تفسير كتاب الله العزيز - ج ٣

هود بن محكم الهوّاري الأوراسي

تفسير كتاب الله العزيز - ج ٣

المؤلف:

هود بن محكم الهوّاري الأوراسي


المحقق: بالحاج بن سعيد الشريفي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار البصائر للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٢

قوله : (فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا) أي : الذين آمنوا فاعلين الجهاد ولكلّ ما تعبّدهم به من طاعته ، وليعلمنّ المنافقين التاركين للجهاد ولكثير ممّا تعبّدهم به. وقد علم الله ذلك قبل أن يفترض عليهم ما افترض أنّهم سيفعلون وسيتركون ، ولكنّه قال : وليعلمنّكم كاذبين فاعلين وتاركين (١).

قوله : (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ) : أي الشرك والنفاق والعمل السيّئ (أَنْ يَسْبِقُونا) : أي حتّى لا نقدر عليهم فنعذّبهم ، أي : قد حسبوا ذلك ، وليس كما حسبوا وظنّوا.

قال : (ساءَ) : أي بئس (ما يَحْكُمُونَ) (٤) : أي أنّ الله خلقهم وتعبّدهم بطاعته ثمّ لا يبعثهم فيجزيهم بأعمالهم. إنهما ظنّان : ظنّ المشركون أن لن يبعثوا ولن يعذّبوا ، وظنّ المنافقون ألّا يعذبوا بعد التصديق والإقرار إذا ضيّعوا الأحكام والفرائض ، فقال الله : ألا ساء ما يحكمون ، أي : بئس ما يحكمون.

قوله : (مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللهِ) : أي من كان يخشى البعث ، وهذا المؤمن ، (فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لَآتٍ) : أي كائن بعد الموت (وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (٥) : أي لا أسمع منه ولا أعلم منه.

قال : (وَمَنْ جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ) : أي يعطيه الله ثواب ذلك في الجنّة (إِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) (٦) : أي عن عبادتهم.

قوله : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ) (٧) : أي يجزيهم به الجنّة.

قوله : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ) : يعني جميع الناس (بِوالِدَيْهِ حُسْناً) : أي برّا ، كقوله :

__________________

ـ فقد علم الله الصادق والكاذب قبل خلقهما». وفي اللسان : «الفعال ، بفتح الفاء فعل الواحد ، خاصّة في الخير والشرّ ، يقال : فلان كريم الفعال ، وفلان لئيم الفعال ... وقال المبرّد : الفعال يكون في المدح والذمّ ، قال : وهو مخلّص لفاعل واحد ، فإذا كان من فاعلين فهو فعال ، قال : وهذا هو الجيّد».

(١) هذه الفقرة الأخيرة في تأويل قوله تعالى : (فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ) لم ترد إلّا في مخطوطة ب وع ، وهي زيادة من الشيخ هود ولا شكّ ومن رأيه. وجاء في سع وفي سح قول رواه الحسن بن دينار عن الحسن قال : «والله ما قال عبد في هذا الدين من قول إلّا وعلى قوله دليل من عمله يصدّقه أو يكذّبه». وصدق الحسن.

٢٦١

(وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) [النساء : ٣٦] ، قال : (وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي) : أي إن أراداك على أن تشرك بي (ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما) : أي إنّك لا تعلم أنّ معي شريكا ، يعني المؤمنين. (إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ) : يعني يوم القيامة (فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٨).

(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ) (٩) : أي في أهل الجنّة.

قوله : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ) : أي صدّقنا بالله وأقررنا بالله (فَإِذا أُوذِيَ فِي اللهِ) : ببعض ما يدخل عليه في إيمانه بالله وبمحمّد (جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللهِ). رجعت القصّة إلى الكلام الأوّل : (الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ) ؛ فوصف المنافق في هذه الآية الآخرة فقال : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ فَإِذا أُوذِيَ فِي اللهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللهِ) أي : إذا أمر بالجهاد في سبيل الله فدخل عليه أذى رفض ما أمر به ، يعني المنافق ، واجترأ على عذاب الله ، أي : وأقام عن الجهاد ، فتبيّن نفاقه ، أي : جعل فتنة الناس ، يعني ما يدخل عليه من البليّة في القتال ، إذا كانت بليّة ، كعذاب الله في الآخرة ، [فترك القتال في سبيل الله واجترأ على عذاب الله] (١) وإن الله قد خوّفه عذاب الآخرة ، وهو لا يقرّ به.

[وقال مجاهد : هم أناس آمنوا بألسنتهم فإذا أصابهم بلاء من الناس أو مصيبة في أنفسهم أو في أموالهم افتتنوا فجعلوا ما أصابهم في الدنيا كعذاب الله في الآخرة] (٢).

قوله : (وَلَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ) : أي نصر على المشركين ، فجاءت غنيمة (لَيَقُولُنَّ) : يعني جماعتهم (إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ) : أي يطلبون الغنيمة. قال الله : (أَوَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِما فِي صُدُورِ الْعالَمِينَ) (١٠) : أي إنّه يعلم ما في صدور العالمين ، ويعلم ما في صدور المنافقين من التضييع للفرائض وترك الوفاء بما أقرّوا له به (٣). (وَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَ

__________________

(١) ما بين المعقوفين ساقط من ب وع فأثبتّه من سع ومن سح. وفي الفقرة اضطراب وتكرار أصلحته حسبما يقتضيه المعنى.

(٢) قول مجاهد هذا من أحسن ما أوّلت به الآية الكريمة ، لذا رأيت من المناسب ومن الفائدة إثباته هنا من تفسير مجاهد ص ٤٩٣ ، ومن سح وسع ، ومن تفسير الطبريّ ، ج ٢٠ ص ١٣٢.

(٣) كذا في ب وع. وفي سع ، وز ، وسح جاءت العبارة هكذا : «والعالمون الخلق كلّهم ، أي : إنّه يعلم أنّ هؤلاء ـ

٢٦٢

الْمُنافِقِينَ) (١١) : وهي مثل قوله : (فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ) ، وقد فسّرنا ذلك في الآية الأولى. وهذا كلّه علم الفعال.

وما بعد هذه العشر الآيات مكّيّة كلّها ، وهذه العشر مدنيّة ، نزلت بعد ما بعدها من هذه السورة ، وهي قبل ما بعدها في التأليف.

قوله : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنا) : الذي نحن عليه (وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ) : أي فيما اتّبعتمونا فيه ، أي : ما كان فيه من إثم فهو علينا ، وهذا منهم إنكار للبعث والحساب.

