الله صلىاللهعليهوآله فيما أخبر به ، حتى يقول المؤمن الموقن كما قال عامر بن عبد قيس : «لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا». وكما قال بعضهم : رأيت الجنة والنار حقيقة. فعجب من سمعه فقال : وكيف؟. فأجاب : رأيتهما بعيني رسول الله صلىاللهعليهوآله ، ورؤيتي لهما بعينيه آثر عندي من رؤيتي لهما بعينيّ ، فان بصري ، قد يطغى ويزيغ ، بخلاف بصره صلىاللهعليهوآله ، فهو المقول فيه :
«ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى»(١).
* * *
ولقد جاء ذكر اليقين في مواطن كثيرة من القرآن الكريم ، فقال تعالى في سورة البقرة :
«قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ»(٢).
وقال في سورة الرعد :
«يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ»(٣).
وقال في سورة النمل :
«تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ وَكِتابٍ مُبِينٍ ، هُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ ، الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ»
__________________
(١) سورة النجم ، الآية ١٧.
(٢) سورة البقرة ، الآية ١١٨.
(٣) سورة الرعد ، الآية ٢.
«بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ» (١).
وقال في سورة الجاثية :
«هذا بَصائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ»(٢).
والقرآن يحدثنا عن اليقين ، وحق اليقين ، وعلم اليقين ، وعين اليقين ، ويقول العلماء ان اليقين هو الاعتقاد الجازم ، وعلم اليقين هو ما ظهر من الحق ، وهو الدين وأحكامه ، وقبول ما غاب للحق ، وهو الايمان بالغيب كأمور الآخرة ، والوقوف على ما قام بالحق ، كمعرفة أسماء الله وصفاته وأعماله ، وعين اليقين هو معاينة الحق. وحق اليقين هو تذوق الحق والفناء فيه ، وهو مقصور على الرسل صلوات الله وسلامه عليهم.
وهذا هو ابن القيم يحاول أن يقرّب الينا هذا ، فيقول : «الفرق بين علم اليقين وعين اليقين كالفرق بين الخبير الصادق والعيان ، وحق اليقين فوق هذا. وقد مثّلت المراتب الثلاث بمن أخبرك أن عنده عسلا ، وأنت لا تشك في صدقه ، ثم أراك اياه فازددت يقينا ، ثم ذقت منه.
فالأول علم اليقين ، والثاني عين اليقين ، والثالث حق اليقين. فعلمنا الآن بالجنة والنار علم يقين ، فاذا أزلفت الجنة في الموقف للمتقين ، وشاهدها الخلائق ، وبرّزت الجحيم للغاوين ، وعاينها الخلائق ، فذلك عين اليقين ، فاذا أدخل أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار ، فذلك حينئذ حق اليقين».
وفي سورة التكاثر نجد الحق جل جلاله يقول :
__________________
(١) سورة النمل ، الآيات ١ ـ ٣.
(٢) سورة الجاثية ، الآية ٢٠.
«كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ ، لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ، ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ»(١).
وقد علق الاستاذ الامام محمد عبده على الآية الاولى بقوله : «جرت سنة الغافلين اذا نبّهوا ، والذاهلين اذا ذكّروا بعواقب ما هم فيه ، أن يحدّثوا أنفسهم بأنهم يعلمون ذلك ، وأنهم يفعلون ما يفعلون عن يقظة وارشاد بصيرة ، وأنهم محيطون بما ينشأ عن فعالهم ، ويسلّون أنفسهم بذلك ليستمروا في لهوهم.
فحارب الله هذه الهواجس ، وقاتل هذه الخواطر بقوله :
«كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ».
أي ارتدعوا عن تغريريكم بأنفسكم ، بدعوى أنكم تعلمون عاقبة ما أنتم فيه من اللهو بالتكاثر ، فان هذا الذي تسمونه علما ليس على الحقيقة بعلم ، وانما هو وهم وظن ، لا يلبث أن يتغير مهما استحكم عقده من قلوبكم ، لأنه لا يطابق واقعا.
