مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام - ج ٣

جواد الكاظمي

مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام - ج ٣

المؤلف:

جواد الكاظمي


المحقق: محمّد الباقر البهبودي
الموضوع : الفقه
الناشر: المكتبة المرتضويّة لإحياء الآثار الجعفريّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٤٠

كتب الفروع مفصلا.

(حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ) بأن يكمل قواه العقلية والحسية. والمراد أن يبلغ ويؤنس منه الرشد ، وحينئذ فيسلم اليه ماله ، وهو غاية لجواز التصرف الذي دل عليه الاستثناء وجعل بعضهم بلوغ الأشد عبارة عن البلوغ فقط ، وهو بعيد فان البلوغ وحده لا يوجب تسليم ماله ، والمنع عن التصرف فيه ما لم يؤنس منه الرشد كما دل عليه غيرها من الآيات.

والأشدّ جمع شدّ كالأشر في جمع شر والأضر في ضر ، وقيل جمع شدة كنعمة وأنعم ، قال بعض البصريين الأشد واحد لا جمع له وان كان على بناء الجمع ، فيكون مثل آنك.

***

ولنتبع البحث بآيات لها تعلق بالمقام :

الاولى : (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِياماً وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً) (النساء ـ ٥).

(وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ) جمع سفيه من سفه إذا خف عقله. والمراد به المبذر أمواله في غير ما يليق بحاله ، أي ما ليس برشيد ، وهو المتبادر من إطلاقه كما يعلم من تتبع اللغة ، وبذلك فسره الفقهاء ، فيحمل عليه لرجحانه ، وهو الظاهر من المجمع والكشاف وتفسير القاضي (١).

(أَمْوالَكُمُ) أي الأموال التي في أيديكم وتحت ولايتكم من أموال السفهاء ، والإضافة لأدنى ملابسة لكونهم قوامين عليها ومدبرين لها ، والنهي للأولياء أن يدفعوا الى السفهاء أموالهم التي بأيديهم ، وهذا هو الملائم بالآيات المتقدمة والمتأخرة.

وقيل نهي لكل أحد أن يعمد الى ما خوله الله من المال فيعطي امرأته وأولاده ثم ينظر إلى أيديهم ، وانما سماهم سفهاء استخفافا بعقلهم واستهجانا بجعلهم قواما

__________________

(١) انظر المجمع ج ٢ ص ٨ والكشاف ج ١ ص ٤٧١ والبيضاوي ج ٢ ص ٦٨ ط مصطفى محمد.

١٤١

على أنفسهم ، وقد يوافقه قوله (الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِياماً) اي تقومون بها وتعيشون ، أو بها قوام معاشكم. وعلى الأول يراد بها انها من جنس ما يقيم الناس به معايشهم كقوله (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) وهذا هو الأرجح. وفي إطلاق القيام على ما به القيام مبالغة ، فإنهم لو ضيعوها ضاعوا ، فكأنها في أنفسها قيامهم وانتعاشهم.

(وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ) واجعلوها مكانا لرزقهم وكسوتهم ، وذلك بأن يتجروا فيها ويحصلوا من نفعها ما يحتاجون إليه في أمر المعاش. ولعل الوجه في التعبير بذلك دون منها لئلا يكون امرا بجعل بعضهم أموالهم رزقا لهم فيأكلها الإنفاق.

(وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً) عدة جميلة تطيب بها نفوسهم ، مثل : ان صلحتم ورشدتم سلمنا إليكم أموالكم. وظاهر الآية ان السفه بمجرده علّة لثبوت الحجر عليه ومنعه من التصرف ، كما يقتضيه تعليق الحكم على الوصف الصالح للعلية ، فمتى ثبت الحجر كانت تصرفاته المالية باطلة ولا يجوز تسليم ماله اليه ولا الأخذ منه ، ولا يتوقف في ثبوته على حكم الحاكم والألم يكن السفه وحده علة.

وهذا مما لا ريب فيه إذا اتصل سفهه ببلوغه بأن بلغ سفيها ، فان حكم الحاكم لا يحتاج إليه في الحجر ولا في زواله عنه ، وقد ادعى بعضهم على ذلك الإجماع. وادعى الشهيد في شرح الإرشاد ان السفيه هنا مختص بالسفيه المتصل سفهه ببلوغه.

وعلى هذا فلا ينافي الاحتياج الى حكم الحاكم فيما لو بلغ رشيدا ثم عاد الى السفه ، فان حكم الحاكم لازم في ثبوت حجره ولا يصير محجورا عليه الّا به ، لأن نظر الحاكم أتم من غيره. كما أن مجرد الفلس لا يوجب الحجر ، فان مجرد زيادة الدين على المال ليس بحجر ولا موجب له ، وانما يصير المفلس محجورا عليه بحكم الحاكم لأن العقل والنقل دلّا على جواز تصرف العقلاء في أموالهم خرج منه ما لو انضم اليه حكم الحاكم ، للإجماع المنعقد على حصول الحجر هناك ولا دليل على غيره ، فيبقى على الأصل.

لكن يبقى الإشكال في أن ما ذكر يتم في المفلس ، أما السفيه فظاهر الآية ان السفه بمجرده علة الحجر من غير فرق بين عروضه في الأثناء أو في أول الأمر كما يعطيه العموم ، فالتخصيص يحتاج الى دليل ، والإجماع هنا غير ثابت ، فان بعضهم

١٤٢

يذهب الى ثبوت الحجر عليه بمجرد السفه ، الا أن يقال في ذلك حرج وضيق ، فإن أكثر الناس لا يخلو عن مثله ، إذ قلما يوجد خال عن سفه ما في تصرف أمواله ، فلو اقتضى ذلك الحجر وعدم اجزاء تصرفاته ، لزم ابتلاء الناس به مع ما فيه من الضيق فجعل أمر ذلك منوطا برأى الحاكم لأنه أعرف بوجوهه. ولعل هذا هو الموجب لتخصيص الآية ـ فتأمل فيه.

الثانية : (وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً) (اسرى ـ ٢٦).

(وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً) بصرف المال فيما لا ينبغي وإنفاقه على وجه الإسراف. قال في المجمع التبذير التفريق بالإسراف ، وأصله ان يفرق كما يفرق المبذر الا انه اختص بما يكون على سبيل الإفساد ، وما كان على وجه الإصلاح لا يسمى تبذيرا وان كثر. ومقتضى ذلك أنه لو أنفق جميع ماله في وجوه الخير كالصدقات وفك الرقاب وبناء القناطر والمساجد والمدارس وأشباه ذلك وان كان ممن لا يليق بحاله ذلك كما لو كان تاجرا مثلا لا يكون تبذيرا ولا إسرافا ، واليه ذهب بعضهم.

ويؤيده ما صح عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال لعلى عليه‌السلام (١) «وأما الصدقة فجهدك حتى يقال قد أسرفت ولم تسرف» رواه معاوية بن عمار في الصحيح عن الصادق في وصايا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله.

وظاهر العلامة في التذكرة انه تبذير ، وهو قول بعض الشافعية ، لأنه إتلاف للمال ، ولظاهر النهي في قوله تعالى (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ) الآية ، فان ظاهرها النهي عن هذه الأشياء.

وفيه نظر ، للمدح على إيثار الغير على النفس بل على العيال مع رضاهم كما دلت عليه سورة هل أتى ، ولا نسلم صدق التبذير على مثله ، لأنه تعالى مدح على ذلك في مواضع من القرآن ، والنهي في الآية ـ والله اعلم ـ محمول على صرف المال في الإنفاق غير اللائق بحاله ، كصرفه في الأطعمة النفيسة والثياب الفاخرة غير اللائقة

__________________

(١) روضة الكافي ٧٩ باب وصية النبي لأمير المؤمنين عليهما‌السلام.

١٤٣

به ، فان الواجب في ذلك الاقتصاد والتوسط على وجه يناسب الحال.

أو على ان المراد الصرف في المعصية ولو درهم واحد فإنه تبذير ، ونقله الشيخ في التبيان والطبرسي في المجمع عن مجاهد أنه قال : لو أنفق مدا في باطل كان مبذرا ولو أنفق جميع ماله في الحق لم يكن مبذرا.

(إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ) أمثالهم في الشرارة ، فان التضييع والإتلاف شرّ أو اصدقائهم واتباعهم لملازمتهم آثارهم وجريهم على سنتهم في الإسراف والتضييع (وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً) مبالغا في الكفر ، فالواجب عليكم التبعد عنه وعدم إطاعته في التبذير.

الثالثة : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ) (النحل ـ ٧٥).

(ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً) أي لا حرا ، فان جميع الناس عبيد الله فلا يلزم من كونه عبدا كونه مملوكا (لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ) أي من امره ، فلا يتصرف في أموره ، ولا يقدر على الإنفاق لعجزه ، يخرج العبد المأذون والمكاتب فإنهما يقدران على التصرف.

(وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً) من فيه موصوفة والتقدير وحرا رزقناه وملكناه مالا ونعمة (فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْراً) على أي وجه أراد لتمام القدرة عليه (هَلْ يَسْتَوُونَ) في ذلك ، والاستفهام للإنكار ، أي يمتنع استواؤهم.

مثّل تعالى ما يشرك به من الأصنام وغيرها بالعبد المملوك العاجز عن التصرف بالكلية ، ومثل نفسه بالحر المالك الذي رزقه الله مالا كثيرا ، فهو يتصرف فيه وينفق كيف يشاء ، واحتج بامتناع التسوية بينهما مع تشاركهما في الجنسيّة والمخلوقية على امتناع التسوية بين الأصنام التي هي أعجز المخلوقات لكونها جمادا لا تعقل ولا تتحرك وبين الله الغني على الإطلاق [القادر على كل شيء الرازق لجميع الخلق].

وقيل هو تمثيل للكافر والمؤمن ، فإن الكافر لا خير عنده والمؤمن يكسب الخير وقيل المراد من العبد هو الصنم ، أما انه عبد فلقوله تعالى (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً) ، وأما انه مملوك لا يقدر على شيء فظاهر. والمراد بقوله

١٤٤

(وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً) عابد الصنم ، لأن الله تعالى رزقه المال فهو ينفق من ذلك المال على نفسه وعلى اتباعه سرا وجهرا.

إذا ثبت هذا فنقول : هما لا يستويان في بديهة العقل في القدرة والتصرف ، إذ الأول جماد والثاني انسان ، فكيف يجوز الحكم بأن الأول مساو لرب العالمين. والقياس التثنية لكنه جمع لأن المراد الجنس لا الاثنان بخصوصهما ، أي هل يستوي الأحرار والعبيد.

واستدل بظاهرها على أن العبد القن لا يملك شيئا ، فإنه جعله قسيما للحر المالك ، فاقتضى ذلك عدم ملكه والا لم يثبت الامتياز حينئذ ، أو لأنه تعالى نفى القدرة عنه مطلقا ، وليس المراد الحقيقة لبطلانه ضرورة ، فيكون المراد نفي التملك لأنه أقرب المجازات إلى الحقيقة ، ولأنه نفي على العموم كما هو مفاد النكرة بعد النفي.

وربما استدلوا عليه بقوله تعالى (هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ) نفى تعالى أن يشارك العبد مولاه في شيء البتة ، فكأنه تعالى قال إذا لم يشارك عبد احد مولاه في ملكه فيساويه فكذلك لم يشاركني في ملكي أحد فيساوينى فيه فثبت أن العبد لا يملك شيئا.

وفيه نظر ، فإن أقصى ما تدل عليه الآية ان هاهنا عبدا مملوكا لا قدرة له على شيء وعبدا مملوكا قادرا على شيء في الجملة ، ولا يلزم منه أن العبد المملوك في نفسه لا يملك شيئا ولو بغير الاختيار أو بتمليك المولى أو نحوه ، إذ يجوز أن يكون ذلك الغير القادر عبدا عاجزا لم يملكه المولى شيئا أو لم يأذن له أو لم يضرب له ضريبة أو يكون عدم القدرة كناية عن عدم نفوذ تصرفاته في شيء أصلا لا عدم الملك ، إذ لا منافاة بين الملكية وكونه محجورا عليه كالصبي.

ويمكن توجيه الاستدلال بأن الوصف هنا للبيان والكشف بأن المملوك من لا يكون قادرا على شيء ، فيكون حال المملوك ذلك كما هو شأن الوصف الكاشف ، الا أن كون الوصف هنا كذلك غير معلوم ، مع ان في الآيات ما يدل على قابليته للملكية كقوله تعالى (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ

١٤٥

يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) ولو لم يصح تملكهم لما صح إغناؤهم.

