موسوعة أخلاق القرآن - ج ٣

الدكتور أحمد الشرباصي

موسوعة أخلاق القرآن - ج ٣

المؤلف:

الدكتور أحمد الشرباصي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الرائد العربي
الطبعة: ٣
الصفحات: ٢٧٩

«وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ»(١).

وللمفسرين في هذا النص الكريم أقوال منها : طهّر عملك ، لأنهم يقولون لمن يحسن العمل : فلان طاهر الثياب ، وللخبيث العمل : فلان خبيث الثياب. أو : طهر قلبك ونفسك من الاثم والذنوب ، أو طهر دينك وخلقك ، أو طهر جسمك وملابسك ، أو طهر نفسك من المعايب.

ومما يحتمل طهارة الحس والنفس وصف السنة النبوية للزكاة بأنها طهرة للمال ، وأن زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو.

* * *

وللتطهر في الاسلام مراتب ، وتبدأ هذه المراتب بتطهير الحس عن النجاسة والاقذار والاخباث ، ثم يأتي التطهر لاعضاء الجسم عن الجرائم والاثام ، ثم يأتي تطهر القلب عن الرذائل والاخلاق الذميمة ، ثم يأتي تطهر السر عما سوى الله جل جلاله ، وهذه المرتبة الاخيرة هي مرتبة الانبياء والصديقين.

ولقد أشار الغزالي الى هذه المراتب ، وذكر ان طهارة الظاهر تكون بالماء ، وطهارة الباطن تكون بالفضائل ، ثم يذكر أن أهم الامور هو تطهير السرائر ، اذ يبعد أن يكون المراد من قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الطهور نصف الايمان» عمارة الظاهر بالتنظيف بافاضة الماء والقائه ، مع تخريب الباطن وابقائه مشحونا بالاخباث والاقذار ، هيهات هيهات.

ومما يشرف شأن التطهر أن يقول الحق جل جلاله :

«إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ ، لا يَمَسُّهُ إِلَّا

__________________

(١) سورة المدثر ، الآية ٤.

٦١

الْمُطَهَّرُونَ»(١).

أي لا يبلغ حقائق معرفته الا من طهر نفسه ، وتنقى من درن الفساد ، هكذا ذكر الاصفهاني.

ومما يشرف شأن التطهر أن يقول الرسول صلوات الله وسلامه عليه : «مفتاح الصلاة الطهور» وأن الرسول كان يدعو ربه بأن يجعله من المتطهرين ، وجاء في حديث الدعاء : «اللهم اغفر ذنبه وطهّر قلبه».

وهناك من وراء امام الانبياء نماذج فاضلة زانها ربها بنعمة الطهارة وفضيلة التطهر ، والله جل جلاله يقول لنبيه وعبده عيسى بن مريم :

«إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا»(٢).

أي مطهرك باخراجك من بينهم ، وانجائك منهم فهم أرجاس ، وصيانتك من كفرهم. ولقد عرفنا ان الله تعالى طهر أمه مريم ، أي طهرها بالايمان عن الكفر ، وبالطاعة عن المعصية ، وطهرها من الفاحشة ، وطهرها من الاخلاق السيئة والرذائل الشائنة.

وهؤلاء هم أهل بيت رسول الله عليه الصلاة والسلام ، يزينهم ربهم بالتطهير ، فيقول عنهم في سورة الاحزاب :

«إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً»(٣).

__________________

(١) سورة الواقعة ، الآيات ٧٧ ـ ٧٩.

(٢) سورة آل عمران ، الآية ٥٥.

(٣) سورة الاحزاب ، الآية ٣٣.

٦٢

كما يمجد القرآن ذكر قوم سبقوا بالايمان واخلاص العمل والطاعة في المسجد الذي أسس على التقوى ، فيقول في سورة التوبة :

«لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ ، فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ»(١).

أي المتطهرين في نفوسهم وحواسهم ، التاركين للذنب ، والعاملين للصلاح.

