مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام - ج ٣

جواد الكاظمي

مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام - ج ٣

المؤلف:

جواد الكاظمي


المحقق: محمّد الباقر البهبودي
الموضوع : الفقه
الناشر: المكتبة المرتضويّة لإحياء الآثار الجعفريّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٤٠

على عهد رسول الله حلالا وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما. وهو ظاهر في أن الناهي عنهما نفسه ، والظاهر أن ذلك لضرب من الرأي والاجتهاد ، ولو كان النبي هو الذي نسخها أو نهى عنها لاضاف النهي إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله لا الى نفسه ، فإنه أدخل في النفوس وأزجر في الوعظ.

وفي صحيح الترمذي (١) أن رجلا من أهل الشام سأل ابن عمر عن متعة النساء ،

__________________

 ـ ٣٠٢ الرحمانية.

وتراه في أحكام القرآن للجصاص ج ١ ص ٣٤٢ ـ ٣٤٥ وج ٢ ص ١٨٤ وشرح الحديدى للنهج ج ١ ص ١٨٢ وج ١٢ ص ٢٥١ وتفسير الإمام الرازي عند تفسير آية متعة الحج ج ٥ ص ١٦٧ وآية متعة النساء ج ١٠ ص ٥٠ ـ ٥٢ والقرطبي ج ٢ ص ٣٩٢ ووفيات الأعيان ج ٢ ص ٣٥٩ ترجمة يحيى بن أكثم وزاد فيه وعلى عهد ابى بكر.

وقد نقل الراغب في المحاضرات ج ٢ ص ٩٤ ط افندى شرف قصة يناسب هنا نقلها قال : وقال يحيى بن أكثم لشيخ بالبصرة بمن اقتديت في جواز المتعة قال بعمر بن الخطاب رضي الله عنه قال كيف وعمر كان أشد الناس فيها قال لان الخبر الصحيح انه صعد الى المنبر فقال ان الله ورسوله قد أحلا لكما متعتين وانى محرمهما وأعاقب عليهما فقبلنا شهادته ولم نقبل تحريمه انتهى ولنعم ما قيل :

ان التمتع سنة مشروعة

صدع الكتاب بها وسنة أحمد

وروى المخالف ان ذلك قد جرى

زمن النبي وبعد فقد محمد

ثم استمر الأمر في تحليلها

إذ صح ذلك بالحديث المسند

عن جابر وعن ابن مسعود وفي

نص ابن عباس كريم المولد

حتى نهى رجل بغير دلالة

عنها فكدر صفو ذاك المورد

(١) انظر الترمذي ج ٣ ص ١٨٥ الرقم ٨٢٤ ط مصر مصطفى البابى الحلبي كتاب الحج باب ما جاء في التمتع وقال هذا حديث حسن صحيح وهو في ط دهلي ج ١ ص ١٠١ وفي تحفة الاحوذى ج ٢ ص ٨٢ وقريب منه ما في البيهقي ج ٥ ص ٢١ والقرطبي ج ٢ ص ٣٨٨ وزاد المعاد لابن القيم الجوزيه ج ١ ص ٢٠٩ والقصة في متعة الحج وكذا لفظ الحديث.

واللفظ في النسخ المخطوطة من مسالك الافهام متعة النساء وكذلك في الروضة ـ

٢٠١

فقال : هي حلال. فقال : ان أباك نهى عنها. فقال ابن عمر : أرأيت ان كان ابى نهى عنها وصنعها رسول الله أتترك السنة وتتبع قول أبى.

وأيضا بمقتضى حديثه لا ينبغي الفرق بين متعة النساء ومتعة الحج ، ولا خلاف ان متعة الحج غير منسوخة ولا محرمة ، وقد تواترت الاخبار عن أئمة الهدى عليهم‌السلام ببقائها وعدم نسخها ، وهم أسرار التأويل ومهبط الوحي والتنزيل ، وهم أعرف من غيرهم بمحكم القرآن من منسوخه وهو صريح في أنّ المخترع لتحريمها عمر.

وأما ما نقل في الكشاف وتفسير القاضي (١) من أن عبد الله بن عباس رجع عن القول بها عند موته وقال «اللهم اني تبت إليك من قولي بالمتعة» فمما لا يخفى على

__________________

 ـ الفصل الرابع في نكاح المتعة وكذلك في البحار ج ٨ ص ٢٨٦ ط كمپانى وقلائد الدرر ج ٣ ص ٦٨ وكذلك في نهج الحق للعلامة قدس‌سره.

وظني ان الاشتباه وقع من ناسخي نهج الحق ثم تبعه من تأخر عنه وقد تبعه لهذا الاختلاف العلامة المظفر قدس‌سره في دلائل الصدق ج ٣ ص ١٠٧ وقال أعلى الله مقامه بعد ذكر الاختلاف فلعله قد سقط من نسخة صحيحة المطبوع في هذا الزمان أو وقع الاشتباه من المصنف قدس‌سره.

وعلى تقدير الاشتباه فالحديث نافع لنا في إفادته ان عمر هو المشرع لتحريم متعة الحج خلافا لله ولرسوله فمثلها متعة النساء لان تحريمه لهما بلسان واحد وبلفظ الإنشاء لا الرواية في واحدة والإنشاء في الأخرى انتهى.

(١) قال ابن حجر في الشاف الكاف المطبوع ذيل الكشاف ج ١ ص ٤٩٨ : اما رجوعه عن المتعة فرواه الترمذي بسند ضعيف واما قوله اللهم إني أتوب إليك من قولي بالمتعة فلم أجده انتهى.

ومما يؤكد بقائه على الحكم بحل المتعة ما رواه البيهقي في السنن ج ٧ ص ٢٠٦ السطر ٨ عن أبي نضرة عن جابر رضي الله عنه قال قلت ان ابن الزبير ينهى عن المتعة وان ابن عباس يأمر بها قال على يدي جرى الحديث.

تمتعنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومع ابى بكر رضي الله عنه فلما ولى عمر خطب الناس فقال ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هذا الرسول وان هذا القرآن هذا القرآن وانهما ـ

٢٠٢

أحد أنه كذب على ابن عباس ، فان قوله بها لم يكن تشهيا من نفسه بل كان مستندا الى الدليل ، فكيف يصح الرجوع عند موته من غير أن يظهر له خلافه في حال حياته ، ويبعد ظهور دليله عند موته وكونه مخفيا عنه الى حين موته وعن غيره حتى ينتبه عليه.

ولقد اضطرب كلامهما فيها ، فتارة يفهم أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله أباحها مرة ثم حرمها ، وتارة أنها أبيحت مرتين وحرمت مرتين وانه صلى‌الله‌عليه‌وآله أباحها ثم أصبح وقال لا ان الله حرمها أبدا فإنه يفهم منه انها كانت يوما واحدا بل ليلة واحدة ، وفي موضع آخر أنها كانت ثلاثة أيام.