والجدير بأن يسمى علما هو علم اليقين ، أي العلم الذي هو من أفراد اليقين. واليقين هو الاعتقاد الذي يطابق الواقع عن عيان أو دليل صحيح ، مقدماته بديهية أو منتهية الى البديهيات ، بحيث يستحيل تغيره.
والنفس اذا ملكت هذا النوع من العلم ملكا هو ارادتها ، وعاد المصرّف لها في شؤونها. فلو تعلمون هذا العلم لرفعكم عن هذا التكاثر ، ودفعكم الى السعي فيما تصلح به ظواهركم ، وتخلص به لله سرائركم ، وتتحد به في تأييد الحق هممكم ، لأن التحقق من سوء العاقبة ينأى بالنفس عما يفضي اليها ، ويدفعها الى طلب ما هو أحسن منها».
__________________
(١) سورة التكاثر ، الآيات ٥ ـ ٧.
ثم علق الامام على قوله تعالى : «ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ» بقوله : أي لترونّها رؤية هي اليقين نفسه ، وعلم العيان والمشاهدة من أفراد اليقين ، يسمى عين اليقين ، لأنه هو الذي تنتهي اليه جميع العلوم اليقينية ، لأن العلم البرهاني ان لم ينته الى علم عياني لا يعد يقينا ، فالعياني هو ذات اليقين ، وبقية العلوم تضاف اليه متى استوفت شرائطها».
والامام قد ربط بين اليقين العلمي واليقين الاخلاقي ، حينما قرر أن علم اليقين هو الذي يصلح النفس ويصونها من الانحراف ، فهو الذي ينهى النفس عن التكاثر الباطل الزائل ، وهو الذي يدفع الى السعي فيما تصلح به الظواهر وتتطهر السرائر.
* * *
وفي حديث القرآن الكريم عن اليقين عدة ظواهر ، منها ما ربط بين اليقين ومشاهد الكون ، أو بين اليقين والتدبر والنظر في ملكون السموات والارض ، وفي الدلائل والآيات. يقول القرآن في سورة الرعد :
«اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ، ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ ، وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ، كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ، يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ، يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ»(١).
ويقول في سورة الجاثية :
«وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ»(٢).
__________________
(١) سورة الرعد ، الآية ٢.
(٢) سورة الجاثية ، الآية ٤.
ويقول في سورة الطور :
«أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ ، أَمْ خَلَقُوا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ»(١).
ويقول في سورة الذاريات :
«وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ ، وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ ، وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ»(٢).
ومن الظواهر في هذا الحديث الربط بين اليقين والفرائض والواجبات. يقول القرآن في سورة البقرة :
«الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ ، وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ»(٣).
ويقول في سورة لقمان :
«الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ»(٤).
__________________
(١) سورة الطور ، الآيتان ٣٥ و ٣٦.
(٢) سورة الذاريات ، الآيات ٢٠ ـ ٢٢.
(٣) سورة البقرة ، الآيتان ٣ و ٤.
(٤) سورة لقمان ، الآية ٤.
ومن الظواهر الربط بين اليقين والدار الاخرة. يقول القرآن في سورة البقرة : :
«وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ»(١).
ويقول في سورة الرعد :
«لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ»(٢).
ويقول في سورة النمل :
«وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ»(٣).
وكأن اليقين ينبثق من ينبوع البحث والتأمل ، وسعة التدبر والتفكر ، فيغمر نور الايمان قلب الانسان ، ويدفعه ذلك الى أداء الفروض والواجبات ، ويجعله على الدوام متذكرا لقاء الله ، فيحسن الاستعداد لهذا اللقاء.
وهنا يحسن بنا أن نتأمل عبارة للامام الرازي في تفسيره يقول فيها «اليقين هو العلم بالشيء ، بعد أن كان صاحبه شاكا فيه ، فلذلك لا يقول القائل : تيقنت وجود نفسي ، وتيقنت أن السماء فوقي ، لما أن العلم به غير مستدرك. ويقال ذلك في العلم الحادث بالامور ، سواء أكان ذلك العلم ضروريا أو استدلاليا ، فيقول القائل : تيقنت ما أردته بهذا الكلام ، وان كان قد علم مراده بالاضطرار. ويقول : تيقنت أن الاله واحد ، وان كان قد علمه بالاكتساب ، ولذلك لا يوصف الله تعالى بأنه يتيقن الاشياء».