وأزواج المؤمنين في الجنة أزواج مطهرة ، ويذكر القرآن ذلك على انه نعمة وفضل ، وحلية وزينة ، فيقول في سورة البقرة : «وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيها خالِدُونَ». ويقول في سورة آل عمران : «لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ». ويقول في سورة النساء :

«وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلاً»(٢).

وشراب الجنة الذي يسقيه الله لأهل الجنة موصوف بالطهارة ، حيث يقول القرآن في سورة الانسان :

__________________

(١) سورة التوبة ، الآية ١٠٨.

(٢) سورة النساء ، الآية ٥٧.

٦٣

«وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً»(١).

أي مطهرا يخرج ما في بطونهم من الأذى ، وينزع ما في قلوبهم من الغل والحسد.

وكتب الله تعالى وصحفه يصفها القرآن بالطهارة ، فيقول في سورة عبس :

«فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ ، فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ ، مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ»(٢).

وقال في سورة البينة :

«رَسُولٌ مِنَ اللهِ يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً»(٣).

أي منزهة من الضلال والشك ، مطهرة من كل دنس ، مصانة من أن ينالها الكفار ، ومطهرة عن أن تنزل على المشركين. أو لا ينبغي أن يمسها الا المطهرون.

* * *

والتطهر معنى أخلاقي كريم يذكرنا بالعفة والتصون عن ارتكاب الفاحشة وارتضاء الخنا ، ولقد رأينا الكافرين المجرمين يغيظهم أن يتطهر آل لوط عليه‌السلام ، ويتحرزوا من اقتراب الفاحشة ، ويأبوا الرضى بها أو السكوت عليها ، شأن اللئيم الأثيم يغيظه أن يكون ملطخا بالأوساخ

__________________

(١) سورة الانسان ، الآية ٢١.

(٢) سورة عبس ، الآيات ١٢ ـ ١٤.

(٣) سورة البينة ، الآية ٢.

٦٤

الاخلاقية ، وغيره من أهل التطهر يسمو عليه ويرتفع.

ان القرآن المجيد يقول في سورة الاعراف :

«وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ»(١).

ويقول في سورة النمل :

«فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا : أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ»(٢).

ويقول في سورة هود :

«وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ ، قالَ يا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ»(٣).

ولقد أغلظ الله جل جلاله الوعيد للذين لم تتطهر قلوبهم. فقال في سورة المائدة :

«وَمَنْ يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللهِ شَيْئاً أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيا

__________________

(١) سورة الاعراف ، الآية ٨٢.

(٢) سورة النمل ، الآية ٥٦.

(٣) سورة هود ، الآية ٧٨.

٦٥

خِزْيٌ ، وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ»(١).

* * *

ويأتي بعد هذا حديث الصوفية عن الطهارة والتطهر ، فنجدهم يسوقونه على طريقتهم الخاصة بهم التي تهيم مع الجوانب الروحية هياما شديدا ، فنجد أول ما نجد قول معروف الكرخي : «قلوب الطاهرين تشرح بالتقوى ، وتزهر بالبر ، وقلوب الفجار تظلم بالفجور ، وتعمى بسوء النية».

ونجدهم يتفننون في المقابلة بين طهارة الحس وطهارة النفس ، فنجد القشيري في «لطائف الاشنارات» يسوق هذه العبارة :

كما أن في الشريعة لا تصح الصلاة بغير الطهور ، فلا تصح ـ في الحقيقة ـ بغير طهور.

وكما أن للظاهر طهارة ، فللسرائر أيضا طهارة ، وطهارة الأبدان بماء السماء ، أي المطر ، وطهارة القلوب بماء الندم والخجل ، ثم بماء الحياء والوجل.

وكما يجب غسل الوجه عند القيام الى الصلاة ، يجب ـ في بيان الاشارة ـ صيانة الوجه عن التبذل للاشكال عن طلب خسائس الاعراض.

وكما يجب غسل اليدين في الطهارة يجب قصرهما عن الحرام والشبهة.

وكما يجب مسح الرأس يجب صونه عن التواضع والخفض لكل أحد.

وكما يجب غسل الرجلين في الطهارة ، يجب صونهما في الطهارة الباطنة عن التنقل فيما لا يجوز.

