موسوعة أخلاق القرآن - ج ٣

الدكتور أحمد الشرباصي

موسوعة أخلاق القرآن - ج ٣

المؤلف:

الدكتور أحمد الشرباصي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الرائد العربي
الطبعة: ٣
الصفحات: ٢٧٩

أَوْ أَنْ يَطْغى ، قالَ لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى»(١).

كما علمنا القرآن المجيد أن نكون في غاية الانصاف واللين حين نقول لمخالفينا في الدين :

«وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ»(٢).

والرسول عليه الصلاة والسلام يضيف مزيدا من التوجيه الى الحكمة في الدعوة الى الخير ، فيقول : «نحن معاشر الانبياء أمرنا أن ننزل الناس منازلهم ، وأن نخاطبهم على قدر عقولهم».

ولقد روى أبو أمامة أن غلاما شابا جاء الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال له : يا نبي الله ، ائذن لي في الزنى.

فصاح الناس به ، فقال النبي عليه الصلاة والسلام : قرّبوه.

ثم قال النبي للغلام : ادن. فدنا حتى جلس بين يديه.

فقال الرسول صلوات الله وسلامه عليه : أتحب هذا لأمك؟.

فقال الفتى : لا ، وجعلني الله فداك.

فقال النبي : كذلك الناس ، لا يحبونه لأمهاتهم.

ثم أضاف : أتحبه لابنتك؟.

أجاب الفتى : لا ، وجعلني الله فداك.

فقال النبي : كذلك الناس ، لا يحبونه لبناتهم.

__________________

(١) سورة طه ، الآيات ٤٢ ـ ٤٦.

(٢) سورة سبأ ، الآية ٢٤.

٢٠١

ثم أضاف سائلا : أتحبه لأختك؟.

أجاب الغلام : لا ، وجعلني الله فداك.

فقال النبي : كذلك الناس ، لا يحبونه لأخواتهم.

ثم أضاف الرسول قائلا : أتحبه لعمتك؟.

أجاب الفتى : لا ، وجعلني الله فداك.

فقال النبي : كذلك الناس لا يحبونه لعماتهم.

ثم عاد يسأله : أتحب ذلك لخالتك؟.

فأجاب الفتى : لا ، وجعلني الله فداك.

فقال النبي : كذلك الناس لا يحبونه لخالاتهم.

ثم وضع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يده على صدر الغلام ، ودعا له قائلا : «اللهم طهّر قلبه ، واغفر ذنبه ، وحصّن فرجه». واستجاب الله الدعاء ، فلم يكن شيء أبغض الى هذا الغلام من الزنى.

* * *

والدعوة الى الخير تستلزم أن يكون الداعي اليه عارفا للخير عليما به ، مميزا بينه وبين الشر ، حتى يكون على بينة من أمره ، وأن يكون عليما بأحوال من يدعوهم الى الخير ، وأن يكون بصيرا بالنفوس والطباع والمجتمعات ، وأن يكون مستمسكا بما يدعو اليه من خير ، لأن القرآن المجيد يقول في سورة البقرة :

«أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ؟»(١)

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية ٤٤.

٢٠٢

ويقول :

«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ ، كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ»(١).

ويقول رسول الله عليه صلوات الله وسلامه : «مررت ليلة أسري بي بقوم تقرض شفاههم بمقاريض من نار ، فقلت : من أنتم؟. فقالوا : كنا نأمر بالخير ولا نأتيه ، وننهي عن الشر ونأتيه».

والحكيم يقول :

لا تلم المرء على فعله

وأنت منسوب الى مثله

من ذم شيئا وأتى مثله

فانما يزرى على عقله!

ولقد كان سيدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اذا دعا الى شيء بدأ بنفسه.

واذا كانت الدعوة الى الخير تتحقق في بعض مجالاتها بالقول استجابة لهدى الله القائل في سورة النساء :

«وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً»(٢).

