تفسير كتاب الله العزيز - ج ٣

هود بن محكم الهوّاري الأوراسي

تفسير كتاب الله العزيز - ج ٣

المؤلف:

هود بن محكم الهوّاري الأوراسي


المحقق: بالحاج بن سعيد الشريفي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار البصائر للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٢

قال : (وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) : أي يحييها بالنبات بعد إذ كانت ميّتة ، أي : يابسة لا نبات فيها. قال : (وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ) (١٩) : يعني البعث. يرسل الله مطرا منيّا كمنيّ الرجال فتنبت به لحمانهم وجسمانهم كما ينبت الأرض الثرى.

قوله : (وَمِنْ آياتِهِ) : تفسير السدّيّ : ومن علامات الربّ أنّه واحد (أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ) : يعني الخلق الأوّل ، خلق آدم (ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ) (٢٠) : أي في الأرض. وقال السدّيّ : (تَنْتَشِرُونَ) أي : تنبسطون.

قوله : (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً) : يعني أزواجكم ، أي : المرأة من الرجل (لِتَسْكُنُوا إِلَيْها) : أي لتستأنسوا إليها (١) (وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً) : يعني محبّة (وَرَحْمَةً) : يعني الولد (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (٢١) : أي فيؤمنون ، وإنّما يتفكّر المؤمن.

قال : (وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ) : قال بعضهم : (اخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ) : النغمة ، (وَأَلْوانِكُمْ) أي : لا ترى اثنين على صورة واحدة. ذكر بعضهم عن الضحّاك بن مزاحم قال : يشبه الرجل الرجل وليس بينهما قرابة إلّا من قبل الأب الأكبر : آدم. وتفسير الكلبيّ : (اخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ) أي : للعرب كلام ، ولفارس كلام ، وللروم كلام ، ولسائرهم من الناس كذلك. قال : (وَأَلْوانِكُمْ) أي : أبيض وأحمر وأسود. (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ) (٢٢).

[قوله : (وَمِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَابْتِغاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ) : أي من رزقه. كقوله : (وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ) أي : في الليل ، (وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) [القصص : ٧٣] أي : في النهار. قال : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) (٢٣) : وهم المؤمنون ، سمعوا من الله ما أنزل عليهم] (٢).

قال : (وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً) : أي خوفا للمسافر [يخاف أذاه

__________________

(١) كذا في ب وع وسح وسع : «لتستأنسوا إليها» ، وفي ز : «لتستأنسوا بها». وهو خطأ ولا شكّ. وتعدية الفعل بإلى أبلغ وأروع.

(٢) سقطت هذه الآية كلّها وتفسيرها من ب وع ، فأثبتّها من سع وسح ومن ز.

٢٨١

ومعرّته] (١) ، وطمعا للمقيم ، أي : يطمع في رزق الله. وبعضهم يقول : خوفا من البرد أن يهلك الزرع ، وطمعا في المطر. قال : (وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها :) أي يحييها بالنبات بعد إذ كانت يابسة ليس فيها نبات. (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (٢٤) : وهم المؤمنون ، عقلوا عن الله ما أنزل إليهم.

قال : (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ) : [يعني بغير عمد ، تفسير السدّيّ. قال يحيى : كقوله : (إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا) [فاطر : ٤١] (٢).

قال : (ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ) (٢٥) : يعني النفخة الآخرة. وفيها تقديم : إذا دعاكم دعوة إذا أنتم من الأرض تخرجون. كقوله : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ) أي : من القبور (إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ) (٥١) [يس : ٥١] أي : يخرجون ، وهو نفخ صاحب الصور. وهو كقوله : (فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ (١٣) فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ) (١٤) [النازعات : ١٣ ـ ١٤] أي : فإذا هم على الأرض. وهو قوله : (يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ) [ق : ٤١].

قوله : (وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ) (٢٦) : تفسير الحسن : كلّ له قائم بالشهادة ، أي : أنّه عبد له (٣). وتفسير الكلبيّ : كلّ له مطيعون ، أي : في الآخرة ، ولا يقبل ذلك من الكفّار. قوله : (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) : أي بعد الموت ، أي : يبعثهم بعد الموت ، (وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) : أي أيسر عليه (٤). أي : إنّه بدأ الخلق خلقا بعد خلق ، ثمّ يبعثهم مرّة واحدة.

__________________

(١) زيادة من سح ورقة ٨٥ ومن سع.

(٢) زيادة من سح ورقة ٨٥ ، ولم ترد في سع ولا في ز.

(٣) قال أبو عبيدة في المجاز ، ص ١٢١ : (كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ) أي : مطيعون. و (كلّ) لفظه لفظ الواحد ، ويقع معناه على الجميع ، وهو ههنا جميع ، وفي الكلام : كل له مطيع أيضا».

(٤) وقال أبو عبيدة : (وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) مجازه : وذلك هيّن عليه ، لأنّ أفعل يوضع موضع الفاعل. قال :

لعمرك ما أدري وإني لأوجل

على أيّنا تأتي المنيّة أوّل

أي : وإنّي لواجل ، أي : لوجل. وقال :

فتلك سبيل لست فيها بأوحد

أي : بواحد وفي الأذان : الله أكبر ، أي : الله كبير.» وانظر : الفرّاء المعاني ، ج ٢ ص ٣٢٣ ـ ٣٢٤ في تفسير الآية.

٢٨٢

قوله : (وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى) : أي لا إله إلّا الله (فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) : أي ليس له ندّ ولا شبيه. قال : (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (٢٧) : العزيز في نقمته ، الحكيم في أمره. ينزّه نفسه عمّا قال المشركون أن جعلوا له الأنداد فعبدوهم دونه.

قوله : (ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ) : ثمّ ذكر ذلك المثل فقال : (هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ) : أي هل يشارك أحدكم مملوكه في زوجته وماله؟ (فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ تَخافُونَهُمْ) : أي تخافون لائمتهم (كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ) : أي كخيفة بعضكم بعضا ، أي : إنّه ليس أحد منكم هكذا ، فأنا أحقّ ألّا يشرك بعبادتي غيري ، فكيف تعبدون غيري دوني ، تشركونه في ألوهيّتي وربوبيّتي؟ وهو مثل قوله : (وَاللهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلى ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَواءٌ) [النحل : ٧١] قال : (كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ) : يعني نبيّن الآيات (لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (٢٨) : وهم المؤمنون.

قال : (بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْواءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ) : أتاهم من الله بعبادة الأوثان (فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللهُ) : أي لا أحد يهديه (وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ) (٢٩).

