موسوعة أخلاق القرآن - ج ٣

الدكتور أحمد الشرباصي

موسوعة أخلاق القرآن - ج ٣

المؤلف:

الدكتور أحمد الشرباصي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الرائد العربي
الطبعة: ٣
الصفحات: ٢٧٩

«وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ»(١).

واذا كان القرآن قد أباح للانسان أن يأخذ حقه في معاقبة من اعتدى عليه ، فانه يضيف الى ذلك ان المقابلة بالحسنى خير وأفضل ، فيقول في سورة النحل :

«وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ، وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ ، إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ»(٢).

ويقول في سورة الشورى :

«وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ، وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ ، إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ، وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ»(٣).

ومع ادراكنا هذا ينبغي أن ندرك أن الدفع بالتي هي أحسن لا يليق عند الاعتداء على العقيدة ، أو مع الخارجين على أمر الله بغيا وعدوانا ، أو

__________________

(١) سورة العنكبوت ، الآية ٤٦.

(٢) سورة النحل ، الآيات ١٢٦ ـ ١٢٨.

(٣) سورة الشورى ، الآيات ٤٠ ـ ٤٣.

١٢١

الخائنين للامة والوطن ، فهؤلاء المتمردون المتجبرون لا بد من أخذهم أخذا وبيلا ، وعقابهم عقابا أليما ، والا ضاعت الحرمات وتهدم المجتمع.

ان الدفع بالحسنى لا يتعارض مع تأديب الفاسقين ، وكبح جماح المتجبرين ، ومقاومة العتاة الطاغين ، فانما يجمل الدفع بالحسنى مع الذين يصلح شأنهم بذلك الاسلوب ، واما الذين يتمردون ويتجبرون ويتجردون من دواعي الاستجابة لروح المعاملة بالحسنى ، فأولئك يستحقون الردع والقمع ، ومن هنا جاء قول الله العظيم لنبيه الرحيم :

«يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ ، وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ»(١).

ويجمل بنا ان نتذكر كلمة العربي الذي قال : «اللهم من ظلمني مرة فاجزه ، ومن ظلمني مرتين فاجزني ولا تجزه ، ومن ظلمني ثلاث مرات فاجزني ولا تجزه». ويا لها من كلمة ذات مدلول عميق!.

* * *

واذا انتقلنا من مائدة القرآن الكريم الى روضة السنة المطهرة وجدنا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طائفة من الاحاديث الكريمة التي توجه الى الدفع بالحسنى في شتى ميادين الحياة : في القول والعمل ، في السلوك والمعاملة ، ومنها هذه الرقائق السامية :

«من أقال مسلما عثرته أقال الله عثراته يوم القيامة».

«اتق الله حيثما كنت ، واتبع السيئة الحسنة تمحها ، وخالق الناس بخلق حسن».

__________________

(١) سورة التوبة ، الآية ٧٣.

١٢٢

«لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه المسلم فوق ثلاث ليال : يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا ، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام».

«من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا ، أو ليصمت».

* * *

ومن وراء روضة السنة تطالعنا هذه الكلمات الرقيقة المحببة في فضيلة الدفع بالحسنى ، كتلك الكلمة النبيلة المنسوبة الى عبد الله ورسوله عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام ، وفيها يقول : «ليس الاحسان أن تحسن الى من أحسن اليك ، فتلك مكافأة (١) ، وانما الاحسان أن تحسن الى من اساء اليك».

وكقول سعيد بن العاص : «ما شاتمت أحدا مذ صرت رجلا ، لأني لا أشاتم الا أحد رجلين : اما كريما فأنا أحق أن أحتمله ، أو لئيما فأنا أول من يرفع رأسه عنه».

* * *

ويمكننا أن نلقي نظرة الى طريقة الصوفية الخاصة بهم في فهم «الدفع بالحسنى» ، فنقرأ الآية الكريمة الواردة في سورة المؤمنون : «ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ» ثم نعود الى القشيري لنجده في تفسيره «لطائف الاشارات» يقول عن الآية :

«الهمزة في (أحسن) يجوز ألا تكون للمبالغة ، ويكون المعنى : ادفع بالحسن السيئة. أو أن تكون للمبالغة ، فتكون المكافأة (١)جائزة ، والعفو عنها ـ في الحسن ـ أشدّ مبالغة.

