تفسير كتاب الله العزيز - ج ٣

هود بن محكم الهوّاري الأوراسي

تفسير كتاب الله العزيز - ج ٣

المؤلف:

هود بن محكم الهوّاري الأوراسي


المحقق: بالحاج بن سعيد الشريفي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار البصائر للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٢

التوحيد] (١) (فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ) : وهذا المؤمن. وأمّا الكافر فعاد في غدره. قال : (وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ) : أي غدّار (٢) (كَفُورٍ) (٣٢). يقول : أخلص لله في البحر للمخافة من الغرق ، ثمّ غدر فأشرك. كقوله : (فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ) (٦٥) [العنكبوت : ٦٥].

قوله : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً) : أي واتّقوا يوما ، يعني العقاب فيه (لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ) أي لا يفديه من عذاب الله (وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً) أي لا يفتديه من عذاب الله (إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ) : يعني البعث والحساب ، والجنّة والنار. (فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ) (٣٣) : وهي تقرأ على وجهين : (الْغَرُورُ) و (الْغَرُورُ). فمن قرأها (الْغَرُورُ) فهو يريد الشيطان ، ومن قرأها (الْغَرُورُ) فهو يريد غرور الدنيا ، [وهو أباطيلها] (٣) ، كقوله : (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ) (٢٠) [الحديد : ٢٠]. قوله : (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) : أي مجيئها (وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ) : أي المطر (وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ) : أي من ذكر وأنثى وكيف صورته (٤). (وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (٣٤) : أي عليم بخلقه خبير بأعمالهم. ذكروا عن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله : خمس لا يعلمهنّ إلّا الله ، لم يشرك فيهنّ أحدا من خلقه ، لا ملك مقرّب ولا نبيّ مصطفى : (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (٥).

__________________

(١) زيادة من سح ، ورقة ١٠١.

(٢) قال أبو عبيدة : «الختر أقبح الغدر».

(٣) زيادة من ز ، ورقة ٢٦٧.

(٤) كذا في ع وب : «كيف صورته» ، وفي سح ورقة ١٠٢ : «كيف صوره» ، وفي ز : «كيف صوّره».

(٥) انظر تخريجه فيما مضى ج ١ ، تفسير الآية ٦٠ من سورة الأنعام. ورواه يحيى بن سلّام هنا بهذا السند : «حدّثنا مالك بن أنس عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ...» الحديث ، كما جاء في سح ورقة ١٠٢.

٣٠١

تفسير سورة السجدة (١) وهي مكّيّة كلّها

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قوله : (الم) (١) : قد فسّرناه في أوّل سورة البقرة. قوله : (تَنْزِيلُ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ) : أي لا شكّ فيه أنّه (مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) (٢).

قوله : (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ) : يعني المشركين يقولون : إنّ محمّدا افترى القرآن ، أي : افتعل هذا القرآن (٢) ، أي : قد قالوه ، وهو على الاستفهام. قال الله : (بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) : يقوله للنبيّ عليه‌السلام (لِتُنْذِرَ قَوْماً) : يعني قريشا (ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ) : أي منهم ، ينذرهم العذاب (لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ) (٣) : أي لكي يهتدوا.

قوله : (اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) : ومقدار اليوم منها ألف سنة. (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) : أي ملك العرش وغيره. وإنّما الاستواء من طريق الملك ، لا على التمكّن ، تعالى الله علوّا كبيرا (٣).

قوله : (ما لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ) : أي يمنعكم من عذابه إن أراد عذابكم (وَلا شَفِيعٍ) : أي يشفع لكم عنده حتّى لا يعذّبكم. قال : (أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ) (٤) : يقوله للمشركين.

قوله : (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ) : والأمر هو الوحي ، أي : ينزله مع جبريل من السماء إلى الأرض (ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ) : أي يصعد ، يعني جبريل إلى السماء (فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) (٥) : يقول : ينزل ويصعد في يوم كان مقداره ألف سنة ممّا تعدّون. قال بعضهم : إنّ بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة سنة ، فينزل مسيرة خمسمائة سنة ، ويصعد مسيرة خمسمائة سنة في يوم ، وفي أقلّ من يوم. وربّما يسأل (٤) النبيّ عليه‌السلام عن الأمر يحضره فينزل في أسرع من الطرف.

__________________

(١) كذا في ع : «سورة السجدة» ، وفي ب وز : «سورة ألمّ السجدة». وفي سح ، ورقة ١٠٢ : «تفسير سورة ألم تنزيل السجدة».

(٢) قال أبو عبيدة في المجاز ، ج ٢ ص ١٣٠ : (افْتَراهُ) أي : تكذّبه واخترقه وتخلّقه من قبل نفسه».

(٣) هذا التفسير للاستواء على العرش ممّا انفردت به ب وع ، فهو من الشيخ هود ولا شكّ.

(٤) كذا في سح : «يسأل» ، وفي ع : «سأل» ، وفي ز : «سئل» ، ولكلّ وجه ، والمعنى واضح.

٣٠٢

قال : (ذلِكَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) : وهذا تبع للكلام الأوّل : (لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) ثمّ أخبر بقدرته فقال : (عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) : (٦) يعني نفسه. والغيب : السرّ ، والشهادة : العلانية. والعزيز أي : في نقمته ، الرحيم ، أي : بخلقه.

ذكروا عن سلمان الفارسيّ قال : إنّ الله خلق يوم خلق السماوات والأرض مائة رحمة ، كلّ رحمة منها طباقها السماء والأرض ، فأنزل الله منها رحمة واحدة ، فبها تتراحم الخليقة ، حتّى ترحم البهيمة بهيمتها ، والوالدة ولدها ، حتّى إذا كان يوم القيامة جاء بتلك التسع والتسعين رحمة ، ونزع تلك الرحمة من قلوب الخليقة ، فأكملها مائة رحمة ، ثمّ نصبها (١) بينه وبين خلقه ، فالخائب من خيب من تلك الرحمة.

قوله : (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ) (٧) : يعني آدم صلى‌الله‌عليه‌وسلم خلقه الله من طينة قبضها من جميع الأرض : بيضاء وحمراء وسوداء. فجاء بنو آدم على قدر الأرض ؛ فمنهم الأبيض والأحمر والأسود ، والسهل والحزن ، والخبيث والطيّب.