قال : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً) : أي مخلصا ، في تفسير الحسن. وقال الكلبيّ : مسلما (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها) : أي خلق الله الذي خلق الناس عليه (١) ، وهو قوله : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى) [الأعراف : ١٧٢].

قال بعضهم : إنّ أوّل ما خلق الله القلم فقال : اكتب. فقال : ربّ ، وما أكتب؟ قال : ما هو كائن. فجرى القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة ؛ قال : فأعمال العباد تعرض كلّ يوم اثنين وخميس فيجدونه على ما في الكتاب الأوّل. ثمّ أخرج الله من ظهر آدم كلّ نسمة هو خالقها ، فأخرجهم مثل الذرّ ، فقال : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى) ثمّ أعادهم في صلب آدم ، ثمّ يكتب بعد ذلك العبد في

__________________

(١) قال الفرّاء في المعاني ، ج ٢ ص ٣٢٤ : «وقوله : (فِطْرَتَ اللهِ) يريد : دين الله ، منصوب على الفعل. كقوله : (صِبْغَةَ اللهِ). وقوله : (الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها) يقول : المولود على الفطرة حتّى يكون أبواه اللذان ينصّرانه أو يهوّدانه. ويقال : فطرة الله أنّ الله فطر العباد على هذا : على أن يعرفوا أنّ لهم ربّا ومدبّرا».

٢٨٣

بطن أمّه شقيّا أو سعيدا على الكتاب الأوّل. فمن كان في الكتاب الأوّل شقيّا عمّر حتّى يجري عليه القلم فينقض الميثاق الذي أخذ عليه في صلب آدم فيكون شقيّا. ومن كان في الكتاب الأوّل سعيدا عمّر حتّى يجري عليه القلم فيؤمن فيصير سعيدا. ومن مات صغيرا من أولاد المؤمنين قبل أن يجري عليه القلم فهو مع آبائه في الجنّة من ملوك أهل الجنّة ، لأنّ الله يقول : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) [الطور : ٢١].

ذكروا عن الحسن قال : توفّي ابن رجل من الأنصار فقعد في بيته. فافتقده رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فسأل عنه ، فقال سعد : يا رسول الله ، توفّي ابنه فقعد في بيته. ثمّ لقي الرجل سعد فقال : إنّ رسول الله قد ذكرك اليوم. فأتى الرجل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : يا رسول الله ، توفّي ابني فقعدت في بيتي. فقال رسول الله : أما ترضى أن تكفى مؤونته في الدنيا وألّا تأتي على باب من أبواب الجنّة إلّا وجدته بإزائه ينتظرك؟ (١).

قال بعضهم : ومن كان من أولاد المشركين ثمّ مات قبل أن يجري عليه القلم فليس يكونون مع آبائهم في النار ، لأنّهم ماتوا على الميثاق الذي أخذ عليهم في صلب آدم ولم ينقضوا الميثاق ، قال : وهم خدم أهل الجنّة.

ذكروا عن أنس بن مالك قال : سئل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن أولاد المشركين فقال : لم تكن لهم حسنات [فيجزوا بها] (٢) فيكونوا من ملوك أهل الجنّة ، ولم تكن لهم سيّئات فيكونوا من أهل النار ؛ فهم خدم أهل الجنّة (٣).

ذكروا عن سلمان الفارسيّ أنّه قال : أطفال المشركين خدم لأهل الجنّة. وذكر ذلك قوم للحسن فقال : وما تنكرون؟ قوم أكرمهم الله ، وأكرم بهم ، يعني أهل الجنّة. ذكروا عن أبي هريرة قال : سئل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن أطفال المشركين فقال : لم تكن لهم حسنات فيكونوا من ملوك أهل

__________________

(١) لم أجده فيما بين يديّ من المصادر ، وقد رواه ابن سلّام هكذا في سح ورقة ٨٧ : «وحدثني قرّة بن خالد عن الحسن قال ...» ، وفيه : «فقال سعد بن عبادة ، يا نبيّ الله ، توفّي بنيّه فدبّخ في بيته ، ثمّ لقيه فقال ...».

(٢) زيادة من سح ورقة ٨٨.

(٣) رواه ابن سلّام بالسند التالي : «حدّثني الربيع بن صبيح عن يزيد الرقاشيّ عن أنس بن مالك قال : سئل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ...».

٢٨٤

الجنّة ، ولم تكن لهم سيّئات فيكونوا من أهل النار (١).

ذكروا عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : كلّ مولود يولد على الفطرة حتّى يعرب عنه لسانه. فأبواه يهوّدانه أو ينصّرانه. قيل : يا رسول الله ، فالذي يموت صغيرا؟ قال : الله أعلم بما كانوا عاملين (٢).

ذكروا عن الحسن قال : سئل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : من في الجنّة؟ فقال : النبيّون (٣) في الجنّة ، والمولود في الجنّة ، والشهيد في الجنّة ، والموءودة في الجنّة.

ذكروا عن الحسن قال : أربعة يرجون العذر يوم القيامة : من مات قبل الإسلام ، ومن أدركه الإسلام وهو هرم قد ذهب عقله ، ومن ولدته أمّه لا يسمع الصوت ، والذي يتخبّطه الشيطان من المسّ. فكلّ هؤلاء يرجون العذر يوم القيامة. قال : فيرسل الله إليهم رسولا ، فيوقد لهم نارا ، فيأمرهم أن يقعوا فيها ، فمن بين واقع ومن بين هارب. قال بعضهم : وبلغنا أنّ من واقعها نجا ، ومن لم يواقعها دخل النار. وقال بعضهم : نرى أنّ الذين ينجون من ولدته أمّه لا يسمع الصوت ، والذي يتخبّطه الشيطان من المسّ لهما عذر ، والاثنان الآخران ليس لهما عذر : الذي مات قبل الإسلام ، ومن أدرك الإسلام وقد ذهب عقله ؛ لأنّهما قد لقيا الحجّة من الأنبياء ؛ من عيسى أو من غيره من قبله. قال الله : (إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آباءَهُمْ ضالِّينَ (٦٩) فَهُمْ عَلى آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ) (٧٠) [الصافّات : ٦٩ ـ ٧٠]. وقول الحسن في هذا متروك لا يؤخذ به ولا يذهب إليه المسلمون (٤).

__________________

(١) اقرأ في هذا الموضوع تحقيقا مهمّا وتلخيصا لأقوال العلماء في هذا الموضوع أوردهما البغويّ في شرح السنّة ، ج ١ ص ١٥٣ ـ ١٦٢ ، باب أطفال المشركين.

