مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام - ج ٣

جواد الكاظمي

مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام - ج ٣

المؤلف:

جواد الكاظمي


المحقق: محمّد الباقر البهبودي
الموضوع : الفقه
الناشر: المكتبة المرتضويّة لإحياء الآثار الجعفريّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٤٠

وان تكون حية ، فلو كانت ميتة لم يتعلق الحكم بالإرضاع من لبنها. وان تكون محتملة للولادة ، بأن بلغت تسعا فصاعدا. والوجه في ذلك عدم صدق الإرضاع بانتفاء أحد الأمور المذكورة.

«وثانيها» ـ اللبن ، قيل والظاهر تعلق التحريم به مطلقا ، سواء كان من الثدي أو من خارج ، وسواء غلى أو لم يغل ، وسواء خلط بمائع أولا ، وفيه توقف.

«الثالث» ـ المحل ، وهو معدة الصبي الذي هو أقل من الحولين ، فلو احتقن أو كان الصبي ميتا أو بعد الحولين لم يكن معتبرا.

ومع تحقّق الأمور المذكورة فإنما يتم التحريم على تقدير كون المرضعة أما أو أختا والظاهر عدم الصدق بمجرد أنها أرضعت أو ارتضعت ، بل لا بد من تحقق عدد يحصل صدق الأمومة مع الإرضاع به ، وحينئذ فاستدلال الحنفية بها على ان مجرد صدق الارتضاع كاف في صدق الأمومة فيثبت التحريم ومتابعة ابن الجنيد من أصحابنا لهم في ذلك ، بعيد وقد التزموا صدق كونها أمه بمجرد الرضعة الواحدة بل أن ذلك يحصل بما يفطر به الصائم. وهو بعيد ، إذ لو أريد أن مطلق الإرضاع كاف في صدق الأمومة لكان الاكتفاء بقوله (اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ) أولى لشموله الجميع.

مع أن في دلالته على المرة تأملا ، فإنه لا يقال فلان الذي فعل كذا إذا كان يصدر منه مرة واحدة في الغالب ، فتكون في الآية دلالة على الكثرة من وجهين ، وقد أشار العلامة في التذكرة إلى الأخير ، ويؤيده ما رواه العامة (١) عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : لا تحرم المصة والمصتان ولا الرضعة والرضعتان.

__________________

(١) انظر الحديث بهذا المضمون مع اختلاف في الألفاظ في سنن البيهقي ج ٧ ص ٤٥٤ ـ ٤٥٧ ومجمع الزوائد ج ٤ ص ٢٦١ ونيل الأوطار ج ٦ ص ٣٢٨ ولفظ بعض الأحاديث الملجة والملجتان قال ابن فارس في المقاييس ج ٥ ص ٣٤٧ الميم واللام والجيم كلمة يقال ملج الصبي تناول الثدي للرضاع بأدنى فمه وفي الحديث لا تحرم الاملاجة والاملاجتان وهي ان تمصه لبنها مرة أو مرتين.

وروى حديث لا يحرم المصة والمصتان والرضعة والرضعتان أيضا في مستدرك الوسائل ج ٢ ص ٥٧٢ عن عوالي اللآلي عن النبي (ص).

٢٢١

إذا عرفت هذا فنقول : قد اختلف أصحابنا في العدد الموجب للتحريم ، فذهب بعضهم إلى أنه خمس عشرة رضعة تامات أو ما كمل له يوم وليلة ، بحيث يرضع كلما تقاضاه أو احتاج اليه. ويؤيده رواية زياد بن سوقة (١) قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : هل للرضاع حد يؤخذ به؟ فقال : لا يحرم الرضاع أقل من يوم وليلة أو خمس عشرة متواليات من امرأة واحدة من لبن فحل واحد ولم يفصل بينهن برضعة امرأة غيرها. وفي معناها أخبار أخر.

وقد يستدل عليه بصحيحة علي بن رئاب (٢) عن الصادق عليه‌السلام قال : قلت له : ما يحرم من الرضاع؟ قال : ما أنبت اللحم وشد العظم. قلت : فيحرم عشر رضعات؟ قال : لا لأنها لا تنبت اللحم ولا تشد العظم عشر رضعات فانتفت العشر بهذا الخبر ، فلم يبق الا القول بالخمس عشرة وان لم يذكر صريحا ، إذ لا واسطة بينهما.

وذهب بعض أصحابنا إلى الاكتفاء بعشر رضعات نظرا الى ظاهر الآية الدال على التحريم على العموم ، خصص بما دون العشر قطعا للإجماع عليه فيبقى الباقي. ويؤيده رواية الفضيل بن يسار (٣) عن الباقر عليه‌السلام : لا يحرم من الرضاع الا المخبور. قلت : وما المخبور؟ قال : أم تربّى أو ظئر تستأجر أو أمة تسري ثم ترضع عشر رضعات يروّى الصبي وينام.

وصحيحة عبيد بن زرارة (٤) عن الصادق عليه‌السلام الى ان قال : قلت فما الذي ينبت

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٣١٥ بالرقم ١٣٠٤ والاستبصار ج ٣ ص ١٩٣ بالرقم ٦٩٦ وتمام الحديث : ولو ان امرأة أرضعت غلاما أو جارية عشر رضعات من لبن فحل واحد وأرضعتها امرأة أخرى من لبن فحل آخر عشر رضعات لم يحرم نكاحهما. هكذا في نسخ التهذيب والاستبصار ولا يخفى ان الصواب وجارية بالعطف بالواو وتثنية الضمير في وأرضعتها.

(٢) التهذيب ج ٧ ص ٣١٣ الرقم ١٢٩٨ والاستبصار ج ٣ ص ١٩٥ الرقم ٧٠٤.

(٣) التهذيب ج ٧ ص ٣١٥ الرقم ١٣٠٥ والاستبصار ج ٣ ص ١٩٦ الرقم ٧٠٩.

(٤) التهذيب ج ٧ ص ٣١٣ الرقم ١٢٩٦ والاستبصار ج ٣ ص ١٩٤ الرقم ٧٠١ والكافي ج ٢ ص ٣٩ باب حد الرضاع الحديث ٩ وهو في المرات ج ٣ ص ٤٧٨ وللحديث صدور وذيل لم يتعرض لها المصنف ونحن نذكر ذيله : فقلت فهل يحرم عشر رضعات فقال : ـ

٢٢٢

اللحم والدم؟ فقال : كان يقال عشر رضعات.

ويمكن ترجيح القول الثاني ، نظرا إلى انه يوجب تقليل التخصيص في الآية ، والاخبار الدالة على خلافه معارضة بمثلها ، فيتساقطان في العشرة ويبقى حكمها مندرجا تحت عموم الآية ، ولأنه مع تعارض الإباحة والتحريم فالتحريم أقوى ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله «ما اجتمع الحلال والحرام الّا غلب الحرام على الحلال» (١) ، مع ما فيه من الاحتياط.

