مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام - ج ٣

جواد الكاظمي

مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام - ج ٣

المؤلف:

جواد الكاظمي


المحقق: محمّد الباقر البهبودي
الموضوع : الفقه
الناشر: المكتبة المرتضويّة لإحياء الآثار الجعفريّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٤٠

اليه من قوت يوم وليلة له ولعياله ونحوه من الأمور اللازمة له بين الناس باعتبار حاله وعلى هذا أصحابنا والشافعية ، وقالت الحنفية يجوز الصيام إذا كان عنده من المال ما لا يجب فيه معه الزكاة وهو بعيد.

(فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ) مبتدأ حذف خبره ، أو خبر مبتدأ محذوف ، تقديره فعليه أو فالواجب. وظاهر الآية الاجتزاء بالثلاثة على أي وجه صامها متفرقة أو متتابعة ، وبه أخذ مالك ، وهو ظاهر الشافعي فخير بين التتابع وعدمه ، وأصحابنا قيدوه بالتتابع (١) واجمعوا على عدم إجزائها متفرقة ، وفي أخبارهم دلالة على ذلك ، والى هذا يذهب أبو حنيفة مستدلا بقراءة متتابعات في الشواذ (٢). وفي الدلالة نظر ، إذ لا عبرة بالشاذ فإنه لم يثبت كتابا وسنة.

(ذلِكَ) إشارة الى جميع ما تقدم (كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ) أي إذا حلفتم وحنثتم ، لأن الكفارة لا تجب بنفس اليمين وانما تجب به وبالحنث بإجماعنا ، ومقتضى ذلك عدم اجزاء التكفير بعد اليمين قبل الحنث ، وهو قول أصحابنا إذ لا يتقدم المسبب على سببه [ولا الواجب على وقته ، فان التكفير عبادة وقتها الحنث لعدم وجوبها قبلها إجماعا] ، وتابعهم على ذلك أبو حنيفة ، وأجاز الشافعي تقديمها على الحنث بالمال فقط [كتعجيل الزكاة قبل تمام الحول] دون الصيام.

وقد يستدل عليه بظاهر الآية ، لإطلاق كونها كفارة عند الحلف من غير التقييد بالحنث ، وبقوله (٣) صلى‌الله‌عليه‌وآله «من حلف على يمين ورأى غيرها خيرا منها فليكفر عن يمينه وليأت الذي هو خير».

__________________

(١) انظر اخبار الوسائل الباب ١٢ الى الباب ١٥ من أبواب الكفارات ومستدرك الوسائل ج ٣ ص ٣٢ و ٣٣.

(٢) نقله في المجمع ج ٢ ص ٢٣٨ والكشاف ج ١ ص ٦٧٣ وفتح القدير ج ٢ ص ٦٨ عن ابن مسعود وأبى.

(٣) انظر المنتقى بشرح نيل الأوطار ج ٨ ص ٢٤٦ عن أحمد والنسائي ومسلم وابن ماجه وبألفاظ أخر أيضا.

١٦١

وقد عرفت تقييد الآية بالإجماع ، مع ان القاضي (١) ذكر ان الكفارة تذهب الإثم وتستر الذنب ، وذلك يقتضي كونها بعد الذنب كما في كفارة إفطار شهر رمضان وغيره ، فلا وجه لاختصاص هذه بالتقديم.

ولو سلمنا أن الآية ظاهرة في ذلك فأي وجه أوجب اختصاص التقديم بالمال دون ما عداه. ولو قيل : الوجه في ذلك ان الصوم من العبادات البدنية ، وهي لا تقدم على وقتها ما لم تمس إليه حاجة كالصلاة وصوم رمضان ، ولأنه تعالى أوجب التكفير بالصيام مع عدم الوجدان لا مطلقا. لقلنا : العبادات مطلقا مالية وبدنيّة لا تقدم على وقتها الا بدليل يدل على جواز التقديم ، وما ذكرتم لا دلالة فيه ، ولأنه إذا جاز تقديم كفارة المال مع وجدانه فليجز تقديم الصوم مع عدمه. على ان جعل الخبر دليلا على أن المراد بالآية ذلك لا وجه له ، كيف وهو مقيد بكون رؤية غيره خيرا منها والمراد أعم من ذلك كما هو الظاهر.

والذي عليه أصحابنا مخالف للحديث المذكور ، فإنهم يذهبون إلى أنه متى حلف على شيء ثم رأى غيره أولى منه انحل اليمين من غير كفارة ، وفي أخبارهم دلالة على ذلك ، روى زرارة (٢) في الحسن عن ابى جعفر عليه‌السلام قال : كل يمين حلف عليها أن لا يفعلها مما له منفعة في الدنيا والآخرة فلا كفارة عليه وانما الكفارة في أن يحلف الرجل والله لا أزني ولا اشرب والله لا أخون وأشباه هذا ثم فعل فعليه الكفارة.

وروى عبد الرحمن (٣) بن ابى عبد الله عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال : إذا حلف

__________________

(١) البيضاوي ج ٢ ص ١٦٦ وفي مقاييس اللغة ج ٥ ص ١٩١ ان الكاف والفاء والراء أصل صحيح يدل على معنى واحد وهو الستر والتغطية.

(٢) التهذيب ج ٨ ص ٢٩١ بالرقم ١٠٧٥ والاستبصار ج ٤ ص ٤١ بالرقم ١٤٢ والكافي ج ٢ ص ٣٧٠ باب اليمين التي يلزم صاحبها الكفارة الحديث ٨ وهو في المرات ج ٨ ص ٢٤١.

(٣) التهذيب ج ٨ ص ٢٨٩ بالرقم ١٠٦٩ وفي ص ٢٨٤ بالرقم ١٠٤٣ عن الكليني وهو في الكافي ج ٢ ص ٣٦٩ باب من حلف على يمين فرآى خيرا منه الحديث ١ وهو في المرآة ج ٤ ص ٢٤٠.

١٦٢

الرجل على شيء والذي حلف عليه إتيانه خير من تركه فليأت الذي هو خير ولا كفارة عليه ، وانما ذلك من خطوات الشيطان. ونحوهما من الاخبار المتظافرة في ذلك (١).

(وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ) من الحنث ولا تخالفوها ، والمراد الإيمان التي الحنث فيها معصية كمن حلف ان لا يشرب الخمر ، بخلاف ما لو حلف ليشربن فإنه لا يؤمر بالحفظ عن الحنث لانه اسم جنس فيجوز إطلاقه على البعض. وقيل معناه ضنوا بها ولا تبذلوها لكل أمر ، وهو بعيد عن ظاهر الآية ، ففي الآية دلالة على تحريم الحنث ومخالفة اليمين سواء كفر أم لا.

