مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام - ج ٣

جواد الكاظمي

مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام - ج ٣

المؤلف:

جواد الكاظمي


المحقق: محمّد الباقر البهبودي
الموضوع : الفقه
الناشر: المكتبة المرتضويّة لإحياء الآثار الجعفريّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٤٠

هذا ، وفي تعليق الجواب ـ اعنى قوله (فَانْكِحُوا) ـ بالشرط ـ أعني قوله (خِفْتُمْ) غموض ، (١) ومن ثم اختلف أقوال المفسرين فيه ، فقيل معنى الآية ان خفتم ألا تعدلوا في يتامى النساء إذا تزوجتم بهن فتزوجوا ما طاب لكم من غيرهن ، فقد روي أن الرجل كان يجد اليتيمة لها مال وجمال فيتزوجها ضنّا بها عن غيره ، فربما اجتمعت عنده عشر منهن فيخاف لضعفهن وعدم من يغضب لهن أن يكون ظالما لهن حقوقهن ومفرطا فيما يجب لهن ، فنزلت. والمراد ان لكم في غيرهن متّسع حيث جوز لكم الأربع فلا ينبغي لكم مع خوف الجور أن تنكحوهن.

وقيل ان المعنى ان خفتم ترك العدل في حقوق اليتامى فتحرجتم منهن ، لما روي انهم كانوا يتحرجون عن اليتامى والتصرف في أموالهم خوفا من العقاب بعد نزول آية اليتامى وما في أكل أموالهم من الحوب الكبير ولا يتحرجون عن الجور في أمور النساء من عدم التعديل ، فربما كان تحت الرجل العشرة من الأزواج والثمان والست فلا يقوم بحقوقهن ولا يعدل بينهن.

فخافوا أيضا ترك العدل بين النساء ولا تتجاوزوا القدر الذي يمكنكم العدل معه ، لان من يخرج من ذنب أو تاب عنه وهو مرتكب لمثله فهو غير متحرج ولا تائب وانما يكون كذلك لو تحرج عن الذنوب كلها.

وقيل انهم كانوا يتحرجون من ولاية اليتامى ولا يقبلونها ولا يتحرجون من الزنا ، فقيل لهم ان خفتم الجور في اليتامى فخافوا اثم الزنا وعقابه وانكحوا ما حل لكم من النساء إلى الأربع ولا تحوموا حول المحرمات.

وقد يستدل بعموم الآية على عدم اعتبار النسب ، فيجوز لوضيع النسب أن يتزوج بشريفه كما هو المشهور بين أصحابنا ، وبذلك استدل العلامة في التذكرة. وذهب بعضهم الى اعتباره فمنع من تزويج الوضيع بالشريفة ، نظرا الى بعض الاخبار وهو معارض بمثله ، فيتساقطان ويبقى عموم الآية سالما ، مع إمكان حمله على ضرب

__________________

(١) وللسيد الجليل الشريف الرضى قدس‌سره في كتابه حقائق التأويل في متشابه التنزيل في تفسير هذه الآية بيان دقيق متين من ص ٢٩١ ـ ٣١٣ فراجع.

١٨١

من التأويل جمعا بين الأدلة.

(فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا) بين هذه الأعداد المباحة لكم (فَواحِدَةً) بالنصب على القراءة المشهورة أي فانكحوا واحدة فإنها لا تحتاج الى التعديل وكثرة المؤنة بخلاف الجمع ، وقرئ بالرفع على انه خبر مبتدأ محذوف ، تقديره : فحسبكم واحدة.

وفيه دلالة على أن اباحة الأربع من النساء انما هو مع العدل بينهن وعدم الجور في القسمة ، ويستفاد من ذلك المبالغة في العدل ووجوب التحرز عما يوجب عدم العدل حيث حتم الواحدة بمجرد خوف عدم العدل.

(أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) من الإماء وان تعددت ، وفي التسوية بين الواحدة من الحرائر وبين الإماء من غير حصر ولا توقيت ولا عدد ، إشارة إلى خفة مؤنتهن وعدم لحوق التبعة من طرفهن فلا عليك أكثرت منهن أم أقللت ، وعدلت بينهن في القسم أم لم تعدل عزلت عنهن أم لم تعزل.

(ذلِكَ) أي التقليل منهن أو اختيار الواحدة أو التسري (أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا) أقرب من أن لا تميلوا عن الحق ، من قولهم عال الميزان إذا مال وعال الحاكم إذا جار ، ويؤيده (١) ما رواه العامة مرفوعا عن عائشة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في بيان ان لا تعولوا قال «ان لا تجوروا» وفي رواية أخرى (٢) «أي لا تميلوا».

__________________

(١) الكشاف ج ١ ص ٤٦٨ قال ابن حجر في الشاف الكاف المطبوع ذيله أخرجه ابن حبان وإبراهيم الحربي والطبري وابن ابى حاتم وغيرهم من رواية محمد بن زيد عن هشام عن أبيه قال ابن ابى حاتم الصواب موقوف انتهى قلت ومثله في تفسير ابن كثير ج ١ ص ٤٥١ ونقل فيه أيضا عن ابن ابى حاتم قال ابى : هذا خطأ والصحيح عن عائشة موقوف.

(٢) رواه موقوفا عن عدة في تفسير الطبري ج ٤ ص ٢٣٩ ـ ٢٤١ وابن كثير ج ١ ص ٤٥١ والجصاص في ج ٢ ص ٦٧ وفي فقه اللسان ج ٢ ص ٣١٨ ان عول مصدر فرعى مأخوذ من علا والأصلي من معانيه الارتفاع من عال الميزان إذا ارتفع احد طرفيه وأصله علا الميزان ثم نقل الى الميل عن الاعتدال لان الميزان إذا عال عدل عن الاستواء ثم الى الجور لانه ميل عن العدل والحق والمعول معول لانه ترفع به الحجارة.

وفيه أيضا ان العيال عيال لان الرجل يعول إليهم ويميل وان أعال بمعنى كثر عياله وفرعه معنى عال الرجل إذا افتقر لان ذا العيال أكثر فقرا من الذي لا عيال له.

١٨٢

ويحتمل أن يكون المراد ان لا يكثر عيالكم (١) ، من قولهم عال الرجل عياله يعولهم كقولهم مانهم يمونهم إذا أنفق عليهم. ويؤيده قراءة «ان لا تعيلوا» (٢) من عال الرجل إذا كثر عياله ، عبر عن كثرة العيال بكثرة المؤن على الكناية. ولعل المراد بالعيال الأزواج ، إذ مع التعدد يلزم الكثرة ما ليس في الواحدة.

ويحتمل أن يريد الأولاد أيضا ، فان في الواحدة لا يحصل الكثرة بالإضافة الى ما زاد عليها ، وكذا في الإماء فان التسري وان تعدد لكنه في مظنة قلة الولد بالإضافة إلى التزويج حيث انه يجوز العزل فيه كما هو مشهور.