ثمّ قال : (ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ) : أي نسل آدم (مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ) (٨) : أي ضعيف ، يعني النطفة.

قال : (ثُمَّ سَوَّاهُ) : أي سوّى خلقه كيف شاء (وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ) : أي أحدث فيه الروح. قال : (وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ) (٩) : أي أقلّكم المؤمنون ، وهم الشاكرون.

قوله : (وَقالُوا) : يعني المشركين (أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ) : أي إذا كنّا ترابا وعظاما (أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) : وهذا استفهام على إنكار ، أي : إنّا لا نبعث بعد الموت. وبعضهم يقرأها (أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ) ، أإذا نتنّا في الأرض (إِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ). قال الله : (بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ) (١٠).

قوله : (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ) : يقال إنّه [حويت له الأرض] (٢)

__________________

(١) في ب وع : «ثمّ يصبّها» ، والصواب ما أثبتّه : «نصبها» من سح ، ورقة ١٠٤.

(٢) زيادة من تفسير مجاهد ، ص ٥١٠. والقول له. وفي ب وع : «جعلت الأرواح لملك الأرض مثل الطست» ، ـ

٣٠٣

فجعلت له مثل الطست ، يقبض أرواحهم كما يلتقط الطير الحبّ. وبلغنا أنّه يقبض روح كلّ شيء في البرّ والبحر. قال : (ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) (١١) : أي يوم القيامة.

قوله : (وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ) : أي المشركون والمنافقون (ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) : أي خزايا نادمين (رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا) : أي يقولون : أبصرنا وسمعنا ، أي : سمعوا حين لم ينفعهم السمع وأبصروا حين لم ينفعهم البصر. (فَارْجِعْنا) : أي إلى الدنيا (نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ) (١٢) : أي بالذي أتانا به محمّد أنّه حقّ.

قوله : (وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها) : كقوله : (أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً) [الرعد : ٣١]. قال : (وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) (١٣).

ذكروا عن أبي هريرة قال : اختصمت الجنّة والنار ، فقالت النار : يا ربّ ، أوثرت بالجبّارين والمتكبّرين. وقالت الجنّة : يا ربّ ، ما لي لا يدخلني إلّا ضعفاء الناس وسقّاطهم. فقال للنار : أنت عذابي أصيب بك من أشاء ، وقال للجنّة : أنت رحمتي أصيب بك من أشاء ، ولكلّ منكما ملؤها بأهلها. أمّا الجنّة فإنّ الله لا يظلم الناس شيئا ، وينشئ لها ما شاء من خلقه ، وأمّا النار فيقذف فيها فتقول : هل من مزيد ، ويقذف فيها فتقول : هل من مزيد (١).

قال : (فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا) : أي بما تركتم الإيمان بلقاء يومكم هذا (إِنَّا نَسِيناكُمْ) : أي تركناكم ، أي : في النار ، تركوا من الخير ولم يتركوا من الشرّ. (وَذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ) : أي الدائم الذي لا ينقطع. (بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (١٤) : أي في الدنيا.

قوله : (إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) : أي في سجودهم (وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ) : (١٥) أي عن عبادة الله.

قوله : (تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ). ذكروا عن الحسن قال : هو قيام الليل. ذكر

__________________

ـ وهو خطأ صوابه ما أثبتّه من سح ومن تفسير مجاهد.

(١) كذا في ب وع : «فتقول هل من مزيد» مرّتين ، وفي سح ورقة ١٠٥ : «وأمّا النار فيلقي فيها وتقول : هل من مزيد ، فيضع قدمه فيها فحينئذ تمتلئ وينزوي بعضها إلى بعض وتقول قط قط».

٣٠٤

القوم ذنوبهم فتيقّظوا من نومهم وتجافوا عن مضاجعهم.

ذكروا أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أوصى معاذ بن جبل بأشياء فقال في آخر ذلك : والقيام من الليل (١) ، ثمّ تلا هذه الآية : (تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ).

ذكروا عن أنس بن مالك قال : كانوا يتنفّلون ما بين المغرب والعشاء ، يصلّون ما بينهما.

قال : (يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً) : أي خوفا من عذاب الله وطمعا في رحمته ، يعني الجنّة. (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) (١٦) : أي الزكاة المفروضة.

قوله : (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) (١٧) : أي على قدر أعمالهم. ذكروا أنّ الله تبارك وتعالى يقول لأهل الجنّة : ادخلوا الجنّة برحمتي واقتسموها بأعمالكم.

ذكروا عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : قال الله تبارك وتعالى : أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. اقرأوا إن شئتم قول الله : (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ). وإنّ في الجنّة شجرة يسير الراكب في ظلّها مائة عام ما يقطعها ، اقرأوا إن شئتم : (وَظِلٍّ مَمْدُودٍ) (٣٠) [الواقعة : ٣٠] ، ولقاب قوس أحدكم من الجنّة وموضع سوطه خير من الدنيا وما فيها. اقرأوا إن شئتم : (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ) (١٨٥) [آل عمران : ١٨٥] (٢).

ذكروا عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنّ العبد ليعطى على باب الجنّة ما يكاد

__________________

(١) كذا في ب وع ، وفي سح : «والصلاة من الليل» ، واللفظ من حديث طويل رواه أحمد والترمذيّ والنسائيّ وابن ماجه عن معاذ بن جبل قال : «كنت مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم في سفر ...» إلى آخر الحديث ، وفيه : «ألا أدلّك على أبواب الخير ، الصوم جنّة والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ النار الماء ، وصلاة الرجل في جوف الليل ، ثمّ قرأ : (تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ). انظر مثلا سنن ابن ماجه ، كتاب الفتن ، باب كفّ اللسان في الفتنة (رقم ٣٩٧٣).

(٢) حديث حسن صحيح أخرجه الترمذيّ بتمامه في كتاب التفسير ، سورة الواقعة ، وأخرجه البخاريّ في كتاب التفسير ، سورة السجدة ، وأخرجه مسلم في كتاب الجنّة وصفة نعيمها وأهلها في أوّل الكتاب (رقم ٢٨٢٤) كلّهم يرويه من حديث أبي هريرة ؛ كما أخرجه أحمد والنسائيّ وابن ماجه بألفاظ مشابهة.

