مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام - ج ٣

جواد الكاظمي

مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام - ج ٣

المؤلف:

جواد الكاظمي


المحقق: محمّد الباقر البهبودي
الموضوع : الفقه
الناشر: المكتبة المرتضويّة لإحياء الآثار الجعفريّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٤٠

والجارّ متعلق ب (لا يَقُومُونَ) أي لا يقومون من المس الذي بهم من أكلهم الربا أو ب «يقوم» أو ب «يتخبط» ، فيكون نهوضهم وسقوطهم كالمصروعين ، لا لاختلال عقلهم ولكن لأن الله أربى في بطونهم ما أكلوه من الربا فأثقلهم ، تلك سيماهم يعرفون بها يوم القيامة عند أهل الموقف ، كما أن على كل عاص من معصيته علامة تليق به يعرف بها صاحبها. وقيل : الذين يخرجون من الأجداث يوفضون ، الا آكلة الربا فإنهم ينهضون ويسقطون كالمصروعين لثقلهم فلا يقدرون على الايفاض.

(ذلِكَ) العقاب النازل بهم (بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا) أى بسبب انهم نظموا البيع والربا في سلك واحد نظرا الى افضائهما الى الربح فاستحلوه استحلالا.

وانما لم يقل «انما الربا مثل البيع» لأن الكلام في الربا لا في البيع ، ومن حق القائس أن يشبّه بمحل الوفاق [لأنه لم يكن المقصود انهم تمسكوا بالقياس ، بل كان غرضهم أن الربا والبيع متماثلان من جميع الوجوه المطلوبة ، فكيف يجوز تخصيص أحدهما بالحل والآخر بالحرمة ، وعلى هذا فأيهما قدم أو أخر جاز. ووجه آخر ، وهو أن قولهم ذلك] نظرا الى مبالغتهم في ذلك ، كأنهم جعلوا الربا أصلا وقانونا في الحل حتى شبهوا به البيع.

(وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا) إنكار لتسويتهم بينهما وهدم لقياسهم ، من حيث ان الحل والتحريم أحكام الله ، فالحلال ما أحله الله والحرام ما حرمه ، وليس وجود التماثل بين الشيئين كافيا في تساوى الحكم.

وفيه دلالة على أن القياس ليس بحجة ، فإنه إذا عرف التساوي ولم يثبت الحكم بل كان مختلفا فيهما علم أن التساوي بمجرده لا يثبت حكما ، بل يجوز الاختلاف فيه لحكمة يعلمها الله تعالى ولا يطلعون عليها ، وحينئذ فكل موضع ثبت فيه التساوي كذلك لم يمكن ثبوت الحكم لجواز الاختلاف. فقول صاحب الكشاف (١) «ان فيه دلالة على ان القياس يهدمه النص» مع زعمه حجيته بعد ذلك باطل.

(فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ) فمن بلغه وعظ من الله وزجر بالنهي عن الربا

__________________

(١) انظر الكشاف ج ١ ص ٣٢١ ط دار الكتاب العربي.

٤١

(فَانْتَهى) فاتعظ وتبع النهي الوارد من الله (فَلَهُ ما سَلَفَ) أى ما أخذه من الربا سالفا قبل نزول التحريم ولا يسترد منه (وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ) يحكم في شأنه يوم القيامة إن شاء عذبه وان شاء غفر له ، ولا اعتراض لكم عليه.

[وعلى هذا ففيها دلالة ظاهرة على أن العفو من الله موجود ، وهو يبطل قول الوعيدية] أو انّ امره بعد الأمر والنهي الى الله ، فيجازيه على عمله الواقع بعد ذلك من الطاعة أو المعصية بامتثال الأمر أو ارتكاب النهي. أو انّ امره بعد الموعظة والتحريم الى الله ، فان شاء عصمه عن اكله وان شاء خذله.

وجميع ما ذكر من الوجوه دال على ملكية ما سلف قبل النهي ، وليس كونه له مشروطا بالانتهاء ، بل عدم العقاب فيما يأتي مشروط به. فلا يرد أن مفهوم الشرط اقتضى انه إذا لم ينته لم يكن له ، فيجب رده على مالكه خصوصا مع بقاء العين. لان هذا المفهوم غير معتبر إجماعا. ويمكن توجيه المفهوم بأن المراد أن له ما سلف من غير عقاب إذا اتعظ وانتهى ، فلو لم ينته لم يكن له ما سلف سالما ، بل هو مع العقاب فكأنه ليس له ، إذ لا خير فيه مع ثبوت العقاب.

(وَمَنْ عادَ) الى الربا فأخذه بعد ورود النهي (فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) وفي الآية وعد عظيم على آكل الربا ، وهو يستلزم كونه من الكبائر ، وقد انعقد إجماع المسلمين على ذلك وتظافرت الاخبار به.

روى الكليني (١) في الصحيح عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : درهم ربا أشد من سبعين زنية كلها بذات محرم.

وعن جميل (٢) عنه عليه‌السلام قال : درهم ربا أعظم عند الله من سبعين زنية بذات محرم في بيت الله الحرام. ونحوهما من الاخبار.

__________________

(١) الكافي ج ١ ص ٣٦٩ باب الربا الحديث ١ وهو في المرآة ج ٣ ص ٣٩٩ ورواه التهذيب ج ٧ ص ١٤ بالرقم ٨١ والفقيه ج ٣ ص ١٧٤ بالرقم ٧٨٢ وهو في الوسائل الباب ١ من أبواب الربا الحديث ١ ج ٢ ص ٥٩٧ ط الأميري.

(٢) المجمع ج ١ ص ٣٩١ ورواه عنه وعن على بن إبراهيم في تفسيره في الوسائل الباب ١ من أبواب الربا الحديث ١٦.

٤٢

ومقتضى التحريم كونه باطلا لا يترتب عليه الملك ، فوجب دفعه الى صاحبه لأنه مال لم ينتقل عنه الى الآخذ بوجه من الوجوه المحلّلة كالغصب ، ولو لم يعرف مالكه تصدق به عنه لأنه مجهول المالك.