ثم أضاف الرازي في تفسير قوله تعالى : «وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ»
__________________
(١) سورة البقرة ، الآية ٤.
(٢) سورة الرعد ، الآية ٢.
(٣) سورة النمل ، الآية ٣.
هذه العبارة : «ان الله تعالى مدحهم على كونهم متيقنين بالآخرة ، ومعلوم أنه لا يمدح المرء بأن يتيقن وجود الآخرة فقط ، بل لا يستحق المدح الا اذا تيقن وجود الآخرة مع ما فيها من الحساب والسؤال ، وادخال المؤمنين الجنة ، والكافرين النار.
روي عنه عليهالسلام أنه قال : يا عجبا من الشاك في الله ، وهو يرى خلقه ، وعجبا ممن يعرف النشأة الاولى ثم ينكر النشأة الآخرة ، وعجبا ممن ينكر البعث والنشور ، وهو في كل يوم وليلة يموت ويحيا ـ يعني النوم واليقظة ـ وعجبا ممن يؤمن بالجنة وما فيها من النعيم ثم يسعى لدار الغرور ، وعجبا من المتكبر الفخور ، وهو يعلم أن أوله نطفة مذرة ، (١) وآخره جيفة قذرة».
* * *
وتقبل مائدة السنة النبوية المطهرة ، فاذا هي تعطي فضيلة اليقين ما تستحقه من عناية ، فيقول الرسول عليه الصلاة والسلام : «سلوا الله تعالى العفو والعافية ، واليقين في الدنيا والآخرة». ويرد في كتاب «مدارج السالكين» لابن القيم هذا الحديث : «لا ترضين أحدا بسخط الله ، ولا تحمدن أحدا على فضل الله ، ولا تذمن أحدا على ما لم يؤتك الله ، فان رزق الله لا يسوقه اليك حرص حريص ، ولا يرده عنك كراهية كاره ، وان الله بعدله وقسطه جعل الرّوح والفرح في الرضى واليقين ، وجعل الهم والحزن في الشك والسخط».
ويروي الترمذي وأحمد قول رسول الله صلىاللهعليهوآله : «ادعوا الله وأنتم موقنون بالاجابة».
ولقد ضرب أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام أمثلة باهرة في
__________________
(١) مذرة : قذرة فاسدة.
التحلي بفضيلة اليقين ، ومنهم المجاهد الشهيد العارف بربه : حارثة بن سراقة الانصاري الذي قلت عنه في كتابي : «فدائيون في تاريخ الاسلام» هذه العبارة : «وكان حارثة شابا نقيا ، انشرح صدره لهدى الله تعالى ، فاستحوذ عليه وتمكن منه ، فهو لا يفكر ولا ينطق ولا يعمل ولا يتحرك ولا يسلك الا في نطاق الايمان والمراقبة والمعرفة بالله عزوجل.
ولقد لقيه الرسول صلىاللهعليهوآله ذات صباح فقال له : كيف أصبحت يا حارثة؟.
فأجاب : أصبحت مؤمنا حقا.
فقال له النبي : انظر ماذا تقول يا حارثة؟ فان لكل قول حقيقة.
فقال حارثة : يا رسول الله ، عزفت نفسي عن الدنيا ، فأسهرت ليلي ، وأظمأت نهاري ، وكأني بعرش ربي عزوجل بارزا ، وكأني أنظر الى أهل الجنة يتزاورون فيها ، وكأني أنظر الى أهل النار يتعاوون فيها.
فأعجب الرسول صلىاللهعليهوآله بجوابه وقال له : يا حارثة ، عرفت فالزم.
ثم أضاف الرسول قوله مشيرا الى حارثة : «عبد نوّر الله الايمان في قلبه» (١).