مع أن صاحب الكشاف قال : كان الرجل منهم يتمتع أسبوعا بثوب أو غير ذلك ويقضي وطره منها ثم يسرحها. ومثل هذا الاضطراب في كلامه لتحريم ما أحل الله حيث أن عمر حرمها خروج الى مخالفة الله ورسوله.

(إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً) بمصالح العباد (حَكِيماً) فيما فرض لهم من عقد النكاح الذي يحفظ به الأموال والأنساب ، أو فيما فرض لهم من الأحكام.

السادسة : (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ وَاللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (النساء : ٢٥)

__________________

 ـ كانتا متعتان على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وانا أنهى عنهما وأعاقب عليهما إحداهما متعة النساء ولا اقدر على رجل تزوج امرأة إلى أجل إلا غيبته بالحجارة والأخرى متعة الحج افصلوا حجكم من عمرتكم فإنه أتم لحجتكم وأتم لعمرتكم.

قال البيهقي أخرجه مسلم في الصحيح من وجه أخر قلت وترى ما أخرجه مسلم في ج ٩ ص ١٨٢ من شرح النووي يظهر منه ومن أحاديث أخر أيضا مثل ما في ص ١٨٨ منه من قول ابن الزبير ان ناسا اعمى الله أبصارهم. يعرض بابن عباس يدل على بقائه على حكم الحل زمان خلافة ابن الزبير ورجوعه عند ظهور أمارات الموت بعيد كل البعد كما افاده المصنف قدس‌سره بل لعله مقطوع العدم.

٢٠٣

(وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً) غنى واعتلاء ، وأصله الفضل والزيادة ، ويقال لفلان عليّ طول أي زيادة وفضل ، ومنه الطول في الجسم لأنه زيادة فيه كما أن القصر قصور فيه.

وقوله (أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ) في موضع النصب به ، أو بفعل مقدر صفة له ، أي ومن لم يستطع منكم ان يعتلى نكاح المحصنات ، أو من لم يستطع غنى يبلغ به نكاح المحصنات ، يعنى الحرائر المسلمات (فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) أي فليتزوج من جنس ما ملكتم (مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ) والمراد إماء الغير المسلمات ، لأن الإنسان لا يجوز له أن يتزوج بجارية نفسه ، يعني يجوز التزوج بهن مع عدم استطاعة الطول لنكاح الحرة.

ومن احتمل في الآية أن يكون المعنى : فمن لم يقدر على نكاح المسلمة الحرة فليأخذ الإماء سراري ، فقد أبعد.

وقد نبه عليه الشيخ في الخلاف حيث قال : فان قالوا معنى قوله (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ) أراد به الوطي فيهما ، فكأنه قال من لم يقدر على وطء حرة وطئ أمة بملك اليمين وهكذا نقول. قلنا هذا فاسد من ثلاثة أوجه : الأول : ليس من شرط جواز ملك اليمين عدم القدرة على وطي الحرة والثاني أن قوله (فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ) يمنع من الحمل على وطى ملك اليمين والثالث أنه قال أخيرا (ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ) وليس من شرط جواز ملك اليمين ذلك ـ انتهى ، وهو جيد.

والظاهر أن الخطاب للاحرار ، فلا يجري هذا الشرط في العبد ، بل يباح له نكاح الأمة وان قدر على الحرة بلا خلاف بينهم.

[وتقييد الإماء بالمؤمنات ظاهر فإنه لا يجوز نكاح الأمة الكافرة بوجه لاجتماع الرق والكفر فيها ، وذلك نقصان في الغاية. وقيل بالجواز وان مفهوم الوصف لا حجة فيه ، أو يحمل على الأفضلية ، كما أن تقييد المحصنات بالمؤمنات كذلك ، إذ يجوز نكاح المحصنة الكتابية كما مر في قوله تعالى (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ).

والقولان مبنيان على جواز نكاح الكافرة الكتابية وعدمه. وفرق بعض الشافعية

٢٠٤

فجعل المؤمنات في الأوّل قيدا دون الثاني ، وجوز نكاح الأمة لمن قدر على الحرة الكتابية دون الأمة].

(وَاللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ) فيعلم ما بينكم وبين أرقائكم من التفاضل فيه ، فربما كان ايمان الأمة أرجح من ايمان الحرة ، ومن حق المؤمن أن يعتبر فضل الايمان لا فضل النسب ، والمراد تأنيسهم بنكاح الإماء ومنعهم عن الاستنكاف منه.

(بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ) أنتم وارقاؤكم متناسبون نسبكم من آدم ودينكم الإسلام فلا تأبوا نكاح الإماء ، لأن المدار على الجنسية والايمان ولا تفاضل بينكم في الجنسية. نعم تفاضلكم في الايمان ، وهو أمر لا يعلمه الا الله.

(فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ) يريد مواليهن وأربابهن. وفيها دلالة واضحة على أن نكاح الأمة لا يجوز بدون اذن سيدها. ومقتضى الإطلاق توقف جواز النكاح مطلقا على الاذن ، سواء كان النكاح دائما أو منقطعا لصدق النكاح على كل منهما ، وسواء كان المولى رجلا أو امرأة ، وهو المشهور بين الأصحاب.

وللشيخ في النهاية (١) قول بجواز العقد المنقطع على مملوكة المرأة من غير اذنها ، استنادا إلى رواية سيف بن عميرة عن علي بن المغيرة قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يتمتع بأمة امرأة بغير اذنها. قال : لا بأس به. ونحوها مما رواه سيف أيضا عن داود بن فرقد عنه عليه‌السلام بلا واسطة.

والشيخ في الاستبصار بعد أن أورد هذه الاخبار والاخبار الدالة على أن نكاح الأمة بغير إذن أهلها لا يجوز ، قال : لا تنافي بين هذه الاخبار والاخبار المانعة ، لأن هذه الاخبار الأصل فيها واحد وهو سيف بن عميرة ، فتارة يرويه عن علي بن المغيرة

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٢٥٨ بالرقم ١١١٣ و ١١١٤ و ١١١٥ الأول عن سيف بن عميرة عن على بن المغيرة عن ابى عبد الله والثاني عن سيف عن داود بن فرقد عن الصادق والثالث عن سيف عن الصادق بلا واسطة والأحاديث الثلاثة في الاستبصار ج ٣ ص ٢١٩ بالارقام ٧٩٥ و ٧٩٦ و ٧٩٧ وروى الأخير في الكافي أيضا ج ٢ ص ٤٧ باب تزويج الإماء الحديث ٤ وهو في المرآة ج ٣ ص ٤٨٥.