__________________

(١) المراد بالمكافأة هنا هو مقابلة السيئة بسيئة مثلها.

١٢٣

ويقال : ادفع الجفاء بالوفاء ، وجرم أهل العصيان بحكم الاحسان.

ويقال : ادفع ما هو حظك ، اذا حصل ما هو حق لك.

ويقال : اسلك مسلك الكرم ، ولا تجنح الى طريق المكافأة.

ويقال : الأحسن ما أشار اليه القلب ، والسيئة ما تدعو اليه النفس.

ويقال : الأحسن ما كان باشارة الحقيقة ، والسيئة ما كان بوساوس الشيطان.

ويقال : الأحسن نور الحقائق ، والسيئة ظلمة الخلائق».

ونقرأ الآيتين الواردتين في سورة فصلت : «وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ، ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ، فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ، وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا ، وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ». ونعود الى «لطائف الاشارات» لنجد فيه هذه العبارة :

«قوله جل ذكره : «وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ» الآية : ادفع بالخصلة التي هي أحسن السيئة ، يعني بالعفو عن المكافأة (١) ، وبالتجاوز والصفح عن الزلة ، وترك الانتصاف. «فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ» : يشبه الوليّ الحميم ، ولم يصر وليا مخلصا ، وهذا من جملة حسن الادب في الخدمة في حق صحبتك مع الله ، تحلم مع عباده لاجله ، ومن جملة حسن الخلق في الصحبة مع الخلق ألا تنتقم لنفسك ، وأن تعفو عن خصمك.

قوله جل ذكره : «وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ» : لا يقوم بحق هذه الاخلاق الا من أكرم بتوفيق الصبر ، ورقّي

__________________

(١) المراد بالمكافأة هنا هو مقابلة السيئة بسيئة مثلها.

١٢٤

عن سفساف الشيم الى معالي الأخلاق ، ولا يصل أحسن الدرجات الا من صبر على مقاساة الشدائد».

* * *

وحين نجول في روضة الادب العربي الذي نزل بلغته القرآن المجيد تلقانا فيها رياحين مزهرة وثمرات يانعة ، تحببنا في فضيلة الدفع بالحسنى ، فهذا شاعر يترجم عن نفسه العالية القادرة على الانتصاف والانتقام ، ولكنه يتحصن بحلمه ورزانته ، ويتجلى فيه التسامي على سفاهة السفهاء ، فيقول :

وجهل رددناه بفضل حلومنا

ولو آننا شئنا رددناه بالجهل

رجحنا وقد خفت حلوم كثيرة (١)

وعدنا على أهل السفاهة بالفضل

وهذا ثان يضرب مثلا رائعا في الدفع بالتي هي أحسن ، فيعطي قومه كل ما يستطيع ، ويضحي من أجلهم بكل ما يقدر عليه ، ويعطي ولا ينتظر أن يأخذ ، ويحسن ولا يتوقع المقابلة بالمثل ، فيقول :

وان الذي بيني وبين بني أبي

وبين بني عمي لمختلف جدا

أراهم الى نصري بطاء ، وان هم

دعوني الى نصر أتيتهم شدا

وان يأكلوا لحمي وفرت (٢) لحومهم

وان يهدموا مجدي بنيت لهم مجدا

وان زجروا طيرا بنحس تمر بي

زجرت لهم طيرا تمر بهم سعدا

__________________

(١) حلوم : جمع حلم وهو العقل.

(٢) وفرت : حفظت وصنت.