* * *
ولفضيلة اليقين ثمراتها العظمى عند الله عزوجل ، فالقرآن الكريم يدلنا على أن فضيلة اليقين تصل بصاحبها الى الهداية في الدنيا والفلاح في الآخرة ، فيقول عن المتقين في سورة البقرة :
__________________
(١) كتاب «فدائيون في تاريخ الاسلام» ، ص ٢٨٤ نشر دار الرائد العربي.
«وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ ، وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ، أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ»(١).
وفي مقابل هؤلاء السعداء يوجد أهل الخيبة والشقاء ، وهم أهل الشك والظن الذين حرموا نعمة اليقين ولذلك يقولون :
«إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ»(٢).
ومن ثمرات فضيلة اليقين استمرار الارتباط بحمى الله عزوجل ، وبذلك يصدق المرء في توكله ، ومن هنا قال الحق تبارك وتعالى :
«فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ ، إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ».
وبذلك يدفع اليقين صاحبه الى الاقدام وركوب الاهوال والاخطار بلا خوف أو وجل ، ولعل هذا هو بعض ما نفهمه من قول الله سبحانه في سورة يونس :
«أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ، الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ ، لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ ، لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللهِ ، ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ»(٣).
__________________
(١) سورة البقرة ، الآيتان ٤ و ٥.
(٢) سورة الجاثية ، الآية ٣٢.
(٣) سورة يونس ، الآيات ٦٢ ـ ٦٤.
ولذلك يرى الصوفية أن اليقين لا يساكن قلبا فيه سكون الى غير الله تعالى ، وأن أول مقام اليقين هو الثقة بما في يد الله تعالى ، واليأس مما في أيدي الناس. ويقول أبو بكر الوراق : «اليقين نور يستضيء به العبد في أحواله فيبلغه الى درجات المتقين». ويقول أبو علي الروذباري : «أنفع اليقين ما عظّم الحق في عينيك ، وصغّر ما دونه عندك ، وأنبت الخوف والرجاء في قلبك». وأساس اليقين هو اخلاص التوحيد ، ولذلك يقول أبو الحسين النيسابوري : «اليقين ثمرة التوحيد ، فما صفا في التوحيد صفا له في اليقين».
الدعوة الى الخير
مادة «الدعوة» فيها معنى النداء والطلب ، يقال : دعا بالشيء ، طلب احضاره ، ودعا الى الشيء حثّ عليه ، ودعاهم الى الهدى وجههم اليه. ومادة «الخير» فيها معنى الاختيار والتفضيل والتقديم. يقال : خار الانسان الشيء على غيره فضّله وانتقاه ، وكذلك تخير واختار. والخير ما فيه نفع وصلاح ، وما هو ضد الشر بوجه عام. وقد يطلق على ما هو أداة للنفع والصلاح ، كالمال والخيل ، ولذلك يقول القرآن :
«قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ»(١).
ويقول :
«فَقالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي»(٢).
فالخير في الآية يقصد به الخيل كما ذكر أهل التفسير. و «الخيرات» هي الامور الصالحة الفاضلة.
__________________
(١) سورة البقرة ، الآية ٢١٥.
(٢) سورة ص ، الآية ٣٢.
والدعوة الى الخير فضيلة اسلامية قرآنية تجعل صاحبها داعية من دعاة الصلاح والاصلاح ، ومعوانا على تقوية جانب الخير والبر ، ومقاومة الشر والاثم ، وقد أمر القرآن الكريم بهذه الفضيلة حين قال في سورة آل عمران :
«وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ ، وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ ، وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ، وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ»(١).
أي : ولتكونوا أمة تدعو الى الخير ، أو ليتحقق فيكم ومنكم وبكم أمة تدعو الى الخير. وهذه كما يعبّر القشيري ـ اشارة الى أقوام قاموا بالله لله ، لا تأخذهم لومة لائم ، ولا تقطعهم عن الله استنامة الى علة وقفوا جملتهم على دلالات أمره ، وقصروا أنفاسهم على طاعته ، واستفرقوا أعمارهم على تحصيل رضاه ، عملوا لله ونصحوا الدين لله ، ودعوا خلق الله الى الله ، فربحت تجارتهم ، وما خسرت صفقتهم.