(٢) حديث متّفق عليه ، أخرجه البخاريّ في الجنائز ، باب إذا أسلم الصبيّ فمات هل يصلّى عليه ، وفي باب ما قيل في أولاد المشركين ، وأخرجه مسلم في كتاب القدر ، باب معنى : كلّ مولود يولد على الفطرة ، وحكم موت أطفال الكفّار وأطفال المسلمين ، عن أبي هريرة (رقم ٢٦٥٨).

(٣) كذا في ب وع : «النبيّون في الجنّة» ، وفي سح وسع جاء اللفظ بالإفراد : «النبيّ» وهو الصحيح. والحديث صحيح أخرجه أحمد في مسنده ، وأخرجه أبو داود في سننه في كتاب الجهاد ، باب في فضل الشهادة (رقم ٢٥٢١) عن حسناء بنت معاوية الصريميّة عن عمّها أسلم بن سليم قال : قلت للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : من في الجنّة؟ قال : النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الجنّة».

(٤) هذه الجملة الأخيرة لم ترد إلّا في ب وع ، وهي من كلام الشيخ هود ولا شكّ.

٢٨٥

قوله : (لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ) : أي لدين الله ، كقوله : (إِنَّ عِبادِي) أي : المؤمنين (لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ) [الإسراء : ٦٥] ، وكقوله : (مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ) [الكهف : ١٧] أي : لا يستطيع أحد أن يضلّه. وكقوله : (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا) [النحل : ٩٩].

قال : (ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (٣٠) : وهم المشركون.

قال : (مُنِيبِينَ إِلَيْهِ) : أي مقبلين إليه بالإخلاص ، أي : مخلصين له (١). وهذا تبع للكلام الأوّل : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً). قال : (وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) : أي المفروضة (وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٣١) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً) : أي فرقا ، يعني أهل الكتاب (كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ) : أي بما عليهم (فَرِحُونَ) (٣٢) : [أي : راضون] (٢).

قوله : (وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ) : أي مخلصين في الدعاء (ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً) : أي كشف ذلك عنهم (إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ) : يعني المشركين (بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ) (٣٣).

قوله : (لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ) : أي فكفروا بما آتيناهم من النعم حيث أشركوا (فَتَمَتَّعُوا) : أي إلى موتكم (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) (٣٤) : وهذا وعيد هوله شديد. وهي تقرأ أيضا على الياء : (فيتمتّعوا) يخبر عنهم ، (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) وعيدا لهم.

قال الله عزوجل : (أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً) : أي حجّة (فَهُوَ يَتَكَلَّمُ) : أي فذلك السلطان يتكلّم ، وهي الحجّة (بِما كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ) (٣٥) : وهذا استفهام ، أي : لم ينزل عليهم حجّة بذلك ، أي : لم يأمرهم أن يشركوا. قوله : (وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً:) أي عافية وسعة (فَرِحُوا بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ) : أي شدّة وعقوبة (بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ) (٣٦) : أي ييأسون من أن يصيبهم رخاء بعد تلك الشدّة ، يعني المشركين.

__________________

(١) وقال أبو عبيدة في المجاز ، ج ٢ ص ١٢٢ : (مُنِيبِينَ إِلَيْهِ) أي : راجعين تائبين».

(٢) زيادة من سح ورقة ٨٩. وقال أبو عبيدة : «أي كلّ شيعة وفرقة بما عندهم (فَرِحُونَ).

٢٨٦

قوله : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ) : أي يوسّعه عليهم (وَيَقْدِرُ:) أي ويقتر عليه (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (٣٧).

قوله : (فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ) : قال الحسن : بعض هذه الآية تطوّع ، وبعضها مفروض ؛ فأمّا قوله : (فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ) فهو تطوّع ، وهو ما أمر الله به من صلة القرابة ، وأمّا قوله : (وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ) فيعني الزكاة.

قال بعضهم : حدّثونا أنّ الزكاة فرضت بمكّة ، ولكن لم تكن شيئا معلوما.

وقال الكلبيّ في تفسير هذه الآية : أن يصل ذا القربى ، ويطعم المسكين ، ويحسن إلى ابن السبيل ، وهو الضيف.

قال : (ذلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (٣٨).

قوله : (وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللهِ) : ذكروا عن الضحّاك بن مزاحم قال : تلك الهديّة تهديها ليهدى إليك خير منها ، ليس لك فيها أجر ، وليس عليك فيها وزر ، وقد نهى عنها النبيّ عليه‌السلام ، فقال : (وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) (٦) [المدّثّر : ٦].

ذكر عبد الرحمن الأعرج أنّه سمع ابن عبّاس يقرأها : (لتربوا) ، وبعضهم يقرأها : (ليربو) أي : ليربو ذلك الربا الذي يربون ، والربا : الزيادة ، أي : تهدون إلى الناس ليهدوا لكم أكثر منه.

وذكروا أنّ النبيّ عليه‌السلام قال : الهديّة رزق الله ، فمن أهدي إليه شيء فليقبله ، وليعط خيرا منه (١).

ذكروا عن الحسن قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لا يردّنّ أحدكم على أخيه هديّته وليهد له كما أهدى له (٢).

__________________

(١) لم أجده بهذا اللفظ ، ولكن صحّت أحاديث عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم في قبول الهديّة إذا كانت من غير مسألة ، فقد روي عن خالد بن عليّ الجهنيّ رضي الله عنه أنّه قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «من بلغه عن أخيه معروف من غير مسألة ولا إشراف نفس فليقبله ولا يردّه ، فإنّما هو رزق ساقه الله عزوجل إليه».

(٢) أخرج الترمذيّ في أبواب الأشربة ، باب ما جاء في قبول الهديّة والمكافأة عليها عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنّ النبيّ كان يقبل الهديّة ويثيب عليها. وأخرج أبو داود في كتاب الزكاة ، باب عطيّة من سأل ـ

٢٨٧

ذكروا عن أبي عبيدة أنّه قال : ترك المكافأة من التطفيف ؛ يعني مكافأة من أهدى. قال بعضهم : هذا ملاطفة تجري بين الإخوان والأخوات والجيران. وقد رأينا الناس يلاطفون فقهاءهم وعلماءهم ويهدون لهم ، يرجون بذلك مودّتهم وتعظيمهم وتشريفهم ، ولا يطلبون بذلك منهم مكافأة ، ويقبل منهم علماؤهم وفقهاؤهم ، ويرون ذلك من مكارم الأخلاق ، ومن سنيّ الفعال ، ويرون ردّ ذلك على إخوانهم الذين طلبوا ملاطفتهم ، وإدخال الرفق عليهم كسرا لهم ، وإزراء بهم ، وعيبا عليهم. وإنّما يكره قبول الهدايا للأمراء والوزراء ، والقضاة والعمّال ، لأنّ قبول الهدايا لهؤلاء رشى في الأحكام ؛ فأمّا من سواهم ممّن ليس بأمير ولا وزير ، ولا قاض ولا عامل ، فلا بأس بقبول الهديّة لهم ، بل هو حسن جميل ، يثبت المودّة ، ويذهب الضغائن والغلّ (١).