٣٠٥

فؤاده أن يطير لو لا أنّ الله يبعث ملكا فيشدّ قلبه (١).

قال : (أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً) : أي مشركا أو منافقا ، وهذا على الاستفهام. قال : (لا يَسْتَوُونَ) (١٨).

(أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوى) : أي يأوي إليها أهل الجنّة ، وجنّة المأوى اسم من أسماء الجنّة. (نُزُلاً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) (١٩).

قال : (وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا) : أي أشركوا أو نافقوا (فَمَأْواهُمُ النَّارُ كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها) : أي إنّهم إذا كانوا في أسفلها رفعتهم بلهبها حتّى إذا كانوا في أعلاها وأرادوا أن يخرجوا منها ضربوا بمقامع من حديد فهووا إلى أسفلها. (وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) (٢٠) : أي في الدنيا. العذاب مذكّر ، والنار مؤنّثة ، وإنّما عنى هنا العذاب ، ولذلك قال : (الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ).

قوله : (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى) : أي السيف يوم بدر (دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ) : أي جهنّم ، والأكبر الأشدّ (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (٢١) : لعلّ من بقي منهم يرجع من الشرك إلى الإيمان ؛ فعذّبهم بالسيف يوم بدر ، ومنّ بعدهم على من شاء بالإيمان. وهذا تأويل من تأوّل الآية على المشركين ، ومن تأوّلها على المنافقين قال : (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى) يعني إقامة الحدود في الدنيا ، وأكثر من كان يصيب الحدود المنافقون ؛ والسورة مكّيّة ، والنفاق إنّما كان بالمدينة بعدما فرض الجهاد والحدود والأحكام. قوله : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْها إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ) : أي المشركين (مُنْتَقِمُونَ) (٢٢). قوله : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) : يعني التوراة (فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ) : تفسير الكلبيّ : يعني ليلة أسري به ، فلقيه النبيّ عليه‌السلام في السماء السادسة ليلة أسري به. وقد فسّرنا ذلك في حديث المعراج (٢).

وتفسير الحسن : (فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ) أي : من أنّك تلقى من أمّتك من الأذى ما لقي

__________________

(١) رواه يحيى بن سلّام بالسند التالي : «حدّثنا أبان العطّار عن أبي هلال عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ...» الحديث.

(٢) انظر ما سلف ، ج ٢ ، تفسير الآية الأولى من سورة الإسراء.

٣٠٦

موسى من قومه من الأذى.

قال : (وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ) (٢٣) : تفسير الحسن : وجعلنا موسى هدى لبني إسرائيل. [وقال السّدّيّ : (وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ) يعني التوراة] (١) ، قال الله تعالى : (وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً) : أي أنبياء يقتدى بهم (يَهْدُونَ بِأَمْرِنا) : أي يدعون بأمرنا (لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ) (٢٤).

قوله : (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) (٢٥) : أي يفصل بين المؤمنين والمشركين فيما اختلفوا فيه من الإيمان والكفر ، فيدخل المؤمنين الجنّة ، ويدخل المشركين النار.

قوله : (أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ) : أي أولم نبيّن لهم. وهي تقرأ على وجه آخر : (أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ) أي : أي أولم يبيّن لهم الله (كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ) : يعني ما قصّ ممّا أهلك به الأمم السالفة حين كذّبوا رسلهم. قال : (يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ) التي كانوا فيها ؛ منها ما يرى ومنها ما لا يرى ، كقوله : (مِنْها قائِمٌ) تراه (وَ) منها (حَصِيدٌ) (١٠٠) [هود : ١٠٠] أي : لا تراه. قال : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ) : أي للمؤمنين (أَفَلا يَسْمَعُونَ) (٢٦) : يعني المشركين.

قال : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ) : يعني المطر ، أي : يساق السحاب الذي فيه الماء (إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ) أي التي ليس فيها نبات (فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصِرُونَ) (٢٧) : يعني المشركين ، أي : فالذي أحيى هذه الأرض بعد موتها قادر على أن يحيي الموتى ويحييهم بعد موتهم.

قوله : (وَيَقُولُونَ) : أي المشركون (مَتى هذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (٢٨) : أي متى القضاء بعذابهم ، قالوا ذلك استهزاء وتكذيبا بأنّه لا يكون. وقال بعضهم : يوم بدر. وقال بعضهم : يوم القيامة. ولم يبعث الله نبيّا إلّا وهو يحذّر قومه عذاب الدنيا وعذاب الآخرة.

قال : (قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ) : يعني يوم القضاء (لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمانُهُمْ) : أي ليس أحد من المشركين يرى العذاب إلّا آمن ، فلا يقبل منه عند ذلك ، قال الله : (وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ

__________________

(١) زيادة من سح ورقة ١٠٨.

٣٠٧

(٢٩)) : أي يؤخّرون بالعذاب ، إذا جاء الوقت. قال الله : (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ) بهم العذاب (إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ) (٣٠). نزلت هذه الآية قبل أن يؤمر بقتالهم في سورة براءة في قوله : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) [التوبة : ٥] وأمر بمحاربتهم.

* * *

٣٠٨

تفسير سورة الأحزاب وهي مدنيّة كلّها

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قوله عزوجل : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ) : أي في الشرك بالله (وَالْمُنافِقِينَ) : أي ولا تطع المنافقين حتّى تكون وليجة في الدين. والوليجة أن يدخل في دين الله ما يقارب به المنافقين. قال : (إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً) (١).

قوله : (وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً) (٢) : يعني العامّة (١).

قوله : (وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) (٣) : أي وكفى به متوكّلا عليه. وقال في آية أخرى : (وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) (١٧٣) [آل عمران : ١٧٣] أي : ونعم المتوكّل عليه.

قوله : (ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ) : تفسير مجاهد أنّ رجلا من المشركين من بني فهر قال : إنّ في جوفي لقلبين أعقل بكلّ واحد منهما أفضل من عقل محمّد [وكذب] (٢).

وتفسير الكلبيّ أنّ رجلا من قريش يقال له جميل كان حافظا لما يسمع ؛ فقالت قريش : ما يحفظ جميل ما يحفظ بقلب واحد ، إنّ له لقلبين (٣).