ومنه يظهر ضعف قول الشافعي بتجويزه هذه الكفارة ، لما تقدم من الخبر وضعفه من جهات ، فلا يخالف به ظاهر الآية ، ولأن اليمين اما ان ينعقد أو لا ينعقد ، فان كان الأول وجب حفظها بظاهر الآية وان كان الثاني فلا كفارة. الا أن يوجه قولهم بأنه مع الكفارة ينحل اليمين كما قاله أصحابنا فيما لو وجد غيره أولى ، وفيه ما فيه.

(كَذلِكَ) مثل ذلك البيان (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ) أعلام شرائعه واحكامه ، فمحل الكاف النصب على انه صفة لمصدر محذوف (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) نعمة التعليم ، أو سائر نعمه الواجب شكرها ، فان مثل هذا البيان يسهل لكم المخرج ويحصل لكم الخلاص.

الثالثة : (وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (البقرة ـ ٢٢٤).

(وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ) نزلت في عبد الله بن رواحة حين حلف ان لا يدخل على ختنه ولا يكلمه ولا يصلح بينه وبين امرأته ، فكان يقول : اني حلفت بهذا فلا يحل لي أن أفعله ، فنزلت.

والعرضة فعلة بمعنى المفعول كالقبضة يطلق لما يعرض دون الشيء فيصير مانعا منه ، ويطلق أيضا على المعرّض للأمر كما يقال المرأة عرضة النكاح والدابة المعدة

__________________

(١) انظر الوسائل الباب ١٨ و ٢٢ و ٢٣ من أبواب كتاب الايمان ج ٣ من ص ٢٢١ الى ٢٢٣ ط الأميري ومستدرك الوسائل ج ٣ ص ٥٢.

١٦٣

للسفر عرضة له. ومعنى الآية على الأول لا تجعلوا الله حاجزا لما حلفتم عليه من أنواع الخير ، فيكون قد أطلق الايمان وأراد الأمور المحلوف عليها ، كقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله «إذا حلفت على يمين» الحديث (١) ، سمي المحلوف عليه يمينا.

وقوله (أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ) عطف بيان للايمان بالمعنى المذكور ، واللام صلة عرضة لما فيها من معنى الاعراض ، والمعنى لا تجعلوا الله شيئا يعترض الأمور المحلوف عليها التي هي البر والتقوى والإصلاح بين الناس. ويجوز أن يكون للتعليل ، ويتعلق ان بالفعل أو بعرضة ، أي ولا تجعلوا الله عرضة أن تبروا لأجل ايمانكم به.

ومعنى الآية على الثاني ولا تجعلوه معرضا لأيمانكم فتبذلوه بكثرة الحلف به ، ومن ثم ذم تعالى الحلّاف بقوله (وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ) ، وأن تبروا علة النهي ، أي الغرض من النهي عنه ارادة بركم وتقواكم وإصلاحكم بين الناس ، فان الحلاف مجتر على الله ، والمجتري على الله لا يكون برا تقيا ولا موثوقا به في إصلاح ذات البين.

وكلا الوجهين موافق لما يذهب إليه أصحابنا ، أما الأول فلتظافر الاخبار (٢) عن الأئمة عليهم‌السلام ان المحلوف عليه إذا كان مرجوحا وكان غيره خيرا منه فإنه يأتي بذلك الغير ولا اثم عليه ولا كفارة ، وقد نقلنا جانبا من الاخبار ، وخالف هنا العامة فأوجبوا الكفارة في ذلك أيضا. وأما الثاني فلوروده عنهم عليهم‌السلام أيضا ، روى أبو أيوب الخزاز (٣) قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : لا تحلفوا بالله صادقين ولا كاذبين ، فإنه عزوجل يقول (وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ) ونحوها.

__________________

(١) مر مصادر الحديث قبيل ذلك ص ١٦١ من هذا الجزء.

(٢) مر قبيل ذلك ص ١٦٣.

(٣) روى أبو أيوب الخزاز قال سمعت أبا عبد الله يقول : لا تحلفوا بالله صادقين وكاذبين فإنه عزوجل يقول (لا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ) التهذيب ج ٨ ص ٢٨٢ بالرقم ١٠٣٣ والفقيه ج ٣ ص ٢٢٩ بالرقم ١٠٧٨ والكافي ج ٢ ص ٣٦٦ باب كراهة اليمين الحديث ١ وهو في المرات ج ٤ ص ٢٣٨ كتاب العتق.

١٦٤

(وَاللهُ سَمِيعٌ) لأقوالكم (عَلِيمٌ) بما في ضمائركم ، لا يخفى عليه من ذلك خافية فافعلوا ما يوجب المغفرة دون الإثم.

النوع الخامس عشر

(العتق)

وفيه آية واحدة ، وهي :

(وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ) (الأحزاب ـ ٣٧).

(وَإِذْ تَقُولُ) واذكر إذ تقول (لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ) بشرف الإسلام الذي هو أجل النعم وأعظمها (وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ) بالعتق والخلاص من الرق واختصاصه بك وهو زيد بن حارثة لما أسره النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في بعض الغزوات فأعتقه بعد أن ملكه بالأسر وجعله ابنا له ، ففي الآية على مشروعية تملك الإنسان وعتقه ، بل رجحان العتق وكون المعتق منعما ، فإنه سبب لإيجاد العتق لنفسه وذلك أصل النعم ، وهذا المقدار كاف في بيان مشروعية العتق ، وسيجيء تمام الآية.

[وربما استدل بعض أصحابنا بقوله (وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ) الآية ، على اشتراط الإسلام في المملوك المعتق وعدم جواز عتق المملوك الكافر. وجه الاستدلال انه تعالى نهى عن قصد الخبيث بالإنفاق ، والكافر خبيث والأصل في النهي التحريم وهو يقتضي الفساد في العبادة. وربما يؤيد ذلك بعض الاخبار الدالة على عدم جواز عتق المسلم المملوك المشرك.

وفيه نظر ، فإن الآية إنما دلت على النهي عن إنفاق الخبيث ، وهو الرديء من المال يعطاه الفقير على ما سلف بيانه ، وذلك لا يستلزم تحريم عتق الكافر بوجه ، لأن إنفاقه لكونه ذا اعتقاد خبيث ، بل ربما كانت ماليته خيرا من مالية العبد المسلم ، وعلى هذا الوجه لا يكون خبيثا.

