مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام - ج ٣

جواد الكاظمي

مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام - ج ٣

المؤلف:

جواد الكاظمي


المحقق: محمّد الباقر البهبودي
الموضوع : الفقه
الناشر: المكتبة المرتضويّة لإحياء الآثار الجعفريّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٤٠

فاعلية حيث انّه بمثابة الشرك والآية وان كانت ظاهرها الخبر فهي في معنى النّهي (١) أي من كان زانيا فلا ينبغي ان ينكح إلّا الزّانية ويؤيّده قوله (وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) الممدوحين عند الله بالإيمان لأنّه تشبه بالفسّاق وانخراط في سلكهم وحضور موضع التّهمة والتسبّب لسوء المقالة بين النّاس والطّعن في النّسب.

واحتمل في الكشاف أن يكون الآية خبرا محضا على معنى انّ عادتهم جارية على ذلك وعلى المؤمن ان لا يدخل نفسه تحت هذه العادة ويتصون عنها وعلى هذا فلا يرد ان الزّاني قد ينكح المؤمنة العفيفة والزّانية قد ينكحها المؤمن العفيف ويمكن الجواب أيضا بأنّ المراد انّ الزّاني في الغالب لا ينكح إلّا زانية وكذا الزّانية في الغالب لا ينكحها الّا زان فتأمّل.

وظاهر النّكاح في الآية بمعنى العقد لا الوطي كما هو المتبادر من إطلاقه قال في الكشاف وقيل المراد بالنّكاح الوطي (٢) وليس بقول لأمرين أحدهما انّ هذه الكلمة فيما وردت في القرآن لم ترد إلّا في معنى العقد والثّاني فساد المعنى وأداؤه إلى معنى قولك الزّاني لا يزني الّا بزانية والزانية لا تزني إلّا بزان.

قلت ويؤيّد كونه بمعنى العقد ورود روايات عده بأن الآية المذكورة وردت في رجال ونساء كانوا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مشهورين بالزنا فنهى الله عزوجل عن أولئك الرّجال والنّساء والنّاس اليوم على تلك المنزلة من شهر شيئا من ذلك أو أقيم عليه حد فلا تزوّجوه حتى تعرفوا توبته.

روى ذلك زرارة وأبو الصّباح الكناني (٣) عن الصّادق عليه‌السلام ومحمّد بن مسلم عن

__________________

(١) وفي الكشاف ج ٣ ص ٢١٣ نقل قراءة لا ينكح بالجزم عن عمرو بن عبيد وقد سبق نقل ذلك عن المصنف عند شرح والوالدات يرضعن وكذا نقل قراءة الجزم في تفسير النسفي المطبوع بهامش الخازن ج ٣ ص ٣١٤.

(٢) الكشاف ج ٣ ص ٢١٢.

(٣) الكافي ج ٢ ص ١٣ باب الزاني والزانية الحديث ١ و ٢ و ٣ وهي في المرآة ج ٣ ص ٤٥١ ونور الثقلين ج ٣ ص ٥٧١ و ٥٧٢ والوسائل الباب ١٣ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ج ٣ ص ٥٦ والوافي الجزء ١٢ ص ٢٥ وأشار إليها في المجمع ج ٤ ص ١٢٥.

٣٢١

الباقر عليه‌السلام وغيرهم ممّن روى عنهما عليه‌السلام ومقتضى ذلك عدم جواز نكاح المشهورة بالزّنا أو المحدودة قبل التوبة دواما ومتعة واليه ذهب أبو الصّلاح نظرا الى ما ذكر والى ظاهر قوله تعالى (وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ).

وقد صرّح الصّدوق ره بان من تمتع بالزّانية فهو زان لانّ الله تعالى يقول (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً) الآية واليه ذهب ابن البراج.

ولكن المشهور بين الأصحاب الجواز على كراهة واحتجّ لهم العلامة (١) بالأصل وما رواه زرارة (٢) قال سال عمّار وانا عنده عن الرّجل يتزوّج الفاجرة متعة قال لا بأس فإن كان التزويج الآخر فليحصن بابه وعن علىّ بن يقطين (٣) قال : قلت لأبي الحسن عليه‌السلام نساء أهل المدينة؟ قال فواسق قلت فأتزوج منهنّ قال نعم وأجابوا عن الآية بأنّ النّكاح يراد به الوطي.

وفيه نظر أمّا الأصل فبعد الدّليل لا وجه له والرّواية غير واضحة الصّحة (٤) ويمكن حملها على التزوّج بالفاجرة بعد التوبة ولا كلام فيه ، ورواية على بن يقطين غير صريحة في كون الفسق بسبب الزّنا ، وحمل النّكاح في الآية على الوطي قد تقدم ما فيه ، والاحتياط يقتضي ما ذكرناه.

وقيل كان نكاح الزانية محرما في أوّل الإسلام ثم نسخ امّا بالإجماع أو بقوله

__________________

(١) المختلف الجزء الخامس ص ١٢.

(٢) التهذيب ج ٧ ص ٢٥٣ الرقم ١٠٩٠ والاستبصار ج ٣ ص ١٤٣ الرقم ٥١٦.

(٣) التهذيب ج ٧ ص ٢٥٣ الرقم ١٠٩١ والاستبصار ج ٣ ص ١٤٣ الرقم ٥١٧.

(٤) فان في سندها على بن حديد وقد ضعفه الشيخ في التهذيب والاستبصار باب النهي عن بيع الذهب والفضة قال فيه : ضعيف جدا لا يعول على ما ينفرد بنقله انظر التهذيب ج ٧ ص ١٠١ ذيل الحديث بالرقم ٤٣٤ والاستبصار ج ٣ ص ٩٥ ذيل الحديث بالرقم ٣٢٤.

٣٢٢

تعالى (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ) أو بقوله تعالى (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ) الآية فإنّها تتناول المسافحات.

