تفسير كتاب الله العزيز - ج ٣

هود بن محكم الهوّاري الأوراسي

تفسير كتاب الله العزيز - ج ٣

المؤلف:

هود بن محكم الهوّاري الأوراسي


المحقق: بالحاج بن سعيد الشريفي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار البصائر للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٢

والعدّة والسلاح.

قال : (فَأَخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٥٧) وَكُنُوزٍ) : أي وأموال (وَمَقامٍ كَرِيمٍ) : (٥٨) : أي منزل حسن. قال : (كَذلِكَ) : أي كذلك كان الخبر ، في تفسير الحسن. وقال بعضهم : (كذلك) أي : هكذا ، ثمّ انقطع الكلام. ثمّ قال : (وَأَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ) (٥٩) : أي رجعوا إلى مصر بعدما أهلك الله فرعون وقومه في تفسير الحسن.

(فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ) (٦٠) : أي اتّبع فرعون وجنوده موسى حين أشرقت الشمس. رجع إلى أوّل القصّة : (فَأَخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) أي : حيث اتّبعوا بني إسرائيل صباح الليلة التي سروا فيها حين أشرقت الشمس.

قوله : (فَلَمَّا تَراءَا الْجَمْعانِ) : أي جمع موسى وجمع فرعون (قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (٦١) قالَ) موسى : (كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ) (٦٢) : أي الطريق.

قال بعضهم : ذكر لنا أنّ مؤمنا من آل فرعون كان بين يدي نبيّ الله موسى يسير ويقول : أين أمرت يا رسول الله؟ فيقول له موسى : أمامك ، فيقول له المؤمن : وهل أمامي إلّا البحر ، فيقول : والله ما كذبت ولا كذبت. ثمّ يسير ساعة ثمّ يلتفت. فيقول : أين أمرت يا رسول الله؟ فيقول : أمامك. فيقول : وهل أمامي إلّا البحر ، فيقول : والله ما كذبت ولا كذبت ، حتّى دخلوا البحر.

قوله : (فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ) جاءه جبريل عليه‌السلام على فرس فأمره أن يضرب البحر بعصاه ، فضربه موسى بعصاه (فَانْفَلَقَ) البحر (فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ) (٦٣) : أي كالجبل العظيم. [صار اثني عشر طريقا ، لكلّ سبط طريق ، وصار ما بين كلّ طريقين منه مثل القناطر] (١). ينظر بعضهم إلى بعض. قال : (وَأَزْلَفْنا ثَمَّ الْآخَرِينَ) (٦٤) : أي أدنينا فرعون وقومه إلى البحر (٢). قال : (وَأَنْجَيْنا مُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ (٦٥) ثُمَ

__________________

ـ سح : «مقوون» فيكون المعنى مقوّون بالعدّة التي نعدّها. انظر اللسان : (حذر) و (أدا) وفيه : «آدى الرجل : أي : قوي ، فهو مؤد ، بالهمز ، أي : شاك السلاح». وانظر تفسير الطبري ، ج ١٩ ص ٧٧ ـ ٧٨.

(١) زيادة من ز ورقة ٢٤٣ ، ومن سع ورقة ٦٣ ظ.

(٢) كذا في جميع المخطوطات : (وَأَزْلَفْنا) أي : «وأدنينا» ، والتأويل صحيح ، لأنّ من معاني أزلف : قرب. ومنه قوله : (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ) [الشعراء : ٩٠] أي : قرّبت وأدنيت. قال أبو عبيدة في المجاز ، ج ٢ ص ٨٧ : ـ

٢٠١

أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ) (٦٦) : أي لّما خرج آخر أصحاب موسى ودخل آخر أصحاب فرعون البحر أمر الله البحر فالتأم (١) عليهم فغرقوا.

قال : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً) : أي لعبرة لمن اعتبر وحذر أن ينزل به ما نزل بهم.

قال : (وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (٦٧) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) (٦٨) : وهي مثل الأولى.

قوله : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ) : أي واقرأ عليهم (نَبَأَ إِبْراهِيمَ) (٦٩) : أي خبر إبراهيم

(إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما تَعْبُدُونَ (٧٠) قالُوا نَعْبُدُ أَصْناماً فَنَظَلُّ لَها) : أي فنقيم لها (عاكِفِينَ) (٧١) : أي عابدين.

(قالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (٧٢) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ) (٧٣) : أي هل يسمعون دعاءكم إذا دعوتموهم لرغبة يعطونكموها أو لضرّ يكشفونه عنكم. أي : إنّها لا تسمع ولا تنفع ولا تضرّ. (قالُوا بَلْ وَجَدْنا آباءَنا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ) (٧٤) : فلم تكن لهم حجّة إلّا هذا القول ، وليس بحجّة.

(قالَ) إبراهيم : (أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (٧٥) أَنْتُمْ وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (٧٦) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ) (٧٧) : يقول : أنتم وآباؤكم الأقدمون عدوّ لي إلّا من عبد ربّ العالمين من آبائكم الأوّلين فإنّه ليس لي بعدوّ. وهذا في تفسير الحسن. وقال الكلبيّ : يعني ما خلطوا بعبادتهم ربّ العالمين فإنّهم عدوّ لي (٢).

قال : (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (٧٨) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ) (٧٩) : أي الذي خلقني وهداني هو الذي يطعمني ويسقيني. (وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (٨٠) وَالَّذِي

__________________

ـ (وَأَزْلَفْنا ثَمَّ الْآخَرِينَ) أي : وجمعنا ، ومنه ليلة المزدلفة ، والحجّة فيها أنّها ليلة جمع. وقال بعضهم وأهلكنا».

(١) كذا في ب وع : «التأم» وفي سع ورقة ٦٣ ظ ، وسح ورقة ٧ : «تغطمط البحر عليهم» أي : اضطربت أمواجه بشدة. «والغطمطة : صوت السيل في الوادي» كما جاء في اللسان : (غطمط).

(٢) وقال الفرّاء في المعاني ، ج ٢ ص ٢٨١ : «قوله : (فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ) أي : كلّ آلهة لكم فلا أعبدها إلّا ربّ العالمين فإنّي أعبده. ونصبه بالاستثناء ، كأنّه قال : هم عدوّ غير معبود إلّا ربّ العالمين فإنّي أعبده ، وإنّما قالوا : (فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي) أي : لو عبدتهم كانوا لي يوم القيامة ضدّا وعدوّا».

٢٠٢

يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ) (٨١) : يعني البعث.

(وَالَّذِي أَطْمَعُ) : وهذا طمع اليقين (أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ) (٨٢) : أي يوم يدين الله الناس فيه بأعمالهم في تفسير بعضهم. وقال مجاهد : يوم الحساب ، وهو واحد. وقوله : (خَطِيئَتِي) يعني قوله : (إِنِّي سَقِيمٌ) (٨٩) [الصافات : ٨٩] وقوله : (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا) [الأنبياء : ٦٣] ، وقوله لسارّة : إن سألوك فقولي إنّك أختي. ذكروه بإسناد عن النبيّ عليه‌السلام (١).