قوله : (وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ) : أي تريدون بها الله (فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ) (٣٩) : أي الذين تضاعف لهم الحسنات (٢).

قوله : (اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) : يعني البعث (هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ) : يعني ما تعبدون من دون الله (مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ) : أي يخلق أو يرزق أو يحيي أو يميت (سُبْحانَهُ) : ينزّه نفسه (وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (٤٠) : أي ارتفع عمّا

__________________

ـ بالله (رقم ١٦٧٢) عن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من استعاذ بالله فأعيذوه ومن سأل بالله فأعطوه ، ومن دعاكم فأجيبوه ، ومن صنع إليكم معروفا فكافئوه ، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتّى تروا أنّكم قد كافأتموه».

(١) هذا الخبر المنسوب إلى أبي عبيدة وإلى بعضهم هو ـ ولا شكّ ـ من زيادات الشيخ هود الهوّاريّ ، ولم يرد في المخطوطتين سع وسح ، ولا في ز. وأبو عبيدة هذا هو أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة التميميّ ، الذي أرسى قواعد المذهب الإباضيّ بعد شيخه الإمام جابر بن زيد التابعيّ الجليل. وقد توفّي أبو عبيدة سنة ١٥٨ ه‍ حسبما ذكره بعض المحقّقين ، وقيل سنة ١٥٠ ه‍. وليت الشيخ هودا ذكر لنا سند هذا الخبر حتّى نتعرّف على شيوخه وعلى نسبه في الدين ، ولكنّه ـ كعادته ـ يحذف أكثر الأسانيد ويكتفي برواية الحديث أو الخبر ، فحرمنا من كثير من وسائل تحقيق هذه الروايات تحقيقا علميّا ، وعلى كلّ فإيراده لهذا الخبر هنا وما يتضمّنه من تفريق بين من يجوز لهم قبول الهدايا وبين من لا يجوز دليل على فقه الرجل وعلمه.

(٢) جاء في ز ورقة ٢٦٤ ما يلي : «قال محمّد : يقال رجل مضعف ، أي : ذو إضعاف من الحسنات ، كما يقال : رجل موسر ، أي : ذو يسار. وقال الفرّاء في المعاني ، ج ٢ ص ٣٢٥ : «وقوله : (هُمُ الْمُضْعِفُونَ) أهل للمضاعفة ، كما تقول العرب : أصبحتم مسمنين معطشين إذا عطشت إبلهم أو سمنت».

٢٨٨

يقول المشركون.

قوله : (ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (٤١) : والفساد : الهلاك ، يعني من أهلك من الأمم السالفة بتكذيبهم رسلهم ، كقوله : (وَكُلًّا تَبَّرْنا تَتْبِيراً) (٣٩) [الفرقان : ٣٩] ، أي : أفسدنا إفسادا ، أي : أهلكنا إهلاكا. (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) أي : لعلّ من بعدهم يرجعون عن شركهم إلى الإيمان ويتّعظون بهم.

وقوله : (فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) قال الحسن : أهلكهم الله بذنوبهم في برّ الأرض وبحرها بأعمالهم الخبيثة. كقوله : (فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً) يعني قوم لوط الذين كانوا خارجين من المدينة وأهل السفر منهم ، (وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ) يعني ثمودا (وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ) يعني قوم لوط ، أصاب مدينتهم الخسف ، وقارون ، (وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا) [العنكبوت : ٤٠] يعني قوم نوح وفرعون وقومه (١).

قوله : (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ) : كان عاقبتهم أن دمّر الله عليهم ثمّ صيّرهم إلى النار (كانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ) (٤٢) : أي فأهلكناهم بشركهم.

قوله : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ) : أي الإسلام (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللهِ) : أي يوم القيامة (يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ) (٤٣) : أي يتفرّقون ، فريق في الجنّة وفريق في السعير.

قوله : (مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ) : أي يثاب عليه النار (وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ) (٤٤) : أي يوطئون في الدنيا القرار في الآخرة بالعمل الصالح (٢). ذكروا أنّ الله يقول

__________________

(١) أمّا الفرّاء فأوّل الآية في المعاني ، ج ٢ ص ٣٢٥ هكذا : «وقوله : (ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا) يقول : أجدب البرّ ، وانقطعت مادّة البحر بذنوبهم ، وكان ذلك ليذاقوا الشدّة بذنوبهم في العاجل».

(٢) قال أبو عبيدة في المجاز ، ج ٢ ص ١٢٤ : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ) من يقع على الواحد والاثنين والجميع من المذكّر والمؤنّث ، ومجازها ههنا مجاز الجميع. و (يمهد) أي : يكتسب ويعمل ويستعدّ. قال سليمان بن يزيد العدويّ :

امهد لنفسك حان السّقم والتّلف

ولا تضيعنّ نفسا ما لها خلف».

٢٨٩

للمؤمنين يوم القيامة : ادخلوا الجنّة برحمتي واقتسموها بأعمالكم.

قوله : (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْ فَضْلِهِ) : أي بفضله يدخلهم الجنّة. قال : (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ) (٤٥) : أي لا يثيب الكافرين بالجنّة.

قوله : (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ) : أي بالمطر (وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ:) يعني بالمطر (وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) : أي طلب التجارة في البحر. وهذا تبع للكلام الأوّل في هذه الآية : (وَمِنْ ـ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ) وما ذكر من المطر والسفن وطلب الفضل. قال : (وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (٤٦) : أي لتشكروا هذه النعم.

قوله : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ) : يا محمّد (رُسُلاً إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ) : أي جاءتهم تلك الرسل (بِالْبَيِّناتِ) : أي بالبيّنات والنور والهدى فكذّبوهم (فَانْتَقَمْنا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا) : أي من الذين أشركوا (وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) (٤٧) : أي إجابة دعاء الأنبياء على قومهم بالهلاك حين كذّبوهم ، فأمروا بالدعاء عليهم ، ثمّ استجيب لهم فأهلكهم الله.

