موسوعة أخلاق القرآن - ج ٣

الدكتور أحمد الشرباصي

موسوعة أخلاق القرآن - ج ٣

المؤلف:

الدكتور أحمد الشرباصي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الرائد العربي
الطبعة: ٣
الصفحات: ٢٧٩

كما رأينا في قول الله تبارك وتعالى في سورة آل عمران :

«وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ ، وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ ، وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ، وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ»(١).

ولقد قرر القرآن المجيد ان الله جل جلاله ينهى عن المنكر ، فقال في سورة النحل :

«إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ»(٢).

والمنكر هنا ـ كما ذكر أهل التفسير ـ قيل انه الشرك ، وقيل انه ما لا يعرف في شريعة ولا سنة ، وقيل انه ما توعد الله عليه بالعذاب في النار ، وقيل ان المنكر هو أن تكون علانية الانسان أحسن من سريرته.

ومهما تتعدد الاقوال في تفسير المنكر ، فكلها تدل على أنه الامر القبيح الباطل المؤدي الى السوء ، ولا يهمنا هنا تعديد الاقوال في معنى المنكر ، بقدر ما يهمنا أن نلحظ التمجيد القرآني لفضيلة النهي عن المنكر ، حين يخبرنا باسناد النهي عن المنكر الى الله عزت أسماؤه وتقدست صفاته.

وهذه الفضيلة كذلك يعدها القرآن العظيم صفة من صفات رسول الله عليه الصلاة والسلام ، فيقول في سورة الاعراف :

«الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ ، يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ، وَيَنْهاهُمْ

__________________

(١) سورة آل عمران ، الآية ١٠٤.

(٢) سورة النحل ، الآية ٩٠.

٢٢١

عَنِ الْمُنْكَرِ ، وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ ، وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ ...»(١)

أي يأمرهم ـ كما يعبّر أهل التفسير ـ بالحق ومكارم الاخلاق وصلة الارحام ، وينهاهم عن المنكر وعبادة الاوثان والرذائل وقطع الارحام. واذا كان النهي عن المنكر صفة من صفات النبوة والرسالة ، فما أجدر الاتباع بأن يتخذوا من رسولهم أسوة وقدوة ، فينهجوا نهجه ، ويتبعوا سنته ، وهو القائل : «عليكم بسنتي».

والقرآن المجيد يحدثنا كذلك بأن النهي عن المنكر فضيلة من فضائل المؤمنين ، فيقول في سورة التوبة :

«وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ ، يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ ، وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ»(٢).

أي يوالي بعضهم بعضا ، فهم اخوة ، وهم أمة واحدة ، يأمرون بالايمان ، وينهون عن الكفران ، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول : «المسلمون تتكافأ دماؤهم ، ويسعى بذمتهم أدناهم ، وهم يد على من سواهم».

ويؤكد القرآن وصف المؤمنين بفضيلة النهي عن المنكر ، فيعود ليقول عنهم في سورة التوبة أيضا :

«التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ

__________________

(١) سورة الاعراف ، الآية ١٥٧.

(٢) سورة التوبة ، الآية ٧١.

٢٢٢

وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ»(١).

فهم يأمرون بالمعروف وهو الطاعة ، وهم ينهون عن المنكر وهو المعصية.

وحينما أراد لقمان أن يوصي ابنه تلك الوصية الجليلة التي سجلها القرآن وخلدها ، لم ينس لقمان أن ينصح ابنه بأن يتحلى بفضيلة النهي عن المنكر ، فقال له فيما قال في سورة لقمان :

«يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ ، وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ ، وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ ، وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ ، إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ»(٢).

أي أقم الصلاة بحدودها وفروضها وأوقاتها ، وأمر بالمعروف ، وانه عن المنكر بحسب طاقتك وجهدك ، واصبر على ما أصابك. وانما دعا القرآن هنا الى الصبر على المصيبة ، لأن الآمر بالمعروف ، الناهي عن المنكر ، لا بد أن يناله من الناس أذى ، وقوله : «إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ» فيه اشارة الى أن الصبر على أذى الناس في هذا المجال من الامور التي تحتاج الى عزيمة وثبات.