قوله : (رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً) : أي ثبّتني على النبوّة (وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) (٨٣) : أي أهل الجنّة. (وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ) (٨٤) فليس من أهل دين إلّا وهم يتولّونه ويحبّونه ، وهي مثل قوله : (وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ) (١٠٨) [الصافات : ١٠٨] أي : أبقينا عليه الثناء الحسن في الآخرين.

قوله : (وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ) (٨٥) : وهو اسم من أسماء الجنّة. (وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ) (٨٦) قال إبراهيم هذا في حياة أبيه ، وكان طمع أن يؤمن ، فلمّا تبيّن له أنّه من أهل النار لم يدع له.

قوله : (وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ) (٨٧) : ذكر الحسن قال : إنّ أبا إبراهيم يأخذ بحجزة إبراهيم يوم القيامة فيقول إبراهيم : يا ربّ ، وعدتني ألّا تخزني. فبينما هو كذلك أفلتت يده فلم يره إلّا وهو يهوي في النار كأنه ضبعان أمدر (٢) ، فأعرض بوجهه : وأمسك بأنفه فقال : ربّ ، ليس بأبي.

ذكروا عن قيس بن عباد قال : بينما الناس على باب الجسر ، يعني جسر جهنّم ، إذ جاء رجل ، وهو أحد عباد الله الصالحين ـ وذكر الحسن أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : هو أبو إبراهيم ـ قال قيس بن عباد : وهو آخذ بيد أبيه فيقول : ربّ أبي ، وقد وعدتني ألّا تخزني. قال : فلا يزال كذلك حتّى يحوّله

__________________

(١) وسنده كما جاء في سع ورقة ٦٤ و ، وفي سح ورقة ٨ : «قال يحيى : وحدّثنيه همّام عن قتادة عن أنس بن مالك عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم».

(٢) الضّبعان ، بكسر أوّله وسكون ثانيه ، الذكر من الضباع. والأمدر العظيم البطن ، المنتفخ الجنبين. وقيل : «الأمدر من الضباع : الذي في جسده لمع من سلحه ، ويقال : لون له». انظر اللسان ، والصحاح : (مدر).

٢٠٣

في صورة ضبعان أمدر ، فيرسله فيقول : ربّ ، ليس بأبي.

قوله : (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ (٨٨) إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) (٨٩) : أي من الشرك.

قوله : (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ) : (٩٠) أي وأدنيت الجنّة للمتّقين (وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ) (٩١) : أي أظهرت الجحيم ، أي : النار ، للغاوين ، أي : الضالّين ، والغاوون ههنا الضالّون المشركون.

(وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (٩٢) مِنْ دُونِ اللهِ) : أي الشياطين الذين دعوهم إلى عبادة ما عبدوا من دون الله. (هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ) : أي هل يمنعونكم من عذاب الله. (أَوْ يَنْتَصِرُونَ) (٩٣) : أي أو يمتنعون من عذاب الله.

قال : (فَكُبْكِبُوا فِيها) : أي فقذفوا فيها (١) ، يعني المشركين (هُمْ وَالْغاوُونَ) (٩٤) : أي الشياطين. قال : (وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ) (٩٥) : أي من المشركين والمنافقين ، وهم جميع جنود إبليس.

(قالُوا) : يعني المشركين خاصّة للشياطين (وَهُمْ فِيها يَخْتَصِمُونَ) (٩٦) : أي المشركون والشياطين. وخصومتهم تبرّؤ بعضهم من بعض ، ولعن بعضهم بعضا : (تَاللهِ) قسم ، يقسمون بالله (إِنْ كُنَّا) : أي في الدنيا (لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (٩٧) : أي بيّن (إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ) (٩٨) : أي نتّخذكم آلهة.

قوله : (وَما أَضَلَّنا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ) (٩٩) : أي إلّا الشياطين ، أي : هم أضلّونا ، أي : لما دعوهم إليه من عبادة الأوثان. (فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ) (١٠٠) : أي يشفعون لنا اليوم عند الله ، أي : حتّى لا يعذّبنا (وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ) (١٠١) : أي شفيق ، في تفسير مجاهد ، يحمل عنّا من ذنوبنا كما كان يحمل ذو القرابة عن قرابته ، والصديق عن صديقه. كقوله : (فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ

__________________

(١) قال أبو عبيدة في المجاز ، ج ٢ ص ٨٧ : (فَكُبْكِبُوا فِيها) أي : طرح بعضهم على بعض جماعة جماعة». وقال ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن ، ص ٣١٨ : «أي : ألقوا على رؤوسهم ، وأصل الحرف : كببوا من قولك : كببت الإناء ، فأبدل من الباء الوسطى كافا استثقالا لاجتماع ثلاث باءات ...» ، وقال الراغب الأصفهاني : «الكبّ : إسقاط الشيء على وجهه ... والكبكبة تدهور الشيء على وجهه».

٢٠٤

الشَّافِعِينَ) (٤٨) [المدّثّر : ٤٨] (فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً) : أي رجعة إلى الدنيا (فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (١٠٢).

قال الله : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٠٣) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) (١٠٤) : وهي مثل الأولى.

قوله : (كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ) (١٠٥) : يعني نوحا (إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ) : أخوهم في النسب وليس بأخيهم في الدين (أَلا تَتَّقُونَ) (١٠٦) : يأمرهم أن يتّقوا الله (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ) (١٠٧) : أي على ما جئتكم به من الهدى (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٠٨) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ) : أي على ما جئتكم به (مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ) : أي إن ثوابي (إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (١٠٩) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ) (١١٠).

(قالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ) : أي أنصدّقك (وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ) (١١١) : أي سفلة الناس وسقّاطهم. (قالَ وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) (١١٢) : أي بما يعملون. أي : إنّما أقبل منهم الظاهر ، وليس لي بباطن أمرهم علم. (إِنْ حِسابُهُمْ) : [يعني ما جزاؤهم] (١) (إِلَّا عَلى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ (١١٣) وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ) (١١٤) : [يعنيهم] (٢) (إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ) (١١٥).

(قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ) : أي عمّا تدعونا إليه وعن ذمّ آلهتنا وشتمها (لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ) (١١٦) : أي لنرجمنّك بالحجارة فلنقتلنّك بها.

(قالَ) نوح : (رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ (١١٧) فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً) : أي اقض بيني وبينهم ، وإذا قضى الله بين النبيّ وبين قومه هلكوا. (وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (١١٨) وهذا حيث أمر بالدعاء عليهم ، فاستجيب له ، فأهلكهم الله ونجّاه ومن معه من المؤمنين.

قال : (فَأَنْجَيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) (١١٩) : والمشحون : الموقر بحمله ممّا حمل نوح في السفينة من كلّ زوج اثنين ومن معه من المؤمنين. كان معه امرأته وثلاث بنين له : سام

__________________

(١) زيادة من سع ورقة ٦٤ ظ ، ومن سح ورقة ١٠.