__________________

(١) سورة المائدة ، الآية ٤١.

٦٦

وحينما يتحدث القرآن المجيد عن المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم ، ويخبر عنه بقوله : «فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ» لا يشتغل الصوفية هنا بالحديث عن طهارة الحس ، بل يستبد بهم الحديث عن الطهارة الاخلاقية ، فيفسرون هذا النص الكريم على الوجه التالي :

يتطهرون عن المعاصي ، وهذه سمة العابدين.

ويتطهرون عن الشهوات والاماني ، وتلك صفة الزاهدين.

ويتطهرون عن محبة المخلوقين ، ثم عن شهود أنفسهم بما يتصفون ، وتلك صفة العارفين. ويتفننون في التعليق على قوله : «إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ» بالصورة التالية :

يقال : يحب التوابين من الذنوب ، والمتطهرين من العيوب.

ويقال : التوابين من الزلة ، والمتطهرين من التوهم أن نجاتهم بالتوبة.

ويقال : التوابين من ارتكاب المحظورات ، والمتطهرين من المساكنات والملاحظات.

ويقال : التوابين بماء الاستغفار ، والمتطهرين بصوب ماء الخجل بنعت الانكسار.

ويقال : التوابين من الزلة ، والمتطهرين من الغفلة.

ويقال : التوابين من شهود التوبة ، والمتطهرين من توهم أن شيئا بالزلة ، بل الحكم ابتداء من الله تعالى ...

وحينما يتعرضون للتعليق على قول الله تبارك وتعالى في سورة التوبة : «خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها» يذكرون هذا التفسير :

٦٧

تطهرهم من طلب الأعواض عليها ، وتزكيهم عن ملاحظتهم اياها ، وتطهرهم بها من شح نفوسهم ، وتزكيهم بها بأن لا يتكاثروا بأموالهم ، فيروا عظيم منة الله تعالى عليهم بوجود التجرد منها.

وهكذا يمضي الصوفية في فنون وشجون ، فاذا هم يسيرون في مسالك تدق وتعمق على كثيرين ، وقد تستغلق أمام آخرين ، ولكل وجهة هو موليها.

أما بعد ، فما أجدر المؤمن البصير بأن يتخذ من فضيلة «التطهر» حصنا يحول بينه وبين الزلل والانحراف ... ما أجدره بأن يتطهر في عقيدته ، فيستمسك بعقيدة الصفاء والنقاء ، التي لا ريب فيها ولا التواء : عقيدة التوحيد التي لا يرتضي العقل السليم سواها :

«لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا»(١).

وأن يتطهر في عبادته ، فلا يرائي بها أو يخادع ، بل يبتغي بها وجه الحق سبحانه :

«فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ»(٢).

وأن يتطهر في كلامه ، فيجعله طيبا صادقا صادعا بالحق ، داعيا الى الخير ، آمرا بالمعروف ، ناهيا عن المنكر :

«إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ»(٣).

وأن يتطهر في نظره ، فلا يملأ عينه من شيء غيره ، ولا يتطلع الى ما

__________________

(١) سورة الانبياء ، الآية ٢٢.

(٢) سورة الزمر ، الآية ٢.

(٣) سورة فاطر ، الآية ١٠.

٦٨

ليس له حق في التطلع اليه ، ولا يتبع عورات الناس ببصره ، فان الحق جل جلاله :

«يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ»(١).

وأن يتطهر في ظنه ، فلا يجعله سيئا دون موجب :

«إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ»(٢).

وأن يتطهر في معاملته مع غيره ، فيحب للناس ما يحب لنفسه ، ويكره لهم ما يكرهه لنفسه.

وأن يتطهر في مظهره ومخبره ، في أحواله وأعماله ، في انفراده واجتماعه ، وبذلك ينال رضا الله ومحبته : «إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ ، وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ».

__________________

(١) سورة غافر ، الآية ١٩.

(٢) سورة الحجرات ، الآية ١٢.