والظاهر بطلان العقد المشتمل عليه ، لأن التراضي انما وقع على وجه غير مشروع ، فلا يكون صحيحا من أصله. وعلى هذا أصحابنا والشافعية ، وقالت الحنفية يصح البيع وتبطل الزيادة ويجب ردها الى صاحبها. وهو ضعيف ، فان ما وقع عليه التراضي لم ينعقد بالإجماع ، وغيره لم يقع التراضي عليه ، فلا وجه لوقوعه ، إذ التراضي شرط في التجارة. ولان ما علم انتقال الملك به هو البيع الخالي من الربا وغيره لم يعلم انتقال الملك به ، والأصل عدم حصول الملك الا بدليل يوجب الانتقال.

وما يقال من عموم وجوب الوفاء بالعقود والإيفاء يقتضيه ، ممنوع فانا لا نسلم تناوله مثل هذا ، إذ الظاهر وجوب الوفاء بما اراده الشارع ورضي به منها لا ما نهى عنه.

هذا كله إذا فعله متعمدا ، ولو فعله جاهلا بتحريمه فقد اختلف أصحابنا في وجوب رده على مالكه ، فقال الشيخ في النهاية لا يجب رده ، وهو الظاهر من ابن بابويه في المقنع (١) ، ورواه في من لا يحضره الفقيه (٢) ، وعلى ذلك جماعة. والأكثر على وجوب رده ، واليه ذهب ابن إدريس وقواه العلامة في المختلف.

واستدل الشيخ على عدم الرد بظاهر قوله تعالى (فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ) وهو يتناول المال الذي أخذه على وجه الربا جهلا ، وبما رواه الكليني (٣) في الصحيح عن هشام بن سالم عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن رجل يأكل الربا وهو يرى انه له حلال؟ قال : لا يضره حتى يصيبه متعمدا ، فإن أصابه متعمدا فهو بالمنزل الذي قال الله عزوجل.

__________________

(١) انظر المقنع ص ١٢٥ باب الربو ليس فيه ما نقله المصنف.

(٢) الفقيه ج ٣ ص ١٧٥ الرقم ٧٨٨.

(٣) الكافي ج ١ ص ٣٦٩ باب الربا الحديث ٣ وهو في المرات ج ٣ ص ٣٩٩ والوسائل الباب ٥ من أبواب الربا الحديث ١ وروى مثله في التهذيب ج ٧ ص ١٥ بالرقم ٦٦ عن الحلبي عن ابى عبد الله عليه‌السلام.

٤٣

وفي الحسن (١) عن الحلبي عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال : اتى رجل أبى عليه‌السلام فقال : اني ورثت مالا وقد علمت أن صاحبه الذي ورثته منه كان يربى وقد أعرف ان فيه ربا واستيقن ذلك وليس يطيب لي حلاله لحال علمي فيه ، وقد سألت فقهاء أهل العراق وأهل الحجاز فقالوا ما يحل اكله من أجل ما فيه.

فقال له أبو جعفر عليه‌السلام : ان كنت تعلم فيه مالا معروفا ربا وتعرف أهله فخذ رأس مالك ، ورد ما سوى ذلك ، وان كان مختلطا فكله هنيئا فإن المال مالك ، واجتنب ما كان يفعل صاحبه ، فان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قد وضع ما مضى من الربا وحرم عليهم ما بقي ، فمن جهله وسع له جهله حتى يعرفه ، فإذا عرف تحريمه حرم عليه ووجب عليه فيه العقوبة إذا ركبه كما يجب على من يأكل الربا.

والجواب : أما عن الآية فلما عرفت من أن ظاهرها العفو قبل نزول النهي ، أي في زمن الجاهلية كما أشرنا اليه ، والعجب أن الشيخ في «ن» صرح بذلك وذهب في النهاية إلى خلافه. وأما الحديث الأول فظاهره سقوط الذنب قبل المعرفة بالتحريم لا انه يملك ما أخذه في ذلك الوقت.

وأما الثاني فلأنه عليه‌السلام انما حكم بإباحته مع امتزاجه بالحلال بناء على أن الميت ارتكبه بجهالة ولم يعرف كونه ربا. ويجوز أن تكون الإباحة من حيث انه لا يعرف أن فيه ربا ، وان الاستيقان الذي ادعاه أولا استيقانه بأكل صاحبه الربا وينبه على ذلك قوله عليه‌السلام «ان كنت تعلم ان فيه مالا معروفا ربا وتعرف أهله إلخ». على أنه لو كان ظاهرا فيما قالوه لوجب حمله على ما قلناه جمعا بين الأدلة وتحرزا عن أكل المال بالباطل ـ فتأمل فيه.

__________________

(١) الكافي ج ١ ص ٣٦٩ باب الربا الحديث ٥ وهو في المرات ج ٣ ص ٣٩٩ ورواه في التهذيب ج ٧ ص ١٦ بالرقم ٧٠ والفقيه ج ٣ ص ١٥٧ بالرقم ٧٨٩ وفي النسخة المطبوعة بالنجف من التهذيب اتى رجل الى ابى عبد الله مكان اتى رجل ابى وقد حكى الحديث في الوسائل الباب ٥ من أبواب الربا الحديث ٣ ج ٢ ص ٥٩٨ ط الأميري ولم يحك هذا الاختلاف في اللفظ.

٤٤

واستدل صاحب الكشاف (١) بظاهر الخلود على تخليد الفساق. وفيه منع ، إذ يجوز أن يكون التخليد لاستحلالهم الربا وإنكارهم ما علم من الدين ضرورة ، فإن ذلك يوجب كفرهم. علي أنا لو سلمنا أن المراد عدم الاستحلال فحمل الخلود على المكث الطويل ممكن. وإطلاق الخلود على مثله غير عزيز ، فلا ينافي الأدلة العقلية القائمة على عدمه كما ثبت في محله.

ثم انه تعالى أكد التحريم بقوله (يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا) يذهب ببركته ويهلك المال الذي يدخل فيه ويبقى الإثم على صاحبه. وقد قيل (٢) للصادق عليه‌السلام : قد نرى الرجل يربى فيكثر ماله. قال : يمحق الله دينه وان كثر ماله. وعن ابن عباس في تفسير المحق : ان الله تعالى لا يقبل منه صدقة ولا جهادا ولا منحا ولا صلة.

(وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ) ينميها ويزيدها ويضاعف ثوابها ويبارك فيما أخرجت منه [أما في الدنيا فلأن من كان لله كان الله له ، فإذا كان الإنسان مع فقره وحاجته يحسن الى عبيد الله فالله مع غناه لا يتركه ضائعا ، وأما في الآخرة فلما] روي في الحديث عنه (٣) صلى‌الله‌عليه‌وآله «ان الله يقبل الصدقة فيربيها كما يربي أحدكم مهره حتى ان اللقمة لتصير مثل أحد» وعنه (٤) «ما نقصت زكاة من مال قط». وتتفاوت حال التربية بحسب دفعها الى محالها الأحوج وحسن النية فيها.

والنكتة في الآية ان المربي إنما يطلب بالربا الزيادة ، ومانع الصدقة انما يمنعها

__________________

(١) انظر الكشاف ج ١ ص ٣٢١.

(٢) المجمع ج ١ ص ٣٩٠ وروى قريبا منه في المضمون في التهذيب ج ٧ ص ١٥ بالرقم ٦٥ فبما بينه لنا أئمتنا مهابط الوحي والتنزيل في تفسير الآية يندفع ما أورده في المنار ج ٣ ص ١٠٠ على المفسرين من تفسيرهم المحق بذهاب البركة بأن هذا مكابرة للمشاهدة والاخبار.

(٣) المجمع ج ١ ص ٣٩٠ وانظر أيضا الدر المنثور ج ١ ص ٣٦٥.

(٤) أخرجه في الكشاف ج ١ ص ٣٢١ ط دار الكتاب العربي قال ابن حجر من رواية العلاء عن أبيه عن أبي هريرة بلفظ ما نقصت صدقة من مال الحديث. ورواه البزار من هذا الوجه فزاد قط.

٤٥

لطلب زيادة المال ، فبين تعالى ان الربا سبب النقصان لا سبب النماء ، وان الصدقة سبب النماء لا النقصان ، فعلى العاقل أن لا يلتفت الى ما يقضى به الحس والطبع ويعول على ما ندب اليه العقل والشرع.

(وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ) مصرّ على تحليل المحرمات ، فعال من الكفر (أَثِيمٍ) منهمك في ارتكابه متماد في إثمه بأكله. وفي الآية تغليظ عظيم في أمر الربا وإيذان بأنه من فعل الكفار لا من فعل المسلمين. وفي المجمع وانما لم يقل كل كافر لأنه إذا استحل الربا صار كافرا ، وإذا كثر اكله له مع الاستحلال فقد ضم كفرا الى كفر.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا) واتركوا بقايا ما اشترطتم على الناس من الربا (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) بقلوبكم ، فان دليل الايمان امتثال ما أمرتم به.

قيل كان الوليد بن المغيرة في زمن الجاهلية يربي (١) ، وقد بقي له بقايا على ثقيف ، فأراد خالد بن الوليد المطالبة بها بعد ان أسلم ، فنزلت ، وهو المروي عن ابى جعفر عليه‌السلام. وقيل كان لثقيف على قوم من قريش مال فطالبوهم عند المحل بالمال والربا فنزلت.

فان قيل : كيف قال (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) ثم قال في آخره (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) قيل فيه وجوه : منها أن هذا كما يقال «ان كنت أخي فأكرمني» معناه من كان أخا أكرم أخاه. ومنها ان معناه ان كنتم تريدون استدامة الحكم لكم بالايمان. ومنها أن معناه يا أيها الذين آمنوا بلسانكم ذروا ما بقي من الربا ان كنتم مؤمنين بقلوبكم.

وقد يستدل بظاهر الآية على أن الإنسان إنما يصير مؤمنا على الإطلاق مع تجنب كل الكبائر. ويجاب بأن المراد ان كنتم عاملين بمقتضى الأيمان ، فإن العمل لا يدخل في الايمان كما هو المذهب المنصور.

(فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا) ولم تتركوا البقايا من الربا (فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ) أي فاعلموا وتيقنوا ذلك من اذن بالشيء إذا علم به. وقرأ حمزة «فآذنوا» فأعلموا بها غيركم ، من الاذن وهو الاستماع فإنه من طريق العلم. وتنكير «حرب» للتعظيم. والمعنى

__________________

(١) انظر المجمع ج ١ ص ٣٩٢ وانظر أيضا الدر المنثور ج ١ ص ٣٦٤.

٤٦

فأذنوا بنوع من الحرب عظيم من عند الله ورسوله [والمراد المبالغة في التهديد دون نفس الحرب ، أو المراد الحرب نفسه ، والمراد أن من أصرّ على أكل الربا ان كان شخصا واحدا وقدر الامام عليه قبض عليه وأجرى فيه حكم الله من الحبس والتعزير الى أن يظهر منه التوبة ، وان كان ممن له شوكة حاربه].

واستدلّ بها على قتال المربي حتى يرجع كما يقاتل تارك الزكاة الى أن يؤديها قيل لما نزلت قال ثقيف لا يدي لنا بحرب الله ورسوله ، أي لا طاقة لنا به.

(وَإِنْ تُبْتُمْ) من الارتباء (فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ) فقط لا الزيادة التي شرطتموها فإنها مال الغير ولم يخرج عن ملكه (لا تَظْلِمُونَ) المديونين بطلب الزيادة على رؤوس الأموال (وَلا تُظْلَمُونَ) بالنقصان منها. ومقتضى الشرط انهم إذا لم يتوبوا ليس لهم رؤوس أموالهم. قال القاضي (١) وهو سديد على ما قلناه ، إذ المصر على التحليل مرتد وماله فيء وقال في الكشاف (٢) يكون ماله فيئا.

قال بعض أصحابنا : وهذا ليس بشيء ، لأنا نمنع انه إذا لم يتب يكون مرتدا لجواز أن يفعله ويعتقد تحريمه.

ولا يخفى عليك ما فيه ، فان القاضي قدر في الآية ان تبتم من اعتقاد حل الربا فلكم رؤوس أموالكم ، ومقتضى المفهوم انهم إذا لم يتوبوا عن اعتقاد الحل بل بقوا عليه كانوا مقيمين على الكفر ، إذ اعتقاد الحل فيه كفر ، وحينئذ فلا وجه لأن يقال عليه انه يفعله مع اعتقاد التحريم ، لأن ذلك غير مفهوم الشرط ، الا ان يقال لا حاجة الى التقييد ، وفيه ما فيه.