قال الله : (وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ) : أي من خطايا المؤمنين (مِنْ شَيْءٍ) لو اتّبعوهم (إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) (١٢) : أي لا يحملون خطاياهم.

قال : (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ) : يعني آثامهم ، أي آثام أنفسهم (وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ:) أي يحملون مثل ذنوب من اتّبعهم على الضلالة ، ولا ينقص ذلك من ذنوب من اتّبعوهم شيئا.

ذكروا عن الحسن قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أيّما داع دعا إلى هدى فاتّبع عليه كان له مثل أجر من اتّبعه ولا ينقص من أجورهم شيئا. وأيّما داع دعا إلى ضلالة فاتّبع عليها كان عليه وزر من عمل بها ولا ينقص من أوزارهم شيئا (١).

ذكروا عن ابن مسعود في قوله : (عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ) (٥) [الانفطار : ٥] مثل حديث الحسن عن النبيّ عليه‌السلام.

قال : (وَلَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَمَّا كانُوا يَفْتَرُونَ) (١٣) : [أي يكذبون ويخترعون] (٢).

__________________

ـ المنافقين في صدورهم التكذيب بالله وبرسوله وهم يظهرون الإيمان».

(١) حديث رواه ابن ماجه في مقدّمة سننه ، باب من سنّ سنّة حسنة أو سيّئة ، عن أنس بن مالك وعن أبي هريرة بألفاظ متقاربة ، (رقم ٢٠٥ ـ ٢٠٦). وأخرجه أبو داود في كتاب السنّة ، باب لزوم السنّة (رقم ٤٦٠٩) ، عن أبي هريرة.

(٢) زيادة من مجاز أبي عبيدة ، ج ٢ ص ١١٤.

٢٦٣

قوله : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً) : يقول : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ ،) أي : من يوم بعث إلى يوم مات (أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً). وبلغنا عن كعب أنّه قال : لبث فيهم ألف سنة إلّا خمسين عاما يدعوهم ، وبقي بعدهم بعد الطوفان ستّمائة سنة. قوله : (فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ) : أي الماء ، فأغرقهم الله (وَهُمْ ظالِمُونَ) (١٤) : أي وهم مشركون ظالمون لأنفسهم ؛ وظلموا أنفسهم ، أي : ضرّوا أنفسهم.

قوله : (فَأَنْجَيْناهُ) : يعني نوحا (وَأَصْحابَ السَّفِينَةِ) : يعني من كان معه في السفينة (وَجَعَلْناها) : يعني السفينة (آيَةً) : أي عبرة (لِلْعالَمِينَ) (١٥).

قال بعضهم : أبقاها الله بباقردى (١) من أرض الجزيرة حتّى أدركها أوائل هذه الأمّة ؛ وكم من سفينة كانت بعدها فصارت رمادا. قال بعضهم : بلغنا أنّهم كانوا يجدون من مساميرها بعدما بعث النبيّ عليه‌السلام.

قوله : (وَإِبْراهِيمَ) : أي وأرسلنا إبراهيم إلى قومه ، وهذا تبع للكلام الأوّل في نوح : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ).

قال : (إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللهَ) : أي وحّدوه (وَاتَّقُوهُ) : أي واخشوه (ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١٦) إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً وَتَخْلُقُونَ) : أي وتصنعون (إِفْكاً) : أي كذبا. قال : (إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ) : أي فابتغوا عند الله الرزق بأن تعبدوه وتشكروه يرزقكم. قال : (إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (١٧) : أي يوم القيامة.

قوله : (وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ) : أي فأهلكهم الله ، يحذّرهم أن ينزل بهم ما نزل بهم إن لم يؤمنوا.

قال : (وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) (١٨) : أي ليس عليه أن يكره الناس على

__________________

(١) كذا وردت هذه الكلمة : «بافردا» ، وفي سع وسح : «باقردى» وضبطها محقّق تاريخ الطبريّ ، ج ١ ص ١٨٩ : «بقردى» ، معتمدا على ما أورده ياقوت. وهي قرية بأرض الموصل ، وجبل الجوديّ كذلك بأرض الموصل.

٢٦٤

الإيمان. كقوله : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ) يقوله على الاستفهام ، (حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) (٩٩) [يونس : ٩٩] أي : إنّك لا تستطيع أن تكرههم ، فإنّما يؤمن من أراد الله أن يؤمن. وكقوله : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) [القصص : ٥٦].

قوله : (أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللهُ الْخَلْقَ) : أي بلى ، قد رأوا أنّ الله خلق الخلق ، قال : (ثُمَّ يُعِيدُهُ) : يعني يوم البعث (١) ، يخبر أنّه يبعث العباد ، والمشركون لا يقرّون بالبعث. قال : (إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) (١٩) : أي خلقهم وبعثهم.

ثمّ قال للنبيّ عليه‌السلام : (قُلْ) لهم : (سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ) : أي حيثما ساروا رأوا خلق الله الذي خلق. قوله : (ثُمَّ اللهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ) : أي الخلق الآخر ، يعني البعث ، أي : إنّ الله خلقهم وإنّه يبعثهم. (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٢٠).

قوله : (يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشاءُ) : أي يعذّب الكافر بالنار ، ويرحم المؤمن فيدخله الجنّة. قال : (وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ) (٢١) : أي ترجعون يوم القيامة.

قوله : (وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) فتسبقونا حتّى لا نقدر عليكم فنعذّبكم. يقول ذلك للمشركين. قال : (وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ) : أي من قريب يمنعكم من عذابه (وَلا نَصِيرٍ) (٢٢).

قوله : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ وَلِقائِهِ أُولئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي) : [أي من جنّتي] (٢) (وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (٢٣) : أي موجع ، يعني عذاب الجحيم.

ذكروا أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : خمس من لقي الله بهنّ مستيقنا عاملا دخل الجنّة : من شهد ألّا إله إلّا الله وأنّ محمّدا رسول الله ، وأيقن بالموت والبعث والحساب ، وعمل بما أيقن من

__________________

(١) جاء في مجاز أبي عبيدة ما يلي : (أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللهُ الْخَلْقَ) مجازه : كيف استأنف الخلق الأوّل. (ثُمَّ يُعِيدُهُ) بعد ؛ يقال : رجع عوده على بدئه ، أي : آخره على أوّله ؛ وفيه لغتان : يقال : أبدأ وأعاد ، وكان ذلك مبدئا ومعيدا ، وبدأ وعاد ، وكان ذلك بادئا وعائدا».

