مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام - ج ٣

جواد الكاظمي

مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام - ج ٣

المؤلف:

جواد الكاظمي


المحقق: محمّد الباقر البهبودي
الموضوع : الفقه
الناشر: المكتبة المرتضويّة لإحياء الآثار الجعفريّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٤٠

على الانتصار إن هنّ ضعفن أو المراد انّه تعالى مع علوه وكبريائه يتجاوز عن سيئاتكم ويتوب عليكم فأنتم أحقّ بالعفو عن أزواجكم أو انّه يتعالى ويكبر ان يظلم أحدا وينقص حقّه.

ففي الآية دلالة على عدم جواز الهجران والضّرب بدون النشوز لكنها دلالة بالمفهوم والجواز معه بالمنطوق والأمر فيها جاز أن يكون للإباحة فان الضرب لا يكون مستحبا فضلا عن وجوبه بل يمكن ان يكون مرجوحا فان العفو حسن نعم لو علم ترتب الفساد على تركه أمكن الاستحباب بل الوجوب أيضا وحينئذ فيجري الأحكام الخمسة فيه يعلم ذلك بأدنى نظر.

الخامسة [النساء : ١٢٩] (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ) تساووا بينهن في الميل القلبي بحيث لا يكون لاحديهنّ ميل زائد على ميل الأخرى ويكون الميل والمعاشرة متساوية بينهن من غير زيادة لاحديهن على الأخرى ليتحقق العدل على الحقيقة فإن ذلك متعذر ومن ثم نقل عنه (١) صلى‌الله‌عليه‌وآله انّه كان يقسم بين نسائه فيعدل ويقول هذه قسمتى فيما أملك فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك وهو دال على انّه غير مقدور.

(وَلَوْ حَرَصْتُمْ) على ذلك وبذلتم الجهد وبالغتم فيه فلا يجب عليكم تمام العدل وغايته بل هو مرفوع عنكم (فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ) بترك ما هو المستطاع لكم فتجوروا على المرغوب عنها كلّ الجور فان ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه يعنى ان اجتناب كل الميل ممّا هو في حدّ اليسر والطّاقة فلا تفرطوا فيه وان وقع منكم التّفريط في العدل كلّه وفيه توبيخ على وقوع التفريط في كل الميل مع إمكان عدمه.

(فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ) الّتي ليست بذات بعل يميل إليها ويعاشرها معاشرة الأزواج

__________________

(١) الكشاف ج ١ ص ٥٧٢ قال ابن حجر : أخرجه أصحاب السنن وابن حبان والحاكم من رواية أبي قلابة عن عبد الله بن يزيد عن عائشة وفيه يعنى القلب انتهى وروى الحديث في كنز العرفان ج ٢ ص ٢١٦ والمجمع ج ٢ ص ١٢١ مع يسير تفاوت في اللفظ.

٢٦١

ولا مطلقة خالية من الزّوج وفي الحديث عنه (١) صلى‌الله‌عليه‌وآله من كانت له امرأتان يميل مع إحداهما جاء يوم القيمة واحد شقّيه مائل.

(وَإِنْ تُصْلِحُوا) في القسمة بين الأزواج والتّسوية بينهنّ في النفقة والكسوة وغير ذلك (وَتَتَّقُوا) في المستقبل عن المعاودة إلى الميل الّذي نهيتم عنه (فَإِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً) عادته الغفران والرحمة إلى المذنبين فيغفر لكم ما صدر منكم من التقصير بالتوبة أو تفضّلا منه تعالى.

ففي الآية دلالة على تحريم الميل الكلىّ على احدى الزوجات وإيجاب التّسوية بحسب المقدور الا انّه كالمجمل وتفصيله يعرف من الاخبار وعن أبي جعفر (٢) عليه‌السلام انّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يقسم بين نسائه في مرضه فيطاف به بينهنّ وانّ عليّا عليه‌السلام كان له امرأتان فكان إذا كان يوم واحدة لا يتوضى في بيت الأخرى.

السادسة [النساء : ١٢٨] (وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها) توقعت منها لما ظهر لها من الأمارات والمخايل (نُشُوزاً) ترفعا عن صحبتها وتجافيا عنها (أَوْ إِعْراضاً) بأن يريد طلاقها وذلك لبعض الأسباب من طعن في سن أو دمامة أو شين في خلق أو خلق أو ملال أو طموح عين إلى أخرى أو نحو ذلك والمراد انّه لا يمنعها شيئا من حقها الواجب ولا يوذيها بضرب ولا كلام ولكن يكره صحبتها لأحد الأمور المذكورة.

(فَلا جُناحَ عَلَيْهِما) لا اثم ولا حرج على كل واحد من الزّوجين (أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً) ان يتصالحا بأن يترك المرأة له قسمتها أو تضع عنه بعض ما يجب لها من

__________________

(١) الكشاف ج ١ ص ٥٧٢ قال ابن حجر أخرجه أصحاب السنن وابن حبان والحاكم من رواية بشير بن نهيك عن أبي هريرة قال الترمذي لا يعرف مرفوعا الا من رواية همام انتهى وروى الحديث في قلائد الدرر ج ٣ ص ١٥٢ وروى قريبا منه في مستدرك الوسائل ج ٢ ص ٦١٤ عن عوالي اللآلي ومثله في الدر المنثور ج ٢ ص ٢٣٣ وانظر أيضا المنتقى بشرح نيل الأوطار ج ٦ ص ٢٢٩.

(٢) المجمع ج ٢ ص ١٢١ وكنز العرفان ج ٢ ص ٢١٦ وقلائد الدرر ج ٣ ص ١٥٢ ونور الثقلين ج ١ ص ٤٦٣ والحديث مروي في الكتب المذكورة عن الصادق عليه‌السلام.

٢٦٢

نفقة أو كسوة أو نحو ذلك مستعطفة له به لتستديم المودّة معه أو يقيم في حبالته فلا يطلقها وتبقى على الزّوجية.

وعن ابن عبّاس (١) ان سودة بنت زمعة خشيت ان يطلقها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقالت لا تطلقني واحبسنى مع نسائك ولا تقسم لي واجعل يومي لبعض نسائك فنزلت.

وعن عائشة (٢) أنّها نزلت في المرأة تكون عند الرجل فيريدان يستبدل بها غيرها فتقول أمسكني وتزوج بغيري وأنت في حلّ من النفقة والقسمة كما فعلت سودة بنت زمعة حين كرهت ان يفارقها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعرفت مكان عائشة من قلبه فوهبت لها يومها.

وروى الكليني (٣) في الحسن عن الحلبي عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال سألته عن قول الله عزوجل (وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً) فقال هي المرأة يكون عند الرّجل فيكرهها فيقول لها انى أريد أن أطلقك فتقول له لا تفعل انى اكره أن تشمت بي ولكن انظر ليلتي فاصنع بها ما شئت وما كان سوى ذلك من شيء فهو لك ودعني على حالتي فهو قوله تعالى (فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً) وهو هذا الصّلح.