على ان صاحب الكشاف لم يصرح بكونه مرتدا وان حكم بأن ماله فيء للمسلمين ويجوز أن يكون له وجه في ذلك غير ما ذكره القاضي ، ولو كان هو فقد عرفته.

ويمكن دفع ما قالاه ـ بعد تسليم الارتداد ـ بأن مال المرتد لا نسلم أنه فيء للمسلمين ، إذ هو اما عن فطرة وماله ينتقل الى وارثه ، فان الارتداد في حقه بمثابة

__________________

(١) البيضاوي ج ١ ص ٢٦٩ ط مصطفى محمد.

(٢) الكشاف ج ١ ص ٣٢٢ ط دار الكتاب العربي.

٤٧

الموت الموجب قسمة أمواله بين ورثته ، وان كان عن ملة فما له باق على ملكه وان كان محجورا عليه في التصرف فيه [فمتى عاد إلى الإسلام انفك الحجر عنه وان مات فهو لورثته المسلمين ان كانوا والا فلبيت المال].

وعلى هذا أصحابنا أجمع ، وفي الاخبار دلالة عليه أيضا ، فإن كان العامة يوافقونا في ذلك لم يتم ما ذكراه ، والا فيمكن أن يقال الأصل عدم خروج ملك الشخص عنه الا بدليل واضح ، والآية غير واضحة في ذلك ، مع أن المفهوم انما يصار إليه إذا لم يكن في الكلام فائدة سواه ، ولا نسلم أنه هنا كذلك. سلمنا لكن نقول المنطوق حصول رأس المال فقط ، فمفهومه عدم حصوله فقط ، وهو كذلك لحصول العقاب معه أيضا. أو نقول منطوق الآية ان التائبين عن فعل الربا أو تحليله لهم تمام رأس مالهم حالكونهم غير ظالمين لأنفسهم بترك التوبة ولا لغيرهم بطلب ما لا يستحقونه ولا مظلومين بحصول عقاب من عند أنفسهم أو بنقص مالهم فجملة «لا يظلمون» حال.

ومفهوم الآية انهم إذا لم يتوبوا لا يكونون كذلك ، وهو حق ، فإنهم ليس لهم رأس مالهم مع الحال المذكور ، أعني عدم ظلمهم أنفسهم وغيرهم ، بل مع نقيضها ، إذ هم حينئذ ظالمون أنفسهم بل غيرهم أيضا ، ومظلومين أيضا لظلمهم أنفسهم. وهذا المقدار يكفي لاعتبار المفهوم ، فان ارتفاع المركب يكفي فيه ارتفاع أحد اجزائه.

وبالجملة يستبعد خروج ملك الشخص عنه من غير أن ينتقل الى وارثه بمجرد الردة ويصير ماله فيئا للمسلمين ، خصوصا مع احتمال الرجوع وقبول التوبة منه ، مع ان الأصل يقتضي بقاء المال على ملكية صاحبه ولا يخرج عنه الا بوجه شرعي ناقل عنه الى غيره ، وكون ما ذكروه ناقلا غير معلوم ـ فتأمل.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً) أي لا تزيدوا زيادات مكررة ولا تضاعفوا به أموالكم ، أو لا تضاعفوا الزيادة أضعاف الأصل ، أو أضعاف ما يتعارف في الربح. ولعل التخصيص بذلك نظرا الى ما هو الواقع ، إذ كان الرجل منهم يربى إلى أجل فإذا بلغ الدين محله زاد في الأجل بزيادة من المال ، وهكذا حتى يستغرق بالشيء الطفيف مال المديون [والا فأكل الربا محرّم وان لم يكن بهذه المثابة].

٤٨

(وَاتَّقُوا اللهَ) فيما نهاكم عنه واحذروا الأفعال الموجبة لدخول النار (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) لكي تفوزوا بإدراك ما تأملونه.

(وَاتَّقُوا النَّارَ) أي الأفعال الموجبة لدخولها كأكل الربا ونحوه (الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ) وفيه تنبيه على أن النار بالذات معدة للكفار ، فدخول غيرهم من الفساق انما يكون على وجه التبع ، ولقد وقع التكرار في الآيات الدالة على تحريم الربا للتأكيد وللمبالغة في التحرز عنه والاجتناب منه.

واعلم ان هذه الآيات وان اقتضت التحريم في جميع ما يمكن فيه الزيادة ، الا ان أصحابنا خصوها بالزيادة الحاصلة في المكيل أو الموزون إذا بيع بمثله ، وكذا المعدود عند بعضهم. وكذا اقتضت عموم التحريم بالنسبة الى جميع المكلفين ، لكن أصحابنا (١) خصصوها ببعض المواضع التي دل الدليل (٢) على جواز الربا فيها ، كالربا بين الوالد وولده والزوج والزوجة والمسلم والحربي والسيد والعبد. وأخذ بعض العامة بظاهر العموم فمنع في الجميع ، وتفصيل ذلك يعلم من كتب الفروع.

الثالثة : (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ. الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ. وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ. أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ).

(وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ) التطفيف البخس في الكيل أو الوزن ، أى التنقيص على وجه الخيانة. والطفيف النزر القليل. والتركيب يدل على التقليل. قال الزجاج : وانما قيل له مطفف لأنه لا يكاد يسرق الا الشيء الطفيف. قيل كان أهل المدينة من أخبث الناس كيلا الى ان أنزل الله الآية فأحسنوا الكيل.

(الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ) أي إذا اكتالوا من الناس حقوقهم

__________________

(١) انظر الباب ٦ من أبواب الربا من الوسائل ج ٢ ص ٥٩٩ ومستدرك الوسائل ج ٢ ص ٤٨٠.

(٢) انظر الباب ٧ من أبواب الربا من الوسائل ج ٢ ص ٥٩٩ وج ٢ ص ٤٨٠ من مستدرك الوسائل.

٤٩

لأنفسهم يأخذونها وافية. والاكتيال الأخذ بالكيل ، ونظيره الاتزان ، وهو الأخذ بالوزن. ولم يذكر الاتزان لأنهما مما يقع البيع والشراء بأحدهما ، فذكر أحدهما يدل على الآخر. والجار متعلق باكتالوا ، والأصل أن يقال اكتالوا منهم ، لكن لما كان اكتيالهم من الناس اكتيالا يضرهم ويتحامل فيه عليهم أبدل «على» مكان «من» للدلالة علي ذلك.