وقد يستفاد من الآية الترغيب في النكاح وعدم تركه بالكلية ، حيث أمر مع عدم العدل بين النساء اما بنكاح الواحدة أو ملك اليمين ، فلا يخلو الحال من النكاح لأنه ان أمكنه العدل بين النساء كان الجمع مباحا له على الوجه المتقدم والا فالواحدة أو ملك اليمين. وقد يستفاد منها أن الخروج عن عهدة الأمر بالنكاح والندب اليه يحصل بملك اليمين أيضا وانه بمثابة العقد في تحصيل الغرض.

وقد ظهر من تضاعيف كلامنا أن الأمر بالنكاح ـ أعنى قوله (فَانْكِحُوا) ـ للإباحة ، قال في مجمع البيان (٣) واستدل بعض الناس على وجوب التزويج بقوله

__________________

(١) هذا المعنى ذكره الشافعي ولم يرتضه أهل الأدب وعابوه به وقد أكثروا الكلام في عيبه والدفاع عنه انظر أحكام القرآن للجصاص ج ٢ ص ٦٨ وفتح القدير ج ١ ص ٣٨٦ وتفسير الإمام الرازي ج ٩ من ص ١٧٦ ـ ١٧٩ وقال في الكشاف ان الشافعي أعلى كعبا وأطول باعا في علم كلام العرب من ان يخفى عليه مثل هذا.

لكنه سلك في تفسير الكلمة طريقه الكنايات لان من كثر عياله لزمه ان يعولهم لما يصعب عليه المحافظة على حدود الكسب وحدود الورع وكسب المال والرزق الطيب وما نقلناه خلاصة من بيان الزمخشري ليس بعين لفظه وعندي ما ذكره الزمخشري من أحسن ما تأولوا به قول الشافعي.

(٢) نقله في الكشاف ج ١ ص ٤٦٩ عن ابن طاوس وفي فتح القدير ج ١ ص ٣٨٦ عن طلحة بن مصرف.

(٣) المجمع ج ٢ ص ٧.

١٨٣

(فَانْكِحُوا) ، وهو خطأ لأنه يجوز العدول عن الظاهر لدليل ، وقد قام الدليل على عدم الوجوب.

قلت : ومما يدل على عدم الوجوب انه لو كان للزم وجوب مثنى من النساء ولا قائل به ، فانتفت دلالة الآية من هذا الوجه ، ولعل مراد الطبرسي من الدليل هذا.

ويمكن حمل الأمر على الاستحباب ، وفيه تأمل إذ استحباب الثنتين وما فوقها غير ظاهر ، بل قد يظهر من الشيخ كراهة ذلك ، ولعل وجهه التحرز عن عدم العدل وكونه مظنة الوقوع فيه ، وهذا مما يقوى كونه للإباحة أيضا.

ثم انه تعالى خاطب الأزواج وأوجب عليهم إعطاء مهور النساء بقوله (وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ) مهورهن ، والصدقة المهر في لغة أهل الحجاز ، وقد يسمى المهر صداقا لأنه مظهر لدعوى صدق الزوج في المحبة إذا دفعه ، وقرئ على وجوه أخر.

(نِحْلَةً) أي عطية ، يقال نحلة كذا نحلة إذا أعطاه إياه من طيب نفس بلا توقع عوض سمي به المهر مع كونه عوض البضع لاشتراك فوائد التزويج بينهما واختصاص الزوج بدفع المهر إلى الزوجة فكان ذلك عطية من الله ابتداء وعطية من الزوج نفسه.

ولأنه لا يملك بدل المهر شيئا ، فإن البضع في ملك المرأة بعد النكاح كهو قبله ، وإنّما الذي استحقه الزوج هو الاستباحة لا الملك. وهو منصوب على المصدرية ، لأن النحلة والإيتاء بمعنى الإعطاء.

ويحتمل الحالية عن الصدقات اى منحولة ، أو عن فاعل آتوا بمعنى ناحلين وقيل المعنى نحلة من الله وتفضلا منه عليهن ، فيكون حالا عن الصدقات. وقيل المعنى ديانة من الله ، من انتحله إذا دان به فهو مفعول له ، أو حال عن الصدقات.

ومن فسرها بالفريضة نظر الى مفهوم الآية لا الى مفهوم اللفظ [ومن ثم عبر عنه بالفريضة في موضع آخر حيث قال (وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً) الآية] والخطاب للأزواج لأن ما قبله خطاب للناكحين. وقيل خطاب للأولياء فإن العرب كانت في الجاهلية لا تعطي البنات من مهورهن شيئا ، فنهى الله تعالى عن ذلك وأمر بدفع الحق إلى أهله.

١٨٤

وفي إطلاق النساء من غير تقييد بالدخول بهن دلالة واضحة على أن المهر يجب بمجرد العقد ، إذ به تصير المرأة من النساء ، وهو صريح في أنها تملكه بمجرد العقد كما اختاره أكثر الأصحاب ، وهو المشهور فيما بينهم ، لكنه ان دخل بها استقر وان طلقها قبل الدخول رجع عليها بالنصف.

وذهب بعض الأصحاب الى ان العقد انما يوجب من المهر نصفه لا جميعه والنصف الثاني يوجبه الدخول ، وظاهر الآية حجة عليه ، وما استدل به من الاخبار معارض بغيره أو محمول على الاستقرار ، وهو غير الملك جمعا بين الأدلة.

ومقتضى الآية وجوب الدفع بمجرد العقد وان لم تطلبه المرأة ، الا أنه مقيد بالطلب لا مطلقا كسائر الحقوق.

وقد يستدل بظاهرها على ان للمرأة الامتناع من تسليم ، نفسها إذا لم تقبضه والأصحاب متفقون في الجملة على ذلك قبل الدخول إذا كان [الزوج موسرا والمهر] حالا [وكانت الزوجة كاملة صالحة للاستمتاع].

ويؤيده ان النكاح [المشتمل على ذكر المهر] في معنى المعاوضة وان لم يكن محضة ، ومن حكم المعاوضة أن لكل من المتعاقدين المتعاوضين الامتناع من التسليم الى أن يسلم اليه الآخر.

[لكن وهل يجبر الزوج على تسليم المهر ابتداء فإذا سلم هو سلمت نفسها أو لا يجبر واحد منهما لكن إذا بادر أحدهما الى ان يسلم أجر الآخر تسلم ما عنده؟ كل محتمل ، ولا يبعد الأمر بتقابضهما معا بأن يؤمر الزوج بوضع الصداق في يد من يتفقان عليه أو يد عدل وتؤمر هي بالتمكين فإذا مكنت سلم العدل الصداق إليها ، لما في ذلك من الجمع بين الحقين. ولو كان الزوج معسرا فالأكثر على ذلك أيضا ، لأن عجز أحد المتعاوضين لا يسقط الحق الثابت للآخر].