(٢) زيادة من سع ورقة ٦٤ ظ ، ومن سح ورقة ١٠.

٢٠٥

وحام ويافث ونساؤهم ؛ فجميعهم ثمانية.

قال : (ثُمَّ أَغْرَقْنا بَعْدُ) : أي بعد من أنجى في السفينة (الْباقِينَ) : (١٢٠) : وهم قوم نوح. وفيها تقديم : ثمّ أغرقنا الباقين بعد.

(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٢١) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) (١٢٢) : وهي مثل الأولى.

قوله : (كَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِينَ) (١٢٣) : يعني هودا. ومن كذّب رسولا واحدا فقد كذّب المرسلين كلّهم. (إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ) : أي أخوهم في النسب ، وليس بأخيهم في الدين (أَلا تَتَّقُونَ) (١٢٤) : أي الله ؛ يأمرهم أن يتّقوا الله (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ) (١٢٥) : أي على ما جئتكم به (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٢٦) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ) : أي على ما جئتكم به (مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ) : أي ثوابي (إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ) (١٢٧).

(أَتَبْنُونَ) على الاستفهام ، أي : قد فعلتم (بِكُلِّ رِيعٍ) : أي بكلّ طريق في تفسير بعضهم ، قال مجاهد : بكلّ فجّ ، أي : طريق (١) بين جبلين (آيَةً) : أي علما (تَعْبَثُونَ) (١٢٨) : أي تلعبون. قال : (وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ) : أي البناء ، في تفسير الحسن. وقال الكلبيّ : القصور ، ويقال : مصانع للماء (٢) (لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ) (١٢٩) : أي في الدنيا ، أي : لا تخلدون فيها. وقال بعضهم في بعض القراءة : وتتّخذون مصانع كأنّكم تخلدون.

قوله : (وَإِذا بَطَشْتُمْ) : أي بالمؤمنين (بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ) (١٣٠) : أي قتّالين (٣) ، تعدون

__________________

(١) لفظ طريق غير موجود في تفسير مجاهد ولا في سع ولا في سح. ولعلّها من زيادة بعض نسّاخ ب وع. ففي الدرّ المنثور : «عن مجاهد : بكل فجّ بين جبلين». وقال أبو عبيدة في المجاز ، ج ٢ ص ٨٨ : (بِكُلِّ رِيعٍ) وهو الارتفاع من الأرض والطريق ، والجميع أرياع وريعة». وهو ما قاله أيضا ابن أبي زمنين في ز ، ورقة ٢٤٤ ، قال : «الريع الارتفاع من الأرض. قال الشماخ :

سقى دار سعدى حيث شطّ بها النوى

فأنعم منها كلّ ريع وفدفد».

(٢) كذا في ب وع. وفي سع وسح : «مصانع للماء». وفي تفسير الطبريّ ، ج ١٩ ص ٩٥ : «مآخذ للماء» ، والقول لقتادة. وقال أبو عبيدة في المجاز ، ج ٢ ص ٨٨ : «وكلّ بناء مصنعة».

(٣) كذا في ب وع وسع وسح ، وفي ز ورقة ٢٤٤ : «قتّالين بغير حقّ».

٢٠٦

عليهم. هود يقوله لهم ؛ أي : أسرفتم في العقوبة.

(فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٣١) وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ) (١٣٢) : ثمّ أخبرهم بالذي أمدّهم به فقال : (أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ (١٣٣) وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (١٣٤) إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) (١٣٥).

(قالُوا سَواءٌ عَلَيْنا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْواعِظِينَ) (١٣٦) : أي أو لم تعظنا (إِنْ هذا) : أي الذي جئتنا به (إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ) (١٣٧) : أي تخلّقهم للكذب (١).

وقال بعضهم : إن هذا إلّا خلق الأوّلين ، أي : هكذا كان الناس قبلنا ، يعيشون ما عاشوا ثمّ يموتون ، ولا بعث عليهم ولا حساب. يعني هكذا كان الخلق قبلنا ونحن مثلهم.

وبعضهم يقول : (خُلُقُ الْأَوَّلِينَ) : دين الأوّلين ، يعنون ما هم عليه من الشرك. (وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ) (١٣٨) : أي لا نبعث ولا نعذّب.

قال الله : (فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْناهُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٣٩) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) (١٤٠) : وهي مثل الأولى.

قوله : (كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ) : (١٤١) يعني صالحا (إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صالِحٌ) أي أخوهم في النسب وليس بأخيهم في الدين (أَلا تَتَّقُونَ) (١٤٢) : أي ألا تتّقون الله ، يأمرهم أن يتّقوا الله (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ) (١٤٣) : أي على ما جئتكم به (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٤٤) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ) : أي إن ثوابي (إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ) (١٤٥).

قوله : (أَتُتْرَكُونَ فِي ما هاهُنا آمِنِينَ) (١٤٦) : على الاستفهام. أي : لا تتركون فيه.

(فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (١٤٧) وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ) (١٤٨) : أي هشيم ، أي : يتهشّم إذا مسّ ، في تفسير مجاهد. وقال الحسن : رخو. وقال بعضهم : ليّن ، وقال الكلبيّ : لطيف ، وهو

__________________

(١) يقال : تخلّق الكذب واختلقه أي : افتراه وابتدعه. وقال الفرّاء في المعاني ، ج ٢ ص ٢٨١ : «قوله : (خُلُقُ الْأَوَّلِينَ) وقراءة الكسائي : (خُلُقُ الْأَوَّلِينَ). قال الفرّاء : وقراءتي : (خلق الأولين) فمن قرأ : (خلق) يقول : اختلاقهم وكذبهم. ومن قرأ : (خلق الأولين) يقول : عادة الأوّلين ، أي : وراثة أبيك عن أوّل. والعرب تقول : حدّثنا بأحاديث الخلق ، وهي الخرافات المفتعلة وأشباهها ، فلذلك اخترت الخلق».

٢٠٧

الطلع ما لم ينشق (١).

قوله : (وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ) (١٤٩) : أي شرهين في تفسير مجاهد. من قبل شره النفس. وقال الحسن : آمنين. وقال الكلبيّ : حذقين بصنعتها (٢).

(فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٥٠) وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (١٥١) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ (١٥٢) قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ) (١٥٣) : أي أنت من المخلوقين. قال الحسن ومجاهد : من المسحورين. وقال الكلبيّ : المسحّر الذي ليس له ملك ولا شيء.

(ما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) (١٥٤) : أي بما جئتنا به. قالوا له : إن كنت صادقا فأخرج لنا من هذه الصخرة ناقة ، وكانت صخرة يصبّون عليها اللبن في سنتهم. فدعا الله فتصدّعت الصخرة ، فخرجت منها ناقة عشراء (٣) فنتجت فصيلا.

(قالَ هذِهِ ناقَةٌ لَها شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ) (١٥٥) فكانت تشرب الماء يوما ويشربونه يوما.