* * *

واذا كان كتاب الله عزوجل قد مجّد فضيلة النهي عن المنكر هذا لتمجيد ، فانه دعا بالويل والثبور على الذين يدعون الى الباطل أو يأمرون بالمنكر. وجعل القرآن ذلك من صفات الشيطان ونزغاته ، فقال في سورة النور :

__________________

(١) سورة التوبة ، الآية ١١٢.

(٢) سورة لقمان ، الآية ١٧.

٢٢٣

«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ. وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ»(١)

وكذلك جعل القرآن المجيد رذيلة الامر بالمنكر من صفات المجرمين المنافقين فقال في سورة التوبة :

«الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ ، يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ ، وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ»(٢).

وجعل القرآن عدم التناهي عن المنكر من صفات الملعونين المطرودين من اليهود ، فقال في سورة المائدة :

«لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ، ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ ، كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ»(٣).

كانوا لا ينهى بعضهم بعضا عن المنكر ، فهم لا يتناهون عن أكل الرشوة في الحكم ، ولا عن أكل الربا ، ولا عن غير ذلك من القبائح ، ولقد روى أبو داود والترمذي وأحمد أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «ان الرجل من بني اسرائيل كان اذا رأى أخاه على الذنب نهاه عنه تعذيرا ، فاذا كان الغد لم يمنعه ما رأى منه أن يكون أكيله وخليطه وشريبه ،

__________________

(١) سورة النور ، الآية ٢١.

(٢) سورة التوبة ، الآية ٦٧.

(٣) سورة المائدة ، الآية ٧٨ ، ٧٩.

٢٢٤

فلما رأى الله تعالى ذلك منهم ضرب بقلوب بعضهم على بعض ، ولعنهم على لسان داود وعيسى بن مريم».

والسنة النبوية تحدثنا بأن النهي عن المنكر في بعض الاحوال يكون سببا في رفع صاحبه الى أعلى الدرجات ، فيقول الرسول عليه الصلاة والسلام : «خير الشهداء حمزة بن عبد المطلب ، ثم رجل قام الى إمام فأمره ونهاه في ذات الله تعالى فقتله على ذلك». ويقول أيضا : «أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر». وفي رواية أخرى لأبي داود : «أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر أو أمير جائر».

* * *

والنهي عن المنكر له مراتب ، تبدأ بتنبيه من يفعل المنكر الى أن هذا منكر ، فقد يكون فاعل المنكر جاهلا أنه منكر ، ويكون هذا التنبيه بلطف وحكمة ، لأن التعريف بالخطأ مهمة حساسة ، فان الناهي قد تستولي عليه شهوة النقد والاعتراض ، أو حبّ الظهور بمظهر التعليم والتوصية ، ولذلك يقول الامام الغزالي عن الناصح الناهي :

«وهاهنا آفة عظيمة ينبغي أن يتوقاها ، فانها مهلكة ، وهي أن العالم يرى عند التعريف عزّ نفسه بالعلم ، وذلّ غيره بالجهل ، فربما يقصد بالتعريف الاذلال واظهار التمييز بشرف العلم ، واذلال صاحبه بالنسبة الى خسة الجهل ، فان كان الباعث هذا فهذا المنكر أقبح في نفسه من المنكر الذي يعترض عليه ، ومثال هذا المحتسب مثال من يخلّص غيره من النار باحراق نفسه ، وهو غاية الجهل ، وهذه مذلة عظيمة وغائلة هائلة ، وغرور للشيطان يتدلى بحبله كل انسان ، الا من عرّفه الله عيوب نفسه ، وفتح بصيرته بنور هدايته ، فان في الاحتكام على الغير لذة للنفس عظيمة من وجهين :

٢٢٥

أحدهما من جهة دالة العلم ، والآخر من جهة دالة الاحتكام والسلطنة ، وذلك يرجع الى الرياء وطلب الجاه ، وهو الشهوة الخفية الداعية الى الشرك الخفي».

ثم تأتي مرحلة التخويف بعد مرحلة التعريف ، فاذا أفهم الناصح من بخطىء خطأه وعرّفه انحرافه ، ولم يرتدع المخطئ ، فان الناصح ينتقل الى تحذيره وتخويفه ، بقدر ما يصلح معه ذلك ، ثم تأتي مرحلة التهديد والوعيد ، ثم تأتي مرحلة تغيير المنكر باليد ان كان ذلك في قدرته وطاقته واختصاصه ، ولم يؤد التغيير الى شر مماثل لشر الخطأ الواقع ، أو الى شر أكبر منه.