وقوله :

«لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ، وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ

__________________

(١) سورة الصف ، الآية ٢ ، ٣.

(٢) سورة النساء ، الآية ٩.

٢٠٣

مَرْضاتِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً»(١).

وقول الرسول صلوات الله وسلامه عليه : «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت».

فان الدعوة الى الخير تتحقق بصورة أقوى وأعلى عن طريق القدوة والسلوك والتطبيق ، وكم من داع الى الخير بهديه وسمته ، وأحواله وأعماله.

وثواب الله تعالى على فضيلة الدعوة الى الخير ثواب جليل عظيم تشير اليه الاحاديث النبوية التالية :

١ ـ من دل على خير فله مثل أجر فاعله.

٢ ـ لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من الدنيا وما فيها.

٣ ـ طوبى لعبد جعله الله مفتاحا للخير ، مغلاقا للشر ، وويل لعبد جعله الله مفتاحا للشر مغلاقا للخير.

٤ ـ من دعا الى هدى كان له من الاجر مثل أجور من تبعه ، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا.

* * *

وينبغي أن نلاحظ أن هناك عقبات تقف بالمرصاد لفضيلة دعوة الخير ، ولعل أكبر هذه العقبات هي اصطدام هذه الفضيلة بالاهواء والشهوات ، ولذلك يقول بعض أهل التفسير ان الدعوة الى الخير والامر بالمعروف والنهي عن المنكر تكليف ليس بالهين ولا باليسير ، اذا نظرنا الى طبيعته ، والى اصطدامه بشهوات الناس ونزواتهم ، ومصالح بعضهم ومنافعهم ،

__________________

(١) سورة النساء ، الآية ١١٤.

٢٠٤

وغرور بعضهم وكبريائهم ، وفيهم الجبار الغاشم ، والحاكم المتسلط ، والهابط الذي يكره الصعود ، والمسترخي الذي يكره الاشتداد ، والمنحل الذي يكره الجد ، والظالم الذي يكره العدل ، والمنحرف الذي يكره الاستقامة ...

ولذلك كثر المعرضون عن الاستجابة للداعين الى الخير ، فهؤلاء مثلا قوم صالح يعرضون عنه كما يخبرنا التنزيل في سورة هود :

«قالُوا يا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا قَبْلَ هذا ، أَتَنْهانا أَنْ نَعْبُدَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا وَإِنَّنا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ مُرِيبٍ»(١).

ويقول القرآن في سورة الشورى :

«كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ»(٢).

ويقول في سورة فصلت عن الكافرين :

«وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ»(٣).

ويقول في سورة الكهف :

«وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً»(٤).

__________________

(١) سورة هود ، الآية ٦٢.

(٢) سورة الشورى ، الآية ١٣.

(٣) سورة فصلت ، الآية ٥.

(٤) سورة الكهف ، الآية ٥٧.

٢٠٥

ويزيد طريق الدعوة الى الخير صعوبة ما يقوم في هذا الطريق من دعوات الشر والفساد ، فاذا كانت الدعوة الى الخير فضيلة اسلامية قرآنية حميدة ، فان للشيطان دعوته الخبيثة الاثيمة ، وها هو ذا القرآن المجيد بحذرنا فيقول في سورة فاطر :

«إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ، إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ»(١).

ويقول في سورة لقمان :

«وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللهُ ، قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا ، أَوَلَوْ كانَ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ»(٢)؟.

واذا لم يوجد المتحلون بفضيلة الدعوة الى الخير اتسع المجال أمام الدعوة الى الشر.

ولكن الخير في أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله الى ما شاء الله ، وعلى الله قصد السبيل.

__________________

(١) سورة فاطر ، الآية ٦.

(٢) سورة لقمان ، الآية ٢١.