ونحوها رواية على بن أبي حمزة قال سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن قول الله عزوجل (وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً) فقال إذا كان كذلك فهمّ بطلاقها قالت له أمسكني وأدع بعض ما عليك وأحلك من يومي وليلتي حلّ له ذلك ولا جناح عليهما.

ورواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال سألته عن قول الله عزوجل (وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً) قال هذا يكون عنده المرأة لا يعجبه فيريد طلاقها فتقول له أمسكني ولا تطلقني وادع لك ما على ظهرك وأعطيك من مالي وأحلل لك من يومي وليلتي فقد طاب ذلك له.

__________________

(١) المجمع ج ٢ ص ١٢٠ وكنز العرفان ج ٢ ص ٢١٧.

(٢) انظر المنتقى بشرح نيل الأوطار ج ٦ ص ٢٣١ والبيهقي ج ٧ ص ٢٩٦.

(٣) حديث الحلبي وعلى بن أبي حمزة وابى بصير رواها في الكافي ج ٢ ص ١٢٤ باب النشوز وهي في المرات ج ٤ ص ٢٧.

٢٦٣

ويمكن قصر ظاهر الآية على مضمون هذه الأخبار وخصوصا الخبر الأوّل لقوله عليه‌السلام وهو هذا الصّلح ولكن المفسرون عمموا الحكم في الطلاق وغيره وقالوا : متى خافت المرأة بمعنى توقعت نشوز الرّجل وترفعه أو إعراضه وانصرافه ببعض منافعها أو هجرانها أو نحوه لأمارات أوجب ذلك مثل طعن في سن أو دمامة أو شين في خلق أو خلق أو نحوه جاز لهما ان يصلحا بينهما صلحا بترك القسمة أو المهر أو نحو ذلك.

وقد يؤيّد العموم (١) ما في رواية زرارة قال سئل أبو جعفر عليه‌السلام الى ان قال ومن تزوّج امرأة فلها ما للمرأة من النفقة والقسمة ولكنّه إذا تزوّج امرأة فخافت منه نشوزا أو خافت ان يتزوج عليها أو يطلقها فصالحته من حقّها على شيء من نفقتها أو قسمتها فانّ ذلك جائز لا بأس به.

وكيف كان فإذا لم يفعل المرأة الصّلح بطيب من نفسها فليس له إلّا أن يمسكها بمعروف أو يسرحها بإحسان ولم نر في كلام احد من المفسرين المشهور تفاسيرهم من فسّر الآية بما يوجب الجائها الى الصّلح بإسقاط بعض حقوقها الواجبة فتوقّف بعض المتأخرين في ذلك غفول عن لفظة خافت في الآية فإنّها ظاهرة في عدم وقوع ذلك وانّما هو بمجرد خوفها ولا حاجة الى أن يحمل الآية على ترك بعض الأمور المتعارفة المتداولة بين الزوجين من التلطف وحسن المعاشرة زائدة على الواجبات بان يتركه ويعمل محض الشّرع المرّ اعراضا عنها وتوجها الى غيرها لما يجد فيها من المنفرات على أن ذلك غير لازم فانّ الخوف لا يلزم أن يكون بمثل ذلك ويجوز أن يكون لغيره من الامارات وبالجملة إلجاء المرأة إلى الصّلح بترك حقوقها الواجبة حرام قطعا ولا يحل له لو أخذه ولا خلاف فيه.

(وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) من الفرقة بعد حصول الألفة أو من النشوز والاعراض وسوء العشرة أو خير من الخيور وهي جملة اعتراضية وكذا قوله (وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ) ومن ثم لم يعتبر تجانسها والأولى للترغيب في المصالحة والثانية لتمهيد العذر في المماكسة.

ومعنى إحضار الأنفس الشّح ان الشح جعل حاضرا لها لا يغب عنها ابدا ولا ينفك عنه وهي مطبوعة عليه والغرض أن المرأة لا تكاد تسمح بقسمتها ومالها من الحقوق والرّجل

__________________

(١) راجع العياشي ج ١ ص ٢٧٨.

٢٦٤

لا يكاد نفسه تسمح بأن يمسكها إذا رغب عنها وأحب غيرها.

(وَإِنْ تُحْسِنُوا) بالإقامة على نسائكم وان كرهتموهن وأحببتم غيرهن وتصبروا على ذلك مراعاة لحق الصّحبة (وَتَتَّقُوا) النشوز والاعراض ونقض حقوقهن (فَإِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ) من الإحسان والتقوى (خَبِيراً) عليما به بالغرض فيه فيجازيكم عليه ، اقام كونه عالما بأعمالهم مقام إثباتهم إيّاهم عليها الّذي هو في الحقيقة جواب الشرط اقامة للسّبب مقام المسبب.

٢٦٥

النوع الرابع

في أشياء من توابع النكاح وفيه آيات

الأولى [النور : ٣٠] (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ) ينقصوا من نظرهم وأصل الغض النقص والفعل مجزوم لأنّه جواب شرط مقدر والتقدير قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم فإنك إن تقل لهم يغضوا كذا قاله الطبرسي في المجمع واحتمل ان يكون مجزوما بتقدير لام الأمر أي ليغضّوا من أبصارهم.

واحتمل بعضهم أن يكون جزمه على انه جواب الأمر المحذوف اي قل غضوا يغضوا وهو كما ترى مع ان حذف المقصود وإبقاء غير المقصود لا يعهد فيما بينهم.

وفي الكشاف انّ من للتّبعيض والمراد غض البصر ممّا يحرم والاقتصار به على ما يحل ثمّ قال : وجوز الأخفش ان يكون من مزيدة ولا يذهب عليك ان مقتضى التّبعيض غض بعض البصر دون بعض وليس هو المراد وانّما المراد الغضّ عن بعض المبصر كما دلّ عليه قوله غضّ البصر ممّا يحرم والاقتصار على ما يحل الّا ان يكون المراد من غضّ البصر النّقصان من النّظر فلا يبصر الى ما حرمه الله واحتمل بعضهم ان يكون من لابتداء الغاية ولا يبعد ترجيح كونها زائدة بحسب المعنى ويكون مفاد الآية غض البصر على العموم ويخرج ما استثنى بأدلّة اقتضته وتخصيص الخطاب بالمؤمنين مع ان الكفّار مشاركوهم في استحقاق العذاب على الترك للتشريف أو انّه نزل فقدان مقدمة التكليف منزلة فقدان التكليف.

(وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) نقل في مجمع البيان (١) عن ابن زيد ان كل موضع في

__________________

(١) المجمع ج ٤ ص ١٣٨.