وهنا نتذكر الحديث النبوي القائل : «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فان لم يستطع فبلسانه ، فان لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الايمان». وقد قال بعض العلماء ان التغيير للمنكر باليد هو وظيفة الحكام وأهل السلطة التي تقدر على التغيير المصلح ، وان الانكار باللسان هو وظيفة أهل العلم والموعظة ، وان الانكار بالقلب هو واجب المسلم الذي لا قدرة له على التغيير ولا قدرة له على النصح والوعظ ..

ولقد ذكر الامام محمد عبده ان الناس يخلطون بين «النهي عن المنكر» و «تغيير المنكر» ، وهذا شيء آخر غير النهي البتة ، ثم قال : «فان النهي عن الشيء انما يكون قبل فعله ، والا كان رفعا للواقع ، أو تحصيلا للحاصل. فاذا رأيت شخصا يغش السمن مثلا ، وجب عليك تغيير ذلك ، ومنعه منه بالفعل ان استطعت ، فالقدرة والاستطاعة هنا مشروطة بالنص ، فان لم تقدر على ذلك وجب عليك التغيير باللسان ، وهو غير خاص بنهي الغاش ووعظه ، بل يدخل فيه رفع أمره الى الحاكم الذي يمنعه بقدرة فوق قدرتك.

وللنهي طرق كثيرة وأساليب متعددة ، ولكل مقام مقال».

٢٢٦

ثم أضاف الامام : «نعم ان دعوة الامة غيرها من الامم الى الخير الذي هي عليه لا يطالب به كل فرد بالفعل ، اذ لا يستطيع كل فرد ذلك ، وانما يجب على كل فرد ان يجعل ذلك نصب عينيه ، حتى اذا عنّ له بأن لقي أحدا من أفراد تلك الامم دعاه ، لا أنه ينقطع لذلك ويسافر لأجله.

وانما يقوم بهذا طائفة يعدون له عدته ، وسائر الافراد يقومون به عند الاستطاعة ، فهو يشبه فريضة الحج ، هي فرض عين ، ولكن على المستطيع ، وفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر آكد من فريضة الحج ، ولم يشترط فيها الاستطاعة ، لأنها مستطاعة دائما».

وللناهي عن المنكر صفات يتحلى بها ، ليكون نهيه مثمرا ، ومن هذه الصفات أن يكون على علم ومعرفة ، حتى لا ينهى بجهل ، ولا يعترض بطيش ، وحتى لا يعرض نفسه للمؤاخذة والتسفيه ، فان من أشد الامور على الناس أن يتهجم جاهل أو أحمق بالاعتراض على غيره ، واتهامه بأنه على منكر ، ثم تنكشف الحقيقة عن أن الأمر ليس منكرا ، وانما جاء الاتهام بالمنكر من قبل ذلك الجاهل الاحمق الذي اندفع يعترض على الناس ويتهمهم ، وهو محتاج الى التعليم والتقويم.

ومن هذه الصفات أن يكون الناهي عن المنكر منتهيا عنه قبل أن ينهى الناس ، أو حين ينهي الناس على الاقل ، ولذلك قال القائل الحكيم :

لا تلم المرء على فعله

وأنت منسوب الى مثله

من ذم شيئا وأتى مثله

فانما يزري على عقله

ومن صفات الناهي أن يكون دمث الاخلاق حليم النفس لين الحديث ، وتاريخ الاخلاق يذكر لنا أن واعظا من الوعاظ تحدث الى المأمون بنصيحة ، فأغلظ فيها ، فقال له المأمون : أيها الرجل ، ترفق ، فقد بعث الله من هو خير منك الى من هو شرّ مني ، وأمره بالرفق ، لقد بعث الله موسى

٢٢٧

وهارون الى فرعون وقال لهما :

«فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى»(١).