(٢) زيادة من سح ورقة ٧٠.

٢٦٥

ذلك (١).

قوله : (فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ) : أي قوم إبراهيم (إِلَّا أَنْ قالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ:) يقوله بعضهم لبعض (فَأَنْجاهُ اللهُ مِنَ النَّارِ) : وقد فسّرنا ذلك في سورة الأنبياء (٢) قال : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (٢٤).

(وَقالَ) إبراهيم (إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) : أي يوادّ بعضكم بعضا ، أي : يحبّ بعضكم بعضا على عبادة الأوثان في الحياة الدنيا. (ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ) : أي بولاية بعضكم بعضا ، وقال بعضهم : يتبرّأ بعضكم من بعض (وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ) (٢٥).

قال : (فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ) : أي فصدّقه لوط (وَقالَ إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي) : يقوله إبراهيم (إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (٢٦) هاجر من أرض العراق إلى أرض الشام.

قال : (وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ) : فكان أوّل كتاب أنزل بعد كتاب موسى وما بعده من الكتب. قال : (وَآتَيْناهُ) : أي أعطيناه (٣) (أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا) : فليس من أهل دين إلّا وهم يتولّونه ويحبّونه. وهو مثل قوله : (وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ) (١٠٨) [صافات : ١٠٨]. قال : (وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) (٢٧) : أي لمن أهل الجنّة.

قوله : (وَلُوطاً) : أي وأرسلنا لوطا (إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ) : أي المعصية ، وهي إتيان الرجال في أدبارهم. (ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ) (٢٨) : أي من عالم أهل زمانهم.

(أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ) في أدبارهم ، وهذا على الاستفهام ، أي : إنّكم تفعلون

__________________

(١) لم أجده بهذا اللفظ فيما بين يديّ من المصادر ، وقد رواه ابن سلّام هكذا : «عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن أبي سلّام الشاميّ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ...» وليس فيه الجملة الأخيرة : «وعمل بما أيقن من ذلك» فإنّها لم ترد إلّا في ب وع. وجاء في سح ورقة ٧٠ بعد هذا الحديث حديثان آخران في الموضوع ، أوّلهما عن ثوبان : «خمس من أثقل شيء في الميزان ...» ، وثانيهما عن عليّ : «لا يؤمن عبد حتّى يؤمن بأربع ...».

(٢) انظر ما سلف في هذا الجزء ، تفسير الآيات ٦٨ ـ ٧٠ من سورة الأنبياء.

(٣) في ب وع : «اصطفيناه» ، وهو خطأ ، وأثبتّ ما جاء في سع وسح وهو الصحيح.

٢٦٦

ذلك (١). قال : (وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ) : أي على الغرباء ، فتأتونهم في أدبارهم ، وكانوا لا يفعلون ذلك إلّا بالغرباء. وكانوا يتعرّضون الطريق ويأخذون الغرباء ولا يفعله بعضهم ببعض (٢). قال : (وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ) : أي الفاحشة ، يعني فعلهم ذلك (٣).

قال : (فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا ائْتِنا بِعَذابِ اللهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) (٢٩) : وذلك لما كان يعدهم به من العذاب.

(قالَ) : أي قال لوط : (رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ) (٣٠) : أي المشركين ، وهو أعظم الفساد ، والمعاصي كلّها من الفساد ، وأعظمها الشرك ، وكانوا على الشرك جاحدين لنبيّهم.

قال : (وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا) : يعني الملائكة (إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى) : أي بإسحاق ، وذلك أنّ الملائكة لّما بعثت إلى قوم لوط بعذابهم مرّوا بإبراهيم فسألوه الضيافة ، فلمّا أخبروه أنّهم أرسلوا بعذاب قوم لوط بعدما بشّروه بإسحاق (قالُوا إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ) : يعنون قرية قوم لوط (إِنَّ أَهْلَها كانُوا ظالِمِينَ) (٣١) : أي مشركين.

(قالَ) لهم إبراهيم (إِنَّ فِيها لُوطاً قالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ) (٣٢).

قال : (وَلَمَّا أَنْ جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً) : يعني الملائكة (سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً :) يعني سيء بقومه الظنّ ، أي : بما كانوا يأتون الرجال في أدبارهم ، تخوّفهم على أضيافه ، وهو يظنّ أنّهم آدميّون. قال : (وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً) أي : ضاق بأضيافه الذرع ، لما تخوّف عليهم [من عمل قومه] (٤). (وَقالُوا) : أي الملائكة قالت للوط : (لا تَخَفْ وَلا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ

__________________

(١) جاء في ز ورقة ٣٥٩ ما يلي : «قال محمّد : (أَإِنَّكُمْ) لفظه لفظ الاستفهام ، والمعنى معنى التقرير والتوبيخ».

(٢) وفي معاني الفرّاء ، ج ٢ ص ٣١٦ : «ويقال : (وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ)) : تقطعون سبيل الولد بتعطيلكم النساء».

(٣) وقال الفرّاء : «وقوله : (وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ) في مجالسكم ، والمنكر منه الخذف ، والصفير ، ومضغ العلك ، وحلّ أزرار الأقبية والقمص ، والرمي بالبندق ، ويقال : هي ثماني عشرة خصلة من قول الكلبيّ لا أحفظها ، وقال غيره : هي عشر».

(٤) زيادة من ز ورقة ٢٥٩ للإيضاح ، وفي ع وسح : «يتخوّف عليهم منهم».

٢٦٧

إِلَّا امْرَأَتَكَ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ) (٣٣).

قوله : (إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلى أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ) : يعني قرية قوم لوط (رِجْزاً) : أي عذابا (مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ) (٣٤) : أي يشركون.

قال : (وَلَقَدْ تَرَكْنا مِنْها آيَةً بَيِّنَةً) : أي عبرة بيّنة (لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (٣٥). وهم المؤمنون ؛ عقلوا عن الله ما أنزل إليهم ، فأخبرهم أنّه جعل عاليها سافلها ، أي : خسف بهم ، وأمطر عليهم الحجارة. وذكر جماعة من العلماء أنّ مدائن قوم لوط خمسة : عمورة وصغيرة ، ودادونا ، وصابورا ، وسدوم ، خسف بها كلّها.

