تفسير كتاب الله العزيز - ج ٣

هود بن محكم الهوّاري الأوراسي

تفسير كتاب الله العزيز - ج ٣

المؤلف:

هود بن محكم الهوّاري الأوراسي


المحقق: بالحاج بن سعيد الشريفي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار البصائر للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٢

الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً) (٢٩) : يعني الجنّة.

ذكر مسروق عن عائشة قالت : خيّرنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فاخترناه ، فلم يكن ذلك طلاقا (١). وقال بعض المفسّرين : إنّما خيّرهنّ بين الدنيا والآخرة ولم يخيّرهن الطلاق.

وكان عليّ بن أبي طالب يجعل الخيار إذا اختارت المرأة نفسها إذا خيّرها الرجل تطليقة بائنة. وقال بعضهم : أحسبه قال ذلك من هذه الآية في قوله : (أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلاً). وقال في هذه السورة بعد هذا الموضع : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَراحاً جَمِيلاً) (٤٩) [الأحزاب : ٤٩]. فإذا طلّقها قبل أن يدخل بها تطليقة فإنّها تبين منه بها ، وهي أملك بنفسها ، وهو خاطب ، وإن تزوّجها كانت عنده على تطليقتين.

وقال في سورة البقرة : (وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) [البقرة : ٢٣١] ، وهذا عند انقضاء العدّة قبل أن تنقضي ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة إذا كانت ممّن تحيض ، فإن كانت ممّن لا تحيض وليست بحامل فما لم تنقض ثلاثة أشهر ، وإن كانت حاملا فما لم تضع حملها ، فإن كان في بطنها اثنان أو ثلاثة فما لم تضع الآخر ، فهو يراجعها قبل ذلك إن شاء. فإن انقضت العدّة ولم يراجعها فهي تطليقة بائنة. قال : (أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) [البقرة : ٢٣١]. والتسريح في كتاب الله واحدة بائنة. وكان زيد بن ثابت يقول : إن اختارت نفسها فثلاث.

وكان ابن عمر وعبد الله بن مسعود يقولان : واحدة ، وهو أحقّ بها. فإن اختارته فلا شيء لها ؛ فكأنّهما يقولان : إنّما الخيار في طلاق السنّة على الواحدة ، ولا ينبغي أن يطلّق ثلاثا ثلاثا جميعا ، فإنّما خيّرها على وجه ما ينبغي أن يطلّقها. وأمّا إذا قال : أمرك بيدك ، ففي قولهما : إنّها إذا طلّقت نفسها ثلاثا فهي واحدة على هذا الكلام الأوّل.

وكان عليّ ورجال معه من أصحاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقولون : القول ما قالت. غير أنّ ابن عمر قال : إلّا أن يقول : إنّما ملكتها في واحدة ، فيحلف على ذلك ، ويكون قضاؤها في واحدة. وبه

__________________

(١) كذا في ع وب ، وفي سح : «فلم يعدّه طلاقا». وقد أخرج هذا الحديث البخاريّ في كتاب التفسير ، سورة الأحزاب باب (قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها). من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة. انظر ابن حجر ، فتح الباري ، ج ٤ ص ٥١٩ ـ ٥٢٣.

٣٢١

نأخذ ، وعليه نعتمد.

قوله عزوجل : (يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) : أي الزنا (يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً) (٣٠) : أي هيّنا (١).

(وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ) : أي ومن يطع منكنّ الله ورسوله ، فيما ذكر عكرمة عن ابن عبّاس ، وليس فيه اختلاف. قال : (وَتَعْمَلْ صالِحاً) : يعني التي تقنت منهنّ لله ورسوله (نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ). قال بعضهم : بلغنا أنّ رجلا سأل الحسن : أين يضاعف لها العذاب ضعفين؟ قال : حيث تؤتى أجرها مرّتين ، يعني في الآخرة. قال : (وَأَعْتَدْنا لَها) : أي وأعددنا لها (رِزْقاً كَرِيماً) (٣١) : أي الجنّة.

قوله : (يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ) : ثمّ استأنف الكلام فقال : (فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ) : قال الكلبيّ : هو الكلام الذي فيه ما يهوى المريب. وقال الحسن : فلا تكلّمن بالرفث. وكان أكثر ما يصيب الحدود في ز من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم المنافقون.

قال : (فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ) : قال بعضهم : المرض ههنا الزنا. وقال بعضهم : النفاق. (وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً) (٣٢) : وهذا تبع الكلام الأوّل : (فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ).

قال : (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ) : وهي تقرأ على وجهين : (وقرن (وقرن). فمن قرأها : (وَقَرْنَ) بالفتح ، فهو من القرار ، ومن قرأها (وَقَرْنَ) بالكسر فمن قبل الوقار. قال : (وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى) : أي قبلكم ، في تفسير الحسن. وليس يعني أنّها كانت جاهليّة قبلها ، كقوله :

__________________

(١) قال أبو عبيدة في المجاز ، ج ٢ ص ١٣٦ : (يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ) أي : يجعل لها العذاب ثلاثة أعذبة ؛ لأنّ ضعف الشيء مثله ، وضعفي الشيء مثلا الشيء. ومجاز (يُضاعَفْ) أي : يجعل الشيء شيئين حتّى يكون ثلاثة. فأمّا قوله : يضعّف أي : يجعل الشيء شيئين». وقد روى ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن ، ص ٣٥٠ قول أبي عبيدة هذا فقال : «ولا أراه كذلك ، لأنّه يقول بعد : (وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ) أي : يطعهما. (وَتَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ) فهذا يدلّ على أنّ الضعفين ثمّ أيضا مثلان ...». وأنا أرجّح ما ذهب إليه ابن قتيبة ، فإنّ المضاعفة جعل الشيء نفسه شيئين لا إضافة مثلين إلى المثل. فقد روى أبو عبيدة عن جابر بن زيد عن ابن عبّاس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّه «توضّأ مرّة فقال : هذا وضوء لا تقبل الصلاة إلّا به. ثمّ توضّأ اثنتين اثنتين فقال : من ضاعف ضاعف الله له ، ثمّ توضّأ ثلاثا ثلاثا فقال : هذا وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي». انظر مسند الربيع بن حبيب ، ج ١ ص ٢٩ ـ ٣٠ (رقم ٨٩).

٣٢٢

(عاداً الْأُولى) (٥٠) [النجم : ٥٠] أي : قبلكم. وبعضهم يقول : الجاهليّة التي ولد فيها إبراهيم من قبل الجاهليّة التي ولد فيها محمّد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

ذكروا عن الحسن أنّه قال في تفسيرها : تكون جاهليّة أخرى. ذكروا عن محمّد بن سيرين قال : لا تقوم الساعة حتّى يعبد ذو الخلصة (١) ، فإنّه كان كبير الأوثان في الجاهليّة (٢). وذكروا عن عبد الله بن عمر قال : تنفخ النفخة الأولى وما يعبد الله يومئذ في الأرض.