* * *

والنهي عن المنكر يسوغ اذا تحققت عدة أمور ، منها أن يكون المنهي عنه منكرا في الشريعة بالفعل ، وليس موضع اجتهاد أو خلاف ، وأن يكون المنكر واقعا ، لأنه لا معنى للنهي عن شيء لم يقع ، اللهم الا اذا كان يحذر من أمر ينتظر وقوعه ، فيكون موقفه حينئذ موقف من ينصح ويوجه ويحذر ، لا موقف من ينهي عن منكر. وأن يكون المنكر ظاهرا لا مستورا ، وأن يعرفه الناهي دون تحبس منه ، لأنه لا يحق للناهي عن المنكر أن يتجسس لكي يعرف أين المنكر ، فلا يحق له مثلا أن يسترق السمع ، أو يتجسس بالشم ليدرك وجود الخمر مثلا ، أو يسائل غيره عن دخائل الناس وأسرارهم ، والقرآن الكريم يقول في سورة الحجرات :

«وَلا تَجَسَّسُوا»(٢).

ويقول الرسول عليه الصلاة والسلام : «يا معشر من آمن بلسانه ، ولم يدخل الايمان قلبه ، لا تتبعوا عورات الناس لتفضحوهم ، فان من تتبع عورات غيره تتبع الله عورته ، ومن تتبع الله عورته فضحه ولو في عقر بيته».

ولقد روي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضوان الله عليه أنه تسلق دار رجل ظن به ريبة ، فرآه على حالة منكرة ، فأنكر عليه ، فقال له

__________________

(١) سورة طه ، الآية ٤٤.

(٢) سورة الحجرات ، الآية ١٢.

٢٢٨

الرجل : يا أمير المؤمنين ، ان كنت أنا قد عصيت الله من وجه واحد ، فأنت قد عصيته من ثلاثة أوجه.

فقال عمر : وما هي؟.

قال الرجل : قد قال الله تعالى : «وَلا تَجَسَّسُوا» وأنت قد تجسست.

وقال الله تعالى :

«وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها»(١).

وأنت قد تسورت السطح.

وقال الله تعالى :

«لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها»(٢).

وأنت ما سلمت!!.

فتركه عمر بعد أن شرط عليه التوبة مما فعل. ثم شاور عمر الصحابة رضوان الله عليهم. فسألهم وهو على المنبر عن الامام اذا شاهد بنفسه منكرا ، فهل له اقامة الحد فيه ، فذكره علي رضوان الله عليه بأن ذلك منوط بشاهدين عدلين ، ولا يكفي فيه واحد!.

وفضيلة النهي عن المنكر لها ثمرة عظيمة عند الله عزوجل ، هي النجاة من العذاب حين يؤخذ المجرمون بأشد العقاب ، وها نحن أولاء نجد القرآن الكريم يقول في سورة الأعراف :

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية ١٨٩.

(٢) سورة النور ، الآية ٢٧.

٢٢٩

«فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ ، وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ»(١).

والناهون عن السوء هم الناهون عن المنكر ، وقد رأينا الله تعالى ينقذهم وينجيهم حين أخذ الظالمين الفاسقين بعذاب شديد.

وكذلك يقول الحق جل جلاله في سورة هود :

«فَلَوْ لا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ ، إِلَّا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ ، وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ما أُتْرِفُوا فِيهِ وَكانُوا مُجْرِمِينَ»(٢).

أي : هلّا كان من القرون من قبلكم أهل بقية ، أي أصحاب دين ، وفيهم مسكة من الخير ، وفيهم تمييز وطاعة وفضل ، ولكن الله سبحانه أنجى جماعة قليلة ، هم الذين كانوا ينهون عن المنكر وعن الفساد في الارض. وهكذا يمنح الله أصحاب هذه الفضيلة ثوابه حين يشتد العذاب على الآخرين.

وصلوات الله وسلامه على رسوله حين قال فيما يرويه أبو داود عن ابن مسعود :

«ان أول ما دخل النقص على بني اسرائيل : كان الرجل يلقى الرجل فيقول : يا هذا ، اتق الله ودع ما تصنع (أي من المنكرات) فانه لا يحل

__________________

(١) سورة الاعراف ، الآية ١٦٥.

(٢) سورة هود ، الآية ١١٦.

٢٣٠

لك ، ثم يلقاه من الغد فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده (أي يأكل معه ويشرب معه ويقعد معه) فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض. كلا والله لتأمرن بالمعروف ، ولتنهنّ عن المنكر ، ولتأخذنّ على يد الظالم ، ولتأطرنّه على الحق أطرا (أي تحملونه عليه حملا) ، أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض ، ثم يلعنكم كما لعنهم».