قوله : (وَإِلى مَدْيَنَ) : أي وأرسلنا إلى مدين (أَخاهُمْ شُعَيْباً) : أي أخاهم في النسب وليس بأخيهم في الدين (فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ) : أي صدّقوا باليوم الآخر (١) (وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) (٣٦) : أي ولا تسيروا في الأرض مفسدين ، في تفسير بعضهم. وتفسير الحسن : ولا تكفروا في الأرض مفسدين.

(فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ) : والرجفة ههنا عند الحسن مثل الصيحة ؛ وهما عنده العذاب. قال الله : (فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ) (٣٧) : أي موتى قد هلكوا. (وَعاداً وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَساكِنِهِمْ) : يعني ما رأوا من آثارهم. قال : (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ) : أي عن سبيل الهدى (وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ) (٣٨) : أي في الضلالة.

قال : (وَقارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهامانَ) : أي وأهلكنا قارون وفرعون وهامان (وَلَقَدْ جاءَهُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَما كانُوا سابِقِينَ) (٣٩) : أي ما كانوا يسبقوننا حتّى لا نقدر عليهم فنعذّبهم.

__________________

(١) كذا في المخطوطات الأربع ، وهو قول له وجه من التأويل. وقال أبو عبيدة في المجاز ، ج ٢ ص ١١٥ : "(وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ) مجازه : واخشوا اليوم الآخر. قال أبو ذؤيب :

إذا لسعته الدّبر لم يرج لسعها

وحالفها في بيت نوب عوامل

أي : لم يخف». انظر السّكري ، شرح أشعار الهذليّين ، ج ١ ص ١٤٤. وفيه : «لم يرج لسعها : لم يخف ولم يبالها».

٢٦٨

قال الله : (فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ) : يعني من أهلك من الأمم الذين قصّ في هذه السورة إلى هذا الموضع. قال الله : (فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً) : يعني قوم لوط ، يعني الحجارة التي رمى بها من كان خارجا من المدينة وأهل السفر منهم وخسف بمدينتهم. قال : (وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ) : يعني ثمود (وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ) : يعني مدينة قوم لوط وقارون (وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا) : يعني قوم نوح وفرعون وقومه. قال الله : (وَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (٤٠) : أي يضرّون. وقال الحسن : ينقضون بشركهم وجحودهم رسلهم.

قوله : (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ) : يعني أوثانهم التي عبدوها. (كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ) : أي أضعف البيوت (لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ) : أي إنّ أوثانهم لا تغني عنهم شيئا كما لا يكنّ بيت العنكبوت من حرّ ولا برد (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) (٤١) : أي لعلموا أنّ أوثانهم لا تغني عنهم شيئا كبيت العنكبوت. ثمّ قال : (إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ) : يقوله للمشركين ، يعني ما تعبدون من دونه (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (٤٢) : أي العزيز في نقمته ، الحكيم في أمره.

قوله : (وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ) (٤٣) : أي المؤمنون. قوله : (خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ) : أي للبعث والحساب ، كقوله : (وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً) أي : خلقناهما للبعث والحساب. قال : (ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا) [سورة ص : ٢٧] أي : أن لن يبعثوا ولا يحاسبوا. قال : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ) (٤٤) : أي في خلق السماوات والأرض ، يعلمون أنّ الذي خلق السماوات والأرض يبعث الخلق يوم القيامة.

قوله : (اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ). قال الكلبيّ : إنّ العبد ما دام في صلاته لا يأتي فحشاء ولا منكرا. (اللهِ أَكْبَرُ) : قال الحسن في تفسير قول الله : (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) [البقرة : ١٥٢] قال : فإذا ذكر العبد الله ذكره الله ، فذكر الله العبد أكبر من ذكر العبد إيّاه (١).

__________________

(١) في ب وع اضطراب في التعبير ونقص أثبتّ تصحيحه من ز ورقة ٢٦٠ ، ومن سح وسع.

٢٦٩

ذكروا عن محارب بن دثار (١) قال : قال لي ابن عمر : كيف كان تفسير ابن عباس في هذه الآية : (وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ)؟ فقلت : كان يقول : إن ذكر الله العبد عند المعصية فيكفّ أكبر من ذكره إيّاه باللسان. فقال ابن عمر : إنّ العبد إذا ذكر الله ذكره الله ، فذكر الله العبد أكبر من ذكر العبد إيّاه.

قال الحسن : الذكر ذكران ، أحدهما أفضل من الآخر : ذكر الله باللسان حسن ، وأفضل منه ذكرك الله عند ما نهاك (٢) الله عنه. والصبر صبران : أحدهما أفضل من الآخر ؛ الصبر عند المصيبة حسن ، وأفضل منه الصبر عمّا نهاك الله (٣).

قال : (وَاللهُ يَعْلَمُ ما تَصْنَعُونَ) (٤٥).

قوله : (وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) : قال بعضهم : أي بكتاب الله. وقال : نهى الله عن مجادلتهم في هذه السورة ولم يكن يومئذ أمر بقتالهم ، ونسخ ذلك فأمر بقتالهم ، ولا مجادلة هي أشدّ من السيف ، فقال في سورة براءة : (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ) (٢٩) [التوبة : ٢٩]. أمر بقتالهم حتّى يسلموا أو يقرّوا بالجزية.

قوله : (إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) : قال بعضهم : من قاتلك ولم يعطك الجزية فقاتله إذا ، يعني إذ أمر بجهادهم ، وإنّما أمر بجهادهم بالمدينة ، وهذه الآية مكّيّة (٤) ، وقال مجاهد : من أقام على شركه منهم ولم يؤمن.

__________________

(١) في ب وع : «محارب بن دينار» وهو خطأ صوابه ما أثبتّه : «بن دثار» فقد أورد اسمه ابن قتيبة في المعارف ، ص ٤٩٠. وهو «أبو مطرّف محارب بن دثار ، من بني سدوس بن شيبان. ولي قضاء الكوفة لخالد بن عبد الله القسريّ ، وتوفّي في ولاية خالد بالكوفة». وذكره ابن العماد الحنبلي في شذرات الذهب ، ج ١ ص ١٥٢ في أحداث سنة ستّ وعشرة ومائة. وانظر في سع وسح هذا القول مفصّلا.

(٢) كذا في ع وب وفي سح ، «عندما نهاك الله عنه» ، وفي سع : «عمّا نهاك الله عنه».