ويجوز أن يتعلق بيستوفون وتقدم المفعول على الفعل لإفادة الخصوصية ، أى يستوفون على الناس خاصة فأما أنفسهم فيستوفون لها. وقيل انّ من وعلى يعتقبان هذا الموضع لأنه حق عليه ، فإذا قال اكتلت عليك أراد أخذت ما عليك ، وإذا قال اكتلت منك أراد استوفيت منك.

(وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ) أى كالوا لهم أو وزنوا لهم ، والمعنى أنهم إذا كالوا لغيرهم أو وزنوا له (يُخْسِرُونَ) ينقصون في الكيل والوزن ، والكلام من باب الحذف والإيصال ، لأن كالوا ووزنوا يتعدى باللام. يحتمل أن يكون على حذف المضاف واقامة المضاف إليه مقامه ، والمقدر المضاف هو المكيل والموزون ، والتقدير وإذا كالوا مكيلهم أو وزنوا وزنهم.

قال في الكشاف : ولا يحسن أن يكون ضميرا مرفوعا للمطففين ، لأن الكلام يخرج به الى نظم فاسد ، وذلك لأن المعنى إذا أخذوا من الناس استوفوا وإذا أعطوهم أخسروا ، وان جعلت الضمير للمطففين انقلب الى قولك إذا تولوا الكيل والوزن هم على الخصوص أخسروا ، وهو كلام متنافر ، لأن الحديث واقع في الفعل لا في المباشر ـ انتهى.

وحاصله ان المقصود بيان حالهم في الأخذ من الناس والدفع إليهم ، وليس المقصود مجرد مباشرة الكيل والوزن ، فلو حمل عليه فاتت المقابلة بين القسمين وخرج الكلام عن النظم الصحيح ، وكما لا يصح كونه تأكيدا لا يصح كونه فصلا لأنه انما يكون بين المبتدأ والخبر ونحوه ، وهو غير حاصل هنا.

٥٠

(أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ) المطففون ، وهو إنكار وتعجيب عظيم من حالهم في الاجتراء على التطفيف ، والظن بمعنى العلم ، أي إلا يعلمون مع وضوح الأدلة (أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ) يوم القيامة ومحاسبون على مقدار الذرة والخردلة. وفي الإشارة إليهم بأولئك مع تقدم ذكرهم قريبا تبعيد لهم عن درجة الاعتبار بل عن درجة الإنسانية.

(لِيَوْمٍ عَظِيمٍ) وصفه بالعظمة باعتبار ما يقع فيه من الشدائد والمحن العظيمة ، أو أنه بمعنى الحسبان ، لأنّ من ظن الجزاء والبعث ورجح ذلك في نفسه وان لم يصل إلى حد العلم يجب أن يتحرز ويتجنب المعاصي خوفا من العقاب الذي يجوزه ويظنه فان من ظن العطب في سلوك طريق وجب أن يجتنب سلوكه حذرا من العطب.

(يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ) نصب بمبعوثون ، أو هو بدل من الجار والمجرور ، والمراد قيامهم من قبورهم. ويحتمل قيامهم يوم المحشر ، فقد روى عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله «يقوم الناس مقدار ثلاثمائة سنة من الدنيا لا يؤمر فيها بأمر».

(لِرَبِّ الْعالَمِينَ) لحكمه وأمره ، أو لحسابه وجزائه. وفي هذا الإنكار والتعجب وكلمة الظن ووصف اليوم بالعظيم وقيام الناس فيه لله خاضعين ، ووصف ذاته برب العالمين بيان بليغ لعظم الذنب وتفاقم الإثم بالتطفيف.

وقد دل على ذلك آيات كثيرة ، نحو قوله (أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ).

وقد تظافرت الاخبار بذلك ، روى عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال «خمس بخمس : ما نقض العهد قوم إلا سلط الله عليهم عدوهم ، وما حكموا بغير ما أنزل الله إلا فشا فيهم الفقر ، وما ظهرت فيهم الفاحشة الّا فشا فيهم الموت ، ولا طففوا الكيل الا منعوا النبات وأخذوا بالسنين ، ولا منعوا الزكاة الّا حبس عنهم القطر» ونحوها.

ثم ان ظاهر الآية ترتب الوعيد على التطفيف بأي شيء كان قليلا كان أو كثيرا ، وذهب بعض علماء العامة الى أن المطفف لا يتناوله الوعيد إلا إذا بلغ تطفيفه نصاب السرقة ، ورده الأكثر ، بل قال بعضهم ان العزم عليه من الكبائر ، وهو مبنى علي ان نية المعصية بمثابة المعصية. وفيه ما فيه.

٥١

الرابعة : (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ). (الأعراف ١٩٩)

(خُذِ الْعَفْوَ) اى خذ ما عفا لك من أفعال الناس وتيسر ولا تطلب ما جهد وشق عليهم ، أخذا من العفو الذي هو ضد الجهد والمشقة ، أو خذ العفو عن المذنبين والصفح عنهم ، أو خذ الفضل وما تسهل من صدقاتهم ، وذلك قبل وجوب الزكاة.

(وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ) المعروف المستحسن من الافعال (وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) السفهاء فلا تكافهم ولا تمارهم وأحلم عنهم.

قيل (١) لما نزلت سأل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جبريل ، فقال : لا أدري حتى اسأل ، ثم رجع فقال : «يا محمّد ان ربك أمرك ان تصل من قطعك وتعطى من حرمك وتعفو عمن ظلمك» وعن الصادق عليه‌السلام : أمر الله نبيه بمكارم الأخلاق (٢). وهذه الآية جامعة لمكارم الأخلاق بتمامها.

وقد يستدل بظاهرها على استحباب الإقالة في البيع كما قاله الفقهاء ، وعلى استحباب انظار المعسر كما قالوه ، وعلى كراهة معاملة الأدنين والسفلة الذين هم الجاهلون في الحقيقة ، لأن معنى الاعراض عنهم كونهم في جانب عنه ، وهو ينافي المعاملة.

والعجب ان بعضهم توقف في دلالتها على ذلك ، نظرا الى أن العام لا يدل على الخاص ، وهو بعيد ، فان العام ثبت حكمه في جميع الافراد إلا ما خرج بالدليل ، كما هو مقرر في الأصول.