٢٠٦

الامر بالمعروف

كلمة «المعروف» مأخوذة من مادة «عرف» ، وفي المادة معنى الظهور والارتفاع ، وانتشار الرائحة الطيبة ، وما كان كذلك فهو معروف مأنوس غير مجهول ، والاعتراف هو الاقرار ، وأصله اظهار معرفة الذنب ، والمعروف هو ما عرفته العقول السليمة ، وأنست اليه الطباع المستقيمة ، وهو أيضا اسم لكل فعل يعرف بالشرع أو العقل حسنه ، والعرف ـ بضم فسكون ـ المستحسن الذي هو ضد المنكر.

وقد عني القرآن الكريم بالحديث عن «المعروف» مؤكدا التوجيه اليه والحث عليه ، مذكّرا بجمال هذا المعروف في كثير من الميادين ، وهذه مثلا سورة البقرة أكاد أسميها «سورة المعروف» ، لأن مادته جاء ذكرها في هذه السورة خمس عشرة مرة ، فالله تعالى يقول :

«قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً وَاللهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ»(١).

قال المفسرون : ان القول المعروف هو الكلام الجميل الذي تقبله

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية ٢٦٣.

٢٠٧

القلوب ولا تنكره ، يرد الانسان به السائل من غير عطاء ، مع ستر لما وقع منه من الالحاف في السؤال ، مما يثقل على النفوس ، أو ستر حال الفقير بعدم التشهير به ، فذلك خير من صدقة يتبعها أذى.

وفي هذا يقول الامام محمد عبده : «القول بالمعروف يتوجه تارة الى السائل ان كانت الصدقة عليه ، وتارة يتوجه الى المصلحة العامة ، كما اذا هاجم البلد عدو ، وأرادوا جمع المال للاستعانة على دفعه ، فمن لم يكن له مال يمكنه ان يساعد بالقول المعروف الذي يحث على العمل ، وينشط العامل ، ويبعث عزيمة الباذل.

والمغفرة أن تغضي عن نسبة التقصير في الانفاق اليك ، وأن تظهر في هيئة لا ينفر منها المحتاج ، ولا يتألم من فقره أمامك. والمعنى أن مقابلة المحتاج بكلام يسر ، وهيئة ترضي ، خير من الصدقة مع الايذاء بسوء القول أو سوء المقابلة. ولا فرق في المحتاج بين أن يكون فردا أو جماعة ، فان مساعدة الامة ببعض المال ـ مع سوء القول في العمل الذي ساعدها عليه ، واظهار استهجانه ، وبيان التقصير فيه ، او تشكيك الناس في فائدته ـ لا توازي هذه المساعدة : احسان القول في ذلك العمل الذي تطلب له المساعدة والاغضاء عن التقصير الذي ربما يكون من العاملين فيه.

فكونك مع الامة بقلبك ولسانك خير من شيء من المال ترضخ به (تعطيه) مع قول السوء وفعل الاذى. ومعنى هذه الخيرية أنه أنفع وأكثر فائدة ، لا أنه يقوم مقام البذل ويغني عنه. فمن آذى فقد بغّض نفسه الى الناس ، بظهوره في مظهر البغضاء لهم.

ولا شك أن السلم والولاء خير من العداوة والبغضاء ، وأن أضمن شيء لمصلحة الامة وأقوى معزز لها ، هو أن يكون كل واحد من أفرادها ـ في عين الآخر وقلبه ـ في مقام المعين له ، وان لم يعنه بالفعل».

٢٠٨

وجاءت في سورة البقرة آيات متوالية أو متقاربة ، تكرر فيها الحديث عن اتباع المعروف والاستمساك به في العلاقة بين الزوجين في مختلف الاحوال ، فقال القرآن عن العلاقة بين الزوجين : «وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ» والمعروف هو المعاشرة الحسنة والصحية الجميلة ، أو هو ـ كما يعبر الزمخشري ـ الوجه الذي لا ينكر في الشرع وعادات الناس ، فللنساء من حقوق الزوجية على الرجال مثل ما للرجال عليهن ، أي لهن من حسن الصحبة والعشرة بالمعروف على أزواجهن مثل الذي عليهن في الطاعة فيما أوجبه الله عليهن لازواجهن.