١٢٥

وان ضيّعوا غيبي حفظت غيوبهم

وان هم هووا غيي هويت لهم رشدا

ولا أحمل الحقد الدفين عليهم

فليس كريم القوم من يحمل الحقدا

لهم جل مالي ان تتابع لي غنى

وان قلّ مالي لم أكلفهم رفدا (١)

وهذا ثالث ، يعرف نفسه ، ويصون قدره ، ولا يقبل أن يكون مماثلا للعامة من الناس ، بل يسمو ويعلو ، معتصما بمكارم الاخلاق ، متباعدا عن سفاسف الامور ، منصفا لغيره من نفسه ، فيقول :

اذا كان دوني من بليت بجهله

أبيت لنفسي أن أقابل بالجهل

فان كنت أدنى منه في العلم والحجا

عرفت له حق التقدم بالفضل

وان كان مثلي في محل من النهى

أردت لنفسي أن أجل عن المثل

ما أنبل الانسان حين يقتدر على الانتصاف والانتقام ، ولكنه يترفع عن ذلك ، ويأبى الا أن يكون من الذين يدفعون السيئة بالحسنة ، ليكون ممن رضي الله عنهم ورضوا عنه. والله نصير الاخيار من الناس.

__________________

(١) رفدا : عطاء.

١٢٦

الشهادة

قد يبدو عجيبا عند بعض الناس أن نعد «الشهادة» خلقا من أخلاق القرآن الكريم ، ولكن لغة الكتاب العزيز تعطي كلمة «الشهادة» في طائفة من المواطن معنى أخلاقيا خاصا ، يجعل معناها القرآني في حمى المعاني الاخلاقية العظيمة.

وكلمة «الشهادة» في لغة العرب ـ لغة القرآن ـ تعطي أولا معنى الحضور مع المشاهدة ، اما بالبصر أو البصيرة ، والشهادة أيضا قول صادر عن علم يحصل بمشاهدة بصيرة أو بصر ، ومن معاني الشهادة أيضا الدلالة القاطعة بقول أو غيره. وقد جاءت الكلمة بمعنى الايمان في قول الله تبارك وتعالى في سورة آل عمران :

«رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ»(١).

أي اكتبنا مع المؤمنين من أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأثبت أسماءنا مع أسمائهم ، واجعلنا من جملتهم ، واجعلنا مع الذين

__________________

(١) سورة آل عمران ، الآية ٥٣.

١٢٧

شهدوا لأنبيائك بالصدق.

والشهادة في لغة القرآن تقتضي حضور العقل والقلب ، كما في قول الحق جل جلاله في سورة ق :

«إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ»(١).

أي يشهدون ما يسمعونه بقلوبهم ، ويشهدون بأذهان وعقول حاضرة متفطنة لما تسمع ، واذا استمع أحدهم الكلام وعاه ، وتعقله بعقله وتفهمه بلبه. ولقد علق الامام ابن القيم في كتابه «مدارج السالكين» على هذه الآية الكريمة فقال :

«جعل الله سبحانه كلامه ذكرى ، لا ينتفع بها الا من جمع هذه الامور الثلاثة :

أحدها : أن يكون له قلب حي واع ، فاذا فقد هذا القلب لم ينتفع بالذكرى.

الثاني : أن يصغي بسمعه ، فيميله كله نحو المخاطب ، فان لم يفعل لم ينتفع بكلامه.

الثالث : أن يحضر قلبه وذهنه عند المكلم له. وهو «الشهيد» أي الحاضر غير الغائب ، فان غاب قلبه ، وسافر في موضع آخر ، لم ينتفع بالخطاب.

وهذا كما أن المبصر لا يدرك حقيقة المرئي الا اذا كانت له قوة مبصرة ، وحدّق بها نحو المرئي ، ولم يكن قلبه مشغولا بغير ذلك ، فان

__________________

(١) سورة ق ، الآية ٣٧.

١٢٨

فقد القوة المبصرة ، أو لم يحدق نحو المرئي ، أو حدق نحوه ، ولكن قلبه كله في موضع آخر ، لم يدركه ، فكثيرا ما يمر بك انسان أو غيره ، وقلبك مشغول بغيره ، فلا تشعر بمروره ، فهذا الشأن يستدعي صحة القلب وحضوره وكمال الاصغاء».

ثم ذكر ابن القيم أن «المشاهدة» كما يقرر الهروي هي المسقطة للحجاب ، وان أهل الاستقامة يريدون من الشهادة أو المشاهدة قوة اليقين ، ومزيد العلم ، وارتفاع الحجب المانعة من ذلك ، ونستطيع بعد هذا أن نفهم أن الشهادة هي أن يكون الانسان حاضر القلب يقظ العقل شفاف الروح ، وكأنه يستجيب لداعي الخير بحسه ونفسه ، وعقله وقلبه ، وروحه ووجدانه.