والدعوة الى الخير هي دعوة الى الله ، ودعوة الى سبيله ، لأن الله جل جلاله لا يدعو الا الى الخير ، ولا يأمر الا بالبر ، والقرآن يقول في سورة الحج :
«وَادْعُ إِلى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلى هُدىً مُسْتَقِيمٍ»(٢).
ويقول في سورة القصص :
«وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آياتِ اللهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ
__________________
(١) سورة آل عمران ، الآية ١٠٤.
(٢) سورة الحج ، الآية ٦٧.
وَادْعُ إِلى رَبِّكَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ»(١).
ويقول في سورة فصلت :
«وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ»(٢).
ومن جلال هذه الصفة الكريمة نجد كتاب الله المجيد يحدثنا بأنها صفة من صفات الخالق الحميد ، فقال في سورة الأنفال :
«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ»(٣).
ويقول في سورة البقرة :
«وَاللهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ»(٤).
وفي سورة يونس :
«وَاللهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ»(٥).
__________________
(١) سورة القصص ، الآية ٨٧.
(٢) سورة فصلت ، الآية ٣٣.
(٣) سورة الانفال ، الآية ٢٤.
(٤) سورة البقرة ، الآية ٢٢١.
(٥) سورة يونس ، الآية ٢٥.
وفي سورة ابراهيم :
«قالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ»(١).
والدعوة الى الخير من وظيفة الانبياء والمرسلين عليهم صلوات الله وسلامه أجمعين ، ففي سورة يوسف نجد الحق جل علاه يقول لخاتم المرسلين محمد :
«قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحانَ اللهِ وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ»(٢).
وفي سورة الرعد :
«قُلْ إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُوا وَإِلَيْهِ مَآبِ»(٣).
وفي سورة المؤمنون :
«وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ»(٤).
وفي سورة الأحزاب يقول له :
«يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً
__________________
(١) سورة ابراهيم ، الآية ١٠.
(٢) سورة يوسف ، الآية ١٠٨.
(٣) سورة الرعد ، الآية ٣٦.
(٤) سورة المؤمنون ، الآية ٧٣.
وَداعِياً إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً»(١).
وفي سورة الشورى :
«فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ»(٢).
وهذا نوح عليهالسلام يحدثنا بأنه دعا قومه فأطال الدعوة ، وصبر عليها طويلا برغم اعراضهم وفرارهم واستكبارهم :
«قالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهاراً ، فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً ، وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً ، ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهاراً ، ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْراراً»(٣).
والدعوة الى الخير كانت صفة الاخيار من عباد الله ، فهذا هو مؤمن آل فرعون يقول فيما يقول في سورة غافر :
«وَيا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ ، تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللهِ وَأُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ ، لا جَرَمَ أَنَّما تَدْعُونَنِي
__________________
(١) سورة الاحزاب ، الآيتان ٤٥ و ٤٦.
(٢) سورة الشورى ، الآية ١٥.
(٣) سورة نوح ، الآيات ٥ ـ ٩.
إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا وَلا فِي الْآخِرَةِ ، وَأَنَّ مَرَدَّنا إِلَى اللهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحابُ النَّارِ ، فَسَتَذْكُرُونَ ما أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ»(١).
* * *
ومجال الدعوة الى الخير واسع فسيح ، يشمل الدعوة الى الاسلام ، لأنه هدى الله لعباده ، ويشمل الدعوة الى الطهارة والاخلاص في القول والعمل ، ويشمل الدعوة الى مقاومة الأهواء والشهوات ، ويشمل الدعوة الى ما فيه مصلحة الفرد والجماعة.