وربما فرق بعضهم بين كون الزوج مؤسرا أو معسرا ، فجوز لها الامتناع في الأول دون الثاني لمنع مطالبته. وفيه نظر ، فان المنع من المطالبة لا يقتضي وجوب التسليم قبل قبض عوضه [الحالّ من وجه آخر ، فإنه مع اليسار إذا طالبته. نعم الزوجة

١٨٥

آثم بالمنع واستحقت هي النفقة وان لم تسلم نفسها إذا بذلت التمكين بشرط المهر ، لأن المنع حينئذ بحق واجب ، ومع الإعسار لا اثم عليه بالتأخر ، وفي استحقاقها النفقة حينئذ إشكال ينشأ من انتفاء التمكن ، إذ هو معلق بأمر يعسر حصوله عادة ، ومن ان المنع بحق فأشبه الموسر ، وأن المعلق عليه لا دخل له في العرف ، إذ يجوز رفعه بالإقراض ونحوه].

ولو كان المهر مؤجلا لم يجز لها الامتناع عن تسليم نفسها ، إذ لا يجب حينئذ شيء ، فيبقى وجوب حقه عليها بغير معارض. ولو أقدمت على المحرم وامتنعت الى أن حل الأجل ، ففي جواز الامتناع وجهان ، أما بعد الدخول ففي جواز امتناعها قبل القبض خلاف بين الأصحاب ، فبعضهم على انه بمثابة ما قبل الدخول فلها الامتناع في كل وقت وان دخل بها إذا لم تقبضه ، نظرا الى ان المقصود بعقد النكاح منافع البضع فيكون المهر في مقابلها ويكون تعلق الوطي الأول به كتعلق غيره.

وذهب آخرون إلى أنه ليس لها الامتناع بعده واستدل لهم العلامة في المختلف بأن التسليم الأول تسليم استقرّ به العوض برضى المسلم فلم يكن لها الامتناع بعد ذلك ، كما لو سلم المبيع قبل قبض الثمن ثم أراد منعه فإنه ليس له ذلك ، ولان البضع حقه والمهر حق عليه ، وليس إذا كان عليه حق ان يمنع حقه.

قلت : في كلا الدليلين بحث ، أما الأول فقياس غير واضح العلة. فإن قيل : النكاح معاوضة ، ومن حكم المتعاوضين انه إذا سلم أحدهما العوض الذي كان من قبله باختياره لم يكن له بعد ذلك حبسه لتسليم العوض الآخر. قلنا : لا نسلم أنه معاوضة ، إذ لم يثبت ذلك بنص ، على انه مخالف لها في كثير من الاحكام فلا يمكن إجراء أحكامها عليه فتأمل. وأما الثاني فلو تم أفاد وجوب التسليم قبل الدخول أيضا ، فكان لا يجوز للمرأة الامتناع بمجرد العقد ، وهو لا يقول به فتأمل.

(فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ) أيها الأزواج (عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ) أي من الصداق حملا على المعنى أو يجري مجرى اسم الإشارة أي من ذلك ، وقيل الضمير للايتاء (نَفْساً) تمييز لبيان الجنس ولذلك وحدّ ، والمعنى فان وهبن لكم من الصداق عن طيب نفس ، لكن جعل العمدة

١٨٦

في ذلك طيب النفس للمبالغة والتنبيه على انه لو صدر ذلك منهن لشكاسة أخلاقكم وسوء معاشرتكم فليس في محله ، ومن ثم عداه بعن لتضمن معنى التجافي والتجاوز ، وقال «منه» مع كون هبة الكل أيضا كذلك بعثا لهن على تقليل الموهوب.

قال في الكشاف وفي الآية دليل على ضيق المسلك في ذلك ووجوب الاحتياط حيث تلي الشرط على طيب النفس ، فقيل (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ) ولم يقل فان وهبن لكم أو سمحن ، اعلاما بأن المراعى هو تجافى نفسها عن الموهوب طيبة ، وقيل فان طبن لكم عن شيء منه نفسا ولم يقل فان طبن لكم عنها بعثا لهن على تقليل الموهوب ، ونقل عن جماعة عدم جواز هبة الكل مطلقا. ثم قال : ويجوز أن يكون تذكير الضمير لينصرف الى صداق واحد فيكون متناولا لبعضه ولو أنّث لتناول بظاهره هبة الصداق كله ، لأن بعض الصدقات واحدة منها فصاعدا.

(فَكُلُوهُ) أراد به مطلق الإنفاق والتصرف ، لأنه قد يعبر عن ذلك بالأكل ، [فيدخل فيه ما إذا كان المهر دينا في الذمة] (هَنِيئاً مَرِيئاً) صفتان من هنؤ الطعام ومرؤ إذا ساغ من غير غص أقيمتا مقام مصدريهما ، أو وصف بهما المصدر ، أو جعلتا حالا من ضمير المفعول. وقيل الهنيء ما يلذه الإنسان حال الأكل والمريء ما يحمد عاقبته.

وفي المجمع الهنيء الشفاء من المرض ويقال هنأني الطعام ومرأنى ، إذا صار لي دواء عاجلا شافيا. ثم قال : وفي كتاب العياشي مرفوعا الى أمير المؤمنين عليه‌السلام جاء رجل فقال : يا أمير المؤمنين إني يوجعني بطني. فقال : ألك زوجة. قال : نعم. قال : استوهب منها شيئا طابت به نفسها من مالها ثم اشتر به عسلا ثم اسكب عليه ماء السماء ثم اشربه ، فإني سمعت الله يقول في كتابه (وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً) وقال (يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ) وقال (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً) فإذا اجتمعت البركة والشفاء والهنيء المريء شفيت إنشاء الله. قال : ففعل ذلك فشفي.

وفي الآية دلالة على أن هبة ما في الذمة التي هي في معنى الإبراء لا تحتاج الى القبول ، وعلى عدم اختصاص الهبة بالأعيان ، كما أن الصدقة لا تختص بها على ما مر.

١٨٧

الرابعة : (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ ، إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ، فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ) المؤمنون ٥ ـ ٦).

(وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ) لا يبدونها (إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ) زوجاتهم وسراريهم ، فعلى صلة لحافظين من قولك «احفظ على عنان فرسي» على تضمين معنى النفي كما في قولك «نشدتك الله الا فعلت كذا : اى لم اطلب منك الا فعلك كذا» والمعنى هنا لا يبدونها على أحد الا على أزواجهم وسراريهم ، ويجوز أن يكون حالا أي حفظوها في كافة الأحوال إلا في حالكونهم والين على أزواجهم وسراريهم وقوامين عليهن ، من قولهم «كان على فلانة فمات عنها فخلف عليها فلان» ونظيره «فلان على البصرة» أي وال عليها. والتعبير ب «ما» في المماليك اجراء لهن مجرى العقلاء.