والشهادة التي تعد فضيلة من فضائل الاسلام ، وخلقا من أخلاق القرآن ، هي تلك الصفة التي تدفع صاحبها الحاضر القلب ، اليقظ العقل ، الشفاف الروح ، الى الابتعاد عن الآثام والسيئات ، والى التحصن بالحسنات والطاعات ، وبذلك يصبح أفضل من غيره من الضالين أو المقصرين ، وبذلك يصلح أن يكون شاهدا على غيره ، حيث لا يصلح لهذه الشهادة الا من شهد الحق فلزمه وخضع له ، وفاق غيره ايمانا وعملا وسلوكا وقولا.

وهذا المعنى القرآني للشهادة يرمز اليه كتاب الله عز شأنه حين يقول في سورة النساء :

«إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ ، وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً ، فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ ، وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً»(١).

__________________

(١) سورة النساء ، الآيتان ٤٠ و ٤١.

١٢٩

وقد أوضح الاستاذ الامام محمد عبده جوانب لفضيلة الشهادة ، حين تعرض للكلام عن هذا النص المجيد ، فقال : «اذا كان الله لا يضيع من عمل عامل مثقال ذرة ، فكيف يكون حال الناس اذا جمعهم الله ، وجاء بالشهداء عليهم ، وهم الانبياء ، فما من أمة الا ولها بشير ونذير؟!.

هذه الشهادة هي التي غفل عنها الناس ، وبكى لها النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ اذ أمر بعض الصحابة بأن يقرأ عليه شيئا من القرآن ، وهو صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعلم الناس بالقرآن.

هذه الشهادة يوم يجمع الله الناس مع أنبيائهم ، هي عبارة عن مقابلة عقائدهم وأخلاقهم وأعمالهم بعقائد الانبياء وأعمالهم وأخلاقهم.

تعرض أعمال كل أمة على نبيها ، لا فرق بين اليهود والنصارى والمسلمين ، وسائر أتباع الانبياء ، فمن شهد لهم نبيهم ، بعد معرفة أعمالهم وظهورها بأنهم على ما جاء به وعمل ، وأمر الناس بالعمل به ، فهم الناجون.

ان كل أمة من أتباع الانبياء تدّعي اتباع نبيها ، وان كانت قلوبهم مملوءة بالحقد والحسد والغل ، وأعمالهم كلها شرورا ومفاسد عليهم وعلى الناس ، فهؤلاء يتبرأ الانبياء منهم ، وان ادعوا أنهم أتباعهم ومنتمون اليهم».

* * *

والشهادة فيها معنى الرقابة على الغير ، وذلك كما في قول الحق جل جلاله في سورة يونس :

«وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ»(١).

أي كنا رقباء عليكم.

__________________

(١) سورة يونس ، الآية ٦١.

١٣٠

ولا يصلح المرء للرقابة على غيره الا اذا كان الرقيب أفضل من غيره ، لان في الرقابة معنى من الولاية ، وحق الفاضل أن يتولى المفضول ، ولذلك كان الرسول عليه الصلاة والسلام أحق الافراد بالشهادة على أتباعه ، وفي هذا يقول القرآن المجيد في سورة المزمل :

«إِنَّا أَرْسَلْنا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شاهِداً عَلَيْكُمْ»(١).

ويقول في سورة المائدة على لسان عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام :

«وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ»(٢).

ويقول القرآن الكريم في سورة البقرة :

«وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً»(٣).

وخلاصة المعنى في ذلك كما تحدث تفسير المنار أن الله جعلهم أمة ذات عدل وتوسط ، لأن الزيادة على المطلوب في الامر افراط ، ولأن النقص عنه تقصير وتفريط ، وكل من الافراط والتفريط ميل عن الصراط المستقيم ، فالخيار هو الوسط بين طرفي الامر ، أي المتوسط بينهما.

وانما جعلكم كذلك لتكونوا شهداء بالحق على الناس بما فرّطوا في جنب الدين أو أفرطوا فيه ، فأنتم تشهدون على الذين فرطوا فأنكروا

__________________

(١) سورة المزمل ، الآية ١٥.

