسلم كذلك ، بل كلّ كافر ، إن قلنا إنّه مخاطب بالفروع ، إلّا أنه إذا أسلم سقط ، ويمكن أن يكون المدح باعتبار الكسب والإخراج وعلى الثاني يكون فيها ترغيب وحثّ لصاحب المال على أن يجعل في ماله شيئا للمذكورين ، ولو بالوصيّة وغيرها ، خصوصا إذا كان دائما مستمرّا.

ويؤيّده ما رواه الكلينيّ (٣) عن القاسم بن عبد الرحمن قال سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول إنّه جاء رجل إلى علىّ بن الحسين عليه‌السلام فقال له أخبرني عن قول الله عزوجل (وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) ما هذا الحقّ المعلوم؟ فقال له علىّ بن الحسين عليه‌السلام الّذي تخرجه من مالك ليس من الزكاة ولا من الصدقة المفروضتين ، قلت فما هو؟ قال : الشيء الّذي يخرجه الرجل من ماله إن شاء أقلّ وإن شاء أكثر على قدر ما يملك

__________________

(١) المعارج : ٢٤ ، ومثلها في الذاريات : ١٩.

(٢) أوجبوها خ.

(٣) انظر الكافي أول باب الزكاة باب فرض الزكاة الحديث ١١ وذيل الحديث ، فقال الرجل الله اعلم حيث يجعل رسالته.

١٩

فقال له الرجل فما يصنع به؟ قال يصل به رحمه ، ويقوّى ضعيفا ، ويحمل به كلّا أو يصل به أخا له في الله أو لنائبة تنوبه الحديث.

ونحوها رواية أبي بصير (١) قال كنت عند أبى عبد الله عليه‌السلام ومعنا بعض أصحاب الأموال فذكروا الزكاة ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام إنّ الزكاة ليس يحمد بها صاحبها ، وإنّما هي شيء ظاهر حقن بها دمه ، وإنّ عليكم في أموالكم غير الزكاة ، أما تسمع قول الله في كتابه (وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) قلت فما ذا الحقّ المعلوم؟ قال هو والله الشيء يعمله الرجل في ماله يعطيه في اليوم أو في جمعة أو في الشهر قلّ أو كثر ، غير أنّه يدوم عليه ، وعلى هذا فاستدلال بعضهم بها على وجوب زكاة التجارة بعيد لعدم الدلالة.

(البحث الثاني)

في قبض الزكاة وإعطائها المستحق

وفيه آيات :

الاولى : (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (٢) (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً) الضمير يرجع إلى الّذين تابوا وأقلعوا على ما دلّت عليه الآية السابقة النازلة في حقّهم وهم المتخلّفون عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في غزاة تبوك قيل هم ثلاثة وقيل عشرة ربط سبعة منهم أنفسهم إلى سواري المسجد لمّا بلغهم ما نزل في المتخلّفين

__________________

(١) الكافي باب فرض الزكاة الحديث ٩ وللحديث تتمة لم يذكرها المصنف والحديثان في فروع الكافي ج ١ ص ١٤٠ وفي المرآة ج ٣ ص ١٨٤ والبرهان ج ٤ ص ٣٨٥ الرقم ٢ و ٤ ونور الثقلين ج ٥ ص ٤١٧ الرقم ٢٤ و ٢٦.

(٢) براءة : ١٠٤.

٢٠