سلمنا ان الخبيث يتناول الكافر لكن لا نسلم عموم النهي في كل إنفاق بل في الصدقة الواجبة ، والا لما جاز التصدق بالرديء في المندوب وهو باطل بالإجماع. والاخبار

١٦٥

الواردة بالمنع (١) ضعيفة السند لا يتولّى افادة التحريم. وربما عارضها (٢) ما روي أن عليا عليه‌السلام أعتق عبدا نصرانيّا فأسلم حين أعتقه.

وفصل بعض أصحابنا فحكم بجواز عتق المملوك الكافر مع النذر وعدمه مع التبرع ، جمعا بين ما دل على المنع وما دل على الجواز كالخبر الوارد في فعل علي عليه‌السلام بحمل ذلك على انه عليه‌السلام كان قد نذر عتقه ، لئلا ينافي النهي عن عتقه. وهو جمع بعيد ، والحمل عليه من غير دلالة صحيحة صريحة أبعد. وتمام الكلام يطلب من محله].

ولنذكر آية الكتابة ، وهي (وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ) يطلبون المكاتبة ، والكتاب والمكاتبة كالعتاب والمعاتبة ، والتركيب يدلّ على الضمّ والجمع ، لما فيه من ضم النجوم بعضها الى بعض. [ويحتمل إطلاق المكاتبة على هذا الفعل باعتبار أنه يوثق بالكتابة من حيث التأجيل والتنجيم ، وما يدخله الأجل تدخله الكتابة لقوله تعالى (إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ)] وهو أن يقول الرجل لمملوكه «كاتبتك على ألف درهم تؤديها في نجوم معلومة» فإذا أداها عتق.

ومعناها كتبت لك على نفسي أن تعتق منى إذا وفيت لي المال وكتبت على نفسك أن تفي بذلك ، أو كتبت عليك الوفاء بالمال وكتبت عليّ العتق ، فلو أدى المال في النجوم التي سماها عتق ، وان عجز عن أدائه كان لمولاه رده في الرق ان كانت الكتابة مشروطة وإلا عتق منه بحسابه وبقي مملوكا بحساب ما بقي ان كانت مطلقة.

وقد يستدل بظاهر الآية على اشتراط التكليف في العبد ، كما هو مذهب أصحابنا والشافعية ، فإن قوله (يَبْتَغُونَ) دال على الطلب وغير المكلف لا يتصور منه الطلب [لعدم القصد ،] وجوّز أبو حنيفة كتابة الصبي ، قال ويقبل عنه الولي ،] وهو ضعيف بما قلناه.

__________________

(١) روى حديث المنع في التهذيب ج ٨ ص ٢١٨ بالرقم ٧٨٢ والاستبصار ج ٤ ص ٢ بالرقم ١ والفقيه ج ٣ ص ٨٥ بالرقم ٣١٠ وفي طريق الحديث على بن أبي حمزة وحاله معلوم.

(٢) التهذيب ج ٨ ص ٢١٩ بالرقم ٧٨٣ والاستبصار ص ٢ بالرقم ٢ والكافي ج ٢ ص ١٣٤ باب عتق ولد الزنا والذمي والمشرك والمستضعف الحديث ١ وهو في المرات ج ٤ ص ٣٧.

١٦٦

(مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) عبدا كان أو أمة ، وهو بيان لما تقدم ، (وَالَّذِينَ) مع صلته مبتدأ خبره (فَكاتِبُوهُمْ) ودخلت الفاء لتضمن معنى الشرط ، ويجوز أن يكون منصوبا بفعل مضمر هذا تفسيره.

والأكثر من العلماء على أن الأمر للندب ، ونقل في المجمع انه للوجوب عن جماعة قليلة من العامة إذا طلبه العبد بقيمته أو بأكثر وعلم السيد فيه خيرا ، ولو كان بدون قيمته لم يلزم. وربما احتجوا عليه بما روي أن عمر أمر إنسانا بأن يكاتب سيرين أبا محمّد بن سيرين فأبى فضربه بالدرّة ، فلم ينكر احد من الصحابة عليه (١).

ولا يخفى ضعف هذا القول للأصل ، ولعموم قوله (٢) «لا يحل مال امرئ مسلم الا من طيب قلبه» ، ولأن طلب الكتابة كطلب بيعه ممّن يعتقه في الكفارة ، ولا قائل هناك بالوجوب فلا يجب هنا. وهذه طريقة المعاوضة أجمع [ولئلا يبطل اثر الملك].

وإطلاق الآية يقتضي جوازها حالّة ومؤجلة ، واليه ذهب جماعة من الأصحاب ووافقهم الحنفية ، واعتبر آخرون في صحتها كونها مؤجلة وهو قول الشافعية نظرا الى ان ما يقع عليه الكتابة غير حاصل حالة العقد لعجزه عن العوض حينئذ ، وانما يكون متوقعا حصوله بالكسب وهو غير معلوم الوقت ، فان ما في يد العبد لمولاه فلا تصح المعاملة عليه ، وحينئذ فلا بد من ضرب الأجل تحفظا من الجهالة ، [ولأن السلف من عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يعقدوا الكتابة الا على عوض مؤجل ، وهو كالإجماع على تعين الأجل منها].

وضعفه ظاهر ، إذ لا يلزم من كون ما في يده لمولاه قبل الكتابة عدم جواز كونها حاله ، إذ يجوز أن يحصل له من تملكه مال الكتابة بعد وقوعها ، ولأنهم اتفقوا على أنه يجوز العتق على مال في الحال ، وظاهر أن الكتابة مثله [والإجماع على ذلك ممنوع ، ونقل افراد خاصة لا يوجب كون جميع ما وقع كذلك ، سلمنا لكن لا يلزم البطلان في المتنازع فيه ، إذ نهاية ذلك عدم استعمالهم فيه ، وهو غير البطلان].

__________________

(١) المنتقى بشرح نيل الأوطار ج ٦ س ١٠١ أخرجه عن البخاري.

(٢) مر مصادر الحديث قبلا واللفظ هناك عن طيب نفسه.

١٦٧

وعلى اعتبار الأجل فلا بد من ضبطه بما لا يحتمل الزيادة والنقصان لأجل النسيئة ولا فرق عندنا بين كونها معلقة على أجل واحد أو أكثر ، لحصول الغرض بكل منهما ، ولإطلاق الآية الصادق على كل منهما ، وحتم الشافعية تعدد الأجل ، وهو بعيد ولا فرق بين كون المال قليلا أو كثيرا عينا أو منفعة.