__________________

(١) في ع : «يعني القيامة» ، وفي ب : «يعني القيمة». وفي كلّ منهما تصحيف صوابه ما أثبتّه من سح : «يعني العامّة». يقصد المؤلّف تغيير الخطاب في الآية من المفرد إلى الجماعة ، أي : عامّة الناس.

(٢) زيادة من سح ، ورقة ١٠٩ ، ومن تفسير مجاهد ، ص ٥١٣.

(٣) أورد الفرّاء في المعاني ، ج ٢ ص ٣٣٤ سببا لنزول الآية فقال : «إنّما جرى ذكر هذا الرجل كان يقال له جميل بن أوس يكنّى أبا معمر. وكان حافظا للحديث كثيره ؛ فكان أهل مكّة يقولون : له قلبان وعقلان من حفظه ، فانهزم يوم بدر ، فمرّ بأبي سفيان وهو في العير ، فقال : ما حال الناس يا أبا معمر؟ قال : بين مقتول وهارب. قال : فما بال إحدى نعليك في رجلك والأخرى في يدك؟ قال : لقد ظننت أنّهما جميعا في رجل!. فعلم كذبهم في قولهم : له قلبان». وقال الأخفش في معاني القرآن ، ج ٢ ص ٦٦٠ : «قال : (مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ) إنّما هو : ما جعل الله لرجل قلبين في جوفه ، وجاءت (من) تأكيدا ، كما تقول : رأيت زيدا نفسه ، ـ

٣٠٩

قوله : (وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللَّائِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ) : وهو إذا قال الرجل لامرأته : أنت عليّ كظهر أمّي لم تكن عليه مثل أمّه فتحرم عليه أبدا ، ولكن عليه كفّارة الظهار. وكفّارة الظّهار في أوّل سورة المجادلة : (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٣) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً) [المجادلة : ٣ ـ ٤] ، وكان الظهار عندهم في الجاهليّة طلاقا فجعل الله فيه الكفّارة.

قال : (وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ) : كان الرجل في الجاهليّة يكون ذليلا فيأتي الرجل ذا القوّة والشرف فيقول : أنا ابنك ، فيقول : نعم ، فإذا قبله واتّخذه ابنا أصبح أعزّ أهلها. وكان زيد بن حارثة منهم. كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تبنّاه يومئذ على ما كان يصنع في الجاهليّة ، وكان مولى لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فلمّا جاء الإسلام أمرهم الله أن يلحقوهم بآبائهم فقال : (وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ ، أَبْناءَكُمْ).

(ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ) : يعني ادّعاءهم (١) هؤلاء ، وقول الرجل لامرأته : أنت عليّ كظهر أمّي. قال : (وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ) (٤) : أي يهدي إلى الهدى. وقوله الحقّ في هذا الموضع أنّه أمر هؤلاء المدّعين أن يلحقوا هؤلاء المدّعين بآبائهم.

قال : (ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ) : أي هو أعدل عند الله (فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ) : أي قولوا وليّنا فلان ، وأخونا فلان. (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ) : أي حرج ، أي : إثم (فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ) : أي إن أخطأ الرجل بعد النهي فنسبه إلى الذي تبنّاه ناسيا فليس عليه في ذلك إثم. (وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ:) أي أن تدعوهم إلى غير آبائهم الذين ألحقهم الله بهم متعمّدين لذلك. وهو تفسير الحسن. وقال مجاهد : (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ) أي : ما كان قبل النهي في هذا وغيره [(وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) أي : بعد النهي في هذا وغيره] (٢) (وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) (٥).

__________________

ـ فأدخل (من) توكيدا».

(١) كذا في ع : «يعني ادّعاءهم هؤلاء» وهو الصحيح ، وفي ب وسح : «أدعياءهم هؤلاء» وهو خطأ.

(٢) زيادة من سح لا بدّ من إثباتها ، وهي موافقة لما جاء في تفسير مجاهد ، ص ٥١٣ ، وفيه : «قال : العمد ما أتى ـ

٣١٠

قوله : (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) : قال مجاهد : هو أبوهم (وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ) : أي في التحريم مثل أمّهاتهم ؛ ذكروا عن مسروق عن عائشة أنّ امرأة قالت لها : يا أمّه ، فقالت : لست لك بأمّ ، إنّما أنا أمّ رجالكم] (١).

قال : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ). وقد كان نزل قبل هذه الآية في سورة الأنفال : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا) [الأنفال : ٧٢] فتوارث المسلمون بالهجرة. وكان الأعرابيّ المسلم لا يرث من قريبه المهاجر المسلم شيئا فنسختها هذه الآية : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ ، أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ) ، فخلط الله المؤمنين بعضهم ببعض فصارت المواريث بالملل. ذكروا عن أبي أمامة الباهليّ قال : لا يتوارث أهل ملّتين شتّى.

ذكروا عن أسامة بن زيد قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لا يرث الكافر المسلم ، ولا المسلم الكافر (٢). ذكروا عن الزهريّ أنّ أبا طالب مات وترك طالبا وجعفرا وعليّا وعقيلا فورثه طالب وعقيل ، ولم يرثه جعفر ولا عليّ (٣).

قال : (إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ) : أي إلى قراباتكم من أهل الشرك (مَعْرُوفاً) : يعني بالمعروف الوصيّة. قال بعضهم : جازت لهم الوصيّة ولا ميراث لهم.

ثمّ رجع إلى قوله : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ ، أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ) فقال : (كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً) (٦) : أي مكتوبا ، أي : لا يرث كافر مسلما. وقد قال عليه‌السلام : لا يرث المسلم الكافر.

قوله : (وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ) : أي في صلب آدم في تفسير الكلبيّ ، أي : أن يبلّغوا الرسالة. قال : (وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ

__________________

ـ بعد البيان والنهي».

(١) زيادة من سح ورقة ١١١ أثبتّها للفائدة ، وهذا من فقه عائشة وفهمها لكلام الله.

(٢) انظر تخريجه فيما سلف ، ج ٢ ، تفسير الآية ٧٢ من سورة الأنفال.

(٣) رواه ابن سلّام بهذا السند : «حدّثنا بحر السقا عن الزهريّ» ، كما في سح ، ورقة ١١٢. وروي الخبر أيضا عن جابر بن زيد ، انظر : السالمي ، شرح الجامع الصحيح ، ج ٣ ص ٤٥٠.