٢٠٥

عنه عليه‌السلام ، وتارة عن داود بن فرقد عنه عليه‌السلام ، وتارة عنه عليه‌السلام بلا واسطة ، ومع ذلك فالإخبار المانعة مطابقة لقول الله تعالى (فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ) ، وذلك عام في النساء والرجال وهذه الاخبار مخالفة لتلك فينبغي أن يكون العمل بها.

ثم قال : ويمكن مع تسليمها أن يخص الأخبار المانعة بهذه الاخبار فيحمل هذه الاخبار على جواز ذلك في عقد المتعة دون الدوام لئلا تتناقض الاخبار ، انتهى.

والاولى طرح هذه الاخبار لوقوع الاضطراب في سندها ومعارضتها بما هو أصرح منها وأكثر ، وذلك يوجب سقوطها والعمل بظاهر القرآن ، مع أنها مخالفة للأصل الذي هو تحريم التصرف في مال الغير بدون اذنه عقلا وشرعا ، فلا وجه للالتفات إليها وان كانت صحيحة ، ولذلك طرحها الأصحاب عدا الشيخ في النهاية جريا على قاعدته.

وفي الاكتفاء باذن الأهل في إباحة نكاحهن دلالة على جواز مباشرتهن العقد كما ذهب إليه أصحابنا وتابعهم الحنفية فيه وأنكره الشافعية ، فقول القاضي انه لا اشعار فيه بذلك بعيد.

ومقتضى الآية عدم اعتبار إذن الأمة ، حيث جعل نكاحها منوطا بإذن الأهل فقط ، فاقتضى ذلك الجواز مع إذنهم فقط وان كانت كارهة. وقد انعقد الإجماع على ان للسيد إجبار أمته على النكاح سواء كانت صغيرة أو كبيرة بكرا أو ثيبا.

(وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) وأدوا إليهن مهورهن بإذن أهلهن ، فحذف لتقدم ذكره ، أو المراد فآتوا مواليهن ، فحذف المضاف للعلم بأن المهر للسيد لأنه عوض حقه فيجب أن يؤدى اليه. ولا خلاف في ذلك بين علمائنا ، وهو قول أكثر العامة ، خلافا لمالك حيث ذهب الى أن المهر للأمة نظرا الى الظاهر.

(بِالْمَعْرُوفِ) بغير مطل وضرار واحواج إلى الاقتضاء واللزّ ، أو مهر المثل مع خلو العقد عن ذكر المهر (الْمُحْصَناتِ) عفائف (غَيْرَ مُسافِحاتٍ) غير مجاهرات بالسفاح بقرينة قوله (وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ) أخلّاء في السّر أى مسرّات للسفاح ، جمع خدن وهو الخليل سرا.

وعن ابن عباس انه كان قوم في الجاهلية يحرمون ما ظهر من الزنا ويستحلون

٢٠٦

ما خفي منه ، فنهى الله سبحانه عن الزنا سرا وجهرا ، وهي كلها أحوال عن المفعول.

(فَإِذا أُحْصِنَّ) بالتزويج على قراءة المجهول ، أي إذا زوجن وأحصن من الزنا بالتزويج ، وقرء على البناء للفاعل ومعناه أحصن أنفسهن من الزنا بالتزويج أو أحصن أزواجهن منه.

(فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ) أي زنين (فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ) أي الحرائر (مِنَ الْعَذابِ) وهو الحد لقوله (وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) وهو في الزنا مائة جلدة نصفها خمسون ولا رجم عليهن ، لأن الرجم لا ينتصف فلا يثبت عليهن مطلقا الا ان يكون في المرتبة الثامنة لهن بعد اقامة الحد ، فإنهن يرجمن في التاسعة كما دلت عليه رواية زرارة وبريد العجلي عن الصادق عليه‌السلام ، وسيجيء إنشاء الله.

ومقتضى الشرط عدم ثبوت الحد مع عدم الإحصان ، لكنه غير مراد عندنا وعند أكثر العامة ، فإن الحد ثابت على الأمة وان لم تكن محصنة. ولعل فائدته بيان أن المملوك وان كان محصنا فحده الجلد لا الرجم ، وهو لا ينافي ثبوت الحد فيه مع الزنا وان لم يكن محصنا. [أو المراد ان حد الزنا يغلظ عند التزويج ، فهذه إذا زنت وقد تزوّجت فحدها خمسون جلدة لا يزيد عليها ، فبان يكون حدها هذا القدر قبل التزويج أولى].

وأخذ بعض العامة بظاهر الآية فنفاه عن غير المزوجة من الإماء ، وأيده بحصول الشبهة لهن من تجويز الزنا مع عدم الزوج لما في تركه من الإضرار.

وهو بعيد. أما الشبهة فلا أصل لها ، ولو أسقط الشبهة المذكورة الحد لسقط مع التزويج أيضا ، إذ قد يحصل في بعض الأحيان ، وهو خلاف الكتاب والإجماع. ولأن الظاهر ان سوق الآية لبيان أن المملوكة وان كانت محصنة فلا رجم عليها ، ويبقى عموم الأدلة الدالة على ثبوت الحد مع الزنا خالية عن المعارض.

ولو حملنا الإحصان على الإسلام ـ كما قاله بعضهم ـ أمكن القول بعدم الحد في الكافرة لمكان الشبهة ، وفيه ما فيه.

ويلزم من التنصيف في الأمة التنصيف في العبد ، لعدم القائل بالفصل ، فلا رجم

٢٠٧

عليه لعدم التنصيف فيه.

(ذلِكَ) أي نكاح الإماء (لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ) لمن خاف الوقوع في الزنا ، وهو في الأصل انكسار العظم بعد الجبر ، فاستعير لكل مشقة وضرر ، ولا ضرر أعظم من مواقعة الإثم بأفحش القبائح.

وقيل المراد به الحد المترتب على الزنا وقيل المراد به الضرر الشديد في الدين والدنيا لغلبة الشهوة المفضية إلى الأمراض الشديدة ، كأوجاع الوركين والظهر والوسواس ونحوها وضعف القوى. قال في المجمع والأول أصح ، وهو جيد ، وهذا شرط آخر لنكاح الإماء.

وقد اختلف أصحابنا بل العامة في جواز نكاح الأمة مع عدم الشرطين ، فظاهر جماعة منهم عدم الجواز ، واختاره ابن أبي عقيل حيث قال لا يحل للحر المسلم عند آل الرسول بأن يتزوج الأمة متعة ولا نكاح إعلان إلا عند الضرورة ، وهو إذا لم يجد مهر حرة وضرت به العزوبة وخاف منها على نفسه الفجور ، فإذا كان كذلك حل له نكاح الأمة.

واليه ذهب ابن البراج حيث قال أباح الله من تضمنت الآية بشرطين : الأول عدم الطول لنكاح الحرائر والآخر أن يخشى العنت ، وذكر أن العنت الزنا.

