مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام - ج ٣

جواد الكاظمي

مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام - ج ٣

المؤلف:

جواد الكاظمي


المحقق: محمّد الباقر البهبودي
الموضوع : الفقه
الناشر: المكتبة المرتضويّة لإحياء الآثار الجعفريّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٤٠

عرفت ثم قال وانّما تسومح في الزينة الخفيّة أولئك المذكورون لما كانوا مختصين به من الحاجة المضطرة الى مداخلتهم ومخالطتهم ولقلّة توقع الفتنة من جهالهم ولما في الطباع من النفرة عن مماسة القرايب وتحتاج المرأة إلى صحبتهم في الأسفار للنزول والركوب

__________________

 ـ وأما الشيعة الإمامية فالمحققون منهم على عدم التبعية ، وأفصح البيان فيه العلامة المظفر في كتابه أصول الفقه ج ٢ ص ٨٤ وص ٨٥ فراجع هذا في مقدمة الواجب وأما مقدمة الحرام فلم يقولوا بتبعيته أصلا في غير ما لا يتمكن معه المكلف من ترك الحرام.

قال المحقق الخراساني قدس‌سره في الكفاية بعد الفراغ عن بحث مقدمة الواجب :

تتمة : لا شبهة في ان مقدمة المستحب كمقدمة الواجب فتكون مستحبة لو قيل بالملازمة وأما مقدمة الحرام والمكروه فلا يكاد يتصف بالحرمة والكراهة إذ منها ما يتمكن معه من ترك الحرام أو المكروه اختيارا كما كان متمكنا قبله فلا دخل له أصلا في حصول ما هو المطلوب من ترك الحرام أو المكروه فلم يترشح من طلبه طلب ترك مقدمتها.

نعم ما لا يتمكن معه من الترك لا محالة يكون مطلوب الترك ويترشح من طلب تركها طلب ترك خصوص هذه المقدمة فلو لم يكن مقدمة لا يبقى معها اختيار تركه لما اتصف بالحرمة مقدمة من مقدماته انتهى كلامه رفع مقامه وأورد على نفسه بإيراد وأجاب عنه فمن شاء فليراجع.

ومما يبين الحرمة قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله في الحديث المشهور المار بمصادره في ص ٩٤ وص ٣٥٤ الى ص ٣٥٦ من المجلد الأول من هذا الكتاب بألفاظه المختلفة من طرق الفريقين ان من رتع حول الحمى أو شك ان يقع فيه أو ان يخالطه فان التعبير بأوشك دال على ان ما حول الحمى ليس من الحمى انما حسن مجانبته لئلا يقع في الحمى والا من رتع حول الحمى ولم يخالطه فلا يتعقبه وبال الوقوع في الحمى.

ففي مسئلتنا من نظر الى الأجنبية وجهها ولم ينته ذلك الى الوقوع في محرم لا يكتب عليه ذنب فان وقع ذلك مكررا لا يضر بعدالة الناظر من جهة عنوان الإصرار فإن انتهى الى المحرم لا يعاقب عقابا زائدا على ما وقع فيه كما قلنا في التمتع بما دون السرة من الحائض أنه ان اتقى موضع الدم لا يكتب عليه ذنب فان انتهى الى الوقوع في موضع الدم لا يعاقب زائدا على مخالفة اتقاء موضع الدم.

فالنواهى الصادرة في أمثال تلك الموارد انما هي للإرشاد ليست بأحكام مولوية تأسيسية عن الشارع متوجهة إلى المقدمات والوسائل والذرائع. ـ

٢٨١

وغير ذلك وظاهر هذا الكلام اختصاص جواز النّظر لهؤلاء بمواقع الزينة الخفية دون ما عداها وأصرح منه كلام القاضي.

(أَوْ نِسائِهِنَّ) يعني النّساء اللّاتي في خدمتهنّ من الحرائر والإماء والإضافة لهذه الملابسة فيشمل الكافرة ولا فرق بين من في خدمتهن منهن وغيرهنّ وقيل المراد

__________________

 ـ وأما أمثلة ابن القيم الجوزية فنقول فيما صح منه من الأمثلة : انا انما ننكر تبعية المقدمة لحكم ذي المقدمة ونقول ان للمقدمة حكمها المستقل المأخوذ من أدلته الخاصة ولا ننكر إمكان جعل الحكم الشرعي للمقدمة في موارد وان يتخذ الشارع احتياطات لبعض ملاكات أحكامه التي يحرص ان لا يفوتها المكلف بحال فيأمر أو ينهى عن بعض ما يفضي إليها تحقيقا لهذا الغرض.

الا ان ذلك لا تتخذ طابع القاعدة العامة وليس فيما أكثر من الأمثلة ما يصلح لان يتمسك بعمومه أو إطلاقه لتحريم جميع المقدمات التي تقع في طريق المحرمات مهما كان نوعها وليس علينا الا ان نتقيد بخصوص هذه المواقع التي ثبت لها التحريم.

مع ان في كون النهي في كثير من أمثلته كذلك نظرا مثلا قال في خطبة المعتدة عدة الوفاة أن الحرمة لكون الخطبة ذريعة إلى استعجال المرأة بالإجابة والكذب على انقضاء عدتها وكون تحريم الطيب للمحرم لكونه من أسباب دواعي الوطي فتحريمه من باب سد الذريعة.

وقال ان النهي عن البيع وقت النداء لئلا يتخذ ذريعة إلى التشاغل بالتجارة عن حضور الجمعة وليس في أدلتها ما يصرح بأن التحريم انما هو لأجل كونها وسيلة لا لمفاسد في ذاتها توجب لها التحريم ومع الشك في النفسية والغيرية مقتضى الإطلاق النفسية لان الغيرية مما تحتاج الى بيان زائد ومع عدمه وهو في مقام البيان فالظاهر العدم ويطول لنا الكلام بذكر كل فرد من أمثلته والجواب عن كل بما يناسبه.

واستدل القائل بحرمة الزائد على النظر مرة أي في وقت واحد عرفا بالنبوي المشهور لا تتبع النظرة بالنظرة فإن الأولى لك والثانية عليك ومرسلة الفقيه أول نظرة لك والثانية عليك ولا لك والثالثة فيها الهلاك وحسنة الكاهلي النظرة بعد النظرة تزرع في القلب الشهوة وكفى لصاحبها فتنة تراها وأمثالها في الوسائل الباب ١٠٤ من أبواب مقدمات النكاح.

قال في المستند : والجواب عنها مضافا الى عدم صراحتها في التحريم إن النظرة فيها مجملة فلعل المراد من النظرة الأولى الاتفاقية الواقعة على ما يحرم النظر اليه مما عدا الوجه ـ

٢٨٢

بنسائهن المؤمنات دون الكافرات وان كن ذميات ومقتضى ذلك عدم جواز تجرّد المسلمة بين نساء أهل الذّمة ولا تبدي للكافرة إلّا ما تبدي للأجانب.