وظاهر الآية أن غير المكلف لا يصح منه الكتابة ، لأن قوله «كاتبوهم» خطاب فلا يتناول الا المكلف ، والى هذا يذهب أصحابنا والشافعية ، وجوّز أبو حنيفة ان يكاتب الصبيّ بإذن الولي ، والآية حجة عليه.

(إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً) دينا وأمانة ، وهو اختيار السيد المرتضى ، أو كسبا وامانة وهو اختيار الشيخ ، وقريب منه قول بعضهم انه الديانة والمال. وقد فسر الخير بهما لإطلاقه على الأول في مثل قوله تعالى (وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ) ، (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ) الآية [فإن المراد بالخير فيها العمل الصالح وهو الدين] وعلى الثاني في مثل قوله تعالى (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ) و (إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ) ، فالحمل عليهما أولى بناء على جواز حمل المشترك على كلا معنييه اما مطلقا أو مع القرينة ، وهي موجودة هنا كصحيحة الحلبي (١) عن الصادق عليه‌السلام في قول الله عزوجل (إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً). فقال : ان علمتم فيهم دينا ومالا.

ولكن قد روى الكليني (٢) صحيحا عنه عليه‌السلام في الآية قال : ان علمتم فيهم مالا ، بغير ذكر الدين. ويمكن أن يجاب عنه بأن المثبت مقدم ، وبأنها زيادة من العدل وهي مقبولة كما ثبت في محله.

__________________

(١) التهذيب ج ٨ ص ٢٧٠ بالرقم ٩٨٤ والكافي ج ٢ ص ١٣٦ باب المكاتب الحديث ١٠ وهو في المرات ج ٤ ص ٣٩.

(٢) الكافي ج ٢ ص ١٣٦ باب المكاتب الحديث ٩ وهو في المرات ج ٤ ص ٣٩ ورواه في التهذيب أيضا بسند أخر مع تفاوت ج ٨ ص ٢٦٨ بالرقم ٩٧٥ وبسند غير ما في التهذيب وغير ما في الكافي في الفقيه ج ٣ ص ٧٣ بالرقم ٢٥٦ وقد حكم المصنف بصحة حديث الكافي وفي طريقه إبراهيم بن هاشم وقد عرفت غير مرة انه كذلك وان حكم المجلسي فيه بالحسن.

١٦٨

واحتج السيد على قوله بأنّه ليس المراد بالخير المال ولا حسن التكسب ، فإنه لا يسمى الكافر والمرتد إذا كانا موسرين بأن فيهما خيرا ويسمى ذو الايمان خيرا وان لم يكن موسرا فالحمل عليه أولى. ودفعه ظاهر مما ذكرناه.

ومقتضى المفهوم عدم استحباب الكتابة أو عدم وجوبها مع عدم الخير ، ولا يلزم من عدمه عدم الجواز ، [إذ لا يلزم من توقف الأمر بها على شرط توقف إباحتها عليه] فيجوز كتابة العبد الكافر ، وهو الظاهر من أكثر الأصحاب ، وقد يظهر من بعضهم المنع [لما سيذكر من الإيتاء فإن المراد به الزكاة أو الصلة ، والكافر لا يستحق شيئا ، منها : أما الزكاة فظاهر ، واما الصلة فهي موادة له وهي منهيّ منها بقوله (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ) الآية].

وفيه نظر [فإن الإيتاء من مال الزكاة الواجبة مشروط بالعجز المقتضى للاستحقاق فهو راجع الى اشتراط استحقاقه فلما منع وخصّص بالمحتاج لدليل جاز أن يخص بالمسلم ، للدليل الدال على عدم جواز دفع الزكاة إلى الكافر. وأما استلزام إعانته الموادة فممنوع ، إذ الظاهر من المنع عن موادته من حيث كونه محاد الله لا مطلقا ، والمحرم موادتهم على وجه اللطف ، وهو غير ظاهر].

(وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللهِ الَّذِي آتاكُمْ) الظاهر أنه أمر للموالي كما قبله ، لكون الخطاب معهم بأن يبذلوا شيئا من أموالهم ، وفي معناه حط شيء من مال الكتابة عنهم والأكثر على انه غير مقدر بقدر بل يحصل الامتثال بأقل متمول ، وبعضهم قدره بالربع وقيل بالسبع ، وهما بعيدان.

وظاهر الشيخ في المبسوط أنه واجب ، نظرا الى ظاهر الأمر ، ونقل عن جماعة من أصحابنا استحبابه ، وأطلق الشافعية وجوبه والحنفية استحبابه كما في هذين القولين.

وقال الشيخ في الخلاف : إذا كاتب عبده وكان السيد يجب عليه الزكاة وجب ان يعطيه شيئا من زكاته يحتسب به من مال مكاتبته ، وان لم يكن ممن وجب عليه الزكاة كان ذلك مستحبا غير واجب ، ونقل عن الشافعية الوجوب مطلقا ، وعن الحنفية الاستحباب مطلقا ، ودفع الوجوب على تقدير عدم وجوب الزكاة عليه بأصالة عدم

١٦٩

براءة الذمة ، وإيجاب شيء يحتاج الى دليل.

ثم قال : وقوله تعالى (وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللهِ) نحمله على من يجب عليه الزكاة أو على وجه الاستحباب ولو كان الإيتاء واجبا لعتق إذا بقي عليه من مكاتبته درهم لأنه يستحق على سيده هذا القدر ، فلما لم يعتق دل على انه ليس بواجب. ولا يخفى ما فيه من منع الملازمة.

ثم قال : ويجوز أن يكون قوله (وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللهِ) متوجها إلى غير سيد المكاتب ممن يجب عليه الزكاة ، ألا ترى الى قوله (مِنْ مالِ اللهِ الَّذِي آتاكُمْ) تنبيها على ما يجب فيه الزكاة وعلى المسئلة إجماع الفرقة وأخبارهم. والى التفصيل المذكور ذهب ابن إدريس لكنه قيد الإيتاء بكونه مكاتبا مطلقا عاجزا لا مشروطا.

ويمكن ان يقال : ظاهر الأمر الوجوب ، والعدول عنه يحتاج الى دليل ، والإجماع الذي ذكره غير معلوم ، لكن يبقى احتمال كون الخطاب متوجها الى غير السيد كما قاله في الخلاف انه أمر للمسلمين؟؟؟ على وجه الوجوب بإعانة المكاتبين وإعطائهم سهمهم الذي جعل الله من بيت المال [إذ مع الاحتمال المذكور لا يتم الوجوب على السيد. قيل] ولا بعد في كون المخاطب في أحد المعطوفين غير الآخر ، ولا في كون أحد الأمرين للاستحباب والآخر للإيجاب. وفيه ما فيه ، والاحتياط هنا لا ينبغي تركه.