وفي رواية لأحمد والترمذي : «لما وقعت بنو اسرائيل في المعاصي ، فنهتهم علماؤهم فلم ينتهوا ، فجالسوهم وآكلوهم وشاربوهم ، فضرب الله قلوب بعضهم ببعض ، ولعنهم على لسان داود وعيسى بن مريم ، ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ، لا والذي نفسي بيده حتى تأطروهم على الحق أطرا».

نسأل الحق جل جلاله أن يجعلنا من الذين يدعون الى الخير ، ويأمرون بالمعروف ، وينهون عن المنكر ، وأولئك هم المفلحون.

٢٣١

عظة بالغة في الدعوة الى الخير ،

والامر بالمعروف ، والنهي عن المنكر.

بمناسبة حديثي عن الفضائل القرآنية الثلاث : «الدعوة الى الخير» ، و «الأمر بالمعروف» و «النهي عن المنكر» رأيت أن أسجل هنا عظة بالغة للامام الاوزاعي ، وعظ بها الخليفة العباسي أبا جعفر المنصور ، وفيها يدعو الاوزاعي ـ بلغته البليغة ـ الى الخير ، ويأمر بالمعروف ، وينهى عن المنكر.

وهذه العظة قد أوردها الامام الغزالي في كتابه «احياء علوم الدين» (١) ، كما أوردها أبو نعيم الأصبهاني في كتابه «حلية الأولياء» (٢). وبين الروايتين اختلاف يسير في طائفة من الكلمات. وقد علّقت على العظة بما اقتضاه المقام.

__________________

(١) احياء علوم الدين ، ج ٧ ص ٧٧ ـ ٨٢ طبعة لجنة نشر الثقافة الاسلامية سنة ١٣٥٦ ه‍.

(٢) حلية الاولياء ، ج ٦ ص ١٣٦ ـ ١٤٠ طبعة مطبعة السعادة ١٣٥٤ ه‍ ـ ١٩٣٥ م.

٢٣٢

والأوزاعي (١) هو الامام أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو بن يحمد الاوزاعي الدمشقي ، امام أهل الشام في الفقه والزهد وعزة النفس. يقول عنه النووي : «كان امام أهل الشام في عصره ، بلا مدافعة ولا مخالفة ، وكان أهل الشام والمغرب على مذهبه قبل انتقالهم الى مذهب مالك رحمه‌الله».

ولد سنة ثمان وثمانين للهجرة في «بعلبك» ، ونشأ في «البقاع» ، وسكن دمشق ، ثم انتقل الى بيروت فأقام بها مرابطا ، حتى دفن بها سنة سبع وخمسين ومائة.

وكان فقيها مشهورا ، حتى كانت الفتيا تدور بالاندلس على رأيه الى زمن الحكم بن هشام ، وعرضوا عليه القضاء فأبى. وله كتاب «السنن» في الفقه ، وكتاب «المسائل» يضم مجموعة الاجوبة التي أجاب بها على الاسئلة الكثيرة التي وجهت اليه. وقد أجمع العلماء ـ كما في كتاب تهذيب الاسماء واللغات ـ على امامة الاوزاعي وجلالته ، وعلو مرتبته ، وكمال فضله ، وأقوال السلف رحمهم‌الله كثيرة مشهورة ، مصرّحة بورعه وزهده وعبادته وقيامه بالحق ، وكثرة حديثه ، وغزارة فقهه ، وشدة تمسكه بالسنة ، وبراعته في الفصاحة ، واجلال الاعيان من أئمة عصره من الاقطار له ، واعترافهم بمرتبته.

وكان للاوزاعي كلمات حكيمة بليغة ، منها هذه الكلمات :

١ ـ لهو العلماء خير من حكمة الجهلة.

٢ ـ بلغني أنه ما وعظ رجل قوما لا يريد به وجه الله الا زلت عنه القلوب كما يزل الماء عن الصفا (٢).

__________________

(١) الاوزاعي نسبة الى كلمة «الاوزاع» ، وهي اسم قرية بدمشق ، أو اسم قبيلة من حمير أو همدان ، أو بمعنى أوزاع القبائل أي فرقها.

(٢) الصفا : جمع صفاة ، وهي الحجر الصلد الضخم.

٢٣٣

٣ ـ ان المؤمن يقول قليلا ويعمل كثيرا ، وان المنافق يقول كثيرا ويعمل قليلا.