٦٩

المصاحبة بالمعروف

كلمة «المصاحبة» فيها معنى الملازمة ، ولذلك تقول اللغة ان الصاحب هو الملازم ، سواء أكانت المصاحبة حسية بالبدن ـ وهذا هو الأصل والأكثر ـ أم كانت معنوية بالاهتمام والعناية ، على حد قول القائل :

لئن غبت عن عيني

لما غبت عن قلبي

والمصاحبة أبلغ من الاجتماع ، لأن المصاحبة تقتضي طوال اللبث أو الدوام ، ولذلك يقال : كل مصاحبة يكون معها اجتماع ، وليس كل اجتماع يكون مصاحبة ، ومن هنا عبّر القرآن الكريم عن المقيمين في النعيم بقوله : «أَصْحابُ الْجَنَّةِ» ، وعبر عن الباقين الخالدين في العذاب بأنهم «أَصْحابُ النَّارِ» أو «أَصْحابِ الْجَحِيمِ».

وقد تطلق كلمة «المعاشرة» على معنى «المصاحبة» ، ولذلك قالت اللغة : صحب وصاحب بمعنى عاشر ، والمصاحبة والمعاشرة بمعنى واحد ، والصاحب هو المعاشر ، ومادة «المعاشرة» تدل على الكثرة ، وجاءت كلمة «العشيرة» تدل على الجماعة التي يتقوى بها الانسان ويتكثر ، وفي المصاحبة أيضا قوة تتحقق بالصاحب الكريم المصاحبة.

و «المعروف» لفظ من مادة «المعرفة» ، وهي ادراك الشيء بتفكر

٧٠

وتدبر لأثره ، ثم استعملوا هذا اللفظ في الامر المستحسن الذي هو ضد المنكر ، ولذلك قالوا : المعروف اسم لكل فعل يعرف الانسان حسنه بالعقل أو الشرع.

والمفهوم الأخلاقي لفضيلة «المصاحبة بالمعروف» أو «المعاشرة بالمعروف» هو أن يصحب الانسان من يصحبه بحسن الفعال وطيب الاقوال ومحبوب الاحوال ، ومعاملة الصاحب بمثل ما نحب ونتمنى أن يعاملنا به ، وهذه المعاملة فضيلة أخلاقية قرآنية كريمة ، تحدث كتاب الله عنها وحث عليها.

وقد يحسن بنا ـ قبل أن نتعرف الى حديث القرآن عن المصاحبة بالمعروف ـ أن نتذكر أن القرآن المجيد أشار الى ما في الصحبة من تعارف واطلاع كل من الطرفين على أحوال صاحبه ، فيكون أعرف به من غيره ، فعبر القرآن أكثر من مرة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأنه «صاحب» فقال في سورة الاعراف :

«أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ»(١).

وقال في سورة سبأ :

«قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى ، ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ»(٢).

__________________

(١) سورة الاعراف ، الآية ١٨٤.

(٢) سورة سبأ ، الآية ٤٦.

٧١

وقال في سورة النجم :

«ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى»(١).

وقال في سورة التكوير :

«وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ»(٢).

وقد قال أهل التفسير ان وصف «الصاحب» هنا فيه تنبيه على أن قوم الرسول قد صحبوه وجربوه وعرفوه في ظاهره وباطنه ، ولم يجدوا فيه خبلا أو جنونا ، بل عرفوا فيه الصادق الأمين ، والعاقل النبيل.

ولقد كان رسول الله عليه الصلاة والسلام أكرم مثل للمصاحبة بالمعروف والمعاشرة بالحسنى ، مع كل من عرفه أو صاحبه أو اختلط به ، فلم يكن فظا ولا غليظا ، ولا يجزي السيئة بالسيئة ، بل يعفو ويصفح ، وأكد القرآن ذلك بقوله في سورة آل عمران :

«فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ ، وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ، فَاعْفُ عَنْهُمْ ، وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ ، وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ، فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ ، إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ»(٣).

ولقد جاء في السنة من صفات الرسول صلوات الله وسلامه عليه أنه

__________________

(١) سورة النجم ، الآية ٢.

(٢) سورة التكوير ، الآية ٢٢.

(٣) سورة آل عمران ، الآية ١٥٩.