(٣) أورد ابن سلّام في سح ورقة ٧٤ حديثين عن الحسن عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يحسن إيرادهما ، قال عليه‌السلام : «كلّ صلاة لا تنهى عن الفحشاء والمنكر فإنّ صاحبها لا يزداد من الله إلّا بعدا». وقال عليه‌السلام : «من صلّى صلاة لم تنهه عن الفحشاء والمنكر فإنّها لا تزيده عند الله إلّا مقتا».

(٤) وفي ز ، ورقة ٢٦٠ زيادة لم ترد في ب وع ولا في سح وسع : «وهذا ممّا نزل بمكّة ليعملوا به في المدينة».

٢٧٠

قال : (وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (٤٦) : وتفسير مجاهد : يقوله لمن آمن من أهل الكتاب.

قوله : (وَكَذلِكَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ) يعني من آمن منهم (وَمِنْ هؤُلاءِ) : يعني مشركي العرب (مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ) : يعني القرآن (وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الْكافِرُونَ) (٤٧).

قوله : (وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ) أي من قبل القرآن (مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ) (٤٨) : أي لو كنت تقرأ وتكتب. والمبطلون في تفسير مجاهد مشركو قريش. وقال بعضهم : من لم يؤمن من أهل الكتاب (١).

(بَلْ هُوَ) : يعني القرآن (آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) : يعني النبيّ والمؤمنين.

قال بعضهم : أعطيت هذه الأمّة الحفظ ، وكان من قبلهم لا يقرأون كتابهم إلّا نظرا ، فإذا أطبقوه لم يحفظوا ما فيه إلّا النبيّون.

وقال بعضهم : بلغنا أن كعبا قال في صفة هذه الأمّة : حلماء علماء كأنّهم من الفقه أنبياء.

قال : (وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الظَّالِمُونَ) (٤٩) : أي المشركون.

(وَقالُوا لَوْ لا) : أي هلّا (أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ) : كانوا يسألون النبيّ أن يأتيهم بالآيات كقولهم : (فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ) (٥) [الأنبياء : ٥] ، وما أشبه ذلك. قال الله : (قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ) إذا شاء أنزلها (وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ) (٥٠) : أي ليس عليّ أكثر من أن أنذركم كما أمرت.

قال الله : (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ) : أي من الآيات (أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ) : أي تتلوه ، أي : تقرأه عليهم ، وأنت لا تقرأ ولا تكتب ، فكفاهم ذلك لو عقلوا. قال : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (٥١).

__________________

(١) وقال الفرّاء في المعاني ، ج ٢ ص ٣١٧ : «ولو كنت كذلك (لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ) يعني النصارى الذين وجدوا صفته ، ويكون (لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ) أي : لكان أشدّ لريبة من كذّب من أهل مكّة وغيرهم».

٢٧١

ثمّ قال : (قُلْ كَفى بِاللهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً) : : أنّي رسوله ، وأنّ هذا الكتاب من عنده ، وأنّكم على الكفر.

قال : (يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ) : [أي : بإبليس] (١) (وَكَفَرُوا بِاللهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) (٥٢) : أي في الآخرة ، أي : خسروا أنفسهم أن يغنموها فصاروا في النار.

قوله : (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَوْ لا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجاءَهُمُ الْعَذابُ) : كان النبيّ عليه‌السلام يخوّفهم العذاب إن لم يؤمنوا ، فكانوا يستعجلون به استهزاء وتكذيبا. قال الله : (وَلَوْ لا أَجَلٌ مُسَمًّى) (٢) أي : النفخة الأولى (لَجاءَهُمُ الْعَذابُ) أي : إنّ الله أخّر عذاب كفّار آخر هذه الأمّة بالاستئصال ، الدائنين بدين أبي جهل بن هشام وأصحابه ، إلى النفخة الأولى ، بها يكون هلاكهم.

قال الله : (وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) (٥٣).

ذكروا عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «تقوم الساعة والرجلان قد نشرا ثوبهما يتبايعان ، فما يطويانه حتّى تقوم الساعة ، وتقوم الساعة والرجل يخفض ميزانه ويرفعه ، وتقوم الساعة والرجل يليط حوضه ليسقي ماشيته فما يسقيها حتّى تقوم الساعة» (٣).

قوله : (يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ) (٥٤) : كقوله : (أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها) [الكهف : ٢٩] ، قال الله : (يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) : وهذا عذاب جهنّم. كقوله : (لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ) [الأعراف : ٤١] أي : يغشاهم. وكقوله : (لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ)

__________________

(١) زيادة من سح ورقة ٧٦ ، ومن ز ورقة ٢٦٠.

(٢) قال الفرّاء في المعاني ، ج ٢ ص ٣١٨ : «وقوله : (وَلَوْ لا أَجَلٌ مُسَمًّى) يقول : لو لا أنّ الله جعل عذاب هذه الأمّة مؤخّرا إلى يوم القيامة ـ وهو الأجل ـ (لَجاءَهُمُ الْعَذابُ) ثمّ قال : (وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً) يعني القيامة ، فذكر لأنّه يريد عذاب القيامة. وإن شئت ذكرته على تذكير الأجل. ولو كانت (ولتأتينّهم) كان صوابا ، يريد القيامة والساعة».

(٣) انظر تخريجه فيما سلف ، ج ٢ ، تفسير الآية ١٨٧ من سورة الأعراف. يقال : لاط الحوض يلوطه ، ولاطه يليطه إذا طيّنه وملّسه وأصلحه.

٢٧٢

[الزمر : ١٦] قال : (وَيَقُولُ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٥٥) : أي ثواب ما كنتم تعملون في الدنيا.

قوله : (يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ) : [قال بعضهم : (إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ) قال : إذا عمل فيها بالمعاصي فاخرجوا منها. وقال مجاهد : فهاجروا وجاهدوا] (١).

وقال بعضهم : أمرهم بالهجرة وأن يجاهدوا في سبيل الله ، يهاجروا إلى المدينة ، ثمّ يجاهدوا إذا أمروا بالجهاد.

قوله : (فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ) (٥٦) : أي في تلك الأرض التي أمرتكم أن تهاجروا إليها ، يعني المدينة ، نزلت هذه الآية بمكّة قبل الهجرة.

قوله : (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) : كقوله : (ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ) (١٥) [المؤمنون : ١٥] قال الله : (ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ) (٥٧) : أي يوم القيامة.

قوله : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ) : أي لنسكننّهم (مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها) : لا يموتون ولا يخرجون منها (نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ) (٥٨) : أي نعم ثواب العاملين في الدنيا ، يعني الجنّة.