وفيه نظر فإنّ الإجماع لا ينسخ به كما ثبت في الأصول والآية لا تنافي الحكم المذكور لأنّها عامة ولا تنافي بين العام والخاص ليحكم بكون العام ناسخا له والمعهود في ذلك التّخصيص كما ثبت في محله.

٣٢٣

النوع الخامس

في أشياء يتعلق بنكاح النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأزواجه

وفيه آيات

الاولى [الأحزاب : ٢٨] (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا). السّعة والتنعّم فيها (وَزِينَتَها) وزخارفها (فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ) أعطيكن متعة الطلاق (وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلاً) والسراح الجميل الطّلاق من غير خصومة ولا مشاجرة بين الزّوجين وقد تقدّم حكم متعة الطّلاق (وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ) أي طاعة الله وطاعة رسوله (وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ) العارفات للإحسان المطيعات له (أَجْراً عَظِيماً) يستحقر دونه الدّنيا وزينتها.

روى الواحدي (١) بإسناده عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس قال كان النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله جالسا مع حفصة فتشاجرا فقال لها هل لك ان اجعل بينى وبينك رجلا قالت نعم فأرسل الى عمر فلما انّ دخل عليها قال لها تكلمي فقالت يا رسول الله تكلم ولا تقل الا حقا فرفع عمر يده فوجأ وجهها ثمّ رفع يده فوجأ وجهها فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كف فقال عمر يا عدوة الله النّبي لا يقول الّا حقا.

وقام النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فصعد إلى غرفة فمكث فيها شهرا لا يقرب شيئا من نسائه يتغدى ويتعشى فيها فانزل الله هذه الايات.

وقيل (٢) انّ أزواج النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله سألنه شيئا من عرض الدنيا وطلبن منه زيادة في النّفقة وآذينه لغيرة بعضهنّ على بعض ، فآلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله منهنّ شهرا فنزلت

__________________

(١) رواه في المجمع ج ٤ ص ٣٥٣ عن الواحدي ونقله عن المجمع عن الواحدي في نور الثقلين ج ٤ ص ٢٦٦ بالرقم ٧١.

(٢) المجمع ج ٤ ص ٣٥٣.

٣٢٤

آية التخيير بين مفارقته واختيار زينة الدنيا وبين المقام معه والصّبر على ضرّ الفقر لئلا يكون مكرها لهنّ على الضّر والفقر.

ومقتضى الآية وجوب التّخيير عليه وعلى هذا أصحابنا وللشّافعيّة قول بانّ التخيير لم يكن واجبا عليه وانّما كان مندوبا ، وفيه بعد.

وهذا التخيير ليس له حكم عند أكثر أصحابنا بل هو من خواصه صلى‌الله‌عليه‌وآله ودل على ذلك اخبار وردت عنهم عليهم‌السلام كرواية العيص بن القسم (١) عن الصادق عليه‌السلام قال سألته عن رجل خيّر امرأته فاختارت نفسها بانت له أم لا قال انّما هذا شيء كان لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خاصة أمر بذلك ففعل ولو اخترن أنفسهنّ لطلقن وهو قول الله تعالى (قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها) الآية.

ورواية محمّد بن مسلم (٢) قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام انّى سمعت أباك يقول انّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خير نسائه فاخترن الله ورسوله فلم يمسكهن على طلاق ولو اخترن أنفسهنّ لبنّ فقال انّ هذا حديث كان يرويه ابى عن عائشة وما للناس والخيار انّما هذا شيء خصّ الله رسوله به.

وذهب ابن الجنيد الى القول بوقوعه طلاقا إذا اختارت نفسها بعد تخييره لها حيث قال إذا أراد الرّجل ان يخيّر امرأته اعتزلها شهرا وكانت على طهر من غير جماع في مثل الحال الّتي لو أراد ان يطلقها فيه طلقها ثمّ خيّرها فقال لها قد خيرتك أو قد

__________________

(١) الكافي ج ٢ ص ١٢٢ باب الخيار الحديث ٣ وهو في المرآة ج ٤ ص ٢٥ ورواه في التهذيب ج ٨ ص ٨٧ بالرقم ٢٩٩ والاستبصار ج ٣ ص ٣١٢ الرقم ١١١ وترى الحديث مع ما يليه من الاخبار في تفسير الآية في الوسائل الباب ٤٠ من أبواب مقدمات الطلاق ج ٣ ص ١٥٤ و ١٥٥ ط الأميري والوافي الجزء ١٢ من ص ١٦٩ الى ١٧٣ ونور الثقلين ج ٤ من ص ٢٦٤ الى ٢٦٧ وقلائد الدرر ج ٣ من ص ١٩٧ الى ٢٠٠ ومستدرك الوسائل ج ٣ ص ٩.

(٢) الكافي ج ٢ ص ١٢٢ باب الخيار الحديث ٢ وهو في المرآة ج ٤ ص ٢٤ والتهذيب ج ٨ ص ٨٨ الرقم ٣٠٠ والاستبصار ج ٣ ص ٣١٢ الرقم ١١١٢.

٣٢٥

جعلت أمرك إليك.

ويجب ان يكون ذلك بشهادة فإن اختارت نفسها من غير ان تتشاغل بحديث من قول أو فعل كان يمكنها الّا تفعله صحّ اختيارها وان اختارت بعد فعلها ذلك لم يكن اختيارها ماضيا.

وان اختارت في جواب قوله لها ذلك ، وكانت مدخولا بها وكانت تخييره ايّاها من غير عوض أخذه منها ، كانت كالتّطليقة الواحدة الّتي هو أحقّ برجعتها في عدّتها وان كانت غير مدخول بها فهي تطليقة بائنة ، وان كان تخييره عن عوض أخذه فهي بائن وهي أملك بنفسها انتهى.

وظاهره ان حكمه حكم الطّلاق في ما يترتّب عليه ، ونحوه قال ابن ابى عقيل وجماعة من الأصحاب وهو بعيد ولعلّ حجّتهم ما رواه زرارة (١) عن الباقر صلى‌الله‌عليه‌وآله قلت له رجل خيّر امرأته قال انّما الخيار لها ما داما في مجلسهما فإذا تفرقا فلا خيار لهما.