٣١١

مِيثاقاً غَلِيظاً) (٧) : أي بتبليغ الرسالة.

وبعضهم يقول : وأن تعلموا أن محمدا رسول الله ، وتصديق ذلك عنده في قوله : (وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا) [الزخرف : ٤٥] أي : جبريل فإنّه كان يأتيهم بالرسالة ، أي : هل أرسلنا من رسول إلّا بشهادة ألّا إله إلّا الله وأنّ محمّدا رسول الله؟.

وتفسير الحسن في هذه الآية في آل عمران مثل هذه الآية : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ) [آل عمران : ٨١] قال : أخذ الله على النبيّين أن يعلموا أمر محمّد ، ما خلا محمّدا من النبيّين فإنّه لا نبيّ بعده ، ولكنّه قد أخذ عليه أن يصدّق بالأنبياء كلّهم ، ففعله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. ذكروا عن بعض أهل التفسير أنّه كان إذا تلا هذه الآية : (وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ) قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : كنت أوّل النبيّين في الخلق وآخرهم في البعث (١). ذكروا عن مطرّف بن عبد الله أنّ رجلا قال : يا رسول الله ، متى كتبت نبوّتك؟ قال : بين الطين وبين الروح من خلق آدم (٢).

قوله : (لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ) : يعني النبيّين كقوله : (وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ) (٦) [الأعراف : ٦]. ثمّ قال في آية أخرى : (يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ما ذا أُجِبْتُمْ) [المائدة : ١٠٩] قال : (وَأَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً أَلِيماً) (٨).

قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ) : يعني أبا سفيان وأصحابه ، وهم الأحزاب تحازبوا (٣) على الله ورسوله. جاء عيينة بن حصن الفزاريّ ، وطليحة بن خويلد الأسديّ [من فوق الوادي ، وجاء أبو الأعور السلميّ من أسفل الوادي ونصب أبو سفيان قبل] (٤) الخندق الذي فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

__________________

(١) أخرجه ابن جرير الطبريّ في تفسيره ، ج ٢١ ص ١٢٥ عن قتادة مرسلا ، وأخرجه ابن أبي حاتم وابن مردويه مرفوعا من طريق قتادة عن الحسن عن أبي هريرة كما في الدرّ المنثور ، ج ٥ ص ١٨٤.

(٢) أخرجه ابن سعد عن مطرّف بن عبد الله بن الشّخّير بهذا اللفظ ، وأخرجه أيضا عن أبي الجدعاء قال : قلت : يا رسول الله ، متى جعلت نبيّا؟ قال : وآدم بين الروح والجسد.

(٣) أي : مالأ بعضهم بعضا فصاروا أحزابا.

(٤) ما بين المعقوفين ساقط من ب وع فأثبتّه من سح ، ورقة ١١٣.

٣١٢

قال الله : (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً) : يعني ريح الصبا تكبّهم على وجوههم وتقطع فساطيطهم (١). وهذا تفسير مجاهد.

ذكروا عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : نصرت بالصّبا وأهلكت عاد بالدّبور (٢).

قال : (وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها) : يعني الملائكة. قال : (وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً) (٩).

قال : (إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ) : جاءوا من وجهين : من أسفل المدينة ومن أعلاها ، في تفسير الحسن. وقال الكلبيّ : جاءوا من أعلى الوادي ومن أسفله ؛ جاء من أعلى الوادي عيينة بن حصن ، وجاء من أسفله أبو الأعور السلميّ ، ونصب أبو سفيان قبل الخندق.

قال : (وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ) : أي من شدّة الخوف (٣). (وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا) : (١٠) يعني المنافقين ، يظنون أنّ محمّدا سيقتل ، وأنّهم سيهلكون (٤).

قال الله : (هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ) : أي محّصوا. قال : (وَزُلْزِلُوا زِلْزالاً شَدِيداً) (١١) : وكان الله قد أنزل في سورة البقرة : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ) (٢١٤) [البقرة : ٢١٤]. فلمّا نزلت هذه الآية قال أصحاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ما أصابنا هذا بعد. فلمّا كان يوم الأحزاب قالوا : (هذا ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ

__________________

(١) كذا وردت العبارة في ب وع ، وفي سح : «وهي الصبا تكبّ القدور على أفواهها وتنزع الفساطيط حتّى أظعنتهم». وهذه العبارة الأخيرة أقرب إلى ما جاء في تفسير مجاهد ص ٥١٥.

(٢) أخرجه أحمد والبخاريّ ومسلم : أخرجه البخاريّ في كتاب الاستسقاء ، باب قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : نصرت بالصبا ، وأخرجه كذلك مسلم في كتاب الاستسقاء ، باب في ريح الصبا والدبور ، (رقم ٩٠٠) كلاهما يرويه عن ابن عبّاس.

(٣) قال الفرّاء في المعاني ، ج ٢ ص ٣٣٦ : «ذكر أنّ الرجل منهم كانت تنتفخ رئته حتّى ترفع قلبه إلى حنجرته من الفزع».

(٤) قال الأخفش في معاني القرآن ، ج ٢ ص ٦٠٠ : «وقال : (الظُّنُونَا) والعرب تلحق الواو والياء والألف في آخر القوافي ، فشبّهوا رؤوس الآي بذلك».

٣١٣

وَرَسُولُهُ وَما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً وَتَسْلِيماً) (٢٢) [الأحزاب : ٢٢]. وأنزل الله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ ، إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ) أي : محّصوا (وَزُلْزِلُوا زِلْزالاً شَدِيداً) أي : حرّكوا بالخوف وأصابتهم الشدّة.

قال الله : (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) : وهم المنافقون ، وهم المرضى ، والمرجفون في المدينة ، وكل هؤلاء منافقون. وصنّف كل صنف منهم بعلمه ، وهم منافقون جميعا ، وهو كلام مثنى : (ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً) (١٢). وذلك أنّه لّما أنزل الله في سورة البقرة : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ) (٢١٤) [البقرة : ٢١٤] ، فوعد الله المؤمنين أن ينصرهم كما نصر من قبلهم بعد أن يزلزلوا ، وهي الشدّة ، وأن يحرّكوا بالخوف ، كما قال النبيّون ، حيث يقول الله : (حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللهِ) قال الله : (أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ) ؛ فقال المنافقون : وعدنا الله النصر [فلا ترانا ننصر] (١) وأرانا نقتل ونهزم.