٤ ـ كان يقال : خمس عليها كان أصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله والتابعون باحسان : لزوم الجماعة ، واتباع السنة ، وعمارة المسجد ، وتلاوة القرآن ، والجهاد في سبيل الله.

٥ ـ من أكثر ذكر الموت كفاه اليسير ، ومن علم أن منطقه من عمله قل كلامه.

٦ ـ اصبر نفسك على السنة ، وقف حيث وقف القوم ، وقل بما قالوا ، وكفّ عما كفّوا عنه ، واسلك سبيل سلفك الصالح ، فانه يسعك ما وسعهم ، ولا يستقيم الايمان الا بالقول ، ولا يستقيم القوم الا بالعمل ، ولا يستقيم الايمان والقول والعمل الا بالنية موافقة للسنة. وكان من مضى من سلفنا لا يفرقون بين الايمان والعمل : العمل من الايمان ، والايمان من العمل ، وانما الايمان اسم جامع كما يجمع هذه الاديان اسمها ، ويصدقه العمل ، فمن آمن بلسانه ، وعرف بقلبه ، ولم يصدق بعمله ، لم يقبل منه ، وكان في الآخرة من الخاسرين.

هذا وقد نشر الامير شكيب أرسلان كتابا عنوانه «محاسن المساعي في مناقب الامام الاوزاعي» لمؤلف اختلفوا فيه ، وقد كتبت عن هذا الكتاب ثماني صفحات في الجزء الثاني من كتابي «أمير البيان شكيب أرسلان» (١).

وأروع ما في شخصية الامام الاوزاعي أنه كان ـ كما يقول أبو

__________________

أمير البيان شكيب أرسلان ، ج ٢ ص ٥٢٥ ـ ٥٣٢ ـ طبعة دار الكتاب العربي.

٢٣٤

نعيم ـ لا يخاف في الله لومة لائم ، مقوالا بالحق لا يخاف سطوة العظائم. وكان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر من طلائع فضائله ، حتى يروى أنه قال :

رأيت (في النوم) كأن ملكين عرجا بي ، وأوقفاني بين يدي رب العزة ، فقال لي : أنت عبدي عبد الرحمن الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر. فقلت : بعزتك ربي ، أي رب أنت أعلم. فهبطا بي حتى رداني الى مكاني.

كما يروى أنه قال : رأيت ربّ العزة في المنام ، فقال لي : يا عبد الرحمن ، أنت الذي تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر. قلت : بفضلك يا رب ، يا رب أمتني على الاسلام. فقال : وعلى السنة (١).

* * *

وأما أبو جعفر المنصور فهو عبد الله بن محمد بن علي بن العباس ، ثاني خلفاء العباسيين ، ولد سنة خمس وتسعين في بلدة «الحميمة» ، وكان محبا للعلوم والآداب ، حفيّا بالعلماء مقربا لهم ، تولى الخلافة سنة ست وثلاثين ومائة ، وهو الذي بنى مدينة بغداد وغيرها من المدن ، وكان كثير التفكير والجد ، وكان بليغا في كتابته ، ويؤخذ عليه أنه أكثر من قتل أعدائه حتى استقر له ملكه ، وتوفي سنة ثمان وخمسين ومائة.

وهذا هو نص العظة :

«عن الاوزاعي عبد الرحمن بن عمرو قال :

بعث اليّ أبو جعفر المنصور أمير المؤمنين وأنا بالساحل ، فأتيته ، فلما وصلت اليه وسلمت عليه بالخلافة ، ردّ عليّ واستجلسني ، ثم قال لي :

__________________

(١) حلية الاولياء ، ج ٦ ص ١٤٢ و ١٤٣.

٢٣٥

ما الذي أبطأ بك عنا يا أوزاعي؟.

قلت : وما الذي تريد مني يا أمير المؤمنين؟.

قال : أريد الاخذ عنكم ، والاقتباس منكم.

قلت : فانظر يا أمير المؤمنين أن لا تجهل شيئا مما أقول لك.

قال : وكيف أجهله وأنا أسألك عنه ، وفيه وجهت اليك ، وأقدمتك له؟.

قلت : أخاف أن تسمعه ثم لا تعمل به.

فصاح بي الربيع (١) ، وأهوى بيده الى السيف.

فانتهره المنصور وقال : هذا مجلس مثوبة ، لا مجلس عقوبة.