قال : فإذا كان للإنسان أمة لم يجز لغيره ان ينكحها الا ان لا يجد الطول الى نكاح الحرة أو يخشى العنت ، فان تزوج بأمة وهو يجد الطول الى نكاح الحرة فقد خالف أمر الله وما شرط عليه. وهو قول ابن الجنيد والمفيد وجماعة مستدلين عليه بظاهر الآية الدال على ذلك وبرواية محمّد بن مسلم (١) قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الرجل يتزوج المملوكة. قال : إذا اضطر إليها فلا بأس. ومقتضى الشرط ثبوت البأس مع انتفاء الاضطرار ، وهو حجة عند المحققين. والى هذا القول يذهب الشافعية.

وذهب الشيخ في النهاية إلى جواز أن يعقد الرجل الحر على أمة غيره على كراهة مع وجود الطول ، والى ذلك ذهب جماعة من الأصحاب ، مستدلين عليه بالأصل وبعموم ما دل على الأمر بالتزويج الشامل للأمة والحرة كقوله (وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ) و (أَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ) ، (إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٣٣٤ بالرقم ١٣٧١.

٢٠٨

أَيْمانُهُمْ)، (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) ونحوها.

ويؤيد الكراهة ما رواه ابن بكير (١) مرسلا عن الصادق عليه‌السلام قال : لا ينبغي أن يتزوج الرجل الحرّ المملوكة اليوم ، انما ذلك حيث قال الله عزوجل (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً) والطول المهر ، ومهر الحرة اليوم مثل مهر الأمة وأقل. وظهور لفظة لا ينبغي في الكراهة.

وأجابوا عن الآية بأنها تدل من حيث المفهوم ، ومفهوم الشرط انما يعتبر مع كونه صريحا ، ومن ثم قيده بعضهم بمفهوم إن ولا صراحة هنا. سلمنا لكن المفهوم انما يعتبر إذا لم يكن للتقييد فائدة سوى نفي الحكم عن المسكوت عنه.

ويجوز أن تكون الفائدة هنا الترغيب في أمر النكاح والتحريص عليه وأنه لا ينبغي تركه مع عدم القدرة على نكاح الحرة ولو كان بأمة الا أن الأفضل مع القدرة كونه على الحرة. [سلمنا لكن المعلق على الشرطين الأمر بالنكاح اما إيجابا أو استحبابا ، ونفيهما لا يستلزم نفي الجواز لأنه أعم ونقيض الأخص أعم من نقيض الأعم مطلقا] وعلى هذا فيبقى عموم الأدلة سالما عن المعارض الصريح فتعمل عملها.

على أن المفهوم ضعيف فلا يقوى على معارضة المنطوق ولا يمكن تخصيصه به ، ولأن «من» عامة في الحر والعبد ، ولا خلاف بينهم في انه يجوز للعبد مع القدرة على الحرة نكاح الأمة ، ولو كان المفهوم هنا حجة لزم عدم الجواز له أيضا ـ فتأمل. ومن هنا ظهر أن القول بالجواز على كراهة غير بعيد وان كان الاحتياط في الأول.

واعلم أن ظاهر كلام بعض المانعين أنه لو عقد مع وجود الطول على الأمة كان العقد ماضيا وان فعل محرما فيرجع الخلاف معهم في تحريم العقد وكراهته ، لا في الصحة والبطلان وفيه ما فيه. نعم في كلام ابن ابى عقيل تصريح ببطلان العقد على الإماء مع انتفاء الشرطين.

(وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ) أي وصبركم عن نكاح الإماء بعد شروطه المبيحة متعففين

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٣٣٤ الرقم ١٣٧٢ والكافي ج ٢ ص ١٥ باب الحر يتزوج الأمة الحديث ٧ وهو في المرآة ج ٣ ص ٤٥٥.

٢٠٩

خير لكم من تزويجكم بهن لما فيه من المفاسد. وقد روى عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : الحرائر صلاح البيت والإماء هلاكه. وهذا كالمؤيد لجواز نكاح الأمة ، لأن المراد أن ترك التزويج بالإماء خير بدون الشرطين لا معهما ، فإنه مع خوف العنت يجب التزويج حذرا من الوقوع في الزنا أو حصول ضرر لا يتحمل مثله عادة. ومن ثم أطلق الفقهاء وجوب النكاح مع خوف الوقوع في الزنا أو حصول الضرر. وعلى هذا فلا يكون ترك التزويج بالإماء مع القدرة على الحرة وحصول الضرر أو خوف الوقوع في الزنا خيرا ، وهو ظاهر.

(وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) يغفر ذنوب عباده تفضلا وكرما أو مع التوبة ، ويجوز أن يكون المراد غفور لمن يصبر ، رحيم شرع الرخصة في نكاح الإماء.

النوع الثاني

في المحرمات

وفيه آيات :

الاولى : (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلاً) (النساء ـ ٢٢).

(وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ) ولا تنكحوا التي نكحها آباؤكم ، فقد روى ابن ـ عباس وجمهور المفسرين أن أهل الجاهلية كانوا يتزوجون بأزواج آبائهم فنهوا عن ذلك. والتعبير ب «ما» دون «من» لأنه أريد به الصفة أي المنكوحة ، ويحتمل كونها المصدرية على ارادة المفعول من المصدر.

(مِنَ النِّساءِ) بيان ما نكح على الوجهين. والنكاح فيها يمكن أن يراد به الوطي كما هو في اللغة ، فإنه حقيقة فيه لغة إجماعا ، فيكون في الشرع كذلك لأصالة عدم النقل. ويؤيده استعماله فيه كثيرا ، قال تعالى (حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ) وبالاتفاق التحليل لا يحصل بمجرد العقد ، وقال (وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ) أي الوطي لأنّ أهلية العقد حاصلة ابدا ، وقال (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً) ونحوها [من الوجوه الدالة على أن النكاح يراد به الوطي].

٢١٠

ومقتضى ذلك تحريم الزانية على ابن الزاني ، وعلى ذلك أكثر أصحابنا وهو قول أبي حنيفة ، مستدلين بظاهر الآية [الدال على أن الرجل يحرم عليه نكاح موطوء أبيه ، فيدخل فيه مزنية الأب] ويدل عليه من الاخبار ما رواه علي بن جعفر (١) في الحسن عن أخيه الكاظم عليه‌السلام قال : سألته عن رجل زنى بامرئة هل يحل لابنه أن يتزوجها؟ قال : لا.

وفي الموثق (٢) عن عمار عن الصادق عليه‌السلام في الرجل يكون له الجارية فيقع عليها ابن ابنه قبل أن يطأها الجد ، أو الرجل يزني بالمرأة هل يحل لابنه أن يتزوجها؟ قال : لا انما ذلك إذا تزوجها فوطئها ثم زنى بها ابنه لم يضره لأن الحرام لا يفسد الحلال وكذلك الجارية.