ويقول القرآن في الحياة الزوجية :

«فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ»(١).

أي لا يظلم الزوج زوجته شيئا من حقها ، ولا يتعدى عليها في قول أو عمل ، بل يمسكها معه بحسن العشرة والقيام بالواجب.

ويقول في آية أخرى :

«فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ»(٢).

أي أبقوهن معكم وقوموا لهن بحقوقهن ، أو فارقوهن بمعروف دون اضرار بهن.

ويقول في شأن النفقة الزوجية :

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية ٢٢٩.

(٢) سورة البقرة ، الآية ٢٣١.

٢٠٩

«وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ»(١)

أي بالمقدار المستطاع ، على قدر حال الرجل في اعساره ويساره ، دون تكليفه ما لا يطيق.

ويقول عن حالة وفاة الزوج :

«فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ»(٢).

أي التطلع الى الزواج بعد انتهاء العدة ، لأنه لا عيب في ذلك.

ويقول عن متعة الزوج لزوجته المطلقة :

«وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ»(٣).

أي بقدر الامكان المتعارف بين الناس بلا ارهاق ولا مشقة. ويعود القرآن ليؤكد هذا فيقول :

«وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ»(٤).

ويقول عن المعاشرة الزوجية :

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية ٢٣٣.

(٢) سورة البقرة ، الآية ٢٣٤.

(٣) سورة البقرة ، الآية ٢٣٦.

(٤) سورة البقرة ، الآية ٢٤١.

٢١٠

«وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ»(١).

أي بما أمر الله به من حق المعاشرة ، كتوفية حقها من المهر والنفقة ، وألا يعبس في وجهها ، وأن يكون لينا في القول ، لا فظا ولا غليظا ، ولا مظهرا ميلا الى غيرها.

وهكذا يمضي القرآن المجيد في الحديث عن «المعروف» حديثا يرفع قدره ويمجد ذكره ، مما يشعرنا بأن التحلي بالمعروف ، والامر بالمعروف ، والحرص على المعروف ، من مكارم الاخلاق وفضائل الخصال ، وما أكرم معدن الانسان حين نراه آخذا بالمعروف في أقواله وأعماله وأحواله ، داعيا الى المعروف بكلامه وسلوكه.

ولذلك حق للغزالي أن يقول : «ان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر هو القطب الاعظم في الدين ، وهو المهم الذي ابتعث الله له النبيين أجمعين ، ولو طوى بساطه ، وأهمل علمه وعمله ، لتعطلت النبوة ، واضمحلت الديانة ، وعمت الفترة ، وفشت الضلالة ، وشاعت الجهالة ، واستشرى الفساد ، واتسع الخرق ، وخربت البلاد ، وهلك العباد ، ولم بشعروا بالهلاك الا يوم التناد» (٢).

وقد كان الذي خفنا أن يكون ، فانا لله وانا اليه راجعون. اذ قد ندرس من هذا القطب عمله وعلمه ، وانمحق بالكلية حقيقته ورسمه ، فاستولت على القلوب مداهنة الخلق ، وانمحت عنها مراقبة الخالق ، واسترسل الناس في اتباع الهوى والشهوات استرسال البهائم ، وعز على

__________________

(١) سورة النساء ، الآية ١٩.

(٢) التناد : تفاعل من النداء ، يقال : تنادى القوم ، أي نادى بعضهم بعضا. ويوم التناد : يوم القيامة.

٢١١

بساط الارض مؤمن صادق لا تأخذه في الله لومة لائم ، فمن سعى في تلافي هذه الفترة ، وسد هذه الثلمة ، اما متكفلا بعملها ، أو متقلدا تنفيذها ، مجددا لهذه السنة الدائرة ، ناهضا بأعبائها ، ومشمرا في احيائها ، كان مستأثرا من بين الخلق باحياء سنة أفضى الزمان الى اماتتها ، ومستبدا بقربة تتضاءل درجات القرب دون ذروتها».