وكتب عمر (١) الى ابى عبيدة ان يمنع نساء أهل الكتاب من دخول الحمام مع المؤمنات ونقله العلامة في التذكرة قولا عن الشيخ وهو أحد قولي الشّافعية لقوله تعالى (أَوْ نِسائِهِنَ) وليست الذّميات من نسائنا ثمّ قال والأقوى الجواز كنظر المسلمة الى المسلمة وقد يرجح القول الأوّل لاقتضاء الإضافة ذلك فتأمّل فيه (أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ) والظاهر انّه عنى بنسائهن وما ملكت ايمانهن من في صحبتهنّ وخدمتهنّ من الحرائر والإماء والنساء كلّهن سواء في حلّ نظر بعضهن الى بعض وقيل ما ملكت ايمانهن هم الذكور والإناث جميعا.

وعن عائشة (٢) أنّها أباحت النظر إليها لعبيدها حتّى انّها كانت تمشط والعبد تنظر إليها.

__________________

 ـ والكفين انتهى.

وقال في الجواهر هو أضعف قول في المسئلة تأباه أدلة كلا الطرفين ولم يتعرض الشيخ قدس‌سره لأدلة هذا القول واكتفى بذكر أن أدلتهم ضعيفة قلت ولا يخفى عليك ان سياق الكلام في الأحاديث المستدل بها سياق الإرشاد ليست لإثبات حكم مولوي.

فاتضحت المسئلة بحمد الله تعالى وتبين أنه لم يثبت حرمة شرعية مولوية تأسيسية للنظر الى وجه الأجنبية وكفيها من غير ريبة بحيث يترتب عليه اثم ولو وقع مكررا فلا يضر التكرار بعدالة الناظر من غير ريبة وكذا ابدائها.

ومع ذلك فاللازم على المسلمين التجنب مع خوف الفتنة لكن لا بمعنى ثبوت حكم مولوي شرعي بذلك بل انما هو بحكم العقل تثبيتا لحرمات الله ومنعا من ان يقرب حماه ومع الأمن وعدم الخوف لا مانع منه أصلا والله العالم بالصواب.

(١) أخرجه في الدر المنثور ج ٥ ص ٤٣ عن سعيد بن منصور والبيهقي في سننه وابن المنذر.

(٢) الكشاف ج ٣ ص ٢٣٢ وفي الشاف الكاف تخريجه.

٢٨٣

وعن سعيد بن المسيّب (١) مثله ثمّ رجع وقال لا يغرنكم آية النّور فان المراد بها الإماء.

وهذا هو الصحيح لأنّ عبد المرأة بمنزلة الأجنبي منها خصيّا كان أو فحلا وتوضيحه انّ تحريم تزويج العبد لمولاته عارض غير مؤبّد كمن عنده أربع نسوة لا يجوز له التزوج بغيرهنّ فلمّا لم يكن هذه الحرمة مؤبدة كان العبد بمنزلة سائر الأجانب.

قلت وهذا هو المشهور بين أصحابنا ورووا في الآية عن أئمتهم عليهم‌السلام انّ المراد بما ملكت أيمانهن الإماء دون العبيد الذكران.

نعم في بعض أخبارنا ما يدلّ على جواز نظر العبد الى مولاته لكنها محمولة على التقية أو على صغر المملوك أو كبره وهرمة بحيث لم يبق فيه شهوة فإن قيل إذا أريد بما ملكت ايمانهن الامآء يلزم التكرار ضرورة أنّ الإماء من النساء قلنا المراد من النساء الحرائر فلا تكرار.

(أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ) أي الحاجة الى النّساء (مِنَ الرِّجالِ) الذين يتبعونك لينالوا من طعامك وهم البله المولى عليهم أو الذين بهم عنن ولا حاجة لهم في النساء لعجزهم أو الشيوخ الّذين انتهت شيخوختهم الى حدّ الهرم ولا شهوة لهم ويمكن خصوص الخصى المملوك إذا كان ممسوح الذكر والأنثيين لأنّ الحاجة الى النساء منتفية عنه ويؤيّده ما رواه زرارة (٢) في الصحيح قال سألت أبا جعفر عن قول الله عزوجل : (أَوِ التَّابِعِينَ

__________________

(١) الكشاف الموضع المتقدم قال ابن حجر أخرجه ابن أبي شيبة من رواية طارق عن سعيد بن المسيب لا تغرنكم الآية (أو ما ملكت أيمانهن) انما عنى الإماء دون العبيد ومثله في الدر المنثور ج ٥ ص ٤٣.

(٢) الكافي ج ٢ ص ٦٥ باب أولى الإربة الحديث ١ وهو في المرات ج ٣ ص ٥١١ ونور الثقلين ج ٣ ص ٥٩٣ الرقم ١٢٤ واللفظ الأحمق الذي لا يأتي النساء وفي الحديث بعده عن عبد الرحمن بن أبى عبد الله قال سألته عن أولى الإربة من الرجال قال الأحمق المولى عليه الذي لا يأتي النساء وعندي في الحديث سقط والصحيح غير أولى الإربة ولم ينبه على ذلك أحد وترى الحديثين في الوسائل الباب ١١١ من أبواب مقدمات النكاح ج ٣ ص ٢٦ ط الأميري.

٢٨٤

غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ) إلى آخر الآية قال : الأحمق الذي لا يأتي النساء وروى عبد الرحمن بن ابى عبد الله قال : سألته عن اولى الإربة قال : الأحمق المولى عليه الّذي لا يأتي النساء.

وروى العامة (١) عن زينب بنت أمّ سلمة انّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله دخل عليها وعندها

__________________

(١) أنظر نيل الأوطار ج ٦ من ص ١٢٣ الى ص ١٢٥ وفتح الباري ج ٩ غزوة الطائف ص ١٠٥ وج ١١ كتاب النكاح من ص ٢٤٧ الى ص ٢٥٠ وشرح النووي على صحيح مسلم كتاب السّلام ج ١٤ من ص ١٦٢ الى ص ١٦٤ وسنن البيهقي ج ٧ ص ٩٦ وعون المعبود كتاب اللباس وكتاب الأدب ج ٤ ص ١٠٨ و ٤٣٨ وتفسير ابن كثير ج ٣ ص ٢٨٥ والطبري ج ١٨ ص ١٢٣ وتفسير الخازن ج ٣ ص ٣٢٨.

ثم المخنث بفتح النون وكسرها والفتح هو المشهور وهو الذي يلين في قوله ويتكسر في مشيته ويتثنى فيها كالنساء وقد يكون خلقة وقد يكون تصنعا من الفسقة ومن كان ذلك فيه خلقه فالغالب من حاله أنه لا أرب له في النساء :

واختلف في اسم هذا المخنث فقال القاضي عياض الأشهر ان اسمه هيث بكسر الهاء ثم تحتية ساكنة ثم فوقية وقيل صوابه هنب بالنون والباء الموحدة قاله ابن درستويه وقال ان ما سواه تصحيف وأنه الأحمق المعروف وقيل اسمه ماتع بالمثناة فوق مولى فاختة المخزومية بنت عمرو بن عائذ وقيل بنون ونقل في نيل الأوطار عن البيهقي أنه كان المخنثون على عهد رسول الله ثلاثة ماتع وهدم وهيت.

قوله تقيل بأربع وتدبر بثمان المراد بالأربع هي العكن جمع عكنة وهي الطية التي في البطن من كثرة السمن وقال ابن حبيب عن مالك معناه ان اعكانها ينعطف بعضها على بعض وهي في بطنها أربع طرائق وتبلغ أطرافها إلى خاصرتها وفي كل جانب أربع.