وأنكر ابن إدريس التحريم في هذه الصورة ، ونقل الإباحة عن المفيد والسيد المرتضى [وهو قول الشافعية] وقال : ان الاستدلال بقوله تعالى (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ) تمسك ببيت العنكبوت ، لأنه لا خلاف في انه إذا كان في الكلمة عرفان : لغوي وشرعي كان الحكم لعرف الشرع دون عرف اللغة ، ولا خلاف في أن النكاح في عرف الشرع هو العقد حقيقة ، وهو الطاري على عرف اللغة كالناسخ له ، والوطي الحرام لا يطلق عليه في عرف الشرع اسم النكاح بغير خلاف.

ونقل عن الشيخ في العدة التصريح بأن النكاح في عرف الشرع قد اختص بالعقد كلفظة الصلاة ، وأيضا قوله (إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ) صريح في ذلك ، وقول الرسول (٣) صلى‌الله‌عليه‌وآله «لا يحرم الحرام الحلال» دليل على صحة

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٢٨٢ الرقم ١١٩٥ والاستبصار ج ٣ ص ١٦٣ الرقم ٥٩٤.

(٢) التهذيب ج ٧ ص ٢٨٢ الرقم ١١٩٦ والاستبصار ج ٣ ص ١٦٤ الرقم ٥٩٧.

والكافي ج ٢ ص ٣٣ باب ما يحرم على الرجل مما نكح ابنه وأبوه وما لا يحل الحديث ٩ وهو في المرآة ج ٣ ص ٤٧٢.

(٣) انظر البيهقي ج ٧ ص ١٦٨ ـ ١٦٩ وانظر من كتب الشيعة ما ورد عن الأئمة عليهم‌السلام مع الاختلاف في الألفاظ مثل ما في المتن أو الحرام لا يفسد الحلال أو لا يفسد الحرام الحلال ، أو ما حرم حرام حلالا وغيرها الوسائل الباب ٤ و ٨ و ٩ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ص ٥٣ ـ ٥٥ ج ٣ ط الأميري وانظر أيضا مستدرك الوسائل ج ٢ ص ٥٧٥ ـ ٥٧٦.

٢١١

ما قلناه واخترناه ـ انتهى كلامه.

ويمكن أن يقال في رد الاستدلال بالآية على التحريم في الصورة المذكورة : انا لو سلمنا أن النكاح في الشرع يطلق على الوطء فلا كلام في أنه يطلق على العقد أيضا ، كما ورد في قوله تعالى (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى) ، (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ) و (إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ) ، «النكاح سنتي» ، ولا شك أن الوطي من حيث أنه وطي ليس سنة له ، وقوله «ولدت من نكاح لا من سفاح» وان لم نقل بثبوت الحقائق الشرعية ولم نقل باختصاص النكاح بالعقد في عرف الشرع.

وكفى بهذا تصريح صاحب الكشاف عند قوله (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ) ان النكاح في القرآن لم يجئ إلا بمعنى العقد ، وحينئذ فحمل الآية على الوطي ليس أولى من حملها على العقد ، بل الظاهر الثاني لإجماع المفسرين على أن سبب النزول هو العقد لا الوطي ، فكيف يستدل بها على التحريم في الصورة المخصوصة.

وعلى هذا فاستدلال العلامة (١) بالآية على تحريم الزانية على ابن الزاني لا يخفى ما فيه لظهور النكاح في العقد أيضا. وما أجاب عنه في المختلف من استعمال النكاح في الوطي كثيرا لا يدل على أنه مراد هنا كما لا يخفى.

ويمكن الاستدلال على التحريم في الصورة المذكورة بالأخبار السابقة الدالة على النهي ولعل إنكار ابن إدريس ذلك بناء على أصله ـ فتأمل.

ثم انه على تقدير كون المراد به العقد ، فالمشهور بين أصحابنا انه لو سبق العقد من الأب على امرأة ثم زنى بها ولده لم تحرم على الأب وان لم يدخل بها ، وعلى هذا أكثر علمائنا. وشرط ابن الجنيد في إباحتها للأب الوطي بعد العقد ، فلو عقد ولم يدخل فزنى الابن بها حرمت على الأب ابدا أما لو دخل بها لم تحرم ، محتجا عليه بظاهر قوله (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ) ولا فرق بين الأب والابن عند أحد. ويؤيده من الاخبار ما رواه عمار عن الصادق عليه‌السلام وقد تقدم.

__________________

(١) انظر المختلف الجزء الرابع كتاب النكاح ص ٧٥ ط الشيخ أحمد الشيرازي ١٣٢٤.

٢١٢

والجواب أن الظاهر من النكاح العقد كما عرفت ، ولا أقل من احتماله فتكون مجملة ، فلا يصح التمسك بها في شيء والحرام لا يحرم الحلال ، كما اشتهر في الاخبار والتقييد بالوطي في الحديث لا يدل على نفى الحكم فيما عداه ، إذ هو استدلال بمفهوم اللقب وهو ضعيف عند المحققين فتأمل.

(إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ) استثناء من المعنى اللازم للنهي وهو العقاب ، كأنه قيل تستحقون العقاب بنكاح ما نكح آباؤكم إلا النكاح الذي قد سلف قبل نزول هذه الآية فإنه معفوّ عنه لا عقاب فيه. ويمكن أن يكون استثناء من اللفظ كما استثني «غير أن سيوفهم» في قوله (١) :

__________________

(١) إشارة إلى بيت النابغة الذبياني في قوله :

ولا عيب فيهم غير ان سيوفهم

بهن فلول من قراع الكتائب

استشهد به في المغني لاستعمال بيد ويقال ميد بالميم بمعنى غير وروى البيت بيدان سيوفهم ورواه غيره غير ان سيوفهم واستشهد بالبيت السيد عليخان المدني قدس‌سره في أنوار الربيع ص ٧١٥ وابن حجة الحموى في خزانة الأدب ص ٤١٩ وحاشية الدسوقى على المختصر ج ٢ ص ٦٤٠ والمختصر والمطول كتاب البديع في تأكيد المدح بما يشبه الذم من المحسنات البديعية.

وهذا النوع من مستخرجات ابن المعتز وتأكيد المدح فيه من جهتين إحداهما كدعوى الشيء ببينة لأنه علق نقيض المطلوب وهو إثبات شيء من العيب بالمحال وهو كون الفلول من العيب مع ان الفول كناية عن كمال الشجاعة فهو في المعنى تعليق بالمحال كقولهم حتى يبيض القار وحتى يلج الجمل في سم الخياط والمعلق بالمحال محال فعدم العيب ثابت.