وما رواه حمران (٢) قال سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول المخيرة تبين من ساعتها من غير طلاق ولا ميراث بينهم لأنّ العصمة قد بانت منها ساعة كان ذلك منها ومن الزّوج.

وما رواه محمّد بن مسلم (٣) وزرارة عن أحدهما عليه‌السلام قال لا خيار إلّا على طهر من غير جماع بشهود.

وأجاب الشيخ بحملها على التقيّة لأنّها موافقة للعامّة فإنّهم مجمعون على انّ الحكم ثابت بالنّسبة إلى كلّ احد قال ولو لم نحملها على التقيّة لاحتجنا ان نطرح الأخبار الّتي تضمّنت أن ذلك غير ثابت لكلّ احد وانه شيء يخص النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ونحوه ولا يعمل بها على وجه انتهى وهو جيد.

__________________

(١) التهذيب ج ٨ ص ٨٩ الرقم ٣٠٣ ومع زيادة بالرقم ٣٠٨ وهما في الاستبصار ج ٣ ص ٣١٣ و ٣١٤ بالرقم ١١١٥ و ١١٢٠.

(٢) التهذيب ج ٨ ص ٩٠ الرقم ٣٠٧ والاستبصار ج ٣ ص ٣١٤ الرقم ١١١٩.

(٣) التهذيب ج ٨ ص ٨٩ الرقم ٣٠٤ والاستبصار ج ٣ ص ٣١٣ الرقم ١١١٦.

٣٢٦

ويمكن حملها على ما إذا طلقت بعد التّخيير وبذلك يحصل الجمع بين الرّوايات هذا.

وقد اختلف العامّة فيما يقع به فقالت الحنفيّة إذا قال لها اختاري فقالت اخترت نفسي أو قال اختاري نفسك فقالت اخترت وقعت طلقة بائنة ، على ما قاله في الكشاف لكن إذا كان في المجلس أو لم تشتغل بما يدلّ على الاعراض وقال الشافعي طلقة رجعية على ما قاله القاضي وهو قول أصحابنا الذاهبين الى ثبوت حكم التخيير الّا ابن الجنيد قال : إن كان عن عوض كان بائنا والا كان رجعيا كما سلف ، والاخبار الدالة عليه واردة على الوجهين معا ، وقد عرفت حملهما على التقية.

وقال مالك إذا اختارت نفسها وقعت ثلث تطليقات قالوا وفي تعليق التّسريح بارادتهنّ الدّنيا وجعله قسيما لارادتهنّ الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله دلالة على انّ المخيّرة إذا اختارت زوجها لم تطلق وادعى في الكشاف عليه إجماع فقهاء الأمصار وكأنّه لم يعتبر خلاف زيد بن ثابت حيث ذهب الى وقوع طلقة واحدة مع اختيارها زوجها ونحوه الحسن ولعلّ دفعه انّه لم ينقل عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله طلاقا بعد اختيار الأزواج له على ما روى ان عائشة اختارت رسول الله وكذا باقي نسائه ولم ينقل انّه طلاق بوجه.

الثّانية [الأحزاب : ٥٠] (لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ) أي من بعد التسع الّتي خيرتهنّ فاخترن الله ورسوله قيل انّ الله تعالى لما أمر رسوله بالتخيير بين نسائه كما دلّت عليه الآية السّابقة خيرهنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاخترنه جميعا فشكر لهن فنزل النّهى عن التزوّج عليهنّ والتبدلّ بهن مكافأة لحسن صنيعهن معه واستمر ذلك إلى ان نسخ بقوله تعالى (إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ) الآية.

وقيل معناه لا يحلّ لك النّساء من بعد النّساء اللّواتي احللناهنّ لك في قولنا (إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ) وسيجيء وحاصله انّه لا يحلّ لك النّساء من بعد اللّواتي نصّ على احلالهنّ من الأجناس الأربعة ، وامّا غيرهنّ من الكتابيات والامآء بالنّكاح ومن الاعرابيات ومن الغرائب فلا يحلّ لك التّزوج بهنّ وعلى هذا فليس في الآية تحريم غيرهن ولا المنع من طلاقهن.

٣٢٧

وروى الكليني (١) في الصّحيح عن الحلبي عن ابى عبد الله عليه‌السلام قلت قوله تعالى (لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ) قال انّما عنى به النّساء اللّاتي حرّم عليه في هذه الآية (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ) إلى آخر الآية ولو كان الأمر كما يقولون كان قد أحلّ لكم ما لم يحل له ، إن أحدكم ليستبدل كلّما اراده ، ولكن ليس الأمر كما يقولون انّ الله عزوجل أحلّ لنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ما أراد من النّساء الّا ما حرّم عليه في هذه الآية الّتي في النساء ونحوها رواية أبي بصير عنه عليه‌السلام.

(وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ) اى تفارقهنّ وتنكح غيرهنّ (وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ) اي النّساء المستبدل بهنّ وهو حال من فاعل تبدّل دون مفعوله وهو من أزواج ، فإنّ من فيه مزيدة لتأكيد الاستغراق لتوغله في التنكير وعدم ذكر ما يخصّصه والتّقدير مفروضا إعجابك بهنّ.

ويمكن ان يكون جوابه محذوفا يدلّ عليه ما قبله وهو لا يحلّ وفايدة هذه الشرطية التأكيد والمبالغة.

وقد اختلف في بقاء حكم الآية ونسخه فقيل انّها منسوخة بقوله (تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ) الآية ، وقيل نسخت بقوله (إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ) الآية الواقعة بعد ذلك ، وترتيب النزول ليس على ترتيب المصحف ذكر ذلك النّيشابوري.

وقيل نسخت بالسنة عند من يجوّز نسخ القرآن بالسّنة وانه صلى‌الله‌عليه‌وآله بعدها أبيح له تزوّج ما شاء.