وحاصله أنه وصفها بأنها مملوءة البدن بحيث يكون لبطنها عكن وذلك لا يكون الا للسمينة من النساء وجرت عادة الرجال غالبا في الرغبة فيمن تكون بتلك الصفة وقيل الأربع هي الشعب التي هي اليدان والرجلان والثمان الكتفان والمتنان والأليتان والساقان ولا يخفى ضعف ذلك لان كل امرأة فيها ما ذكر.

وقال المجلسي قدس‌سره في المرآة عند شرح الحديث الاتى من الكافي عن والده قدس الله روحه : ويحتمل أن يكون المراد بالأربع التي تقبل بهن العينان والحاجبان أو العين ـ

٢٨٥

مخنّث فاقبل على أخي أمّ سلمه وقال يا عبد الله ان فتح الله لكم الطائف أدلك على بنت غيلان فإنّها تقبل بأربع وتدبر بثمان ، عنى عكن بطنها فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يدخلنّ عليكم هذا فأباح النبي دخول المخنث عليهنّ حين ظنّ انّه من غير اولى الإربة فلما علم انّه يعرف أحوال النساء واوصافهنّ علم انّه من اولى الإربة فحجبه.

وقريب من هذا الحديث رواه الكليني (١) في الكافي ومقتضى الآية جواز نظرهم

__________________

 ـ والحاجب والأنف والفم أو الوجه والشعر والعنق والصدر والمراد بالثمان هذه الأربع مع قلب الناظر وعقله وروحه ودينه أو مع عينيه وعقله وقلبه أو قلبه ولسانه وعيينة أو قلبه وعينه واذنه ولسانه قال وهذا معنى لطيف ولكن الظاهر أنه لم يخطر ببال قائله.

(١) الكافي باب أولى الإربة من الرجال الحديث ٣ ج ٢ ص ٦٥ وهو في المرات ج ٣ ص ٥١١ وإليك نص الحديث بعد الاسناد : عن أبى عبد الله عليه‌السلام عن أبيه عن آبائه عليهم‌السلام قال كان بالمدينة رجلان يسمى أحدهما هيت والأخر ماتع فقالا لرجل ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يسمع إذا فتحتم الطائف إنشاء الله فعليك بابنة غيلان الثقفية فإنها شموع نجلاء مبتلة هيفاء شنباء إذا جلست تثنت وإذا تكلمت غنت تقبل بأربع وتدبر بثمان بين رجليها مثل القدح.

فقال النبي لا أراكما من أولى الإربة من الرجال فأمرهما رسول الله فعزب بهما الى مكان يقال له العرايا وكانا يتسوقان في كل جمعة انتهى الحديث.

قوله شموع الشموع مثل السجود اللعب والمزاح وفي الحمل مبالغة في كثرة لعبها ومزاحها قوله نجلاء اما من نجلت الأرض أي أخضرت أى خضراء أو من النجل بالتحريك وهو سعة شق العين أي واسعة العين قوله مبتلة بتشديد التاء أى جميلة تامة الخلق لم يركب بعض لحمها بعضا فان قرئ منبلة بالنون والباء الموحدة كمنقطعة لفظا ومعنى كان معناه منقطعة عن الزوج أى باكرة.

قوله هيفاء الهيف محركة ضمر البطن والكشح ورقة الخاصرة فان قرئ هيقاء بالقاف كان معناه طويل العنق قوله شنباء الشنب بالتحريك البياض والبريق والتحديد في الأسنان ولذا وقع في بعض روايات أهل السنة بثغر كالاقحوان.

قوله تثنت لعل معناه أنها تثنى رجلا وتضع الأخرى على فخذها كما هو شأن المغرور بحسنه أو معناه إذا جلست انعطفت أعضائها وتمايلت كما هو شأن المتبختر وقيل معناه أنها رشيقة القد ليس لها انعطاف إلا إذا جلست.

وفي بعض روايات أهل السنة إذا مشت تثنت ولعل معناه تتكسر في مشيها وتتثنى فيه وتتبختر ـ

٢٨٦

الى موضع الزينة الباطنة ، إذ هم داخلون فيمن استثنى له جواز النظر الى ذلك كما يقتضيه سياق الآية قيل وعلى هذا فلا يصح ما في الكشاف انّهم شيوخ صلحاء إذا كانوا معهم غضوا أبصارهم لأنّ الكلام فيمن يجوز له الكشف ويجوز له النّظر إليهن كما يقتضيه السياق وفيه نظر وانتصاب غير على الحالية ويجوز جرها على الوصفية وقرئت بالوجهين معا واحتمل في الكشاف أن يكون نصبها على الاستثناء وفيه تأمّل.

(أَوِ الطِّفْلِ) وضع الواحد موضع الجمع بناء على انّ المراد الجنس الّذي لا ينافي الجمع ونبه عليه قوله (الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ) إمّا من ظهر على الشيء إذا اطلع عليه اي لا يعرفون ما العورة ولا يميزون بينها وبين غيرها وامّا من ظهر على فلان إذا قوي عليه وظهر على القرآن أخذه وأطاقه أي لم يبلغوا أو ان القدرة على الوطي كذا في الكشاف.

__________________

 ـ وفي بعض رواياتهم إذا قعدت تبنت قال في اللسان أى صارت كالمبناة لسمنها وعظمها والمبناة من أدم كهيئة القبة تجعلها المرأة في كسر بيتها فتسكن فيها.

قوله غنت وفي بعض روايات أهل السنة تغنت قال عياض قوله تغنت من الغنة لا من الغناء أى تتغنى من كلامها وتدخل صوتها في الخيشوم وقد عد ذلك من علامات التجبر قوله بين رجليها مثل القدح القدح واحد الأقداح التي للشرب وفي بعض روايات أهل السنة مثل الإناء المكفوء.

قوله عزب بالبناء للمفعول بالعين المهملة والزاي المشددة من التعزيب وهو البعد والباء للتعدية وفي بعض النسخ غرب بالغين المعجمة والراء المهملة بمعنى النفي عن البلد ولا يناسبه التعدية قوله العرايا اسم حصن بالمدينة وفي بعض روايات أهل السنة ذكر مواضع أخر كالحمى والنقيح وخاخ بمعجمتين.

قوله يتسوقان أى يدخلان سوق المدينة للبيع والشراء وانما أمر باخراجهما لأن أهل المدينة كانوا يعدونهما من غير أولى الإربة فكانا يدخلان على النسوة ويحدثان عنهن فأمر باخراجهما قلعا لمادة الفساد ودفعا لوصفهما محاسن النساء بحضرة الرجال.

وفي بعض روايات أهل السنة قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لقد غلغلت النظر إليها يا عدو الله وذكره السيد الرضى في المجازات النبوية ص ١٢٧ بالرقم ٩٤ قال استعار الغلغلة وهي إدخال شيء إلى أقصى الداخل لإحداد النظر.

٢٨٧

ولعلّ المراد بأوان القدرة البلوغ الى حدّ المراهقة فلو كان مراهقا لم يجز له النّظر الى محل الزينة كغيره إذ هو في حكم البالغ فيبطل ما ذهب اليه بعض الشّافعيّة من جواز النّظر ما لم يبلغ نظرا الى ثبوت الحل فلا يرفع الا بسبب ظاهر وهو البلوغ.

(وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ) ليتقعقع خلخالها فيعلم انّها ذات خلخال فان ذلك يورث ميلا في الرّجال وتحريكا في شهواتهم.