والثانية ان الأصل في الاستثناء ان يكون متصلا لان الاستثناء المنقطع مجاز فذكر كلمة الاستثناء يوهم السامع ان ما يأتي بعدها مخرج مما قبلها فإذا أتت بعدها صفة مدح وتحول الاستثناء من الاتصال الى الانقطاع أشعر بأنه لم يجد صفة ذم حتى يثبتها فاضطر الى صفة مدح وتحويل الاستثناء من الاتصال الى الانقطاع مع ما فيه من نوع خلابة وتأخيذ للقلوب وإليك بيت بديعية السيد عليخانى المدني رفع مقامه.

ان شئت في معرض الذم المديح فقل

لا عيب فيهم سوى إكثار نبلهم

ثم فلول السيف ثلمة ، والقراع المضاربة ، والكتائب جمع كتيبة الجماعة المستعدة للقتال.

٢١٣

ولا عيب فيهم غير ان سيوفهم

والمعنى لا تنكحوا حلائل آبائكم إلا ما قد سلف ان أمكنكم أن تنكحوه وذلك غير ممكن ، والغرض المبالغة في تحريمه وسد الطريق إلى إباحته. وقيل ان الاستثناء منقطع ، ومعناه ولكن ما قد سلف فإنه لا مؤاخذة عليه.

(إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلاً) علة للنهي ، أي ان نكاحهن كان فاحشة عند الله ما رخص فيه لأمة من الأمم ممقوتا عند ذوي المروءات ، ولذلك سمي ولد الرجل من زوجة أبيه المقتى ، كذا قاله القاضي ، ومقتضاه أن ذلك لم يكن حلالا في شيء من الأوقات وان كان معمولا به في الجاهلية على ما قيل انه كان أكبر ولد الرجل يخلف على امرأة أبيه.

وفي المجمع (١) نقلا عن أشعث بن سوار أن أبا قيس لما توفي وكان من صالحي الأنصار خطب ابنه قيس امرأة أبيه فقالت : إني أعدّك ولدا وأنت من صالحي قومك ولكن آتي رسول الله واستأمره ، فأتته فأخبرته بذلك ، فقال لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ارجعي إلى بيتك ، فأنزل الله هذه الآية.

ولا دلالة في هذا على جوازها في ذلك الوقت ، فإن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان ينتظر الوحي في الاحكام وان كانت ثابتة قبله في الملة السابقة عليه ، كما سلف في الخمر الذي ورد تحريمها بعد شرب بعض الصحابة ، مع انه لم يثبت جوازها في شريعة كما أشرنا إليه.

الثانية (النساء ٢٣) (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ) التحريم في هذه المواضع ينصرف الى الغرض الأصلي المقصود من الذات التي تعلق بها التحريم ، لأنه انما يتعلق بالأفعال لا بالذوات ، فالمراد هنا تحريم نكاحهن ، وهو المتبادر من الإطلاق كما يتبادر الأكل في (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ) ونحوها. [فقول بعضهم ان الآية مجملة بناء على أن المراد منها تحريم الفعل وهو غير مذكور ، وليست اضافة قيد التحريم الى بعض الأفعال أولى من بعض. مدفوع بما ذكرناه].

__________________

(١) المجمع ج ٢ ص ٢٦.

٢١٤

والأمهات جمع الام (١) ، والهاء مزيدة ووزن أم فعل ، أو أصلية ووزنه فعلة ، ويجمع على أمات. وقيل الأمهات للإنسان وإلا مات لغيره (٢). والام امرأة رجع نسبك إليها بالولادة بغير واسطة أو بواسطة الأب أو الأم كالجدة.

(وَبَناتُكُمْ) وهي امرأة رجع نسبها إليك بالولادة بواسطة أو بلا واسطة دخل فيها بنت الابن وبنت البنت وان نزلت.

(وَأَخَواتُكُمْ) جمع الأخت ، وهي امرأة ولدها وولدك شخص واحد بغير واسطة.

__________________

(١) اختلف أهل الأدب في الهاء من أمهات فقال بعضهم انها مزيدة لاستعمالهم الأمومة على ما حكى عن ثعلب وليس في استعمال العرب وأوزانها فعوعله حتى يكون الأمومة فعوعه بحذف اللام فهو إذا فعولة فيكون الهاء في أمهات مزيدة.

وقال آخرون انها أصلية لما نقل من كتاب العين استعمال تامهت اى اتخذت اما فهو مثل تفوهت وتنبهت وليس في استعمال العرب وأوزانها تفعلهت كي يمكن كونها مزيدة فهو على وزن تفعلت فيكون الهاء اصلية وقد استعمل امهه على وزن أبهه وترهه قال قصى :

امهتى خندف والياس ابى

استشهد بالبيت السهيلي في الروض الأنف ج ١ ص ٧ والبكري في سمط اللآلي ص ٩٥٠ على كون الألف في اليأس للوصل تسقط في الدرج وقيل إنهما أصلان وفي الأم اربع لغات بضم الهمزة وكسرها وامه بالهاء وامهه على وزن ابهة فالامات والأمهات لغتان ليست إحداهما أصلا للأخرى ولا حاجة الى دعوى حذف ولا زيادة.

انظر تفصيل البحث في شرح الشافية للمحقق الرضى ط ١٣٥٨ ج ٢ من ص ٣٨٢ ـ ٣٨٤ وشرح شواهده للبغدادى الشاهد بالرقم ١٤٩ من ص ٣٠١ ـ ٣٠٨ واللسان لغة أم وامه ومعيار اللغة كلمة أم.

(٢) ولكن قد ورد استعمال هذه الكلمة بالعكس أيضا قال مروان بن الحكم :

إذ الأمهات قبحن الوجوه

فرجت الظلام باماتكا

فاستعمل إلا مات في الإنسان وقال السفاح بن بكير اليربوعي :

قوال معروف وفعاله

عقار مثنى أمهات الرباع

فاستعمل الأمهات للرباع جمع ربع بضم ففتح وهو ما يولد من الإبل في الربيع أو ما نتج أول النتاج وهو احمد النتاج.

٢١٥

ويدخل فيها الأخوات من الأب أو الأم أو هما معا.

(وَعَمَّاتُكُمْ) جمع عمة ، وهي امرأة ولدها وولد أباك أو أبا أبيك أو أبا أمك بالغا ما بلغ شخص.

(وَخالاتُكُمْ) جمع خالة ، وهي مثل العمة الا أن النسبة هنا إلى الأم بمنزلة الأب هناك.

(وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ) يعلمان مما سبق ، إذ بعد العلم بالأخ والأخت والبنت يعلم بناتهما.

هذا هو التحريم النسبي ، ولا خلاف بين الأمة فيه ، ويتحقق في العقد الصحيح في نفس الأمر أو عند الفاعل أو كان لشبهة فإنها بحكم الصحيح عندنا ، ولو كان من زنا ـ كالبنت المخلوقة منه ـ فأصحابنا أجمع على أنه كذلك ، وبه قال أبو حنيفة ، نظرا الى ان حقيقة البنتيّة موجودة فيها ، فان البنت هي المتكونة من مني الرجل ، وانتفاء بعض الأحكام الشرعية عنها من الميراث وشبهه لا يوجب نفيها حقيقة.