ولعل في الكلام اشعارا بمدحهم على حفظ فروجهم عما أمروا بالحفظ عنه وعلى عدم حفظها عما أبيح لهم ، فكما أن الحفظ عن الأول صفة مدح كذلك عدم الحفظ في الثاني ، وهو كذلك. ومن ثم قد يجب وقد يستحب وقد يباح على ما يعلم تفصيله من خارج.

(فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) ولا مذمومين ، واللوم والذم واحد ، والضمير يعود الى حافظون أو لمن دل عليه الاستثناء ، أي فان بذلوها لأزواجهم وإمائهم فإنهم غير ملومين على ذلك.

وإطلاق اباحة الأزواج والإماء وان كانت لهن أحوال يحرم وطيهن فيها كحال الحيض وبعد الظهار قبل الكفارة ونحوها ، الا أن المراد بيان جنس ما يحل وطيهنّ من غيره ، لا الأحوال التي يحل فيها الوطء من غيرها ، فان بيان ذلك من موضع آخر. على أنه مع الوطي في تلك الأحوال لا يلحقه لوم من حيث كونها زوجة أو ملك يمين وانما يلحقه من وجه آخر.

ولا تخرج المتعة من الآية ، لأنها زوجة عندنا وان خالفت الزوجات في بعض

١٨٨

الاحكام ، كما أن حكم الزوجات في نفسه مختلف. وقد اعترف صاحب الكشاف (١) بأن الآية لا تنافي المتعة لأنها زوجة.

(فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ) المستثنى الذي بينه الله تعالى من الزوجة وملك اليمين (فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ) الكاملون في العدوان المتناهون فيه كما يعطيه ضمير الفصل وتعريف الخبر ، لتجاوزهم عن الحد الذي حد الله لهم في الإباحة.

وفي الآية دلالة على تحريم النكاح بغير المذكورين ، فلا يجوز بالهبة ولا الإجارة ولا غيرهما من الوجوه. ومقتضى ذلك عدم جوازه بالتحليل أيضا في الأمة المملوكة ، الا ان الأصحاب على جوازه ، وادعى بعضهم الإجماع عليه ، وفي الاخبار المعتبرة الاسناد عن أئمة الهدى عليهم‌السلام دلالة واضحة عليه أيضا.

وعلى هذا فيمكن تخصيص العموم في آخر الآية بالتحليل ، إذ الظاهر أنه وراء التزويج والملك ، من حيث أن المتبادر من الأول العقد على وجه خاص ومن الثاني ملكية العين ، والأكثر على دخوله في أحد الأمرين السابقين :

فبعضهم أدخله في التزويج بناء على أن المحللة متعة ، وبعضهم أدخله في الملك بناء على أن الملك أعم من المنفعة والعين والتحليل تمليك منفعة.

وفي الأول بعد ، إذ ليس فيها خواص المتعة من وجوب تعيين المدة والمبلغ والصيغة الخاصة. والثاني أيضا كذلك ، إذ الظاهر من الآية هو ملك العين لا الأعم ، ومن ثم لم يجز غير التحليل حتى لو صرح بتمليك المنفعة لم يجز كما هو قول الأصحاب ، وأيضا يجوز تحليل بعض المنافع من الأمة كالقبلة واللمس والنظر فقط ونحو ذلك ، على ما اقتضته الأخبار المعتبرة الاسناد ولا يجوز تمليكها.

وبالجملة فما ذكروه بعيد ، والأظهر الأول لشيوع التخصيص حتى قيل ما من عام الا وقد خص. ومما ذكرنا يمكن تخصيصها أيضا بالجارية المملوك بعضها فقط أو المشتركة بين الشخصين كما ذهب بعض الأصحاب إلى جواز وطيها مع اذن الشريك ،

__________________

(١) انظر الكشاف ج ٣ ص ١٧٧ وانظر أيضا تعاليقنا على كنز العرفان ج ٢ ص ١٦٥

١٨٩

لكن هذا يتوقف على ورود الدليل عليه بخصوصه ، وكونه مما يصح تخصيص القرآن به والا كان على المنع.

الخامسة (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) (المائدة ـ ٥).

(الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ) سيجيء الكلام في تفسير هذه مفصلا.

(وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ) الحرائر أو العفائف من المؤمنات ، أي أحل لكم نكاحهن ، وتخصيصهن بعث على ما هو الاولى في أمر النكاح (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) أي أحل لكم نكاحهن أيضا.

ظاهر الآية انه لا فرق في أهل الكتاب بين الحربي منهم والذمي لشمول الاسم لهما ، ومن ثم قال القاضي وان كن حربيات ، ونقل عن ابن عباس عدم الحل في الحربيات ، ولعل وجهه انها قد تسترق وهي حامل فيسترق الولد معها ولا يقبل قولها في حبله من مسلم ، وفيه ان هذا انما يفيد تأكد الكراهة.

(إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) وتقييد الحل بإتيان المهور لتأكيد وجوبهن لا لأن الحل ينتفي مع عدم الإيتاء. ويمكن أن يكون المراد بايتائهن التزام مهورهن.

ومقتضى الآية ان نكاح الكتابية حلال ، واليه ذهب أكثر العلماء ، وقال به جماعة من أصحابنا ، ولا ينافيه قوله تعالى (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ) على ما سيجيء لأن الظاهر من المشرك غير الكتابي ، ولو سلم دخوله فيه فهي عامة وهذه خاصة فتخصص بها. وفي الكشاف ان قوله (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ) منسوخ بقوله (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) نظرا الى ان سورة المائدة كلها ثابتة لم ينسخ منها شيء قط على ما سلف مرارا.

وفيه نظر ، إذ النسخ فرع التنافي ولا تنافي بين العام والخاص فلا وجه للنسخ بل التخصيص لازم. نعم في قوله تعالى (وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ) دلالة على المنع من نكاح الكافرة وان كانت كتابية ، فتنافي الآية المذكورة. ومن ثم ذهب بعض

١٩٠

الأصحاب إلى المنع لهذه الآية ، ويؤيده ما رواه زرارة عن الباقر عليه‌السلام (١) قال : سألته عن قول الله عزوجل (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ)؟ فقال : هي منسوخة بقوله (وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ).

ويمكن أن يقال : ان قوله (وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ) ليس صريحا في إرادة النكاح فكيف ينسخ به ، وإثبات النسخ بتلك الرواية مشكل خصوصا مع عدم صحتها (٢) وورود روايات كثيرة بالجواز :

روى محمّد بن مسلم (٣) عن الباقر عليه‌السلام قال : سألته عن نكاح اليهودية والنصرانية. قال : لا بأس. وفي صحيحة معاوية بن وهب (٤) عن ابى عبد الله عليه‌السلام في الرجل المؤمن يتزوّج باليهودية والنصرانية ، فقال : إذا أصاب المسلمة فما يصنع باليهودية والنصرانية؟ قلت : يكون فيها الهوى. فقال : ان فعل فليمنعها من شرب الخمر ومن أكل لحم الخنزير واعلم انه عليه في دينه غضاضة.