قوله : (اللهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً) : أي قطعا بعضه على بعض (فَتَرَى الْوَدْقَ) : أي المطر (يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ:) أي من خلال السحاب ، وقال بعضهم : (مِنْ خِلالِهِ) أي : من خلل السحاب. قال : (فَإِذا أَصابَ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) (٤٨) : أي بالمطر.

قوله : (وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ) المطر (مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ) (٤٩) : أي لآيسين من المطر قانطين. كقوله : (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا) [الشورى : ٢٨].

وقوله : (وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ) هو كلام من كلام العرب مثنى (١). مثل قوله : (وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) (٣) [النمل : ٣] ، وكقوله : (وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ) (٧) [الروم : ٧].

قال : (فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللهِ) : يعني المطر (كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) : يعني النبات الذي أنبته الله بذلك المطر. قال : (إِنَّ ذلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ

__________________

(١) مثنى : أي : مكرر. قال ابن أبي زمنين في ز ورقة ٣٦٥ : «تكرير قيل على جهة التوكيد».

٢٩٠

قَدِيرٌ) (٥٠) : أي فالذي أنبت هذا النبات بهذا المطر قادر على أن يبعث الخلق يوم القيامة.

قال : (وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً) : فأهلكنا به ذلك الزرع (فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا) : أي لصاروا (مِنْ بَعْدِهِ) : أي من بعد ذلك المطر (يَكْفُرُونَ) (٥١).

قال : (فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى) : يعني الكفّار الذين يموتون على كفرهم ، (وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ) (٥٢) : يقول : إنّ الصمّ لا يسمعون الدعاء إذا ولّوا مدبرين. وهذا مثل الكفّار ، أي : إنّهم إذا تولّوا عن الهدى لم يسمعوه سمع قبول.

قال : (وَما أَنْتَ بِهادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ) : يعني الكفّار العمي عن الهدى (إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا) : وهذا سمع قبول. يقول : لن يقبل منك إلّا من يؤمن بآياتنا (فَهُمْ مُسْلِمُونَ) (٥٣).

قوله : (اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ) : يعني ضعف نطفة الرجل (ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً) : يعني شبابه (ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ) (٥٤).

قوله : (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ) : أي يحلف المشركون (ما لَبِثُوا) : أي في الدنيا وفي قبورهم (غَيْرَ ساعَةٍ).

قال الله : (كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ) (٥٥) : أي يصدّون في الدنيا عن الإيمان والبعث.

قال : (وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ) : [وهذا من مقاديم الكلام ، يقول : وقال الذين أوتوا العلم في كتاب الله والإيمان لقد لبثتم إلى يوم القيامة] (١) أي : لبثهم الذي كان في الدنيا وفي قبورهم إلى أن بعثوا.

قال : (فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (٥٦) : أي لا تعلمون أنّ البعث حقّ.

قال : (فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ) : أي وإن اعتذروا (وَلا هُمْ

__________________

(١) زيادة من سح ورقة ٩٤ ، ومن ز ورقة ٣٦٥. وهذا وجه من وجوه تأويل الآية. وقيل : ليس في الآية تقديم وتأخير. ومعنى كتاب الله : «أي : في اللوح ، أو في علم الله وقضائه ، أو فيما كتبه : أي : أو جاء به بحكمته».

٢٩١

يُسْتَعْتَبُونَ) (٥٧) : أي ولا يردّون إلى الدنيا ليعتبوا (١) ، أي : ليؤمنوا. وذلك أنّهم يسألون الرجعة إلى الدنيا ليؤمنوا فلا يردّون إلى الدنيا.

قال : (وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ) : أي ليذكّروا (وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ) (٥٨) : وذلك أنّهم كانوا يسألون النبيّ أن يأتيهم بآية. قال : (كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) (٥٩) : يعني الذين يلقون الله بشركهم يطبع على قلوبهم بشركهم.

قال : (فَاصْبِرْ) يا محمّد (إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ) : أي الذي وعدك أنّه سينصرك على المشركين ويظهر دينك (وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ) : أي ولا يستفزّنّك (الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ) : (٦٠)

يعني المشركين ، أي : لا تتابع المشركين إلى ما يدعونك من ترك دينك ، وهو يعلم أنّه لا يتابعهم على شيء من ذلك ، وأنّهم لا يستخفّونه.

* * *

__________________

(١) قال الزمخشريّ في الكشّاف ، ج ٣ ص ٤١٧ : (يُسْتَعْتَبُونَ) من : قولك : استعتبني فلان فأعتبته ، أي : استرضاني فأرضيته ، وذلك إذا كنت جانيا عليه. وحقيقة أعتبته : أزلت عتبه. والمعنى : لا يقال لهم : أرضوا ربّكم بتوبة وطاعة. وقال الراغب الأصبهانيّ : «والاستعتاب أن يطلب من الإنسان أن يذكر عتبه ليعتب».

٢٩٢

تفسير سورة لقمان وهي مكّيّة كلّها

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قوله : (الم) (١) : قد فسّرناه في أوّل سورة البقرة.

قوله : (تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ) (٢) : أي المحكم ، أحكمت آياته بالحلال والحرام والأحكام والأمر والنهي.

قوله : (هُدىً) : يهتدون به إلى الجنّة (وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ) (٣) : أي للمؤمنين

(الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ) : أي الصلاة المفروضة (وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ) : أي المفروضة (وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) (٤) : أي لا يشكّون أنّها كائنة. (أُولئِكَ) : الذين هذه صفتهم (عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ) : أي على بيان من ربّهم (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (٥) : أي السعداء.

قوله : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ) : يعني الشرك ، وهو قوله : (اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى) [البقرة : ١٦] أي : اختاروا الضلالة على الهدى في تفسير الحسن. وقال بعضهم : استحبّوا الضلالة على الهدى. [وقال بعضهم : يختار باطل الحديث على القرآن] (١). قال : (لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) : أي عن سبيل الهدى وهو سبيل الله (بِغَيْرِ عِلْمٍ) : أتاه من الله بما هو عليه من الشرك. (وَيَتَّخِذَها هُزُواً) : أي ويتّخذ آيات الله ، أي : القرآن هزؤا.

وتفسير الكلبيّ أنّها نزلت في النضر بن الحارث من بني عبد الدار ، وكان رجلا راوية لأحاديث الجاهليّة وأشعارهم (٢). قال : (أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) (٦) : أي من الهوان ، يعني

__________________

(١) زيادة من سح ورقة ٩٥ ، ومن سع ومن ز.