ولو قيل تحريم الخمس عشرة معلوم بالإجماع وبعض الاخبار ولا إجماع فيما دونه فيبقى على أصل الإباحة. لقلنا ظاهر الآية العموم وانما أخرجنا ما دون العشر الإجماع فيبقى ما عداه على التحريم لعدم صلاحية ما يوجب التخصيص فيه ، مع أن تعليل التخصيص في الآية أولى ، ومن هنا يعلم أن القول بتحريم العشر رضعات قوي.

واعلم أن بعض العامة يكتفي في التحريم بخمس رضعات ، وهو قول الشافعية ، مستدلين عليه بما روته عائشة (٢) عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله «خمس رضعات يحرمن» ، وقد انعقد إجماعنا على خلافه ، فيكون مردودا.

(وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ) يريد الإشارة الى ما يحرم بالمصاهرة ، وقدم ما يحرم بالرضاع عليه لأنه بمثابة النسب ، بخلاف المصاهرة فإن تحريمهن عارض لمصلحة الأزواج. وما يحرم بها أم الزوجة وبنتها. والربائب جمع ربيبة ، والربيب ولد المرأة من آخر ، سمي به لأنه يربه كما يرب ولده في غالب الأمر ، فهو فعيل بمعنى مفعول ، وانما لحقه التاء لانه صار اسما.

والتقييد بكونها في حجره نظرا الى الغالب ، ولما فيه من تقوية العلة وتكميلها

__________________

 ـ دع ذا وقال ما يحرم من النسب فهو يحرم من الرضاع. انتهى الحديث.

ولا يخفى عليك ان الحديث على خلاف ما استدل له المصنف أدل حيث نسب التحريم بعشر رضعات الى غيره واعرض عن جواب السائل عن صحة ذلك وعدل من جوابه إلى شيء آخر.

(١) رواه في البحار باب ما يمكن ان يستنبط من الايات والاخبار من متفرقات أصول الفقه ج ١ ص ١٥٣ ط كمپانى عن عوالي اللآلي.

(٢) انظر سنن البيهقي ج ٧ ص ٤٥٤ ـ ٤٥٨ ونيل الأوطار ج ٦ ص ٣٢٩ ـ ٣٣٢.

٢٢٣

فان الربائب إذا كن في الحجور تقوى الشبهة بينها وبين الأولاد وصارت أحقاء بأن يجرين مجراهم في التحريم ، لا أن المراد تقييد الحكم بذلك.

وقد انعقد إجماع علمائنا الإماميّة على تحريمهن وان لم يكنّ في الحجور ، ونقل في الكشاف (١) عن على عليه‌السلام اشتراط التحريم بكونها في حجره ، وهو غلط ، فإن أهل البيت عليهم‌السلام نقلوا عنه التحريم مطلقا :

روي عن الباقر عليه‌السلام انه قال : ان عليا عليه‌السلام كان يقول : الربائب عليكم حرام مع الأمهات اللاتي قد دخل بهن في الحجور وغير الحجور. وفي خبر آخر عنه عليه‌السلام : كن في الحجور أو لم يكنّ (٢).

(مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ) الظاهر أنه قيد في الربائب فقط ، وأكد ذلك بقوله (فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ) فلا اثم ولا حرج في نكاحهن ، ولا يجوز تعلق «من» بالأمهات ، سواء جعل مع ذلك متعلقا بربائبكم أيضا على أن يكون التحريم في كل من الأمهات والربائب مقيدا بالدخول أو لا يتعلق بها بل يختص بالأمهات ويكون التحريم فيهنّ مقيدا بالدخول لا في الربائب.

__________________

(١) الكشاف ج ١ ص ٤٩٦ وفي فتح القدير للشوكانى ج ١ ص ٤٠٩ : قال ابن المنذر والطحاوي لم يثبت ذلك عن على لان راويه إبراهيم بن عبيد عن مالك بن أوس بن الحدثان عن على وإبراهيم هذا لا يعرف.

(٢) الحديث رواه في التهذيب عن إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه ج ٧ ص ٢٧٣ الرقم ١١٦٥ وفي الاستبصار ج ٣ ص ١٥٦ الرقم ٥٦٩ ورواه العياشي ج ١ ص ٢٣١ الرقم ٧٧ ونقله عنه في المجمع ج ٢ ص ٢٩ وآخر الحديث والأمهات مبهمات دخل بالبنات أو لم يدخل بهن فحرموا ما حرم الله وأبهموا ما أبهم الله.

واللفظ في العياشي في الحجور وغير الحجور وفي المجمع كن في الحجور أو لم يكن وفي كتابي الشيخ هن في الحجور وغير الحجور سواء وليس في كتابي الشيخ ما حرم الله بعد فحرموا.

وفي الفقيه ج ٣ ص ٢٦٢ بالرقم ١٢٤٦ وقال على عليه‌السلام الربائب عليكم حرام كن في الحجر أو لم يكن ، وترى هذه الجملة ذيل الحديث بالرقم ١١٦٦ من التهذيب و ٥٧٠ من الإستبصار.

٢٢٤

أما الأول فلأنّه لو كان قيدا فيهما لزم أن تكون الكلمة الواحدة في خطاب واحد لمعنيين مختلفين ، فان «من» إذا تعلقت بالربائب كانت ابتدائية وإذا تعلقت بالأمهات كانت بيانية لبيان النساء ، واستعمال المشترك في معنييه مرغوب عنه في تصحيح الكلام الا أن يقصد بها مطلق الاتصال والتعلّق كقوله :

فاني لست منك ولست مني (١)

__________________

(١) تمثل به في الكشاف ج ١ ص ٤٩٤ وبعده بقوله ما انا من دد ولا الدد منى. اما الأول فهو شطر بيت ولم أر من تعرض له وانه من القائل له وتمثل به كثير من المفسرين وجعله في تفسير البيضاوي ج ٢ ص ٧٧ ط مصطفى محمد عجز البيت ونقل صدره هكذا إذا حاولت في أسد فجورا.

وذكره في مجمع البيان ج ٢ ص ٤٦٦ والتبيان ج ١ ص ٧٤٥ ط إيران ومقاييس اللغة ج ١ ص ٣٨٧ صدر البيت ونقلوا عجزه كذلك إذا ما طار من مالي الثمين اى أخذت الزوجة نصيبها وهو الثمن من ماله.

واما الثاني فحديث نبوي ولم يتعرض ابن حجر في الشاف الكاف لتخريجه وقد أخرجه البخاري في الأدب المفرد ج ٢ ص ٢٥٦ فضل الله الصمد بالرقم ٧٨٥ بلفظ لست من دد ولا الدد منى عن انس عن النبي (ص).

وأخرجه السيوطي في الجامع الصغير ج ٥ ص ٢٦٥ فيض القدير بهذا الفظ عن البخاري في الأدب المفرد والبيهقي عن انس والطبراني عن معاوية بالرقم ٧٢٤٠ واخرج بالرقم ٧٢٤١ بلفظ لست من دد ولا دد منى ولست من الباطل ولا الباطل منى بتنكير الدد في الموضعين عن ابن عساكر عن انس ومثله في منتخب كنز العمال بهامش المسند ج ٦ ص ١٧٤.