قال : (الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) (٥٩).

قوله : (وَكَأَيِّنْ) : أي وكم (مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا) : أي تأكل بأفواهها ولا تحمل شيئا لغد. قال مجاهد : يعني البهائم والطير والوحوش والسباع (اللهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (٦٠) : أي لا أسمع منه ولا أعلم.

قوله : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ) : يعني المشركين (مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) يجريان (لَيَقُولُنَّ اللهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ) (٦١) : أي فكيف تصرفون عقولكم بعد إقراركم (٢) بأنّ الله واحد ، وأنّه خالق هذه الأشياء.

قوله : (اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) : أي يوسّع الرزق لمن يشاء من عباده (وَيَقْدِرُ لَهُ) : أي ويقتر عليه نظرا له ، يعني المؤمنين (إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (٦٢) : كقوله :

__________________

(١) زيادة من سح ورقة ٧٧ والقول الأوّل لسعيد بن جبير.

(٢) كذا في ب وع. وفي سح ورقة ٧٧ وفي سع : «فكيف يصرفون بعد إقرارهم» ، وهو أصحّ.

٢٧٣

(وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً) أي : ولو لا أن يجتمعوا على الكفر (لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ ..). إلى آخر الآية [الزخرف : ٣٣].

ذكروا عن الحسن قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح ذبابة أو بعوضة ما أعطى الكافر منها شيئا (١). ذكروا عن الحسن قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الدنيا سجن المؤمن ، وهي جنّة الكافر» (٢).

قوله : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ) : يعني المشركين (مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) : يعني المطر (فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها) : أي فأخرج به النبات بعد أن كانت تلك الأرض ميتة ، أي : يابسة ليس فيها نبات (لَيَقُولُنَّ اللهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) (٦٣) : أي فيؤمنون. أي : إنّهم قد أقرّوا أنّ الله خالق هذه الأشياء ، ثمّ عبدوا الأوثان من دونه.

قوله : (وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ) : أي أهل الدنيا أهل لهو ولعب ، يعني المشركين والمنافقين هم أهل الدنيا الذين لا يريدون غيرها ، أي : لا يقرّون بالآخرة. (وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ) : أي الجنّة (لَهِيَ الْحَيَوانُ) (٣) : أي يبقى أهلها لا يموتون. قال الله : (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) (٦٤) : أي المشركون ، لعلموا أنّ الآخرة خير من الدنيا.

__________________

(١) حديث صحيح أخرجه الترمذيّ عن سهل بن سعد مرفوعا ، وأخرجه ابن ماجه أيضا عنه في كتاب الزهد ، باب مثل الدنيا (رقم ٤١١٠) وأخرجه الحسن مرسلا. ولفظه : «لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها قطرة ماء».

(٢) حديث صحيح أخرجه مسلم وغيره عن أبي هريرة ، وانظر ما سلف ، ج ١ ص ٥٥٢.

(٣) قال أبو عبيدة في المجاز ، ج ٢ ص ١١٧ : «ومجاز الحيوان والحياة واحد. ومنه قولهم : نهر الحيوان ، أي : نهر الحياة ، ويقال : حييت حيّا ، على تقدير : عييت عيّا. فهو مصدر ، والحيوان والحياة اسمان منه فيما تقول العرب ، قال العجاج :

وقد ترى إذ الحياة حيّ

أي : الحياة».

وقال الزمخشريّ في الكشّاف ، ج ٣ ص ٤٩٣ : «... وفي بناء الحيوان زيادة معنى ليس في بناء الحياة ، وهي ما في بناء فعلان من معنى الحركة والاضطراب ... مجيئه على بناء دالّ على معنى الحركة مبالغة في معنى الحياة ، ولذلك اختيرت على الحياة في هذا الموضع المقتضي للمبالغة».

٢٧٤

قوله : (فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) : أي إذا خافوا الغرق (فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ (٦٥) لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ) : وقال في آية أخرى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً) [إبراهيم : ٢٨]. قال : (وَلِيَتَمَتَّعُوا) : أي في الدنيا (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) (٦٦) : أي إذا صاروا إلى النار. وهذا وعيد.

قوله : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً) : أي بلى قد رأوا ذلك (وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ) : يعني أهل الحرم ، إنّهم آمنون ، والعرب حولهم يقتل بعضهم بعضا ويسبي بعضهم بعضا. قال الله : (أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ) : أفبإبليس يؤمنون ، أي : يصدّقون ، أي : يعبدونه بما وسوس إليهم من عبادة الأوثان ، وهي عبادته. قال في آية أخرى : (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٦٠) وَأَنِ اعْبُدُونِي هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ) (٦١) [يس : ٦٠ ـ ٦١]. قال : (وَبِنِعْمَةِ اللهِ يَكْفُرُونَ) (٦٧) : وهذا على الاستفهام ، أي : قد فعلوا. قوله : (وَبِنِعْمَةِ اللهِ يَكْفُرُونَ) يعني ما جاء به النبيّ عليه‌السلام من الهدى.

قال : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) : فعبد الأوثان دونه (أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ) : أي بالقرآن (لَمَّا جاءَهُ) : أي لا أحد أظلم منه ، ثمّ قال : (أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ) (٦٨) : وهو على الاستفهام ، أي : بلى فيها مثوى للكافرين.

قوله : (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا) : [يعني عملوا لنا] (١) (لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا) : أي سبيل الهدى ، أي : الطريق إلى الجنّة. نزلت قبل أن يؤمر بالجهاد ، ثمّ أمر بالجهاد بعد بالمدينة. قال الله : (وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) (٦٩) : أي المؤمنين.

* * *

__________________

(١) زيادة من سح ورقة ١١١.

٢٧٥

تفسير سورة الروم وهي مكّيّة كلّها

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قوله : (الم) (١) : قد فسّرناه في أوّل سورة البقرة.

قوله : (غُلِبَتِ الرُّومُ) (٢) : أي قد غلبتهم فارس (فِي أَدْنَى الْأَرْضِ) : أي في أدنى الروم ، بأذرعات من الشام ، بها كانت الوقعة. فلمّا بلغ ذلك أهل مكّة شمتوا أن غلب إخوانهم أهل الكتاب. وكان المسلمون يعجبهم أن يظهر الروم على فارس ، لأنّ الروم أهل كتاب. وكان مشركو العرب يعجبهم أن يظهر المجوس على أهل الكتاب.