قال : (وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ) : أي المفروضة ، أي : الصلوات الخمس على وضوئها ومواقيتها وركوعها وسجودها. (وَآتِينَ الزَّكاةَ) : أي المفروضة. (وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ) : أي في كلّ ما تعبّدكنّ به من قول أو عمل.

(إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ) : أي الشيطان الذي يدعوكم إلى المعاصي. وبعضهم يقول : الرجس ، يعني الإثم الذي ذكر في هذه الآيات. (وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (٣٣) : أي من الذنوب.

ذكروا عن أنس بن مالك قال : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان إذا طلع الفجر يقوم على باب عليّ وفاطمة ستّة أشهر فيقول : الصلاة يا أهل البيت ، (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (٣) قال بعضهم : بلغنا أنّ هذه الآية نزلت على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم في بيت أمّ سلمة.

قوله : (وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللهَ كانَ لَطِيفاً خَبِيراً) (٣٤).

__________________

(١) كان ذو الخلصة صنما من أصنام الجاهليّة بتبالة ، بين مكّة واليمن. انظر ما قاله عنه أبو المنذر هشام بن محمّد بن السائب الكلبيّ في كتاب الأصنام ، ص ٣٤ ـ ٣٦. وانظر البكري ، معجم ما استعجم ، ج ١ ص ٥٠٨.

(٢) هذا معنى حديث متّفق عليه أخرجه البخاريّ في كتاب الفتن ، باب تغيير الزمان حتّى تعبد الأوثان ، وأخرجه مسلم في كتاب الفتن وأشراط الساعة ، باب لا تقوم الساعة حتّى تعبد دوس ذا الخلصة (رقم ٢٩٠٦) عن أبي هريرة ولفظه : «لا تقوم الساعة حتّى تضطرب أليات نساء دوس حول ذي الخلصة».

(٣) رواه أحمد في مسنده ، ورواه الترمذيّ في التفسير ، سورة الأحزاب ، وقال الترمذيّ : «حديث حسن غريب». وانظر الدر المنثور ، ج ٥ ص ١٩٩.

٣٢٣

قوله عزوجل : (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) : وهو واحد ، هو كلام مثنى مكرّر ، أي (١) : الصالحات. وقد قال في آية أخرى : (فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٣٥) فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (٣٦) [الذاريات : ٣٥ ـ ٣٦]. والإسلام هو اسم الدين. قال تعالى : (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) [آل عمران : ٨٥] والإسلام هو الإيمان بالله وما أنزل.

قال : (وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ) : والقنوت هو الطاعة لله. وقد قال في آية أخرى : (وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ) أي : وقوموا لله في صلاتكم مطيعين خاشعين.

قوله : (وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقاتِ) : أي الصادقين في القول والعمل المستكملين لجميع فرائض الله.

(وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ) : أي على ما أمرهم الله به وعمّا نهاهم عنه. (وَالْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ) : أي والمتواضعين والمتواضعات. والخشوع هو الخوف الثابت في القلب.

(وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقاتِ) : يعني الزكاة المفروضة.

(وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ) : قال بعضهم : بلغنا أنّه من صام رمضان وثلاثة أيّام من كلّ شهر فهو من الصائمين والصائمات.

(وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ) : أي ممّا لا يحلّ لهم.

(وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ) : وليس في هذا الذكر وقت.

قال : (أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ) : أي لأهل هذه الصفات التي ذكر (مَغْفِرَةً) : أي لذنوبهم (وَأَجْراً عَظِيماً) (٣٥) : أي الجنة. ذكروا عن مجاهد أن أم سلمة قالت : يا رسول الله ، ما بال النساء لا يذكرن مع الرجال في العمل الصالح ، فأنزل الله : (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ ..). إلى آخر الآية (٢).

__________________

(١) وردت هذه العبارة في ع وب هكذا : «مكرّرا يكر الصالحات» ، ولم أوفّق للتصحيف الذي بها حتّى أصحّحها.

(٢) وقيل : إنّ القائلة هي أسماء بنت عميس عند ما رجعت مع زوجها جعفر بن أبي طالب من الحبشة. وقيل : ـ

٣٢٤

قوله : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) : وذلك أنّ رسول الله أراد أن يزوّج زينب بنت جحش زيد بن حارثة فأبت وقالت : أزوّج نفسي رجلا كان عبدك بالأمس؟ وكانت ذات شرف. فلمّا نزلت هذه الآية جعلت أمرها لرسول الله ، فزوّجها إيّاه ، ثمّ صارت بعد سنّة في جميع الدين ، ليس لأحد خيار على قضاء رسول الله وحكمه. قال : (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ) : أي فيما حكما عليه وأمراه به (فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) (٣٦) : أي بيّنا.

قوله : (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ) : يعني زيدا (١) (أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ). قال الله للنبيّ : (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ) : أي مظهره (وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ) : وكان رسول الله يعجبه أن يطلّقها زيد من غير أن يأمره بطلاقها ، فيتزوّجها رسول الله.

وقال الكلبيّ : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أتى زيدا فأبصرها قائمة فأعجبته ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : سبحان الله مقلّب القلوب (٢). فرأى زيد أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد هويها ، فقال : يا رسول الله ، ائذن لي في طلاقها ، فإنّ فيها كبرا ، وإنّها لتؤذيني بلسانها ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : اتّق الله وأمسك عليك زوجك (٣). فأمسكها زيد ما شاء الله ، ثمّ طلّقها. فلمّا انقضت عدّتها أنزل الله نكاحها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من السماء ، فقال : (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ ..). إلى قوله : (فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها). فدعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عند ذلك زيدا فقال : ائت زينب وأخبرها أنّ الله

__________________

ـ إنّها أمّ عمارة الأنصاريّة وهي التي قالت : ما أرى كلّ شيء إلّا للرجال ، وما أرى النساء يذكرن بشيء ، فنزلت هذه الآية ، كما رواه الترمذيّ.

(١) قال بعض المفسّرين : (أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ) بالإسلام ، (وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ) بالعتق فأعتقته.

(٢) هذه من الأخبار التي قال عنها ابن كثير في تفسيره ، ج ٥ ص ٤٦٦ : «ذكر ابن أبي حاتم وابن جرير ههنا آثارا عن بعض السلف رضي الله عنهم أحببنا أن نضرب عنها صفحا لعدم صحّتها فلا نوردها». وصدق ابن كثير. فقد رويت في قصّة زينب هذه إسرائيليّات كثيرة ما أنزل الله بها من سلطان.