ولم يكن فيما وعدهم الله ألّا يقتل منهم أحد ، ولا يهزموا في بعض الأحايين. قال في آية أخرى : (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ) [آل عمران : ١٤٠] وإنّما وعدهم الله النصر في العاقبة وطوى عنهم القتل والهزيمة ، فذلك معنى قولهم : (ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ ، إِلَّا غُرُوراً) (٢). وتأويل

__________________

(١) زيادة من سح ، ورقة ١١٥.

(٢) أورد الفرّاء في المعاني ، ج ٢ ص ٣٣٦ في سبب نزول الآية ما يلي : «وقوله : (ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ ، إِلَّا غُرُوراً) وهذا قول معتّب بن قشير الأنصاريّ وحده. ذكروا أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أخذ معولا من سلمان في صخرة اشتدّت عليهم ، فضرب ثلاث ضربات ، مع كلّ واحدة كلمع البرق. فقال سلمان : والله يا رسول الله لقد رأيت فيهنّ عجبا. قال : فقال النبيّ عليه‌السلام : لقد رأيت في الضربة الأولى أبيض المدائن ، وفي الثانية قصور اليمن ، وفي الثالثة بلاد فارس والروم. وليفتحنّ الله على أمّتي مبلغ مداهن. فقال معتب حين رأى الأحزاب : أيعدنا محمّد أن يفتح لنا فارس والروم وأحدنا لا يقدر أن يضرب الخلاء فرقا؟ (ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ ، إِلَّا غُرُوراً).

٣١٤

الغرور ههنا هو الخديعة ، يقولون : خدعنا الله ، أي : أعلمنا بالعاقبة أنّه سينصرنا وطوى عنّا ما قبل ذلك ممّا يصيبنا من الشدائد والقتل والهزيمة. والغرور عند العرب هو الخديعة. قالوا : خدعنا الله ، وقد وصفوا الله بالخديعة لهم ، ولعمري قد خدعهم ، وهو قوله : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ) [النساء : ١٤٢]. وتفسير مخادعة الله إيّاهم في سورة الحديد. وسنفسّره إن شاء الله.

قوله عزوجل : (وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ) : أي من المنافقين (يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا) : يقوله المنافقون بعضهم لبعض.

قال الكلبيّ : لّما رأى المنافقون الأحزاب جبنوا ، وقال بعضهم لبعض : لا مقام لكم مع هؤلاء ، فارجعوا إلى قومكم ، يعنون المشركين ، فاستأمنوهم.

قال : (وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ) : أي خالية نخاف عليها السّرق ، في تفسير الكلبيّ ، وفي تفسير الحسن : ضائعة ، وهو واحد (١). يقولون : إن خلّيناها ضاعت.

قال الله : (وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ) يقول : (إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِراراً) (١٣).

قال : (وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطارِها) : أي [لو دخل عليهم أبو سفيان ومن معه] (٢) من أقطارها ، أي : من نواحيها ، يعني المدينة. (ثُمَّ سُئِلُوا) : أي طلبت منهم (الْفِتْنَةَ) : أي الشرك (لَآتَوْها) : أي لجاءوها. رجع [الضمير] (٣) إلى الفتنة ، وهي الشرك على تفسير من قرأها خفيفة ؛ ومن قرأها مثقّلة ممدودة (لَآتَوْها) أي : لأعطوها ، يعني الفتنة ، وهي الشرك ، لأعطوها إيّاهم.

(وَما تَلَبَّثُوا بِها إِلَّا يَسِيراً) (١٤). وهذه الآية تقضي بين المختلفين ، تنفي عن المنافقين

__________________

(١) قال الفرّاء في المعاني : «... والعرب تقول : قد أعور منزلك إذا بدت منه عورة ، وأعور الفارس إذا كان فيه موضع خلل للضرب ... وإنّما أرادوا بقولهم : (إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ) أي : ممكنة للسراق لخلوتها من الرجال ، فأكذبهم الله. فقال : ليست بعورة».

(٢) زيادة من سح ، ورقة ١١٥ ، ومن ز ورقة ٢٦٩.

(٣) زيادة لا بد منها للإيضاح.

٣١٥

الشرك ، إن أبقى (١) الله أهل الفراق ولم يكابروا عقولهم ؛ إذ يقول : (وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطارِها ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْها) ، يعني المنافقين ، والفتنة تعني الشرك ، (لَآتَوْها) أي : لجاءوها ولأعطوها. فكيف يسألون الشرك وهم عليه ، وكيف يجيئون إلى الشرك ويعطونه من طلبه منهم وهم عليه ، فليتّق الله أهل الفراق لنا وليعلموا أنّ المنافقين ليسوا بمشركين ، وقد برّأهم الله من الشرك في هذه الآية وأخبر أنّهم لو دخل عليهم من أقطارها ، يعني من نواحيها ، (ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ) أي : الشرك (لَآتَوْها) أي : لأعطوها ولأتوه. ما أبين هذا بنعمة الله وبحمده.

قوله : (وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ) : ذكروا أنّ جابر بن عبد الله قال : بايعنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن لا نفرّ ولم نبايعه على الموت. (وَكانَ عَهْدُ اللهِ مَسْؤُلاً) (١٥) : أي يسألهم الله عن ذلك العهد الذي لم يوفّ به المنافقون.

قال : (قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ) : أي في الدنيا (إِلَّا قَلِيلاً) (١٦) : أي إلى آجالكم.

قال : (قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللهِ) : أي يمنعكم من الله (إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً) : أي عذابا. [وقال بعضهم : القتل أو الهزيمة] (٢) (أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً) : أي توبة ، يعني المنافقين. كقوله : (وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ) أي : الذين يموتون على نفاقهم فيعذّبهم (أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) [الأحزاب : ٢٤] أي : أو يمنّ عليهم بالرجعة فيرجعون عن نفاقهم. [وقال بعضهم : النصر والفتح] (٣) قال : (وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا) : أي يتولّاهم فيدفع العذاب عنهم (وَلا نَصِيراً) (١٧) : أي ينصرهم ممّا ينزل بهم من العذاب.