٢٦٦

القرآن ذكر فيه حفظ الفرج فهو عن الزنا إلّا في هذا الموضع فانّ المراد به السّتر حتى لا ينظر إليها أحد ورواه على بن إبراهيم (١) في تفسيره عن ابى بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال كل آية في القرآن في ذكر الفروج فهو من الزنا الّا هذه الآية فإنّها من النّظر ولا يحلّ للرّجل ان ينظر الى فرج أخيه ولا يحل للمرأة ان ينظر الى فرج أختها.

وعلى هذا فقد يستدل بالآية على انّه لا يجب على الرجل الّا حفظ عورته وعلى تحريم ابدائها الى غيره سوى ما استثنى في موضع أخر من الزّوجة والمملوكة أو الشهادة والعلاج أو نحو ذلك فانّ مقتضى الآية تحريم إبداء العورة وإظهارها فقط والأصل عدم وجوب ما زاد عليه فدل هذا على عدم وجوب ستر ما عدا الفرج على الرجال وان بدنهم ليس بعورة وان حرّم على النساء رؤيته بمقتضى الأمر بغض أبصارهنّ.

وفي هذا دلالة واضحة على ان عورة الرّجل ليست الا الفرج فإثبات ما زاد عليه يحتاج الى دليل واضح يرفع حكم الأصل وليس الفرج الّا المخرجين وقيل انّ عورة الرّجل ما بين السرة والركبة وقال أبو حنيفة الركبة عورة.

(ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ) انفع لدينهم ودنياهم وأظهر لما فيه من البعد عن الريبة (إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ) لا يخفى عليه اجالة أبصارهم واستعمال سائر حواسهم وتحريك جوارحهم وما يقصدون بها فليكونوا على حذر منه في كلّ حركة وسكون.

روى الكليني (٢) عن سعد الإسكاف عن ابى جعفر عليه‌السلام قال استقبل شاب من

__________________

(١) تفسيره المطبوع بايران ١٣١٥ ص ٢٨٠ عن أبيه عن محمد بن ابى عمير عن ابى بصير عن ابى عبد الله ورواه عنه في البرهان ج ٣ ص ١٣٠ بالرقم ٧ ونور الثقلين ج ٣ ص ٥٨٨ بالرقم ٩٠.

(٢) الكافي ج ٢ ص ٦٤ باب ما يحل النظر اليه الحديث ٥ وهو في المرات ج ٣ ص ٥١١ ورواه في البرهان ج ٣ ص ١٢٩ ونور الثقلين ج ٣ ص ٥٨٨ بالرقم ٩٣ ورواه في الوسائل الباب ١٠٤ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ٤ ج ٣ ص ٢٤ ط الأميري وفي الوافي الجزء ١٢ ص ١٢١.

٢٦٧

الأنصار امرأة بالمدينة وكان النساء يتقنّعن خلف آذانهن فنظر إليها وهي مقبلة فلمّا جازت نظر إليها ودخل في زقاق قد سماه فجعل ينظر خلفها واعترض وجهه عظم في الحائط أو زجاجة فشق وجهه فلمّا مضت المرأة نظر فإذا الدّماء يسيل على صدره وثوبه فقال والله لآتينّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولأخبرنه قال فأتاه فلما رآه رسول الله قال له ما هذا فأخبره فهبط جبرئيل عليه‌السلام بهذه الآية (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ) الآية.

الثانية [النور : ٣١] (وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ) فلا ينظرن الى ما لا يحلّ لهن النّظر اليه ولا يخفى أنّه كالمجمل إذ لا يعلم ما يحل وما لا يحلّ ويمكن حمله على المنع من النّظر إلى الأجانب رأسا.

ويؤيّده (١) حديث ابن أم مكتوم عن أم سلمة قال كنت عند النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وعنده ميمونة فأقبل ابن أم مكتوم وذلك بعد ان أمرنا بالحجاب فقال احتجبا فقلنا يا رسول الله أليس أعمى فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله أفعمياوان أنتما.

كذا نقله بعض أصحابنا (٢) والّذي رواه الكليني (٣) عن احمد بن ابى عبد الله قال استأذن ابن أم مكتوم على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وعنده عائشة وحفصة فقال لهما قوما فادخلا البيت فقالتا إنّه أعمى فقال ان لم يركما فأنتما تريانه.

__________________

(١) الكشاف ج ٣ ص ٢٣٠ ط دار الكتاب العربي قال ابن حجر أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي واحمد وابن حبان وابن أبي شيبة وأبو يعلى والطبراني كلهم من رواية نبهان كاتب أم سلمة عنها وانظر أيضا الدر المنثور ج ٥ ص ٤٢.

(٢) منهم العلامة في التذكرة ج ٢ ص ٥٧٣ ورواه في الوسائل الباب ١٢٨ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ٤ عن الحسن الطبرسي في مكارم الأخلاق ج ٣ ص ٣٠ ط الأميري ورواه في كنز العرفان ج ٢ ص ٢٢٢ وقلائد الدرر ج ٢ ص ١٦٦ وجوامع الجامع ص ٣٠٨ ط ١٣٢١ واستند به في المستند ج ٢ ص ٤٦٨ وقال ضعفه مجبور بالعمل.

(٣) الكافي ج ٢ ص ٦٨ الباب قبل باب المرأة يصيبها البلاء في جسدها الحديث ٢ وهو في المرات ج ٣ ص ٥١٦ والوسائل الباب ١٢٨ من أبواب النكاح الحديث ١ ج ٣ ص ٣٠ ط الأميري والوافي الجزء ١٢ ص ١٢١.

٢٦٨

ونقل العلامة في التذكرة عن بعض علمائنا جواز النظر الى وجه الرّجل وكفيه لأن الرّجل في حقّ المرأة كالمرأة في حقّ الرّجل قال وهو قول أكثر الشافعيّة واستدلّ برواية أم سلمة السابقة وفي دلالتها على ذلك نظر بل الظاهر منها العدم مطلقا.

ثمّ قال وقال بعضهم انّها تنظر الى ما يبدو منه عند المهنة دون غيره إذ لا حاجة اليه وقال بعضهم انّها تنظر الى جميع بدنه الّا ما بين السرة والركبة وليس كنظر الرّجل إلى المرأة لأنّ بدنها عورة في نفسه ولذلك يجب ستره في الصلاة ولأنّها استويا لأمر الرجل بالاحتجاب كالنّساء انتهى ولا يخفى ما فيه.

(وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ) بالتستر وعدم الابداء على ما سلف أو عن الزنا ولعلّ تقديم غضّ البصر على حفظ الفرج لما انّ النظر رائد الفجور والبلوى فيه أشدّ وأكثر ولا يكاد يقدر على الاحتراس منهن.

(وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ) اي مواضعها (إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها) وبعد الاستثناء يبقى الباطن فيجب عدم ابدائه للأجانب.