(٣) كذا رواه ابن أبي حاتم عن الحسن في تفسير قوله تعالى : (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ) بتقديم الأمر بتقوى الله على الأمر بالإمساك. وأرى أنّ الصواب إثبات نسق الآية كما جاءت في النصّ القرآنيّ : (أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ).

٣٢٥

زوّجنيها (١). فانطلق زيد فاستفتح الباب ، فقيل : من هذا؟ قال : زيد. فقالت : وما حاجة زيد إليّ وقد طلّقني. فقال : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أرسلني. فقالت : مرحبا برسول رسول الله ، ففتح له ، فدخل عليها وهي تبكي. فقال زيد : لا تبكي ، لا يبك الله عينيك ، قد كنت نعمت المرأة ، أو قال : نعمت الزوجة ، إن كنت لتبرّين قسمي ، وتطيعين أمري ، وتبتغين مسرّتي ، فقد أبدلك الله خيرا منّي. فقالت : من؟ لا أبا لك. فقال : رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم. فخرّت ساجدة.

قوله : (وَتَخْشَى النَّاسَ) أي : وتخشى عيب الناس ، أي : يعيبوا ما صنعت.

قوله : (فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً) : والوطر : الحاجة (زَوَّجْناكَها لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ) : أي إثم (فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً). فقال المشركون للنبيّ : يا محمّد ، زعمت أنّ حليلة الابن لا تحلّ للأب ، وقد تزوّجت حليلة ابنك زيد! فقال الله : (لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ) أي : إثم (فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ) أي : إنّ زيدا كان دعيّا ، ولم يكن بابن محمّد. قال الله : (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ) [الأحزاب : ٤٠]. قال : (وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً) (٣٧).

قوله : (ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ) : أي من إثم (فِيما فَرَضَ اللهُ لَهُ) : أي فيما أحلّ الله له. قال بعضهم : هي زينب. وقال الحسن : هي التي وهبت نفسها إذ زوّجه الله إيّاها بغير صداق ، ولكنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد تطوّع عليها فأعطاها الصداق (٢). قال : (سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ) : أي مضوا من قبل. أي : إنّه ليس على الأنبياء من حرج فيما أحلّ الله لهم ، وقد أحلّ لداود مائة امرأة ، ولسليمان ثلاثمائة امرأة وسبعمائة سرّية. قال : (وَكانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَقْدُوراً) (٣٨).

قال : (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللهَ وَكَفى بِاللهِ حَسِيباً) (٣٩) : أي حفيظا لأعمالهم.

قوله : (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ) : يقول : إنّ محمّدا لم يكن بأبي زيد ، ولكن

__________________

(١) اقرأ قصّة تزويج الله رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم زينب مفصّلة في كتب التفسير والحديث والسيرة ، ففيها ، على اختلاف أسانيدها وألفاظها ، عبر وذكرى لمن اعتبر ، انظر مثلا : الدر المنثور ، ج ٥ ص ٢٠١ ـ ٢٠٣.

(٢) قال الفرّاء في المعاني ، ج ٢ ص ٣٤٤ في تفسير الآية : «من هذا ومن تسع النسوة ، ولم تحلّ لغيره».

٣٢٦

كان زيد دعيّا له. قال : (وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) (٤٠).

قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً) (٤١) : وهذا ذكر ليس فيه وقت ، وهو تطوّع (١). (وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً) : أي صلاة الغداة (وَأَصِيلاً) (٤٢) : أي صلاة الظهر والعصر.

قال : (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ) : تفسير ابن عبّاس أنّ صلاة الله الرحمة ، وصلاة الملائكة الاستغفار (٢).

قال : (لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) : أي من الضلالة إلى الهدى (وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً) (٤٣) : أي فلا أرحم منه بهم.

قوله : (تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ) : أي تحيّيهم الملائكة عن الله بالسلام ، في تفسير الحسن. (وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً) (٤٤) : أي ثوابا كريما ، يعني الجنّة.

قوله : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً) : أي على أمّتك ، تشهد عليهم في الآخرة أنّك قد بلّغتهم. (وَمُبَشِّراً) : أي في الدنيا بالجنّة (وَنَذِيراً) (٤٥) : أي ونذيرا من النار. وتفسير الحسن : أي من عذاب الدنيا وعذاب الآخرة.

قال : (وَداعِياً إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ) : أي بالقرآن ، أي : بالوحي الذي جاء من عند الله. (وَسِراجاً مُنِيراً) (٤٦) : أي مضيئا.

ذكروا عن الضحّاك بن مزاحم قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : مثل أصحابي مثل الملح لا يصلح

__________________

(١) سقط ذكر هذه الآية وبعض تفسيرها من سح بين ورقتي ١٢٦ و ١٢٧. وقد ورد في ز في هذا الموضع ما يلي : «يحيى عن خداش عن ميمون بن عجلان عن ميمون بن سباء عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله عليه‌السلام : ما من قوم اجتمعوا يذكرون الله لا يريدون بذلك إلّا وجهه إلّا ناداهم مناد من السماء : قوموا مغفورا لكم ، قد بدّلت سيئاتكم حسنات ، من حديث يحيى بن محمّد». ولم أجد هذا الحديث بهذا اللفظ فيما بين يديّ من مصادر الحديث.

(٢) في سح ورقة ١٢٧ : (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ ..). «يعني هو الذي يصلّي عليكم ، يغفر لكم وتستغفر لكم الملائكة». وهي نفس العبارة التي وردت في معاني الفرّاء ، ج ٢ ص ٢٤٥.

٣٢٧

الطعام إلّا به ، ومثل أصحابي مثل النجوم يهتدى بها ؛ فبأيّ قول أصحابي أخذتم اهتديتم (١).

ذكر الحسن عن أبي مسلم الخولانيّ قال : مثل العلماء في الأرض مثل النجوم يهتدي بها الناس ما بدت ، فإذا خفيت تحيّروا.

قال : (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللهِ فَضْلاً كَبِيراً) (٤٧) : يعني الجنّة.

قوله : (وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ) : قد فسّرناه في أوّل السورة (٢) (وَدَعْ أَذاهُمْ) : أي وأعرض عن أذاهم إيّاك واصبر عليه. (وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) (٤٨).

قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَراحاً جَمِيلاً) (٤٩). أي : إذا طلّق الرجل امرأته ، من قبل أن يدخل بها ، واحدة فقد بانت منه بتلك الواحدة ، وهي أملك لنفسها ، ويخطبها مع الخطّاب ، وليس عليها عدّة منه ولا من غيره. وتتزوّج إن شاءت من يومها الذي طلّقها فيه ، لأنّه لم يمسّها فتعتدّ من مائه مخافة أن تكون حبلى ؛ ولها نصف الصداق. فإن أغلق عليها بابا ، وأرخى عليها سترا ، فقد وجب عليه الصداق كاملا ، ووجبت عليها العدّة.