وفي الكشاف كانت المرأة تضرب برجلها ليتقعقع خلخالها فيعلم انّها ذات خلخال وقيل كانت تضرب بإحدى رجليها الأخرى ليعلم انّها ذات خلخالين قال وإذا نهين عن إظهار صوت الحليّ بعد ما نهين عن إظهار الحلي علم بذلك انّ النّهى عن إظهار مواضع الحلي أبلغ وأبلغ.

وبالجملة يستفاد منه ان كلّ ما يجري إلى الفتنة يجب الاحتراز عنه فانّ الرجل الّذي يغلب عليه الشهوة إذا سمع صوت الخلخال يصير ذلك داعيا له الى مشاهدتهن ومنه يعلم وجوب إخفاء صوتهنّ إذا لم يؤمن الفتنة امّا على تقدير الأمن من الفتنة ففي وجوب إخفاء الصّوت خلاف فقيل انّه ليس بعورة لأنّ نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كن يروين الاخبار للرّجال وقيل انّه عورة والاحتياط غير خفي ومقتضى النّهى عن الضرب بأرجلهنّ من غير تقييد بقصد الريبة أو لا تحريمه كذلك أيضا.

(وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ) إذ لا يكاد يخلو احد منكم عن تفريط سيّما في الكف عن الشهوات والنظر المحرم (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) اي تفوزون بثواب الجنّة أو بسعادة الدّارين قال في الكشاف (١) أن أوامر الله ونواهيه في كلّ باب لا يكاد العبد الضعيف يقدر على مراعاتها وان ضبط نفسه واجتهد ولا يخلو من تقصير يقع منه فلذلك وصّى المؤمنين بالتوبة وبالاستغفار وبتأميل الفلاح إذا تابوا واستغفروا قال وعن ابن عبّاس توبوا عمّا كنتم تفعلونه في الجاهلية لعلكم تسعدون في الدّنيا والآخرة.

ثم قال فان قلت قد صحّت التوبة بالإسلام والإسلام يجب ما قبله فما معنى هذه التوبة قلت أراد بها ما يقوله العلماء ان من أذنب ذنبا ثمّ تاب عنه يلزمه كلّما ذكره ان

__________________

(١) الكشاف ج ٣ ص ٢٣٣.

٢٨٨

يجدد عنه التوبة لأنّه يلزمه أن يستمرّ على عزمه وندمه الى ان يلقى ربّه انتهى.

ولعلّه يريد بتجديد التوبة كلّما ذكره تجديد العزم على تركه في الأوقات المستقبلة بمعنى أن لا يخطر بباله عزم فعله في شيء من الأوقات فإنّ العزم على فعل القبيح ولو بعد سنين متطاولة حرام قطعا كما قالوه لا معنى التوبة حقيقة ويمكن ان يكون المراد بالتوبة هنا الانقطاع الى الله تعالى ويؤيّده ما روى عنه (١) صلى‌الله‌عليه‌وآله انّه قال يا ايّها النّاس توبوا الى ربّكم فإنّي أتوب الى الله في كلّ يوم مائة مرة أورده مسلم في الصّحيح كذا في مجمع البيان.

الثالثة (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) في المجمع (٢) : معناه مروا عبيدكم وإمائكم إن يستاذنوا عليكم إذا أرادوا الدّخول الى مواضع خلوتكم عن ابن عبّاس وقيل أراد العبيد خاصّة وهو المروي عن ابى جعفر عليه‌السلام وابى عبد الله عليه‌السلام قلت على هذا لا حاجة في النساء إلى الاستئذان كما دلّت عليه الرّواية.

وهي ما رواه زرارة عن (٣) ابى عبد الله عليه‌السلام في قوله عزوجل (الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) قال هي خاصّة في الرّجال دون النّساء قلت فالنساء يستأذن في هذه الثلث ساعات قال لا ولكن يدخلن ويخرجن الحديث.

وفي صحيحة الفضيل بن يسار (٤) عن ابى عبد الله عليه‌السلام في قول الله عزوجل (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ) قيل من هم فقال هم المملوك من الرجال والنساء والصّبيان الّذين لم يبلغوا

__________________

(١) المجمع ج ٤ ص ١٣٨ والحديث في صحيح مسلم بشرح النووي ج ١٧ ص ٢٤.

(٢) المجمع ج ٤ ص ١٥٤.

(٣) الكافي ج ٢ ص ٦٧ باب أخر من الدخول على النساء الحديث ٢ وهو في المرات ج ٣ ص ٥١٥ ورواه في نور الثقلين ج ٣ ص ٦٢١ الحديث ٢٣٠.

(٤) الكافي ج ٢ ص ٦٧ باب أخر من الدخول على النساء الحديث ٤ وهو في المرات ج ٣ ص ٥١٥ ونور الثقلين ج ٣ ص ٦٢٢ الرقم ٢٣٢ والحديثان كلاهما في الوسائل الباب ١٢١ من أبواب مقدمات النكاح ج ٣ ص ٢٨ ط الأميري والوافي الجزء ١٢ ص ١٢٤.

٢٨٩

يستأذنون عليكم عند هذه الثلث عورات الحديث.

وهو دال على استيذان النساء أيضا ويترجح لموافقتها ظاهر الآية من العموم بالنسبة إليهما معا وعدم اختصاصها بالعبيد وحينئذ فيكون إطلاق الّذين مع كونه للمذكر على المجموع باعتبار التغليب فإنّه باب واسع وربما اثبت بعضهم الاستيذان للنّساء بطريق الأولوية لأنهنّ في باب حفظ العورة أشد حالا من الرّجال ثم إنّ ظاهر (الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) يشمل البالغين والصّغار فالأمر للبالغين على الحقيقة وللصّغار على وجه التّأديب كما يؤمرون بالصّلوة لسبع وهو تكليف لنا بما فيه من المصلحة لنا ولهم بعد البلوغ وقد ينقل عن ابن عباس بانّ المراد الصغار وليس للكبار ان ينظروا الى مماليكهم إلّا الى ما يجوز للحرّ ان ينظر إليه.

(وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ) والصّبيان الّذين لم يبلغوا أمر الأحرار عبر عن البلوغ بالاحتلام لأنّه أقوى دلائله سواء كانوا محارم أو أجانب لكن بشرط التّمييز كما قاله في المجمع فانّ من لا تمييز له ولا شعور لا استيذان له لعدم حصول ما هو المقصود من الاستيذان فيه.

(ثَلاثَ مَرَّاتٍ) في مجموع ساعات اللّيل والنّهار (مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ) لانه وقت القيام من المضجع وطرح ما ينام فيه من الثياب ولبس ثياب اليقظة ومحلّه النّصب على انّه بدل من ثلث مرّات أو الرفع على انّه خبر مبتدء محذوف اي هن من قبل صلاة الفجر.

(وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ) اى ثياب اليقظة للقيلولة (مِنَ الظَّهِيرَةِ) بيان للحين (وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ) لأنّه وقت التجرّد عن اللباس والالتحاف باللحاف ولأنّه وقت خلو الرجل بامرأته والمراد تمام اللّيل.

(ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ) ان قرئ بالنصب كما هو قراءة أهل الكوفة الّا حفصا فعلى انّه بدل من ثلث مرات وصح الابدال مع كونه ثلاث مرات زمان وثلث عورات ليس كذلك لأنّه بتقدير أوقات ثلث عورات حذف المضاف وأعرب المضاف إليه بإعرابه.