وفي الاخبار الصحيحة ما يدل على ذلك أيضا (١) وان عارضها غيرها ، والجمع بينهما بالحجر والتملك غير بعيد كما أشرنا اليه. ومن ثم ذهب بعض علمائنا إلى انه يملك فاضل الضريبة وأرش الجناية وما يملّكه مولاه ، وبه قال مالك والشافعي في القديم واحمد في إحدى الروايتين وأهل الظاهر نظرا الى ما ذكر.

وأجيب عن هذه الآية بأن المراد يغنيهم الله بالعتق. وفيه بعد عن ظاهر الآية ، مع انه لو كان العتق غنى كان الرق فقرا فيكون العبد فقيرا فيصح تملكه ـ فتأمل فيه.

وكيف كان فيستثنى من عدم قدرته بعض تصرفاته ، كطلاق زوجته ونفوذ إقراره بالمال وان اتبع به بعد العنق.

الثالث عشر

في العطايا المنجزة كالوقف والسكنى والصدقة والهبة

وليس في الكتاب آيات تدل عليها بخصوصها بل بالعموم ، وهو ما يدل على فعل الخيرات ، وقد ذكر الراوندي وغيره آيات.

الاولى (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) (آل عمران ٩٢).

الثانية : (وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً) (المزمل ٢٠).

الثالثة : (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) الى قوله (وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ) الآية (البقرة ١٧٧).

وتمام البحث في الأمور الأربعة مستوفى في كتب الفروع.

__________________

(١) انظر الوسائل الباب ٧ والباب ٩ من أبواب بيع الحيوان ج ٢ ص ٦١٣ ط الأميري ومستدرك الوسائل ج ٢ ص ٤٨٥.

١٤٦

الرابع عشر

النذر والعهد واليمين

وفيه أبحاث :

(البحث الأول)

(في النذر)

وفيه آيتان :

الاولى : (وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللهَ يَعْلَمُهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ) البقرة ٢٧٠.

(وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ) في وجوه الخير وسبل البرّ نفقة واجبة أو مندوب إليها وما شرطية أو موصولة وما بعده صلة ، والعائد محذوف ، والمجموع في محل الرفع على الابتداء خبره (فَإِنَّ اللهَ يَعْلَمُهُ).

(أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ) أو الزمتم أنفسكم بنذر فوفيتم به من فعل برّ كصلاة أو صوم أو صدقة أو نحو ذلك (فَإِنَّ اللهَ يَعْلَمُهُ) فيعلم استحقاق صاحبه للأجر ونية فاعله فيجازيه على ذلك ، والتعبير بالعلم للإشعار به (وَما لِلظَّالِمِينَ) الواضعين النفقة أو النذر في غير موضعهما كالإنفاق رياء أو ضررا أو نذرا في معصية أو ترك الوفاء به مع القدرة عليه (مِنْ أَنْصارٍ) أعوان يدفعون عنهم العذاب.

وفي الآية دلالة على مشروعية النذر بل استحبابه إذا كان على وجه الطاعة ، حيث قرنه بالإنفاق المندوب اليه ووعد فاعله بالأجر وتوعده بالعقاب إذا لم يأت به كذلك.

قال في المجمع (١) النذر هو عقد الرجل على نفسه فعل شيء من البر بشرط ،

__________________

(١) المجمع ج ١ ص ٣٨٣ ومثله في التبيان ج ١ ص ٢٧٨ ط إيران عند تفسير الآية وفي المفردات للراغب النذر أن توجب على نفسك ما ليس بواجب لحدوث أمر وفي اللسان (ن ذر) ـ

١٤٧

ولا ينعقد ذلك الا بقوله «لله عليّ كذا» ، ولا يثبت بغير هذا اللفظ ، وأصل النذر الخوف لانه يعقد بذلك على نفسه خوف التقصير في الأمور ، ومنه نذر الدم ، وهو العقد على سفك الدم للخوف من مضرة صاحبه ، ومنه الإنذار ـ انتهى كلامه.

وقد استفيد منه أشياء :

(الأول) تخصيصه بالفعل ، وظاهره عدم انعقاده على الترك. وهو غير واضح الوجه الا أن يراد بالفعل ما يشتمل مثل الترك أيضا ، أي ما يصدر عنه فعلا أو تركا والإطلاق على مثله كثير في الاستعمال.

(الثاني) تخصيصه بشيء من البرّ قد يدل على عدم انعقاده في المباح. وهو خلاف المشهور بين الأصحاب وان ذهب اليه بعضهم ، وسيجيء إنشاء الله تعالى.

(الثالث) تخصيصه الفعل بالشرط قد يعطى عدم انعقاده تبرعا بلا شرط ، وسيجيء أيضا.

(الرابع) قوله : لا ينعقد الا بقوله «لله على كذا». قد يدل على عدم انعقاده إذا أتى بلفظ آخر وان كان مرادفا له (١). وقد يدل عليه بعض الاخبار.

__________________

 ـ النذر النحب وهو ما ينذر الإنسان فيجعله على نفسه واجبا وفي مقاييس اللغة ج ٥ ص ٤١٤ ان النون والذال والراء كلمة تدل على تخويف أو تخوف ومنه الإنذار الإبلاغ ولا يكاد يكون إلا في التخويف ومنه النذر وانه يخاف إذا أخلف.

(١) ملاك الحكم في هذه المسئلة ومسئلة نذر التبرع والمنشأ في الضمير والاعتقاد انه هل يصدق لفظة النذر على المنشأ في الضمير والمنشأ بغير هذه الصيغة ونذر التبرع أولا فمن قال بالصدق يلزمه القول بالانعقاد لمكان أخبار مطلقة.

مثل الصحيح عن ابى عبد الله (ع) من جعل لله عليه ان لا يركب محرما سماه فركبه فليعتق رقبة أو ليصم شهرين أو ليطعم ستين مسكينا (التهذيب ج ٨ ص ٣١٤ بالرقم ١١٦٥ والاستبصار ج ٤ ص ٥٤ بالرقم ١٨٨).