(٢) هذا هو القول الذي ذهب إليه كثير من المفسّرين القدامى والمعاصرين ، ومن هؤلاء الشيخ الطاهر بن عاشور في تفسيره التحرير والتنوير ، ج ٢١ ص ١٤٢. وفي تفسير مجاهد ، ص ٥٠٣ ما نصّه : «هو اشتراء المغنّي والمغنّية بالمال الكثير والاستماع إليهم ، وإلى مثله من الباطل». وقد فسّر ابن مسعود لهو الحديث بالغناء. وقال ابن عبّاس : الغناء وأشباهه. وقد روي في هذا المعنى خبر عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم رواه الترمذيّ في كتاب التفسير ، سورة لقمان ، عن أبي أمامة الباهليّ عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لا تبيعوا القينات ولا تشتروهنّ ولا تعلّموهنّ ، ولا خير في تجارة فيهنّ ، وثمنهنّ حرام». وانظر : مختلف الأقوال التي وردت في تأويل الآية في تفسير الطبريّ ، ج ٢١ ص ٦٠ ـ ٦٣ ، وفي تفسير القرطبيّ ، ج ١٤ ص ٥١ ـ ٥٧ ، وانظر : محمّد ـ

٢٩٣

جهنّم.

(وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا وَلَّى مُسْتَكْبِراً) : أي عن عبادة الله ، جاحدا لآيات الله (كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها) : أي قد سمعها بأذنيه ولم يقبلها قلبه. قال : (كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) (٧) : أي موجع.

قوله : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ (٨) خالِدِينَ فِيها) : لا يموتون ولا يخرجون منها. (وَعْدَ اللهِ حَقًّا) : أي بأنّ لهم الجنّة (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (٩) : أي العزيز في ملكه ونقمته ، الحكيم في أمره.

قوله : (خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها) وفيها تقديم في تفسير الحسن ، وتقديمها : خلق السماوات ترونها بغير عمد. ذكروا عن ابن عبّاس أنّه قال : لها عمد ولكن لا ترونها.

قال الله (وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ) : يعني الجبال أثبت بها الأرض (أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ) : أي لكي لا تتحرّك بكم.

ذكروا عن الحسن أنّه قال : لّما خلق الله الأرض جعلت تميد (١). فلمّا رأت ذلك ملائكة الله قالوا : يا ربّنا ، هذه لا يقرّ لك على ظهرها خلق ، إلهاما من الله لهم ، فأصبحت وقد وتدها (٢) بالجبال ، فلمّا رأت ملائكة الله ما أرسيت به الأرض قالوا : يا ربّنا هل خلقت خلقا هو أشدّ من الجبال؟ قال : نعم ، الحديد. قالوا : ربّنا ، هل خلقت خلقا هو أشدّ من الحديد؟ قال : نعم ، النار. قالوا : ربّنا ، هل خلقت خلقا هو أشدّ من النار؟ قال : نعم ، الماء. قالوا : يا ربّنا ، هل خلقت خلقا هو أشدّ من الماء؟ قال : نعم ، الريح. قالوا : ربّنا هل خلقت خلقا هو أشدّ من الريح؟ قال : نعم ، ابن آدم.

__________________

ـ رواس قلعة جي ، موسوعة فقه عبد الله بن عمر ، ص ٦٠٨.

(١) كذا في ع : «تميد» وهو الصحيح ، وفي ب : «تميع» ، وفي سح وسع : «تميّع». وما أثبتّه من ع هو الصواب لأنّه بمعنى الحركة والاضطراب ، أمّا الميع والتميّع فهما بمعنى السيلان والذوبان.

(٢) في ع وب : «وثطها» ، وفي سح : «وتطها» ، وفي كلتا الكلمتين تصحيف صوابه : إمّا «وطدها» أي : أثبتها وثقّلها ، وإمّا «وتدها» أي : جعل لها الجبال أوتادا ، وأثبتّ هذه الأخيرة لموافقتها لما جاء في الآية الكريمة : (وَالْجِبالَ أَوْتاداً) [النبأ : ٧].

٢٩٤

قوله : (وَبَثَّ فِيها) : أي خلق فيها ، في الأرض (مِنْ كُلِّ دابَّةٍ). قال : (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا فِيها) : أي في الأرض (مِنْ كُلِّ زَوْجٍ) : أي من كلّ لون (كَرِيمٍ) (١٠) : أي حسن.

ثمّ قال : (هذا خَلْقُ اللهِ فَأَرُونِي ما ذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ) : يعني الأوثان التي يعبدونها ، فلم تكن لهم حجّة. قال : (بَلِ الظَّالِمُونَ) : أي المشركون (فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (١١) : أي بيّن.

قوله : (وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ) : أي الفقه والعقل. كان لقمان فقيها عالما ولم يكن نبيّا. ذكروا أنّ لقمان الحكيم كان عبدا حبشيّا نجّارا (١) فأمره سيّده أن يذبح له شاة ؛ فذبح له شاة ، ففال له سيّده : إيتنا بأطيبها مضغتين ، فجاءه باللسان والقلب. ثمّ أمره أن يذبح له شاة أخرى وأمره فقال : ألق أخبثها مضغتين ، فألقى اللسان والقلب. فقال له سيّده : أمرتك بأن تأتيني بأطيبها مضغتين ، فأتيتني باللسان والقلب ، ثمّ أمرتك أن تلقي أخبثها مضغتين فألقيت اللسان والقلب؟ فقال له لقمان : إنّه ليس شيء أطيب منهما إذا طابا ، ولا أخبث منهما إذا خبثا. قال : وكان ذلك أوّل ما عرف به من حكمته (٢).

وقال مجاهد : (وَلَقَدْ ـ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ) أي : الفقه والعقل [والإصابة في القول في غير نبوّة] (٣).

قوله : (أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ) النعمة. قال : (وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ) : أي لنفسه نفع ذلك ، والشكور هو المؤمن. (وَمَنْ كَفَرَ) : أي ولم يشكر النعمة (فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) (١٢) : أي غنيّ عن خلقه ، (حَمِيدٌ) أي : استحمد إلى خلقه ، أي : استوجب عليهم أن يحمدوه.

قوله : (وَإِذْ قالَ لُقْمانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) (١٣) : أي يظلم به المشرك نفسه ، أي : يضرّ به نفسه. قال الحسن : ينقص به نفسه.

__________________

(١) وقيل : كان خيّاطا ، وقيل : كان راعيا.

(٢) وردت هذه الجملة مضطربة فاسدة في ب وع فصحّحتها حسبما يقتضيه المعنى. ولم ترد في سح ولا في ز.