وأخرجه الذهبي في الميزان ج ٤ ص ٤٠٥ بالرقم ٩٦١٦ ترجمة يحيى بن محمد بن قيس المدني عن انس مثل ما في الأدب المفرد وأخرجه البيهقي بلفظ لست من دد ولا دد منى عن انس بتنكير الدد في الموضعين ج ١٠ ص ٢١٧ وأخرجه في النهاية واللسان لغة (ددن) ومقاييس اللغة ج ٢ ص ٢٦٦ بلفظ ما انا من دد ولا الدد منى بتنكير الأول وتعريف الثاني وفي آلاء الرحمن ج ٢ ص ٦٦ بلفظ ما انا من دد ولا دد منى بتنكيره في الموضعين.

وفي أمالي السيد المرتضى المجلس الثالث ج ١ ص ٣٣ : فاما الددن فهو اللهو واللعب وفيه لغات ثلث دد على مثال دم وددا على مثال فتى وددن على مثال حزن ومنه قول النبي (ص) ما انا من دد ولا الدد منيه في ذيله هذه الهاء للاستراحة وهي تدل على تأكد امتناعه من اللهو) ـ

٢٢٥

وهو بعيد (١) ، ولأنه يلزم إطلاق الوصف الواحد على موصوفين مختلفي العامل ، فان الموصول مع صلته لو كان وصفا للنساء المتقدمة والمتأخرة لزم ذلك ، إذ الأولى مجرورة بالإضافة والثانية بمن ـ كذا قيل.

وأما الثاني فبعيد أيضا ، فإن ما يليه هو الذي يستوجب التعليق به ما لم يعترض أمر لا يمكن رده مانع عن التعليق ، وهو هنا غير معلوم.

ومقتضى ما ذكرناه تحريم أمهات النساء مطلقا وتحريم الربائب مع الدخول بأمهاتهن لا مطلقا ، فلو فارق الام قبل الدخول حل له تزويج ابنتها ، وهو موضع وفاق ، والقول بالفرق بين الأمهات والربائب في اعتبار الدخول هو المشهور بين أصحابنا وعليه أكثرهم.

وقد خالف فيه ابن ابى عقيل ، وقال ان الشرط عند آل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله في الأمهات والربائب جميعا الدخول ، فإذا تزوج الرجل امرأة ثم ماتت عنه أو طلقها قبل أن يدخل بها فله ان يتزوج بأمها وابنتها.

__________________

 ـ ونقل في معيار اللغة ثلث لغات اخرى الديد كبيت والديدا بالمقصورة والديدان كرمضان وفي الفرائد الغوالي ج ١ ص ٢٢١ عند شرح الحديث من الأمالي الدد كالعد اللهو واللعب وفي اللسان ج ١٣ ص ١٥٢ ط بيروت ورأيت بخط الشيخ رضى الدين الشاطبي اللغوي رحمه‌الله في بعض الأصول دد بتشديد الدال قال وهو نادر ذكره أبو عمرو المطرزي قال أبو محمد بن السيد ولا أعلم أحدا حكاه غيره انتهى.

(١) قال البلاغي قدس‌سره في آلاء الرحمن ج ٢ ص ٦٦ : فإنما هو خيال باطل ينتج بعمومه امرا فاسدا لانه لا بد من ان يراد من الاتصال المزعوم معناه العام الذي يشمل بعمومه اتصال الام واتصال الربيبة فيصدق التحريم حينئذ على أم الزوجة التي لم يدخل بها إذا كانت متصلة بأي زوجة مدخول بها وان كانت أختها المطلقة أو بنت عمها مثلا وهم لا يرضون بذلك ويصدق التحريم أيضا على الربيبة التي لم يدخل بأمها إذا كانت متصلة بأي زوجة مدخول بها وان كانت أختها المطلقة أو بنت عمها مثلا وهو مخالف لإجماع المسلمين اذن.

فإيراد هذا القيد العام الذي لا يراد عمومه لا يكون في مقام التحديد والتقييد الا من المعاياة والقصور في التعبير وحاشا شأن القرآن الكريم من ذلك فلا مناص في مستقيم الكلام عن كونه قيدا للربائب انتهى كلامه رفع مقامه.

٢٢٦

ورواه الصدوق في الفقيه (١) عن جميل بن دراج عن الصادق عليه‌السلام أنه سئل عن رجل تزوج امرأة ثم طلقها قبل أن يدخل بها هل له نكاح ابنتها. قال : الام والابنة في ذلك سواء إذا لم يدخل بإحداهما حلت له الأخرى. وفي معناه أخبار أخر دلت على ذلك (٢).

والأول أصحّ لما ذكرناه ، ويؤيده ما رواه إسحاق بن عمار (٣) عن الصادق عليه‌السلام عن الباقر عليه‌السلام أن عليا عليه‌السلام كان يقول : الربائب عليكم حرام مع الأمهات اللاتي قد دخل بهن في الحجور وغير الحجور سواء ، والأمهات مبهمات دخل بالبنات أو لم يدخل بهن فحرّموا وأبهموا ما أبهم الله.

وعن ابى بصير (٤) قال : سألته عن رجل تزوج امرأة ثم طلقها قبل أن يدخل بها. قال : تحل له ابنتها ولا تحل له أمها. ونحوها من الاخبار.

ويجاب عما ذكره من اشتراط الدخول انه غير ظاهر من الآية على ما بيناه ، لما فيه من المحذور وخلاف الظاهر واشتهار الحكم به بين الأصحاب حتى كاد أن يكون إجماعا ، والاخبار المذكورة لا يمكن العدول بها عن ظاهر الكتاب.

وقد أجاب الشيخ عنهما بأنهما شاذان مخالفان لظاهر كتاب الله ، قال الله تعالى (وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ) ولم يشترط الدخول بالبنت كما شرط في الأم الدخول ، فينبغي أن تكون الآية على إطلاقها ولا يلتفت الى ما يخالفه ويضاده ، لما روى عنهم (٥) عليهم‌السلام

__________________

(١) الفقيه ج ٣ ص ٢٦٢ الرقم ١٢٤٧ ومثله مع تفاوت في اللفظ في الكافي ج ٢ ص ٣٤ الباب ٧٨ الرجل يتزوج المرأة أو تموت قبل ان يدخل بها أو بعده فيتزوج أمها أو بنتها الحديث ١ وهو في المرآة ج ٣ ص ٤٧٢ ومثله في التهذيب ج ٧ ص ٢٧٣ الرقم ١١٦٨ والاستبصار ج ٣ ص ١٥٧ الرقم ٥٧٢.

(٢) انظر الوسائل الباب ٢٠ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ج ٣ ص ٥٩ ط الأميري ومستدرك الوسائل ج ٢ ص ٥٧٩.

(٣) قد مر مصادر الحديث في ص ٢٢٤ من هذا الجزء.

(٤) التهذيب ج ٧ ص ٢٧٣ الرقم ١١٦٧ والاستبصار ج ٣ ص ١٥٧ الرقم ٥٧١.