والسهم الذي يأخذه المكاتب له صدقة ولسيده عوض ، كما قاله صلى‌الله‌عليه‌وآله في حديث بريرة «هو لها صدقة ولنا هدية».

ومقتضى الآية انّ وقت الإيتاء حال كونهم مكاتبين ، اي ما بين الكتابة والعتق ، وهو كذلك. ولو مات السيد قبل الإيتاء أخذ من تركته كالدين ، وبه قطع الشهيد في الدروس.

١٧٠

كتاب النكاح

والبحث فيه يتنوع أنواعا.

النوع الأول

في مشروعيته واقسامه وغير ذلك

وفيه آيات :

الاولى : (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ) (النور ـ ٣٢).

(وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ) جمع أيّم على وزن فعيل ، وأصله ايايم جعلت الياء موضع الميم وبالعكس كاليتامى ، وهو في المرأة من لا زوج لها بكرا أو ثيبا ، وفي الرجل من لا امرأة له ، والخطاب للأولياء ، والمعنى زوجوا أيها المؤمنون من لا زوج له من أحرار رجالكم ونسائكم. وفي المجمع (١) : احد مفعولي أنكحوا محذوف ، والتقدير أنكحوا رجالكم الأيامى من نسائكم أو نساءكم الأيامى من رجالكم.

(وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ) من غلمانكم وجواريكم ، وقرئ من عبيدكم ولعل تخصيص الصالحين لشدة الاهتمام بشأنهم ، ولأن إحصان دينهم أهم. وقيل المراد الصالحون للنكاح والقيام بحقوقه.

ثم انه تعالى أكد الأمر بالنكاح بقوله (إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ) معناه على ما قاله الشيخ في التبيان (٢) لا تمتنعوا من إنكاح المرأة و

__________________

(١) المجمع ج ٤ ص ١٣٩.

(٢) التبيان ج ٢ ص ٣٣٦ ط إيران.

١٧١

الرجل إذا كانا صالحين لأجل فقرهما وقلة ذات أيديهما ، فإنهم وان كانوا كذلك فان الله يغنيهم من فضله فإنه تعالى واسع المقدور كثير الفضل عليهم بأحوالهم وبما يصلحهم ، فهو يعطيهم على قدر ذلك. ثم قال : وقال قوم معناه ان يكونوا فقراء الى النكاح يغنهم الله بذلك عن الحرام ـ انتهى.

ولا شك أن الظاهر الأول ، وفيه إشارة الى أن في فضل الله غنية لهم عن المال ، إذ هو غاد ورائح وفضل الله ثابت لا يزول. وقيل ان الكلام وعد بالاغناء مع النكاح لقوله (١) صلى‌الله‌عليه‌وآله «اطلبوا الغنى في هذه الآية». ويؤيده ما رواه الكليني (٢) عن عاصم بن حميد قال : كنت عند ابى عبد الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأتاه رجل فشكا إليه الحاجة فأمره بالتزويج وذكر الآية ـ الحديث. والاخبار في ذلك كثيرة (٣).

وجعل في الكشاف (٤) ذلك مشروطا بمشيئة الله تعالى حيث قال : ينبغي أن يكون شريطة الله غير منسيّة في هذا الوعد ونظائره وهي مشيئته ، ولا يشاء الحكيم الا ما اقتضته الحكمة وما كان فيه المصلحة ونحوه (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ).

وقد جاءت الشريطة منصوصة في قوله (وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ) والمطلق محمول على المقيد ، ومن لم ينس هذه الشريطة لم ينتصب

__________________

(١) رواه في الطبري ج ١٨ ص ١٢٦ عن ابن مسعود موقوفا ورواه عن الطبري ابن كثير ج ٣ ص ٢٨٦ وفي الدر المنثور ج ٥ ص ٤٥.

(٢) الكافي ج ٢ ص ٥ باب ان التزويج يزيد في الرزق الحديث ٦ وهو في المرات ج ٣ ص والحديث طويل أخذ المصنف موضع الحاجة وهو في الوسائل الباب ١١ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ٥ ج ٣ ص ٥ ط الأميري.

(٣) انظر الوسائل ج ٣ ص ٥ ومستدرك الوسائل ج ٢ ص ٥٣٤ ونور الثقلين ج ٣ ص ٥٩٥ الى ٦٠٠ والبرهان ج ٣ ص ١٣٢ والدر المنثور ج ٥ ص ٤٤ و ٤٥ والطبري ج ١٨ ص ١٢٦ وابن كثير ج ٣ ص ٢٨٦.

(٤) الكشاف ج ٣ ص ٢٣٥ وأطال الكلام في رد الزمخشري أحمد بن المنير الاسكندرى في الانتصاف المطبوع ذيل الكشاف لكنه أرعد وأبرق ولم يأت بشيء.

١٧٢

معترضا بعزب كان غنيا فأفقره النكاح وبفاسق تاب واتقى الله وكان له شيء ففني وأصبح مسكينا ، وعن النبي (١) صلى‌الله‌عليه‌وآله «التمسوا الرزق بالنكاح» وشكى اليه رجل الحاجة فقال «عليك بالباه» ـ انتهى.

قلت : ولعل مثل هذه الشريطة جارية في إجابة الدعاء كما قال تعالى (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) ، فلا يرد الشبهة بعدم الاستجابة في كثير من الناس.

وفي الآية دلالة على الأمر بالنكاح كما يشعر به أمر الأولياء بانكاح إمائهم. وفي الكشاف هذه الأمر للندب لما علم من ان النكاح أمر مندوب اليه ، وقد يكون للوجوب في حق الأولياء عند طلب المرأة ذلك وكان الخاطب كفوا. ثم قال ومما يدل على كونه مندوبا اليه قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله «من أحب فطرتي فليستن بسنتي وهي النكاح (٢)» وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله «من كان له ما يتزوج به ولم يتزوج فليس منا» (٣) وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله «إذا تزوج أحدكم عج شيطانه يا ويله عصم ابن آدم منّى ثلثي دينه (٤)» والأحاديث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كثيرة.

قلت : لا يخفى أن ظاهر هذه الأحاديث الوجوب (٥) الا أن يدعى الإجماع على

__________________

(١) رواه أبو الفتوح في ج ٨ ص ٢١٣ وعنه في المستدرك ج ٢ ص ٥٣٤ وأخرجه في الكشاف ج ٣ ص ٢٣٦ واللفظ التمسوا قال ابن حجر أخرجه الثعلبي وفيه أيضا حديث أخر عن ابن مردويه عن عائشة مرفوعا تزوجوا النساء فإنهن يأتين بالمال.