(٣) زيادة من سح ورقة ٩٦ ومن ز ورقة ٢٦٦ ، وهي نفس العبارة التي جاءت في تفسير مجاهد ورقة ٥٠٤.

٢٩٥

قوله : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ) : أي ضعفا على ضعف في تفسير الحسن. وقال ابن مجاهد عن أبيه : هي المرأة وضعفها. وقال بعضهم : جهدا على جهد. وقال بعضهم عن مجاهد : وهن الولد على وهن الوالدة (١) ؛ والوهن : الضعف.

قال : (وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ) : أي وفطامه في عامين. ذكر عمرو عن الحسن قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لا رضاع بعد الفطام (٢). ذكر عن ابن عمر وابن عبّاس أنّهما كانا لا يريان الرضاع بعد الحولين شيئا.

قوله : (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) (١٤) : أي البعث.

ذكروا أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : إنّ رضى الربّ مع رضى الوالد ، وسخط الربّ مع سخط الوالد (٣).

ذكروا عن ابن عبّاس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : من أصبح بارّا بوالديه أصبح له بابان مفتوحان إلى الجنّة ، وإن كان واحدا فواحد ، وإن ظلماه وإن ظلماه وإن ظلماه (٤).

ذكروا عن الحسن قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنّ فوق كلّ برّ برّا حتّى إنّ الرجل ليهريق دمه لله ، وإنّ فوق كلّ فجور فجورا حتّى إنّ الرجل ليعقّ والديه (٥).

قوله : (وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) : أي إنّك تعلم أنّي ليس لي شريك ، يعني المؤمن. قال : (فَلا تُطِعْهُما وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ) : أي طريق من أناب إليّ ، أي : أقبل إليّ بقلبه مخلصا ، يعني النبيّ عليه‌السلام

__________________

(١) في ع وب وفي سح : «على وهن الوالد» ، وأثبتّ التصحيح من تفسير الطبريّ ، ج ٢١ ص ٦٩. وفي مخطوطة سح ورقة ٧٩ عبارة أخرى لابن مجاهد عن أبيه : «الولد وهن الوالدة وضعفها».

(٢) رواه أبو داود الطيالسيّ في مسنده عن جابر بن عبد الله ولفظه : «لا رضاع بعد فصال ، ولا يتم بعد احتلام».

(٣) رواه الترمذيّ عن عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا ، وأخرجه موقوفا. وقال الترمذيّ : وهذا أصحّ ، أي : الموقوف أصحّ من المرفوع ، وأخرجه ابن حبّان أيضا عن عبد الله بن عمرو موقوفا.

(٤) انظر ما سلف ، ج ٢ ، تفسير الآية ٢٥ من سورة الإسراء.

(٥) أخرجه يحيى بن سلّام عن خالد عن الحسن مرسلا ، ولم أجده في مصادر أخرى.

٢٩٦

والمؤمنين. ثمّ قال : (ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ) : أي يوم القيامة (فَأُنَبِّئُكُمْ) : أي فأخبركم (بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (١٥) : أي في الدنيا.

قوله : (يا بُنَيَّ) : رجع إلى كلام لقمان ، تبعا للكلام الأوّل حيث قال : (وَإِذْ قالَ لُقْمانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ). قال : (إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ) : أي وزن حبّة (مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ) : بلغنا أنّ الصخرة التي عليها الحوت الذي عليه قرار الأرض (١). قال : (أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ) : أي احذر يا بنيّ فإنّه سيحصي عليك عملك ويعلمه كما علم هذه الحبّة من الخردل. لقمان يقوله لابنه. قال : (إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ) (١٦) : أي لطيف باستخراجها ، خبير بمكانها.

قوله : (يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ) : ذكر بعضهم عن أصحاب النبيّ عليه‌السلام قال : من أمر بعبادة الله ، ونهى عن عبادة الأوثان فقد أمر بالمعروف ونهى عن المنكر.

قال الله : (وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (١٧) : والعزم أن تصبر.

قال : (وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ) : أي لا تعرض عنهم وجهك استكبارا (وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً) : أي بالعظمة [(إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ) : أي متكبّر (فَخُورٍ) (١٨) : يعني يزهى بما أعطي ولا يشكر الله] (٢).

ذكروا أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : لا يدخل الجنّة أحد في قلبه مثقال حبّة من خردل من كبر. فقال رجل من القوم : يا رسول الله ، إنّ الرجل منّا ليكون نقيّ الثوب ، جديد الشراك فيعجبه ذلك ، فقال : ليس ذلك الكبر ، ولكنّ الكبر أن تسفّه الحقّ وتغمط الناس (٣).

ذكروا عن بعضهم قال : من وضع جبهته ساجدا لله فقد برئ من الكبر.

__________________

(١) وهذه هي الأخبار والأساطير التي لا أصل لها من كتاب أو سنّة صحيحة.

(٢) ما بين المعقوفين ساقط من ب وع وأثبتّه من ز ورقة ٢٦٦. وفي سح جاءت العبارة هكذا : «يعدّ ما أعطي زهوا ولا يشكره لله». وفي تفسير مجاهد ص ٥٠٥ : «هو الذي يعدّد ما أعطاه ، وهو لا يشكر الله».

(٣) حديث صحيح أخرجه مسلم في كتاب الإيمان ، باب تحريم الكبر وبيانه (رقم ٩١) عن عبد الله بن مسعود ، وجاء في آخر الحديث : «إن الله جميل يحبّ الجمال ، الكبر بطر الحقّ وغمط الناس».

٢٩٧

ذكروا أنّ عليّا قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : من صنع شيئا فخرا لقي الله يوم القيامة أسود. قال : فقال القوم : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، هلكنا وربّ الكعبة ، فو الله إنّ الرجل منّا ليعجبه حسن ثوبه وحسن مركبه ، ثمّ ينظر في شعره ونعله. فقال عليّ : قد شكونا الذي تشكون إلى النبيّ عليه‌السلام فقال : ليس ذلك بالفخر ، ولكن الفخر بطر (١) الحقّ وغمط الناس والاستطالة عليهم (٢).

قال : (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ) : وقال في آية أخرى : (وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولاً) (٣٧) [الإسراء : ٣٧].

قال : (وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ) : يعني أقبح الأصوات (لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) (١٩) : وإنّما كانت (لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) ولم تكن لأصوات الحمير لأنّه عنى صوتها الذي هو صوتها (٣).