(٥) قد مر مصادر حديث العرض على الكتاب في ص ١٢ من المجلد الأول من هذا الكتاب وانظر أيضا جامع احاديث الشيعة أبواب المقدمات من ص ٦٢ ـ ٦٧ ترى فيها أخبارا ـ

٢٢٧

«ما أتاكم عنا حديث فاعرضوه على كتاب الله تعالى فما وافق كتاب الله فخذوا به وما خالفه فاطرحوه» ، أو انهما وردا على ضرب من التقية لأن ذلك مذهب العامة.

__________________

 ـ وفي الأخير نظر ، فإن أكثر العامة على التحريم ، وقد يقال التقية لا يستلزم كونها مباحة عند الجميع ـ فتأمل. مع ان في التحريم احتياطا ، فلا ينبغي القول بخلافه.

ونقل في معيار اللغة ثلث لغات اخرى الديد كبيت والديدا بالمقصورة والديدان كرمضان وفي الفرائد الغوالي ج ١ ص ٢٢١ عند شرح الحديث من الأمالي الدد كالعد اللهو واللعب وفي اللسان ج ١٣ ص ١٥٢ ط بيروت ورأيت بخط الشيخ رضى الدين الشاطبي اللغوي رحمه‌الله في بعض الأصول دد بتشديد الدال قال وهو نادر ذكره أبو عمرو المطرزي قال أبو محمد بن السيد ولا أعلم أحدا حكاه غيره انتهى.

 ـ كثيرة دالة على العرض وقد تلقى أصحابنا الإمامية حديث العرض على الكتاب بالقبول وأنكره أهل السنه وقد نقلناه هناك عن القرطبي ج ١ ص ٣٨ من تفسيره واخرج الحديث الدار قطني أيضا في سننه ج ٤ ص ٢٠٨ كتاب الأقضية والاحكام الحديث ١٧ عن أبي هريرة عن النبي (ص) وضعفه بوجود صالح بن موسى في سنده.

واخرج الحديث في ميزان الاعتدال أيضا في ج ٢ ص ٣٠٢ بالرقم ٣٨٣١ عند ترجمة صالح بن موسى ونقل عن ابن عدا انه قال هو عندي ممن لا يتعمد الكذب واخرج حديث العرض أيضا الدار قطني في السنن بالرقم ٢٠ من كتاب الأقضية عن على عليه‌السلام عن النبي (ص) وضعفه شمس الحق في التعليق على المغني المطبوع ذيله بوجود جبارة بن المغلس في سنده.

قلت ولكن ابن ابى حاتم نقل في الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الأول ص ٥٥٠ بالرقم ٢٢٨٤ عن ابن نمير أنه قال ما هو عندي ممن يكذب وما كان عندي ممن يتعمد الكذب ونقل عن أبيه أبي حاتم انه قال هو على يدي عدل مثل القاسم بن أبي شيبة وقريب منه في ميزان الاعتدال ج ١ ص ٣٨٧ بالرقم ١٤٣٣.

واخرج ابن حجر في مجمع الزوائد ج ١ ص ١٧٠ باب حفظ العلم عن الطبراني في الكبير حديثين أحدهما عن ثوبان عن النبي (ص) وضعفه بوجود يزيد بن أبي ربيعة وقال الذهبي في الميزان ج ٤ ص ٤٢٢ الرقم ٩٦٨٨ انه قال أبو مسهر كان يزيد بن ربيعة فقيها غير متهم ما ننكر أنه أدرك أبا الأشعث ولكن أخشى عليه سوء الحفظ والوهم وقال الجوزجاني أخاف ان تكون أحاديثه موضوعة واما ابن عدا فقال ارجوانه لا بأس به ومثله في لسان الميزان ج ٦ ص ٢٨٦ الرقم ١٠٠٨.

والحديث الأخر عن عبد الله بن عمر عن النبي (ص) وضعفه بوجود ابى حاضر عبد الملك بن عبد ربه في السند وقد نقل في لسان الميزان ج ٤ ص ٦٦ الرقم ١٩٦ ان ابن حبان ذكره في الثقات.

وقد أوضح البيان في رد أهل السنة حيث أنكروا الحديث ، المحقق الداماد قدس‌سره ـ

٢٢٨

والمراد بالدخول المعتبر في التحريم الوطي لأنه المتبادر من الدخول ، والشيخ في التهذيب استدل بظاهر القرآن على ذلك ، وبصحيحة العيص بن القاسم (١) عن الصادق عليه‌السلام الدالة على تحريم البنت مع الإفضاء إلى الأم ، وعلى جواز نكاحها مع عدم الإفضاء إلى الأمّ.

ونقل الطبرسي في المجمع (٢) في معنى الدخول قولين : أحدهما الجماع ونقله عن ابن عباس ، الثاني الجماع وما يجرى مجراه من المسيس والتجريد ، ثم قال وهو مذهبنا.

والظاهر أنه يريد مذهب بعض أصحابنا ، ذهب اليه ابن الجنيد فإنه حكم بتحريم البنت مع القبلة والملامسة أو النظر إلى عورة الأم ، وهو مذهب الشيخ في الخلاف (٣) حيث قال : اللمس بشهوة مثل القبلة ، واللمس إذا كان مباحا أو لشبهة ينشر التحريم ويحرم الام وان علت والبنت وان نزلت.

__________________

 ـ في الرشحة الاولى ص ٣٨ والرشحة السابعة والثلثين ص ٢٠٠ من كتابه الرواشح السماوية قال قدس‌سره في ص ٣٨.

معنى الحديث انه إذا تعارضت الروايات المختلفة في أمر عنا أهل البيت ولم يكن في أحد الطرفين على المسلك المعتبر في طريق الرواية ترجيح فاعرضوها على كتاب الله فما وافقه فاستمسكوا به وما خالفه بحيث لا يمكن التوفيق فردوه لا انه إذا وردت رواية صحيحة معتبرة عنهم توجب تخصيص ظاهر الكتاب الكريم كما في حرمان الزوجة غير ذات الولد من ان ترث زوجها في رقبة الأرض عينا مثلا لم يصح العمل بها.

وكذلك القول فيما يروى عن النبي (ص) من قوله إذا رويتم عنى حديثا فاعرضوه على كتاب الله فان وافق فاقبلوه وان خالف فردوه فطعن بعض العلماء فيه بأنه موضوع إذ يدفعه قوله (ص) انى قد أوتيت الكتاب وما يعدله وفي رواية أوتيت الكتاب ومثله معه ساقط انتهى.

(١) التهذيب ج ٧ ص ٣٨٠ الرقم ١١٨٦ والاستبصار ج ٣ ص ١٦٢ الرقم ٥٨٩ والكافي ج ٢ ص ٣٢ الباب ٧٤ الرجل يفجر فيتزوج أمها أو ابنتها الحديث ٢ وهو في المرات ج ٣ ص ٤٧١.

(٢) انظر المجمع ج ٢ ص ٢٩.

(٣) انظر الخلاف ج ٢ ص ٣٨١ ط قم المسئلة ٨١ من مسائل النكاح.

٢٢٩

واستدل عليه بإجماع الفرقة وأخبارهم وما روي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال (١) : لا ينظر الله الى رجل نظر الى فرج امرأة وابنتها. وقال عليه‌السلام : من كشف قناع امرأة حرم عليه أمها وبنتها (٢).