(٢) سورة المائدة ، الآية ١١٧.

(٣) سورة البقرة ، الآية ١٤٣.

١٣١

البعث وقالوا : «ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا» بأنهم أخلدوا الى البهيمية ، وقضوا على استعدادهم بالحرمان من المزايا الروحية.

وتشهدون على الذين أفرطوا بالغلو في الدين الزاعمين أن الدين حبس للارواح ، وعقوبة لها ، فلا بد من اجتناب كل اللذات ، وتعذيب الاجساد والنفوس ، تشهدون على هؤلاء بأنهم انحرفوا عن جادة الاعتدال ... تشهدون على هؤلاء وهؤلاء ، وتسبقون الامم باعتدالكم وتوسطكم في الامور كلها ، ذلك بأن ما اهتديتم اليه هو الكمال الانساني الذي يستحق صاحبه أن يتحلى بفضيلة «الشهادة» التي تتضمن معنى السبق والقوامة الناشىء عن اجتناب السوء والتزام الخير والعدل ، لأن صاحب هذه الشهادة يعطي كل ذي حق حقه : يؤدي حقوق ربه ، وحقوق روحه ، وحقوق بدنه ، وحقوق الناس.

وما دام الرسول عليه الصلاة والسلام هو الاسوة الحسنة والقدوة الطيبة والمثل الاعلى لكم ، والنموذج الاكمل لمرتبة الوسط ، فانه سيكون عليكم شهيدا ، وأنتم الشهداء على غيركم ، وهو القاضي بين الناس فيمن اتبع سنته ، ومن ابتدع لنفسه تقاليد أخرى في الدين ، أو حذا حذو المبتدعين.

فكما تشهد هذه الأمة الوسط على الناس بسيرتها وحسن جمعها بين مطالب الروح ومطالب الجسد ، وتظهر الفرق بينها وبين غيرها من أهل الافراط أو التفريط ، يشهد لها الرسول بما وافقت فيه سنته ، وما كان لها من القدوة الحسنة فيه ، بأنها استقامت على الطريق ، والتزمت الصراط.

ولقد جاء في صحيح البخاري حديث يتعلق بموضوع الآية السابقة ، فعن أبي سعيد الخدري قال :

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يدعى نوح عليه‌السلام يوم القيامة ، فيقول : لبيك وسعديك يا رب. فيقول : هل بلغت؟. فيقول : نعم.

١٣٢

فيقال لأمته : هل بلغكم؟.

فيقولون : ما أتانا من نذير.

فيقول : من يشهد لك؟.

فيقول : محمد وأمته.

فيشهدون أنه قد بلغ ، ويكون الرسول عليكم شهيدا ، فذلك قوله عزوجل : «وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً».

ثم جاء في رواية الحديث : «فتقول تلك الأمم : كيف يشهد علينا من لم يدركنا؟.

فيقول لهم الرب سبحانه : كيف تشهدون على من لم تدركوا؟.

فيقولون : ربنا بعثت الينا رسولا ، وأنزلت الينا عهدك وكتابك ، وقصصت علينا أنهم قد بلغوا ، فشهدنا بما عهدت الينا.

فيقول الرب : صدقوا.

فذلك قوله عزوجل : «وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً» ـ والوسط العدل ـ «لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ ، وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً».

وعن عبادة بن الصامت قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «أعطيت أمتي ثلاثا لم تعط الا الانبياء : كان الله اذا بعث نبيا قال له : «ادعني أستجب لك ، وقال لهذه الأمة : ادعوني أستجب لكم ، وكان الله اذا بعث النبي قال له : ما جعل عليك في الدين من حرج ، وقال لهذه الأمة : وما جعل عليكم في الدين من حرج ، وكان الله اذا بعث النبي جعله

١٣٣

شهيدا على قومه ، وجعل هذه الامة شهداء على الناس».

* * *

ومن تكريم فضيلة الشهادة أن يصف القرآن الكريم بها رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ أكثر من مرة ، فهو يقول في سورة الاحزاب :

«يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً ، وَداعِياً إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً»(١).