قال في الكشاف (١) : والزينة ما تزيّنت به المرأة من حلي أو كحل أو خضاب فما كان ظاهرا منها كالخاتم والفتخة والخضاب والكحل فلا بأس بإبدائه للأجانب.

ثم قال فذكر الزينة دون مواقعها للمبالغة بالتصون والتستر لأنّ هذه الزين واقعة على مواضع من الجسد لا يحلّ النظر إليها لغير المذكورين في الآية وهو الذّراع والساق والعضد والعنق والرّأس والصّدر والأذن فنهى عن إبداء الزينة نفسها ليعلم انّ النظر إذا لم يحل إليها لملابستها تلك المواقع ـ بدليل انّ النظر إليها غير ملابسة لها لا مقال في حلّه ـ كان النظر الى المواقع أنفسها متمكّنا في الحظر ثابت القدم في الحرمة شاهدا على انّ النّساء حقّهن ان يحتطن في سترها ويتّقين الله في الكشف عنها.

ثم قال بعد أسطر : فإن قلت ما المراد بموقع الزينة ذلك العضو كلّه أم المقدار الّذي يلابسه الزينة منه.

__________________

(١) الكشاف ج ٣ ص ٢٣٠.

٢٦٩

قلت الصّحيح انّه العضو كلّه كما فسرت مواقع الزينة الخفيّة وكذا مواقع الزينة الظّاهرة الوجه موقع الكحل في عينه والخضاب بالوسمة في حاجبيه وشاربيه والحمرة في خديه والكف والقدم موقعا الخاتم والفتخة (١) والخضاب بالحنا وانّما تسومح في هذه المواضع لأنّ سترها فيه حرج فإنّ المرأة لا يجد بدّا من مزاولة الأشياء بيديها ومن الحاجة الى كشف وجهها خصوصا في الشّهادة والمحاكمة والنكاح وتضطر إلى المشي في الطرقات وظهور قدميها وخاصّة الفقيرات منهنّ وهذا معنى (إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها) أي إلّا ما جرت العادة والجبلة على ظهوره والأصل فيه الظّهور.

قلت مع قطع النظر عن تصحيح الضمير في قوله وشاربيه وحاجبيه ليس في شيء ممّا ذكره تقريب الى استثناء ما ذكره من المواضع فان استثناء الوجه بكونه موقع الكحل لا يخفى ما فيه إذ موقع الكحل العين فقط لا الوجه بتمامه الّا ان يريد ان موقع الكحل العين والخضاب بالوسمة الحاجب والحمرة الخد ومجموع الثلثة تمام الوجه.

لكن يبقى الكلام في انّ المراد بالزينة ما ذكره واحتمال ارادة الثّياب قائم كما ذكره بعضهم وكون هذه المواضع ممّا يضطر إليها في بعض الأحوال لا يوجب استثناءها من المواضع المحرمة اختيارا فانّ مع الضرورة يجوز إبداء الباطنة أيضا.

مع انّ في اعتبار العادة نظرا فإنّها ان أريد بها ما كانت في زمن الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله فغير معلومة وان أريد بها ما كانت الآن بالنّسبة إلى الفقيرات فهي أوسع ممّا ذكره لأنّهم قد يبدون الرقبة بل الصّدر والساقين فتأمّل واعتبار العادة الجبلّية غير معلوم انحصارها فيما ذكره بل الظاهر الزّيادة عليه.

والحق انّ الآية لا تخلو من إجمال والرّوايات أيضا مختلفة في ذلك ولا يبعد استثناء

__________________

(١) الفتخة بفتح التاء وسكونها خاتم يكون في اليد والرجل بفص وغير فص والجمع فتخ وفتوخ وفتخات وفتاخ قالت الدهناء : «تسقط منه فتخى في كمي» تريد ان زوجها إذا شال برجليها سقطت خواتيمها في كمها تريد بيان شدة ميلها الى الجماع.

٢٧٠

الكفين والعينين والحاجبين كما اقتضته صحيحة الفضيل بن يسار (١) قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الذراعين من المرأة هما من الزينة الّتي قال الله تعالى (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ) قال نعم وما وراء الخمار من الزينة وما دون السّوارين فان ما وراء الخمار ظاهر في الحاجبين والعينين فقط وما دون السّوارين ظاهر في الكف.

وفي موثقة زرارة (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله تبارك وتعالى (إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها)

__________________

(١) الكافي ج ٢ ص ٦٤ باب ما يحل النظر اليه من المرأة الحديث ١ وهو في المرات ج ٣ ص ٥١٠ : قال في المرات : صحيح ويدل كالاخبار الاتية على ان الوجه والكفين ليس بعورة كما هو ظاهر الآية لقوله تعالى (إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها) انتهى وقال في الوافي الجزء ١٢ ص ١٢١ بعد نقل الحديث :

بيان : وما دون الخمار يعنى ما يستره الخمار من الرأس والرقبة وهو ما سوى الوجه منهما وما دون السوار يعنى من اليدين وهو ما عدا الكفين منهما انتهى.

وقال في الحدائق بعد نقل الحديث : قوله وما دون الخمار اى ما يستره الخمار من الرأس والرقبة فهو من الزينة وما خرج عن الخمار من الوجه فليس منها وما دون السوارين يعنى من اليدين وهو ما عدا الكفين وكان دون هنا في قوله دون الخمار ودون السوار بمعنى تحت الخمار وتحت السوار يعنى الجهة المقابلة للعلو فإن الكفين أسفل بالنسبة الى ما فوق السوار من اليدين انتهى.

وفي قلائد الدرر ج ٢ ص ١٦٨ بعد ذكر الحديث : فما فوق الخمار هو الوجه وما فوق السوار هو الكف فهو من الزينة الظاهرة المستثناة وما دونهما كالعنق والصدر والذراع فهو من الزينة الباطنة المحرمة وهو ظاهر الدلالة على أنه أراد مواضع الزينة انتهى.

ولعلو كعب هؤلاء الأجلاء وقصوري عن اللحوق بفرسهم القباء لا اجترى على التكلم بغير ما أفادوه حول هذا الحديث الغراء.

(٢) الكافي ج ٢ ص ٦٤ باب ما يحل النظر اليه الحديث ٣ وهو في المرات ج ٣ ص ٥١٠ والحديث بعده عن أبى بصير عن أبى عبد الله سألته عن قول الله تعالى (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها) قال الخاتم والمسكة وهي القلب قال في القاموس القلب بالضم سوار المرأة والحديثان مع الذي قبله في الوسائل الباب ١٠٩ من أبواب مقدمات النكاح ج ٣ ص ٢٥ ط الأميري.

٢٧١

قال الزينة الظاهرة الكحل والخاتم.