(٢) رواه في المجمع ج ٤ ص ١٤٠ وأبو الفتوح ج ٨ ص ٢٠٩ والمستدرك عن الجعفريات وأخرجه في الكشاف ج ٣ ص ٢٣٤ قال ابن حجر أخرجه عبد الرزاق وأبو يعلى.

(٣) الكشاف ج ٣ ص ٢٣٤ قال ابن حجر أخرجه أبو داود واحمد بلفظ من كان موسرا لان ينكح فلم ينكح فليس منا وأخرجه الثعلبي بلفظ المصنف قلت وأخرجه بلفظ من كان موسرا البيهقي أيضا ج ٧ ص ٧٨.

(٤) رواه أبو الفتوح ج ٨ ص ٢٠٩ وقريب منه في المستدرك عن دعائم الإسلام ج ٢ ص ٥٣٠ وأخرجه في الكشاف ج ٣ ص ٢٣٤ قال ابن حجر أخرجه أبو يعلى والطبراني في الأوسط والثعلبي ، قوله عج شيطانه أي صاح.

(٥) كيف والتعبير بليس منا انما هو للوجوب كقوله من غشنا فليس منا ومن شهر السلاح في فتنة فليس منا وغيرهما.

١٧٣

حملها على الاستحباب. وفيه ان ذلك كاف من أول الأمر ، وقد يقال ظاهر الأول الاستحباب وهو كاف في حمل باقي الأدلة عليه. وقد يدل على الاستحباب قوله تعالى (ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ) والواجب لا يكون بهذه المثابة.

ثم قال : وربما كان واجب الترك إذا أدى الى معصية ومفسدة ، وعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله «إذا أتى على أمتي مائة وثمانون سنة فقد حلت لهم العزبة والعزلة والترهب على رؤس الجبال (١)» وفي الحديث «يأتي على الناس زمان لا تنال فيه المعيشة الا بالمعصية فإذا كان ذلك الزمان حلت العزوبة» (٢) ـ انتهى. وفيه دلالة على أنّ ما يتوقّف عليه الحرام حرام كما أن ما يتوقف عليه الواجب واجب ولبعض العلماء في ذلك نزاع.

وقد يستدل بظاهرها على أن العبد والأمة لا يستبدان بالنكاح من دون اذن المولى ، إذ لو استبدا لما أمر المولى بانكاحهما ، بل ظاهرها يعطي استقلال الأولياء والآباء في النكاح وان كانت المولى عليها بالغة ، ومن هنا ذهب الشافعي إلى جواز تزويج البكر البالغة بدون رضاها لعموم الآية. ورد بأن الأيامى شامل للرجال والنساء ،

__________________

(١) رواه مرسلا أبو الفتوح باللفظ الفارسي ج ٨ ص ٢١٠ وأخرجه في الكشاف ج ٣ ص ٢٣٥ قال ابن حجر أخرجه البيهقي والثعلبي من حديث ابن مسعود وفي إسناده سليمان بن عيسى الخراساني وهو كذاب وأخرجه الذهبي في ميزان الاعتدال ج ٢ ص ٢١٨ الرقم ٣٤٩٦ ترجمة سليمان بن عيسى ابن نجيح السجزي وابن حجر في اللسان ج ٣ ص ٩٩ الرقم ٣٣٣ واللفظ فيهما إذا أتت على أمتي ثلاث مأة وثمانون سنه.

وأصل الحديث موضوع فان سليمان بن عيسى راويه هالك خبيث كذاب وضاع للحديث ترى ترجمته في الميزان واللسان الموضع المتقدم والجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الثاني ص ١٣٤ الرقم ٥٨٦ وتنزيه الشريعة عن الاخبار الشنيعة ج ١ ص ٦٥.

وقريب منه في المضمون حديث أخر أيضا موضوع : لأن يربي أحدكم بعد ستين ومائة جر وكلب خير له من ان يربى ولدا لصلبه ، صرح بوضع الحديث السيوطي في اللآلي المصنوعة ج ٢ ص ١٧٨ والكناني في تنزيه الشريعة ج ٢ ص ٢١١.

(٢) الكشاف ج ٢ ص ٢٣٥ قال ابن حجر وفي إسناده محمد بن يونس الكديمي وهو ضعيف.

١٧٤

وحين لزم في الرجال تزويجهم بإذنهم فكذا في النساء ، ويؤيده قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : البكر تستأمر في نفسها واذنها صمتها (١).

وأجيب بأن في تخصيص القرآن بخبر الواحد نزاعا ، مع أن الأيّم من الرجال يتولى أمر نفسه فلا يجب على الولي تعهده بخلاف المرأة فإن احتياجها الى ما يصلح أمرها أظهر. [على أن لفظ «الأيامى» وان كان تناول الرجال والنساء لكنه إذا أطلق لم يتناول الا النساء وتناوله للرجال انما هو مع القيد].

والحق أن هنا اخبارا معتبرة الإسناد دلت على اعتبار رضا البكر في النكاح ، وكون القرآن لا يخص بخبر الواحد ضعيف فلا يبنى عليه حكم ، ومن ثم ذهبت الحنفية إلى اعتبار رضاها ، وهو قول كثير من أصحابنا.

هذا في البكر ، أما الأيم الثيب فقد أجمعوا على أنها لو أبت التزويج لم يكن للولي إجبارها عليه [الا ما يروى عن الحسن بن أبي عقيل ، فإنه ذهب الى بقاء الولاية عليها ، وهو شاذ].

وقد يظهر من الآية عدم اعتبار اليسار في صحة النكاح وان الإسلام كاف ، واليه ذهب بعض أصحابنا ، ويؤيده (٢) عموم قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله المؤمنون بعضهم أكفاء بعض ، وقول

__________________

(١) انظر سنن البيهقي ج ٧ ص ١٢٢ و ١٢٣ ونيل الأوطار ج ٦ ص ١٢٩ و ١٣٠ والاستيمار طلب الأمر وفي بعض ألفاظ الحديث مستأذن وانظر أيضا الوسائل ج ٣ ص ٣٤ الى ٣٧ ط الأميري ومستدرك الوسائل ج ٢ ص ٥٦٣ و ٥٦٤.