أو الموثق عن ابى عبد الله عن أبيه في رجل جعل على نفسه لله عتق رقبة فأعتق أشل أو أعرج قال إذا كان مما يباع اجزء عنه الا ان يكون سماه فعليه ما اشترط وسمى (التهذيب ج ص ٣٠٨ بالرقم ١١٤٥ والكافي ج ٢ ص ٣٧٥ باب النوادر من كتاب الايمان الحديث ـ

١٤٨

ومنه يلزم عدم انعقاده من غير لفظ أصلا بطريق أولى ، والشيخ لم يعتبر اللفظ بل اكتفى بعقده قلبا وان لم يتلفظ به ، وهو بعيد إذ لم يعلم إطلاق النذر على مثله ، مع أن الأصل براءة الذمة من الوجوب. أما الاستدلال عليه بقوله (إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ) ونحوه فغير واضح الدلالة ، فإن ظاهرها العقاب على أفعال القلب مع قصد المعصية. وفي غيرها من الآيات دلالة على ذلك أيضا ، كقوله (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً).

ولا ينافي ذلك ما دل على أن العقاب لا يكون الا مع الفعل ، فان قصد القبيح قبيح عقلا وشرعا ، الا ان العقاب عليه ليس بمثابة العقاب على الفعل ، وبذلك يحصل الجمع بين الأدلة.

الثانية : (إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً) (الدهر ٧ ـ ٩).

(إِنَّ الْأَبْرارَ) جمع بر كارباب أو جمع البار كأشهاد. قال في المجمع وقد أجمع أهل البيت عليهم‌السلام وموافقوهم وكثير من مخالفيهم أنّ المراد بذلك علىّ وفاطمة والحسنان عليهم‌السلام ، فالآية مع ما بعدها متعينة فيهم ، وقد انعقد الإجماع على كونهم أبرارا وفي غيرهم خلاف.

(يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ) من خمر ، وهي في الأصل القدح يكون فيه (كانَ مِزاجُها)

__________________

 ـ ١٦ وهو في المرات ج ٤ ص ٢٤٦) وغيرهما.

ولا يزاحمهما ما دل على التقييد فإنها مسوقة لبيان لزوم قصد القربة ولزوم ذكر الله في النذر لفظا أو في الضمير وعدم تعلقه بالمحرم لا لزوم التعليق وإجراء صيغة مخصوصة كما قد يتوهم ومن قال بعدم صدق اللفظ على المنشأ بغير الصيغة المخصوصة أو المنشأ في الضمير أو نذر التبرع أو شك في الصدق فلا يمكنه الأخذ بالإطلاق فيما شك فيه أو قطع بعدمه وقد قالوا ثبت العرش ثم نقش.

وحيث ان المختار عندي هو الصدق للتبادر وعدم صحة السلب والاطراد مؤيدا بما نقل عن أجلاء الفقهاء والمحدثين وفطاحل أهل اللغة فالحكم بانعقاد نذر التبرع والمنشأ بغير الصيغة المخصوصة والمنشأ بالعقد القلبي عندي أقوى والله العالم بحقائق الأمور.

١٤٩

ما يمزج بها (كافُوراً) لبرده وعذوبته وطيب عرفه وليس بكافور الدنيا. وقيل هو اسم على ماء في الجنة يشبه الكافور في رائحته وبياضه.

ويؤيده قوله (عَيْناً) فإنها كالمفسرة للكافور (يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ) أى أولياؤه ، والباء مزيدة أو بمعنى من التبعيضية ، فان مجيئها بمعناها كثير في اللغة وقد أسلفناه (يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً) يجرونها حيث شاؤا الى منازلهم وقصورهم اجراء سهلا ، والتفجير تشقيق الأرض لجرى الماء ، وأنهار الجنة تجري بغير أخدود ، فإذا أراد المؤمن أن يجري نهرا خطه خطا فيتبع الماء من ذلك الموضع وجرى بغير تعب.

(يُوفُونَ بِالنَّذْرِ) استيناف لبيان ما رزقوه لأجله ، كأنه قيل لأي شيء استحقوا ذلك ، فأجيب بأنهم كانوا في الدنيا بهذه الصفة. والإيفاء بالنذر أن يفعل ما نذر عليه فإذا نذر طاعة تممها ووفى بها.

[والسبب في نزول الآية (١) على ما وردت به الآثار أن الحسن والحسين عليهما‌السلام مرضا

__________________

(١) الحديث أخرجه الفريقان من طرق متعددة انظر البحار ٩ ط كمپانى من ص ٤٥ ـ ٤٩ وغاية المرام من ص ٣٦٨ ـ ٣٧٤ الباب الحادي والسبعين والثاني والسبعين من المقصد الثاني ونور الثقلين ج ٥ من ص ٤٦٩ ـ ٤٧٧ والبرهان ج ٤ ص ٤١١ وتعاليق آية الله المرعشي مد ظله على إحقاق الحق ج ٣ من ص ١٥٧ ـ ١٧٧ سرد فيه طرق إخراج الحديث من أهل السنه ونقل فيه إنشاد اشعار الشافعي.

إلى م الى م حتى متى

اعاتب في حب هذا الفتى

وهل زوجت فاطم غيره

وفي غيره هل اتى هل اتى

ونقل فيه أيضا عن الآلوسي انه قال : ومن اللطائف انه سبحانه لم يذكر فيها الحور العين وانما صرح عزوجل بولدان مخلدين رعاية لحرمة البتول وقرة عين الرسول لئلا تثور غيرتها إذا أحست وهي في أفواه الطباع البشرية ولو في الجنة مرة ولا يخفى عليك ان هذا زهرة الربيع ولا تتحمل الفرك انتهى.

وانظر أيضا الفصل الرابع من الكلمة الغراء لاية الله المرحوم سيد شرف الدين طاب ثراه من ص ٢٣٦ ـ ٢٤٥ ولقد أفصح الكلام الطبرسي قدس‌سره في مجمع البيان ج ٥ ص ٤٠٥ ـ ٤٠٦ عن عناد بعض أهل العصبية حيث طعن في القصة بأن قال هذه السورة مكية فكيف ـ

١٥٠

فعادهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في ناس ، فقالوا : يا أبا الحسن لو نذرت على ولديك. فنذر عليّ وفاطمة عليهما‌السلام وفضة جاريتهما صوم ثلاثة أيام ان برئا ، فشفيا وما معهم شيء فاستقرض على عليه‌السلام من شمعون الخيبري ثلاثة أصوع من شعير ، فطحنت فاطمة صاعا واختبزته خمسة اقراص فوضعوها بين أيديهم ليفطروا فوقف عليهم مسكين فآثروه وباتوا لم يذوقوا الا الماء وأصبحوا صياما ، فلما أمسوا ووضعوا الطعام وقف عليهم يتيم فآثروه ، ثم وقف عليهم في الثالثة أسير ففعلوا مثل ذلك ، فنزل جبرئيل عليه‌السلام بهذه السورة فقال : خذها يا محمّد هنأك الله في أهل بيتك].