وعن عائشة (٢) انّها قالت ما فارق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الدّنيا حتّى حلّل له ما

__________________

(١) الكافي ج ٢ ص ٢٤ باب ما أحل للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من النساء الحديث ١ وما نقله المصنف هنا ذيل الحديث وسينقل بعضه عند شرح الآية (تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ) وحديث ابى بصير المشار إليه في الكتاب بالرقم ٨ من الباب المذكور وهما في المرآة ج ٣ ص ٤٦٣ ونور الثقلين ج ٣ ص ٢٩٤ بالرقم ١٩٤ و ١٩٦.

(٢) الكشاف ج ٣ ص ٥٥٣ وفي الشاف الكاف أنه أخرجه الترمذي واحمد وإسحاق والنسائي وأبو يعلى والطبري والبزار وابن حبان والحاكم من حديث عائشة وأخرجه ابن ابى حاتم وابن سعد من حديث أم سلمة رضى الله عنهما.

٣٢٨

أراد من النّساء وهو مذهب أكثر الفقهاء قال الشّيخ في التبيان (١) وهو المرويّ عن أصحابنا في أخبارنا ويؤيّده ما نقلناه من رواية الكليني عن الحلبي.

وقيل : ان التحريم باق ما نسخ وهو يناسب ما روي عن أئمّتنا عليهم‌السلام من كون المراد من النساء ما حدّ في سورة النساء. (إِلَّا ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ) استثناء منقطع يخالف حكم ما تقدم لظهور أن المراد من النّساء الأزواج (وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً) عالما حافظا فتحفظوا أمركم ولا تتخطّوا ما أحلّ لكم.

واعلم انّ الآية التي بعد هذه الآية أعني قوله تعالى (وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللهِ عَظِيماً) فيها دلالة على تحريم أزواجه على أمته وهو من خواصّه أيضا إكراما له صلى‌الله‌عليه‌وآله في ذلك ولا خلاف في ثبوت هذا الحكم بين الأمة.

الثالثة ـ [الأحزاب : ٥٠] (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ) مهورهنّ لأنّ المهر أجر على البضع والإيتاء قد يكون بالأداء وقد يكون بالالتزام ويجوز ان يكون المراد بالإيتاء معناه الظّاهر وهو الدفع وتقييد الإحلال له بالإيتاء معجلا لا لتوقّف الحلّ عليه ، بل لإثبات الأفضل له ، فإنّه تعالى اختار لرسوله الأطيب الازكى كما اختصّه بغيرها من الخصائص ، فآثره بما سواها من الأثر وظاهر ان سوق المهر إليها عاجلا أفضل من ان يسمّيه ويؤجله قال في الكشاف وكان التّعجيل ديدن السّلف وسنّتهم وما لا يعرف بينهم غيره.

(وَما مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفاءَ اللهُ عَلَيْكَ) من الغنائم والأنفال وكانت من الغنائم مارية القبطية أم ابنه إبراهيم ، ومن الأنفال صفية وجويرية أعتقهما وتزوّجهما.

والكلام في هذا القيد كسابقه فإن المملوكة مطلقا حلال الّا انّه تعالى أراد له الأفضل وذلك لأنّ الجارية إذا كانت سبية مالكها وخطبة سيفه ورمحه وممّا غنمه الله

__________________

(١) التبيان ج ٢ ص ٤٥٣.

٣٢٩

من دار الحرب ، كان أحل وأطيب ممّا يشترى من شقّ الجلب.

قال في الكشاف (١) والسّبي على ضربين سبى طيبة وسبى خبيثة ، فسبى الطيّبة ما سبى من أهل الحرب ، وامّا من كان له عهد فالمسبىّ هي منهم سبى خبيثة ويدلّ عليه قوله (مِمَّا أَفاءَ اللهُ عَلَيْكَ) لأن فيء الله لا يطلق الا على الطيّب دون الخبيث قلت ليس مراده أن التقييد بكونها مما أفاء الله إلخ للاحتراز عن سبي الخبيثة فإنّه لا يصير مملوكا بإجماع علماء الإسلام وانّما المراد ان ما ملكت من هذا الجنس دون غيره لأنّه فيء الله إلخ.

(وَبَناتِ عَمِّكَ وَبَناتِ عَمَّاتِكَ) اي نساء قريش (وَبَناتِ خالِكَ وَبَناتِ خالاتِكَ) يعنى نساء بني زهرة (اللَّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ) إلى المدينة يحتمل ان يكون القيد قيدا في الحلّية في حقّه صلى‌الله‌عليه‌وآله خاصّة ويؤيّده ما روى (٢) عن أمّ هاني بنت ابى طالب قالت خطبني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فاعتذرت اليه فعذرنى ، ثمّ انزل الله هذه الآية فلم أحلّ له ، لأنّي لم أهاجر معه وفي المجمع (٣) هذا انّما كان قبل تحليل غير المهاجرات ثم نسخ شرط الهجرة في التّحليل ، ويحتمل أن يكون القيد بيانا للأفضل فانّ اللّاتي هاجرن معه صلى‌الله‌عليه‌وآله من قرابته غير المحارم أفضل من غير المهاجرات معه لثبات قدمهن في الإسلام وزيادة المزية لهن على غيرهنّ.

(وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ) نصب بفعل مضمر فسره ما قبله أي تحلّ

__________________

(١) الكشاف ج ٣ ص ٥٥٠.

(٢) وآخر الحديث كنت من الطلقاء ، الكشاف ج ٣ ص ٥٥ وفي الشاف الكاف أنه أخرجه الترمذي والحاكم وابن أبي شيبة وإسحاق والطبري والطبراني وابن ابى حاتم كلهم من رواية السدى عن ابى صالح عنها انتهى وروى الحديث في كنز العرفان ج ٢ ص ٢٤٣.

(٣) انظر المجمع ج ٤ ص ٣٦٤ ثم لنا في تعاليقنا على كنز العرفان ج ٢ ص ٢٤١ و ٢٤٢ بيان في سر افراد العم والخال وجمع العمة والخالة في الآية نقلا عن الشوكانى في فتح القدير ج ٤ ص ٣٨٨ فراجع.