وإن طلّقها ثلاثا من قبل أن يدخل بها فهي بمنزلة تطليقة واحدة ، لأنّه ليس في يده من طلاق التي لم يدخل بها إلّا واحدة ، وهي واحدة ، فإن زاد عليها لم تعتدّ بزيادته التي زاد ، وهو قول أبي عبيدة ، وهو قول جابر وابن عبّاس.

وكان إبراهيم يقول : إن طلّقها ثلاثا قبل أن يدخل بها لم يتزوّجها حتّى تنكح زوجا غيره ، إلّا أن يفرّق الطلاق فيقول : أنت طالق ، أنت طالق ، أنت طالق ، فإنّها تبين بالأولى ، وليس ما طلّق

__________________

(١) هما حديثان أوردهما ابن سلّام في نسق واحد. وقد روى الأوّل بهذا السند : «حدّثنا مندل بن عليّ وغيره عن جويبر عن الضحّاك قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ...» وقد روى الحديث الأوّل عن أنس بن مالك ، ذكره الهيثميّ في مجمع الزوائد ، ولكنّه أعلّه بأحد رواته : إسماعيل بن مسلم المكّيّ ، وهو ضعيف. والحديث الثاني كذلك ضعيف ، وإن حسّنه بعضهم. انظر الألباني ، سلسلة الأحاديث الضعيفة (رقم ٥٢).

(٢) انظر ما سلف قريبا ، تفسير الآية الأولى من هذه السورة.

٣٢٨

بعدها بشيء ، وهو خاطب. فإن تزوّجها كانت عنده على تطليقتين.

والقول الأوّل قول أصحابنا : قول ابن عبّاس وجابر بن زيد ، وأبي عبيدة ، فبه أخذوا ، وعليه اعتمدوا.

وأمّا قوله : (فَمَتِّعُوهُنَّ) فهو منسوخ إذا كان قد سمّى لها صداقا ، إلّا أن يكون لم يسمّ لها صداقا ، فتكون لها المتعة ولا صداق لها. فإن كان سمّى لها صداقا ثمّ طلّقها قبل أن يدخل بها كان لها نصف الصداق ، ولا متعة لها. نسختها الآية التي في سورة البقرة : (لا جُناحَ عَلَيْكُمْ ، إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ ..). إلى آخر الآية [البقرة : ٢٣٦ ـ ٢٣٧]. ولا متعة لها. وكان الحسن يقول : لها المتعة ، وليست بمنسوخة.

قوله : (وَسَرِّحُوهُنَّ سَراحاً جَمِيلاً) أي : إلى أهليهنّ ، أي : لا يكون الرجل والمرأة في بيت وليس بينهما حرمة.

وإذا مات الرجل قبل أن يدخل بامرأته توارثا ، ولها الصداق كاملا. وإنّما يكون لها نصف الصداق إذا طلّقها ولم يدخل بها.

قوله : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ) : أي صداقهنّ (وَما مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفاءَ اللهُ عَلَيْكَ وَبَناتِ عَمِّكَ) : أي وأحللنا لك بنات عمّك (وَبَناتِ عَمَّاتِكَ وَبَناتِ خالِكَ وَبَناتِ خالاتِكَ اللَّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ ..). إلى قوله : (لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ) أي : من بعد هؤلاء اللاتي ذكر من أزواجه ومن بنات عمّه وبنات عمّاته وبنات خاله وبنات خالاته وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبيّ ، فيما ذكر أبيّ بن كعب.

وذكر [عليّ بن زيد] عن الحسن قال : (لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ) يعني من بعد أزواجه التسع [(وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ) قال : قصره الله على أزواجه اللاتي مات عنهنّ ، فأخبرت به عليّ بن الحسن فقال : لو شاء لتزوّج عليهنّ] (١). وقال عليّ بن زيد : قد أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم

__________________

(١) جاءت هذه الفقرة مضطربة ناقصة في ب وع فأثبتّها كما جاءت في سح ورقة ١٣٠ وجعلت الزيادة بين ـ

٣٢٩

[جريرا] (١) أن يخطب عليه [جميلة] بنت فلان بعد التسع.

وقال مجاهد : (لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ) أي : لا نصرانيّات ولا يهوديّات ، ولا كوافر (٢).

قوله : (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها خالِصَةً لَكَ) : يقوله للنبيّ (مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) : مقرأ العامّة على (إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ) ، كانت امرأة واحدة ، و (أن) مفتوحة لما قد كان. وبعضهم يقرأها (إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ) يقولون : إنّما ذلك في المستقبل على تلك الوجوه من قول أبيّ بن كعب ، وقول الحسن وقول مجاهد.

قوله : (خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) أي : لا تكون الهبة بغير صداق إلّا للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم خاصّة. ذكروا عن سعيد بن المسيّب أنّه سئل عن رجل وهبت نفسها له امرأة فقال : الهبة لا تكون إلّا للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولكن لو كان سمّى سوطا لكان صداقا.

وفي تفسير الحسن أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد تطوّع على تلك المرأة التي وهبت نفسها له فأعطاها الصداق ، ثمّ نزل أمر التي وهبت نفسها للنبيّ عليه‌السلام في تفسير الحسن قبل أن ينزل (ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللهُ لَهُ) وهي بعدها في التأليف.

وفي تفسير الكلبيّ في قوله : (لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ) أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لّما تزوّج أسماء بنت النعمان الكنديّة (٣) ، وكانت من أحسن

__________________

ـ القوسين المعقوفين حتّى يتّضح معنى قول عليّ بن زيد.

(١) لم تذكر مخطوطة سح شيئا عن جرير هذا الذي أمره الرسول عليه‌السلام أن يخطب عليه ، ولعلّه جرير بن عبد الله البجليّ ، فقد كان كريما سيّدا في قومه. ولم أجد هذا الخبر فيما بين يديّ من المصادر والمراجع حتّى أبيّنه.

(٢) قال الحافظ ابن كثير في تفسيره ، ج ٥ ص ٤٨٧ : «واختار ابن جرير ، رحمه‌الله ، أنّ الآية عامّة فيمن ذكر من أصناف النساء ، وفي النساء اللواتي في عصمته ، وكنّ تسعا. وهذا الذي قاله جيّد ، ولعلّه مراد كثير ممّن حكينا عنه من السلف ، فإنّ كثيرا منهم روى عنه هذا وهذا ، ولا منافاة ، والله أعلم».