وان قرئ بالرفع كما هو قراءة الباقين فعلى انّه خبر مبتدء محذوف اي هذه

٢٩٠

ثلث عورات أو مبتدء خبره ما بعده سمّى كلّ واحد من هذه الأحوال عورة لأنّ الناس يختل تسترهم فيها والعورة الخلل ومنها الأعور المختل العين.

وفي المجمع سمّى سبحانه هذه الأوقات عورات لأنّ الإنسان يضع فيها ثيابه فتبدو عورته قال السّدي كان أناس من الصّحابة يعجبهم ان يواقعوا نسائهم في هذه السّاعات ليغتسلوا ثم يخرجوا إلى الصّلوة فأمرهم الله سبحانه ان يأمروا الغلمان والمماليك ان يستأذنوا في هذه السّاعات الثلث.

وقيل انّ سبب النزول (١) ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بعث غلاما الى عمر ليدعوه فوجده نائما في البيت فدفع الباب فلم يستيقظ فدار الباب من خلفه وحركه فلم يستيقظ ثم دفع الباب فانكشف من عمر شيء وعرف عمر انّ الغلام راى ذلك منه فقال وددت انّ الله نهى أبناءنا ونساءنا وخدمنا ان يدخلوا علينا في هذه الساعة إلّا بإذن ثمّ انطلق معه الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فوجد قد نزلت الآية وقيل غير ذلك.

وإطلاق الاستيذان يقتضي عدم تعيّن عبارة فيه ، فيتاتى بكلّ ما يحصل به وفي بعض الأخبار انّه بالسلام (٢) وهو على الاستحباب.

ثمّ ان ظاهر الأمر الوجوب ولا نزاع فيه بالنّسبة إلى البالغ إمّا الأطفال فقيل بالوجوب عليهم أيضا ونقله الشّيخ في المجمع عن الجبائى ثم قال وقال قوم في ذلك دلالة على انه يجوز ان يؤمر الصّبي الّذي يعقل بفعل الشّرائع وينهى عن ارتكاب القبائح لأنّه تعالى امره بالاستيذان وقال آخرون ذلك أمر للآباء ان يأخذوا الأولاد بذلك ويمكن ان يكون الأمر في الأطفال للإرشاد وتعليم المعاشرة فتأمّل.

وبالجملة ثبوت الوجوب على الأطفال هنا مخالف لقواعد التكليف الّا ان يقال المخاطب بهذا الخطاب المميّز على ما عرفت فيمكن توجّه الأمر إليه لفهمه وفيه ما فيه.

__________________

(١) الكشاف ج ٣ ص ٢٥٣ قال ابن حجر هكذا نقله الثعلبي والواحدي والبغوي عن ابن عباس بغير سند قلت وهو في أسباب النزول للواحدي ص ١٨٩ ط مصطفى البابي الحلبي.

(٢) أنظر الوسائل الباب ١٢٠ و ١٢٢ ص ٢٧ وص ٢٨ ط الأميري ومستدرك الوسائل ج ٢ ص ٥٥٧.

٢٩١

(لَيْسَ عَلَيْكُمْ) أيّها المؤمنون المدخول عليهم (وَلا عَلَيْهِمْ جُناحٌ بَعْدَهُنَّ) بعد هذه الأوقات الثلثة في ترك الاستيذان فيجوز الدخول بغير استيذان.

وفي صحيحة الفضيل بن يسار (١) عن ابى عبد الله عليه‌السلام في قوله تعالى (لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) ، الآية قال هم المملوكون من الرّجال والنّساء والصّبيان الّذين لم يبلغوا يستأذنون عليكم عند هذه الثلث عورات ويدخل مملوككم وغلمانكم من بعد هذه الثلث عورات بغير اذن ان شاؤا.

وظاهرها جواز الدخول في غير الأوقات الثلثة مطلقا وخصّ بعضهم ذلك بالمملوك الصغير فإنّه يباح له الدّخول كما أشرنا إليه هذا.

وإطلاق الآية مقيّد بما إذا لم يعلم الدّاخل انّ المدخول عليه منكشف العورة أو على حالة يقرب منها والا لم يجز أيضا كما في غيرها ولعلّ تركه لندوره ثمّ انّه تعالى بين العذر في ترك الاستيذان بعدهنّ بقوله.

(طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ) خبر مبتدا محذوف والجملة استيناف مبينة للعذر الموجب للترخّص في ترك الاستيذان بعدهنّ يعنى ان بكم وبهم حاجة الى المخالطة والمداخلة يطوفون عليكم للخدمة وتطوفون عليهم للاستخدام بحيث يكثر دخولهم وخروجهم وتردّدهم فلوحتم الأمر بالاستيذان في كلّ وقت لأدّى إلى الحرج.

وفي هذا بيان لأنّ الجناح بمعنى الحرج ولنفيه عن الفريقين معا في ترك الاستيذان وذلك لشدّة المخالطة والمداخلة الموجبة لذلك قال في الكشاف فإذا رفعت ثلث عورات كان ليس عليكم جناح في محلّ الرّفع على الوصف والمعنى هن ثلث عورات مخصوصة بالاستيذان.

قلت وقد أشرنا انّه يجوز ان يكون مبتدا خبره ما بعده فيكون في محلّ الرفع على الخبريّة أيضا ثمّ قال وإذا نصبت لم يكن له محلّ وكان كلاما مقدّرا للأمر بالاستيذان في تلك الأحوال قلت أراد بكونه مقدّرا انّه مؤكّد لذلك فيمتنع العطف بينهما لكمال الاتّصال.

__________________

(١) مر الحديث قبيل ذلك.

٢٩٢

(بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ) بعضكم طائف على بعض أو يطوف بعضكم على بعض وحذف الخبر أو الفعل لأن الطوافون يدلّ عليه كذا في الكشاف (كَذلِكَ) مثل ذلك التّبيين الّذي بينه لكم في هذه الآية (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ) اي الدلالات على الأحكام (وَاللهُ عَلِيمٌ) بما يصلحكم من الأمور (حَكِيمٌ) فيما يشرع لكم من الأحكام قال القاضي (١) وليس في هذه الآية ما ينافي الاستيذان فينسخها لأنّه في الصّبيان ومماليك المدخول عليه وتلك في الأحرار البالغين أراد بآية الاستئذان قوله تعالى (لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ) فإنّها في الأحرار على ما سيجيء.

ولعلّ وجه توهّم النسخ أن آية الاستيذان اقتضت وجوب الاستئذان في كلّ وقت وهذه الآية تدلّ على وجوبه في الأوقات الثلثه.

والحق ان توهم النسخ هنا بعيد فإنّه انّما يكون مع التنافي كما ذكره ولا تنافي بينهما لأنّ ما تناوله الآية الأولى من المخاطبين غير ما تناوله الآية الثّانية فإن قيل إذا كان قوله الّذين ملكت ايمانكم يدخل فيه البالغ يلزم النسخ قلنا ليس كذلك لأنّ الآية الأوّل لا يدخل فيها العبيد والإماء بل الأحرار فقط فأين النسخ.