قال بعضهم : كان إذا كان يوم شربها أضرّت بمواشيهم وزروعهم ، ولم تضرّ بشفاههم (٤) ، في قول الحسن ؛ وإذا كان يوم شربهم كان لأنفسهم ولمواشيهم وأرضهم. وبعضهم يقول : كانوا

__________________

(١) في ب وع : «ومن النخل ما ينشق» وهو خطأ ، والتصحيح من سع وسح. وقال أبو عبيدة : (وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ) أي : قد ضمّ بعضه بعضا ، وهي النخل ، وهو النخل ، يذكّر ويؤنّث ، وفي آية أخرى : (أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ) [القمر : ٢٠].

(٢) وقال أبو عبيدة في المجاز ، ج ٢ ص ٨٨ : (فارِهِينَ) أي : حذقين ، وقال آخرون : (فارِهِينَ) أي : مرحين. وقال عديّ بن وداع العقوي من العقاة بن عمرو بن مالك بن فهم من الأزد :

لا أستكين إذا ما أزمة أزمت

وإن تراني بخير فاره اللبب

أي : مرح اللبب. ويجوز (فرهين) في معنى فارهين». وقال الفرّاء في المعاني ، ج ٢ ص ٢٨٢ : «(فارهين) : حاذقين ، و (فرهين) أشرين».

(٣) ناقة عشراء ، ونوق عشار وعشراوات ، هي الناقة التي مضى على حملها عشرة أشهر. ثمّ لا يزال اسمها كذلك حتّى تضع ، وبعد ما تضع أيضا. ونتجت الناقة : إذا ولدت.

(٤) كذا وردت هذه العبارة في ب وع وسع : «ولم تضرّ بشفاههم» ، ولست مطمئنّا لها فلعلّ بها تصحيفا. اللهم إلّا أن كان معناها لم تضرّ بهم ، فلم يعطشواهم.

٢٠٨

يحلبونها يوم شربها ، فإذا كان يوم شربهم كان اللبن لفصيلها. وقال بعضهم : ما ذكر لها لبن. وقال بعضهم : بلغنا أنّها كانت تأتي الماء من فجّ وترجع من آخر ، يضيق عليها الفج الأوّل إذا شربت.

قوله : (وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ) : أي لا تعقروها (فَيَأْخُذَكُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٥٦) فَعَقَرُوها فَأَصْبَحُوا نادِمِينَ (١٥٧) فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ).

وكان أوّل سبب عقرهم إيّاها أنّها كانت تضرّ بمواشيهم وأرضهم. كانت مواشيهم لا تقرّ مع الناقة ؛ كانت المواشي إذا رأتها هربت منها. فإذا كان الصيف صافت الناقة بظهر الوادي في برده وخصبه وطيبه ، ومضت مواشيهم إلى بطن الوادي في جدبه وحرّه. وإذا كان الشتاء شتت الناقة في بطن الوادي في دفئه وخصبه ، وصدّت مواشيهم إلى ظهر الوادي في جدبه وبرده ، حتّى أضرّ ذلك بمواشيهم ، للأمر الذي أراد الله بهم.

فبينا قوم منهم جلوس يشربون الخمر فني الماء الذي يمزجون به ، فبعثوا رجلا يأتيهم بالماء ، وكان يوم شرب الناقة ، فرجع إليهم بغير ماء ، وقال : حالت الناقة بيني وبين الماء. ثمّ بعثوا آخر فقال مثل ذلك. فقال بعضهم لبعض : ما تنتظرون ، قد منعتنا الماء ومنعت مواشينا الرعي ، وأضرّت بأرضنا. فانبعث أشقاها فعقروها وقتلوها فتذامروا (١) وقالوا : عليكم بالفصيل. وصعد الفصيل القارة ؛ والقارة : الجبل (٢). قال الحسن : وكان ذلك عن رضى منهم.

فقال لهم صالح : (تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ) [هود : ٦٥] قال بعضهم : ذكر لنا أنّ صالحا حين أخبرهم أنّ العذاب يأتيهم لبسوا الأنطاع والأكسية وأطلوا فقال لهم : آية ذلك أن تصفرّ وجوهكم في اليوم الأوّل ، وتحمرّ في اليوم الثاني ، وتسودّ في اليوم الثالث. فلمّا كان اليوم الثالث استقبل الفصيل القبلة. وقال : يا ربّ أمّي ، يا ربّ أمّي ، فأرسل الله عليهم العذاب عند ذلك.

قال : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٥٨) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ

__________________

(١) في ب وع : «فتوامروا» وأصله التآمر بمعنى التشاور ، وفي سع ورقة ٦٥ و ، وسح ورقة ١٤ : «فتذامروا» وتذامر القوم : تلاوموا وحضّ بعضهم بعضا. وفي ز ، ورقة ٢٤٥ : «وتصافحوا». والراجح عندي ما أثبتّه : «تذامروا».

(٢) كذا في ب وع وسع وسح : «القارة» ، وجمعها قار وقور ، وهي الأكمة ، وفي ز : «وصعد الفصيل الجبل».

٢٠٩

الرَّحِيمُ) (١٥٩) : وهي مثل الأولى.

قوله : (كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ) (١٦٠) : يعني لوطا (إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ) : أي أخوهم في النسب وليس بأخيهم في الدين (أَلا تَتَّقُونَ) (١٦١) : أي ألا تتّقون الله ، يأمرهم أن يتّقوا الله (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ) (١٦٢) : أي على ما جئتكم به (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٦٣) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ) : أي إن ثوابي (إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ) (١٦٤).

قوله : (أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ (١٦٥) وَتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ) أي أقبال النساء. وهذا على الاستفهام ، أي : قد فعلتم. (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ) (١٦٦). (قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ) (١٦٧) : أي من قريتنا ، أي : نقتلك ونخرجك منها قتيلا. (قالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ) : (١٦٨) أي من المبغضين. ثمّ قال : (رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ) (١٦٩) : وأهله أمّته المؤمنون. قال الله : (فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (١٧٠) إِلَّا عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ) (١٧١) : أي غبرت ، أي : بقيت في عذاب الله ، لم ينجها. (ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ) (١٧٢) : أي قوم لوط وامرأته معهم. وكانت منافقة [تظهر للوط الإيمان وهي على الشرك] (١). قوله : (وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً) : قال بعضهم : أمطر الله على قرية قوم لوط حجارة (فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ) (١٧٣) : أي فبئس مطر المنذرين ، أي : أنذرهم لوط فلم يقبلوا فأصاب قريتهم الخسف وأصابت الحجارة من كان خارجا من القرية وأهل السفر منهم ، وأصاب العجوز حجر فقتلها. قال : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٧٤) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) (١٧٥) : وهي مثل الأولى. قوله : (كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ) (١٧٦) : يعني شعيبا. وكان شعيب بعث إلى أمّتين (٢). والأيكة : الغيضة (٣).

__________________

(١) زيادة من سع ورقة ٦٥ و.