(٣) هي أسماء بنت النعمان الكنديّة ، من بني الجون. وقد أجمع أصحاب السير أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تزوّجها. واختلفوا في سبب طلاقها. وقد ذكر بعضهم أنّ بعض نساء النبيّ عليه‌السلام لّما رأين جمالها قلن لها : إنّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم يحبّ إذا دنا منك أن تقولي : إنّي أعوذ بالله منك ، ففعلت. فقال لها الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : قد عذت بمعاذ. فطلّقها ، وردّها إلى أهلها ، فكانت تسمّي نفسها الشقيّة. والله أعلم. انظر اختلاف الرواة في شأنها في ـ

٣٣٠

البشر ، قال نساء النبيّ : لئن تزوّج علينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الغرائب ما له فينا حاجة ، فحبس الله نبيّه على أزواجه اللائي عنده ، وأحلّ له من بنات العمّ والعمّة والخال والخالة ما شاء. قال بعضهم : وهذا موافق لتفسير أبيّ بن كعب.

قوله تعالى : (قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ فِي أَزْواجِهِمْ) : يعني الأربع. يقول : يتزوّج أربعا إن شاء. (وَما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ) : أي ويطأ بملك يمينه كم شاء.

وقال بعضهم : (قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ فِي أَزْواجِهِمْ) أي : لا نكاح إلّا بوليّ وشاهدين عدلين وصداق معلوم.

قال : وقال بعضهم في قوله : (وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً) [النساء : ٤] أي : فريضة. فإن تزوّج الرجل امرأة ولم يسمّ لها صداقا ، أو وهبها له الوليّ فرضيت ، أو كانت بكرا فزوّجها أبوها ، فإنّ ذلك جائز عليها ، ولها ما اتّفقوا عليه من الصداق ، فإن اختلفوا فلها صداق مثلها ، والنكاح ثابت.

قوله : (لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ) : رجع إلى قصّة النبيّ عليه‌السلام. (وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) (٥٠).

قوله : (تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ) : تفسير الحسن : (تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ) أي : أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يذكر المرأة للتزويج ثمّ يرجيها ، أي : يتركها فلا يتزوّجها. قال : (وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ) أي : يتزوّج من يشاء. وكان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا ذكر امرأة ليتزوّجها لم يكن لأحد أن يعرّض بذكرها حتّى يتزوّجها رسول الله أو يتركها. قوله : (وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ) يقول : ليس عليك لهنّ قسمة ، ومن ابتغيت من نسائك للحاجة ممّن عزلت ولم ترد منها الحاجة (فَلا جُناحَ عَلَيْكَ) (١).

__________________

ـ كتاب الاستيعاب ، لابن عبد البرّ ، ج ٤ ص ١٧٨٥ ، وفي سير أعلام النبلاء ، ج ٢ ص ١٨٤.

(١) قال الفرّاء في المعاني ، ج ٢ ص ٣٤٦ في تفسير الآية : «هذا أيضا ممّا خصّ به النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أن يجعل لمن أحبّ منهنّ يوما أو أكثر أو أقلّ ، ويعطّل من شاء منهنّ فلا يأتيه. وقد كان قبل ذلك لكلّ امرأة من نسائه يوم وليلة».

٣٣١

قال : (ذلِكَ أَدْنى) : أي أجدر (أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ) : أي إذا علمن أنّه من قبل الله (وَلا يَحْزَنَ) على أن تخصّ واحدة منهنّ دون الأخرى (وَيَرْضَيْنَ بِما آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ) : أي من الخاصّة التي تخصّ منهن لحاجتك. وهذا تفسير الحسن. وتفسير الكلبيّ : (تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ) يعني من اللائي أحلّ له ، إن شاء لم يتزوّج منهنّ (وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ) أي : تتزوّج منهنّ من تشاء ، (وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ ذلِكَ أَدْنى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ) يعني نساءه اللائي عنده يومئذ ، يعني التسع ، (وَلا يَحْزَنَّ) أي : إذا عرفن أنّه لا ينكح عليهنّ (١).

قال : (وَاللهُ يَعْلَمُ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَلِيماً) (٥١). (لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ) : وقد فسّرناه قبل هذا. (وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ) : أي حسن النساء غير أزواجه وما أحلّ الله له ممّا سمّي في قول أبيّ بن كعب ومجاهد والكلبيّ على وجه ما قالوا ، وفي قول الحسن : غير نسائه خاصّة ؛ هذا في أزواجه اللائي عنده خاصّة ، لا يتزوّج مكانهنّ ولا يطلقهنّ. قال : (إِلَّا ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ) : أي يطأ بملك يمينه ما شاء. (وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً) (٥٢) : أي حفيظا.

قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ وَلكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا) : أي فتفرّقوا. (وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ) بعد أن تأكلوا (إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ). ذكروا عن أنس بن مالك قال : لّما تزوّج رسول الله لم يولم على أحد من نسائه ما أولم على زينب بنت جحش. قال أنس : كنت أدعو الناس على الخبز واللحم ، فيأكلون حتّى يشبعوا. فجاء رجلان فقعدا مع زينب في جوف البيت ينتظران ، أظنّه يعني الطعام. فخرج النبيّ إلى حجرة عائشة فقال : السّلام عليكم يا أهل البيت (٢). فقالت عائشة : السّلام عليك ورحمة

__________________

(١) وقد لخّص الفرّاء وجوه التأويل الثلاثة بعبارة وجيزة فقال : «وقوله : (ذلِكَ أَدْنى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ) يقول : إذا لم تجعل لواحدة منهنّ يوما وكنّ في ذلك سواء ، كان أحرى أن تطيب أنفسهنّ ولا يحزنّ. ويقال : إذا علمن أنّ الله قد أباح لك ذلك رضين ، إذ كان من عند الله. ويقال : إنّه أدنى أن تقرّ أعينهنّ إذا لم يحلّ لك غيرهنّ من النساء. وكلّ حسن».

(٢) أخرجه البخاريّ في كتاب التفسير من سورة الأحزاب عن أنس بن مالك. وفيه : «وبقي ثلاثة رهط ـ

٣٣٢

الله وبركاته ، كيف وجدت أهلك؟ بارك الله لك فيهم. قال : فاستقرى نساءه كلّهنّ فقلن بمقالتها. ثمّ جاء فوجد الرجلين في البيت ، فاستحيى فرجع ، فأنزل الله آية الحجاب ، فقرأها عليهم فخرجا. ودخل النبيّ وأرخى الستر.

ذكروا عن أنس بن مالك أنّ عمر بن الخطّاب قال : قلت : يا رسول الله ، إنّه يدخل عليك البرّ والفاجر ، فلو أمرت نساءك يحتجبن. فأنزل الله آية الحجاب (١). قوله : (غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ) أي : صنعته (٢). وقال مجاهد : متحيّنين حينه (٣). قوله : (وَاللهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ) أي : أن يخبركم أن هذا يؤذي النبيّ. قوله : (ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) أي : من الريبة والدنس ، أن يكون ذلك من وراء حجاب.

قال : (ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللهِ عَظِيماً) (٥٣).