قال الله : (وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ) (٣) : يعني الروم ، من بعد ما غلبتهم فارس سيغلبون فارس. (فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ) أن يهزم الروم (وَمِنْ بَعْدُ) ما هزمت. (وَيَوْمَئِذٍ) : أي يغلب الروم فارس (يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (٤) بِنَصْرِ اللهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) (٥).

قال أبو بكر للمشركين : لم تشمتون ، فو الله ليظهرنّ الروم على فارس إلى ثلاث سنين ، فقال أبيّ بن خلف : أنا أبايعك ألّا تظهر الروم على فارس إلى ثلاث سنين. فتبايعا على خطر (١) سبع من الإبل. ثمّ رجع أبو بكر إلى النبيّ عليه‌السلام فأخبره. فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : اذهب فبايعهم إلى سبع سنين ، مدّ في الأجل وزد في الخطر.

ولم يكن حرّم ذلك يومئذ ؛ وإنّما حرّم القمار ، وهو المسير ، والخمر بعد غزوة الأحزاب. فرجع أبو بكر إليهم فقال : اجعلوا الوقت إلى سبع سنين وأزيدكم في الخطر. ففعلوا ، فزاد في الخطر ثلاثا فصارت عشرا من الإبل ، وفي السنين أربعا ، فكانت السنون سبعا ، ووقع الخطر على يدي أبي بكر (٢).

__________________

(١) أي : تعاقدا وتعاهدا على خطر ، وهو المقدار من المال أو أيّ شيء آخر يجعل بين المتراهنين فمن غلب وسبق فهو له دون صاحبه ، ويسمّى أيضا السبق (بفتح السين والباء معا).

(٢) قصّة أبي بكر رضي الله عنه مع المشركين أوردها ابن جرير الطبريّ في تفسيره ، ج ٢١ ص ١٦ ـ ١٩ عن ابن عبّاس وأوردها الترمذيّ وغيره عن نيار بن مكرم الأسلميّ بألفاظ متقاربة ، وفي بعض ألفاظ الحديث : ـ

٢٧٦

فلمّا مضت ثلاث سنين قال المشركون : قد مضى الوقت ، وقال المسلمون : هذا قول ربّنا ، وتبليغ نبيّنا ، والبضع ما بين الثلاث إلى التّسع (١) ما لم يبلغ العشر ، والموعود كائن.

فلمّا كان تمام سبع سنين ظهرت الروم على فارس ، وكان الله وعد المؤمنين إذا غلبت الروم فارس أظهرهم الله على المشركين ، فظهرت الروم على فارس والمؤمنون على المشركين في يوم واحد ، وهو يوم بدر ، وفرح المسلمون بذلك ، وصدق الله قولهم وقول رسوله ، وهو قوله : (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ). قال : (وَعْدَ اللهِ لا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (٦). ذكروا أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : إذا مات كسرى فلا كسرى بعده وإذا مات قيصر فلا قيصر بعده (٢). يعني ملك الروم بالشام.

ذكروا عن عتبة بن نافع أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : تقاتلون جزيرة العرب فيفتح الله عليكم وتقاتلون الدجّال فيفتح الله عليكم (٣) فكان عتبة بن نافع يحلف بالله لا يخرج الدجّال حتّى تفتح الروم.

قال : (يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا) : أي حين نتاجهم وحين زروعهم وحصادهم (٤) وتجارتهم. بعض هذا تفسير الحسن وبعضه تفسير الكلبيّ.

ذكروا عن موسى بن عليّ عن أبيه قال : كنت عند عمرو بن العاص بالإسكندريّة إذ قال رجل من القوم : زعم جسطال (٥) هذه المدينة أنّ القمر يخسف به الليلة ، فقال رجل : كذب هذا ،

__________________

ـ «... إنّما البضع ما بين الثلاث إلى التسع ، فزايده في الخطر ، ومادّه في الأجل».

(١) في ب وع : «البضع ما بين الثلاث إلى السبع» ، والصواب ما جاء في سع وسح : «إلى التسع».

(٢) حديث متّفق عليه ، انظر تخريجه فيما سلف ، ج ١ ، تفسير الآية ٢٧ من سورة آل عمران. والجملة الأخيرة من يحيى بن سلّام كما في سح.

(٣) كذا في ب وق ، وفي سح ورقة ٨١ ورد الحديث أوفى بالسند التالي : «وحدّثني شريك بن عبد الله عن عبد الملك بن عمير عن جابر بن سمرة عن عتبة بن نافع قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : تقاتلون فارس فيفتح الله عليكم ، وتقاتلون جزيرة العرب فيفتح الله عليكم ، وتقاتلون الروم فيفتح الله عليكم ، وتقاتلون الدجال فيفتح الله عليكم ...».

(٤) في ب وع : «وصناعتهم بل : وحصادهم» ، وأثبتّ ما رأيته مناسبا كما وردت الكلمة في سع وسح.

(٥) وردت هذه اللفظة في ع هكذا : «جسطلل» ، وفي سح : «جسطال» ، وعلى الهامش : «الحاسب» كأنّه شرح ـ

٢٧٧

يعلمون ما في الأرض فكيف يعلمون ما في السماء؟ فقال عمرو : بلى (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ) [لقمان : ٣٤] وما سوى ذلك يعلمه قوم ويجهله آخرون.

ذكروا عن الحسن أنّه قال : أضلّ رجل من المسلمين ناقته فذهب في طلبها. فلقى به رجلا من المشركين فأنشدها إيّاه (١) فقال : ألست مع هذا الذي يزعم أنّه نبيّ ، أفلا تأتيه فيخبرك بمكان راحلتك. فمضى الرجل قليلا فردّ الله عليه راحلته. فجاء إلى النبيّ عليه‌السلام فأخبره فقال : فما قلت له؟ فقال الرجل : وما عسيت أن أقول لرجل من المشركين مكذّب بالله. قال : أفلا قلت له : إنّ الغيب لا يعلمه إلّا الله ، وأنّ الشمس لا تطلع إلّا بزيادة أو نقصان (٢).

قوله : (وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ) (٧) : يعني المشركين. أي : لا يقرّون بها ؛ إنّما هم عنها في غفلة ، كقوله : (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ) أي : غطاء الكفر (فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) (٢٢) [سورة ق : ٢٢]. أبصر حين لم ينفعه البصر.