٣٣٠

امرأة مؤمنة أو انّه عطف على ما تقدمه ولا ينافيه التقييد بأن الّتي للاستقبال فانّ المعنىّ بالإحلال الاعلام بالحلّ اي اعلمناك حلّ امرأة تهب لك نفسها ولا تطلب منك مهرا من النّساء المؤمنات إن اتّفق ذلك ومن ثمّ أوردها نكرة وقرئ بفتح ان على التّعليل بتقدير حذف اللام وان يكون مصدرا حذف معه الزّمان أي مدة هبتها.

(إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها) شرط للشّرط الأوّل في استيجاب الحلّ فان هبتها نفسها منه صلى‌الله‌عليه‌وآله لا يوجب حلّها إلّا بإرادته ورغبته فيها فانّ القبول شرط في الهبة وارادته صلى‌الله‌عليه‌وآله ورغبته هي قبول الهبة وما به يتمّ من غير احتياج الى لفظ النّكاح. وقال بعض العامة لا بدّ من لفظ النّكاح من جهته ومقتضى الآية أنّه لا يجب مهر للواهبة ولو بعد الدّخول لا ابتداء ولا انتهاء كما هو قضية الهبة وللشافعيّة قول بوجوب المهر قالوا : وكون ذلك خاصة له ليس من حيث عدم المهر بل من حيث عدم الانعقاد بلفظ الهبة لغيره لظاهر (أَنْ يَسْتَنْكِحَها) وهو بعيد ، لتحقّق نكاحه بلفظ الهبة وظاهر الآية كون ذلك خاصّة من حيث المجموع والفائدة في العدول عن الخطاب إلى الغيبة مكررا للفظ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ثمّ الرّجوع الى الخطاب بقوله.

(خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) فلا يشاركك فيها غيرك للإيذان بأنّه ممّا خصّ به لشرف نبوته وتقرير لاستحقاقه الكرامة لأجلها وقد تبينا انّ الآية يدلّ على اباحة الوطي بالهبة وحصول التّزويج بلفظها من خواصّه.

واستدلّ بها الشّافعي على انّ النكاح لا ينعقد بلفظ الهبة لأنّ اللّفظ تابع للمعنى ، وقد خصّ عليه الصّلوة والسّلام بالمعنى فيخصّ باللّفظ ، وعلى هذا أصحابنا وقد تظافرت اخبارهم عن أئمّة الهدى عليهم‌السلام بذلك وأجاز الحنفيّة وقوعها بلفظ الهبة نظرا إلى انّ الرّسول والأمة سواء في الاحكام إلّا فيما خصّه الدّليل ولا دليل قالوا وقوله خالصة متعلّق بمجموع الأربع اي هذه الأربع خالصة لك من أزواجك من أمّهات المؤمنين فلا تحلّ لغيرك وهو من الضّعف بمكان والدّليل ظاهر الآية واختصاص المعنى به يوجب اختصاص اللفظ هذا.

وقد اختلف في انّه هل كان عند النّبيّ امرأة وهبت نفسها له أم لا ، فعن ابن

٣٣١

عبّاس لم يكن عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله امرأة كذلك ، وقيل بل كانت ميمونة بنت الحرث بلا مهر قد وهبت نفسها له ، وقيل هي زينب بنت خزيمة أمّ المساكين امرأة من الأنصار ، وقيل هي أم شريك بنت جابر ، وقيل خوله بنت حكيم.

ويؤيّد هذا القول ما رواه الكليني (١) بإسناده عن ابى بصير وغيره في تسمية نساء النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى ان قال : ومات صلى‌الله‌عليه‌وآله عن تسع نسوة وكان له سواهنّ الّتي وهبت نفسها للنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله.

وانتصاب خالصة على أنّه مصدر مؤكّد اي خلص لك إحلال ما أحللنا لك خالصة بمعنى خلوصا ، ويجوز على الحالية من الضّمير في وهبت أو صفة مصدر محذوف أي هبة خالصة.

وقد اختلف في كون الخالص هذه الأربع أو الأخيرة فعند الشّافعي الأخيرة وهو الصّحيح كما أشرنا اليه وقالت الحنفيّة هي الأربع واستدلّ في الكشاف على الأوّل بورودها في أثر الإحلالات الأربع كما يدلّ عليه قوله (قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ فِي أَزْواجِهِمْ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ) والمعنى أنّ الله قد علم ما يجب فرضه على المؤمنين في الأزواج والإماء ، وعلى أي حدّ وصفه يجب أن تعرض عليهم كشرائط العقد ووجوب المهر بالوطي ونحوه ، والحصر بعدد محصور ، ففرضه وعلم المصلحة في اختصاص رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بما اختصّه به ففعل.

(لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ) متعلّق بخالصة ، والمعنى انا اختصصناك بالتسرية واختيار ما هو اولى وأفضل في دينك وفي دنياك ، حيث أحللنا لك أجناس المنكوحات وزدنا لك الواهبة نفسها للدّلالة على الفرق بينك وبين المؤمنين في ذلك ولا يذهب عليك أنّه على تقدير كون الخالص الأربع يكون القيود في الأوّل معتبرة في التّحليل وقد ذكرنا ما يتعلّق بذلك (وَكانَ اللهُ غَفُوراً) لذنوب عباده تفضّلا أو مع التوبة (رَحِيماً) بهم أو بك في رفع الحرج عنك.

__________________

(١) الكافي ج ٢ ص ٢٤ باب ما أحل للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من النساء الحديث ٥ وهو المرآة ج ٣ ص ٤٦٣.