(٢) رواه في الفقيه ج ٣ ص ٢٤٩ بالرقم ١١٨٥ عن الصادق وفي الكافي باب ما يستحب من تزويج النساء عند بلوغهن ذيل الحديث ٢ ج ٢ ص ٧ عن النبي (ص) المؤمنون بعضهم أكفاء بعض وهو في المرات ج ٣ ص ٤٤٦ ورواه في التهذيب ج ٧ ص ٣٩٧ بالرقم ١٥٨٨ الا ان اللفظ فيه المؤمنون بعضهم أكفاء بعض مرة وفي الكافي مرتين وهو في الوسائل الباب ٢٣ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ٢ ج ٣ ص ٨ ط الأميري وفي الوافي ج ١ ص ١٧.

وفي أحاديث أهل السنة العرب بعضها أكفاء بعض انظر سنن البيهقي ج ٧ ص ١٣٤ و ١٣٥ ومنتخب كنز العمال المطبوع بهامش المسند ج ٦ ص ٣٩٩ ونيل الأوطار ج ٦ ص ١٣٨.

١٧٥

أبى جعفر عليه‌السلام قال (١) قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله «إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوّجوه (إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ) ولم يذكر اليسار.

وذهب بعضهم الى أن اليسار معتبر في الكفاءة [لأن إعسار الرجل مضر بالمرأة جدا] وظاهر هؤلاء عدم صحة العقد بدونه للزوم التضرر ببقائها معه كذلك ، ولما رواه (٢) محمّد بن الفضل الهاشمي عن الصادق عليه‌السلام قال «الكفؤ أن يكون غنيا وعنده يسار». وحمل الأكثر هذا الخبر على الأولوية لأنه لا يصلح بدونه لا على انه يعتبر.

وجمع آخرون بين القولين فجعلوا للزوجة الخيار إذا لم يكن موسرا وجهلت بذلك ، بمعنى أن العقد صحيح لكنه تخير بخيارها لما في البقاء معه كذلك من الضرر المنفي [فلها الفسخ كما يفسخ لو كان في الزوج أحد العيوب المجوزة له] وقد اتفق الجميع على انها إذا كانت عالمة بفقره لزم العقد.

واحتج العلامة على الصحّة بأن المرأة لو تزوّجت ابتداء بفقير عالمة بفقره صح نكاحها إجماعا ، ولو كان اليسار معتبرا لم يصح ، وإذا صح مع العلم وجب أن يصح مع الجهل لوجود المقتضى السالم عن معارضة كون الفقر مانعا. نعم أثبت لها الخيار دفعا للضرر عنها ورفعا للمشقة اللاحقة بسبب احتياجها إلى مؤنة يعجز عنها لفقره ولا

__________________

(١) انظر التهذيب ج ٧ ص ٣٩٦ الأحاديث بالرقم ١٥٨٤ و ١٥٨٥ و ١٥٨٦ والكافي ج ٢ ص ١١ والمرات ج ٣ ص ٤٤٩ والفقيه ج ٣ ص ٢٤٨ الرقم ١١٨١ وانظر الوسائل الباب ٢٨ من أبواب مقدمات النكاح ج ٣ ص ١٠ ط الأميري والوافي الجزء ١٢ ص ١٧ ومستدرك الوسائل ج ٢ ص ٥٣٧.

وروى مثله عن النبي (ص) من أهل السنة الترمذي وقال هذا حديث حسن غريب انظر تحفة الاحوذى ج ٢ ص ١٦٩ ونيل الأوطار ج ٦ ص ١٣٦ ومنتخب كنز العمال بهامش المسند ج ٦ ص ٣٩٩ وعليه رمز ت ه ك عد ن هق.

(٢) التهذيب ج ٧ ص ٣٩٤ بالرقم ١٥٧٩ ورواه بسند آخر في الكافي ج ٢ ص ١١ باب الكفو والفقيه ج ٣ ص ٢٤٩ الرقم ١١٨٦ وحديث الكافي في المرات ج ٣ ص ٤٥٠.

١٧٦

يمكنها التزويج بغيره ، فلو لم يجعل لها الخيار كان ذلك ضررا عليها ، وهو منفي إجماعا.

وهذا القول غير بعيد ، وإن كان القول بعدم اعتباره رأسا لا يخلو من قوة. [فإن عدم اعتبار اليسار لا يوجب الخيار ، وانما يوجبه اعتباره].

ولعل عدم احتجاج بعض أصحابنا بالآية على ذلك لما عرفت من احتمال الوجهين ، وفيه ما مر فتأمل.

وقال آخرون : اليسار شرط في وجوب الإجابة منها أو من وليها ، لأن الصبر على الفقر ضرر عظيم فينبغي جبره بعدم وجوب اجابته وان جازت الإجابة أو رجحت مع تمام خلقه وكمال دينه ، فإن ملاحظة المال مع تمام الدين ليس نظر ذوي الهمم العالية [فهو شرط في الوجوب لا في الجواز. وهذا القول هو الأصح].

[واعلم أن المعتبر في اليسار كونه مالكا للنفقة بالفعل أو بالقوة القريبة منه بأن يكون قادرا على تحصيلها بتجارة أو حرفة ونحوها ، أما اليسار بالمهر فليس بشرط عندنا إجماعا].

هذا ، واستدل الشيخ بظاهر الآية على أن المملوك يملك ، فان الظاهر أن الشرط والجزاء عائد إلى الجميع لا إلى الأحرار فقط ، وإذا صح غناهم صح تملكهم. وأجاب بجواز أن يكون المراد غناهم بالعتق ، وفيه بعد. ويمكن الجواب بأنه يجوز أن يكون غناهم وفقرهم باعتبار مواليهم وإذنهم في التصرف في أموالهم ـ فتأمل فيه.

الثانية : (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) (النور ـ ٣٣).

(وَلْيَسْتَعْفِفِ) وليجتهد في العفة وقمع الشهوة ولا يدخل في الفاحشة ، لأن المستعفف طالب من نفسه العفاف ، أى حاملها عليه (الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً) أى سبيلا إليه ، بأن لا يوجد عنده شيء من المهر ولا يقدر على القيام بما يلزمه من النفقة والكسوة ونحوها من اللوازم (حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) ترجية للمستعففين وتقدمة وعد بالتفضل

١٧٧

عليهم بالغنى ، ليكون انتظار ذلك وتأميله لطفا لهم في تحقق استعفافهم وربطا على قلوبهم ، وليظهر بذلك أن فضله أولى بالأعفّاء وأدنى من الصلحاء.

وفيه إشعار بأن الصبر والعفة إنما يرغب فيهما عن النكاح مع عدم وجدان ما يتمكن به من التزويج أصلا ، فلو وجد ما يتمكن به منه وان كان قليلا لا ينبغي له أن يرغب عنه بالصبر والعفة. و«حتى» على هذا غاية لعدم الوجدان. ويجوز أن يراد من النكاح الزوجة المناسبة بحاله ، ويكون «حتى» غاية للاستعفاف.

وعلى كل حال ففي الآية إشعار بأنه مع التمكن من النكاح لا يحسن الصبر عنه فهي مؤكدة لما ورد من الحث على النكاح مع التمكن ولا منافاة بينها وبين سابقتها ، إذ الأولى الأمر للأولياء بالانكاح وعدم جعل الفقر مانعا عنه وهذه أمر للأزواج بطلب العفة الى أن يتمكنوا ويجدوا ما يتزوجون به. وعلى هذا فلو بذل أحد للزوج التزويج كان الاولى القبول ، لأنه حينئذ قد وجد نكاحا.

وقد ظهر مما ذكرناه أن الأمر للوجوب ، فان المراد لاستعفاف بمعنى عدم الدخول في الفاحشة ، فكأنه قال لا ينكح العاجزون عن النكاح إلى أن يرزقهم الله القدرة عليه.

هذا ، وقد روى الكليني (١) عن معاوية بن وهب عن ابى عبد الله عليه‌السلام في قول الله عزوجل (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ). قال : يتزوجون حتى يغنيهم الله من فضله. وظاهرها أن الاستعفاف بمعنى التزويج ، وحتى تعليلية ، فيكون فيها دلالة على الأمر بالنكاح لمن لا يجده [ويؤيده ما سلف من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله «التمسوا الرزق بالنكاح (٢)» ونحوه].

الثالثة : (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا

__________________

(١) الكافي ح ٥ ص ٣٣١ ط الآخوندى.

(٢) مر في ص ١٧٣.

١٧٨

وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً) (النساء ـ ٣).

(وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا) ألا تعدلوا ، من أقسط بمعنى صار ذا قسط أي عدل ، أو بمعنى أزال القسط وهو الجور ، وقرئ بفتح التاء على أنّ لا زائدة ، أي ان تجوروا (فِي الْيَتامى) من النساء ، فإنه يطلق عليهن وعلى الذكور أيضا (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ) يعنى ما حل لكم (مِنَ النِّساءِ) لا ما حرم عليكم كما دلت عليه آية التحريم.

واعترض الرازي بأن قوله (فَانْكِحُوا) أمر اباحة فيؤل المعنى الى قوله أبحت لكم نكاح من هي نكاحها مباح لكم ، وهو كلام مستدرك ، سلمنا لكن الآية تصير مجملة لأن أسباب الحل والإباحة غير مذكورة في هذه الآية ، فالأولى حمل الطيب على استطابة النفس وميل القلب ، فتكون عامة ويدخلها التخصيص ، وهو أولى من الاجمال عند التعارض ، لأن العام المخصص حجة في غير محل التخصيص ، والمجمل لا يكون حجة أصلا.

والجواب عن الأول ان ذكر الشيء ضمنا ثم ذكره صريحا لا يعدّ تكرارا كقوله (مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ) وعن الثاني ان قوله (ما طابَ لَكُمْ) بمعنى ما حل لكم إذا كان إشارة الى ما بقي بعد إخراج آية التحريم [المعلومة] فلا إجمال.

هذا ، والتعبير عنهن ب «ما» دون من للإشارة الى ان الإناث من العقلاء يجرين مجرى غير العقلاء لما فيهن من نقص العقل.

(مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) ثنتين ثنتين وثلاثا ثلاثا وأربعا أربعا ، وهي في محل النصب على البدلية من مفعول انكحوا ، ومعناها المتبادر الى الفهم الاذن لجميع الناكحين الذين يريدون الجمع بين النساء ان ينكح كل واحد منهم ما شاء من العدد المذكور متفقين فيه أو مختلفين ، كقولك اقتسموا هذه البدرة درهمين درهمين وثلاثة ثلاثة وأربعة أربعة ، حيث إنّ المراد قسمة المال بين الجماعة على الوجه المذكور ، سواء كانت القسمة متفقة أو مختلفة.

١٧٩

ولو أفردت ـ بأن قيل ثنتين وثلاثا وأربعا ـ كان المعنى تجويز الجمع بين هذه الاعداد لا التوزيع ، ولو قيل أو دون الواو ، لأفاد الكلام أنه لا يسوغ الاقتسام الّا على أحد أنواع هذه القسمة ، وليس أن يجمعوا بين هذه الأنواع ، بأن يكون بعضهم على تثنية وبعضهم على تثليث وبعضهم على تربيع ، وهو خلاف المطلوب من تجويز الجمع بين أنواع القسمة التي دلت عليه الواو كما عرفت. فلا يرد ما يتخيل ان الآية قد تدل على تجويز الزيادة على الأربع (١) ، لما عرفت من عدم فهمه منها بوجه بل المفهوم منها خلافه.

ومقتضى الآية العموم بالنسبة إلى الحر والعبد ، نظرا الى أن المخاطب المكلفون الشامل لهما ، ومن ثم أجاز مالك من العامة للعبد أن يتزوج بالأربع مطلقا تمسكا بظاهر الآية ، وأكثر الفقهاء على المنع منه نظرا الى أن الآية انما تتناول الأحرار دون المماليك ، فان الخطاب فيها انما يتناول إنسانا متى طاب له امرأة قدر على نكاحها والعبد لا يتمكن من النكاح إلّا بإذن مولاه.

وأيضا فإنّه متى قال (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) وظاهر هذا الخطاب للاحرار. وأيضا قوله (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً) والعبد لا يأكل بل يكون لسيده ، فكذا الخطاب الأول ، لأن الخطابات وردت متتالية على نسق واحد ، فيبعد أن يدخل التقييد في اللاحق دون السابق.

وذهب جماعة من الفقهاء الى أن الآية بعمومها تتناول العبد الا أنهم خصصوا هذا العموم بالقياس ، قالوا أجمعنا على أن الرق له تأثير في نقصان حقوق النكاح كالطلاق والعدة ، ولما كانت العدد من حقوق النكاح وجب أن يحصل للعبد نصف ما للحر.

والذي يذهب إليه أصحابنا أن الآية مخصوصة بالنصوص الواردة عن أصحاب العصمة الذين هم مهبط الوحي واسرار التنزيل ، وقد تظافرت اخبارهم وانعقد إجماعهم على أن العبد انما يجوز له الجمع بين الحرتين أو أربع إماء أو حرة وأمتين.

__________________

(١) انظر تعاليقنا على كنز العرفان ج ٢ ص ١٤٢.

١٨٠