وقد يستدل له أيضا بما رواه محمّد بن مسلم (٣) في الصحيح عن أحدهما عليهما‌السلام قال : سألته عن رجل تزوج امرأة فنظر الى رأسها والى بعض جسدها أيتزوج ابنتها؟ قال : لا إذا رأى منها ما يحرم على غيره فليس له أن يتزوج ابنتها.

وما رواه أبو الربيع (٤) قال : سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن رجل تزوج امرأة فمكث أياما معها لا يستطيعها غير انه قد رأى منها ما يحرم على غيره ثم طلقها أيصلح له ان يتزوج ابنتها؟ فقال : لا يصلح له وقد رأى من أمها ما رأى.

والأكثر من الأصحاب على عدم التحريم في الصورة المذكورة لما عرفت. وأجاب الشيخ في التهذيب عن الحديثين بأنهما محمولان على الكراهة دون الحظر ، لأن الذي يقتضي الحظر هو المواقعة حسب ما نطق به ظاهر القرآن. وبمثله أجاب في الاستبصار ، وهو جيد وان كان الاحتياط في الاجتناب.

(وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ) زوجاتهم ، جمع حليلة ، سميت الزوجة بذلك لحلها أو لحلولها مع الزوج (الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ) لا الذين سميتموهم أولادا وهم أولاد الغير ، وقد يعبر عنهم بالادعياء للشفقة والمحبة الحاصلة بينكم وبينهم ومثلهم لا يوجب

__________________

(١) المستدرك ج ٢ ص ٥٧٨ عن عوالي اللآلي وأخرجه في الدر المنثور ج ٢ ص ١٣٧ عن ابن مسعود موقوفا.

(٢) مستدرك الوسائل ج ٢ ص ٥٧٩ عن عوالي اللآلي وروى الحديثين في الخلاف أيضا ج ٢ ص ٣٨١ ط قم المسئلة ٨٢ من مسائل النكاح.

(٣) الكافي ج ٢ ص ٣٤ الباب ٧٨ الحديث ٣ وهو في المرات ج ٣ ص ٤٧٢ والتهذيب ج ٧ ص ٢٨٠ الرقم ١١٧٨ والاستبصار ج ٣ ص ١٦٢ الرقم ٩٥٠.

(٤) الكافي ج ٢ ص ٣٤ الباب ٧٨ الحديث ٥ وهو في المرات ج ٣ ص ٤٧٣ وحكم بصحة الحديثين والتهذيب ج ٧ ص ٢٨٠ الرقم ١١٨٨ والاستبصار ج ٣ ص ١٦٢ الرقم ٥٩١.

٢٣٠

التحريم ، فقد تزوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم زينب بنت جحش الأسدي حين فارقها زيد بن حارثة وكان قد سماه الرسول ابنا ، وقال الله عزوجل (لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ).

وكذا لو تزوج بأمه وربّاه ولدا. وليس التقييد لخروج ولد الولد ، فإنه ولده من صلبه قطعا وان كان بواسطة ، وهكذا ولد ولد الولد وابن ابن البنت فنازلا ، ولا خلاف بين المسلمين في ذلك. وحكم الابن من الرضاع حكم الابن من النسب في تحريم حليلته للحديث المشهور.

وإطلاق الآية يقتضي تحريم حلائل الأبناء على الآباء وان لم يدخلوا بهن ، فإن الحليلة تصدق بمجرد العقد ولا يتوقف الحرمة على الدخول.

ويمكن إدخال السراري في الحلائل ، الا ان الأصحاب على ان مجرد كونها سرّية من غير نظر بشهوة أو تقبيل ونحوه لا يوجب التحريم ، الا أن يقال لا يصدق عليها الاتخاذ للتسري إلا مع حصول أحد الأمور المذكورة. أو يقال مقتضى الآية التحريم بمجرد الملك إذا قصد بها التسرّي ، خرج عنه ما إذا تجرد للجماع والنظر واللمس بالإجماع فيبقى غير التجرد على العموم.

وبذلك استدل العلامة (١) في المختلف على تحريم الجارية المنظورة أو المقبّلة للابن على الأب ، كما هو المشهور بين الأصحاب. ويؤيده من الاخبار ما رواه محمّد بن ـ إسماعيل (٢) في الصحيح عن ابى الحسن عليه‌السلام وقد سئل عن الرجل تكون له الجارية فيقبلها ـ الى أن قال ـ ان جردها فنظر إليها بشهوة حرمت على ابنه وأبيه.

وخالف ابن إدريس هنا وقال : لا تحرم الجارية على أحدهما لو نظر الآخر إليها وقبّل وان كان بشهوة ، بل المقتضي للتحريم الوطي لأصالة الإباحة وهو بعيد ، فإن الأصل قد يترك مع وجود الدليل. والحق ان استفادة تحريم الجارية المقبّلة أو المنظورة بشهوة

__________________

(١) انظر الجزء الرابع ص ٧٦ كتاب النكاح.

(٢) التهذيب ج ٧ ص ٢٨١ الرقم ١١٩٢ عن الكليني وهو في الكافي ج ٢ ص ٣٣ باب ما يحرم على الرجل مما نكح ابنه وأبوه وهو في المرات ج ٣ ص ٤٧٢.

٢٣١

من الآية بعيد ، ولعل الرجوع الى الاخبار في ذلك أولى.

(وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ) في موضع الرفع عطفا على المحرمات. وفي ذكر الجمع دلالة على أن ذلك هو المحرم لا عينها ، فلو فارق إحداهما حلت له الأخرى ، وبذلك وردت الأخبار أيضا.

ومقتضى الإطلاق تحريم الجمع بينهما في العقد أو الملك ، وبظاهره أخذ بعضهم فحرم الجمع بينهما في الملك ، قالوا : لو جاز الجمع بينهما في الملك لجاز وطؤهما معا لقوله (إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ) ، لكنه لا يجوز.

وقيل ان النهي انما ورد عن الجمع بينهما في النكاح ، فتجوز الجمع بينهما بملك اليمين ، الا انه إذا وطئ إحداهما حرم وطء الأخرى عليه ولا تزول هذه الحرمة ما لم يزل ملكه عن الاولى ببيع أو هبة أو عتق أو تزويج ونحوه. وعلى هذا علماؤنا اجمع وأكثر العامة ، وأخبارنا متظافرة به (١) ، وعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انه قال (٢) : ملعون من جمع ماءه في رحم أختين.

ويؤيده ان الحرمة هنا غير مقصورة على النكاح أي العقد ، فان المحرمات المعدودة كما هي محرمات في النكاح فهي محرمات في ملك اليمين أيضا ، إذ لا يباح الوطي لامّ المرأة وان ملكها الرجل ، وفي صحيحة محمّد بن مسلم (٣) سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل كانت له جارية فعتقت فتزوجت فولدت أيصلح لمولاها الأول أن يتزوج ابنتها؟

__________________

(١) انظر الوسائل الباب ٢٩ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ج ٣ ص ٦٢ ط الأميري ومستدرك الوسائل ج ٢ ص ٥٨٠.