(٢) أخرج الطبريّ عن ابن زيد أنّ الله «بعث شعيبا إلى قومه من أهل مدين ، وإلى أهل البادية». وقد ردّ ابن كثير هذا القول ولم يرتضه. انظر تفسير الطبريّ ، ج ١٩ ص ١٠٧. وانظر تفسير ابن كثير ، ج ٥ ص ٢٠٢ حيث يقول : إنّ مدين وأصحاب الأيكة أمّة واحدة. قال : «والصحيح أنّهم أمّة واحدة وصفوا في كلّ مقام بشيء». وانظر ابن الجوزي ، زاد المسير ، ج ٦ ص ١٤١ ، ففيه ذكر لاختلاف المفسّرين في الموضوع. والله أعلم.

(٣) الأيكة أو الغيضة هو ملتفّ الشجر. قال أبو عبيدة في المجاز ، ج ٢ ص ٩٠ : (أَصْحابُ الْأَيْكَةِ) وجمعها ـ

٢١٠

(إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ) (١٧٧) : يأمرهم أن يتّقوا الله (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ) (١٧٨) : أي على ما جئتكم به. (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٧٩) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ) : أي ثوابي (إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ) (١٨٠).

(أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ) (١٨١) : أي من المنتقصين الذين ينقصون الناس حقوقهم. (وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ) (١٨٢) أي : العدل ، بالرومية.(وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ) : أي الذي لهم من العدل ، وكانوا أهل تطفيف ونقصان في الميزان. (وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (١٨٣) وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ) (١٨٤) : أي والخليقة الأوّلين (١).

(قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ) (١٨٥) : وهي مثل الأولى (وَما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ) (١٨٦) : أي فيما تدّعي من الرسالة (فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) (١٨٧) : والكسف القطعة. (إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) أي : بما جئتنا به. (قالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ) (١٨٨). قال الله : (فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كانَ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) (١٨٩). لا ذكروا أنّهم كانوا أصحاب غيضة. والغيضة هي الغابة والشجر متكاوس (٢).

وكان عامّة شجرهم الدّوم ، هذا المقل (٣). فسلّط الله عليهم الحرّ سبعة أيّام ، فكان لا يكنّهم شيء. فبعث الله سحابة فلجأوا (٤) تحتها يلتمسون الرّوح ، فجعلها الله عليهم عذابا ؛ جعل تلك السحابة نارا عليهم ، فاضطرمت عليهم فهلكوا ؛ فذلك قوله : (فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ) يعني

__________________

ـ أيك ، وهي جماع من الشجر».

(١) قال أبو عبيدة في المجاز : يقال : عثيت تعثى عثوا ، وهي أشدّ الفساد والخراب. (وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ) أي : الخلق ، وجاء خبرها على المعنى الجماع ؛ وإذا نزعت الهاء من آخرها ضممت أوّله كما هو في آية أخرى : (وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا) [يس : ٦٢].

(٢) تكاوس الشجر ، أي : كثر والتفّ.

(٣) كذا في سع وسح : «هذا المقل» ، وفي ع وب : «وهو المقل». وفي اللسان : الدوم : شجر يشبه النخل ، إلّا أنّه يثمر المقل ، وله ليف وخوص مثل ليف النخل. وواحد الدوم دومة.

(٤) كذا في سح ورقة ١٦ : «فلجأوا» وهو أصحّ ، وفي سع ، وب ، وع : «لجّوا».

٢١١

تلك السحابة.

قوله : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٩٠) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) : (١٩١) وهي مثل الأولى.

قوله : (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ) (١٩٢) : يعني القرآن ، (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ) (١٩٣) : أي جبريل ، وهي تقرأ على وجهين : بالرفع وبالنصب. فمن قرأها بالرفع قال : (نَزَلَ بِهِ) ، خفيفة ، الروح الأمين ، أي : جبريل نزل به. ومن قرأها بالنصب يقول : (نَزَلَ بِهِ) ، مثقّلة ، الله نزّل به الروح الأمين ، أي : الله نزّل جبريل بالقرآن (١). (عَلى قَلْبِكَ) يا محمّد (لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (١٩٤) بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) (١٩٥) : أي بيّن.

(وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ) (١٩٦) : أي وإنّ (٢) القرآن لفي كتب الأوّلين ، أي : التوراة والإنجيل. قال : (أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ) (١٩٧) : وهي تقرأ على وجهين : بالياء والتاء. فمن قرأها بالتاء يقول : قد كانت لهم آية. ومن قرأها بالياء فهو يجعلها عملا في باب كان ، يقول : قد كان لكم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل ، يعني من آمن منهم ؛ فقد كان لهم في إيمانهم به آية. وقال بعضهم : يعني اليهود والنصارى ، إنّهم يجدون محمّدا في التوراة والإنجيل أنّه رسول الله.

قال : (وَلَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ (١٩٨) فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ) : أي محمّد (ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ) (١٩٩) : يقول : لو أنزلناه بلسان أعجميّ لم تؤمن به العرب ، كقوله عزوجل : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ) [إبراهيم : ٤]. قال بعضهم : إذا لكانوا شرّ الناس فيه ، لما فهموه وما دروا ما هو (٣).

__________________

(١) في ب وع تقديم وتأخير في وجهي القراءة ، أثبتّ التصحيح من سح.

(٢) كذا في ب وع وسع : «وإنّه أي : وإنّ القرآن لفي زبر الأوّلين». وفي سح ورقة ١٦ : (وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ) «يقول : وبعث محمّد وأمّته في كتب الأوّلين» ، صحّته ما جاء في ز ورقة ٢٤٥ : «ونعت محمّد وأمّته في كتبهم ، يعني التوراة والإنجيل». ونسب هذا القول إلى مقاتل. والذي عليه الجمهور أنّ الضمير في قوله : (وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ) كناية عن القرآن ، وهو الصحيح إن شاء الله.

(٣) يبدو أنّ المؤلّف وهم في تأويل قوله تعالى : (وَلَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ) حين تحدّث عن إنزال القرآن ـ

٢١٢

قوله عزوجل : (كَذلِكَ سَلَكْناهُ) : [أي : سلكنا التكذيب] (١) (فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ) (٢٠٠) : أي المشركين. وهذا جرم الشرك. (لا يُؤْمِنُونَ بِهِ) : أي بالقرآن (حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ) (٢٠١) : أي الموجع (فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً) : أي فجأة (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٢٠٢) فَيَقُولُوا) : يومئذ عند ذلك (هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ) (٢٠٣) : أي مؤخّرون ، أي : مردّون إلى الدنيا فنؤمن.

قال الله : (أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ) (٢٠٤) : أي على الاستفهام. أي : قد استعجلوا به لقولهم : (ائْتِنا بِعَذابِ اللهِ) [العنكبوت : ٢٩] ، وذلك منهم استهزاء وتكذيب بأنّه لا يأتيهم العذاب.