والمعنى كما يذكر القشيري هو : يا أيها المشرّف من قبلنا ، انا أرسلناك شاهدا بوحدانيتنا ، وشاهدا تبشر بمتابعتنا ، وتحذّر من مخالفة أمرنا ، وتعلم الناس مواضع الخوف منا.

أو : يا أيها النبي ، انا أرسلناك شاهدا على أمتك يوم القيامة ، أو شاهدا على الرسل والكتب ، أو : شاهدا لأمتك بتوحيدنا.

ويقول القرآن في سورة النساء :

«فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ ، وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً»(٢).

وعن عبد الله بن مسعود قال : قال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اقرأ عليّ (يعني القرآن).

قلت : يا رسول الله ، أقرأ عليك وعليك أنزل؟!

__________________

(١) سورة الاحزاب ، الآيتان ٤٥ و ٤٦.

(٢) سورة النساء ، الآية ٤١.

١٣٤

قال : نعم ، أحب أن أسمعه من غيري.

فقرأت سورة النساء ، حتى أتيت هذه الآية : «فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ ، وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً».

فقال : حسبك الآن.

فاذا عيناه تذرفان».

وهناك للحديث رواية أخرى جاء فيها : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اقرأ عليّ.

قلت : أقرأ عليك وعليك أنزل؟.

قال : اني أحب أن أسمعه من غيري.

فقرأت عليه سورة النساء حتى بلغت : «فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ ، وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً» ، فرفعت رأسي ـ أو غمزني رجل الى جنبي ـ فرأيت دموعه تسيل.

وعن محمد بن فضالة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أتاهم في بني ظفر ، فجلس على الصخرة التي في بني ظفر ، ومعه ابن مسعود ومعاذ وناس من أصحابه ، فأمر قارئا يقرأ ، حتى اذا أتى على هذه الآية : «فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ ، وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً» بكى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى اخضلت وجنتاه ، فقال : يا رب ، هذا شهدت على من انا بين ظهرانيهم ، فكيف من لم أرهم؟.

ولقد قال العلماء : ان بكاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انما كان لعظيم ما تضمنته الآية من هول المطلع ، وشدة الامر ، اذ يؤتى بالانبياء شهداء على أممهم بالتصديق والتكذيب ، ويؤتى به صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم القيامة شهيدا.

١٣٥

هذا ولقد علق «تفسير المنار» على الآية بهذه الكلمات : «فليت شعري ، هل يعتبر المسلمون بهذا وهم المشهود عليهم ، كما اعتبر الشهيد الاعظم ، فيبكون لتذكر ذلك اليوم كما بكى؟ ويستعدون ـ باتباع سنته ، واجتناب جميع البدع والتقاليد الدينية التي لم تكن في عهده ـ لأن يكونوا كأصحابه أمة وسطا ، لا تفريط عندها في الدين ولا افراط ، لا في أمور الجسد ، ولا في أمور الروح ، أم يظلون سادرين في غلوائهم ، مقلدين لآبائهم؟ ألا يعلمون كيف يكون حال الكافرين والعاصين في ذلك اليوم»؟.

* * *

والشهادة قد تكون بمعنى تقرير الحق وذكره ، حتى لا تضيع لحقوق ، والقيام بهذه الشهادة أمر واجب ، والقائم بها صاحب خلق وفضيلة ، كما أن مهملها أو منكرها صاحب اثم ورذيلة ، وقد وردت في القرآن الحكيم آيات كثيرة تحض على أداء الشهادة ، وتذم تضييعها أو انكارها ، ومنها هذه الآيات :

١ ـ في سورة البقرة :

«وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللهِ»(١).

٢ ـ وفيها أيضا :

«وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ ، وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ»(٢).

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية ١٤٠.

(٢) سورة البقرة ، الآية ٢٨٣.

١٣٦

٣ ـ وفي سورة المائدة :

«وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللهِ إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ»(١).

٤ ـ وفي سورة المعارج :

«وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ»(٢).

وقد أمر القرآن بالصدق والتزام الحق في النهوض بالشهادة ، سواء أكانت للقريب ام للغريب ، للصديق أم للعدو ، ولذلك قال في سورة المائدة :

«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ ، وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا ، اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى ، وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ»(٣).