(٢) لم أظفر على هذا الحديث في أي كتاب من كتب الفريقين عن النبي (ص) نعم أخرج في الدر المنثور ج ٢ ص ١٣٧ عن ابن أبي شيبة وابن المنذر عن وهب بن منبه ان فيما انزل الله على موسى عليه‌السلام انه ملعون من جمع بين الأختين.

(٣) التهذيب ج ٧ ص ٢٧٩ الرقم ١١٨٥ والاستبصار ج ٣ ص ١٦٢ الرقم ٥٨٨ والكافي ج ٢ ص ٣٧ باب الجمع بين الأختين من الحرائر والإماء الحديث ١٠ وهو في المرات ج ٣ ص ٤٧٦.

٢٣٢

قال : هي حرام وهي ابنته ، والحرة والمملوكة في هذا سواء ، ثم قرأ (وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ). ونحوها من الاخبار الدالة على أن تحريم ذلك من حيث النكاح والملك.

[وبالجملة فالجمع بين الأختين في الآية يتناول الجمع بينهما عقدا ووطيا في الحرائر ، ووطيا في ملك اليمين ، ومعنى تحريم الجمع بينهما في الوطي استباحة وطيها ولو على التعاقب].

وقال مالك الجمع بينهما في الوطي بملك اليمين مكروه وليس بمحرم ، وينقل عن ابن عباس انه قال أحلتهما آية وحرمتهما آية ولم أكن لأفعل ، يريد بالحرمة هذه الآية وبالمحللة قوله (أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ).

ونقل القاضي وصاحب الكشاف (١) عن علي عليه‌السلام التحريم وعن عثمان التحليل ، قال القاضي : وقول عليّ أرجح ، لأن آية التحليل مخصوصة في غير ذلك ، ولقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما اجتمع الحلال والحرام الأغلب الحرام (٢). وهو جيد موافق لطريق الاستدلال ، فان المعهود منه العمل بالخاص وتخصيص العموم به لا إسقاط حكمه والعمل بالعام.

وما زعمه بعض العامة من أن حكم الحرائر في الوطي مخالف لحكم الإماء ، ومن ثم تحرم الزيادة على الأربع في الحرائر دون الإماء. فلا دخل له هنا.

(إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ) استثناء عن لازم المعنى كما تقدم ، أو منقطع على معنى ولكن ما قد مضى مغفور. بدليل قوله (إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً) أي هو كذلك من قبل ومن بعد كما يعطيه لفظة كان.

__________________

(١) انظر الكشاف ج ١ ص ٤٩٦ والبيضاوي ج ٢ ص ٧٨ قال ابن حجر في الشاف الكاف اما عثمان فلم أجد عنه التصريح بالتحليل وانما توقف واما على ففي رواية الموطإ ثم خرج السائل فلقي رجلا من الصحابة قال الزهري أحسبه قال على فسأله فقال له ولكني أنهاك ولو كان لي سبيل على فعله لجعلته نكالا وانظر أيضا الدر المنثور ج ٢ ص ١٣٦ أخرجه عن مالك والشافعي وعبد بن حميد وعبد الرزاق وابن أبي شيبة وابن ابى حاتم والبيهقي في سننه.

(٢) البيضاوي ج ٢ ص ٧٨ ط مصطفى محمد وقد مر عن البحار أيضا ورواه في تفسير الرازي أيضا ج ١٠ ص ٣٦.

٢٣٣

(وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ) ذوات الأزواج منهن حصنهن التزويج أو الأزواج ، وهو عطف على ما تقدم من المحرمات ، أي حرم عليكم نكاح ذوات الأزواج (إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) من اللاتي سبين ولهن أزواج في دار الكفر ، فإن وطئهن جائز للمسلمين وان كن محصنات لبطلان حكم نكاحهن بالسبي والتمليك ، فقد روى أبو سعيد (١) قال : أصبنا سبايا يوم أوطاس ولهن أزواج فكر هنا أن نقع عليهن ، فسألنا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فنزلت الآية فاستحللناهنّ.

ومقتضى الإطلاق أن الزوجين لو سبيا معا جاز الوطي بالملك أيضا [لزوال الزوجية ، فيحل للمالك الوطي بعد أن يستبرئها بوضع الحمل ان كانت حاملا من زوجها أو بالحيض ان لم تكن. والى هذا مذهب الشافعية] وقال أبو حنيفة لو سبى الزوجان لم يرتفع النكاح ولم يحل للسابي نظرا الى أن النكاح باق بينهما لم يرتفع ، كما لو اشترى المملوكين أو اتهبهما أو ورثهما. وإطلاق الآية والحديث حجة عليه ، مع انه يمكن الفرق بين الصورتين بأن الحاصل عند السبي احداث ملك فيها وعند البيع نقل الملك من شخص الى شخص ، والأول أقوى فظهر الفرق.

ويحتمل ان يراد ب (ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) إمائكم المزوجات ، فان للمالك ابطال نكاحهن من أزواجهن إذا كان زوجها مملوكا له بغير خلاف ثم يطأها بعد العدة ، ورواه الكليني عن محمّد بن مسلم في الصحيح (٢) قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن قول الله عزوجل (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ)؟ قال : هو أن يأمر الرجل عبده وتحته أمته فيقول له اعتزل امرأتك ولا تقربها ، ثم يحبسها حتى تحيض ثم يمسها ، فإذا حاضت بعد مسه إياها ردها عليه بغير نكاح. والآية وان اقتضت جواز الوطي مطلقا الا أن الخبر خصصها بما بعد العدة ، وعلى ذلك الإجماع.

[ويحتمل ان يريد ب (ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) ملك النكاح ، والمعنى ان ذوات الأزواج

__________________

(١) المجمع ج ٢ ص ٣١.

(٢) الكافي ج ٢ ص ٥٢ باب الرجل يزوج العبد أمته ثم يشتهيها الحديث ٢ وهو في المرات ج ٣ ص ٤٩٠ ورواه في التهذيب ج ٧ ص ٣٤٦ بالرقم ١٤١٧.

٢٣٤

حرام عليكم الا إذا ملكتموهن بنكاح جديد بعد وقوع البينونة بينهن وبين أزواجهن ، والمقصود من ذلك الزجر عن الزنا والمنع من وطئهن إلا بنكاح جديد ، وظاهر الآية إلى الأول أقرب].

(كِتابَ اللهِ عَلَيْكُمْ) منصوب على المصدرية بفعل محذوف ، أي كتب الله تحريم ما حرمه عليكم كتابا وفرضه فرضا فلا تخالفوه وتمسّكوا به. وقرئ «كتب الله» بالجمع والرفع ، أي هذه فرائض الله عليكم.

الثالثة (البقرة ـ ٢٢١) (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ) الأكثر على انّ النكاح في أمثال هذه المواضع يراد به العقد قال في الكشاف : ما جاء النّكاح في القرآن إلّا بمعنى العقد وفي مجمع البيان أن أصله الوطي ثم كثر حتّى قيل للعقد نكاح ، أى لا تتزوجوا المشركات وقرئ بضم التّاء أى لا تزوجوهنّ من المسلمين (حَتَّى يُؤْمِنَّ) غاية لتحريم نكاحهن أي يصدقن بالله ورسوله ، ولفظ المشركات متناول لأهل الكتاب أيضا فإنّهم مشركون.