قوله : (أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ (٢٠٥) ثُمَّ جاءَهُمْ ما كانُوا يُوعَدُونَ) (٢٠٦) : أي العذاب (ما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ) (٢٠٧) : أي في الدنيا.

قوله : (وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ) (٢٠٨) : أي إلّا لها رسل ، أي : إنّه لم يهلك قرية إلّا من بعد قيام الحجّة عليهم والرسل والبيّنة والعذر.

قال : (ذِكْرى) : أي يذكّرهم ويبيّن لهم ويحتجّ عليهم. (وَما كُنَّا ظالِمِينَ) (٢٠٩) : أي لم نكن لنعذّبهم حتّى نحتجّ عليهم ونبيّن لهم ونقطع عذرهم. كقوله : (وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلَّا وَأَهْلُها ظالِمُونَ) (٥٩) [القصص : ٥٩] أي : مشركون ، رادّون على الرسل ما دعوهم إليه.

__________________

ـ بلسان أعجميّ. وقد ذهب أبو عبيدة والفرّاء والطبريّ وغيرهم غير هذا المذهب ، ففرّقوا بين العجم والأعجم. قال أبو عبيدة في المجاز ، ج ٢ ص ٩١ في تفسير الآية : «يقال : رجل أعجم إذا كانت في لسانه عجمة ، ورجل عجميّ ، أي : من العجم وليس من اللسان. والدوابّ عجم ، لأنّها لا تتكلّم ، وجاء في الحديث : العجماء جبار لا تودى ، أي لا دية فيه». وقال الفرّاء في المعاني ، ج ٢ ص ٢٨٣ : «الأعجم في لسانه ، والأعجميّ المنسوب إلى أصله إلى العجم وإن كان فصيحا. ومن قال : أعجم قال للمرأة : عجماء ، إذا لم تحسن العربيّة ، ويجوز أن تقول : عجميّ تريد أعجميّ تنسبه إلى أهله. وقد أكّد ابن جرير الطبريّ في تفسيره ، ج ١٩ ص ١١٥ ما ذهب إليه أبو عبيدة والفرّاء وردّ على ما جاء في تأويل الآية في هذا التفسير ردّا محكما بحجّة لغويّة لا تقبل جدلا. وانظر كذلك تفسير القرطبيّ ، ج ١٣ ص ١٣٩ تجد أقوالا قريبة ممّا ذكروه. وأنا أميل إلى ما ذهب إليه هؤلاء فهو الصحيح إن شاء الله ، لأنّ القرآن نزل بلغة العرب.

(١) زيادة من ز ورقة ٢٤٦ ، ومن معاني الفرّاء ، ج ٢ ص ٢٨٣.

٢١٣

قوله : (وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ) (٢١٠) : قال بعضهم : [وما تنزّلت بكتاب الله] (١) يعني القرآن (وَما يَنْبَغِي لَهُمْ) : أن ينزلوا به (وَما يَسْتَطِيعُونَ) (٢١١) : ذلك.

قال : (إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ) (٢١٢). وكانوا قبل أن يبعث النبيّعليه‌السلام يستمعون أخبارا من أخبار السماء ، وأمّا الوحي فلم يكونوا يقدرون على أن يسمعوه. فلمّا بعث النبيّ عليه‌السلام منعوا من تلك المقاعد التي كانوا يستمعون فيها إلّا ما يسترق أحدهم فيرمى بالشهاب.

ذكروا عن أبي رجاء العطارديّ أنّه كان يقول : كنّا قبل أن يبعث النبيّ عليه‌السلام ما نرى نجما يرمى به. فلمّا كان ذات ليلة إذا النجوم قد رمي بها ، فقلنا : ما هذا الذي نرى؟ إن هذا إلّا أمر حدث ؛ فجاءنا أنّ النبيّ عليه‌السلام قد بعث ؛ فأنزل الله في سورة الجنّ. (وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً) (٩) [الجن : ٩].

قوله : (فَلا تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ) (٢١٣) : وقد عصمه الله من ذلك.

قوله : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (٢١٤) وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (٢١٥).

قال الكلبيّ : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خرج حتّى قام على الصفا ، وقريش في المسجد ، ثمّ نادى : يا صباحاه ، ففزع الناس فخرجوا ، فقالوا : ما لك يا ابن عبد المطلب؟ فقال : يا آل غالب ، فقالوا : هذه غالب عندك. ثمّ نادى : يا آل لؤي ، ثمّ نادى : يا آل كعب ، ثمّ نادى : يا آل مرّة ، ثمّ نادى : يا آل كلاب ، ثمّ نادى : يا آل قصي. فقالت قريش : أنذر الرجل عشيرته الأقربين. انظروا الرجل ماذا يريد. فقال أبو لهب : هذه عشيرتك قد حضروا ، فماذا تريد؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أرأيتم لو أنذرتكم جيشا يصبّحكم أتصدّقونني؟ قالوا : نعم. قال : فإنّي أنذركم النار ، وإنّي لا أملك لكم من الدنيا منفعة ولا من الآخرة نصيبا إلّا أن تقولوا : لا إله إلّا الله (٢) ، فقال أبو لهب : تبّت يداك ، ألهذا

__________________

(١) زيادة من سح ورقة ١٧.

(٢) حديث صحيح متّفق عليه ، أخرجه البخاريّ ومسلم وأحمد والترمذيّ والنسائيّ من طرق مختلفة ؛ أخرجه البخاريّ مثلا في كتاب التفسير ، سورة الشعراء ، عن ابن عبّاس.

٢١٤

جمعتنا؟ فأنزل الله : (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَ) (١) [المسد : ١]. فتفرّقت قريش عنه وقالوا : مجنون يهذي من أمّ رأسه. فأنزل الله : (فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ) (٢١٦).

ذكروا عن الحسن أنّ هذه الآية لّما نزلت دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عشيرته بطنا بطنا ، ثمّ انتهى إلى بني عبد المطّلب فقال : يا بني عبد المطّلب ، إنّي رسول الله إليكم ، لي عملي ولكم عملكم. إنّي لا أملك لكم من الله شيئا ، إنّما أوليائي منكم المتّقون. ألّا لا أعرفنّكم تأتونني تحملون الدنيا على رقابكم ويأتي الناس يحملون الآخرة (١).

قوله : (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (٢١٧) الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ) (٢١٨) : قال بعضهم الذي يراك قائما وجالسا وفي حالاتك. (وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) (٢١٩) : أي في الصلاة. وقال بعضهم : الذي يراك حين تقوم في الصلاة وحدك. (وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) في صلاة الجميع. وقال بعضهم : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يرى في الصلاة من خلفه كما يرى من بين يديه.

ذكروا عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أحسنوا الركوع إذا ركعتم ، وأحسنوا السجود إذا سجدتم ، والذي نفسي بيده إنّي لأراكم من خلف ظهري كما أراكم من بين يديّ في الركوع والسجود (٢).

وقال بعضهم : (الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ) أي : حيث كنت.

قوله : (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (٢٢٠) : أي فلا أسمع منه ولا أعلم منه.