٧٢

كان يكرم أهل الفضل ، ويتألف أهل الشرف بالبر ، ويصل رحمه من غير أن يؤثرهم على من هو أفضل منهم ، ولا يجفو على أحد ، ويقبل معذرة المعتذر اليه ، ويمزح ولا يقول الا حقا ، ويضحك من غير قهقهة ، ويرى اللعب المباح فلا ينكره ، وترتفع الاصوات عليه فيصبر ، ويعامل الناس على قدر عقولهم ... الخ وهذه صفات تجعل صاحبها خير من يطبق المصاحبة بالمعروف.

* * *

ومن النماذج العليا للمصاحبة بالمعروف تلك الصحبة الكريمة العظيمة التي نشأت بين الرسول وأبي بكر ، فقد روى أبو بكر للنبي خير الوفاء ، فسبق الى الاسلام في طليعة الرجال ، وأخلص للرسول الحب والتقدير والاجلال والمصاحبة بالمعروف ، وواسى النبي بماله ونفسه وجهده ، وأشار القرآن الكريم الى هذه الصحبة في سورة التوبة ، فمجدها وخلدها ، حيث قال :

«إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ»(١).

وقد قابل الرسول الجميل بالجميل ، والاحسان بالاحسان ، والمصاحبة النبيلة بأزكى منها ، وحسبنا أن نجد النبي يقول : «لو كنت

__________________

(١) سورة التوبة ، الآية ٤٠.

٧٣

متخذا من أهل الارض خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ، ولكن صاحبكم خليل الله». ويقول : «ان الله بعثني اليكم فقلتم. كذبت وقال أبو بكر صدق ، وواساني بنفسه وماله». ويقول : «ما لأحد عندنا يد الا وقد كافيناه ، ما خلا أبا بكر ، فان له عندنا يدا يكافئه الله بها يوم القيامة ، وما نفعني مال أحد قط ما نفعني مال أبي بكر». ويقول لأبي بكر : «أنت صاحبي على الحوض ، وصاحبي في الغار».

ويعلق القشيري على قوله تعالى : «إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا» فيقول : في الآية دليل على تحقيق صحبة الصدّيق ـ رضي الله عنه ـ حيث سماه الله سبحانه صاحبه ، وعدّه ثانيه : في الايمان ثانيه ، وفي الغار ثانيه ، ثم في القبر ضجيعه ، وفي الجنة يكون رفيقه.

* * *

وتأتي المصاحبة بالمعروف التي تلزم الولد نحو والديه ، وقد عني التنزيل الحكيم بتأكيد هذه الوصية ، فقال في سورة لقمان :

«وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ ، حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ، وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً ، وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ»(١).

ويقول في سورة الاحقاف :

__________________

(١) سورة لقمان ، الآيتان ١٤ و ١٥.

٧٤

«وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً ، حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً ، وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً ، حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ : رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ ، وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ، إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ»(١).

وكرر قوله : «وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً».

وفصل التنزيل جوانب من مصاحبة الوالدين بالمعروف ، بالاحسان اليهما ، فقال في سورة الاسراء :

«وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً ، إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما ، وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيماً ، وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ ، وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً»(٢).

* * *

وتأتي المصاحبة بالمعروف ـ أو المعاشرة بالمعروف ـ بين الزوج

__________________

(١) سورة الاحقاف ، الآية ١٥.

(٢) سورة الاسراء ، الآيتان ٢٣ و ٢٤.

٧٥

وزوجته ، وقد سمى القرآن الزوجة «صاحبة» فقال في سورة عبس :

«يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ ، وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ ، وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ»(١).

فالصاحبة هنا هي الزوجة كما وصفها بأنها «الصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ» ، فقال في سورة النساء :

«وَاعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَبِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ»(٢).

فالصاحب بالجنب هو الزوجة.

وعن فضيلة المصاحبة بالمعروف من الأزواج للزوجات يقول القرآن في سورة النساء :

«وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً»(٣).