٣٣٢

الرابعة (تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ) اي النّساء وهي بالهمز بمعنى تؤخّرها وتترك مضاجعتها ، وقرء حمزة والكسائى وحفص ترجى بالياء والمعنى واحد (وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ) وتضم إليك من تشاء منهنّ وتضاجعها ، وهو إشارة إلى عدم وجوب القسمة عليه بين نسائه كما يجب ذلك علينا فيكون من خواصه صلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى روى أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد نزول الآية ترك القسمة بجماعة من نسائه وآوى إليه جماعة منهنّ معيّنات ولا ينافيه قسمته صلى‌الله‌عليه‌وآله بينهنّ حتّى انه كان يطاف به عليهنّ وهو مريض ويقول هذا قسمي فيما أملك وأنت اعلم بما لا أملك ، يعنى قلبه صلى‌الله‌عليه‌وآله لأن ذلك كان تكرما منه صلى‌الله‌عليه‌وآله بالنّسبة إليهنّ لا وجوبا عليه وهذا هو المشهور بين أصحابنا.

وقيل انّ القسمة بين نسائه صلى‌الله‌عليه‌وآله واجبة عليه كما يجب على غيره لعموم الأدلّة وفعله القسمة على الوجه المتقدم والآية المذكورة يحتمل ان يكون المعنىّ بها تترك التزويج بمن شئت من نساء أمتك وتتزوّج من شئت منهنّ.

ويؤيّد هذا المعنى ما في صحيحة الحلبي (١) عن أبى عبد الله عليه‌السلام قلت أرأيت قوله (تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ) فقال من أوى فقد نكح ، ومن أرجى فلم ينكح الحديث.

ويحتمل أن يكون المعنى تطلق من تشاء من النّساء وتمسك من تشاء ، وعلى الأخيرين تكون ناسخة لقوله لا يحلّ لك النّساء من بعد الآية على بعض الوجوه كما أشرنا إليه سابقا وفيه بعد.

واحتمل بعض علمائنا ان يكون المشيئة في الإرجاء والإيواء لنسائه الواهبات على ان يكون وجوب القسمة لمن تزوّجهنّ بالعقد وعدمها لمن وهبت نفسها.

وفيه نظر فان ضمير جمع المؤنث في الآية كيف يرجع الى الواهبات مع انّه لم يسبق لهنّ ذكر على وجه الجمع والنّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يتزوّج بالهبة إلّا امرأة واحدة على ما ذكره المفسرون والمحدثون وهو الظاهر من الآية فكيف يجعل الضمير عائدا

__________________

(١) هذا جزء الحديث المار ذيله عند تفسير لا يحل لك وتصريح المصنف بصحة الحديث تصديق منه بصحة ما في طريقه إبراهيم بن هاشم كما أيدناه في هذا الكتاب مرارا.

٣٣٣

إلى الواهبات وليس منهنّ إلّا واحدة (١) بل الظاهر أن ضمير الجمع عائد إلى جميع أزواجه المذكورة في الآية السّابقة ومنه يعلم انّ ما ذكرناه أولا هو الظاهر منها.

(وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ) يمكن ان يكون العزل بمعنى الطّلاق وان يكون بمعنى ترك القسمة يعنى ان المعزولات لك ان تؤويهنّ بعد ابتغائك لهنّ (فَلا جُناحَ عَلَيْكَ) في أيّ شيء فعلت إن أردت أن تؤوي إليك امرأة ممّن عزلتهنّ وتضمّها إليك فلا اثم عليك في ابتغائها.

أباح الله له ترك القسم في النّساء حتى يؤخر من شاء عن وقت نوبتها ويطأ من شاء في غير وقت نوبتها ، وله ان يعزل من يشاء وله أن يردّ المعزولة ان شاء فضّله الله تعالى بذلك على جميع الخلق.

(ذلِكَ أَدْنى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِما آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ) ذلك التفويض الى مشيّتك أقرب الى قرّة أعينهنّ وقلة حزنهنّ ورضاهنّ جميعا لأنّه إذا سوى بينهنّ في الإرجاء والعزل والابتغاء ارتفع التّفاضل ، ولم يكن لإحداهنّ ممّا تريد وممّا لا تريد الأمثل ما للأخرى ، وعلمن انّ هذا التّفويض من عند الله وحاصل بفرضه اطمأنت نفوسهنّ وذهب التّنافس والتغاير بينهنّ وحصل الرّضا وقرّت العيون وتسلّت القلوب.

أو انّ ذلك إشارة إلى ردّ المعزولات إليك فإنهنّ إذا علمن أنهنّ غير مطلقات رجون انّك ترجعهنّ إليك فقد روى انّه (٢) أرجى منهنّ سودة وجويرية وصفيّة و

__________________

(١) انظر المجمع ج ٤ ص ٣٦٤ والتبيان ج ٢ ص ٤٥٢ والدر المنثور ج ٥ من ص ٢٠٨ الى ص ٢١١.

(٢) المجمع ج ٤ ص ٣٦٦ عن ابن رزين والكشاف ج ٣ ص ٥٥٢ قال ابن حجر أخرجه ابن أبي شيبة عن جرير وعبد الرزاق عن معمر كلاهما عن منصور عن ابى رزين وهذا مرسل وقريب منه ما أخرجه في فتح القدير ج ٤ ص ٢٨٦ عن ابن سعد وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم عن ابى رزين وفي تفسير الطبري أيضا ج ٢٢ ص ٢٥ عن ابى رزين فلعل ابن رزين في المجمع من تصحيف الناسخين.

٣٣٤

ميمونة وأم حبيبة فكان يقسم لهنّ ما شاء كما شاء (وَاللهُ يَعْلَمُ ما فِي قُلُوبِكُمْ) من الرّضا والسّخط والميل الى بعض النّساء دون بعض (وَكانَ اللهُ عَلِيماً) بمصالح عباده (حَلِيماً) في ترك معاجلتهم بالعقوبة فهو حقيق بأن يتقى ويخشى منه.