فطابت نفسي ، وانبسطت في الكلام ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، حدثني مكحول (٢) عن عطية بن بشر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أيما عبد جاءته موعظة من الله في دينه فانها نعمة من الله سيقت اليه ، فان قبلها بشكر ، والا كانت حجة من الله عليه ، ليزداد بها اثما ، ويزداد الله بها سخطا عليه» (٣).

يا أمير المؤمنين ، حدثني مكحول عن عطية بن ياسر قال : قال رسول

__________________

(١) الربيع بن يونس بن محمد بن أبي فروة كيسان ، اتخذه أبو جعفر المنصور حاجبا له ثم استوزره ، توفي سنة ١٦٩ ه‍.

(٢) هو الفقيه التابعي أبو عبد الله مكحول بن زيد الدمشقي ، كان يسكن دمشق ، سمع كثيرا من الصحابة والتابعين ، وروى عنه كثيرون منهم الاوزاعي ، وكان يقول : «طفت الارض في طلب العلم». واتفقوا على توثيقه ، وتوفي بدمشق سنة ثماني عشرة ومائة.

(٣) روى هذا الحديث ابن أبي الدنيا في مواعظ الخلفاء.

٢٣٦

الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أيما وال مات غاشا لرعيته حرم الله عليه الجنة» (١).

يا أمير المؤمنين ، من كره الحق فقد كره الله ، ان الله هو الحق المبين ، ان الذي ليّن قلوب أمتكم لكم حين ولّاكم أمورهم ، لقرابتكم من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد كان بهم رؤوفا رحيما ، مواسيا لهم بنفسه في ذات يده ، محمودا عند الله وعند الناس ، فحقيق بك أن تقوم له فيهم بالحق ، وأن تكون بالقسط له فيهم قائما ، ولعوراتهم ساترا ، لا تغلق عليك دونهم الابواب ، ولا تقيم دونهم الحجاب ، تبتهج بالنعمة عندهم ، وتبتئس بما أصابهم من سوء.

يا أمير المؤمنين ، قد كنت في شغل شاغل من خاصة نفسك عن عامة الناس الذي أصبحت تملكهم : أحمرهم وأسودهم ، مسلمهم وكافرهم ، وكل له عليك نصيب من العدل ، فكيف بك اذا انبعث منهم فئام (٢) وراء فئام ، وليس منهم أحد الا وهو يشكو بلية أدخلتها عليه ، أو ظلامة سقتها اليه.

يا أمير المؤمنين ، حدثني مكحول عن عروة بن رويم قال : كانت بيد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جريدة يستاك بها ، ويروع بها المنافقين. فأتاه جبريل عليه‌السلام ، فقال له : يا محمد ، ما هذه الجريدة التي كسرت بها قلوب أمتك ، وملأت قلوبهم رعبا (٣) ، فكيف بمن شقق أبشارهم (٤) وسفك دماءهم ، وخرب ديارهم ، وأجلاهم عن بلادهم ، وغيّبهم الخوف منه.

__________________

(١) روى هذا الحديث ابن أبي الدنيا ، وابن عدي في الكامل.

(٢) الفئام ـ بوزن الكتاب ـ الجماعة من الناس ، لا واحد له من لفظه.

(٣) روى هذا الحديث ابن أبي الدنيا ، وهو مرسل.

(٤) الابشار : جمع بشرة ، وهي ظاهر جلد الانسان.

٢٣٧

يا أمير المؤمنين ، حدثني مكحول عن زياد ، عن حارثة ، عن حبيب ابن مسلمة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم دعا الى القصاص من نفسه في خدش خدشه أعرابيا لم يتعمده ، فأتاه جبريل عليه‌السلام فقال : يا محمد ، ان الله لم يبعثك جبارا ولا متكبرا ، فدعا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : اقتص مني ، فقال الاعرابي : قد أحللتك (١) بأبي أنت وأمي ، وما كنت لأفعل ذلك أبدا ، ولو أتيت على نفسي ، فدعا له بخير (٢).

يا أمير المؤمنين ، رض نفسك لنفسك ، وخذ لها الأمان من ربك ، وارغب في جنة عرضها السموات والارض التي يقول فيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لقيد (٣) قوس أحدكم من الجنة خير له من الدنيا وما فيها (٤).

يا أمير المؤمنين ، ان الملك لو بقي لمن قبلك لم يصل اليك ، وكذا لا يبقى لك كما لم يبق لغيرك.