قوله : (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ) : يعني شمسها وقمرها ونجومها وما ينزل من السماء من ماء وما فيها من جبال البرد (وَما فِي الْأَرْضِ) : أي وسخّر لكم ما في الأرض ، أي : من شجرها وجبالها وأنهارها وثمارها [وبحارها وبهائمها] (٤) (وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً) : أي في باطن أمركم وظاهره. [وبعضهم يقول] (٥) : الظاهرة الإسلام والقرآن ، والباطنة ما ستر من العيوب والذنوب. قال : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ) فيعبد الأوثان دونه (بِغَيْرِ عِلْمٍ) أتاه من الله (وَلا هُدىً) : أتاه من الله (وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ) (٢٠) : أي مضيء. أي : بيّن لما هو عليه من الشرك. وتفسير الكلبيّ أنّها نزلت في النضر بن الحارث ، أخي (٦) بني عبد الدار.

__________________

(١) في ب وسع : «إبطال الحقّ» ، وفي سح : «بطل الحقّ» ، وكلاهما تصحيف ، صوابه ما أثبتّ : «بطر الحقّ» ، وهو أن يتكبّر الإنسان فينكر الحقّ ولا يقبله.

(٢) هو تتمّة الحديث السابق بزيادة : «والاستطالة عليهم» ، ولم تأت هذه العبارة في حديث مسلم ، ولم أجدها عند غيره ، ولعلّها من زيادة بعض النسّاخ تفسيرا لما سبق.

(٣) جاءت هذه الجملة مضطربة فاسدة في ب وع ، فأثبتّ تصحيحها من سح ورقة ٩٩.

(٤) زيادة من سح ومن ز.

(٥) زيادة يقتضيها سياق الكلام.

(٦) في ب وع : «أحد» ، وأثبتّ ما جاء في سح فهو أنسب وأفصح.

٢٩٨

قوله : (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا) : يعنون عبادة الأوثان. قال الله : (أَوَلَوْ كانَ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ) : (٢١) أي أيتّبعون ما وجدوا عليه آباءهم ولو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير؟ أي : قد فعلوا ذلك. ودعاؤه إيّاهم إلى عذاب السعير دعاؤه إيّاهم إلى عبادة الأوثان بالوسوسة.

قوله : (وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ) : يعني وجهته في الدين (إِلَى اللهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ) : أي وهو مؤمن (فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى) : وهي الإيمان بالله ، وهي لا إله إلّا الله والتوجّه إلى الله بكلّ ما تعبّدهم به من قول وعمل. قال : (وَإِلَى اللهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ) (٢٢) : أي مصيرها في الآخرة.

قوله : (وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ) : كقوله : (وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ) [النحل : ١٢٧](إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ) : أي يوم القيامة (فَنُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا) : أي في الدنيا (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) (٢٣) : أي ما يسرّون في صدورهم.

قال : (نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً) : أي في الدنيا إلى موتهم (ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ) (٢٤) : يعني جهنّم.

قال : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (٢٥) : أي أنّهم مبعوثون.

قوله : (لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ) : أي عن خلقه (الْحَمِيدُ) (٢٦) أي المستحمد إلى خلقه ، أي : استوجب عليهم أن يحمدوه.

قوله : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ) : يقول : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ) ليكتب بها علم الله ، أي : علمه بما خلق ، (وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ) يستمدّ منه للأقلام ليكتب بها علم ذلك ، (ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ) لانكسرت الأقلام ونفد ماء البحار ، ولمات الكتّاب وما نفدت كلمات الله ، أي : علمه بما خلق (١).

__________________

(١) ورد تفسير هذه الآية مضطربا مبتورا فأثبتّ تصحيحه من سح ورقة ١٠٠ ومن ز ورقة ٢٦٦. وقال ـ

٢٩٩

ذكروا عن عبد الله بن عمرو قال : إنّ تحت بحركم هذا بحرا من نار ، وتحته بحر من ماء ، وتحته بحر من نار ، وتحته بحر من ماء ، حتّى عدّ سبعة أبحر من ماء ، وسبعة أبحر من نار. قال : (إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (٢٧). قوله : (ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ) : وذلك أنّ المشركين قالوا : يا محمّد ، خلقنا الله أطوارا : نطفا ، ثمّ علقا ، ثمّ مضغا ، ثمّ عظاما ، ثمّ أنشأنا خلقا آخر ، كما تزعم ، وتزعم أنّا نبعث في ساعة واحدة. فأنزل الله جوابا لقولهم : (ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ ، إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ) ، أي : إنّما نقول له : كن فيكون. (إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) (٢٨).

قوله : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ) : أي يدخل الليل في النهار ويدخل النهار في الليل ، وهو أخذ كلّ واحد منهما من صاحبه. قال : (وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) دائبين ، أي : يجريان (كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) : لا يقصّر دونه ولا يزيد عليه ، أي : إلى الوقت الذي يكون فيه ، فيذهب ضوءه. قال : (وَأَنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (٢٩).

قال : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ) : والحقّ اسم من أسماء الله (وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ) : يعني أوثانهم (وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ) : أي الأعلى ولا أعلى منه (الْكَبِيرُ) (٣٠) : أي لا أكبر منه.

قوله : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللهِ) : أي أنعم الله بها على خلقه (لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ) : أي جري السفن من آياته (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) (٣١) : وهو المؤمن. قوله : (وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ) : أي كالجبال (١). وقال في آية أخرى : (وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ) [هود : ٤٢]. وقال في آية أخرى : (وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ) [الأعراف : ١٧١]. قال : (دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ:) [يعني

__________________

ـ أبو عبيدة في المجاز ، ج ٢ ص ١٢٨ : «مجاز البحر ههنا الماء العذب ، يقال : ركبنا هذا البحر ، وكنّا في ناحية هذا البحر ، أي : في الريف ، لأنّ الملح في البحر لا ينبت الأقلام ...» ، وكأنّي بأبي عبيدة أغرق في النزع بتأويله هذا. فالبحر كناية عن المداد فقط ، يؤيّد هذا قوله تعالى : (قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً) [الكهف : ١٠٩] وما فسّر القرآن مثل القرآن.

(١) قال أبو عبيدة في المجاز ، ج ٢ ص ١٢٨ : «واحدها ظلّة ، ومجازه : من شدّة سواد كثرة الماء ومعظمه». وقال الفرّاء في المعاني ، ج ٢ ص ٣٣٠ : «وقوله : (مَوْجٌ كَالظُّلَلِ) فشبّهه بالظلل والموج واحد ، لأنّ الموج يركب بعضه بعضا ، ويأتي شيء بعد شيء فقال : (كَالظُّلَلِ) ، يعني السحاب».

٣٠٠