الخامسة : (وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) (النساء ١٤١).

(وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) قيل : المراد نفي السبيل في

__________________

(١) المجمع ج ٢ ص ٥١٢.

(٢) رواه الطبرسي في جوامع الجامع عند تفسير الآية ص ١٦٢ ط ١٣٣١ وحكاه عنه في الصافي ص ١٧٦ ط حاج محمد باقر الخوانساري ١٢٨٦ واللفظ فيهما : وعن الصادق (ع) أمر الله نبيه بمكارم الأخلاق وليس في القرآن آية اجمع لمكارم الأخلاق منها.

٥٢

القيامة ، بدليل أنه عطف على قوله (فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) وقيل المراد به نفي السبيل في الدنيا ، والمراد به الحجة ، بمعنى أن حجة المسلمين غالبة على حجة الكل ، وليس لأحد أن يغلبهم بالحجة ، وعلى هذا أكثر المفسرين].

وقد يستدل بظاهرها على عدم تسلط الكافر على المسلم بوجه من الوجوه ، كالبيع والإجارة والرهن وغيرها ، نظرا الى أنّ السبيل نكرة في سياق النفي ، فيفيد العموم. ومن ثم استدل بها الفقهاء على أن الكافر إذا أسلم عبده قهر على بيعه من مسلم ، فان امتنع باعه الحاكم وسلمه الثمن ، وعلى عدم صحة إجارة العبد المسلم منه ، وعلى عدم صحة بيعه منه ، ومقتضى ذلك وقوع الشراء فاسدا على ذلك التقدير. وعليه أكثر علمائنا ، وهو قول الشافعي ، لأن التسلط سبيل وقد نفي بالآية.

ومن أصحابنا من ذهب الى صحة البيع ولكن يجبر الكافر على بيعه ، وهو قول الحنفية ، مستدلين عليه بأنه يملك بالإرث وبأنه يبقى في يديه لو أسلم قبل بيعه ، وليس ذلك إلا لصحة تملكه.

وفيه نظر ، لظهور الآية فيما قلناه ، والفرق أن الإرث والاستدامة أقوى من الابتداء ، لثبوته بهما للمحرم في الصيد مع منعه من ابتدائه ، ولا يلزم من ثبوت الأقوى ثبوت الأضعف. على أنا نقطع الاستدامة بمنعه منها وإجباره على إزالتها فكيف يثبت الابتداء.

قال القاضي بعد أن نقل الآية هكذا (فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) حينئذ أي في الآخرة أو في الدنيا ، والمراد بالسبيل الحجة واحتج به أصحابنا على فساد شراء الكافر المسلم ، والحنفية على حصول البينونة بنفس الارتداد ، وهو ضعيف ، لأنه لا ينفي أن يكون السبيل له إذا عاد الى الايمان قبل مضي العدة ـ انتهى.

وقد يناقش فيما ذكره بعد كون المراد بالسبيل الحجة ، فإنه لا يتأتى معه فساد شراء الكافر المسلم ، وانما يتأتى لو حمل نفى السبيل على عمومه.

ويمكن أن يجاب بأنه إذا لم يكن له حجة لم يكن له إمساكه ولا ملكه ،

٥٣

فان كون العبد مملوكا لمولاه انما هو بحجة كالعقد ونحوه ، فان انتفت هنا فسد الشراء. نعم اعتراضه على الحنفية غير وارد ، فإن الزوجية تسلط وسبيل ، والفرض انتفاؤه بالارتداد نظرا الى ظاهر الآية وعودها مع الرجوع [الى الإسلام في العدة] من غير عقد يحتاج الى دليل ، إذ مجرد رفع المانع لا يكفى من دون وجود المقتضي. الا ان نقول بعدم زوال الزوجية بالارتداد ، وانما ارتفع التسلط عليها وغيره من حقوق الزوجية ، مع أن ظاهر كلامه يعطي زوالها.

والتحقيق ان الارتداد ان كان عن ملة لم يزل أصل النكاح به ويبقى موقوفا على انقضاء العدة ، وانما يزول [التسلط عليها الذي هو من] لوازم الزوجية ، وان كان عن فطرة انفسخ النكاح في الحال لكونها في حكم الموت. هذا مع الدخول ، ومع عدمه يتساويان في الانفساخ بنفس الارتداد.

[واعلم أن الفرق بين الارتداد عن ملة وفطرة مختص بأصحابنا ، وأما العامة فلا يفرقون بينهما].

وهنا آيات أخر ذكرها بعض أصحابنا لا نري فيما استدل بها وجها يصلح للدلالة فلذا أعرضنا عنها.

٥٤

كتاب الدين وتوابعه

وفيه آيات :

الاولى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا وَلا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلى أَجَلِهِ ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَأَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلَّا تَكْتُبُوها وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ). (البقرة ٢٨١)

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ) إذا تعاملتم بما فيه دين ، تقول داينته إذا عاملته بدين أخذت منه أو أعطيته ، وتداين القوم أو الرجلان بمعناه ، كذا في المجمع وقريب منه في الكشاف.

وفائدة ذكر الدين مع دلالة التداين عليه أن لا يتوهم إرادة المجازاة من التداين لا طلاقه عليه وليرجع الضمير في قوله (فَاكْتُبُوهُ) إليه ، إذ لو لم يذكر لوجب التصريح به فيقال فاكتبوا الدين ، فلم يكن النظم بذلك الحسن ، ولأنه أبين لتنويع الدين الى حالّ ومؤجل ، فإنه كالمطابقة ودلالة تداينتم على ذلك كالتضمن.

[ووجه آخر ، وهو أن المداينة مفاعلة من الدين ، وظاهرها بيع الدين بالدين ،

٥٥

فلو اقتصر عليه لدل على بيع الدين بالدين وهو باطل ، فلما قال (تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ) كان المعنى إذا تداينتم تداينا يحصل فيه دين واحد ، وحينئذ فيخرج عليه الدين بالدين ويبقى بيع العين بالدين أو العكس داخلا لحصول الدين الواحد في كل منهما].

(إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) معلوم بالأيام والأشهر ، وحاصله كونه بحيث لا يقبل الزيادة والنقصان لا نحو الحصاد والدياس وقدوم الحاج ونحوه ، مما يقبل الزيادة والنقصان لعدم المعلومية فيه واستلزامه وقوع النزاع بين المتعاملين.

[والآجل هو الوقت المضروب لانقضاء الأمد ، وأصله من التأخير ، يقال أجل الشيء يأجل أجلا إذا تأخر ، والأجل نقيض العاجل. ولعل ذكر الأجل بعد ذكر المداينة مع دلالتها عليه ليتمكن من وصفه بالمسمى ، أي المعين المعلوم ، ليخرج عنه ما ذكرناه مما لا تسمية فيه].

وظاهر الآية يقتضي اعتبار التعيين في الأجل لفظا ، ولا يكفي كونه مقصودا لهما ، ويترتب على اعتبار تعينه عدم جواز مطالبة صاحب الحق قبل الأجل وعدم جواز تأخير من عليه الحق عنه لو أراده صاحبه ، إذ الظاهر أن فائدة الأجل وتعيينه ذلك الا ما أخرجه الدليل ، مثل وجوب الأخذ قبله وعدم لزومه كما في القرض ، فإن التأجيل لا يلزم فيه لدليل اقتضاه.

وقد استفيد من الآية اباحة المعاملة بالدين مؤجلا وحالا بأي وجه كانت المعاملة نسيئة وسلما وصلحا واجارة وقرضا ونحوها ، فإن المعاملة تشمل جميع ذلك.

وقد ينقل عن ابن عباس ان الآية وردت في السلم خاصة ، وكان يقول «اشهد أن الله أباح السلم المضمون إلى أجل معلوم ، وأنزل فيه أطول آية وتلا الآية». ولم يعتبر الفقهاء ذلك ، بل أخذوا بظاهرها الواقع على كل معاملة وإن كان موردها خاصا ، فإن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، وظاهرها شامل لما كان العوضان معادينا أو أحدهما. لكن الإجماع منعقد على أن معاملة الدين غير صحيحة فتخصص الآية بالثاني [مع ان في دلالة الآية على الأول نظرا أشرنا إليه سابقا] وهو قسمان : بيع العين بالدين ،

٥٦

وهو ما إذا باع شيئا حاضرا بثمن مؤجل ، وبيع الدين بالعين وهو المسمى بالسلم ، وكلاهما داخلان تحت الآية.

(فَاكْتُبُوهُ) أي اكتبوا الدين في صك لأنه أوثق وأدفع للنزاع الناشئ من النسيان أو الجحود ، والجمهور من العلماء على استحباب الكتابة ، لإجماع المسلمين قديما وحديثا على جواز البيع بالأثمان المأخوذة من غير كتابة ولا إشهاد ، ولأن في إيجابهما حرجا وضيقا ، والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بعث بالشريعة السهلة السمحة.

ويحتمل أن يكون الأمر للإرشاد إلى المصلحة ، لما في ذلك من المصالح بالنسبة الى من له الحق وعليه والشهود ، وحينئذ فلو رضى صاحب الحق بتركه جاز ، كما يجوز له أن لا يأخذ الحق من أصله. وذهب بعضهم الى الوجوب نظرا الى ظاهر الأمر. قال في «المجمع» : ويدل على صحة القول الأول قوله (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ) والمفهوم من هذا الظاهر : فإن ائتمنه على ماله فله أن يأتمنه عليه. قيل فيه تأمل ، إذ يدل على عدم الوجوب على تقدير الايتمان لا مطلقا. قلت : ذلك يكفي في إثبات المطلوب ، لعدم القول بالفرق ، فان الكلام في وجوب كتابة الدين مطلقا وعدمها مطلقا. وجعل بعضهم قوله (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ) إلخ ، ناسخا لوجوب الكتابة والاشهاد ، وفيه نظر.

(وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ) بالإنصاف والتسوية والامانة لا يزيد في الحق ولا ينقص منه ، ولا يخص أحدهما بالاحتياط دون الآخر. وقيل العدل أن يكون ما يكتبه متفقا عليه بين المجتهدين ، ولا يكون بحيث يجد قاض من قضاة المسلمين سبيلا إلى إبطاله.

ومقتضى ذلك اشتراط علمه بالكتابة على الوجه المأمور به الموافق للشرع ، حتى يجيء كتابه معدلا بالشرع غير مشتمل على تغيير وتحريف. وهو في الحقيقة أمر للمتداينين باختيار كاتب فقيه ديّن حتى يجيء مكتوبة موثوقا به معدلا في الشريعة.

(وَلا يَأْبَ كاتِبٌ) ولا يمتنع أحد من الكتاب (أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللهُ) مثل ما علمه الله من كتب الوثائق [بالنسبة الى كل معاملة ، بحيث لا يكتب شيئا يخالف

٥٧

مقتضى تلك المعاملة مما فيه جور أو بخس] أي لا يغير ولا يبدل ، فيكون تأكيدا لسابقه أو أن ينفع الناس بكتابته كما نفعه الله بتعليمها ، كقوله (وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ).

وظاهر النهي تحريم امتناع الكاتب ، وهو يقتضي وجوبها عليه ، الا أن ظاهر الأكثر الوجوب كفاية لكونها في معنى الشهادة ، ولأنها من باب التعاون على البر والتقوى ، ولأنها من الأمور العامة البلوى ، واستلزام إهمالها الخلل بنظام العالم ، فتكون مستحبة بالنسبة الى كل واحد كما هو شأن الواجب كفاية ، ويؤيده تنكير كاتب. ولأن الفرض هو الكتابة من أي شخص يتأتى منه ذلك لا خصوصه.

وقيل كانت واجبة عينا فنسخت بقوله (وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ) وهو بعيد (فَلْيَكْتُبْ) تلك الكتابة التي علمه الله ، أمر بها بعد النهي عن الإباء عنها تأكيدا للحث عليها. ويجوز أن يتعلق الكاف بهذا الأمر [والتقدير ولا يأب كاتب أن يكتب ، وهنا يتم الكلام ثم قال بعده كما علمه الله فليكتب] فيكون النهي عن الإباء مطلقا ثم الأمر بالكتابة مقيدة. وفيه من المبالغات ما لا يخفى ، إذ الجمع بين النهي عن الترك والأمر بالفعل ادعى الى فعله من الاقتصار على أحدهما.

(وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ) وليكن المملل من الذي عليه الحق ، لأنه المشهود عليه فيعتبر إملاله في ذلك ولا ينفع إملال غيره ، لأن الغرض الشهادة على ما في ذمته والإملال والإملاء واحد. ويستفاد منه وجوب الإقرار من صاحب الحق بما عليه منه حتى يشهد عليه.

(وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ) في الإملال ، فلا ينقص من الحق الذي في ذمته شيئا لا من قدره ولا من صفته ، بل يجب عليه الإقرار بما كان في ذمته. وفيه تحذير عظيم من ترك الإقرار بما عليه من الحق كملا. وأكد بقوله (وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ) ولا ينقص من الحق الذي عليه (شَيْئاً).

ويحتمل رجوع الأمر بالاتقاء الى الكاتب ، ويكون المراد بالبخس منه عدم نقصانه في الكتابة مما املى عليه ، وهو في معنى الكتابة بالعدل.

٥٨

(فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً) ناقص العقل مبذرا ، كما هو المتبادر من السفيه (أَوْ ضَعِيفاً) صبيا أو شيخا مختلا لا شعور معه (أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ) بنفسه لما فيه من الخرس أو الجهل باللغة الذي يكون الإملال بها (فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ) الذي يلي أمره ويقوم مقامه ، وهو الأب والجد له والوصي في الصبي والمجنون والسفيه ان كانت لهم الولاية ، كما هو المشهور في البالغ على تلك الصفة والا فالحاكم وأمينه وولي الشيخ المختل عقله ، والذي لا يستطيع أن يمل لخرس ونحوه المترجم المتعاطي أحواله العالم بثبوت الدين في ذمته [والمعنى ان الذي عليه الدين إذا لم يكن إقراره معتبرا فالمعتبر هو إقرار وليّه].

(بِالْعَدْلِ) من غير بخس حق المولى عليه أو المقر له.

ومقتضى الآية الاكتفاء في ثبوت الحق بمجرد إقرار الولي عن هؤلاء. وقال القاضي وهو دليل جريان النيابة في الإقرار ، ولعله مخصوص بما تعاطاه القيم أو الوكيل ـ انتهى.

قلت : هو كذلك ، فإن الأصل عدم اعتبار الإقرار في حق الغير ، خرج منه هذا الموضع بالنص لمكان الضرورة فيبقى ما عداه على المنع. لكن مقتضى ذلك ثبوت الحق في ذمة المولى عليه بمجرد إقرار الولي. والمشهور انه لا بد من انضمام حكم الحاكم اليه ، مع أنه يشكل الحال في المترجم ، لاقتضاء الآية اعتماد الكاتب على مترجم واحد ويشكل بأنه بمثابة الشاهد على ما في الذمة أو على إقراره ، والظاهر اعتبار التعدد فيه الا أن يكون الكاتب أيضا عالما بالحال وهو مشكل أيضا ، إذ لا يحتاج إلى إقرار المترجم حينئذ. وبالجملة فالأمر لا يخلو من اشكال ، الا ان يقال يعمل على ظاهر الآية الى ان يثبت التقييد بنص قابل له أو إجماع ـ فتأمل.

وقيل ان الضمير في «وليه» يعود إلى الحق ، أي صاحب الدين. والاشكال فيه أقوى ، لأن قول المدعي كيف يقبل ، ولو كان قوله معتبرا فأي حاجة الى الكتبة والإشهاد ، الا أن يكون المراد أنه يكتب تذكرة له من لسانه وان لم يكن حجة له. والحاصل ان الآية كالمجمل وبيانها يعلم من خارج.

ويستفاد منها أن السفيه والضعيف ومن لا يستطيع أن يمل لا يجوز معاملتهم

٥٩

ولا التصرف في أموالهم ولا يقبل قولهم في الإقرار ، وان لغيرهم ولاية عليهم يقبل قولهم فيهم ويصح تصرفهم في أموالهم ، والإجماع على أنهم ليسوا غير هؤلاء المذكورين سابقا فيتعين كونهم الأولياء.

(وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ) واطلبوا أن يشهد على الدين شاهدان ، وإطلاق الشهيد على سيشهد تنزيل لما يشارف منزلة الكائن (مِنْ رِجالِكُمْ) ايها المسلمون.

وفيه دلالة على اشتراط الإسلام في الشهود ، وعليه أكثر أصحابنا ، وللشيخ قول بسماع شهادة الكفار بعضهم لبعض. وقد يستدل بها على اعتبار البلوغ والعقل كما هو ظاهر الخطاب. واعتبر آخرون الحرية [لدلالة الإضافة عليه ، فان المخاطب الأحرار] وفي استفادته من الآية تأمل.

[وقيل (مِنْ رِجالِكُمْ) الذين تعتدون بهم للشهادة بسبب العدالة ، وهو أظهر سواء كان عبدا أو حرا ، وسيجيء الكلام في تفصيل ذلك].

(فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ) فليشهدا ، أو فالمستشهد رجل وامرأتان ، وهذا عندنا مخصوص بالأموال ، وأما غيرها من الحقوق فلا لقيام الأدلة من الخارج على العدم.

(مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ) لعلمكم بعدالتهم ، وهو قيد في الشاهد مطلقا عندنا ، سواء كانا رجلين أو رجلا وامرأتين ، فإن العدالة معتبرة في الشاهد من حيث هو عندنا.

ولعل في قوله (مِمَّنْ تَرْضَوْنَ) إشارة إلى انكم لم تؤمروا بإشهاد شهيدين مرضيين على الحقيقة ونفس الأمر ، إذ لا طريق لكم إلى معرفة من هو مرضي عند الله من غيره وانما أمرتم بإشهاد من هو مرضي عندكم بحسب الظاهر ، أي يرضى دينه وصلاحه.

وقد يستدل بها على اعتبار العدالة في الظاهر ، وأن من هو بهذه المثابة عند المستشهد فهو ممن يصح استشهاده ، لأن المخاطب بذلك هو المستشهد ، ولا يلزم من استشهاد من هو كذلك عنده وجوب قبول الحاكم شهادته ، فان القبول متوقف على كونه كذلك عند الحاكم أيضا وقد لا يكون. نعم يخرج صاحب الحق باستشهاده عن عهدة

٦٠