الرّابعة (وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ) اي من الأحرار دون المماليك فان حكمهم سلف سابقا (الْحُلُمَ) وبلوغ الحلم يراد به زمان يمكن فيه الاحتلام وقد تقدم حدّه من الزّمان وذلك ببلوغ الرّجل خمس عشرة سنة والأنثى تسعا وقيل غير ذلك على ما سلف (فَلْيَسْتَأْذِنُوا) في جميع الأوقات كما يعطيه الإطلاق (كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) الّذين بلغوا من قبلهم واحتمل في الكشاف أن يكون المراد الّذين ذكروا من قبلهم في قوله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها) الآية.

والمعنى انّ الأطفال مأذون لهم في الدّخول بغير الإذن إلّا في العورات الثلث فإذا اعتاد الأطفال ذلك ثمّ خرجوا من حدّ الطفولية بان يحتلموا أو يبلغوا السن الّذي يحكم عليهم فيها بالبلوغ وجب ان يفطموا عن تلك العادة ويحملوا على

__________________

(١) البيضاوي ج ٣ ص ٢٣٩ ط مصطفى محمد.

٢٩٣

ان يستاذنوا في جميع الأوقات كما في الرّجال الكبار الّذين لم يعتادوا الدّخول عليكم الّا بإذن.

وفي صحيحة محمّد بن قيس (١) عن ابى جعفر عليه‌السلام قال ليستأذنكم الّذين ملكت

__________________

(١) الكافي ج ٣ ص ٦٧ باب أخر من الدخول على النساء الحديث ٣ وهو في المرات ج ٣ ص ٥١٥ روى ذيله في الوسائل الباب ١٢٠ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ٤ وصدره في الباب ١٢١ الحديث ١ ج ٣ ص ٢٨ ط الأميري وفي الوافي الجزء ١٢ ص ١٢٤ ورواه في نور الثقلين ج ٣ ص ٦٢٢ الرقم ٣٣٢ والبرهان ج ٣ ص ١٥١ الحديث ٣.

وانما عبر المصنف عن الرواية بالصحيحة مع ان محمد بن قيس مشترك لانه رواها عن الامام الباقر والراوي عنه يوسف بن عقيل.

توضيح ذلك ان محمد بن قيس الراوي عن أحد الصادقين مشترك بين أربعة رجال أو أكثر حسب اختلافهم في اتحاد بعض مع بعض فالأول محمد بن قيس البجلي روى عن الصادقين موثق واختلفوا في كونه واحدا أو اثنين لذكر النجاشي له مرتين والأكثرون على أنه واحد والظاهر أنه كذلك.

والثاني محمد بن قيس الأسدي المكنى بأبى نصر روى عن الصادقين موثق والثالث محمد بن قيس الأسدي المكنى بأبى أحمد روى عن الباقر ضعيف والرابع محمد بن قيس الأسدي المكنى بأبى عبد الله مولى لبني نصر ممدوح والخامس محمد بن قيس المكنى بأبى قدامة ذكره الشيخ في رجاله من أصحاب الصادق وأهمله أي لم يتعرض له بمدح وذم.

واختلفوا في أنه هل هو أبو نصر الموثق أو غيره ويظهر من الشيخ حيث عنونهما عنوانين بلا فصل أنهما رجلان وقال المقدسي في رجال الجمع ج ٢ ص ٤٧٦ بالرقم ١٨٤٣ محمد بن قيس الأسدي الكوفي يكنى أبا قدامة ويقال أبا نصر من بنى والبة من أنفسهم سمع على بن ربيعة وروى عنه وكيع وعلى بن مسهر انتهى.

فزعم بعض أن العامة اعرف بمثل هذه الأمور واحتمل خطاء الشيخ في جعلهما اثنين ولكني أقول بل أهل مكة أعرف بشعابها فشيخ الطائفة أخبر برجالها والذي يلوح لي أن أبا نصر الأسدي المذكور في رجال الشيعة غير أبى نصر المذكور في تراجم أهل السنة :

رجال الجمع الموضع المتقدم والتقريب لابن حجر ج ٢ ص ٢٠٢ الرقم ٦٤٥ نشر النمنكانى والتاريخ الكبير للبخاري القسم الأول من الجزء الأول ٢١٠ الرقم ٦٦٢ والكنى والأسماء للدولابي ج ٢ ص ١٤٠ والجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الرابع ص ٦١ ـ

٢٩٤

ايمانكم الآية الى ان قال ومن بلغ الحلم منكم فلا يلج على امه ولا على أخته ولا على بنته ولا على من سوى ذلك إلّا بإذن ولا يأذن لأحد حتّى يسلّم فان السّلام طاعة

__________________

 ـ الرقم ٢٧٦ وخلاصة تذهيب الكمال لصفى الدين أحمد بن عبد الله الخزرجي الأنصاري ص ٢٩٤ سرده من رجال البخاري ومسلم وأبى داود والنسائي.

وأما أبو قدامة في رجال الشيعة فيمكن أن يكون ذلك المذكور في رجال أهل السنة ويكون له كنية أخرى هي أبو نصر ولم يذكر الشيخ تلك الكنية له ويمكن أن يكون غيره ولعله لأجل ذلك أهمله الشيخ قدس‌سره.

ويؤيد ما ذكرنا من أن أبا نصر المذكور في رجال الشيعة غير المذكور في رجال أهل السنة أن أبا نصر المذكور في رجال الشيعة من نصر بن قعين بن الحرث بن ثعلبة بن دودان ابن أسد صرح بذلك النجاشي وأبو نصر المذكور في رجال أهل السنة من والبة كما تراه في المصادر التي سردناها ووالبة هو والبة بن الحرث بن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة.

يتضح ذلك بمراجعتك اللباب ج ٣ ص ٢٢٨ وص ٢٦٠ وجمهرة أنساب العرب ص ١٩٤ ونهاية الارب للقلقشندى ص ٣٩١ وص ٤٠٣ وسبائك الذهب ص ٦٠ وفيه ضبط ذوزان بالذال المعجمة والزاي مكان دودان وفي بقية المصادر دودان فوالبة على هذا يكون عم نصر بن قعين فلا يكاد يمكن أن يكون الوالبي الأسدي والنصري الأسدي واحدا.

والسادس من المحمدين أبناء قيس محمد بن قيس الأنصاري عده الشيخ في رجاله في أصحاب السجاد والامام الباقر وأهمله وسرده البرقي في رجال الامام الباقر من أصحاب السجاد وجزم ابن داود باتحاده مع أبي أحمد الأسدي المتقدم واحتمله في نقد الرجال وإتقان المقال.

والسابع محمد بن قيس الذي بينه وبين عبد الرحمن القصير قرابة الذي روى في حقه الكشي رواية عن الصادق عليه‌السلام واحتمل بعض كونه أبا أحمد الأسدي المتقدم لمكان ضعفه كما يستشم من كلام الامام وكون عبد الرحمن القصير اسديا واحتمل في إتقان المقال اتحاده مع كل المذكورين سوى البجلي فلعله لم ير لكلام الامام دلالة على ضعفه.

وفي أصحاب الرسول أيضا اثنان مهملان مسميان بمحمد بن قيس ليس هنا موضع التعرض لحالهما.

وعلى أى فقال صاحب المعالم في المنتقى على ما حكاه السيد بحر العلوم في الفوائد الرجالية أن محمد بن قيس متى كان راويا عن أبى جعفر فالظاهر أنه الثقة ان كان الناقل عنه عاصم بن حميد أو يوسف بن عقيل أو عبيد ابنه أو كان راويا عن أبى جعفر عن أمير المؤمنين ـ

٢٩٥

الرّحمن ونحوها من الاخبار.