اما استثناء الوجه بتمامه وان اختاره أكثر أصحابنا فلا لعدم ما يدلّ عليه والرواية الواردة به ضعيفة مرسلة فلا يصار إليها في استثناء ذلك بعد ما تقدم وقد نقل العلامة في التذكرة عن الشيخ جواز النظر الى وجه الأجنبية وكفيها على كراهية إذا لم يخف الفتنة لقوله تعالى (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها) قال وهو مفسّر بالوجه والكفين ولأن ذلك ممّا تعم به البلوى ولإطباق الناس في كلّ عصر على خروج النّساء على وجه يحصل منه بدوّ ذلك من غير نكير ونقله عن أكثر الشّافعيّة.

ونقل عن باقيهم قول آخر بالتحريم لاتفاق المسلمين على منع النّساء من ان يخرجن سافرات ولو حلّ النظر لينزلن منزلة الرجل ولأن النظر إليهنّ مظنة الفتنة وهي محلّ الشّهوة فاللايق بمحاسن الشّرع صم الباب والاعراض عن تفاصيل الأحوال كالخلوة بالأجنبية ثمّ قوى هذا القول.

والشيخ في التبيان (١) بعد ان نقل الأقوال في تفسير الزّينة قال واجمعوا على انّ الوجه والكفين ليس بعورة لجواز إظهاره في الصّلوة ثمّ قال والأحوط قول ابن مسعود وهو كون المراد بالزينة الظّاهرة الثّياب وهذا يشعر بتوقفه في استثناء الوجه والكفين في النظر.

وممّا ذكرنا يظهر ما في كلام القاضي (٢) من النظر حيث قال والمستثنى هو الوجه والكفين لأنّها ليست بعورة والأظهر انّ هذا في الصّلوة لا في النظر فان كلّ بدن الحرة عورة لا تحلّ لغير الزّوج والمحرم النظر إلى شيء منها الّا لضرورة كالمعالجة وتحمل الشهادة ووجه النظر عدم ما يوجب تقييد الآية بحال الصّلوة مع إطلاقها.

فإن قيل الموجب للتقييد هو الجمع بين كون بدن الحرة كلّه عورة وبين جواز كشف الوجه والكفين في الصّلوة قلنا جواز كشفه في الصلاة لا يوجب تقييد الإطلاق بالصّلوة هنا بل يؤيّد جواز النظر فإن العورة يجب سترها في الصّلوة فليس هو من العورة

__________________

(١) التبيان ج ٢ ص ٣٣٥ ط إيران.

(٢) البيضاوي ج ٣ ص ٣٣١ ط مصطفى محمد.

٢٧٢

فيجوز النظر اليه ومن هنا لم يتعرّض صاحب الكشاف لهذا التّقييد.

والحقّ ان المقام في غاية الأشكال (١) والاحتياط غير خفيّ على من قصده.

(وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ) مقانعهنّ جمع خمار (عَلى جُيُوبِهِنَّ) ليحصل بذلك ستر

__________________

(١) وزبدة المخض في المسئلة أنه اختلف علماؤنا الإمامية في جواز النظر الى وجه النساء الأجنبيات واكفهن في غير مورد الضرورة لغير من يريد التزويج على ثلاثة أقوال :

الأول جواز النظر مطلقا ولو مكررا وهو المحكي عن الشيخ في النهاية وكتابي الحديث والتبيان والكليني وجماعة من المتأخرين وقد اختاره المحقق النراقي في المستند والجزائري في قلائد الدرر والعلامة الأنصاري في رسالة النكاح وقواه في الكفاية والحدائق والمسالك وجامع المقاصد ومال إليه أيضا آية الله الحكيم رضوان الله عليه في المستمسك.

والثاني الحرمة مطلقا وهو المحكي عن التذكرة والإيضاح واختاره في الجواهر وقواه السيد محمد باقر اللكهنوى في رسالته الموسومة بإسداء الرغاب في مسئلة الحجاب ومال إليه في كشف اللثام.

والثالث جواز النظر مرة وحرمة الزائد أي في وقت واحد عرفا وهو المحكي عن المحقق والعلامة في أكثر كتبه وجمع آخر.

والمختار عندي هو القول الأول وهو الجواز مطلقا ويدلنا على ذلك طوائف من الاخبار :

الأولى ما دل على تفسير الآية كالاحاديث المارة قبيل ذلك عن الفضيل وزرارة وأبى بصير ورواية أبي الجارود في تفسير القمي ص ٢٨٠ عن أبى جعفر عليه‌السلام في قوله ولا يبدين زينتهن الا ما ظهر منها في الثياب والكحل والخاتم وخضاب الكف والسوار والزينة ثلاث زينة للناس وزينة للمحرم وزينة للزوج فأما زينة الناس فقد ذكرناه وأما زينة المحرم فموضع القلادة فما فوقها والدملج وما دونه والخلخال وما أسفل منه وأما زينة الزوج فالجسد كله وقد نقله عنه في نور الثقلين ج ٣ ص ٥٩٢ الرقم ١١٩ والبرهان ج ٣ ص ١٣٠ بالرقم ٨ وفي قلائد الدرر ج ٣ ص ١٦٨ وفي جوامع الجامع ص ٣٠٩ ط ١٣٢١ وعنهم عليهم‌السلام الكفان والأصابع.

الثانية ما ورد في جواز إبداء الوجه والكفين والنظر إليها مع قطع النظر عن التعرض لتفسير الآية مثل الصحيح المروي في قرب الاسناد ص ٤٠ ط إيران عن أبى عبد الله عليه‌السلام سئل عما يظهر المرأة من زينتها قال الوجه والكفين صرح بصحة الحديث في الكفاية. ـ

٢٧٣

الصدور والنحور منهنّ على ما قيل ان جيوبهنّ كانت واسعة تبدو منها نحورهنّ واعناقهنّ وما حواليها وكنّ يسدلن الخمر من ورائهنّ فتبقى مكشوفة فامرن ان يسدلنها من قدامهنّ حتى يغطيها.

__________________

 ـ وحديثه الأخر ص ١٠٢ عن على بن جعفر عن أخيه موسى قال وسألته عن الرجل ما يصلح أن ينظر إلى المرأة التي لا تحل له قال الوجه والكفان وموضع السوار ولم يستبعد في الكفاية صحة هذا الحديث أيضا.

ورواية مروك في الكافي الباب المتقدم الحديث ٢ منه عن أبى عبد الله ما يحل للرجل أن يرى من المرأة إذا لم يكن محرما قال الوجه والكفان والقدمان ورواه في الخصال أيضا بالرقم ٧٨ من أبواب الخمسة ص ٣٠٢ ط مكتبة الصدوق.

قال العلامة الأنصاري قدس‌سره في رسالته في النكاح المطبوعة مع كتابه في المكاسب ص ٢٧٤ : لكن فيها زيادة ذكر القدمين ولا يقدح لان طرح بعض الرواية لا يسقط باقيها عن درجة الاعتبار انتهى.