امّا النّصارى فظاهر حيث قالوا بالأقانيم الثّلاثة ، وامّا اليهود والنّصارى فلقوله تعالى (وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ) إلى قوله (سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) فسمّاهم مشركين وقال في موضع آخر (اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ) والإشراك كما يتحقّق بإثبات إله آخر مع الله سبحانه متحقق أيضا بإثبات إله غير الله ونفيه ، وقال في موضع آخر (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) الآية ولا خلاف أنّ الكافر بجميع أقسامه غير مغفور بل مخلّد في النّار.

ومقتضى الآية عدم جواز نكاح الكافرة مطلقا ونحوه قوله تعالى (وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ) وبين الزّوجين عصمة لا محالة فيدخل النكاح تحت النهي قال الشيخ في التبيان (١) عند هذه الآية وفي ذلك دلالة على أنّه لا يجوز العقد على الكافرة سواء كانت ذميّة أو حربية أو عابدة وثن وعلى كلّ حال ، لأنّه عام في جميع ذلك وعلى هذا

__________________

(١) التبيان ج ١ ص ٢٣٤ وما نقله مفاد كلام الشيخ لا عين عبارته.

٢٣٥

أكثر أصحابنا وادعى السيد المرتضى في الانتصار (١) إجماع الإماميّة على حظر نكاح الكتابيات.

ولا ينافي ذلك قوله تعالى (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) حيث دلّ على جواز نكاحهن لأنّها محمولة على أحد وجوه.

إمّا ان يراد بالمحصنات اللّاتي أسلمن منهنّ وبالمحصنات المؤمنات اللاتي كنّ في الأصل مؤمنات بأن ولدن على الإسلام ويؤيّده ما قيل إن قوما كانوا يتحرّجون من العقد على من أسلمت عن كفر فبيّن انّه لا حرج في ذلك.

وإمّا ان يكون مخصوصا بملك اليمين فإنّهن يجوز وطؤهنّ بالملك وامّا ان يكون منسوخة بقوله تعالى «(وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ) أو بقوله ولا تمسكوا بعصم الكوافر» فانّ في الاخبار ما يدلّ على ذلك روى زرارة (٢) في الحسن عن الباقر عليه‌السلام قال سألته عن قول الله عزوجل (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) قال هي منسوخة بقوله (وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ).

وروى الحسن بن الجهم (٣) قال قال لي الرّضا عليه‌السلام : يا با محمّد ما تقول في رجل تزوج نصرانية على مسلمة قلت : جعلت فداك ، وما قولي بين يديك؟ قال : لتقولنّ ، فان ذلك يعلم به قولي قلت لا يجوز تزويج النصرانية على المسلمة ولا على غير المسلمة ، قال : لم قلت لقول الله عزوجل (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ) قال فما تقول في هذه الآية (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) قلت قوله (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ) نسخت هذه الآية فتبسّم ثم سكت.

__________________

(١) انظر الانتصار ص ٦٥ ط ١٣١٥.

(٢) التهذيب ج ٧ ص ٢٩٨ الرقم ١٢٤٥ والاستبصار ج ٣ ص ١٧٩ الرقم ٦٤٩ والكافي ج ٢ ص ١٤ باب نكاح الذمية الحديث ٨ وهو في المرآة ج ٣ ص ٤٥٣ وقد مر الحديث أيضا عند الكلام على الآية ٥ من سورة المائدة.

(٣) الكافي ج ٢ ص ١٣ باب نكاح الذمية الحديث ٦ وهو في المرآة ج ٣ ص ٤٥٢ وقال فيه موثق ورواه في التهذيب ج ٧ ص ٢٩٧ الرقم ١٢٤٣ والاستبصار ج ٣ ص ١٧٨ الرقم ٦٤٧ وفي المرآة شرح مبسوط في المسئلة وفي قوله فتبسم ظاهره التجويز واحتمال كونه لوهن كلامه في غاية الضعف.

٢٣٦

وإمّا ان يحمل على ما إذا لم يجد المسلمة فإن له أن ينكح الكتابيّة دفعا للضرورة وتحرّزا من الزّنا ورواه محمّد بن مسلم (١) عن أبى جعفر عليه‌السلام قال لا ينبغي للمسلم أن يتزوج يهوديّة ولا نصرانيّة وهو يجد مسلمة حرة أو أمة.

ونحوه روى يونس (٢) عنهم عليهم‌السلام قال لا ينبغي للمسلم أن يتزوج امرأة من أهل الكتاب إلّا في حال ضرورة حيث لا يجد مسلمة حرّة ولا أمة.

وذهب بعض أصحابنا إلى جواز ذلك في المتعة والدوام ، وممّن صرّح بذلك ابن ابى عقيل من أصحابنا حيث قال : وامّا أهل الكتاب وهم اليهود والنّصارى فلا بأس بنكاح نسائهم متعة وإعلانا ولا يجمع في نكاح الإعلان منهنّ إلّا أربع فما دون ، وإذا انكحهنّ الرّجل متعة جمع ما شاء منهنّ ، وطلاقهنّ واعتدادهنّ طلاق الحرائر المسلمات واعتدادهنّ سواء قال ويجب لهنّ من القسمة والنّفقة ما يجب للمسلمات إلّا الميراث.

ومقتضاه تخصيص هذه الآية بغير الكتابيّات من أقسام الكفّار جمعا بينها وبين قوله (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) وإلى هذا يذهب القاضي وجماعة الشافعيّة.

هذا إذا قلنا بتناول لفظ المشركات الذمّيات أيضا ولو قلنا باختصاصها بالحربيات كما ذهب اليه البعض فلا تخصيص بل هي باقية على عمومها ، ومنع أبو الصّلاح من نكاح الكافرة حتّى تسلم وان اختلفت جهات كفرها وسوغ التمتّع باليهودية والنّصرانيّة دون من عداهما من ضروب الكفار ومقتضاه المنع في الدّوام وتجويز المتعة.

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٢٩٩ الرقم ١٢٥٠ والاستبصار ج ٣ ص ١٨٠ الرقم ٦٥٤ والكافي ج ٢ ص ١٤ باب نكاح الذمية الحديث ١٠ وهو في المرآة ج ٣ ص ٤٥٣ ومثله ذيل الحديث ٩ منه وظاهر الحديث الكراهة كما أفاده في المرآة أيضا.

(٢) الكافي ج ٢ ص ١٥ باب الحر يتزوج الأمة الحديث ٨ وهو في المرآة ج ٣ ص ٤٥٥ والوسائل الباب ٢ من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث ٣ ج ٣ ص ٦٨ ط الأميري.

٢٣٧

ويؤيّده ما رواه زرارة (١) في الموثق قال سمعته يقول لا بأس أن يتزوج اليهودية أو النّصرانيّة متعة وعنده امرأة ، وقال في الكشاف : انّ قوله (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ) منسوخ بقوله (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) نظرا الى أن سورة المائدة كلها ثابتة لم ينسخ منها شيء قط على ما سلف مرارا.