__________________

(١) الكافي ج ٢ ص ١٤ باب نكاح الذمية الحديث ٨ وهو في المرات ج ٣ ص ٤٥٣ ورواه في التهذيب ج ٧ ص ٢٩٨ بالرقم ١٢٤٥ والاستبصار ج ٣ ص ١٧٩ بالرقم ٦٤٩ قال المجلسي قدس‌سره : قوله منسوخة يمكن ان يكون إباحتها منسوخة بالكراهة فإن النهي أعم منها ومن الحرمة وكذا ذكره الوالد رحمه‌الله وفي المرات أيضا نقلا عن شرح المختصر النافع ودعوى نسخها (والمحصنات) بقوله ولا تمسكوا بعصم الكوافر لم يثبت فان النسخ لا يثبت بخبر الواحد خصوصا مع معارضته بما هو أصح منه.

(٢) لم يتبين لي وجه لعدم صحة الحديث فان كان لأجل إبراهيم بن هاشم فقد عرفت صحته نعم الحق في أصل المسئلة صحة نكاح الكتابيات انظر تعاليقنا على كنز العرفان ج ٢ من ص ١٩٣ ـ ١٩٩.

(٣) التهذيب ج ٧ ص ٢٩٨ الرقم ١٢٤٧ والاستبصار ج ٣ ص ١٧٩ الرقم ٦٥٠ وتتمة الحديث : اما عملت انه كان تحت طلحة بن عبيد الله يهودية على عهد النبي (ص).

(٤) الكافي ج ٢ ص ١٣ باب نكاح الذمية الحديث ١ وهو في المرات ج ٣ ص ٤٥٢ ورواه في التهذيب ج ٧ ص ٢٩٨ الرقم ١٢٤٨ والاستبصار ج ٣ ص ١٧٩ الرقم ٦٥٢ والفقيه ج ٣ ص ٢٥٧ الرقم ١٢٢٢.

١٩١

وفيها إشارة إلى كراهة ذلك ، فيمكن حمل النهي الوارد فيه على الكراهة. ويمكن حمل المنع على النكاح الدائم والجواز على المتعة كما ذهب إليه جماعة من أصحابنا.

ويؤيده ظاهر قوله تعالى (إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) فان مهر المتعة قد أطلق عليه الأجر في آيتها ، ولإيماء بعض الاخبار الى أن نكاح الكافرة لا يكون إلا في حال الضرورة. وفيه نظر ، فإن الأجر يطلق على المهر ، وقد ورد في القرآن أيضا وصحيحة معاوية المقدمة صريحة في الجواز مطلقا اختيارا ، وقد ورد بعض الاخبار بجوازها متعة لا ينفي جواز غيرها. وبالجملة فالوقوف مع ظاهر القرآن هو اللازم والاحتياط غير خفي ، وسيجيء تمام الكلام إنشاء الله].

السادسة : (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً) (النساء ـ ٢٤).

(وَأُحِلَّ لَكُمْ) ذكر تعالى أولا محرمات النكاح ثم بين المحللات ، فهو عطف على الفعل المضمر الذي نصب كتاب الله سابقا ، أي كتب الله عليكم تحريم المذكورات سابقا (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) من المحرمات المذكورة سابقا ، وهو عام خص بالمنفصل من الاخبار ، بل الإجماع الدال على تحريم نكاح المرأة على عمّتها أو خالتها بغير رضاهما وعلى تحريم جميع ما تقدم من الرضاع أيضا وان كان المذكور فيها البعض [بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب (١)].

وعلى تحريم المطلقة ثلاثا [بقوله (فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ)] وعلى تحريم الحربية والمرتدة بدليل (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ) ، وعلى تحريم الأمة مع القدرة على الحرة ، وعلى تحريم الملاعنة [بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله «المتلاعنان

__________________

(١) انظر الحديث بألفاظه المختلفة في الوسائل الباب ١ من أبواب ما يحرم بالرضاع ج ٣ ص ٤٧ ط الأميري ومستدرك الوسائل ج ٢ ص ٥٧٢ و ٥٧٣ ومن أهل السنة البيهقي ج ٧ من ص ٤٥١ ـ ٤٥٣ ومجمع الزوائد ج ٤ ص ٢٦١ ونيل الأوطار ج ٦ ص ٣٣٦ و ٣٣٧.

١٩٢

لا يجتمعان أبدا» (١)].

(أَنْ تَبْتَغُوا) مفعول له بمعنى بين لكم ما تحل مما تحرم إرادة أن يكون ابتغاؤكم (بِأَمْوالِكُمْ) كالمهر المدفوع إليهن ، ويمكن إدخال ثمن السراري فيه على ما يظهر من القاضي.

(مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ) منصوبين على الحال من فاعل «تبتغوا» ومفعوله مقدر وهو النساء. ويحتمل أن لا يقدر له مفعول ، فكأنه قيل إرادة أن تصرفوا أموالكم حالكونكم محصنين لا حالكونكم مسافحين لئلا تضيعوا أموالكم التي جعل الله لكم فيها قياما فيما لا يحل لكم فتخسروا دينكم ودنياكم.

وفيه دلالة على انه لا يحل إخراج الأموال في النساء بل ولا في غيرهن حال عدم ابتغاء الإحصان والمسافحة ، وهو أبلغ من تقدير المفعول.

ويحتمل أن يكون (أَنْ تَبْتَغُوا) بدلا من (ما وَراءَ ذلِكُمْ) بدل اشتمال [اي أحل لكم ابتغاء ما شئتم من الحلال عدا المحرمات المذكورة]

واستدل الحنفية بظاهر الآية على أن المهر لا بد أن يكون مالا ولا يجوز أن يكون منفعة قالوا : ولو أصدقها تعليم سورة من القرآن لم يكن ذلك مهرا ، ولها مهر مثلها لأن الابتغاء بالمال اسم للأعيان لا للمنافع.

واستدلوا بها أيضا على أن المهر لا بد أن يكون عشرة دراهم فصاعدا ، ولا يجوز أن يكون أقل من عشرة ، لأنه تعالى قيد التحليل بالابتغاء بالأموال ، وما نقص عن ذلك لا يسمى أموالا.

والجواب : أما عن الأول فلأن تخصيص المال بالذكر لا ينفي ما عداه إلا بدلالة مفهوم اللقب وهو متروك عند المحققين ، ولو سلم فالمفهوم انما يعتبر لو لم يكن في الذكر فائدة سواه ، والفائدة هنا خروجه مخرج الأغلب كما لا يخفى فلا يدل على نفي ما سواه.