واستقرب في الحدائق وقلائد الدرر كون القدمين أيضا من المستثناة لمكان هذه الرواية.

ومن الاخبار الدالة على الجواز أيضا صحيحة على بن سويد المروية في الكافي ج ٢ ص ٧٠ باب الزاني الحديث ٦ وهو في المرات ج ٣ ص ٥١٨ والوافي الجزء ٩ ص ٣٤. وفي الوسائل الباب ١ من أبواب النكاح المحرم وما يناسبه الحديث ٣ ج ٣ ص ٣٩ : قال قلت لأبي الحسن انى مبتلى بالنظر الى المرأة الجميلة فيعجبني النظر إليها فقال لي يا على لا بأس إذا عرف الله من نيتك الصدق وإياك والزنا فإنه يمحق بالبركة ويهلك الدين انتهى الحديث.

وكون الراوي من أهل الصنائع والحرف لا يوجب اضطراره إلى معاملة النساء بل لو كان اسفارهن حراما لأمره الامام بردعهن اقامة لفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

الثالثة ما ورد في جواز النظر عند الاضطرار مثل صحيحة أبي حمزة الثمالي عن أبى جعفر المروية في الكافي ج ٢ ص ٦٨ باب المرأة تصيبها البلاء في جسدها الحديث ١ وهو في المرات ج ٣ ص ٥١٦ والوافي الجزء ١٢ ص ١٢١ والوسائل الباب ١٢٩ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ١ وفيه سألته عن المرأة المسلمة الى أن قال في مكان لا يصلح النظر اليه يدل الحديث على أن في جسد المرأة مكانا يحل النظر اليه وليس الا الوجه والكفين إجماعا. ـ

٢٧٤

ويجوز ان يراد بالجيوب الصدور تسمية بما يليها ويلابسها ومنه قولهم ناصح الجيب وقيل انّهن أمرن بذلك ، ليسترن شعورهنّ وقرطهنّ واعناقهنّ.

(وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ) يعنى الزينة الباطنة الّتي لا يجوز كشفها في الصّلوة كذا

__________________

 ـ الرابعة ما ورد في غسل الميتة أنظر الوسائل الباب ٢٢ من أبواب غسل الميت ج ١ ص ١٣٥ ط الأميري فالحديث ١ منه حديث مفضل في المرأة التي تكون في السفر الى أن قال يغسل بطن كفيها ثم يغسل وجهها ثم يغسل ظهر كفيها وحديث داود بن فرقد الحديث ٢ منه عن المرأة تموت الى أن قال يغسلون كفيها ومثله حديث الجابر الحديث ٨ منه وفي حديث أبى بصير الحديث ٦ منه عن امرأة ماتت في سفر الى أن قال يغسل منها موضع الوضوء.

وفي حديث أبى سعيد الحديث ١٠ منه ما يشعر بأن في الأعضاء ما يحل النظر إليه في حال الحيوة وليس الا الوجه والكفين إجماعا وترى هذه الأحاديث في جامع أحاديث الشيعة ج ١ ص ٢٦٩ وص ٢٧٠ بالرقم ٢٥٩٠ الى ٢٥٩٣ و ٢٦٠٨ وفي الوافي الجزء ١٣ ص ٤٤ وص ٤٥ وص ٤٦.

الخامسة ما ورد في باب ما يجوز أن تلبسه المحرمة من كتاب الحج المصرح بكشف الوجه المستلزم لرؤية غير المحارم لها أنظر الوسائل الباب ٤٨ من أبواب تروك الإحرام ج ٢ ص ٢٦٣ ط الأميري بل في الحديث ٤ من الباب المذكور كشف الامام بنفسه عن وجه امرأة ستره بمروحة واحتمال كون المرأة محرما له بعيد.

السادسة فحوى أخبار كثيرة في أبواب النظر إلى النسوة المتضمنة لحكمه منعا وجوازا وسؤالا وجوابا من جهة كون محط الحكم بطرفيه هو الشعر والرأس والذراعان وبالجملة ما عدا الوجه والكفين مع أنها أولى ببيان الحكم لشدة الابتلاء به فالسكوت عن حكمها مطلقا كاشف عن وضوح حكمها من الجواز والا لكان حكم المنع فيها أخفى وهي كثيرة جدا.

السابعة ما دل على كراهة القنازع والعقصة ونقش الراحة بالخضاب للمرئة وأن نساء بني إسرائيل هلكن بذلك أنظر الباب ١٠٠ من أبواب مقدمات النكاح من كتاب الوسائل ج ٣ ص ٤٤ ط الأميري وص ٥٥٤ مستدرك الوسائل ج ٢ إذ لو وجب ستر الوجه والكفين كغيرها لم يكره تزيينها كما يكره تزيين غيرها كيف شاءت.

الثامنة ما ورد في شأن سيدتنا فاطمة سلام الله عليها مثل ما رواه في الكافي ج ٢ ص ٦٦ باب الدخول على النساء الحديث ٥ وهو في المرات ج ٣ ص ٥١٤ والوافي الجزء ١٢ ص ١٢٤ والوسائل الباب ١٢٠ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ٣ ج ٣ ص ٢٧ ط الأميري عن ـ

٢٧٥

في المجمع ولعلّ تكرير النّهى عن الأبداء لبيان من يحلّ له الأبداء ومن لا يحلّ له (إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ) فإنّهم المقصودون بالزينة ولهم ان ينظروا الى جميع بدنهن (أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَواتِهِنَّ)

__________________

 ـ جابر قال خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يريد فاطمة سلام الله عليها الى أن قال ودخلت وإذا وجه فاطمة أصفر كأنه بطن جرادة وساق الحديث الى أن قال فو الله لنظرت الدم ينحدر من قصاصها حتى عاد وجهها أحمر.

وروى مثله في مستدرك الوسائل أيضا ج ٢ ص ٥٥٦ عن سبط الطبرسي في مشكوة الأنوار عن جابر وروى قريبا منه في البحار طبع كمپانى عن الخرائج عن عمران بن الحصين ومثل ما روى أن سلمان رأى يدي سيدتنا فاطمة عند ادارة الرحى دامية حكاه في المستند ج ٢ ص ٤٧١.

واستدل من قال بالتحريم مطلقا بوجوه :

الأول إطلاق آية الغض والنهي عن إبداء الزينة الا للمحارم والجواب أن الآية مجملة سلمنا لكنها مقيدة بقوله الا ما ظهر وقد فسر في الاخبار الماضية بالوجه والكفين.

قالوا أنها مجملة ولم يصح شيء من أخبار التفسير.