قال ناس من المنافقين : لو قد مات محمّد تزوّجنا نساءه ، فأنزل الله هذه الآية.

وقال : (إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ) : يعني ما قالوا : لو قد مات محمّد تزوّجنا نساءه. (فَإِنَّ اللهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) (٥٤) (٤).

ثمّ استثنى من يدخل على أزواج النبيّ في الحجاب فقال : (لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَّ وَلا أَبْنائِهِنَّ وَلا إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ أَخَواتِهِنَّ وَلا نِسائِهِنَّ) : المسلمات (وَلا ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَ) وكذلك الرضاع بمنزلة الذي ذكر ممّن يدخل علي أزواج النبيّ عليه‌السلام في الحجاب. قال : (وَاتَّقِينَ اللهَ إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً

__________________

ـ يتحدثون في البيت ...».

(١) أخرجه كذلك البخاريّ في تفسير سورة الأحزاب بلفظ : «فلو أمرت أمّهات المؤمنين بالحجاب ...».

(٢) كذا في ب وع وفي سح أيضا : «صنعته». ولم أجد هذا اللفظ فيما بين يديّ من كتب اللغة والتفسير ، وإن كان معناه ليس بعيدا عن المراد.

(٣) في تفسير مجاهد ، ص ٥٢٠ : «غير متحيّنين نضجه». وفي اللسان : «(إناه) أي : نضجه وإدراكه وغايته». والإنى بكسر الهمزة والقصر : النضج. وأصله : أني الشيء يأني أنيا وإنى : حان وأدرك».

(٤) انظر تلخيصا موجزا وافيا بالمقصود لمعنى الآية وسبب نزولها في معاني الفرّاء ، ج ٢ ص ٣٤٨ ـ ٣٤٩.

٣٣٣

(٥٥)) : أي شاهدا لكلّ شيء وشاهدا على كلّ شيء.

قوله : (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ) : [يعني أنّ الله يغفر للنبيّ وتستغفر له الملائكة] (١). (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ) : [يعني استغفروا له] (٢) (وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (٥٦).

ذكروا عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : جاءني كعب بن عجرة فقال : ألا أهدي لك هديّة؟ بينما نحن عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذ قال رجل : يا رسول الله ، هذا السّلام عليك قد عرفناه ، فكيف الصلاة عليك؟ قال : قولوا : اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد (٣) كما صلّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميد مجيد. [اللهم بارك على محمّد وعلى آل محمّد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنّك حميد مجيد] (٤).

ذكروا عن أنس بن مالك عن أبي طلحة قال : دفعت ذات يوم إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقلت : يا رسول الله ، بأبي أنت وأمي ما أدري ما إن رأيتك أطيب نفسا ولا أشرق وجها ولا أحسن بشرا منك الآن. قال : وما يمنعني يا أبا طلحة ، وإنّما صدر جبريل من عندي الآن ، فبشّرني بما أعطيت أمّتي ، فقال : يا محمّد ، من صلّى عليك صلاة كتب الله بها عشر حسنات ، ومحا عنه عشر سيّئات ، وردّ الله عليه مثل الذي صلّى به عليك (٥).

ذكروا عن عبد الله بن مسعود أنّه قال : إنّ ملكا موكل بالعبد ، فإذا قال العبد صلّى الله على محمّد قال الملك : وأنت فصلّى الله عليك.

__________________

(١) زيادة من سح ، ورقة ١٣٤ ، ومن ز ، ورقة ٢٧٣.

(٢) زيادة من سح ، ورقة ١٣٤ ، ومن ز ، ورقة ٢٧٣.

(٣) في ع : «وعلى من صلح من آل محمّد» ولا شكّ أنّ اللفظة من زيادة بعض النسّاخ ، ونعوذ بالله من الجهل!.

(٤) سقطت هذه الجمل الأخيرة من ب ، فأثبتّها كما وردت في سح وز. والحديث صحيح أخرجه أصحاب السنن ، أخرجه البخاريّ مثلا في كتاب التفسير ، سورة الأحزاب ، باب (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ).

(٥) ورد هذا الحديث ناقصا مضطربا في ع وب ، فأثبتّه بتمامه من سح. والحديث صحيح أخرجه ابن سلّام بسند يرفعه ، وذكره السيوطيّ في الدرّ المنثور ، ج ٥ ص ٢١٨ بسند عن مجاهد عن أبي طلحة ، ورواه أحمد أيضا في مسنده من طريق إسحاق بن كعب بن عجرة عن أبي طلحة الأنصاريّ.

٣٣٤

ذكروا عن الحسن قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أكثروا عليّ الصلاة يوم الجمعة (١).

ذكروا عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّه قيل له : يا رسول الله كيف تبلغك صلاتنا إذا تضمّنتك الأرض؟ قال : إنّ الله حرّم على الأرض أن تأكل من أجساد الأنبياء شيئا (٢).

قوله : (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً) (٥٧) : هؤلاء المنافقون كانوا يؤذون رسول الله ويستخفّون بحقّه ، ويرفعون أصواتهم عنده استخفافا ويكذبون عليه ويبهتونه.

قال : (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا) : أي بغير ما جنوا ، هم المنافقون (فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً) : أي كذبا (وَإِثْماً مُبِيناً) (٥٨) : أي بيّنا.

ذكروا عن أنس بن مالك أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خرج يوما فنادى بصوت أسمع العواتق في الخدور : يا معشر من أسلم بلسانه ولم يسلم بقلبه ، ألا لا تؤذوا المؤمنين ولا تعيبوهم ولا تتّبعوا عوراتهم ، فإنّه من تتبّع عورة أخيه المسلم يظهر الله عورته فيفضحه في ملئه (٣).

ذكروا عن الحسن قال : بلغنا أنّه من استحمد إلى الناس في الدنيا بشيء لم يستحمد فيه إلى الله نادى مناد يوم القيامة : ألا إنّ فلانا قد استحمد إلى الناس بشيء لم يستحمد فيه إلى الله. ومن استذمّ إلى الناس في الدنيا بشيء لم يستذمّ فيه إلى الله نادى مناد يوم القيامة : ألا إنّ فلانا قد استذمّ إلى الناس في الدنيا بشيء لم يستذمّ فيه إلى الله.

قوله عزوجل : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ) : والجلباب : الرّداء تقنّع به وتغطّي به شقّ وجهها الأيمن ، تغطّي عينها اليمنى

__________________

(١) أخرجه الحاكم في المستدرك ، والبيهقيّ في شعب الإيمان عن أبي مسعود الأنصاري ، وأخرجه البيهقيّ في السنن عن أنس ، وفيه زيادة : «فمن صلّى عليّ صلاة صلّى الله عليه عشرا».