الخامسة (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ) بالإسلام الّذي هو أجلّ النعم وأعظمها (وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ) بإعتاقك إيّاه بعد ان ملكته بالأسر ومحبّتك له حتّى جعلته بمثابة الابن فلا يعرفه النّاس الّا بابنه كما قيل ، فهو ينقلب في نعمة الله ونعمة رسوله وهو زيد بن حارثة فإنّ النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد أن أكرمه على الوجه السابق خطب له زينب بنت جحش الأسدية وكانت أمّها أميمة بنت عبد المطلب عمّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعندها أنّها يخطبها لنفسه صلى‌الله‌عليه‌وآله فلما علمت ان الخطبة لزيد أبت وأنكرت ذلك لعلو نسبها فنزلت آية (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ) الآية فقالا رضينا يا رسول الله فأنكحها إيّاه وساق عنه المهر.

ثم ان زيدا بعد مدة خاصم زوجته زينب وأشرف على طلاقها وأضمر رسول الله في نفسه أنّه ان طلقها زيد تزوّجها حيث كانت بنت عمّته وكان يحب ضمّها إلى نفسه كما يحب أحدنا ضمّ قراباته اليه (١) فقال زيد لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله انّى أريد أن افارق صاحبتي فقال مالك أرابك منها شيء قال لا والله ما رأيت منها الّا خيرا ولكنها متعظّم علىّ لشرفها وتؤذيني.

(أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ) مقول قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهذا يقتضي مشاجرة جرت بينهما حتى وعظه الرّسول وقال له أمسكها واتّق الله في مفارقتها ومضارتها.

(وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ) وهو ارادة نكاحها ان طلقها أو علمك بان زيدا سيطلقها وانّك ستنكحها ويكون من أزواجك ، لأنّ الله تعالى قد أعلمه بذلك ، قيل لو كتم رسول الله شيئا ممّا أوحى إليه لكتم هذه الآية.

(وَتَخْشَى النَّاسَ) تعبيرهم إيّاك بذلك وقالتهم أنّه أمره بطلاقها وتزوّجها (وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ) ان كان في ذلك ما يخشى ولا دلالة فيه على انّ النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله خشي

__________________

(١) كذا في سن وعش وچا وفي قض قصة افتتان رسول الله بها.

٣٣٥

النّاس ولم يخش الله إذ المعنى انّ الله وحده أحقّ بالخشية وأنت تخشاه وتخشى النّاس أيضا فاجعل الخشية واحدة والواو في المواضع الثلثة للحال (١).

وليست المعاتبة على هذا الوجه دالّة على أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله صدر منه ما هو منهي عنه في الواقع فإنّ الإنسان قد يتحفظ من أشياء يستحيي من اطلاع النّاس عليها ، وهي في نفسها مباحة متسعة وحلال طلق لا عيب فيها عند الله ولا مقال لأهل العقول الكاملة فيها ، ولو أظهرها لأطلق بعض ناقصي العقول فيه ألسنتهم.

ينبه على ذلك انّهم كانوا يجلسون مع النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في بيوته يتحدّثون وكان ذلك يؤذيه ولم يتكلّم لهم في ذلك حذرا من بعض القالة فيه بين النّاس حتّى انزل الله (إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ) الآية.

فهذا من ذلك ، أو طموح قلب الإنسان في بعض مشتهياته من امرأة أو غيرها غير موصوف بالقبح في العقل ولا في الشرع لأنّه ليس بفعل الإنسان ولا حصوله باختياره وتناول المباح على الطّريق الشرعي لا قبح فيه وهو خطبة زينب ونكاحها من غير استنزال زيد عنها ، ولا طلب اليه مع كمال اختصاصه به وعلمه بان نفس زيد لم يكن من التعلّق بها في شيء بل كانت تجفو عنها ونفس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله متعلّقة بها.

على انّه لم يكن مستنكرا عندهم ان ينزل الرّجل عن امرأته لصديقه ولا ـ مستهجنا إذا نزل عنها ان ينكحها آخر فانّ المهاجرين حين دخلوا المدينة أسهمتهم الأنصار بكلّ شيء حتّى انّ الرّجل منهم إذا كانت له امرأتان نزل عن إحداهما وانكحها المهاجر.

وإذا كان الأمر مباحا من جميع جهاته ولم يكن فيه شائبة قبح ولا مفسدة

__________________

(١) هذا هو الذي ذكرنا في ذيل ص ٢٨٦ من المجلد الثاني من هذا الكتاب ان المصنف يجعل الواوات في هذه الآية للحال وقد قوينا هناك ما اختاره المصنف هنا من جواز اقتران المضارع المثبت الغير المقترن بقد بواو الحال. واحتمل في الكشاف كون الواوات للحال واحتمل كونها للعطف.

٣٣٦

ولا مضرة بزيد ولا بأحد بل كان مستجرّا مصالح واحدة منها أن بنت عمّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أمنت اللائمة والضيعة ونالت الشرف وعادت امّا من أمّهات المسلمين الى ما ذكر تعالى من المصلحة العامة في رفع الحرج عن المؤمنين في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهنّ وطرا كان محلا للمعاتبة على كتمانه والمبالغة في الكتمان على الوجه الّذي وقع.

كذا في الكشاف (١) وفيه شيء من حيث دلالته على أنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قد تعلّق قلبه بها قبل فراق زيد ايّاها ولا يخفى أن محبّة الأنبياء لمن ليس بحلال لهم منفر عنهم وحاطّ عن رتبتهم وكونها غير مختارة لهم لا ينفى ذلك ، فإنّه ليس كلّ شيء وجب ان يتجنّبه الأنبياء يكون مقصورا على أفعالهم الاختيارية ، فإنّ الله قد جنبهم الفظاظة والغلظة والعجلة والبرص والجذام وتفاوت الصّور واضطرابها ، وكلّ ذلك ليس من مقدورهم ولا فعلهم.