قوله : (قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ) : أي يعوّق بعضهم بعضا ، أي : إذ يأمر بعضهم بعضا بالفرار (وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا) : أي يأمر بعضهم بعضا بالفرار (٤). (وَلا

__________________

(١) كذا وردت هذه الكلمة : «إن أبقى» في ب وع ، ولم أوفّق إلى تصحيح ما فيها من تصحيف أو خطأ. وهذه الفقرة كلّها في الردّ على «أهل الفراق» من كلام الشيخ هود بن محكّم فقد انفردت به مخطوطتا ب وع.

(٢) زيادة من سح ، ورقة ١١٦ ، ومن ز ، ورقة ٢٧٠.

(٣) زيادة من سح ، ورقة ١١٦ ، ومن ز ، ورقة ٢٧٠.

(٤) كذا وقع تكرار هذه الجملة في ب وع وفي سح.

٣١٦

يَأْتُونَ الْبَأْسَ) : أي القتال (إِلَّا قَلِيلاً) (١٨) : وإنّما قلّ لأنّه إنّما كان لغير الله ، أي : إنّما فعلوه رياء وسمعة ، ولم تكن لهم فيه حسبة (١) ولا نية. وهو كقوله : (وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَّا قَلِيلاً) (١٤٢) [النساء : ١٤٢] إلّا التوحيد الذي كان منهم ، وهو قليل إذ لم يكملوه بالعمل الصالح. [قال : (أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ) : أي لا يتركون لكم من حقوقهم من الغنيمة شيئا] (٢).

رجع الكلام إلى أوّل القتال قبل أن تكون الغنيمة قال : (فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ) : يعني القتال (رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ) : أي خوفا من القتال. (فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ) : أي فإذا ذهب القتال (سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ) : أي صاحوا عليكم. والسلق : الصياح (٣) (أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ) : أي على الغنيمة.

قال الله : (أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا) : أي لم يؤمنوا فيكملوا الإيمان بالتقوى ؛ كقوله : (مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ) [المائدة : ٤١] ، أي : أقرّوا بألسنتهم ولم تكن قلوبهم تصبر على العمل بما أقرّوا به بألسنتهم.

قال : (فَأَحْبَطَ اللهُ أَعْمالَهُمْ) : أي أبطل حسناتهم لأنّهم فعلوا ما فعلوا رياء وسمعة بغير نيّة ولا حسبة [(وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً) (١٩)]. وقال بعضهم : (أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ) أي : على القتال ، أي : لا يقاتلون فيرغبون في الجهاد ، ويحتسبون فيه ما يحتسب المؤمن. وتفسير الكلبيّ أنّ رجلا من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لّما مسّهم الحصر والبلاء في الخندق رجع إلى أهله ليصيب طعاما أو إداما ، فوجد أخاه يتغدّى تمرا. فدعاه ، فقال أخوه المؤمن : قد بخلت عليّ وعلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بنفسك ، فلا حاجة لي في طعامك.

قال : (يَحْسَبُونَ) : أي المنافقون (الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ يَوَدُّوا) :

__________________

(١) في ب وع : «خشية ولا نية» ، وفي سح : «بغير حسبة ولا إخلاص» ، وفي ز : «بغير حسبة» ، وأثبتّ ما رأيته صوابا : «حسبة» ، أي : احتساب أجر العمل عند الله.

(٢) قوله تعالى : (أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ) وتفسيره ساقطان من ب وع ، فأثبتّهما من سح وز.

(٣) كذا في المخطوطات كلها : «السلق : الصياح» ، وفي مفردات الراغب الأصفهاني : «السلق بسط بقهر ، إمّا باليد أو باللسان». وقال أبو عبيدة في المجاز ، ج ٢ ص ١٣٥ : «أي : بالغوا في عيبكم ولائمتكم ، ومنه قولهم : خطيب مسلق ...» ، وقال الفرّاء في المعاني ، ج ٤ ص ٣٣٩ : «آذوكم بالكلام عند الآمن». وفي اللسان : «السلق : شدّة الصوت ... وسلقه يسلقه سلقا إذا أسمعه ما يكره فأكثر».

٣١٧

أي يودّ المنافقون (لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ) : يعني في البادية مع الأعراب ، أي : يودّون من الخوف لو أنّهم في البدو (يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ) : وهو كلام موصول ؛ وليس بهم في ذلك إلّا الخوف على أنفسهم وعيالهم وأموالهم ، لأنّهم مع المسلمين قد أقرّوا بدينهم ، وادّعوا ملّتهم ، وجاهدوا معهم أعداءهم ، وهم يتمنّون أن يظفر المشركون على المسلمين من غير أن تدخل عليهم في ذلك مضرّة.

قال : (وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ ما قاتَلُوا إِلَّا قَلِيلاً) (٢٠) : وذلك القليل إنّما يقاتل رياء وسمعة بلا حسبة ولا نيّة.

قوله : (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً) (٢١) : وهذا الذكر تطوّع ليس فيه وقت.

قال : (وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ) : يعنون الآية التي في سورة البقرة ، وقد فسّرناه قبل هذا الموضع (١). (وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ). قال الله : (وَما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً وَتَسْلِيماً) (٢٢) : (إِلَّا إِيماناً) ، أي : تصديقا (وَتَسْلِيماً) أي : لأمر الله.

وتفسير الكلبيّ أنّ الأحزاب لّما خرجوا من مكّة أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالخندق أن يحفر ، فقالوا : يا رسول الله ، وهل أتاك من خبر؟ فقال : نعم. فلمّا حفر الخندق وفرغ منه أتاهم الأحزاب. فلمّا رآهم المؤمنون قالوا : (هذا ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ ..). إلى آخر الآية.

قوله : (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ) : حيث بايعوه على أن لا يفرّوا ، وصدقوا في لقائهم العدوّ ، وذلك يوم أحد. (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ) : تفسير مجاهد : (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ) أي : عهده فقتل أو عاش (٢) (وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ) يوما فيه قتال فيقضي عهده ويقاتل [فيقتل أو يصدق في لقائه] (٣). وبعضهم يقول : (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ) أي : أجله ،

__________________

(١) يشير إلى الآية الكريمة : (أَمْ حَسِبْتُمْ ، أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ ..). إلى قوله : (أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ) الآية ٢١٤ من سورة البقرة. وانظر ما سلف قريبا في هذا الجزء ، تفسير الآيتين ١١ ـ ١٢ من هذه السورة (الأحزاب).