والقرآن يطالب الامة المؤمنة بأن تكون أمة الخير والامر بالمعروف ، فيقول في سورة آل عمران :

«وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ»(١).

أي : لتكونوا كلكم أمة تتصف بهذه الفضائل ، ولذلك رجح الامام محمد عبده أن الامر هنا عام يشمل الامة كلها ، ولا يقتصر على طائفة منها أو مجموعة ، كما يذهب الى ذلك بعض المفسرين ، ويدل على العموم قول الله تبارك وتعالى : «وَالْعَصْرِ ، إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ».

وعلى هذا يكون التقدير ، فلتوجد منكم وبكم وفيكم أمة داعية الى الخير ، آمرة بالمعروف ، ناهية عن المنكر ، وهذا يشمل كل قادر على أقل نقدير.

وكتاب الله العزيز قد جعل فضيلة الامر بالمعروف احدى صفات الامة التي نعتها ربها بأنها خير أمة ، فقال في سورة آل عمران :

«كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ

__________________

(١) سورة آل عمران ، الآية ١٠٤.

٢١٢

وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ»(١).

وجعل هذه الفضيلة صفة الامة المؤمنة المتكافلة المتعاونة على الخير ، فقال في سورة التوبة :

«وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ ، إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ»(٢).

وجعل هذه الفضيلة احدى صفات الذين آمنوا وباعوا الله أنفسهم وأموالهم ، واشتروا منه الجنة لقاء ذلك ، واستحقوا التبشير من ربهم بأنهم أصحاب الفوز العظيم ، فقال عنهم في سورة التوبة :

«التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ»(٣).

وجعل هذه الفضيلة صفة الصالحين المسارعين في الخيرات الذين لا يضيع لهم أجر ولا ذكر فقال في سورة آل عمران :

«يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ

__________________

(١) سورة آل عمران ، الآية ١١٠.

(٢) سورة التوبة ، الآية ٧١.

(٣) سورة التوبة ، الآية ١١٢.

٢١٣

وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَأُولئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ ، وَما يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ»(١).

وجعل القرآن الكريم فضيلة الامر بالمعروف من صفات المنصورين المعتزين بعزة الله سبحانه ، فقال في سورة الحج :

«وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ، الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ»(٢).

والآمر بالمعروف ، الناطق بالخير ، الموجه الى البر ، يكون من أهل الثواب الجزيل والاجر العظيم ، ولذلك يقول القرآن في سورة النساء :

«لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ، وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً»(٣).

ولقد انتهز القرطبي فرصة الحديث عن هذه الآية فتوسع في معنى المعروف وأثره وجمال وقعه ، وأنه لفظ يعم أعمال البر كلها ، والحديث

__________________

(١) سورة آل عمران ، الآيتان ١١٤ و ١١٥.

(٢) سورة الحج ، الآيتان ٤٠ و ٤١.

(٣) سورة النساء ، الآية ١١٤.

٢١٤

الشريف يقول : كل معروف صدقة ، وان من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق». والحديث الآخر يقول : «المعروف كاسمه ، وأول من يدخل الجنة يوم القيامة المعروف وأهله».

وقال الامام علي : «لا يزهدنك في المعروف كفر من كفره ، فقد يشكر الشاكر بأضعاف جحود الكافر».

وقال القائل :

من يفعل الخير لا يعدم جوازيه

لا يذهب العرف بين الله والناس

وقال الآخر :

يد المعروف غنم حيث كانت

تحمّلها كفور أو شكور

ففي شكر الشكور لها جزاء

وعند الله ما كفر الكفور

ويقول الماوردي : «ينبغي لمن يقدر على اسداء المعروف أن يعجله حذار فواته ، ويبادر به خيفة عجزه ، وليعلم أنه من فرص زمانه ، وغنائم امكانه ، ولا يهمله ثقة بالقدرة عليه ، فكم من واثق بقدرة فاتت فأعقبت ندما ، ومعوّل على مكنة زالت فأورثت خجلا» ، كما قال الشاعر :