__________________

(١) مستدرك الوسائل ج ٢ ص ٥٨١ عن عوالي اللآلي وأخرجه الدار قطني في السنن ج ٣ ص ٢٧٩ بلفظ المتلاعنان إذا تفرقا لا يجتمعان ابدا.

١٩٣

وأما عن الثاني فلان قوله (بِأَمْوالِكُمْ) مقابلة الجمع بالجمع ، فيقتضي توزيع الافراد على الافراد ، فيتحقق كل واحد من ابتغاء النكاح بما يسمى مالا ، والقليل والكثير في هذه الحقيقة سواء.

وقد انعقد إجماع أصحابنا وتظافرت أخبارهم (١) على جواز كون المهر مالا ومنفعة قليلا أو كثيرا من غير تحديد بقدر معين. وقد وافقنا على ذلك الشافعية من العامة.

والإحصان العفة ، فإنها تحصن النفس عن اللوم والعقاب ، لأن صاحبها لا يقع في الحرام. والسفاح الزنا ، من السفح وهو صب المنيّ ، فإنه الغرض منه ، وقد كان الفاجر يقول للفاجرة سافحينى.

(فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ) فمن تمتعتم به من النساء المحللات لكم ، والتعبير بما ذهابا الى الوصف. أو المراد فما استمتعتم به منهن من عقد عليهن ونحوه ، والاستمتاع والتمتع بمعنى واحد ، والاسم المتعة.

(فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) التي وقع عليها العقد كسائر الاجراء (فَرِيضَةً) حال من الأجور ، بمعنى مفروضة ، أو صفة مصدر محذوف أي إيتاء مفروضا ، أو مصدر مؤكد لما تقدمه والتقدير فرض ذلك فريضة.

والأكثر من العلماء على أن الآية نزلت في مشروعية المتعة ، وهي النكاح المنعقد بمهر معين إلى أجل معلوم. وعلى ذلك أصحابنا الإمامية أجمع ، وهو قول ابن عباس والسدي وسعيد بن جبير وجماعة من الصحابة والتابعين. قال في المجمع وهذا هو الواضح لأن لفظ الاستمتاع والتمتع ـ وان كان في الأصل واقعا على الانتفاع والالتذاذ ـ فقد صار في عرف الشرع مخصوصا بهذا العقد ، (٢) لا سيما إذا أضيف الى النساء ، فعلى هذا يكون معناه فمتى عقدتم عليهن هذا العقد المسمى متعة فآتوهن أجورهن ، ويدل

__________________

(١) انظر الوسائل الباب ٢١ من أبواب المتعة والباب ١ الى الباب ٦ من أبواب المهور ص ٧٨ و ١٠٣ و ١٠٤ ط الأميري ومستدرك الوسائل ص ٥٩٠ و ٦٠٤ ـ ٦٠٦ ويتعرض المصنف بعد ذلك لبعض احاديث الباب عند شرح الآية ٢٠ من سورة النساء.

(٢) المجمع ج ٢ ص ٣٢.

١٩٤

على ذلك أن الله تعالى علق وجوب إعطاء المهر بالاستمتاع ، وذلك يقتضي أن يكون معناه هذا العقد المخصوص دون الجماع والاستلذاذ ، لأن المهر لا يجب إلّا به.

وقد روى عن جماعة من الصحابة منهم أبى بن كعب وعبد الله بن عباس وعبد الله بن مسعود انهم قرأوا «فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمّى فآتوهن أجورهن» ، وفي ذلك تصريح بأن المراد به عقد المتعة.

وقد أورد الثعلبي في تفسيره عن حبيب بن ابى ثابت (١) قال : أعطاني ابن عباس مصحفا فقال هذا على قراءة أبي ، فرأيت في المصحف «فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى».

وبإسناده عن أبي نضرة (٢) قال : سألت ابن عباس عن المتعة. فقال : أما قرأت سورة النساء؟ فقلت : بلى. فقال : أما تقرأ «فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى»؟ قلت : لا اقرأها هكذا. قال ابن عباس : والله هكذا أنزلها الله عزوجل ـ ثلاث مرات.

وبإسناده عن سعيد بن (٣) جبير أنه قرأ «فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى».

__________________

(١) حديث حبيب ابن ابى ثابت رواه في الطبري أيضا ج ٥ ص ١٢ وفيه فرأيت المصحف عند نصير فيه فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى.

(٢) حديث أبي نضرة كذلك رواه في الطبري أيضا ج ٥ ص ١٣ وفي الدر المنثور ج ٢ ص ١٤٠ واخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن الأنباري في المصاحف والحاكم وصححه من طرق عن أبي نضرة قال قرأت على ابن عباس فما استمتعتم به منهن فأتوهن أجورهن فريضة قال ابن عباس فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فقلت ما نقرؤها كذلك قال ابن عباس والله لا نزلها الله كذلك.

قلت وتراه أيضا في الطبري ج ٥ ص ١٣ وفيه والله لا نزلها الله كذلك ثلاث مرات وتراه في مستدرك الحاكم ج ٢ ص ٢٠٥ كتاب التفسير وقد أقره الذهبي أيضا.

(٣) رواه في الطبري أيضا وأخرجه في الدر المنثور ج ٢ ص ١٤٠ عن ابن ابى داود في المصاحف عن سعيد بن جبير انه قراءة ابى بن كعب قال العلامة كاشف الغطاء أعلى الله مقامه الشريف في كتابه أصل الشيعة وأصولها ص ١٣٤ ومما ينبغي القطع به ان ليس مرادهم التحريف في كتابه جل شأنه والنقص منه (معاذ الله) بل المراد بيان معنى الآية على نحو التفسير الذي أخذوه من الصادع بالوحي ومن انزل عليه ذلك الكتاب الذي لا ريب فيه انتهى.

١٩٥

وبإسناده عن شعبة (١) عن الحكم بن عيينة قال : سألته عن هذه الآية (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ) أمنسوخة هي؟ قال : لا. قال الحكم : قال علي بن ابى طالب ـ عليه‌السلام : لو لا أن عمر نهى عن المتعة ما زنى إلا شقي.

__________________

(١) رواه في الطبري أيضا ج ٥ ص ١٣ وعنه الرازي في تفسيره ج ١٠ ص ٥٠ والنيسابوري ج ١ ص ٤٢١ ط إيران وفي الدر المنثور ج ٢ ص ١٤٠ عن عبد الرزاق وابى داود في ناسخه وابن جرير ، وترى حديث على لو لا ما سبقني. في كتب الشيعة في الكافي ج ٢ ص ٤٢ باب المتعة الحديث ٢ وهو في المرات ج ٣ ص ٤٨١ والعياشي ج ١ ص ٢٣٣ الرقم ٨٥ وكنز العرفان ج ٢ ص ٤٨.