(٢) أخرجه الإمام أحمد وأبو نعيم عن أوس بن أبي أوس الثقفيّ.

(٣) حديث صحيح أخرجه أبو داود في كتاب الأدب ، باب في الغيبة (رقم ٤٨٨٠) عن أبي برزة الأسلميّ وأخرجه الترمذيّ عن ابن عمر. وأخرجه ابن سلّام عن النضر بن بلال عن أبان بن أبي عيّاش عن أنس بن مالك ... وفي آخره : «ومن يتّبع الله عورته يفضحه في بيته» ، كما في سح ورقة ١٣٦ ، وفي ز ورقة ٢٧٤.

٣٣٥

وأنفها (١). (ذلِكَ أَدْنى) : أي أجدر (أَنْ يُعْرَفْنَ) أنّهنّ حرائر مسلمات عفيفات (فَلا يُؤْذَيْنَ) : أي فلا يعرض لهنّ أحد بالأذى. وكان المنافقون هم الذين كانوا يتعرّضون النساء.

قال الكلبيّ : كانوا يلتمسون الإماء ، ولم تكن تعرف الحرّة من الأمة بالليل ، فتلقى نساء المؤمنين منهم أذى شديدا. فذكرن ذلك لأزواجهنّ ، فرفع ذلك إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فنزلت هذه الآية. وقال الحسن : كان أكثر من يصيب الحدود يومئذ المنافقون.

[ذكروا عن أنس بن مالك أنّ عمر بن الخطّاب رأى أمة عليها قناع فعلاها بالدّرّة وقال : اكشفي رأسك ولا تتشبّهي بالحرائر] (٢). قال الله : (وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) (٥٩).

ثمّ قال : (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) : يعني الزنى (٣) (وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ) : يعني : المنافقون يرجفون بالنبيّ وأصحابه ؛ يقولون : يهلك محمّد وأصحابه. وقال الكلبيّ : (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ) أي : لئن لم ينتهوا عن أذى نساء المؤمنين (٤). (لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ) : أي لنسلّطنّك عليهم (ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها) : أي في المدينة (إِلَّا قَلِيلاً (٦٠) مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً) (٦١).

وقال : (سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ) : أي كذلك كانت سنّة الله في منافقي كلّ أمّة إذا أظهروا نفاقهم. وهذا إذا أمر النبيّ بالجهاد. وقال بعضهم : (سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ) أي : من قبل قتل المنافقين ، أي : إن أظهروا نفاقهم وباينوا به ، وكذلك سنّته في منافقي أمّتك كسنّته في منافقي الأمم التي مضت قبلك. (وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً) (٦٢) : أي لا تبديل لسنّته في الأوّلين والآخرين.

__________________

(١) قال الزمخشريّ في الكشّاف ، ج ٣ ص ٥٥٩ : «الجلباب ثوب واسع ، أوسع من الخمار ودون الرداء تلويه المرأة على رأسها وتبقي منه ما ترسله على صدرها». وعن ابن عبّاس رضي الله عنهما : «الرداء الذي يستر من فوق إلى أسفل». وقيل : الجلباب هو ما تغطّي به المرأة الثياب من فوق كالملحفة.

(٢) زيادة من سح ورقة ١٣٧ ، ومن ز ورقة ٢٧٤.

(٣) كذا في ب وع وسح : «الزنا» ، ولعلّ صوابه : «الزناة» وصفا للذين لا للمرض.

(٤) أورد الفرّاء في المعاني ، ج ٢ ص ٣٤٩ قولا في المرجفين هذا نصّه : «المرجفون كانوا من المسلمين. وكان المؤلّفة قلوبهم يرجفون بأهل الصفّة. كانوا يشنّعون على أهل الصفّة أنّهم هم الذين يتناولون النساء لأنّهم عزّاب».

٣٣٦

قوله : (يَسْئَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللهِ) : أي علم مجيئها عند الله ، أي : لا يعلم مجيئها إلّا الله (وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً) (٦٣) (١) : أي إنّها قريب.

قوله : (إِنَّ اللهَ لَعَنَ الْكافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً (٦٤) خالِدِينَ فِيها أَبَداً) : أي لا يموتون ولا يخرجون منها (لا يَجِدُونَ وَلِيًّا) : أي يمنعهم من العذاب (وَلا نَصِيراً) (٦٥) : أي ينصرهم.

قوله عزوجل : (يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ) : أي يجرّون على وجوههم ، تجرّهم الملائكة (يَقُولُونَ) : أي في النار (يا لَيْتَنا أَطَعْنَا اللهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا) (٦٦) : وإنّما صارت (الرَّسُولَا) و (السَّبِيلَا) لأنّها مخاطبة (٢). وهذا جائز في كلام العرب إذا كانت مخاطبة.

(وَقالُوا رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا) : وهي تقرأ على وجه آخر : (ساداتنا) والسادة جماعة واحدة ، والسادات جماعة الجماعة. (وَكُبَراءَنا) أي : في الضلالة (فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا) (٦٧).

(رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً) (٦٨) : وكلّ شيء في القرآن يذكر فيه شيء من كلام أهل النار فهو قبل أن يقول الله لهم : (اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ) (١٠٨) [المؤمنون : ١٠٨]. وقد فسّرنا متى يقال لهم ذلك في غير هذا الموضع (٣).

قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قالُوا وَكانَ عِنْدَ اللهِ وَجِيهاً) (٦٩).

__________________

(١) قال أبو عبيدة في المجاز ، ج ٢ ص ١٤١ : (لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً) مجازه مجاز الظرف ههنا ولو كان وصفا للساعة لكان قريبة. وإذا كان ظرفا فإنّ لفظها في الواحد والاثنين والجميع من المذكّر والمؤنّث واحد بغير الهاء ، وبغير تثنية وبغير جمع».

(٢) كذا في المخطوطات الأربع : «مخاطبة». ولم أجد هذه الكلمة فيما بين يديّ من كتب التفسير واللغة. والمراد هو ما ذكره المفسّرون في تعليل مدّ الحرف الأخير من (السَّبِيلَا) و (الرَّسُولَا) وغيرهما : «أنّ زيادة الألف لإطلاق الصوت ؛ جعلت فواصل الآي كقوا في الشعر. وفائدتها الوقف والدلالة على أنّ الكلام قد انقطع وأنّ ما بعد مستأنف». انظر : الزمخشريّ ، الكشّاف ، ج ٣ ص ٥٦٢.

(٣) انظر ما سلف في هذا الجزء ، تفسير الآية ١٠٨ من سورة المؤمنون.