يا أمير المؤمنين ، أتدري ما جاء في تأويل هذه الآية عن جدّك : «ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها»(٥)؟ قال : الصغيرة التبسم ، والكبيرة الضحك (٦) ، فكيف بما عملته الايدي وحصدته الالسن؟!.

__________________

(١) أي جعلتك في حل مما فعلت ، فهو حلال لك.

(٢) روى هذا الحديث ابن أبي الدنيا.

(٣) القيد : المقدار.

(٤) الحديث رواه ابن أبي الدنيا ، ورواه البخاري من حديث أنس بلفظ «لقابه» وألقاب المقدار.

(٥) سورة الكهف ، الآية ٤٩.

(٦) في «زاد المسير» لابن الجوزي : «وقد روى عكرمة عن ابن عباس قال : الصغيرة التبسم ، والكبيرة القهقهة. وقد يتوهم أن المراد بذلك صغائر الذنوب وكبائرها ، وليس كذلك ، اذ ليس الضحك والتبسم مجردهما ـ

٢٣٨

يا أمير المؤمنين :

بلغني أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : لو ماتت سخلة (١) على شاطىء الفرات ضيعة ، لخشيت أن أسأل عنها ، فكيف بمن حرم عدلك وهو على بساطك؟

يا أمير المؤمنين :

أتدري ما جاء في تأويل هذه الآية عن جدّك :

«يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ»(٢).

قال الله تعالى في الزبور : يا داود ، اذا قعد الخصمان بين يديك ، فكان لك في أحدهما هوى ، فلا تتمنين في نفسك أن يكون الحق له ، فيفلح على صاحبه ، فأمحوك عن نبوتي ، ثم لا تكون خليفتي ولا كرامة ، يا داود ، انما جعلت رسلي الى عبادي رعاء كرعاء الابل (٣) ، لعلمهم بالرعاية ، ورفقهم بالسياسة ، ليجبروا الكسير ، ويدلوا الهزيل على الكلأ والماء.

يا أمير المؤمنين :

انك قد بليت بأمر عظيم لو عرض على السموات والارض والجبال لأبين أن يحملنه وأشفقن منه.

__________________

من الذنوب ، وانما المراد أن التبسم من صغار الافعال ، والضحك فعل كبير. وقد روى الضحاك عن ابن عباس قال : الصغيرة التبسم والاستهزاء بالمؤمنين ، والكبيرة القهقهة بذلك ، فعلى هذا يكون ذنبا من الذنوب ، لمقصود فاعله ، لا لنفسه» ج ٥ ص ١٥٢ الطبعة الاولى سنة ١٣٨٥.

(١) السخلة : ولد الشاة.

(٢) سورة ص ، الآية ٢٦.

(٣) الرعاء بكسر الراء : هم الرعاة.

٢٣٩

يا أمير المؤمنين :

حدثني يزيد بن جابر عن عبد الرحمن بن عمرة الانصاري أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه استعمل رجلا من الانصار على الصدقة ، فرآه بعد أيام مقيما ، فقال له : ما منعك من الخروج الى عملك؟ أما علمت أن لك مثل أجر المجاهدين في سبيل الله؟.

قال : لا ، وكيف ذلك؟

قال : بلغني أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «ما من وال يلي شيئا من أمور الناس الا أوتي به يوم القيامة مغلولة يده الى عنقه ، لا يفكها الا عدله ، فيوقف على جسر من النار ، ينتفض به ذلك الجسر انتفاضة تزيل كل عضو منه عن موضعه ، ثم يعاد فيحاسب ، فان كان محسنا نجا باحسانه ، وان كان مسيئا انخرق به ذلك الجسر ، فيهوي به في النار سبعين خريفا» (١).

فقال عمر رضي الله عنه : ممن سمعت هذا؟.

قال : من أبي ذر وسلمان.

فأرسل اليهما عمر فسألهما فقالا : نعم ، سمعناه من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

فقال عمر : وا عمراه ، من يتولاها بما فيها (٢)؟!

فقال أبو ذر رضي الله عنه : من سلت الله أنفه ، وألصق خده بالارض.

__________________

(١) روى هذا الحديث ابن أبي الدنيا.

(٢) يقصد الخلافة وتبعاتها.

٢٤٠