وقيل يتمون ما فرضه الله عليهم من الواجبات ، والتعبير بذلك للمبالغة في وصفهم بالتوفر على أداء الواجبات ، لأن من وفي بما أوجبه هو على نفسه كان أوفى بما أوجبه الله عليه.

(وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً) فاشيا منتشرا غاية الانتشار ، من استطار الفجر والحريق ، وهو أبلغ من طار. وسمى العذاب شرا لأنه لا خير فيه للمعاقبين وان كان في نفسه حسنا لكونه مستحقا لهم. وقيل المراد بالشر هنا أهوال يوم القيامة وشدائده.

وفي الآية دلالة واضحة على وجوب الوفاء بالنذر ، حيث عطف عليه الخوف من شر ذلك اليوم. وظاهره أن ذلك مع ترك الوفاء به ، إذ المندوب لا يخاف من تركه العقاب.

وبذلك استدل أصحابنا على وجوب الوفاء بالنذر ، ومقتضى العموم وجوب الوفاء بالنذر وان لم يعلق على شرط كقوله «لله على أن أصوم يوما» [ويعبر عنه بالنذر

__________________

 ـ يتعلق بها ما كان بالمدينة وأتم البيان والاستدلال بمدنية السورة.

قلت وانظر أيضا البرهان ج ١ من ص ١٨٧ ـ ٢٠٥ والإتقان النوع الأول من ص ٦ الى ١٨ فظهر لك عدم الاتفاق على مكية السورة بل ترى قوة القول بكونها مدنية فمع كون الأحاديث في سبب النزول في حد التواتر من طرق الفريقين يتضح لك مدنية السورة قطعا ولا يبقى لادعاء مكيته الا العناد والعصبية.

١٥١

المطلق ويقابله النذر المعلق على الشرط كقوله «ان شفى مريضي فلأصومن كذا».

وقد اختلف الأصحاب في صحة الأول] ونقل العلامة في المختلف عن الأكثر وقوع مثله وصحته ، واستدل على وجوب الوفاء به بعموم الآية وبما رواه أبو الصباح الكناني (١) عن الصادق عليه‌السلام قال : سألته عن رجل قال علىّ نذر. قال : ليس النذر بشيء حتى يسمي لله شيئا صياما أو صدقة أو هديا أو حجا [فلو كان الشرط من المصححات لذكره مع الصيام أو الصدقة أو الحج ولم يذكره ووجه الاستدلال انه جعل المصحح للنذر هو تسميته].

وذهب السيد المرتضى الى عدم انعقاد مثله ، واعتبر في صحة النذر تعليقه على الشرط ، وادعى عليه الإجماع ، ويؤيّده أنّ النذر وعد بشرط ، صرح به أهل اللغة ، وهو الظاهر من الكشاف والمجمع فيكون كذلك شرعا لأصالة عدم النقل.

[وأجاب عن الآية بأن موردها النذر المعلق على ما عرفت ، ولو قيل المعتبر عموم اللفظ وهو شامل للمطلق ، لأمكن الجواب بأن المطلق لا يسمى نذرا فلا يتناوله اللفظ. وعن الرواية بالقول بالموجب ، فإن تسمية العبادة شرط في النذر ومصحح له ، أما انه كان كافيا في صحة النذر فلا بل المصحح له التسمية والشرط ، ولعل اقتصار الامام على التسمية لكونه الجزء الأخير من المصححات لا أنها كافية فيه].

وقد يستدل للأكثر بصحيحة منصور بن (٢) حازم عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال : إذا قال الرجل علىّ المشي إلى بيت الله وهو محرم بحجة أو عليّ هدي كذا وكذا فليس بشيء حتى يقول : لله علىّ المشي إلى بيته أو يقول : لله علىّ ان أحرم بحجة أو يقول : لله علىّ هدى كذا وكذا إن لم افعل كذا وكذا [حيث بين المطلق بقوله لله علي المشي

__________________

(١) التهذيب ج ٨ ص ٣٠٣ الرقم ١١٢٥ والكافي ج ٢ ص ٣٧٢ باب النذور الحديث ٢ وهو في المرات ج ٤ ص ٢٤٣ قال المجلسي قدس‌سره بعد الحكم في سند الحديث بأنه مجهول : ولعله كان لخلل في نذره من جهتين عدم ذكر الاسم وإبهام متعلق النذر وقد أشار الامام إليهما معا في الجواب فلا تغفل انتهى.

(٢) التهذيب ج ٨ ص ٣٠٣ الرقم ١١٢٤ والكافي ج ٢ ص ٣٧٢ باب النذور الحديث ١ وهو في المرآة ج ٤ ص ٢٤٣.

١٥٢

الي بيته والمعلق بقوله لله على هدى كذا وكذا ان لم افعل ، فيكون النذر شاملا لهما] وعلى هذا فلا يكون داخلا في الآية لعدم كونه نذرا شرعا والمسئلة لا تخلو من اشكال والاحتياط غير خفي.

(البحث الثاني)

(العهد)

وفيه آيات :

الاولى : (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً) (اسرى ـ ٣٤).

(وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ) بجميع ما عاهدتموه ، أو بما عاهدكم الله من تكاليفه ، والحمل على الجميع ممكن (إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً) مطلوبا يطلب من المعاهد ان لا يضيعه ويفي به ، أو مسئولا عنه يسأل الناكث ويعاقب عليه. وقيل معناه ان العهد يسأل فيقال لم نكثت تبكيتا للناكث كما تسأل الموؤدة بأي ذنب قتلت ، فيكون تخييلا ويجوز على حذف المضاف أى ان صاحب العهد كان مسئولا وفي الآية دلالة على وجوب الوفاء بالعهد من وجهين : الأول صيغة الأمر والثاني كونه مسئولا عنه ولا يسأل يوم القيامة الا عن الواجب.