٣٣٧

ذكروا عن أنس بن مالك أنّه قال : كانت بنو إسرائيل تقول : إنّ النبيّ موسى كان آدر (١). قال : وكان موسى إذا دخل الماء ليغتسل وضع ثوبه على صخرة. قال : فدخل يوما الماء فوضع ثوبه على صخرة فتدهدهت (٢) ، فخرج يتبعها ويقول : ثوبي ، ثوبي. فمرّ بملأ من بني إسرائيل فرأوه عريانا فبرّأه الله ممّا قالوا (٣).

(وَكانَ عِنْدَ اللهِ وَجِيهاً) أي : بالرسالة والطاعة. وقد قال بعض أهل التأويل في قوله : (آذَوْا مُوسى) إنّما آذوه بالتكذيب والجحود لما جاء به. وهذا أحبّ الأقاويل إلى الفقهاء (٤).

قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) (٧٠) : أي عدلا ، وهو لا إله إلّا الله (يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ) : أي لا يقبل العمل إلّا ممّن قال لا إله إلّا الله مخلصا من قلبه ، ولا يقبل القول إلّا ممّن عمل صالحا ، أي : لا يقبل ممّن ينقص الإيمان ، لأنّ الإيمان قول وعمل.

قال : (وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ) : أي بالقول والعمل (فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً) (٧١) : وهي النجاة العظيمة من النار إلى الجنّة.

قوله : (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها) : قال بعضهم : عرض عليهنّ الطاعة والمعصية ، والثواب والعقاب. وقال الكلبيّ : إنّه عرض العبادة على السماوات والأرض والجبال ليأخذنها بما فيها. قلن : وما فيها؟ قيل : إن أحسنتنّ جوزيتنّ ، وإن أسأتنّ عوقبتنّ. فأبين أن يحملنها ، وعرضها على الإنسان ، والإنسان آدم ، فقبلها.

ذكر إبراهيم بن محمّد عن صالح مولى التوأمة عن ابن عبّاس قال : الأمانة التي حملها ابن آدم : الصلاة والصوم والغسل من الجنابة.

ذكروا عن الحسن قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : قال الله : ثلاث من حفظهنّ فهو عبدي حقّا ،

__________________

(١) أي : منتفخ الخصيتين.

(٢) يقال : دهدهت الحجر فتدهده ، أي : دحرجته فتدحرج.

(٣) هذا معنى حديث رواه البخاريّ في كتاب الاغتسال ، باب من اغتسل عريانا وحده في الخلوة ، عن أبي هريرة عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(٤) وصدقوا ، وهو الصواب إن شاء الله.

٣٣٨

ومن ضيّعهنّ فهو عدوّي حقّا : الصلاة والصوم والغسل من الجنابة (١).

ذكروا عن زيد بن أسلم قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ائتمن ابن آدم على ثلاثة : على الصلاة ، ولو شاء قال : صلّيت [ولم يصلّ] ، وعلى الصيام ، ولو شاء قال : صمت [ولم يصم] ، وعلى الغسل من الجنابة ، ولو شاء قال : قد اغتسلت [ولم يغتسل] (٢) قال : ثمّ تلا هذه الآية : (يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ) (٩) [الطارق : ٩].

قال تعالى : (وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً) : أي لنفسه (جَهُولاً) (٧٢) بدينه ؛ وهذا المشرك.

قوله : (لِيُعَذِّبَ اللهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ) : أهل الإقرار بالله والنبيّ من أهل التضييع للأعمال والخيانة للأمانة ، وهي الدين. (وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ) : أهل المساواة والإنكار والجحود.

ذكروا عن الحسن أنّه قرأ هذه الآية : (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ ..). إلى قوله : (وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً لِيُعَذِّبَ اللهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ) فقال : هما والله اللذان ظلماها ، وهما اللذان خاناها : المنافق والمشرك.

قال تعالى : (وَيَتُوبَ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) : أهل الصدق والوفاء في الأعمال. (وَكانَ اللهُ غَفُوراً) : أي لمن تاب إليه من شركه ونفاقه (رَحِيماً) (٧٣) : أي بالمؤمنين ؛ فبرحمته يدخلهم الجنّة.

* * *

__________________

(١) أخرجه ابن سلّام مرسلا بهذا السند : «وحدّثني أبو الأشهب والمبارك والحسن بن دينار عن الحسن قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ...».

(٢) ما بين المعقوفين زيادة من سح ، ورقة ١٣٩. والحديث أخرجه ابن سلّام هكذا : «وحدّثني خالد وعثمان عن زيد بن أسلم ...». وأخرجه عبد الرزّاق وعبد بن حميد عن زيد بن أسلم مرسلا كما في الدرّ المنثور ، ج ٥ ص ٢٥٥. وانظر تفسير القرطبيّ ، ج ١٤ ص ٢٥٣ ـ ٢٥٤.

٣٣٩

تفسير سورة سبأ وهي مكّيّة كلّها

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قوله : (الْحَمْدُ لِلَّهِ) : حمد نفسه ، وهو أهل الحمد. (الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ) : أي في أمره ، أحكم كلّ شيء (الْخَبِير) (١) بخلقه.

(يَعْلَمُ ما يَلِجُ) : أي ما يدخل (فِي الْأَرْضِ) : من المطر (وَما يَخْرُجُ مِنْها) : أي من النبات (وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ) : أي من المطر وغير ذلك (وَما يَعْرُجُ فِيها) : أي وما يصعد فيها ، أي : ما تصعد به الملائكة (وَهُوَ الرَّحِيمُ) : أي بخلقه (الْغَفُورُ) : (٢) : أي لمن تاب وآمن.

قوله : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ) : أي القيامة.

(قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عالِمِ الْغَيْبِ) : من قرأها بالرفع رجع إلى قوله : (وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ) عالم الغيب. ومن قرأها بالجرّ (عالم الغيب) فهو يقول : قل بلى وربّي عالم الغيب. وفيها تقديم.

وهي تقرأ على وجه آخر : (علّام الغيب) ، وإنّما هو كقولك فاعل وفعّال. والغيب ، في تفسير الحسن في هذا الموضع : ما لم يكن. قال : لتأتينّكم الساعة.

قال : (لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ) : أي وزن ذرّة ، أي : لا يغيب عنه علم ذلك ، أي : ليعلم ابن آدم أنّ عمله الذي عليه الثواب والعقاب لا يغيب عن الله منه مثقال ذرّة. (فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) (٣) : وقد فسّرنا ذلك في حديث ابن عبّاس : إنّ أوّل ما خلق الله القلم فقال اكتب. قال : ربّ ، وما أكتب؟ قال : ما هو كائن ، فجرى القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة. فأعمال العباد تعرض كلّ يوم اثنين وخميس ، فيجدونه على ما في الكتاب الأوّل (١).

__________________

(١) أخرجه البيهقيّ في السنن ، وأبو نعيم في الحلية عن ابن عبّاس مرفوعا مختصرا ، وأخرجه الترمذيّ بلفظ ـ

٣٤٠