قوله : (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ما خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ) : أي للبعث والحساب. أي : لو تفكّروا في خلق السماوات والأرض لعلموا أنّ الذي خلقهما يبعث الخلق يوم القيامة. قال : (وَأَجَلٍ مُسَمًّى) : يعني يوم القيامة. أي : خلق الله السماوات والأرض للقيامة ، ليجزي الناس بأعمالهم. والقيامة اسم جامع يجمع النفختين جميعا : الأولى والآخرة.

قال : (وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ) : يعني المشركين ، وهم أكثر الناس (بِلِقاءِ رَبِّهِمْ لَكافِرُونَ) (٨).

قوله : (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَشَدَّ

__________________

ـ لها. ولم أجد الكلمة في معرّب الجواليقي ولا في المعاجم التي بين يديّ حتّى أتحقّق من أصلها ومن معناها. وهي معرّبة ولا شكّ.

(١) في سح ورقة ٨١ وفي ع : «فأنشدها إيّاه» ، وفي سع : «فأنشده إيّاها» ، يقال : نشد ضالّته نشدة ونشدانا ، أي : طلبها ، وأنشدها إيّاه ، أي عرّفها إيّاه ناشدا لها.

(٢) لم أعثر على هذه القصّة فيما بحثت من مصادر التفسير والحديث.

٢٧٨

مِنْهُمْ قُوَّةً) : [يعني بطشا] (١) ، (وَأَثارُوا الْأَرْضَ) : أي حرثوها (وَعَمَرُوها أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها) : أي أكثر ممّا عمرها هؤلاء (وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ:) [يعني كفّار الأمم الخالية الذين كذّبوا في الدنيا. يقول : لم يظلمهم فيعذّبهم على غير ذنب] (٢) (وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (٩) : أي يضرّون بكفرهم وتكذيبهم. وقال بعضهم : ينقضون. أي : قد ساروا في الأرض ورأوا آثار الذين من قبلهم ؛ يخوّفهم أن ينزل بهم ما نزل بهم إن لم يؤمنوا.

قال : (ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ) : أي جزاء (الَّذِينَ أَساؤُا) : أي أشركوا (السُّواى) : أي جهنّم (أَنْ كَذَّبُوا) : أي بأن كذّبوا (بِآياتِ اللهِ وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ) (١٠). قال الحسن : يعني بالسوأى : العذاب ، أي : في الدنيا والآخرة.

قوله : (اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) : يعني البعث (ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (١١) : أي يوم القيامة.

قوله : (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ) (١٢) : أي ييأس المشركون (٣) ، أي : من الجنّة. قوله : (وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكائِهِمْ) : أي الذين عبدوا من دون الله (شُفَعاءُ) حتّى لا يعذّبوا (وَكانُوا بِشُرَكائِهِمْ) : يعني ما عبدوا ، بعبادتهم إيّاهم (كافِرِينَ) (١٣).

قوله : (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ) (١٤) : أي فريق في الجنّة وفريق في السعير.

قال : (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ) (١٥) : كقوله : (فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ) [الشورى : ٢٢] ، والروضة الخضرة ، أي : يكرمون ، في تفسير الحسن ، وفي تفسير الكلبيّ : (يُحْبَرُونَ) أي : يفرحون (٤).

__________________

(١) زيادة من ز ، ورقة ٢٦٢ ، ومن سح ورقة ٢٨.

(٢) زيادة من ز ، ورقة ٢٦٣ ، ومن سح ورقة ٢٨.

(٣) قال أبو عبيدة في المجاز ، ج ٢ ص ١٢٠ : (يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ) أي : يتندّمون ويكتئبون وييأسون». وقال الفرّاء في المعاني ، ج ٢ ص ٣٢٢ : «ييأسون من كلّ خير ، وينقطع كلامهم وحججهم».

(٤) كذا في ب وع : «يكرمون في تفسير الحسن ، وهو موافق لما ذهب إليه ابن عبّاس» ، وفي سح وسع : ـ

٢٧٩

قال : (وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ فَأُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ) (١٦) : أي مدخلون.

قوله : (فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (١٧) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ) (١٨). ذكروا أنّ نافع بن الأزرق سأل ابن عبّاس : هل تجد الصلوات الخمس مسمّيات في كتاب الله؟ قال : نعم (فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ) فهذه صلاة المغرب (وَحِينَ تُصْبِحُونَ) هذه صلاة الصبح (وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا) هذه صلاة العصر ، (وَحِينَ تُظْهِرُونَ) هذه صلاة الظهر. وقال في آية أخرى : (وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ) [النور : ٥٨] فهذه خمس صلوات.

وتفسير الحسن أنّ الصلوات الخمس كلّها في هذه الآية ؛ يقول : (فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ) المغرب والعشاء (١).

وقال بعضهم : كلّ صلاة ذكرت في المكّيّ من القرآن قبل الهجرة بسنة فهي ركعتان غدوة وركعتان عشيّة ، وذلك قبل أن تفرض الصلوات الخمس ؛ وإنّما افترضت الصلوات الخمس قبل أن يهاجر النبيّ عليه‌السلام بسنة ليلة أسري به. وما كان من ذكر صلاة بعد ليلة أسري به فهي الصلوات الخمس. وهذه الآية نزلت بعدما أسري بالنبيّ عليه‌السلام ، وفرضت عليه الصلوات الخمس.

قوله : (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ) : وهي النطفة ؛ يخرج من النطفة الميتة الخلق الحيّ ، ويخرج من الخلق الحيّ النطفة الميّتة ، ويخرج من الحبّة اليابسة النبات الحيّ ، ويخرج من النبات الحيّ الحبّة اليابسة. وكذلك تفسير مجاهد.

وتفسير الحسن : يخرج المؤمن من الكافر ، ويخرج الكافر من المؤمن.

__________________

ـ «يكرمون» في تفسير الكلبيّ ، وفي تفسير الحسن : «يحبرون أي : يفرحون». وقال بعضهم : «الحبرة : اللذّة والسماع. وقال ابن قتيبة : (يُحْبَرُونَ) أي : يسرّون. والحبرة : السرور. ومنه يقال : «كلّ حبرة تتبعها عبرة».

(١) وهو ما ذهب إليه الفرّاء في المعاني ، ج ٢ ص ٣٢٣ حيث قال : «يقول : فصلّوا لله (حِينَ تُمْسُونَ) وهي المغرب والعشاء (وَحِينَ تُصْبِحُونَ) صلاة الفجر ، (وَعَشِيًّا) صلاة العصر (وَحِينَ تُظْهِرُونَ) صلاة الظهر».

٢٨٠