أي : لقد أتممت عليكم نعمتي ، فكونوا قوامين بالعدل ابتغاء وجه الله ، لتنالوا ثواب الله ، واشهدوا بالحق من غير ميل الى أقاربكم ، ومن غير ظلم لاعدائكم ، ولا تحملنكم عداوة قوم من الناس على ترك العدل ، أو هضم الحق.

وعاد القرآن يؤكد الحث على هذه الفضيلة ، فقال في سورة النساء :

__________________

(١) سورة المائدة ، الآية ١٠٦.

(٢) سورة المعارج ، الآية ٣٣.

(٣) سورة المائدة ، الآية ٨.

١٣٧

«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ، إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللهُ أَوْلى بِهِما ، فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا ، وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً»(١).

أي حافظوا على الحق والعدل في شهادتكم ، ولو على أنفسكم أو آبائكم وأمهاتكم ، أو أقاربكم ، لأن هؤلاء مظنة المودة والتعصب.

ولقد كانت فضيلة الشهادة بالحق سببا في تبرئة نبي الله يوسف عليه‌السلام ، فذلك حيث يقول الحق جل جلاله في سورة يوسف :

«قالَ هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي ، وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ ، وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ ، فَلَمَّا رَأى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ ، يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ»(٢).

وكذلك توسعت السنة المطهرة في الدعوة الى أداء الشهادة لوجه الله ووجه الحق ، فقال الحديث : «خير الشهداء الذي يأتي بشهادته قبل ان

__________________

(١) سورة النساء ، الآية ١٣٥.

(٢) سورة يوسف ، الآيات ٢٦ ـ ٢٩.

١٣٨

يسألها». وكأن هذا حث على التطوع بالشهادة الصادقة ، حتى ولو لم يطلبها أحد من الشهيد ، ولا تعارض بين هذا الحديث والحديث الآخر الذي جاء فيه :

«ان خيركم قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ، ثم يكون بعدهم قوم يشهدون ولا يستشهدون ، ويخونون ولا يؤتمنون ، وينذرون ولا يوفون ، ويظهر فيهم السّمن».

لا تعارض بين الحديثين ، لأن المراد في الحديث الاخير هو شاهد الزور ، اذ يشهد بما لم يستشهد ، أي بما لم يتحمّله ، أو يراد به الذي يدفعه الشره ويحمله على تنفيذ ما يشهد به ، فيبادر مسرعا بالشهادة قبل أن تطلب منه ، فهذا شهادته مردودة ، لأن تسرعه يدل على وجود هوى غالب عند الشاهد.

* * *

وكأن الله جل جلاله أراد ـ وهو سبحانه أعلم بمراده ـ أن يعرّض بالذين يكتمون الحق ويكتمون الشهادة ، فذلك حين أعلم عباده أن اعضاء الضالين واطراف الآثمين ، تشهد عليهم بالحق يوم القيامة ، مع انها لا لسان لها في الدنيا ولا بيان ، وقد ورد هذا التعريض البليغ في مواطن عدة منها :

١ ـ في سورة النور :

«يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ»(١).

٢ ـ في سورة يس :

__________________

(١) سورة النور ، الآية ٢٤.

١٣٩

«الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ»(١).

٣ ـ في سورة فصلت :

«وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ ، حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ ، وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا؟ قالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ ، وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ، وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ ، وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ»(٢).

ولقد علق القشيري في «لطائف الاشارات» على قوله تعالى : «الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ» بهذه العبارات :

«اليوم (٣) سخّر الله أعضاء بدن الانسان بعضها لبعض ، وغدا ينقض هذه العادة ، فتخرج بعض الأعضاء على بعض ، وتجري بينها الخصومة والنزاع ، فأما الكفار فشهادة أعضائهم عليهم مبيدة ، وأما

__________________

(١) سورة يس ، الآية ٦٥.

(٢) سورة فصلت ، الآيات ١٩ ـ ٢٢.

(٣) يقصد بكلمة «اليوم» أيام الدنيا ، ويقصد بكلمة «غدا» يوم القيامة ..

١٤٠