قوله : (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ (٢٢١) تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (٢٢٢) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ) (٢٢٣) : قال بعضهم : الأفّاك الكذّاب.

__________________

(١) أخرجه البخاريّ بمعناه في كتاب التفسير ، سورة الشعراء عن أبي هريرة ، وأخرجه الترمذيّ أيضا في التفسير سورة الشعراء ، عن عائشة ، وفيهما : خصّ بالنداء بني عبد مناف ، وصفيّة بنت عبد المطّلب ، وفاطمة بنت محمّد ، وبني عبد المطلب. وانظر السيوطي الدر المنثور ، ج ٥ ص ٩٦ فقد ورد فيه الحديث مستوفى.

(٢) حديث صحيح ، أخرجه مالك في الموطّأ ، باب العمل ، في جامع الصلاة (رقم ٢٤٦) وأخرجه البخاريّ في كتاب الصلاة ، باب الخشوع في الصلاة ، وأخرجه مسلم في كتاب الصلاة ، باب الأمر بتحسين الصلاة وإتمامها والخشوع فيها ، من حديث أبي هريرة وأنس بن مالك (رقم ٤٢٤ ـ ٤٢٥).

٢١٥

وقال بعضهم : هم الكهنة : ذكروا أنّ الشياطين كانت تصعد إلى السماء فتستمع ، ثمّ تنزل إلى الكهنة فتخبرهم ، فتحدث الكهنة بما نزلت به الشياطين من السمع ، وتخلط الكهنة به كذبا كثيرا فيحدّثون به الناس.

فأمّا ما كان من سمع السماء فيكون حقّا ، وأمّا ما خلطوا به فيكون كذبا.

وأمّا قولهم : (وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ) أي : وجماعتهم كاذبون.

قوله : (وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ) (٢٢٤) : والغاوون الشياطين الذين يلقون الشعر على الشعراء الذي لا يجوز في الدين.

قال الله : (أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ) (٢٢٥) : أي يذهبون في كلّ واد من أودية الكلام. (وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ) (٢٢٦) : يمدحون قوما بباطل ، ويذمّون قوما بباطل.

ثمّ استثنى الله فقال : (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) : وهذه ثنيا الله في الشعراء وغيرهم. والشعراء من المؤمنين الذين استثنى الله : حسّان بن ثابت ، وعبد الله بن رواحة ، وكعب بن مالك (١).

قال : (وَذَكَرُوا اللهَ كَثِيراً) : أي في غير وقت ، (وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا) : أي من بعد ما ظلمهم المشركون. أي : انتصروا بالكلام ، وهذا قبل أن يؤمر بقتالهم. (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا) : أي الذين أشركوا من الشعراء وغيرهم. (أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) (٢٢٧) : أي من بين يدي الله إذا وقفوا بين يديه يوم القيامة. أي : إنّهم سيعلمون حينئذ أنّهم سينقلبون من بين يدي الله إلى النار في يوم لا تنفعهم الندامة. نسأل الله العصمة.

* * *

__________________

(١) اقرأ بعض أشعارهم في مدح الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ووصف المسلمين في غزواتهم مع رسول الله عليه‌السلام ، وكيف كانوا يردّون على بعض شعراء المشركين ، اقرأ ذلك في سيرة ابن هشام فقصائدهم مبثوثة فيها وفي ديوان حسّان بن ثابت.

٢١٦

تفسير سورة النمل وهي مكّيّة كلّها (١)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قوله : (طس تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ وَكِتابٍ مُبِينٍ) (١) : قد فسّرناه في السورة الأولى. قوله : (هُدىً) : أي يهتدون به ، أي : بالقرآن إلى الجنّة (وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ) (٢) : أي بالجنّة.

(الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ) : يعني الصلوات الخمس ، يحافظون على وضوئها ومواقيتها وركوعها وسجودها. قوله : (وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ) : يعني الزكاة المفروضة ، (وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) : (٣) أي يصدّقون ولا يشكّون أنّها كائنة.

(إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) : أي لا يصدّقون بالآخرة أنّها كائنة. (زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ) (٤) : أي فهم في ضلالتهم يلعبون.

قال : (أُوْلئِكَ) الذين هذه صفتهم (الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذابِ) : أي شدّة العذاب (وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ) (٥) : أي خسروا أنفسهم أن يغنموها فصاروا في النار وخسروا الجنّة.

قوله : (وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ) : أي من عند (حَكِيمٍ عَلِيمٍ) (٦) : يعني نفسه ، أي : حكيم في أمره ، عليم بخلقه.

قوله : (إِذْ قالَ مُوسى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ ناراً) : قال بعضهم : إني أحسست نارا (٢). وقال في آية أخرى : (إِذْ رَأى ناراً) [طه : ١٠] أي : رآها نارا عند نفسه ، وإنّما كانت نورا.

(سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ) : أي بخبر الطريق ، وكان على غير الطريق. وقال في آية أخرى : (أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً) (١٠) [طه : ١٠] أي : هداة يهدونني إلى الطريق. (أَوْ آتِيكُمْ بِشِهابٍ قَبَسٍ) (٣) وقال في آية أخرى : (أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ) [القصص : ٢٩] ، (لَعَلَّكُمْ

__________________

(١) كذا في سع : سورة النمل ، وفي سح : «سورة طس التي يذكر فيها النمل». وفي ب وع : «سورة سليمان».

(٢) كذا في سع وفي سح : «أحسست نارا» ، وفي ز : «أبصرت» ، وفي ب وع : «إنّي رأيت نارا».

(٣) قال أبو عبيدة في المجاز : (بِشِهابٍ قَبَسٍ) أي : بشعلة نار. ومجاز (قَبَسٍ) ما اقتبست منها من الجمر».

٢١٧

تَصْطَلُونَ) (٧) : لكي تصطلوا ، وكان شاتيا.

قوله : (فَلَمَّا جاءَها) : أي جاء النار عند نفسه (نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ) : أي إنّها عند موسى نار (وَمَنْ حَوْلَها) : أي الملائكة. وهي في مصحف أبيّ بن كعب : (نودي أن بوركت النّار ومن حولها). (وَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٨) يا مُوسى إِنَّهُ أَنَا اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٩) وَأَلْقِ عَصاكَ) فألقاها (فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ) : أي كأنّها حيّة ، وقال في آية أخرى : (فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى) (٢٠) [طه : ٢٠] ، (وَلَّى مُدْبِراً) : أي من الفرق (وَلَمْ يُعَقِّبْ) (١) : أي ولم يلتفت. وقال مجاهد : ولم يرجع.

(يا مُوسى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ) (١٠) : قال الحسن : (لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ) أي : في الآخرة والدنيا ؛ لأنّهم أهل الولاية وأهل المحبّة (إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ) (١١) : أي فإنّه لا يخاف عندي. وكان موسى ممّن ظلم ثمّ بدّل حسنا بعد سوء فغفر الله له. وهو قتل ذلك القبطيّ ؛ لم يتعمّد قتله ولكنّه تعمّد وكزه.