(٢) قال أبو عبيدة في المجاز ، ج ٢ ص ١٣٥ : (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ) أي : نذره الذي كان نحب ، أي : نذر. والنحب أيضا النفس ، أي : الموت ...».

(٣) زيادة من سح ، ورقة ١١٨.

٣١٨

يعني من قتل يومئذ : حمزة وأصحابه (وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ) أي : أجله. قال : (وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) (٢٣) : كما بدّل المنافقون.

قال : (لِيَجْزِيَ اللهُ الصَّادِقِينَ) : أي المؤمنين الذين صدقوا في قولهم وفعلهم. (بِصِدْقِهِمْ) : أي بإكمالهم فرض الله ووفائهم بما عاهدوا الله عليه ، أي : يجزيهم بذلك الجنّة.

قال : (وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ) : فيموتوا على نفاقهم فيعذّبهم ، فإنّه قد شاء عذابهم إذا ماتوا على نفاقهم فيعذّبهم. (أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) : أي يمنّ عليهم بالتوبة فيرجعوا عن نفاقهم ويتوبوا منه. (إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً) : أي لمن تاب منهم من نفاقه وكفره (رَحِيماً) (٢٤) : أي رحيما له إذ جعل له من نفاقه متابا ومرجعا.

قال : (وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً) : أي لم ينالوا من المسلمين غنيمة ولا ظفرا ؛ وظفرهم بالمسلمين عندهم ـ لو ظفروا ـ خير (١) (وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ) : أي بالريح والجنود التي أرسلها الله عليهم (وَكانَ اللهُ قَوِيًّا عَزِيزاً) (٢٥).

قال : (وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ) : أي عاونوهم (مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) : يعني قريظة والنضير (مِنْ صَياصِيهِمْ) : أي من حصونهم (وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً (٢٦) وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيارَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ). ذكروا أنّ رسول الله لّما حصر قريظة نزل عليه : انزلوا على حكم سعد بن معاذ في قول بعضهم.

ذكروا عن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ عن أبيه أنّ سعدا لم يحكم فيهم ، ولكنّ النبيّ عليه‌السلام أرسل إليه فجاء على حمار ، فقال : أشر عليّ فيهم. فقال : قد علمت أنّ الله أمرك فيهم بأمر فأنت فاعل ما أمرك به ، فقال : أشر عليّ فيهم. فقال : لو ولّيت أمرهم لقتلت مقاتلتهم ولسبيت ذراريهم ونساءهم ولقسمت أموالهم. فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : والذي نفسي بيده لقد أشرت عليّ فيهم بالذي أمرني الله به (٢).

__________________

(١) كذا في ب وع ، وفي سح ، وعبارة ز : «وكان ذلك عندهم خيرا لو نالوه».

(٢) أخرجه البخاريّ في المغازي ، باب مرجع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الأحزاب ومخرجه إلى بني قريظة ومحاصرته إيّاهم. عن عائشة من حديث روته ، ولفظه : «فأتاهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فنزلوا على حكمه فردّ الحكم إلى سعد». انظر تفاصيل ذلك في كتب السير والمغازي. انظر مثلا مغازي الواقديّ ، ج ٢ ص ٥١٠ ـ ٥١٢.

٣١٩

ذكروا عن عطيّة العوفيّ قال : كنت فيمن عرض على النبيّ عليه‌السلام يوم قريظة ، فمن نبتت عانته قتل ، ومن لم تنبت عانته ترك. فنظروا إليّ فإذا عانتي لم تنبت فتركت.

وأمّا النضير فإنّه لّما حصرهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقطع نخلهم ، فرأوا أنّه قد ذهب بعيشهم صالحوه على أن يجليهم إلى الشام. ذكروا عن نافع عن ابن عمر أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حرق نخل بني النضير [وهي البويرة] (١) وترك العجوة ، وهي التي قال فيها الشاعر :

وهان على سراة بني لؤي

حريق بالبويرة مستطير

وذكروا عن عكرمة أنّه قال : ما دون العجوة فهو لينة.

قال : (وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها) : أي خيبر (٢).

ذكروا عن أنس بن مالك قال : كنت رديف أبي طلحة يوم فتحنا خيبر ؛ وإنّ ساقي لتصيب ساق النبيّ عليه‌السلام ، وفخذي فخذه. فلمّا أشرفنا عليها قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : الله أكبر ، خربت خيبر ، إنّا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين (٣). فأخذناها عنوة.

ذكروا عن أنس بن مالك قال : صلّى بنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم غداة صبّحنا خيبر ، فقرأ بنا أقصر سورتين في القرآن ، ثمّ ركب. فلمّا أشرفنا عليها قالت اليهود : محمّد والله والخميس. قال : والخميس : الجيش. فأخذناها عنوة. قال : (وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً) (٢٧).

قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلاً (٢٨) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ

__________________

ولفظ ابن إسحاق حسبما رواه ابن هشام في السيرة ، ج ٣ ص ٢٤٠ ، والطبريّ في تفسيره ، ج ١ ص ١٥٣ : «لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة».

(١) زيادة من سح ، ورقة ١١٩. وسيأتي خبر إجلاء بني النضير مفصّلا في تفسير سورة الحشر إن شاء الله.

(٢) اختلف المفسّرون في هذه الأرض التي أشارت إليها الآية ، فقال بعضهم : إنّها خيبر ، وقيل : إنّها مكّة ، وقيل : إنّها أرض فارس والروم. ورجّح الطبريّ أنّ الآية عامّة في كلّ أرض يفتحها المسلمون ويورثهم الله إيّاها بعد أن أورثهم أرض بني قريظة والنضير وديارهم وأموالهم.

(٣) حديث متّفق عليه ، أخرجه البخاريّ في كتاب الأذان ، باب ما يحقن بالأذان من الدماء ، وفي باب غزوة خيبر ، وأخرجه مسلم في كتاب الجهاد والسير ، باب غزوة خيبر (رقم ١٣٦٥) كلاهما يرويه عن أنس.

٣٢٠