قلنا أولا ان الاخبار معاضدة بعضها لبعض وثانيها ان فيها الصحيح فان خبر قرب الاسناد عن أبى عبد الله صحيح على ما صرح به في الكفاية وفيه السؤال عما يظهر المرأة من الزينة يشير الى الآية فهو أيضا معدود مما ورد في تفسير الآية ومثله حديث الفضيل ولم يشك أحد في صحته وقد عرفت فهم أجلاء أصحابنا من الحديث استثناء الوجه والكفين.

سلمنا لكن ضعف الاخبار مجبور بعمل الأصحاب مستندا الى تلك الاخبار سلمنا لكنه مع إجمال ما ظهر كما اعترفوا به لا يمكن التمسك بعموم الغض والنهي عن الابداء وقد أسسوا في الأصول عدم صحة التمسك بعموم العام مع إجمال المخصص المتصل كما هنا فعندئذ نرجع الى الأصل الاولى في المسئلة وهو الجواز.

مع أنه لا يصل النوبة إلى الرجوع الى الأصل فإن خبري قرب الاسناد صحيحان على ما عرفت من الكفاية فلو لم نقل بكونهما في مقام تفسير الآية فلا أقل يكون مخصصا لاية الغض.

فان قيل لا يجوز تخصيص الكتاب بالسنة قلنا مع أنه خلاف المذهب المنصور عدم جواز التخصيص انما هو لمكان مخالفة الكتاب ومع إجمال الكتاب كما هو المفروض لم يبق ثمة مانع عن العمل بالحديث. ـ

٢٧٦

المراد الآباء وان علوا والأبناء وان سفلوا والأخ أعم من ان يكون من الطرفين أو أحدهما. والظاهر أن هؤلاء مستثنون نسبا ورضاعا للصّدق الشرعي ولكونهم محارم يحرم النكاح بينهم.

__________________

 ـ وقد أفصح عن بحث تخصيص الكتاب بخبر الواحد العلامة المظفر في أصول الفقه ج ١ ص ١٤١ و ١٤٢ فراجع.

الوجه الثاني الإجماع المنقول نقله الفاضل المقداد في كنز العرفان ج ٢ ص ٢٢٢ والتعبير فيه : لإطباق الفقهاء على أن بدن المرأة كلها عورة الأعلى الزوج والمحارم وفي دلالته على الإجماع نظر مع أنه تمسك بالإجماع في محل النزاع.

الثالث الاخبار الناهية بوجه مطلق مثل ما في عقاب الاعمال من أطلع في بيت جاره فنظر الى عورة رجل أو شعر امرأة أو شيء من جسدها كان حقا على الله أن يدخله النار مع المنافقين وفي العلل حرم النظر الى شعور النساء الى أن قال وكذا ما أشبه الشعور رواهما في الوسائل الباب ١٠٤ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ١٢ و ١٦ ج ٣ ص ٢٤ و ٢٥ ط الأميري.

وفيه مع ما في دلالتهما لإمكان منع كون الوجه والكفين مما أشبه الشعور وظهور الجسد في غيرها أنهما عامان فيخصصان بما دل على جواز النظر الى الوجه والكفين.

وربما عد من الاخبار الناهية ما ورد من أن النظر سهم من سهام الشيطان وان زنا العين النظر ورب نظرة أورثت حسرة طويله ، ولا يخفى عليك ظهور تلك الاخبار فيما حصل بريبة وكان بشهوة ولا نقول بحله يشهد لذلك قوله وأن زنا الفم القبلة ولا تكون الا عن شهوة والأخير إيجاب جزئي.

سلمنا لكنها عمومات تخصص بالأخبار الماضية وترى تلك الاخبار في الباب المتقدم من الوسائل.

الرابع مفهوم ما دل على جواز النظر الى من يريد تزويجها تريها في الباب ٣٦ من أبواب مقدمات النكاح من الوسائل ج ٣ ص ١١ و ١٢ ط الأميري.

وفيه أن سياق الشرط فيها ليس مفيدا للتعليق مع أن في الأخبار التي أسلفنا كفاية في الخروج عن ظاهر المفهوم بحمل الباس على الكراهة بل لعله ليس مخالفا للظاهر أيضا.

الخامس ما روى من أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله صرف وجه الفضل بن عباس عن النظر إلى الخثعمية. ـ

٢٧٧

قال في الكشاف : ولم يذكر الأعمام والأخوال ليلا يصفها العم عند ابنه والخال كذلك نقله عن الشعبي ثمّ قال ومعناه ان سائر القرابات يشرك الأب والابن في المحرمية إلّا العمّ والخال وأبناؤهما فإذا رآها الأب فربما وصفها لابنه وليس بمحرم فيدانى

__________________

 ـ والجواب أنه على جواز النظر أدل كما أفاده في الحدائق وجامع المقاصد والمسالك والمستمسك قال في الحدائق : وحديث الخثعمية بالدلالة على القول الأول أنسب واليه أقرب لدلالته على جواز كشف الوجه يومئذ وعدم تحريم النظر وصرفه صلى‌الله‌عليه‌وآله وجه الفضل ابن العباس انما وقع لأمر آخر كما علله به من خوف الفتنة ولا كلام فيه كما عرفت لا من حيث حرمة النظر ولو كان النظر محرما لنهى عنه من أول الأمر لوجوب النهي عن المنكر وقريب منه ما في جامع المقاصد.

ثم قال في الجامع وثانيا انه لا دلالة على أن صرف وجه الفضل كان على طريق الوجوب فربما كان ذلك على طريق الأولوية ولو سلم كونه للوجوب وافادة ذلك للتحريم لم يدل على المراد هنا لأنهما إداما النظر على وجه يشعر بالميل القلبي من كل منهما ولا بحث في التحريم معه ولانه صرح بخوف الفتنة وهو غير محل النزاع.

قيل انه علل بشبابهما وهو مظنة الشهوة وخوف الشيطان قلنا انما علل به عند ما رأى شواهد الفتنة وهو ادامة النظر من كل منهما انتهى.

وقريب منه ما في المسالك ومثله في المستمسك ج ١٢ ص ٢٤ وفيه بعد ذلك : مضافا الى ما يظهر من الرواية من أن المرأة كانت مكشوفة الوجه وأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان ينظر إليها فرآها تنظر الى الفضل انتهى.

ثم ان حديث الخثعمية لم يروه أصحابنا الإمامية في كتبهم الحديثية وانما رووه في كتبهم الفقهية مرسلا نعم في الوسائل الباب ٣٤ من أبواب وجوب الحج ذكر قصة سؤال الخثعمية نقلا عن مقنعة المفيد من غير ذكر إرداف الفضل وفي مستدرك الوسائل ج ٢ ص ٥٥٤ قصة إرداف الفضل نقلا عن بعض نسخ فقه الرضا وفيه أخت لأعرابي مكان امرأة خثعمية.