ولظاهر قوله (إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ) فجعل الام الوالدة مطلقا ، فتكون المتولدة بنتا ، بل تكون حقيقة البنتية والأمية والأختية ثابتة فيها وان انتفت الأحكام الشرعية ، وحينئذ فيحرم عليه وعلى من يندرج في الآية. وبالجملة حكمها حكم البنت عن عقد صحيح في ذلك.

وأنكر الشافعي (١) التحريم وجوز وطيها بالنكاح من الرجل الذي خلقت من مائة

__________________

(١) فتوى الشافعي بجواز نكاح الرجل بنته المخلوقة من مائه بالزنا معروف مشهور نقله الشيخ في الخلاف ج ٢ ص ٣٨٢ المسئلة ٨٣ من مسائل كتاب النكاح والعلامة في التذكرة ج ٢ ص ٦١٣ والفاضل المقداد في كنز العرفان ج ٢ ص ١٨١ واسد حيدر في الإمام الصادق والمذاهب الأربعة ج ٥ ص ٢٤٥.

وقد اعترف علماء الشافعية به وأقروه واستدلوا له ، انظر تفسير الإمام الرازي ج ١٠ ص ٢٨ المسئلة الثانية من مسائل النوع الثاني من المحرمات البنات وتفسير النيسابوري ج ١ ص ٤١٨ ط إيران والمنهاج للنووي بشرح الغمراوى الموسوم بالسراج الوهاج ص ـ

٢١٦

__________________

 ـ ٣٧٢ ومغني المحتاج للشربينى الخطيب ج ٣ ص ١٧٥ وتحفة المحتاج لابن حجر الهيثمى ج ٧ ص ٢٩٩ والفقه على المذاهب الأربعة ج ٤ ص ٦٦ ورحمة الأمة في اختلاف الأئمة للشيخ محمد بن عبد الرحمن الدمشقي العثماني الشافعي المطبوع بهامش الميزان للشعرانى ج ٢ ص ٧٠ والميزان للشعرانى ج ٢ ص ١٢٠ وغيرها من كتبهم.

ونسب هذا الفتوى الى مالك أيضا الا انه لم يثبت فعنه روايتان ولما في هذا الفتوى من الاستبشاع ، قال الزمخشري في الأبيات المنسوبة اليه.

وان شافعيا قلت قالوا بأنني

أبيح نكاح البنت والبنت تحرم

حمى ابن القيم الجوزيه جانب الشافعي وأنكر صدور هذا الفتوى من الشافعي وبسط الكلام في إعلام الموقعين ج ١ من ص ٣٩ ـ ٤٣.

ونقله عنه في مقدمة تحفة الاحوذى ص ٢٠٥ وادعى ان الشافعي نص على كراهة تزوج الرجل بنته من ماء الزنا ولم يقل قط انه مباح ولا جائز والذي يليق بجلالته وإمامته ومنصبه الذي أجله الله به من الدين ان هذه الكراهة منه على وجه التحريم وأطلق لفظ الكراهة لأن الحرام يكرهه الله ورسوله ، وادعى ان لفظ الكراهة أطلق في القرآن والحديث على الحرمة.

واستدل من القرآن بقوله تعالى (كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً) بعد ذكر ما حرمه من المحرمات من الشرك والعقوق وقتل الأولاد والزنا وقتل النفس وظلم اليتيم والقول بغير علم.

ومن الحديث بقوله (ص) ان الله عزوجل كره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال.

وذكر موارد عبر فيه مالك ومحمد بن الحسن واحمد والشافعي عن الحرمة بالكراهة وقال فالسلف كانوا يستعملون الكراهة في معناها الذي استعملت فيه في كلام الله ورسوله ولكن المتأخرون اصطلحوا على تخصيص الكراهة بما ليس بمحرم وتركه أرجح من فعله ثم حمل من حمل منهم كلام الأئمة على الاصطلاح الحادث فغلط في ذلك.

ثم قال وأقبح غلطا منه من حمل لفظ الكراهة أو لفظ لا ينبغي في كلام الله ورسوله على المعنى الاصطلاحي الحادث وقد اطرد في كلام الله ورسوله استعمال لا ينبغي في المحذور شرعا أو قدرا وفي المستحيل الممتنع كقوله تعالى (وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً) وقوله (وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ) وقوله (وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ وَما يَنْبَغِي لَهُمْ) وقوله على لسان ـ

٢١٧

وهو قول مالك لأنها منتفية عنه شرعا ، لقوله (١) صلى‌الله‌عليه‌وآله «الولد للفراش» وهو يقتضي حصر النسب في الفراش ، والفرض انتفاؤه فلا يثبت بينهما تحريم. وفيه نظر ، فان انتفاء بعض الأحكام الشرعية لا يوجب عدم صدق البنتية عليها لغة ، ومدار التحريم

__________________

 ـ نبيه «كذبني ابن آدم وما ينبغي له وشتمني ابن آدم وما ينبغي له» وقوله (ص) في لباس الحرير «لا ينبغي هذا للمتقين» وأمثال ذلك انتهى.

قلت وهذا الحمى من ابن القيم الجوزية الحنبلي للشافعي مع اعتراف كبار علماء الشافعية بصدور فتوى الشافعي بالجواز أشبه شيء بما هو المعروف في لسان الفرس جاريا مجرى المثل (كاسه از آش گرمتر وخاله مهربانتر از مادر).

(١) انظر البيهقي ج ٧ ص ٤١٢ و ٤١٣ وينل الأوطار ج ٦ من ص ٢٩٥ ـ ٢٩٨ وقد جرى الحديث مجرى المثل فأورده الميداني في مجمع الأمثال في ج ٢ ص ٣٦٥ بالرقم ٤٣٦٨ ونظمه الأحدب في فرائد اللآل فقال :

للعاهر الحجر والولد يا

خليل للفراش في مارويا

وقال السيد الرضى قدس‌سره في ص ١٣٩ من المجازات النبوية الرقم ١٠٦ : ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسّلام الولد للفراش وللعاهر الحجر وهذا مجاز على احد التأويلين.

وهو ان يكون المراد ان العاهر لا شيء له في الولد فعبر عن ذلك بالحجر اى له من ذلك ما لا حظ فيه ولا انتفاع به كما لا ينتفع بالحجر في أكثر الأحوال كأنه يريد ان له من دعواه الخيبة والحرمان كما يقول القائل لغيره إذا أراد هذا المعنى : ليس لك من هذا الأمر إلا الحجر والجلمد والتراب والكثكث (التراب وفتات الحجارة) أي ليس منه الا ما لا محصول له ولا منفعة فيه.