قوله : (وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ) : أي في جيب قميصك (تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) أي من غير برص. قال الحسن : أخرجها والله كأنّها مصباح ، فعلم موسى أنّه قد لقي ربّه (٢).

قوله : (فِي تِسْعِ آياتٍ) : أي مع تسع آيات (٣). (إِلى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ) (١٢) : والتسع الآيات : يده وعصاه والطوفان والجراد والقمّل والضفادع والدم ، (وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ) [الأعراف : ١٣٠].

قوله : (فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً) : أي بيّنة (قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ) (١٣) : أي بيّن. (وَجَحَدُوا بِها) : أي بآياتنا (وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ) : أي أنّها من عند الله ، (ظُلْماً) : أي ظلما لأنفسهم. وقال في آية أخرى : (وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (٥٧) [البقرة : ٥٧] قال : (وَعُلُوًّا) : أي من باب العلوّ. (فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ

__________________

(١) وكذلك قال أبو عبيدة في المجاز ، ج ٢ ص ٩٢ : «أي : ولم يرجع ، يقال : عقب عليه فأخذه».

(٢) كذا في سع ، وفي سح ، وفي ب : «لقي ربّه» ، وفي ع : «ألقى أمر ربّه ، ولعلّه : «لقّي أمر ربّه» أي : قبله وأخذه.

(٣) قال الفرّاء في المعاني ، ج ٢ ص ٢٨٨ : معناه : افعل هذا ، فهي آية في تسع.

٢١٨

الْمُفْسِدِينَ) (١٤) : أي المشركين. كان عاقبتهم أن دمّر الله عليهم ثمّ صيّرهم إلى النار.

قوله : (وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً وَقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ) (١٥) : يعنيان أهل زمانهم من المؤمنين.

قوله : (وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ) : أي نبوّته وملكه (١) (وَقالَ يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) : يعني كلّ شيء أوتي منه. (إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ) (١٦) : أي البيّن.

قوله : (وَحُشِرَ) : أي وجمع (لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ) (١٧) : أي على كلّ صنف منهم وزعة (٢) تردّ أولاهم على أخراهم. هذا تفسير بعضهم. وقال الحسن : (فَهُمْ يُوزَعُونَ) ، أي : فهم يدفعون لا يتقدّمه منهم أحد. (حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ) : وهو واد بالشام (قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) (١٨) : أي والنمل لا يشعرون أن سليمان يفهم كلامهم (٣).

قال : (فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي) : أي ألهمني (أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي

__________________

(١) قال الفرّاء في المعاني ، ج ٢ ص ٢٨٨ : «كان لداود ـ فيما ذكروا ـ تسعة عشر ولدا ذكرا ، وإنّما خصّ سليمان بالوراثة لأنّها وراثة ملك».

(٢) وزعة : جمع وازع ، وهو في أصله اللغويّ : «الحابس العسكر ، الموكل بالصفوف ، يتقدّم الصفّ فيصلحه ويقدّم ويؤخّر». كما جاء في اللسان : (وزع). وقال أبو عبيدة في المجاز ، ج ٢ ص ٩٢ : (فَهُمْ يُوزَعُونَ) أي : يدفعون فيستحثّ آخرهم ويحبس أوّلهم».

(٣) كذا في المخطوطات الأربع : «والنمل لا يشعرون أنّ سليمان يفهم كلامهم». ويبدو هذا التأويل للجملة الحالية غريبا. وإذا كانت العبارة تحتمله فبتكلّف شديد. وفيه بعد ، ولم أجد فيما بحثت من أوّل هذه الجملة هذا التأويل ، وجمهور المفسّرين على أنّ الجملة «حال من مجموع المتعاطفين ، أي سليمان وجنوده ، والضمير لهما». وهذا المعنى هو أوّل ما يتبادر إلى الذهن لمن تدبّر الآية ، فهو أولى بالاعتبار ، وسياق الكلام يؤكده. وهنالك وجه آخر ذكره بعض المفسّرين وهو أن يرجع الضمير إلى جنود سليمان أي أنّهم لم يشعروا بكلام النملة. وهو تأويل فيه شيء من التكلّف أيضا. وانظر ابن الجوزي ، زاد المسير ، ج ٦ ص ١٦٢.

٢١٩

عِبادِكَ الصَّالِحِينَ) (١٩) : أي أهل الجنّة.

قوله : (وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ) : أي أحاضر هو فلا أراه (أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ) (٢٠) : أي أم هو غائب.

قال بعضهم : ذكر لنا أنّ سليمان أراد أن يأخذ مفازة فدعا الهدهد ، وكان سيّد الهداهد ، ليعلم له مسافة الماء ، وكان قد أعطي من البصر بذلك شيئا لم يعطه غيره من الطير (١).

وقال الكلبيّ : كان يدلّه على الماء إذا نزل الناس. كان ينقر بمنقاره في الأرض ، فيخبر سليمان كم بينه وبين الماء من قامة.

ذكروا أنّ نافع بن الأزرق سأل ابن عبّاس لم تفقّد سليمان الهدهد؟ قال ابن عبّاس : إنّهم كانوا إذا سافروا نقر لهم الهدهد عن أقرب الماء في الأرض. فقال نافع بن الأزرق : وكيف يعلم أقرب الماء في الأرض ولا يعلم بالفخّ حتّى يأخذ بعنقه؟ فقال ابن عبّاس : أما علمت أنّ الحذر لا يغني من القدر شيئا؟!.

قال الحسن : كان سليمان إذا أراد أن يركب جاءته الريح فوضع سرير مملكته عليها ووضعت الكراسي والمجالس على الريح ، وجلس سليمان على سريره ، وجلس وجوه أصحابه على منازلهم في الدين عنده من الجنّ والإنس. والجنّ يومئذ ظاهرة (٢) للإنس ، رجال أمثال الإنس إلّا أنّهم أدم يحجّون جميعا ، ويصلّون جميعا ، ويعتمرون جميعا ، والطير ترفرف على رأسه ورؤوسهم ، والشياطين حرسة لا يدعون أحدا يتقدّم بين يديه. وهو قوله : (فَهُمْ يُوزَعُونَ).

قوله : (لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ) : وعذابه أن ينتف ريشه وأن يدعه في المنزل حتّى يأكله الذرّ والنمل. قوله : (أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) (٢١) : أي بعذر بيّن ، وقال ابن عبّاس : بحجّة بيّنة.

قوله : (فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ) : أي رجع من ساعته (فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ) : أي بلغت ما لم تبلغ أنت ولا جنودك ، وقال بعضهم : علمت ما لم تعلم. (وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ

__________________

(١) كذا في سع وسح. وفي ب وع : «وكان قد أعطي من النظر في ذلك ما لم يعطه غيره من الطير».

(٢) في ب وسع وسح : «ظاهرة» ، وهو الصحيح ، وفي ع : «قاهرة».

٢٢٠