وفيه نظر فانّ ذلك لم يثبت بدلالة قطعيّة ، وأهل البيت عليهم‌السلام قد روى عنهم النسخ على عكس ما ذكره ، ولا شكّ أنّهم اعرف بمحكم القرآن ومنسوخه على أنّ النّادر بمثابة المعدوم فجاز أن يكون أكثرها كذلك ، ولعلّه يريد من النّسخ نسخ حكم بعض أفرادها ليرجع الى التخصيص كما نقلناه عن القاضي وإلّا فهي ليست مرفوعة الحكم بالكلّية حتى تكون منسوخة.

وقد ظهر ممّا ذكرناه انّ القول بالمنع مطلقا أصحّ مع ما فيه من الاحتياط.

(وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ) أي امرأة مسلمة حرّة كانت أو أمة وكذا قوله (وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ) فإنّ النّاس كلّهم عبيد الله وإماؤه كذا في الكشاف وهو بعيد ، إذ لا مبالغة حينئذ ، بل الظّاهر انّ المراد من الآية انّ المملوكة (خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ) وان كانت حرّة وتظهر المبالغة حينئذ والتنبيه على انّ الخيرية انّما هي في الأيمان لا في الحريّة والعبدية فإنّ أصل النّاس واحد.

(وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ) المشركة وكنتم تحبّونها لمالها أو جمالها فلو بمعنى ان كما قاله القاضي والجملة حاليّة والغرض الحث على المنع من المخالطة بالمشركات ونكاحهنّ قال الطبرسيّ في مجمع البيان وظاهر هذا يدلّ على أنّه يجوز نكاح الأمة المؤمنة مع وجود الطول ، فامّا قوله (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً) الآية فإنّما هي على التنزيه دون التحريم ، وقد سلف ذلك.

(وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا) ولا تزوجوا النّساء المؤمنات من المشركين بجميع اقسامهم أهل الكتاب وغيرهم حتّى يصدقوا بالله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال في التبيان

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٢٩٩ الرقم ١٢٥٢ والاستبصار ج ٣ ص ١٨١ الرقم ٦٥٦ والكافي ج ٢ ص ١٤ باب نكاح الذمية الحديث ٢ وهو في المرآة ج ٣ ص ٥٤٢.

٢٣٨

وهذا يؤيّد قول من يقول : ان قوله (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ) يتناول جميع الكافرات ، وهو جيّد ، لأنّ قرينة المقابلة يقتضيه.

(وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ) مصدق بالايمان (خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ) والغرض المنع عن مواصلتهم والترغيب في مواصلة المؤمنين كما مرّ.

أولئك» هو بمنزلة التعليل للنهى عن نكاح المشركات والمشركين (يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ) أى الكفر والمعاصي المؤدية إليها فلا يليق موالاتهم ولا مناكحتهم ، إذ قد يأخذ أحدهما من دين صاحبه ، بل هو الغالب في الزّوج والزّوجة كما قيل.

(وَاللهُ) اى أولياؤه وهم المؤمنون ، حذف المضاف وأقيم المضاف اليه مقامه تفخيما لشأنهم (يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ) ، أي سببهما وهو الأيمان والطّاعة الموصلين إليهما ، فهم الأحقّاء بالمواصلة والموادة (بِإِذْنِهِ) بأمره اى بما يأمر ويأذن فيه من الشّرائع والأحكام أو بتوفيقه وتيسيره للعمل الذي يستحقّ به الجنّة والغفران أو بإعلامه.

(وَيُبَيِّنُ آياتِهِ) أى حججه وقيل أوامره ونواهيه وما أباحه وما حرمه (لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) لكي يتذكروا ويتّعظوا ، أو ليكونوا على حال يرجى منهم التّذكر ، لما تقرّر في العقول من الميل الى الخير ومخالفة الهوى كذا قاله القاضي (١) وهو صريح في الحسن والقبح العقلي بالمعنى المتنازع فيه فتأمّل.

وقد يستدلّ بظاهر الآية على جواز نكاح المخالفة من ايّ فرق الإسلام كانت فإنّ الأيمان فيها بمعنى الإسلام على ما يظهر من التفاسير ، نعم يستثنى من ذلك النّاصبية فإنّه لا يجوز للمؤمن أن يتزوج بها عندنا وإن كانت على ظاهر الإسلام لأخبار صحيحة دلّت على ذلك كصحيحة (٢) عبد الله بن سنان عن الصّادق عليه‌السلام قال

__________________

(١) البيضاوي ج ١ ص ٢٣٧. ط مصطفى محمد.

(٢) التهذيب ج ٧ ص ٣٠٢ الرقم ١٢٦١ والاستبصار ج ٣ ص ١٨٣ الرقم ٦٦٥ والكافي ج ٢ ص ١١ باب مناكحة النصاب الحديث ٣ وهو في المرآة ج ٣ ص ٤٥٠.

قال في المرآة «هل يزوجه» في بعض النسخ على صيغة الغيبة ، أي هل يزوجه الولي ، ويحتمل أن يكون فاعله الضمير الراجع الى الموصول فيقرء «قد عرف» على البناء للفاعل. ـ

٢٣٩

لا يتزوج المؤمن الناصبيّة ونحوها صحيحة الفضيل بن يسار عنه عليه‌السلام (١).

امّا الاستدلال بها على جواز تزويج المؤمنة بالمخالف نظرا الى عدم المنع الّا من المشرك فيبقى غيره على الأصل فجيّد ، لو لا ورود أخبار معتبرة الإسناد بالمنع كصحيحة عبد الله بن سنان (٢) عن الصّادق عليه‌السلام لا يزوّج المستضعف مؤمنة وقول الصّادق عليه‌السلام (٣) «العارفة لا توضع الّا عند عارف».

ويظهر من المفيد والمحقّق في المعتبر الجواز على كراهية نظرا الى بعض الأخبار الدالة عليه والجمع بينها وبين غيرها بالجواز على كراهة ، وفيه بعد مع إمكان حمل اخبار الجواز على وجه آخر ، والاحتياط المطلوب في النّكاح المترتّب عليه مهام الدين يقتضيه ، وقد اتّفق الجميع على عدم تزويج المؤمنة بالناصب لمكان الأخبار المتظافرة فيه.

__________________

 ـ ثم في النسخة المطبوعة من الاستبصار عبد الله بن مسكان بدل عبد الله بن سنان وهو من غلط الناسخ وفي النسخة المخطوطة المصححة عندي عبد الله بن سنان.

(١) التهذيب ج ٧ ص ٣٠٢ الرقم ١٢٦٠ والاستبصار ج ٣ ص ١٨٣ الرقم ٦٦٤ والكافي ج ٢ ص ١١ باب مناكحة النصاب الحديث ٣ وهو في المرآة ج ٣ ص ٤٥٠.

(٢) المارة قبيل ذلك بالرقم ١٢٦١ من التهذيب.

(٣) الكافي ج ٢ ص ١١ باب مناكحة النصاب الحديث ١١ والجملة ذيل الحديث وهو في المرآة ج ٣ ص ٤٥٠ واللفظ ان العارف لا توضع الا عند عارف.

٢٤٠