ما زلت أسمع كم من واثق خجل

حتى ابتليت فكنت الواثق الخجلا

ولو فطن لنوائب دهره ، وتحفظ من عواقب أمره ، لكانت مغانمه مذخورة ، ومغارمه مجبورة ، فقد روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «من فتح عليه باب من الخير فلينتهزه ، فانه لا يدري متى يغلق عنه». وروي عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «لكل شيء ثمرة ، وثمرة المعروف السراح». والسراح هو التعجيل.

وقيل لأنو شروان : ما أعظم المصائب عندكم؟. فقال : أن تقدر على المعروف فلا تصنعه حتى يفوت!.

٢١٥

ويقول الحق جل جلاله في سورة الأعراف :

«خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ»(١)

والعرف هو المعروف من الاحسان ، والآية تضمنت التوجيه الى ثلاثة أشياء هي أصول كلية للقواعد الشرعية والآداب النفسية والاحكام العملية ، ومن بينها الامر بالمعروف ، وهو ما تعارفه الناس من الخير.

* * *

وفضيلة الامر بالمعروف احدى فضائل الانبياء عليهم الصلاة والسلام ، وها هو ذا القرآن يقول في سورة الأعراف عن المؤمنين :

«الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ»(٢).

بل أخبرنا القرآن العظيم أن الله عزوجل قد قيد طاعة الرسول عليه الصلاة والسلام بالمعروف ، وذلك في عقد مبايعته للنساء ، فيقول في سورة الممتحنة :

__________________

(١) سورة الاعراف ، الآية ١٩٩.

(٢) سورة الاعراف ، الآية ١٥٧.

٢١٦

«يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ»(١).

جاء في «تفسير المنار» : ومن المعلوم أن عقد المبايعة أعظم العقود في الامم والدول ، فتقييد طاعة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيه بالمعروف دليل على أن التزام المعروف من أعظم أركان هذا الدين وشرعه ، ومن المعلوم في السنة أن مبايعته صلى‌الله‌عليه‌وسلم للرجال كانت مبنية على أصل مبايعته للنساء المنصوص في هذه الآية. وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «انما الطاعة في المعروف».

ويذكر ابن سعد في طبقاته قول ميمون عن هذه الآية : «فلم يجعل الله لنبيه عليهن الطاعة ، الا في المعروف ، والمعروف طاعة الله».

وقد شدد الرسول التهديد لمن لا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، فذكر في حديث له أنه ليس منا من لم يأمر بالمعروف وينه عن المنكر.

وقد ذكر القرآن الكريم أن الخروج على الأمر بالمعروف من صفة أهل النفاق ، فقال في سورة التوبة :

«الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا

__________________

(١) سورة الممتحنة ، الآية ١٢.

٢١٧

اللهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ»(١).

وهذا هو الامام علي رضي الله عنه وكرم الله وجهه ، يقول : «أول ما تغلبون عليه من الجهاد : الجهاد بأيديكم ، ثم الجهاد بألسنتكم ، ثم الجهاد بقلوبكم ، فاذا لم يعرف القلب المعروف ، ولم ينكر المنكر ، نكس فجعل أعلاه أسفله».

وقال أبو الدرداء : لتأمرن بالمعروف ، ولتنهن عن المنكر ، أو ليسلطن الله عليكم سلطانا ظالما ، لا يجل كبيركم ، ولا يرحم صغيركم ، ويدعو عليكم خياركم فلا يستجاب لهم ، وتستنصرون فلا تنصرون ، وتستغفرون فلا يغفر لكم».

هذا وقد شرطوا للآمر بالمعروف شروطا ، منها أن يكون مكلفا عاقلا ، مؤمنا عادلا ، ورعا حسن الخلق ، وأن يكون عالما ، ليعلم حدود المعروف فيكون بصيرا بمواضعه ، وأن يكون أمره بالمعروف لينا هينا ، ولذلك جاء في الحديث : «من أمر بمعروف فليكن أمره بمعروف».