أي يجب عليكم أيها المؤمنون أن تحسنوا عشرة نسائكم ، بأن تكون مصاحبتكم ومخالطتكم لهن بالمعروف ، الذي تعرفه وتألفه طباعهن ، والذي لا يستنكر شرعا ولا عرفا ولا مروءة ، فالايذاء بالقول أو الفعل ،

__________________

(١) سورة عبس ، الآيات ٣٤ ، ٣٦.

(٢) سورة النساء ، الآية ٣٦.

(٣) سورة النساء ، الآية ١٩.

٧٦

وكثرة عبوس الوجه وتقطيبه عند اللقاء ، كل ذلك ينافي العشرة بالمعروف.

وتتحقق هذه الفضيلة من الزوج بأن يكون حسن الخلق معها ، ويحتمل الأذى منها ، ويحلم عليها عند غضبها ، فقد قال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اتقوا الله في النساء». وأن يضيف الى اللين والحلم واحتمال الأذى ، المداعبة الجميلة والمزاح المحبوب. ولقد كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أرحم الناس بنسائه وألطفهم معهن ، وقال : «أكمل المؤمنين ايمانا أحسنهم خلقا وألطفهم بأهله». وقال : «خيركم خيركم لنسائه ، وأنا خيركم لنسائي». وقال عمر رضي الله عنه : ينبغي للرجل أن يكون في أهله مثل الصبي ، فاذا التمسوا ما عنده وجدوه رجلا. وروى بعض السلف ان مصاحبة المرأة بالحسنى يدخل فيها أن يتزين الرجل للمرأة بما يليق به من الزينة ، لانها تتزين له.

ويقول القرآن في سورة البقرة :

«وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ»(١).

وهذه العبارة القرآنية البليغة ـ كما جاء في تفسير المنار ـ تعطي الرجل ميزانا يزن به معاملته لزوجته في جميع الشؤون والأحوال ، فاذا هم أن يطالبها بأمر من الامور ، يتذكر أنه يجب عليه مثله بازائه ، ولهذا قال عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما : «انني لأتزين لامرأتي كما تتزين لي» ، وليس المراد بالمثل تماثل أعيان الاشياء وأشخاصها ، وانما المراد ان الحقوق بينهما متبادلة ، وأنهما أكفاء ، فما من عمل تعمله المرأة للرجل الا وللرجل عمل يقابله لها. ان لم يكن مثله في شخصه ، فهو مثله في جنسه ، فهما متماثلان في الحقوق والاعمال ، كما أنهما متماثلان في الذات والاحساس والشعور والعقل ، أي أن كلا منهما

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية ٢٢٨.

٧٧

بشر تام له عقل يتفكر في مصالحه ، وقلب يحب ما يلائمه ويسر به ، ويكره ما لا يلائمه وينفر منه ، فليس من العدل أن يتحكم أحد الصنفين بالآخر ، ويتخذه عبدا يستذله ويستخدمه في مصالحه ، ولا سيما بعد عقد الزوجية ، والدخول في الحياة المشتركة التي لا تكون سعيدة الا باحترام كل من الزوجين الآخر والقيام بحقوقه.

ويقول القرآن بعد ذلك في سورة البقرة :

«فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ»(١).

وهذا حث على حسن المعاشرة للزوجة حتى في حالة الطلاق ، فكأن الآية تقول للرجال : ان الواجب عليكم في حالة الطلاق اما ابقاء الزوجة في الحياة الزوجية ، مع المعاشرة الطيبة الحسنة ، المعروفة عند العقلاء ، واما فراقها بالطلاق الاخير ، مع الاحسان اليها أيضا في المعاملة ، باعطائها كل حقوقها وتمتيعها بمال لائق.

ويعود القرآن في السورة نفسها ليقول :

«وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ، وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا ، وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ»(٢).

أي اذا قاربن انقضاء العدة فعلى الزوج اما أن يستبقي زوجته على الوجه الفاضل الذي أراده الله تعالى ، من القيام بما يجب لها من النفقة

__________________

سورة البقرة ، الآية ٢٢٩.

سورة البقرة ، الآية ٢٣١.

٧٨

وحسن العشرة وغير ذلك ، واما أن يتركها حتى تنقضي عدتها تماما ، فتملك أمر نفسها.