ومما يؤكد هذا التأويل ما رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي عليه الصلاة والسّلام قال الولد للفراش وللعاهر الاثلب. والاثلب التراب المختلط بالحجارة وهذا الخبر يحقق ان المراد بالحجر هاهنا مالا ينتفع به كما قلنا.

ومما يصدق ذلك قول الشاعر :

كلانا يا معاذ يحب ليلى

بفي وفيك من ليلى التراب

شركتك في هوى من كان حظي

وحظك من تذكرها العذاب

أراد ليس لنا منها الا مالا نفع به ولا حظ فيه كالتراب الذي هذه صفته. واما التأويل الأخر الذي يخرج الكلام عن حيز المجاز الى حيز الحقيقة فهو ان يكون المراد انه ليس للعاهر إلا إقامة الحد عليه وهو الرجم بالأحجار فيكون الحجر هاهنا اسما للجنس لا للمعهود. ـ

٢١٨

على الصدق لغة ، وهو ثابت كما عرفت.

(وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ) أراد أن يشير الى ما يحرم من الرضاع ، وقد نزله تعالى منزلة النسب حتى سماهن أمهات للحرمة ، فكل أنثى انتسبت إليها باللبن فهي أمك من الرضاعة سواء أرضعتك أو أرضعت امرأة أرضعتك ، أو رجلا أرضعت بلبانه من زوجته أو أم ولده ، وكذا كل امرأة ولدت امرءة أرضعتك أو رجلا أرضعت بلبانه على ما تقدم.

(وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ) يعنى بنات المرضعة ، وهن ثلاث : الصغيرة الأجنبية التي أرضعتها أمك بلبان أبيك ، سواء أرضعتها معك أو مع ولد قبلك أو بعدك ، والثانية أختك لأمك دون أبيك وهي التي أرضعتها أمك بلبان رجل غير أبيك ، والثالثة أختك لأبيك دون أمك وهي التي أرضعتها زوجة أبيك بلبن أبيك وأم الرضاعة وأخت الرضاعة لو لا الرضاعة لم تحرما ، وسبب تحريمهما الرضاعة ، وهما المحرمات بنص الكتاب.

أما أن كل ما يحرم بالنسب من اللاتي مضى ذكرهنّ فإنهن يحر من أمثالهن من الرضاعة أيضا ، فلقول النبي (١) صلى‌الله‌عليه‌وآله : ان الله عزوجل حرم من الرضاعة ما حرّم من النسب وقد ورد هذا المعنى عن أئمتنا عليهم‌السلام في اخبار متعددة وانعقد إجماع المسلمين عليه فبمقتضى هذا كان جميع ما حرم بالنسب من الأقسام السبعة المتقدمة فهو حرام بالرضاع.

__________________

 ـ وهذا إذا كان العاهر محصنا فان كان غير محصن فالمراد بالحجر هاهنا على قول بعضهم الإعناف به والغلظة عليه بتوفية الحد الذي يستحقه من الجلد له وفي هذا القول تعسف واستكراه وان كان داخلا في باب المجاز لأن الغلظة على من يقام الحد عليه إذا كان الحد جلدا لا رجما لا يعبر عنها بالحجر لان ذلك بعيد عن سنن الفصاحة ودخول في باب الفهاهة فالأولى إذا الاعتماد على التأويل الأول لأنه الأشبه بطريقهم والأليق بمقاصدهم ، انتهى كلامه رفع مقامه.

وقوله الجلمد هو والجلمود الصخر وقوله الكثكث بفتح كافيه وبكسرهما التراب والحجارة وفي اللسان ومنه الحديث الأخر وللعاهر الكثكث قال ابن الأثير قد مر بمسامعى ولم يثبت عندي انتهى. وفي القاموس والكثكثى بالضم مقصورا وتفتح كافأه لعبة بالتراب وقوله الاثلب هو بالفتح والكسر كجعفر وزبرج.

(١) مر مصادر الحديث بألفاظه المختلفة من طرق الفريقين فراجع.

٢١٩

قال في الكشاف (١) : إلا في مسألتين : إحداهما أنه لا يجوز للرجل ان يتزوج أخت ابنه من النسب ويجوز ان يتزوج أخت ابنه من الرضاع ، لأن المانع في النسب وطي أمّها وهذا المعنى غير موجود في الرضاع.

والثانية لا يجوز أن يتزوّج أم أخيه من النسب ، ويجوز في الرضاع ، لأن المانع في النسب وطي الأب وهذا المعنى غير موجود في الرضاع.

وأجاب القاضي (٢) بأن هذا الاستثناء ليس بصحيح ، فان حرمتهما في النسب بالمصاهرة دون النسب. وحاصله ان معنى تحريم الرضاع ما يحرم بالنسب ان كل ما يحرم بسبب النسب بأحد الوجوه السبعة المذكورة في الآية فإنه يحرم بالرضاع إذا وجد ذلك السبب بعينه فيه ، مثل الام الرضاعية والأخت كذلك ، ومعلوم انتفاء ذلك في المسألتين المفروضتين ، لأن أخت الابن ان كانت من الرجل فهي بنته وإلا فربيبته ، فتحريهما بالمصاهرة لا بالنسب ، ولم يثبت أن ما يحرم بالمصاهرة يحرم بالرضاع. وكذا أم الأخ ، فإنها اما أمه أو زوجة أبيه ، ومعلوم انتفاؤهما من الرضاع ، فان الأجنبية لو أرضعت أخاك لم يكن بهذه المثابة.

قلت : وهنا صورتان أخريان صالحتان للاستثناء في الظاهر وهما نظيرتا ما سلف : الأولى أم ولد الولد بالنسب ، فإنها حرام لأنها اما بنت أو زوجة ابنه وكلاهما حرام ولا يحرم مثله في الرضاع ، إذ قد لا تكون إحداهما مثل ان ترضع الأجنبية ابن الابن فإنها أم ولد الولد وليست بحرام. الثانية جدة الولد في النسب حرام لأنها اما أم أمك أو أم زوجتك ، ولا تحرم في الرضاع إذ قد لا تكون إحداهما ، كما لو أرضعت أجنبية ولدك فأن أمها جدته وليست بأمك ولا أم زوجتك. وهذا الاستثناء في الظاهر وإلا ففي الحقيقة لا استثناء على ما عرفت ، ويمكن حمل قول الكشاف على أن مراده ذلك ـ فتأمل.

ثم إن ظاهر الآية اقتضى التحريم في الرضاع ، وانما يتحقق الرضاع بأمور :

«الأول» ـ المرضع ، ويجب أن يكون امرأة ، فلبن الرجل لا يثبت تحريما.

__________________

(١) الكشاف ج ١ ص ٤٩٤.

(٢) البيضاوي ج ٢ ص ٧٧ ط مصطفى محمد.

٢٢٠