وهذه الدعوة قد تأخذ شكلا عاما ، كالدعوة التي تقوم بها الأمة المؤمنة لغيرها من الأمم ، عن طريق هيئات الارشاد وجماعات النصح والتوجيه ، وقد تكون هذه الدعوة خاصة يقوم بها فرد لفرد ، أو فرد لجماعة ، وقد تكون بين الغرباء ، وقد تكون بين الاخوة أو الاصدقاء ، وها هو ذا الغزالي يقرر أن من حقوق الاخوة عليك أن تدعو أخاك الى الخير ، ويرسم الطريق الى ذلك ، ويحذر من بعض معاطيه ، ليسلم السائر فيه ، ويقول فيما يقول :
«فليست حاجة أخيك الى العلم بأقل من حاجته الى المال ، فان كنت غنيا بالعلم فعليك مواساته من فضلك ، وارشاده الى كل ما ينفعه في الدين والدنيا ، فان علّمته وأرشدته ، ولم يعمل بمقتضى العلم ، فعليك النصيحة ، وذلك بأن تذكر آفات ذلك الفعل ، وفوائد تركه ، وتخوفه بما يكرهه في الدنيا والآخرة ، لينزجر عنه ، وتنبهه على عيوبه ، وتقبّح القبيح في عينه ، وتحسّن الحسن.
__________________
(١) سورة غافر ، الآيات ٤١ ـ ٤٤.
ولكن ينبغي أن يكون ذلك في سر ، لا يطلع عليه أحد ، فما كان على الملأ فهو توبيخ وفضيحة ، وما كان في السر فهو شفقة ونصيحة ، اذ قال صلىاللهعليهوسلم : (المؤمن مرآة المؤمن) أي يرى منه ما لا يرى من نفسه ، فيستفيد المرء بأخيه معرفة عيوب نفسه ، ولو انفرد لم يستفد. كما يستفيد بالمرآة الوقوف على عيوب صورته الظاهرة.
وقال الشافعي رضي الله عنه : من وعظ أخاه سرّا فقد نصحه وزانه ، ومن وعظه علانية فقد فضحه وشانه. وقيل لمسعر : أتحب من يخبرك بعيوبك؟. فقال : ان نصحني فيما بيني وبينه فنعم ، وان قرّعني بين الملأ فلا.
وقد صدق فان النصح على الملأ فضيحة ، والله تعالى يعاتب المؤمن يوم القيامة تحت كنفه في ظل ستره ، فيوقفه على ذنوبه سرا ، وقد يدفع كتاب عمله الى الملائكة الذين يحفون به الى الجنة ، فاذا قاربوا باب الجنة أعطوه الكتاب مختوما ليقرأه.
وأما أهل المقت فينادون على رؤوس الاشهاد ، وتستنطق جوارحهم بفضائحهم ، فيزدادون بذلك خزيا وافتضاحا ، ونعوذ بالله من الخزي يوم العرض الأكبر».
ورسول الله ـ عليه الصلاة والسلام ـ يحث أقوى الحث على أن تكون الدعوة الى الخير شعار المؤمنين المهتدين ، ويحرض على بث ما لدى الانسان من علم أو فقه ، ليكون ذلك حقا ميسورا يبلغ أهليه ومستحقيه ، ولذلك قال : «لا تمنعوا العلم أهله ، فان في ذلك فساد دينكم ، والتباس بصائركم» ثم تلا قوله تعالى في سورة البقرة :
«إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ
بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ ، إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ»(١).
* * *
ولقد رسم التنزيل الحكيم الطريقة المثلى للدعوة الى الخير ، فقال في سورة النحل :
«ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ، إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ»(٢).
ويعلّق الامام الرازي في تفسيره على هذه الآية الكريمة فيقول : «أهل العلم ثلاث طوائف : الكاملون الطالبون للمعارف الحقيقية والعلوم اليقينية ، والمكالمة مع هؤلاء لا تمكن الا بالدلائل القطعية اليقينية ، وهي الحكمة».
والقسم الثاني الذي تغلب على طباعهم المشاغبة والمخاصمة ، لا طلب المعرفة الحقيقية والعلوم اليقينية ، والمكالمة اللائقة بهؤلاء المجادلة التي تفيد الافحام والالزام.
وهذان القسمان هما الطرفان ، فالاول هو طرف الكمال ، والثاني طرف النقصان.