فالنص القرآني هنا قد تضمن ـ كما في لطائف الاشارات ـ الامر بحسن العشرة ، وترك المغايظة مع الزوجة ، وترك المخالفة على وجه اللجاج ، فاما تخلية سبيل من غير جفاء ، واما قيام بحق الصحبة على شرط الوفاء.

واذا كان القرآن يطالب الزوج مرة بعد أخرى بأن يصاحب زوجته ويعاشرها بالمعروف والحسنى ، فان الزوجة مطالبة كذلك بأن تحسن مصاحبتها ومعاشرتها لزوجها ، فقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لو أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها ، لعظم حقه عليها» ، فينبغي أن تكون الزوجة متحلية مع زوجها بفضيلة المصاحبة بالمعروف ، وأن تتنزه عن الرذائل التي لا تليق بها ولا تحسن منها ، أو التي تسبب ضيقا عند الزوج أو تعبا ، ولتتذكر الزوجة أن بعض العرب قال : «لا تنكحوا من النساء ستة أصناف ، لا أنّانة ، ولا منّانة ، ولا جنّانة ، ولا حدّاقة ، ولا برّاقة ، ولا شدّاقة».

والانانة : هي التي تكثر الانين والتشكي ، وتعصب رأسها كل ساعة تظاهرا بالمرض والاعياء.

والمنانة : هي التي تمن على زوجها ، فتقول له : فعلت لك كذا وكذا.

والحنانة : هي التي تحن الى زوج سابق لها ، أو الى ولدها من زوج آخر أمام زوجها الذي تعيش معه.

والحداقة : هي التي ترمي ببصرها وحدقتها الى كل شيء ، تشتهيه ، وتطالب زوجها به.

٧٩

والبراقة : هي التي تقضي أغلب نهارها في صقل وجهها وتزيينه ، ليكون لوجهها بريق ولمعان ، أو هي التي تستقل نصيبها من كل شيء ، أو تغضب على الطعام فلا تأكل الا وحدها ، وهذه لغة يمانية ، يقولون : برقت المرأة الطعام ، اذا غضبت عنده.

والشداقة : المتشدقة الكثيرة الكلام بلا موجب.

ولقد صوّر لنا الغزالي صورة مثالية أخاذة للزوجة التي تعطي نموذجا رائعا في مصاحبة زوجها بالمعروف فقال : «فالقول الجامع في آداب المرأة من غير تطويل : أن تكون قاعدة في قعر بيتها ، لازمة لمغزلها ، لا يكثر صعودها واطلاعها ، قليلة الكلام لجيرانها ، لا تدخل عليهم الا في حال يوجب الدخول ، تحفظ بعلها في غيبته ، وتطلب مسرته في جميع أمورها ، ولا تخونه في نفسها وماله ، ولا تخرج من بيتها الا باذنه ، فان خرجت باذنه فمختفية في هيئة رثة ، تطلب المواضع الخالية دون الشوارع والاسواق ، محترزة من أن يسمع غريب صوتها ، أو يعرفها بشخصها ، لا تتعرف الى صديق بعلها في حاجاتها ، بل تتنكر على من تظن انه يعرفها أو تعرفه. همها صلاح شأنها ، وتدبير بيتها ، مقبلة على صلاتها وصيامها.

واذا استأذن صديق لبعلها ، وليس البعل حاضرا ، لم تستفهم ولم تعاوده في الكلام ، غيرة على نفسها وبعلها ، وتكون قانعة من زوجها بما رزق الله ، وتقدم حقه على حق نفسها وحق سائر أقاربها متنظفة في نفسها ، مستعدة في الاحوال كلها للتمتع بها ان شاء ، مشفقة على أولادها ، حافظة للستر عليهم ، قصيرة اللسان عن سب الاولاد ومراجعة الزوج ، وقد قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أنا وامرأة سعفاء الخدين كهاتين في الجنة : امرأة آمت من زوجها ، وحبست نفسها على بناتها حتى ثابوا أو ماتوا». وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «حرم الله على كل آدمي الجنة يدخلها قبلي ، غير

٨٠