__________________

 ـ عليه‌السلام وأما الراوي عن أبى عبد الله عليه‌السلام فيحتمل أن يكون حديثه من الصحيح أو الحسن انتهى ونقل مثله في منتهى المقال عن كتاب المشتركات عن بعض المحققين الذي ينبغي تحقيقه.

قلت ومن الصحيح أيضا ما كان الراوي عنه ابن أبى عمير على ما يستفاد من الفهرست وقال الشهيد الثاني في الدراية فيما إذا اتفقت أسماء الرواة وأسماء آبائهم فصاعدا واختلف أشخاصهم : وكاطلاقهم الرواية عن محمد بن قيس فإنه مشترك بين أربعة اثنان ثقتان وهما محمد ابن قيس الأسدي أبو نصر ومحمد بن قيس البجلي أبو عبد الله وكلاهما رويا عن الباقر والصادق عليهما‌السلام وواحد ممدوح من غير توثيق وهو محمد بن قيس الأسدي مولى بنى نصر ولم يذكروا عمن روى وواحد ضعيف وهو محمد بن قيس أبو أحمد روى عن الباقر عليه‌السلام خاصة.

وأمر الحجة بما يطلق فيه هذا الاسم مشكل والمشهور بين أصحابنا رد روايته حيث يطلق مطلقا نظرا الى احتمال كونه الضعيف ولكن الشيخ أبو جعفر الطوسي كثيرا ما يعمل بالرواية من غير التفات الى ذلك وهو سهل على ما علم من حاله وقد يوافقه على بعض الروايات بعض الأصحاب بزعم الشهرة.

والتحقيق في ذلك ان الرواية ان كانت عن الباقر عليه‌السلام فهي مردودة لاشتراكه حينئذ بين الثلاثة الذين أحدهم الضعيف واحتمال كونه الرابع حيث لم يذكروا طبقته وان كانت الرواية عن الصادق عليه‌السلام فالضعف منتف عنها لان الضعف لم يرو عن الصادق كما عرفت ولكنها محتملة لأن تكون من الصحيح ان كان هو احد الثقتين وهو الظاهر لأنهما وجهان من وجوه الرواة ولكل منهما أصل في الحديث بخلاف الممدوح خاصة.

ويحتمل على بعد أن يكون هو الممدوح فيكون الرواية من الحسن فيبني على قبول الحسن في ذلك المقام وعدمه فتنبه لذلك فإنه مما غفل عنه الجميع وردوا بسبب الغفلة عنه روايات وجعلوها ضعيفة والأمر فيها ليس كذلك انتهى كلامه رفع مقامه.

واعترض عليه غير واحد من علماء الفن كالتفرشى في نقد الرجال والشيخ أبو على في مقدمة منتهى المقال والبار فروشى في نتيجة المقال بأن الراوي عن الباقر إذا كان الراوي عنه أحد المذكورين من عل أو كان الراوي عن على فهو الثقة.

وحامي جانب الشهيد بعض فأجاب بأن مقصود الشهيد فيما انتفى القرائن كخصوص ـ

٢٩٦

__________________

 ـ الراوي أو وصفه أو كنيته ولا يخفى عليك أن إطلاق كلام الشهيد يأبى عن قبول هذه المحاماة.

واعترض عليه في مقدمة منتهى المقال وفي إتقان المقال اعتراضا آخر وهو ان ممن روى عن الصادق عليه‌السلام من هو مهمل فالرواية عن الصادق لا تعين الثقة.

قلت هذا الاعتراض مبنى على عدم اتحاد المهمل مع أحد الأربعة وكونه شخصا على حدة وقد عرفت من كلام الشهيد أنه يراهم أربعة ونقل في منتهى المقال عن جمع أنهم أربعة فلا يرد عليه الاعتراض على هذا المبنى نعم الاعتراض على أصل المبنى إذ قد عرفت أن المهمل الراوي عن الصادق هو أبو قدامة وهو غير الأربعة وعدم ثبوت الاتحاد يكفي في عدم تعين الثقة في الراوي عن الصادق.

وأيضا محمد بن قيس الذي بينه وبين عبد الرحمن القصير قرابة كان حيا في زمن الصادق فيمكن روايته عنه عليه‌السلام وقد عرفت احتمال كونه الضعيف عن غير واحد فإذا يمكن رواية الضعيف عن الصادق والاحتمال كاف في الحكم بضعف الحديث إذا لنتيجة تابعة لاخس المقدمتين.

فتلخص من جميع ما ذكرنا أن الرواية عن الباقر عليه‌السلام إذا كان الراوي أحد ممن ذكر أو كان الرواية عن على فهي صحيحة وغيرها ضعيفة مطلقا والله العالم بالصواب.

أنظر مجمع الرجال ج ٦ ص ٢٦ الى ص ٢٨ وقاموس الرجال ج ٨ ص ٣٥٠ الى ص ٣٥٥ ومنتهى المقال المقدمة الرابعة ص ٨ وص ٢٨٨ وص ٢٨٩ وتنقيح المقال ص ١٧٦ وص ١٧٧ ومنهج المقال ص ٣١٥ وص ٣١٦ ونقد الرجال ص ٣٢٩ وص ٣٣٠ ونخبة المقال ص ٥٦ وإتقان المقال القسم الثقات ص ١٢٩ وص ١٣٠ والقسم الحسان ص ٢٣٣ والقسم الضعاف ص ٣٥٩ وص ٣٦٠.

وجامع الرواة ج ٢ ص ١٨٥ وص ١٨٦ والفوائد الرجالية ج ٤ ص ١٣٨ الى ص ١٤٠ والدراية للشهيد ط إيران ص ١٦٢ الى ص ١٦٤ ورجال البرقي ص ١٠ ورجال ابن داود القسم الأول ص ٣٣١ من الرقم ١٤٥٤ الى الرقم ١٤٥٨ والقسم الثاني ٥٠٩ الرقم ٤٦١.

والخلاصة القسم الأول ص ١٣٨ الرقم ٦ وص ١٥٠ الرقم ٦٠ الى ص ٦٣ والقسم الثاني ص ١٥٤ الرقم ٣٧ ورجال الكشي ص ٢٨٩ الرقم ١٧٨ وص ٢٠٥ الرقم ١١٤ وص ٣٥٢ الرقم ٢٨٢ ورجال النجاشي ص ٢٤٦ وص ٢٤٧ ط المصطفوى والفهرست ص ١٥٧ الرقم ٥٩١ وص ١٧٤ الرقم ٦٤٤ ورجال الطوسي أصحاب السجاد ص ١٠١ الرقم ٨ وأصحاب الباقر ص ١٣٥ الرقم ٨ وأصحاب الصادق ص ٢٩٨ الرقم ٢٩٤ الى ٢٩٧ وأصحاب رسول الله ـ

٢٩٧

قال في الكشاف (١) وهذا عندهم كالشريعة المنسوخة وعن ابن عباس آية لا يؤمن بها أكثر النّاس آية الأذن وانّى لآمر جاريتي أن تستأذن علىّ وسأله رجل استأذن ـ على أختي قال نعم وإن كانت في حجرك تمونها وتلا هذه الآية.