الثانية : (وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُوا ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (الانعام ـ ١٥٢).

(وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُوا) يعني ما عهد الله إليكم من الواجبات ، أو ما عاهدتم الله عليه ، والتقديم للحصر أى يجب الوفاء به لا بغيره. وفيها دلالة على وجوب الوفاء بالعهود والنذور والإتيان بجميع ما أمر الله به.

(ذلِكُمْ) جميع ما تقدم ، ويحتمل كون الإشارة إلى عهد الله فإنه مشتمل على ما تقدم وزيادة (وَصَّاكُمْ بِهِ) أمركم بحفظه والعمل بمقتضاه (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) أي لكي تذكروا فتأخذوا به ولا تغفلوا عنه ، أو لكي تتعظوا به.

الثالثة : (الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ) (الرعد ٢٠)

(الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ) قد تقدم ما في معنى العهد من الوجهين (وَلا يَنْقُضُونَ

١٥٣

 الْمِيثاقَ) الذي أوثقوه على أنفسهم بينهم وبين الله كالعهود والنذور والأيمان وغير ذلك ، أو بين خلقه كالعقود والشروط وسائر ما قرّروه معهم. ويحتمل أن يكون المراد بالأول ذلك أيضا ويكون الثاني تأكيدا للأول ، ففي الآية دلالة على وجوب الوفاء بالنذور والعهود والشرائط.

الرابعة : (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ) (المعارج ـ ٣٢).

في الكشاف (١) سمى الشيء المؤتمن عليه امانة وعهدا ، ومنه (أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ) و (لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ) وانما يؤدون العيون لا المعاني ويخان المؤتمن لا الامانة ، والراعي القائم على الشيء بحفظ وإصلاح كراعى الغنم وراعي الرعية. وعلى هذا فيحتمل ان يراد بالأمانة العموم ، أى كل ما اؤتمنوا عليه وعوهدوا من جهة الله تعالى أو من جهة الخلق. ويحتمل ارادة الخصوص ، أى ما حملوه من أمانات الناس وعهدهم ، والأظهر الأول.

وفي المجمع (٢) راعون أى حافظون وافون. والأمانات ضربان : أمانات الله ، وأمانات العباد ، فأمانة الله تعالى هي العبادات كالصيام والصلاة وغيرها من الافعال المكلف بها ، وأمانات العباد هي مثل الودائع والشهادات وغيرها. وأما العهد فعلى ثلاثة أضرب : أوامر الله ، ونذور الإنسان ، والعقود الجارية بين الناس. فيجب على الإنسان الوفاء بجميع ضروب الأمانات والعهود والقيام بما يتولاه منها.

__________________

(١) الكشاف ج ٣ ص ١٧٧.

(٢) المجمع ج ٤ ص ٩٩ في آية المؤمنون ٩.

١٥٤

(البحث الثالث)

(اليمين)

وفيه آيات :

الاولى : (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ) (البقرة ـ ٢٢٥).

(لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ) وهو ما يبدو من المرء بلا قصد ولا عقد من القلب عليه ، كقول الرجل لا والله وبلى والله من غير قصد ، وانما المراد به تأكيد الكلام ولا يخطر ببالهم الحلف ، حتى لو قيل لواحد سمعتك تحلف في موضع كذا لأنكر ذلك ولعله قال لا والله ألف مرة ، والى هذا يذهب الشافعي. وقيل هو أن يحلف وهو يرى انه صادق ثم يتبين انه كاذب ، واليه يذهب أبي حنيفة.

وفي أخبارنا ما يدل على الأول ، روى الكليني (١) عن مسعدة بن صدقة عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال : سمعته يقول في قول الله عزوجل (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ) قال : اللغو قول الرجل لا والله وبلى والله ولا يعقد على شيء.

ويمكن الحمل على ما يشتمل الثاني ، فإن أصحابنا لا يرون بذلك اثما. وفي أيمانكم صلة يؤاخذكم أو اللغو ، لأنه مصدر أو حال عنه أو صفته ، بأن يقدر المتعلق معرفا. والمراد نفي المؤاخذة مطلقا في الدنيا بعدم الكفارة وعدم التعزير وفي الآخرة بعدم العقاب. وأوجبت الحنفية الكفارة في الأول دون الثاني ، والشافعية على العكس ، ويمكن رد القولين بما تقدم.

(وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ) بما عزمت عليه وقصدته [والمراد ولكن يؤاخذكم بهما أو بأحدهما مما قصدتم من الايمان] وواطأت فيه قلوبكم ألسنتكم

__________________

(١) الكافي ج ٢ ص ٣٦٩ كتاب الايمان باب اللغو الحديث ١ وهو في المرات ج ٤ ص ٢٤٠ ورواه أيضا في التهذيب ج ٨ ص ٢٨٠ بالرقم ١٠٢٣.

١٥٥

وفيه حذف أي من ايمانكم.

ويدخل في هذا الحلف على الماضي كذبا ، ويسمى «اليمين الغموس» ، [سميت به لأنها تغمس صاحبها في الإثم أو في النار ،] وهو حرام يترتب عليه العقاب في الآخرة ، ولا كفارة فيه عند أصحابنا لأنها انما تجب بالخلف ، وهو انما يكون في صورة الحلف على فعل متوقع في المستقبل راجح أو ترك كذلك ، وشيء من ذلك لا يوجد في الغموس.

[نعم كفارتها الاستغفار ، وخالف الشافعي هنا حيث أوجب فيها الكفارة وحكم بانعقاد اليمين على الماضي عملا بعموم الآيات. ولعله يريد بانعقادها ثبوت حكمها ، بمعنى انه ان كان صادقا فلا كفارة وان كان كاذبا عالما لزمته الكفارة. وفيه نظر.] وفي الآية دلالة على اعتبار القصد في اليمين وعدم العبرة باللفظ لو خلى عنه ، ويلزم من ذلك عدم انعقاد يمين الغافل والساهي والغضبان بما يرفع قصده ونحوه المكره.

(وَاللهُ غَفُورٌ) يغفر الذنوب مع التوبة أو بدونها تفضلا (حَلِيمٌ) يمهل العقوبة ولا يعجل بها ، فإنه إنما يعجل من يخاف الفوت والله لا يفوته شيء.

الثانية : (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (المائدة ٨٩).

(لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ) قد تقدم معنى عدم المؤاخذة به (وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ) بما وثقتم الايمان عليه بالقصد والنية ، والمعنى يؤاخذكم إذا حنثتم إذ لا كفّارة بدونه لعدم الموجب ، أو المراد بنكث ما عقدتم فحذف المضاف للعلم به ، وقرئ بالتشديد ، وليس المراد به التكثير حتى يوجب سقوط الكفّارة باليمين الواحدة ، بل معنى التخفيف ، فان عقد مشددا ومخففا بمعنى واحد.

(فَكَفَّارَتُهُ) على الأول كفارة حنثه وعلى الثاني فكفارة نكثه ، والكفارة الفعلة التي من شأنها أن تكفّر الخطيئة أي تسترها ، لا انها مكفرة للخطيئة كما قاله

١٥٦

القاضي ، فإنا لا نسلم أنها مكفرة من دون تفضل منه تعالى. واستدل القاضي بظاهرها على جواز التكفير بالمال قبل الحنث ويجيء إنشاء الله تعالى.

(إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ) خبر كفارته ، والمراد بالمسكين من لا يقدر على قوت السنة له ولعياله فعلا أو قوة بالكسب ، وقد تقدم في باب الزكاة (مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ) من أقصده في النوع كالحنطة المتوسطة بين أفرادها ، ويمكن اعتبار القدر أيضا فإن منهم من يسرف في إطعام أهله ومنهم من يقتر عليهم ، واعتبار الأوسط رخصة فيجزي الأعلى ولا يجزي ما دونه.

واختلف أصحابنا في هذا القدر المعتبر ، فقيل مدان لكل مسكين ، والأكثر على الاكتفاء بالمد الواحد ، والاخبار مختلفة في ذلك ، (١) وحمل ما زاد على المد الواحد منها على الأفضل طريق الجمع بينها. ويجوز أن يجمعهم على ما هذا قدره ليأكلوا.

وفي تعليق الإطعام على العشرة دلالة واضحة على عدم إجزاء الأقل منها وان كان الطعام ما يكفي العشرة ، وهو قول أكثر العلماء. وقال أبو حنيفة يجوز إعطاء مقدار طعام العشرة لواحد عشر مرات نظرا الى ان المقصود من العدد مقدار الطعام لا هو نفسه ويدفعه مخالفة النص ، وكون المقصود ما ذكره غير معلوم بل المعلوم خلافه ، إذ في تعدد الأشخاص مصالح لا توجد في الواحد ، كاستجابة الدعاء وتظافر القلوب ، وجواز كون شخص مستجاب الدعوة من جملتهم فتعم بركته الجميع ، وظاهر أن مثل ذلك لا يوجد في الواحد. نعم لو تعذر العدد ولم يوجد الا واحد فرق عليه في عشرة أيام.

والعشرة وان كانت ظاهرة في الذكور الا أن ذلك على التغليب ، فيجوز اجتماع النساء معهم بالإجماع ، وفي الاخبار دلالة عليه (٢).

وإطلاق الآية يقتضي جواز كونهم صغارا ، الا أن أصحابنا قالوا إذا كانوا كلهم صغارا احتسب كل اثنين منهم بواحد ، ولو اجتمع الصغار والكبار جاز ودفع إليهم

__________________

(١) انظر الوسائل الباب ١٤ من أبواب الكفارات ج ٣ ص ١٩١ ط الأميري.

(٢) انظر الوسائل الباب ١٧ من أبواب الكفارات ج ٣ ص ١٩٢ ط الأميري ومستدرك الوسائل ج ٣ ص ٣٤.

١٥٧

ما للعشرة ، وفي الاخبار دلالة على ذلك أيضا.

و (مِنْ أَوْسَطِ) منصوب على انه صفة مفعول محذوف ، أي طعاما من أوسط ، أو مرفوع على البدلية من إطعام عشرة مساكين ـ قاله القاضي (١) ، ويمكن تعلقه بإطعام أو يكون حالا عنه.

(أَوْ كِسْوَتُهُمْ) عطف على إطعام ، إما لكونه مصدرا فصح عطفه على المصدر ، أو بتقدير مضاف أي الباس كسوتهم. وقال القاضي هو عطف على إطعام أو من أوسط ان جعل بدلا. وفي الكشاف (٢) انه عطف على محل من أوسط ، ولم بذكر اعراب محله ، ولعله يريد به ما قاله القاضي من كون محله الرفع على البدلية كما عرفت.

وإطلاق الكسوة ظاهر في الاكتفاء بما يصدق عليه الكسوة لغة ، وهو الثوب الساتر للعورة كالقمص والسراويل والجبة بل الإزار والوزرة ، أما الرداء فان كان صغيرا يحصل به مجرد الارتداء لم يكف. نعم لو كان كبيرا أمكن الاكتفاء به.

ويحتمل أن يكون المراد من الكسوة الثياب التي يحتاج إليها الإنسان عرفا ، كما يقال في العرف يجب كسوة الزوجة على الزوج والمملوك على مولاه ، والمراد جميع ما يحتاج اليه. ويؤيده مقابلته للاطعام الذي يعتبر فيه كونه مقدار ما يكفيه يوما ، وحينئذ فيجب ثوبان كالقميص والعمامة أو الجبة والقلنسوة كما هو المتعارف ، واليه ذهب جماعة من أصحابنا وجعلوا الاكتفاء بالثوب الواحد مع العجز.

والاخبار عن الأئمة الأطهار عليهم‌السلام واردة على الوجهين معا ، ففي بعضها ما يدل على أنه ثوبان ، رواه الحلبي (٣) في الصحيح عن ابى عبد الله عليه‌السلام في كفارة اليمين

__________________

(١) انظر البيضاوي ج ٢ ص ١٦٦ ط مصطفى محمد.

(٢) الكشاف ج ١ ص ٦٧٣.

(٣) الكافي ج ٢ ص ٣٧١ باب كفارة اليمين الحديث ١ وهو في المرات ج ٤ ص ٢٤٢ ورواه في التهذيب ج ٨ ص ٢٩٥ بالرقم ١٠٩١ والاستبصار ج ٤ ص ٥١ بالرقم ١٧٤ وروى بعضه الصدوق مرسلا ج ٣ ص ٢٣٠ بالرقم ١٠٨٩ والحديث في كتابي الشيخ والكافي هكذا : عن الحلبي عن ابى عبد الله في كفارة اليمين يطعم عشرة مساكين لكل مسكين مد من حنطة ـ

١٥٨

الى ان قال ـ أو كسوتهم لكل إنسان ثوبان. ونحوها (١) وفي بعضها ما يدل على الاكتفاء بالواحد ، كصحيحة محمّد بن (٢) قيس الثقة عن ابى جعفر عليه‌السلام قلت : فما حد الكسوة؟ قال : ثوب يوارى عورته. ونحوه روى معمر بن عمر عنه عليه‌السلام (٣).