وأصل الحديث في كتب أهل السنة أنظر فتح الباري ج ٤ من ص ٤٣٩ الى ص ٤٤٢ وشرح النووي على صحيح مسلم ج ٩ ص ٩٧ و ٩٨ وسنن البيهقي ج ٥ ص ١٧٩ وج ٧ ص ٩٨ وفي المنتقى ج ٤ ص ٣٠٠ نيل الأوطار أنه رواه الجماعة وهذا الحديث هو الأصل في كتب أهل السنة لجواز النيابة في الحج حيث كان سؤال الخثعمية عن ذلك وإليك نص الحديث بلفظ البخاري عن ابن عباس. قال : ـ

٢٧٨

تصوره لها بالوصف نظره إليها وهذا أيضا من الدلالات البليغة على وجوب الاحتياط عليهنّ في التستر انتهى كلامه وهو جيد.

وحيث انّ المراد من الزينة موضعها فلا يبعد أن يستفاد من الآية جواز النظر إلى مواضعها فقط فلا يتعدّى الى غيرها وخصوصا المواضع الخفيّة في أكثر الحالات

__________________

 ـ كان الفضل رديف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فجائت امرأة من خثعم فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر اليه فجعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يصرف وجه الفضل الى الشق الأخر فقالت ان فريضة الله أدركت أبى شيخا كبيرا لا يثبت على الراحلة أنا حج عنه قال نعم وذلك في حجة الوداع انتهى.

وفي الفتح في رواية الطبري عن على وقال في آخره رأيت غلاما حدثا وجارية حدثة فخشيت أن يدخل بينهما الشيطان وللحديث ألفاظ أخر تريها في المصادر التي سردناها لك.

الوجه السادس مكاتبة الصفار قال كتبت الى أبى محمد الى أن قال فوقع تتنقب وتظهر للشهود التهذيب ج ٧ ص ٢٥٥ بالرقم ٦٦٦ والاستبصار ج ٣ ص ١٩ بالرقم ٥٨ والفقيه ج ٣ ص ٤٠ بالرقم ١٣٧ وفيه : وهذا التوقيع عندي بخطه عليه‌السلام.

وفيه أنها لا تدل على وجوب التنقب لاحتمال كون الأمر بالتنقب من جهة إباء المرأة عن التكشف لكونها متسترة مستحيية عن أن تبرز للرجال فان ذلك مما يشق على كثير من النساء وان كان جائزا إذ رب جائز يشق من جهة الغيرة والمروءة فإن النظر الى من يريد تزويجها جائز اتفاقا مع أنه شاق على كثير من النساء وأهليهن سيما الابكار من أولي الاخطار.

ومع ذلك أمر الإمام بالكشف للشهود.

فان لم يكونوا رأوها قبل ذلك فكيف يعرفونها مع عدم الاكتفاء بمعرفة الصوت وان كانوا رأوها؟ فمع حرمة النظر يخرجون عن قابلية الشهادة لفسقهم وليس في الحديث أن اتفق نظرهم إليها قبل ذلك.

فالحديث إذا على الجواز أدل مثل حديث ابن يقطين المروي في الكتب الثلاثة الموضع المتقدم والكافي ج ٢ ص ٣٥٥ وفيه : فلا يجوز للشهود أن يشهدوا عليها وعلى إقرارها دون أن تسفر وينظرون إليها والقول بأن الاسفار هيهنا للضرورة مدفوع بأن الكلام في رؤيتهم قبل ذلك حتى يعرفوها عند الشهادة.

الوجه السابع : جريان السيرة بمنع النساء أن يخرجن منكشفات والإطباق في الأعصار على المنع من خروجهن سافرات. ـ

٢٧٩

والقريبة من العورة وهذا اولى ممّا قيل ان المستثنى لغير البعولة جميع البدن إلّا العورة فتأمّل فيه.

وفي الكشاف أنّ الزينة الخفيّة كالسوار والخلخال والدملج والقلادة والإكليل والوشاح للرأس والقرط للأذن وقد ذكر انّ المراد بالزينة مواقعها مبالغة على ما

__________________

 ـ والجواب أنه مخالف للوجدان والعيان فان الناس مختلفة في ذلك في الأزمنة والأمكنة مع احتمال استناده إلى الغيرة والاحتجاب عن الناظر بشهوة قال في جامع المقاصد : حتى أنه لو علم اطباقهم على وجوبه لم يدل على المراد لانه لم يتحقق الاحتجاب عن الناظر بشهوة الا بالاحتجاب مطلقا لان القصود لا يطلع عليها انتهى.

الوجه الثامن أن النظر مظنة للفتنة فالاليق بمحاسن الشرع حسم الباب والجواب المنع على سبيل الإطلاق ولو سلم فلا يوجب الحرمة وقال العلامة الأنصاري في الجواب أن المعهود من الشارع حسم الباب في أمثال هذه المظان بالحكم بالكراهة دون التحريم كما يعلم بالتتبع في الأحكام الشرعية مع ان هذا استحسان لا نقول به انتهى.

قلت وأصل الاستدلال انما يصح على مبنى المالكية حيث يقولون بقاعدة سد الذرائع ويجعلونها أصلا من أصول الأحكام أنظر البحث في ذلك في الفروق للقرافى ج ٢ ص ٣٢ الى ص ٣٤ الفرق الثامن والخمسين الفرق بين قاعدة المقاصد وقاعدة الوسائل وتهذيب الفروق المطبوع بهامشه للشيخ محمد على مفتى المالكية بمكة المكرمة بأني طبع الفروق في ١٣٤٥ من ص ٤١ الى ص ٤٥ وتبعهم في تلك القاعدة أحمد وابن تيمية وأطال الكلام فيها ابن القيم الجوزية في إعلام الموقعين ج ٣ من ص ١٤٧ الى ص ١٧١ وأكثر من الأمثلة وأنهاها إلى تسعة وتسعين مثالا.

وحاصل القاعدة انهم يقولون إذا حرم الرب شيئا وله طرق ووسائل تفضي إليه فإنه يحرمها ويمنع منها تحقيقا لتحريمه وتثبيتا ومنعا من ان يقرب حماه ويسمون ما تتضمن المصلحة والمفسدة بأنفسها بالمقاصد والطرق المفضية إلى المقاصد بالوسائل والذرائع.

ويظهر من الفروق أن القاعدة ليست من خواص مالك بل هو مذهب الفقهاء الأخر أيضا وان لم يتفقوا في حدود ما يأخذون منها ويتركون ثم استحسن تعميم القاعدة والحكم بتبعية الوسائل حكم المقاصد في الوجوب والكراهة والندب والحرمة والإباحة وقال ان الذريعة كما يجب سدها يجب فتحها وتكره وتندب وتباح وحاصله لزوم تبعية المقدمة لحكم ذي المقدمة في الأحكام الخمسة وان لم يقع منه هذا التعبير ومثله في تهذيب الفروق. ـ

٢٨٠