ورواه في الوسائل ج ٣ ص ٧٣ الباب ١ من أبواب المتعة عن رسالة المتعة للمفيد عن ابن بابويه بأسانيد كثيره الى ابى عبد الرحمن بن ابى ليلى عن ابى عبد الله وبإسناد أخر عن على وفي مستدرك الوسائل ج ٢ ص ٥٨٧ عن كتاب عاصم بن حميد عن ابى بصير عن ابى جعفر عن على (ع) وعن العياشي عن النضر عن عاصم عن ابى جعفر عن جابر عن على (ع).

واخرج في الدر المنثور ج ٢ ص ١٤٠ عن عبد الرزاق وابن المنذر عن عطاء قال سمعت ابن عباس يقول رحم الله عمر ما كانت المتعة الا رحمة من الله رحم بها امة محمد (ص) ولو لا نهيه لما احتاج الى الزنا الا شفا ورواه في النهاية واللسان لغة (ش ف ى).

وللمرحوم العلامة آية الله كاشف الغطاء قدس‌سره بيان في أصل الشيعة ص ١٤٧ يعجبني نقله بعين عبارته قال رفع مقامه :

ولله در عالم بنى هاشم وحبر الأمة عبد الله بن عباس رضى الله عنه في كلمته الخالدة الشهيرة التي رواها ابن الأثير في النهاية والزمخشري في الفائق وغيرهما حيث قال ما كانت المتعة الا رحمة رحم الله بها امة محمد (ص) ولو لا نهيه عنها ما زنى الا شفا.

وقد أخذها من عين صافية من أستاذه ومربية أمير المؤمنين عليه‌السلام وفي الحق أنها رحمة واسعة وبركة عظيمة ولكن المسلمين فوتوها على أنفسهم وحرموا من ثمراتها وخيراتها ووقع الكثير في حمأة الخنا والفساد والعار والنار والخزي والبوار (أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير) فلا حول ولا قوة إلا بالله انتهى.

ثم اللفظ في رواية على عليه‌السلام في كتب أهل السنة إلا شقي واما في كتب الشيعة فنقله في المرات وقلائد الدرر ج ٣ ص ٦٧ عن ابن إدريس انه بالفاء واللفظ في روايات ـ

١٩٦

وبإسناده عن عمران بن حصين (١) قال : نزلت آية المتعة في كتاب الله عزوجل ولم تنزل بعدها آية تنسخها وأمرنا بها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فتمتعنا مع رسول الله ومات ولم ينهنا عنها ، فقال رجل بعد برأيه ما شاء ، يريد أن عمر نهى عنها.

ومما أورد مسلم بن حجاج في صحيحه (٢) : حدثنا الحسن الحلواني ، قال حدثنا

__________________

 ـ ابن عباس كلها بالفاء.

قال ابن الأثير بعد نقله حديث ابن عباس إلا شفى أي إلا قليلا من الناس من قولهم غابت الشمس الا شفا أي إلا قليلا من ضوئها عند غروبها وقال الأزهري قوله الا شفا أي الا ان يشفي يعنى يشرف على الزنا ولا يواقعه فأقام الاسم وهو الشفاء مقام المصدر الحقيقي وهو الاشفاء على الشيء انتهى ومثله في اللسان.

وقال آية الخويي مد ظله في ص ٢٢٢ من كتابه البيان على لفظ حديث على عليه‌السلام الذي عرفت انه في أكثر المصادر شقي : لعل المراد بالشقي في هذه الرواية هو ما فسر به هذا اللفظ في رواية أبي هريرة (المسند ج ٢ ص ٣٤٩) قال قال رسول الله (ص) لا يدخل النار إلا شقي قيل ومن الشقي قال الذي لا يعمل بطاعة ولا يترك لله معصية انتهى.

(١) حديث عمران بن حصين رواه في البخاري باب التمتع على عهد رسول الله من كتاب الحج ج ٤ ص ١٧٧ فتح الباري من طريق مطرف وفي كتاب التفسير تفسير سورة البقرة باب فمن تمتع بالعمرة إلى الحج ج ٩ ص ٢٥٢ فتح الباري من طريق ابى رجاء ورواه أحمد في المسند من طريق عمران القصير عن ابى رجاء عن عمران ج ٤ ص ٤٣٦ ومن طريق حميد عن الحسن عن عمران ج ٤ ص ٤٣٨.

وأخرجه مسلم بعدة طرق بألفاظ مختلفة يسير اختلاف تراها في ج ٨ من شرح النووي من ص ٢٠٦ ـ ٢٠٨ وأخرجه النسائي أيضا مع يسير تفاوت ج ٥ ص ١٥٥ والبيهقي في السنن ج ٥ ص ٢٠ وابن القيم الجوزيه ج ١ ص ٢٠٨ ولم يتعرض في الحديث ان اى المتعتين اراده.

وأورده أبو حيان في البحر المحيط ج ٢ ص ٣٨٨ والامام الرازي ج ١٠ ص ٥٠ والنيسابوري ص ٤٢١ عند تفسر آية متعة النساء.

واما الرجل فنقل عن البخاري أنه فسره بعمر وقال ابن حجر في فتح الباري لم أر هذا في شيء من الطرق التي اتصلت لنا من البخاري انتهى وعلى اى فهو المراد لأنه أول من نهى عن المتعة ومن فسره بعثمان أو معاوية فقد أخطأ راجع فتح الباري وشرح النووي وغيرهما.

(٢) حديث جابر هذا تراه في صحيح مسلم بشرح النووي ج ٩ ص ١٨٣ وأخرجه احمد أيضا في مسنده ج ٣ ص ٣٨٠.

١٩٧

عبد الرزاق ، قال أخبرنا ابن جريج ، قال عطا : قدم جابر بن عبد الله معتمرا ، فجئنا منزله فسأله القوم عن أشياء ثمّ ذكروا المتعة ، فقال : نعم استمتعنا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وابى بكر وعمر.

وهذا ظاهر في بقاء شرعيتها بعد موت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من غير نسخ.

ثم قال : ومما يدل أيضا على أن لفظ «الاستمتاع» في الآية لا يجوز أن يكون المراد به الانتفاع والجماع ، انه لو كان كذلك لوجب أن لا يلزم المهر من لا ينتفع من المرأة ، وقد علمنا انه لو طلقها قبل الدخول لزمه نصف المهر ، ولو كان المراد به النكاح الدائم لوجب للمرأة بحكم الآية جميع المهر بنفس العقد ، لأنه قال (فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) أي مهورهن ، ولا خلاف في أن ذلك غير واجب ، وانما يجب الأجر بكماله بنفس العقد في نكاح المتعة ـ انتهى.

قلت : لعل مراده من وجوب المهر بنفس العقد وجوبه كذلك مستقرا ، حتى لو وهبها المدة قبل الدخول لا ينتصف ، ولكن المشهور بين الأصحاب أن مهر المتعة أيضا لا يستقر الا بالدخول وبدونه ينتصف (١). والظاهر أنه يذهب إلى عدم التنصيف لو وهب الرجل المرأة المدة قبل الدخول أو أسقطها عنها بوجه من الوجوه ، وفيه ما فيه. والحق تمام الكلام بدون الحاجة إلى ذلك وسيجيء إنشاء الله تعالى.

(وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ) ولا اثم عليكم (فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ) في المجمع من قال ان المراد بالاستمتاع الانتفاع والجماع قال المراد به لا حرج ولا اثم عليكم فيما

__________________

(١) ونقل في الجواهر ج ٥ ص ١٣٧ ط الحاج محمد حسين الكاشاني ادعاء صاحب جامع المقاصد وابن إدريس في السرائر الإجماع عليه وفي كشف اللثام هو مقطوع به في كلام الأصحاب ومثله في الرياض.

وقد ورد به أيضا حديث زرعه عن سماعة المروي في التهذيب ج ٧ ص ٣٧٤ الرقم ١٥١٣ قال : سألته عن رجل تزوج جارية أو تمتع بها ثم جعلته من صداقها في حل أيجوز له ان يدخل بها قبل ان يعطيها شيئا قال نعم إذا جعلته في حل فقد قبضته منه فان خلاها قبل ان يدخل بها ردت المرأة على الزوج نصف الصداق.

ولا يضره الإضمار وقد عرفت الكلام في مضمرات سماعه في هذا المجلد.

١٩٨

تراضيتم به من زيادة مهر أو نقصانه أو حطه أو إبرائه ، وقال السدي معناه لا جناح عليكم فيما تراضيتم به من استيناف عقد آخر بعد انقضاء المدة المضروبة في عقد المتعة يزيدها الرجل في الأجر وتزيده في المدة. وهذا قول الإمامية وتظافرت به الروايات عن أئمتهم عليهم‌السلام.

قلت : وقد اعترف العامة بشرعية المتعة وثبوتها (١) ، الا أنهم يدعون نسخ ذلك كما قاله صاحب الكشاف (٢) والقاضي انها كانت ثلاثة أيام حين فتحت مكة ثم نسخت

__________________

(١) وقد أنهى العلامة آية الله الامينى ـ رحمة الله عليه ـ أقوالهم فيها في ج ٦ ص ٢٢٥ من الغدير إلى خمسة عشر قولا وإليك جملة من تلكم الأقوال.

١ ـ كانت رخصة في أول الإسلام نهى عنها رسول الله يوم خيبر.

٢ ـ لم تكن مباحة إلا للضرورة في أوقات ثم حرمت أخر سنة حجة الوداع قاله الحازمي.

٣ ـ لا تحتاج الى الناسخ انما أبيحت ثلاثة أيام فبانقضائها تنتهي الإباحة.

٤ ـ كانت مباحة ونهى عنها في غزوة تبوك.

٥ ـ أبيحت عام أوطاس ثم نهى عنها.

٦ ـ أبيحت في حجة الوداع ثم نهى عنها.

٧ ـ أبيحت ثم نهى عنها يوم الفتح.

٨ ـ أبيحت يوم الفتح ونهى عنها يوم ذاك.

٩ ـ ما حلت قط إلا في عمرة القضاء.

١٠ ـ هي الزنا لم تبح قط في الإسلام قاله النحاس.

١١ ـ أبيحت ثم نهى عنها عام خيبر ثم اذن فيها عام الفتح ثم حرمت بعد ثلاث.

١٢ ـ أبيحت في صدر الإسلام ثم حرمت يوم خيبر ثم أبيحت في غزوة أوطاس ثم حرمت ١٣ ـ أبيحت في صدر الإسلام وعام أوطاس ويوم الفتح وعمرة القضاء وحرمت يوم خيبر وغزوة تبوك وحجة الإسلام.

١٤ ـ أبيحت ثم نسخت ثم أبيحت ثم نسخت ثم أبيحت ثم نسخت.

١٥ ـ أبيحت سبعا ونسخت سبعا نسخت بخيبر وحنين وعمرة القضاء وعام الفتح وعام الاوطاس وغزوة تبوك وحجة الوداع.

(٢) الكشاف ج ١ ص ٤٩٨ والبيضاوي ج ٢ ط مصطفى محمد.

١٩٩

ونحن نقول إذا ثبت شرعيتها في وقت بالكتاب والسنة وإجماع الأمة فإن أحدا لم يخالف في أصل مشروعيتها كان نسخها موقوفا على الدليل الواضح القطعي الذي يقوى على معارضة القرآن ، فان نسخ القرآن بخبر الواحد لا وجه له ، وكون الخبر متواترا عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله مع عدم اطلاع أكثر الصحابة مما يقطع بعدمه.

مع أن رواياتهم في ذلك متناقضة (١) ، فقد روى الجواز أكابر الصحابة كابن عباس وأبيّ وغيرهما على ما مر ورووا المنع عن علي عليه‌السلام عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه نهى عن متعة النساء يوم خيبر و[أكثر الروايات عنهم أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله أباح المتعة في حجة الوداع ويوم الفتح ، وهذان اليومان متأخران عن يوم خيبر].

ورووا عن الربيع بن سبرة (٢) عن أبيه انه قال : شكونا العزبة في حجة الوداع ، فقال : استمتعوا من هذه النساء ، فتزوجت امرأة ثم غدوت على رسول الله وهو قائم بين الركن والباب ، وهو يقول : اني قد كنت أذنت لكم في الاستمتاع ألا وان الله قد حرمهما الى يوم القيامة.

ولا يخفى ما في هذه الروايات وأمثالها ، إذ من المعلوم ضرورة من مذهب علي وأولاده عليهم‌السلام حلها وإنكار تحريمها بالغاية ، فالرواية عن علي بخلافة باطلة.

ثم اللازم من الروايتين أن يكون قد نسخت مرتين ، فإن إباحتها في حجة الوداع الاولى ناسخة لتحريمها يوم خيبر ، ولا قائل به.

على أن المنقول من أكثر الصحابة بقاؤها إلى زمن عمر وان المحرم لها هو عمر نفسه كما هو الظاهر من رواياتهم ، وقد اشتهر عن عمر انه قال (٣) متعتان كانتا

__________________

(١) انظر تعاليقنا على كنز العرفان ج ٢ من ص ١٤٦ ـ ١٧٣.

(٢) وقد أشبعنا الكلام في روايات الربيع بن سبرة واضطرابها متنا وسندا في تعاليقنا على كنز العرفان فراجع.

(٣) رواه في منتخب كنز العمال بهامش المسند ج ٦ ص ٤٠٤ عن ابى صالح كاتب الليث في نسخته والطحاوي وتراه في البيان والتبيين للجاحظ ج ٢ ص ٢٨٢ ونقله عبد السّلام هارون في تذييله عن كتاب الحيوان ج ٤ ص ٢٧٦ وكتاب العباسية من رسائل الجاحظ ص ـ

٢٠٠