__________________

 ـ أو مد من دقيق وحفنة أو كسوتهم لكل انسان ثوبان أو عتق رقبة وهو في ذلك بالخيار أي الثلاثة صنع فان لم يقدر على واحد من الثلاثة فالصيام عليه ثلاثة أيام.

والحفنة على ما في اللسان ملء كل كف وفيه عن الجوهري ملء الكفين من طعام قال المجلسي في المرآة في شرح الحديث الظاهر تعلق الحفنة بالحنطة والدقيق معا لاجرة خبزهما ويحتمل تعلقه بالدقيق فقط لتفاوت كيل الدقيق والحنطة كما هو المعروف.

(١) انظر الوسائل الباب ١٢ من أبواب الكفارات ومستدرك الوسائل ج ٣ ص ٣٢.

(٢) الكافي ج ٢ ص ٣٧١ باب كفارة اليمين الحديث ٤ وهو في المرات ج ٤ ص ٢٤٢ ورواه في التهذيب ج ٨ ص ٢٩٥ بالرقم ١٠٩٣ والاستبصار ج ٤ ص ٥١ بالرقم ١٧٦ وللحديث صدر لم ينقله المصنف ، ثم اللفظ في الكافي كما في المتن وفي النسخة المطبوعة من التهذيب والاستبصار فمن وجد الكسوة مكان فما حد الكسوة ونقله في الوسائل أيضا كلفظ التهذيب الباب ١٢ من أبواب الكفارات ج ٣ ص ٢٩٠ ط الأميري.

(٣) الكافي ج ٢ ص ٣٧٢ باب كفارة اليمين الحديث ٦ وهو في المرات ج ٤ ص ٢٤٣ ورواه في التهذيب ج ٨ ص ٢٩٥ بالرقم ١٠٩٤ والاستبصار ج ٤ ص ٥١ بالرقم ١٧٧ واللفظ في الكافي والمرات والوسائل معمر بن عمرو في كتابي الشيخ المطبوعين بالنجف معمر بن عثمان وعندي نسخة خطية من الاستبصار مصححة صححها الخاتون آبادى (ترى ترجمته في الروضات ص ٢٨٧ عند ترجمة محمد زمان) واللفظ فيه معمر بن عثمان وكذا لفظ الحديث السابق فيه فمن وجد الكسوة.

وكذا نقله في جامع الرواة ج ٢ ص ٢٥٣ عن معمر بن عثمان وليس في رجال الشيخ ذكر معمر بن عثمان بل فيه معمر بن عمر سرده في أصحاب الصادق ص ٣١٦ بالرقم ٥٧٥ وفيه أنه روى عنهما أى الصادق والباقر ولم نر في كتب الرجال عن معمر بن عثمان ذكرا ولا أثرا إلا ما قد عرفت من نقل جامع الرواة الحديث المذكور وأظن أنه من سهو نساخ كتابي الشيخ والله أعلم.

وروى الحديثين في الوافي الجزء السابع ص ٩٦ ولفظ الأول فمن وجد الكسوة ـ

١٥٩

ونقل الطبرسي في مجمع البيان (١) ان الذي عليه أصحابنا وجوب الثوبين لكل مسكين ، وعند الضرورة يجزي الواحد ، وظاهره الإجماع عليه ، وهو غير معلوم. والاولى في الجمع بين الاخبار الاكتفاء بالثوب الواحد الساتر للعورة وحمل ما دل على الثوبين على الأفضلية كما قاله الأكثر ، وإطلاق الآية لا يأباه.

وكيف كان فيجزي الغسيل الا أن يصير سحيقا أو منخرقا بحيث لا ينتفع به الا قليلا ، ويعتبر كون الكسوة من جنس القطن والكتان والصوف والحرير للنساء ، واحتمل الشهيد اجزاءه للرجال أيضا ، ويجزي الفرو والجلد المعتاد لبسه.

(أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) أيّ رقبة كانت عبدا أو امة مؤمنة أو كافرة ، وبهذا الإطلاق أخذ الشيخ في الخلاف فجوز إعتاق الكافر في الكفارة ، والأكثر على اعتبار الايمان فيها اما لأن الكافر خبيث وقد منع تعالى من إنفاقه والتقرب بمثله ، واما للأخبار الدالة على عدم إجزاء إعتاق المملوك الكافر ، والى هذا يذهب الشافعي لكنه قاس هذه الكفارة على كفارة القتل فاعتبر فيها الايمان مثلها.

ومقتضى «أو» التخيير بين الخصال الثلاث على الإطلاق (٢) بأيتها أخذ المكفر فقد خرج عن العهدة وامتثل الأمر ، ولا يجوز الإخلال بجميعها ، وكذا لا يجب الإتيان بكل واحد منها ، وهذا معنى ما قاله أكثر الأصوليين ان الواجب في المخير واحد لا بعينه من الخصال.

(فَمَنْ لَمْ يَجِدْ) شيئا من هذه الثلاث ولا أثمانها ولم يكن عنده شيء زائدا عما يحتاج

__________________

 ـ ولفظ الثاني معمر بن عمر. ثم ان الشيخ حمل في التهذيبين اختلاف الثوب والثوبين على الاختلاف في الاستطاعة والعجز وقال في الوافي الاولى ان يحمل الثوبان على ما إذا لم يوار أحدهما عورته والواحد على ما إذا وأراها ويحتمل حمل الواحد على الدست الواحد وتوجيه صاحب الوافي عندي من أحسن ما وجه به الاختلاف ويوافق ظاهر القرآن أيضا.

(١) المجمع ج ٢ ص ٢٣٨.

(٢) وقد ورد في الاخبار كل شيء في القرآن «أو» فصاحبه بالخيار يختار ما شاء ومر مصادره في ج ٢ ص ٢٧١ من هذا الكتاب.

١٦٠