وبالجملة لا يذهب على عاقل انّ عشق الرّجل زوجة غيره منفّر عنه معدود في جملة معايبه ومثالبه ، نعم الّذي أخفاه هو أنها يكون من أزواجه وانّه تعالى عاتبه على ذلك وقريب منه ما رواه في المجمع (٢) عن علىّ بن الحسين عليهما‌السلام أنّ الّذي أخفاه في نفسه هو ان الله تعالى أعلمه انّها سيكون من أزواجه وأن زيدا سيطلقها فلمّا جاء زيد وقال له : أريد أن أطلق زينب قال له : أمسك عليك زوجك فقال تعالى لم قلت أمسك عليك زوجك وقد أعلمتك انّها ستكون من أزواجك.

قال في المجمع وهذا التّأويل مطابق لتلاوة الآية وذلك أنه تعالى اعلم انّه يبدي ما أخفاه ولم يظهر غير التّزويج فقال (زَوَّجْناكَها) فلو كان الّذي أضمره محبّتها أو إرادة طلاقها لا ظهر الله تعالى ذلك مع وعده بأنه يبديه ، فدلّ ذلك على انّه انّما عوتب على قوله (أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ) مع علمه بأنّها تكون زوجته وكتمانه ما أعلمه الله تعالى حيث أستحيي أن يقول لزيد ان التي تحتك سيكون امرأتي وقيل غير ذلك

__________________

(١) انظر الكشاف ج ٣ ص ٥٤٢ ط دار الكتاب العربي.

(٢) المجمع ج ٤ ص ٣٦٠.

٣٣٧

(فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً) حاجة بحيث ملها ولم يبق له فيها نفس كما يشعر به لفظ قضاء الوطر فإنّه الفراغ من الشّيء على التمام فطلقها وانقضت عدتها (زَوَّجْناكَها) إذنا لك في تزويجها.

روى انّه لما اعتدت زينب (١) قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لزيد اذهب فاخطبها فانّى ما أجد أحدا أوثق في نفسي منك ، قال زيد فانطلقت فإذا هي تخمر عجينتها فلما رأيتها عظمت في صدري ، حتّى ما استطيع ان انظر إليها حين علمت انّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ذكرها فولّيتها ظهري وقلت يا زينب أبشري ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يخطبك ففرحت وقالت ما انا بصانعة حتّى أوامر ربّى ، فقامت الى مسجدها ونزل (زَوَّجْناكَها) فتزوّج بها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ودخل بها ، وما أولم على امرأة من نسائه ما أولم عليها ، ذبح شاة وأطعم النّاس الخبز واللحم حتى امتد النّهار.

وقرئ «زوجتكها» والمعنى أنّه أمر بتزويجها منه أو جعلها زوجته بلا واسطة عقد قيل ويؤيّده أنّها كانت تفخر على نساء النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بأنّ الله قد تولّى نكاحي وأنتن الأولياء.

(لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً) علة للتزويج وقد يستدلّ به على ان حكمه صلى‌الله‌عليه‌وآله وحكم الأمة واحد إلّا ما خصّه الدّليل وهو يبطل قول من أوجب التأسي به مطلقا في جميع أفعاله ما عدا الأفعال الجبليّة.

وفيه أيضا دلالة على نفي الحرج عن المؤمنين في التزوّج بأزواج المتبنّين

__________________

(١) المجمع ج ٤ ص ٣٦١ والكشاف ج ٣ ص ٥٤٢ قال ابن حجر في الشاف الكاف ذكره الثعلبي بغير سند واخرج الطبري معناه من رواية عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وفي الصحيحين قصة زينب وزيد مختصرة وليس فيه مما في أوله انتهى.

تم المجلد الثالث من كتاب مسالك الافهام الى آيات الاحكام حسب ما جزيناه ويتلوه المجلد الرابع إنشاء الله وأوله في روافع النكاح.

٣٣٨

وانّهم لا يجرون مجرى أزواج البنين في التحريم عليهم بعد انقطاع علائق الزّوجيّة بينهم وبينهنّ وهو ردّ لما كانت عليه الجاهليّة من تحريم نكاح زوجة الدّعي ، وهو الّذي كان أحدهم يربّيه ويضيفه الى نفسه على طريق البنوّة وكان من عادتهم ان يحرموا على نفوسهم نكاح أزواج ادعيائهم فنسخ الله سنتهم (وَكانَ أَمْرُ اللهِ) الّذي يريد أن يكون (مَفْعُولاً) مكوّنا لا محالة كما كان تزويج زينب من النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

٣٣٩

فهرس

ما في هذا الجزء من المطالب

كتاب المكاسب

القسم الأول في البحث عن الاكتساب بقول مطلق

٢

الاقرار

١٠٢

القسم الثاني في أشياء يحرم التكسب بها

٨

الوصية

١٠٣

كتاب البيع

الحجر

١٢٧

التجارة عن تراض

٣٣

مخالطة اليتيم

١٤١

حرمة الربا

٣٧

العطايا المنجزة

١٤٦

كتاب الدين وتوابعه

النذر والعد واليمين

١٤٧

الاشهاد والكتابه

٥٥

العتق

١٦٥

إلظار المعسر

٦٥

كتاب النكاح

الرهن

٧٣

في مشروعيته واقسامه

١٧١

الجعالة والضمان

٧٩

تعدد الزوجات

١٧٩

الصلح

٨٢

المهر والصداق

١٨٧

الوكالة

٨٦

نكاح المتعة

١٩٢

كتاب فيه جملة من العقود

نكاح الأماء

٢٠٣

الاجارة

٩٠

تحريم منكوحة الاباء

٢١١

الشركة

٩٢

المحرمات بالنسب

٢١٥

المضاربة والابضاع

٩٤

المحرمات بالرضاع

٢١٩

توفية المكيال

٩٤

الربائب

٢٢٣

الابداع

٩٥

لوازم النكاح

٢٤١

العاربة

٩٦

أشياء من توابع النكاح

٢٦٦

السبق والرماية

٩٨

بحث في استثناء الوجه والكفين

٢٧٣

الشفعة

٩٩

بحث رجالي في محمّد بن قيس الراوي

٢٩٤

اللقطة

١٠٠

أشياء يتعلق بنكاج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله

٣٢٤

الغصب

١٠١

٣٤٠