وبعضهم يشترط للأمر بالمعروف أن يكون الآمر متقيدا بما يدعو اليه من معروف ، ويقولون : ان هداية الغير فرع للاهتداء ، وتقويم الغير فرع للاستقامة ، والاصلاح زكاة الصلاح ، فمن ليس بصالح في نفسه فكيف يصلح غيره ، ومتى يستقيم الظل والعود أعوج؟

ويستدلون على ذلك بقول الله تعالى :

«أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ»(٢).

وقوله :

__________________

(١) سورة التوبة ، الآية ٦٨.

(٢) سورة البقرة ، الآية ٤٤.

٢١٨

«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ ، كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ»(١).

والامام الحسن البصري يقول : «اذا كنت ممن يأمر بالمعروف فكن من آخذ الناس به ، والا هلكت».

وهناك من يقول : لا يشترط أن يتقيد الآمر بالمعروف بالتزام ما يأمر به ، فللفاسق أن يأمر بالمعروف. وقال سعيد بن جبير : ان لم يأمر بالمعروف ، ولم ينه عن المنكر ، الا من لا يكون فيه شيء ، لم يأمر أحدا بشيء.

وكان معاوية يقول : أيها الناس ، لا يمنعكم سوء ما تعلمون عنا أن تعملوا بأحسن ما تسمعون منا. والغزالي يقول : على مدير الكاس أن ينهى الجلّاس!. والشاعر يقول :

اعمل بقولي ، وان قصرت في عملي

ينفعك قولي ولا يضررك تقصيري

والأمر بالمعروف قد يبلغ حد التضحية بالنفس ، ولذلك قيل لرسول الله عليه الصلاة والسلام : أي الشهداء أكرم على الله؟. فقال : رجل قام الى وال جائر ، فأمره بالمعروف ، ونهاه عن المنكر ، فقتله.

وصلوات الله وسلامه على رسوله القائل : «كلام ابن آدم كله عليه لا له ، الا أمرا بمعروف ، أو نهيا عن منكر ، أو ذكرا لله تعالى».

__________________

(١) سورة الصف ، الآيتان ٢ و ٣.

٢١٩

النهي عن المنكر

كلمة «المنكر» مشتقة من مادة «نكر» ، وهي مادة تدل على الجهل ، والصعوبة ، والاشتداد ، والاستيحاش ، والقبح ، والنفور ، وكراهية النفوس. يقول : أنكره ، أي جهله اذ وجده على غير ما عهده ، ويقال : أنكر فلان كذا ، أي كرهه فلم يقره.

والمنكر هو الباطل ، لأن العقول السليمة تنكره وترفضه ، ولذلك قال علماء الاخلاق ان المنكر هو ما تستقبحه العقول السليمة ، ويحكم الدين بقبحه ، وهو ضد المعروف ، ويقول الاصفهاني : المنكر كل فعل تحكم العقول الصحيحة بقبحه. أو تتوقف في استقباحه واستحسانه العقول ، فتحكم بقبحه الشريعة.

وحين نتحدث عن فضيلة «النهي عن المنكر» في القرآن الكريم ينبغي أن نتذكر أن هذه الفضيلة تأتي غالبا مقترنة بفضيلة أخرى تحدثنا عنها ، وهي فضيلة «الأمر بالمعروف» فلا يكاد يذكر الامر بالمعروف حتى يذكر معه النهي عن المنكر ، ولذلك يتداخل الحديث عن الفضيلتين ، ويسبق جزء من الحديث عن الفضيلة الثانية خلال الحديث عن الفضيلة الاولى ، واذا كان الأمر بالمعروف ـ كما سبق ـ احدى الصفات الاساسية للامة المؤمنة المفلحة ، فان النهي عن المنكر كذلك صفة أساسية لهذه الامة ،

٢٢٠