وعن ابن مسعود عليكم ان تستأذنوا على آبائكم وأمّهاتكم وأخواتكم وفي أخبارنا قريب من ذلك أيضا.

قال القاضي (٢) واستدلّ به من أوجب استيذان البالغ على سيدته ولعلّ وجه الدلالة عموم اللّفظ.

ثمّ قال وجوابه أن المراد بهم المعهودون الّذين جعلوا قسيما للمماليك فلا يندرجون فيهم وحاصله أنّ المراد بهم الأحرار المقابلون للآية السّابقة في المماليك.

ويؤيّده ما في رواية جراح عن الصادق عليه‌السلام قال ليستأذن عليك خادمك إذا بلغ الحلم في ثلث عورات إذا دخل في شيء منهنّ ولو كان بيته في بيتك الحديث لظهور أنّ المراد بالخادم المملوك (كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) كرره تأكيدا ومبالغة في الأمر بالاستيذان.

الخامسة (وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ) وهي العجائز الّتي قعدن عن الحيض والحمل جمع قاعد لا قاعدة وذلك لشيئين إحداهما ان ذلك كالطّالق والحائض وما أشبههما من الصفات المختصّة بالمؤنث فلم يحتج إلى علامة التّأنيث فإن أردت الجلوس قلت قاعدة لأنّها تشارك

__________________

 ـ ص ٢٨ وص ٣٠ الرقم ٣٠ و ٤٧.

ثم البجلي بفتح الموحدة والجيم ان كان منسوبا إلى بجيلة حي من العرب منسوب الى ابن انمار أو بجيلة اسم أمهم من سعد العشيرة وبسكون الجيم ان كان منسوبا الى بجلة رهط من سليم يقال لهم بنو بجلة نسبوا إلى أمهم أنظر اللباب ج ١ ص ٩٨ وحميد في عاصم بن حميد على وزن حسين مصغرا صرح بذلك الساروى في توضيح الاشتباه ص ١٩١ الرقم ٨٨٢.

(١) الكشاف ج ٣ ص ٢٥٤.

(٢) البيضاوي ج ٣ ص ٢٣٩ ط مصطفى محمد.

٢٩٨

الرّجال في ذلك فاحتيج الى التمييز والثاني ان ذلك على معنى النسبة أي ذات قعود كما يقال نابل وذارع اى ذو نبل وذو ذرع لا تريد به تثبيت الفعل.

(اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً) لا يطمعن فيه لكبرهن (فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ) حرج أو أثم (أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ) اى الثّياب الظّاهرة كالملحفة والجلباب الّذي فوق الخمار وقرء ابن عبّاس ان يضعن جلابيبهنّ والجملة خبر المبتداء ، وصحّ دخول الفاء في الخبر لتضمّن المبتدأ معنى الشرط فانّ اللّام فيه بمعنى الموصول.

(غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ) غير قاصدات بوضع ثيابهنّ إظهار زينتهنّ الّتي أمر الله باخفائها في قوله (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ) بل مجرّد التخفيف عن أنفسهنّ فإظهار الزّينة في القواعد وغيرهن محظور.

وأصل التبرّج التكلّف في إظهار ما يجب إخفاؤه من قولهم سفينة بارج لا غطاء عليها والتبرّج سعة العين يرى بياضها محيطا بسوادها كلّه لا يغيب منه شيء إلّا انّه خصّ بتكشف المرأة زينتها ومحاسنها للرجال وقال الشيخ في التبيان التبرّج إظهار المرأة من محاسنها ما يجب عليها ستره.

(وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ) عن وضع الجلباب (خَيْرٌ لَهُنَّ) من الوضع لأنّه أبعد من التهمة لما فيه من زيادة التحفّظ في السّتر وذلك أنهنّ في الجملة مظنّة شهوة وفتنة وفي الكشاف : لما ذكر الجائز عقبه بالمستحبّ بعثا منه على اختيار أفضل الطّاعات وأحسنها كقوله تعالى (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) هذا.

ومقتضى ما ذكر انّ القواعد يباح لهن وضع الثّياب الظاهرة ويحرم إظهار مواضع الزّينة الخفيّة ولا يخفى انّ هذا لا يختصّ بالقواعد فانّ مقتضى ما سبق اعنى قوله ولا يبدين زينتهنّ إلّا ما ظهر منها جواز إظهار الزّينة الظاهرة للمؤمنات قاعدات وشابات والظاهر من سوق الآية انّ للقواعد أحكاما من النّساء يختص بها ولا تشارك غيرها.

قال الشيخ في التبيان : وانّما ذكر القواعد من النّساء لأنّ الشابة يلزمها من التستر أكثر ممّا يلزم العجوز ومع ذلك فلا يجوز ان تبدي عورة لغير محرم كالساق

٢٩٩

والشعر والذراع انتهى ، ومن هنا يزيد الإشكال في إجمال الآية السّابقة باعتبار ما يستثنى منها.

وحمل بعضهم هذه الآية على انّ القاعدات من النّساء مستثناة من الحكم السّابق الّذي هو وجوب التستر وتحريم كشف الزينة الباطنة ومواضعها المتقدمة فلا يحرم عليها كشف مواضع الزّينة الباطنة المحرم على غيرهما ولكن يشترط ان لا تبرج بزينة أي لا يقصد إظهارها.

وفيه نظر والاقدام عليه مشكل فانّ مثله يتوقّف على دليل واضح بعد ورود الأمر بالسّتر على الوجه السّابق مع أنّه يمكن أن يكون الفرق بين العجوز والشابة أن العجوز يباح لها وضع الثّياب الظاهرة وإبداء وجهها وكفيها بل قدميها ولا كذلك الشابة.

وينبه عليه باقي الأخبار المعتبرة الاسناد كصحيحة محمّد بن مسلم (١) عن أبى جعفر عليه‌السلام قال في قوله تعالى (وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً) ما الّذي يصلح لهنّ ان يضعن من ثيابهنّ؟ قال الجلباب.

وحسنة الحلبي عن ابى عبد الله عليه‌السلام انّه قرأ أن يضعن ثيابهنّ قال الخمار والجلباب قلت بين يدي من كان فقال بين يدي من كان غير متبرجة بزينة الحديث.

وحسنة محمّد بن أبي حمزة عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال القواعد من النّساء ليس عليهن جناح ان يضعن ثيابهنّ قال يضع الجلباب وحده.

وفي حسنة حريز عنه عليه‌السلام انّه قرأ أن يضعن من ثيابهنّ قال الجلباب والخمار

__________________

(١) الكافي ج ٢ ص ٦٥ باب القواعد من النساء الحديث ٣ وحسنة الحلبي الاتية بعيد ذلك بالرقم ١ منه وحسنة محمد بن أبي حمزة بالرقم ٢ منه وحسنة حريز بالرقم ٤ منه وكل تلك الأحاديث في المرات ج ٣ ص ٥١١ وفي نور الثقلين ج ٣ ص ٦٢٣ والوسائل الباب ١١٠ من أبواب مقدمات النكاح ج ٣ ص ٢٦ والوافي الجزء ١٢ ص ١٢٢.

وتعبير المصنف بالحسنة في الثلاثة الأخيرة بوجود إبراهيم بن هاشم في السند وقد عرفت غيره مرة صحة الحديث من اجله.

٣٠٠