__________________
(١) سورة البقرة ، الآيتان ١٥٩ و ١٦٠.
(٢) سورة النحل ، الآية ١٢٥.
وأما القسم الثالث فهو الواسطة ، وهم الذين ما بلغوا في الكمال الى حد الحكماء المحققين ، ولا في النقصان والرذالة الى حد المشاغبين المخاصمين ، بل هم أقوام بقوا على الفطرة الاصلية والسلامة الخلقية ، وما بلغوا الى درجة الاستعداد لفهم الدلائل اليقينية والمعارف الحكمية ، والمكالمة مع هؤلاء لا تمكن الا بالموعظة الحسنة ، وأدناها المجادلة.
وأعلى مراتب الخلائق الحكماء المحققون ، وأوسطهم عامة الخلق ، وهم أرباب السلامة ، وفيهم الكثرة والغلبة ، وأدنى المراتب الذين جبلوا على طبيعة المنازعة والمخاصمة ، فقوله تعالى : «ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ» معناه : ادع الاقوياء الكاملين الى الدين الحق بالحكمة ، وهي البراهين القطعية اليقينية ، وعوام الخلق بالموعظة الحسنة وهي الدلائل اليقينية الاقناعية الظنية ، وتكلم مع المشاغبين بالجدل على الطريق الأحسن الأكمل».
ثم يعلّق على قوله : «ان ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين» بالعبارة التالية :
«انك مكلف بالدعوة الى الله تعالى بهذه الطرق الثلاثة ، فأما حصول الهداية فلا يتعلق بك ، فهو تعالى أعلم بالضالين وأعلم بالمهتدين. والذي عندي في هذا الباب أن جواهر النفوس البشرية مختلفة بالماهية ، فبعضها نفوس مشرقة صافية ، قليلة التعلق بالجسمانيات ، كثيرة الانجذاب الى عالم الروحانيات ، وبعضها مظلمة كدرة قوية التعلق بالجسمانيات ، عديمة الالتفات الى الروحانيات.
ولما كانت هذه الاستعدادات من لوازم جواهرها ، لا جرم يمتنع انقلابها وزوالها ، فلهذا قال تعالى : اشتغل أنت بالدعوة ، ولا تطمع في حصول الهداية للكل ، فانه تعالى هو العالم بضلال النفوس الضالة الجاهلة ، واباشراق النفوس المشرقة الصافية ، فلكل نفس فطرة مخصوصة وماهية
مخصوصة ، كما قال : (فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله) والله أعلم».
ونستطيع أن نقول ان الآية الكريمة السابقة كأنها تقرر أن الداعي الى سبيل الله ، لا يدعو لغرض ولا لمرض ، ولا لجنسية أو عصبية ، ولا لمأرب أو مطلب ، وانما هو يدعو الى سبيل ربه ، وابتغاء وجهه ، وتطلعا الى مرضاته ورضوانه ، وهو حين يدعو يدعو على بصيرة ، فهو ـ كما ذكر العلماء ـ يدرس ظروف المدعوين ونفسياتهم ، ويتعرف ما يناسبهم من الدعوة والنصيحة ، ويختار الطريقة التي توائم وتلائم. وهو يسير في دعوته الى الخير على بصر وحذر وحكمة.
وهو أيضا في دعوته الى الخير يختار الموعظة الحسنة التي تتألف القلوب ، وتستهوي النفوس ، وتخالط المشاعر برفق ولطف ، وهو يجادل من يتطلب المجادلة بالطريقة المثلى التي هي أحسن أنواع الجدال ، فهو لا يتحامل ولا يتعنت ولا يقسو ، وهو لا يحرص على الغلبة والانتصار ، بل كل همه هو الاهتداء الى الحق والانتهاء الى الخير.
* * *
والقرآن الكريم يرسم الطريقة المثلى للين الدعوة الى الخير حين يقول لموسى وهارون في سورة طه :
«اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي وَلا تَنِيا فِي ذِكْرِي ، اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى ، فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى ، قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا