تفسير البيان - ج ٢

السيّد محمّد حسين الطباطبائي

تفسير البيان - ج ٢

المؤلف:

السيّد محمّد حسين الطباطبائي


المحقق: أصغر إرادتي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار التعارف للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٤٨

سبحانه ؛ وقد مرّ شطر من الكلام عليه في ذيل قوله تعالى : (الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ). (١)

وقوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ : «ولو لا أنّكم تذنبون ...» إلى آخره ، إشارة إلى سرّ القدر وحقيقته ، وهو انسحاب حكم الأسماء إلى مرتبة الأفعال وجزئيّات الحوادث بحسب ما عندها من المفاهيم. وسيجيء شرح الحال فيه في ذيل قوله تعالى : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ ...) (٢) وقوله : (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ ...) (٣) وغيرهما.

وقوله : «أما سمعت قول الله ـ عزوجل ـ ..» إلى آخره ، من كلام أبي جعفر ـ عليه‌السلام ـ والخطاب لحمران ، وهو تفسير التوبة والتطهّر بالرجوع إلى الله من المعاصي ، وإزالة قذارات الذنوب عن النفس.

وهذا من استفادة مراتب الحكم من حكم بعض المراتب ، نظير ما ورد في قوله تعالى : (لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) (٤) فاستدلّ به على أنّ علم الكتاب عند المطهّرين من أهل البيت ، وعلى حرمة مسّ كتابة القرآن على غير طهارة.

فكما أنّ الخلقة تتنزّل آخذة من الخزائن التي عند الله تعالى حتّى تنتهي إلى عالم المقادير ، على ما قال تعالى : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) ، (٥) فكذلك أحكام المقادير لا تتنزّل إلّا بعد المرور من منازل الحقائق ، فافهم ذلك.

__________________

(١). البقرة (٢) : ١٥٦.

(٢). الحجر (١٥) : ٢١.

(٣). القمر (٥٤) : ٤٩.

(٤). الواقعة (٥٦) : ٧٩.

(٥). الحجر (١٥) : ٢١.

٦١

وسيجيء بعض الكلام فيه في قوله : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ). (١)

ومن هنا تستأنس : أنّ المراد بالتوبة في الآية ، على ظاهر التنزيل في التوبة والتطهّر معا هو الغسل بالماء ، فهو إرجاع البدن إلى الله سبحانه بإزالة القذر عنه.

ويظهر أيضا : معنى ما تقدّم عن تفسير القمّي من الرواية : «أنزل الله على إبراهيم ـ عليه‌السلام ـ الحنيفيّة ، وهي الطهارة ، وهي عشرة أشياء : خمسة في الرأس وخمسة في البدن ؛ فأمّا التي في الرأس : فأخذ الشارب وإعفاء اللّحى وطمّ الشعر والسواك والخلال ، وأمّا التي في البدن : فأخذ (٢) الشعر من البدن والختان وقلم (٣) الأظفار والغسل من الجنابة والطهور بالماء ، وهي (٤) الحنيفيّة الطاهرة التي جاء بها إبراهيم ـ عليه‌السلام ـ ، فلم تنسخ ولا تنسخ (٥) إلى يوم القيامة ...» (٦) الحديث.

والأخبار في كون هذه الامور من الطهارة كثيرة. (٧)

*

__________________

(١). آل عمران (٣) : ٧.

(٢). في المصدر : «فحلق»

(٣). في المصدر : «وتقليم»

(٤). في المصدر : «هو»

(٥). في المصدر : ـ «ولا تنسخ»

(٦). تفسير القمّي ١ : ٥٨.

(٧). سعد السعود : ٨٣ ؛ بحار الأنوار ١٢ : ٥٦.

٦٢

[نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (٢٢٣) وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٢٤) لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (٢٢٥)]

قوله سبحانه : (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ)

في تفسير العيّاشي عن الرضا ـ عليه‌السلام ـ في حديث قال ـ عليه‌السلام ـ : إنّ اليهود كانت تقول : إذا أتى الرجل من خلفها خرج ولده أحول ، فأنزل الله : (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) يعني من خلف أو قدّام ؛ خلافا لقول اليهود في أدبارهنّ». (١)

وفيه عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ في الآية ، فقال : «من قدّامها ومن خلفها في القبل». (٢)

__________________

(١). تفسير العيّاشي ١ : ١١١ ، الحديث : ٣٣٣.

(٢). تفسير العيّاشي ١ : ١١١ ، الحديث : ٣٣٢.

٦٣

أقول : وأخذ لفظ «الحرث» في كلامه تعالى يفيد ذلك ؛ فالآية لا تدلّ على أزيد من التوسعة في كيفيّة الإتيان ، دون محلّه ، وإن لم يكن محرّما لدليل آخر.

وعلى ما ذكر ينزّل معنى ما في تفسير العيّاشي أيضا عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ في إتيان النساء في أعجازهنّ ، قال : «لا بأس ، ثمّ تلا هذه الآية : (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ)». (١)

وفيه أيضا عن الباقر ـ عليه‌السلام ـ في الآية : «إنّما معنى (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) أي ساعة شئتم». (٢)

قوله سبحانه : (وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا ...)

فلانة عرضة للنكاح : إذا كانت قويّة عليه مطيقة له ، وفرس عرضة للركوب» كذلك.

وقوله تعالى : (أَنْ تَبَرُّوا) يمكن أن يتعلّق بقوله : (وَلا تَجْعَلُوا) فيكون المعنى : لا تحلفوا بالله كثيرا حتّى تكونوا بارّين متّقين مصلحين بين الناس ، فالمقدام على الحلف المكثار له يسقط عن أعين الناس ، ويمكن أن يتعلّق ب : (أَيْمانِكُمْ) من دون تقدير «لا» ؛ أي : لا تحلفوا للإصلاح ، أو مع تقديره ؛ أي : لا تحلفوا على ما ينافي البرّ والتقوى والإصلاح.

وقد وردت الروايات في تفسير الآية على جميع التقادير.

ففي تفسير العيّاشي عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ في الآية قال : «هو قول الرجل : لا والله وبلى والله». (٣)

__________________

(١). تفسير العيّاشي ١ : ١١٠ ، الحديث : ٣٣٠.

(٢). تفسير العيّاشي ١ : ١١١ ، الحديث : ٣٣٥.

(٣). تفسير العيّاشي ١ : ١١١ ، الحديث : ٣٣٧.

٦٤

وفيه عن الباقر والصادق ـ عليهما‌السلام ـ قالا : «هو الرجل يصلح بين الرجلين ، فيحمل ما بينهما من الإثم». (١)

وفي الكافي عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ في الآية ، قال : «إذا دعيت لتصلح بين اثنين فلا تقل : عليّ يمين أن لا أفعل». (٢)

وقريب من الرواية ما في تفسير العيّاشي عن الباقر والصادق ـ عليهما‌السلام ـ في الآية : «يعني الرجل يحلف أن لا يكلّم أخاه وما أشبه ذلك ، أو لا يكلّم امّه». (٣)

قوله سبحانه : (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ ...)

في الكافي عن مسعدة عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ قال : «اللغو : قول الرجل : لا والله وبلى والله ، ولا يعقد على شيء». (٤)

أقول : وروي مثله عنه ـ عليه‌السلام ـ من غير الطريق. (٥)

وفي المجمع عنه وعن الباقر ـ عليهما‌السلام ـ مثله. (٦)

وقوله ـ عليه‌السلام ـ : «ولا يعقد ...» إلى آخره ، مستفاد من قوله تعالى : (بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ) ثمّ استدراكه تعالى بقوله : (وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ). وفي التذييل باسم «الحليم» إشعار بالكراهة ؛ لما فيه من الاستخفاف.

__________________

(١). تفسير العيّاشي ١ : ١١٢ ، الحديث : ٣٣٨.

(٢). الكافي ٢ : ٢١٠ ، الحديث : ٦.

(٣). تفسير العيّاشي ١ : ١١٢ ، الحديث : ٣٣٩.

(٤). الكافي ٧ : ٤٤٣ ، الحديث : ١.

(٥). عوالي اللآلي ٢ : ١٢٤ ، الحديث : ٣٤١.

(٦). مجمع البيان ٢ : ٩٣.

٦٥

[لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٢٦) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٢٧) وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٢٨)]

قوله سبحانه : (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ...)

في الكافي عن الباقر والصادق ـ عليهما‌السلام ـ أنّهما قالا : «إذا آلى الرجل أن لا يقرب امرأته فليس لها قول ولا حقّ في الأربعة الأشهر ، ولا إثم عليه في كفّه عنها في الأربعة الأشهر ، فإن مضت الأربعة الأشهر قبل أن يمسّها فما سكتت (١) ورضيت فهو في حلّ وسعة ، فإن رفعت أمرها قيل له : إمّا أن تفيء فتمسّها ، وإمّا أن تطلّق ، وعزم الطلاق أن يخلّي عنها ، فإذا حاضت وطهرت طلّقها ، وهو أحقّ

__________________

(١). في المصدر : «فسكتت»

٦٦

برجعتها ما لم يمض ثلاثة قروء ، فهذا الإيلاء الذي أنزل (١) الله تبارك وتعالى في كتابه وسنّة رسوله (٢)». (٣)

وفيه عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ في حديث : «والإيلاء أن يقول : والله لا اجامعك كذا وكذا ، أو يقول : والله لاغيضنّك ثمّ يغاظها ...» (٤) الحديث.

أقول : والأخبار فيه كثيرة. (٥)

قوله سبحانه : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ)

القرء ـ على ما نصّ عليه اللغويّون ـ من الأضداد ؛ يطلق على الحيض وعلى الطهر.

وقوله : (يَتَرَبَّصْنَ) ـ وهو الانتظار وحبس النفس عن الرجال ـ موضوع بدل العدّة ، كما في قوله : (فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ) (٦) للإشعار بحكمة الحبل والحكم ؛ وهي انتظار المرأة للنكاح بحبس نفسها لئلّا يختلط الماءان.

وهذا هو الوجه في تقييد (يَتَرَبَّصْنَ) ب : (أنفسهن) وذلك أنّ أنفس النساء ـ كما قيل ـ طوامح إلى الرجال ، فامرن أن يقمعن أنفسهنّ ويغلبنها على الطموح ، ويجبرنها على التربّص ، ففي ذكر (أنفسهن) تهييج لهنّ على التربّص وزيادة بعث ، وهذا إنّما يلائم الطهر دون الحيض ؛ فإنّ المرأة إنّما تجبر نفسها

__________________

(١). في المصدر : «أنزله»

(٢). في المصدر : «رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ»

(٣). الكافي ٦ : ١٣١ ، الحديث : ٤.

(٤). الكافي ٦ : ١٣١ ، الحديث : ٣.

(٥). تهذيب الأحكام ٨ : ٢ ، الحديث : ٢ ؛ الاستبصار ٣ : ٢٥٣ ، الحديث : ٢ ؛ تفسير العيّاشي ١ : ١١٣ ، الحديث : ٣٤٢.

(٦). الطلاق (٦٥) : ٤.

٦٧

على التربّص وتحبسها عن النكاح في الطهر ، وأمّا الحيض فلا سبيل لها إلى الرجال فيه ، وقد سدّ الله سبحانه فيه السبيل إذ قال تعالى : (فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ) (١) فقوله : (يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَ) قرينة على أنّ المراد ب : «القرء» الطهر دون الحيض.

ومن هنا يندفع ما قيل : إنّ المراد ب : «القرء» الحيض دون الطهر ، مستندا إلى قوله ـ عليه‌السلام : «دعي الصلاة (٢) أيّام أقرائك» وقوله تعالى : (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ ... فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ) (٣) فأقام الثلاثة أشهر مقام الحيض دون الطهر ، وإلى أنّ الغرض الأصيل من العدّة استبراء الرحم ، وهو إنّما يحصل بالحيض دون الطهر ، انتهى ملخّصا ، هذا.

وممّا مرّ يظهر معنى الروايات الواردة في الباب :

ففي تفسير العيّاشي عن زرارة ، قال : «سمعت ربيعة الرأي ، وهو يقول : إنّ من رأيي أنّ الأقراء التي سمّى الله في القرآن إنّما هي الطهر فيما بين الحيضتين ، وليس بالحيض ، قال : فدخلت على أبي جعفر ـ عليه‌السلام ـ فحدّثته بما قال ربيعة ، فقال : كذب ولم يقل برأيه ، إنّما بلغه عن عليّ ـ عليه‌السلام ـ.

فقلت : أصلحك الله! أكان عليّ يقول ذلك؟ قال : نعم ، كان يقول : إنّما القرء

__________________

(١). البقرة (٢) : ٢٢٢.

(٢). أمّا قوله «دعي الصلاة ...» إلى آخره ، ففيه قرينة على إرادة الحيض ، وهي الصلاة. وأمّا الآية : (وَاللَّائِي يَئِسْنَ ...) الى آخره ، فلم يقم الثلاثة أشهر مقام الحيضات ، وإنّما هو نصب الثلاثة عدّة فقط ، وأمّا أنّ الغرض الأصيل ـ وهو الاستبراء ـ إنّما يحصل بالحيض دون الطهر فهو حقّ ، لكنّه غير مفيد للمستدلّ ؛ إذ القائل بالأطهار إنّما يقول بخروج العدّة بتحقّق الحيضة الثالثة وطلوعها ، فالغرض محفوظ على أيّ حال. [منه ـ رحمه‌الله ـ].

(٣). الطلاق (٦٥) : ٤.

٦٨

الطهر ، يقرأ (١) فيه الدم فيجمعه ، فإذا جاءت دفعته. (٢) قلت : أصلحك الله! رجل طلّق امرأته طاهرا من غير جماع بشهادة عدلين ، قال : إذا دخلت في الحيضة الثالثة فقد انقضت عدّتها وحلّت للأزواج ...» (٣) الحديث.

أقول : والروايات في هذا المعنى كثيرة ، (٤) وقد عرفت دلالة الآية على ذلك ، وفيها إشارة إلى المعنى الأصيل في مادّة القرء : وهو ضمّ الأجزاء بعضها إلى بعض وجمعها وعملها.

قوله سبحانه : (وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ...)

في المجمع عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ : «الحبل والحيض». (٥)

وفي تفسير القمّي : «وقد فوّض الله إلى النساء ثلاثة أشياء : الطهر والحيض والحبل». (٦)

أقول : وفي معناهما وما يقرب منه أخبار اخر.

قوله سبحانه : (وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ)

في تفسير القمّي قال : قال ـ عليه‌السلام ـ : «حقّ الرجال على النساء أفضل من

__________________

(١). في المصدر : «تقرأ»

(٢). في المصدر : «حاضت قذفته»

(٣). تفسير العيّاشي ١ : ١١٤ ، الحديث : ٣٥١.

(٤). الكافي ٦ : ٨٩ ، الحديث : ١ ؛ تهذيب الأحكام ٨ : ١٢٣ ، الحديث : ٢٨ ؛ الاستبصار ٣ : ٣٢٧ ، الحديث : ٤.

(٥). مجمع البيان ٢ : ٩٩.

(٦). تفسير القمّي ١ : ٧٤.

٦٩

حقّ النساء على الرجال». (١)

أقول : هذه الأفضليّة لا تنافي المماثلة بين الحقّين ، فالحقّان إذا لوحظا في نفسهما كان حقّ الرجال أفضل ، وإذا لوحظا من حيث درجة الرجال عليهنّ بانت الموازنة والمماثلة بينهما ؛ فإنّ العدل أن يجعل لكلّ من القويّ والضعيف ، والفاضل والمفضول من الحقّ ما يوازن درجته ، فيعتدل الأمر ولا يجار في الحكم ؛ ولذلك قيّد إطلاق قوله : (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) بقوله : (وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) ، ليعلم كيفيّة المثليّة.

*

__________________

(١). تفسير القمّي ١ : ٧٤.

٧٠

[الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَنْ يَخافا أَلاَّ يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَعْتَدُوها وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٢٢٩) فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ يُبَيِّنُها لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٢٣٠) وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللهِ هُزُواً وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٢٣١) وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكُمْ أَزْكى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٢٣٢)]

٧١

قوله سبحانه : (أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ ...)

في التهذيب عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ : «التطليقة الثالثة تسريح بإحسان». (١)

قوله سبحانه : (إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ)

في الفقيه عن الباقر ـ عليه‌السلام ـ قال : «إذا قالت المرأة لزوجها جملة : لا اطيع لك أمرا ـ مفسّرة أو غير مفسّرة ـ حلّ له أن يأخذ (٢) منها ، وليس له عليها رجعة». (٣)

أقول : والأخبار في الخلع والمباراة كثيرة لا حاجة إلى إيرادها.

قوله سبحانه : (حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ ...)

في الكافي عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ : «عن رجل طلّق امرأته طلاقا لا تحلّ له حتّى تنكح زوجا غيره ، فتزوّجها عبد ثمّ طلّقها ، هل يهدم الطلاق؟ قال : نعم لقول الله ـ عزوجل ـ في كتابه : (حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ) (٤)». (٥)

وفي التهذيب عن محمّد بن مضارب ، قال سألت الرضا ـ عليه‌السلام ـ عن الخصيّ يحلّل؟ قال : «لا يحلّل». (٦)

وفيه عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ : عن تزويج المتعة أيحلّل؟ قال : «لا ؛ لأنّ الله يقول : (فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ ... حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَها

__________________

(١). تهذيب الأحكام ٨ : ٢٥ ، الحديث : ١.

(٢). في المصدر : «ما أخذ»

(٣). من لا يحضره الفقيه ٣ : ٥٢٣ ، الحديث : ٤٨٢٣.

(٤). في المصدر : + «وقال : هو أحد الأزواج»

(٥). الكافي ٥ : ٤٢٥ ، الحديث : ٣.

(٦). تهذيب الأحكام ٧ : ٤٧٥ ، الحديث : ١١٧٠.

٧٢

فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا) (١) والمتعة ليس فيه (٢) طلاق». (٣)

أقول : والأخبار هاهنا ـ على وفق الآية ـ كثيرة. (٤)

قوله سبحانه : (وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ...)

في الفقيه عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ في الآية ، قال : «الرجل يطلّق حتّى إذا كاد أن يخلو أجلها راجعها ، ثمّ طلّقها ؛ يفعل ذلك ثلاث مرّات (٥)» (٦).

أقول : قوله تعالى : (فَأَمْسِكُوهُنَ) هو القرينة على إرادة اقتراب الأجل من بلوغه.

وفيه عنه ـ عليه‌السلام ـ قال : «لا ينبغي للرجل أن يطلّق امرأته ، ثمّ يراجعها وليس له فيها حاجة ، ثمّ يطلّقها ، فهذا الضرار الذي نهى الله عنه ، إلّا أن يطلّق ثمّ يراجع وهو ينوي الإمساك». (٧)

أقول : والأخبار فيه كثيرة. (٨)

قوله سبحانه : (وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللهِ هُزُواً)

هذه التذييلات في هذه الأحكام أحكام الطلاق ـ كقوله تعالى : (تِلْكَ حُدُودُ

__________________

(١). في المصدر : ـ «فلا جنا الحديث : عليهما أن يتراجعا»

(٢). في المصدر : «فيها»

(٣). تهذيب الأحكام ٨ : ٣٤ ، الحديث : ٢٢.

(٤). الاستبصار ٣ : ٢٧٥ ، الحديث : ٢٠ ؛ تفسير العيّاشي ١ : ١١٨ ، الحديث : ٣٧١.

(٥). في المصدر : + «فنهى الله ـ عزوجل ـ عن ذلك».

(٦). من لا يحضره الفقيه ٣ : ٥٠١ ، الحديث : ٤٧٦١.

(٧). من لا يحضره الفقيه ٣ : ٥٠١ ، الحديث : ٤٧٦٢.

(٨). وسائل الشيعة ٢٢ : ١٧١ ، الحديث : ٢٨٣٠٩.

٧٣

اللهِ فَلا تَعْتَدُوها) وقوله : (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) وغير ذلك ـ مشعرة بأنّ جملة الحكمة في الحكم وتحديده هو عدم الاستخفاف بعلقة الزوجيّة ، كما في الفقيه عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ في العلّة التي من أجلها لا تحلّ المطلّقة للعدّة لزوجها حتّى تنكح زوجا غيره ، فقال ـ عليه‌السلام ـ : إنّ الله ـ عزوجل ـ إنّما أذن في الطلاق مرّتين ، فقال : (الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ) يعني في التطليقة الثالثة ، ولدخوله فيما كره الله ـ عزوجل ـ (١) من الطلاق الذي (٢) حرّمها عليه ، فلا تحلّ له حتّى تنكح زوجا غيره ؛ لئلّا يوقع الناس في الاستخفاف بالطلاق ، ولا تضارّ (٣) النساء ...» (٤) الحديث.

*

__________________

(١). في المصدر : + «له»

(٢). في المصدر : «الثالث».

(٣). في المصدر : «لا تضاروا»

(٤). من لا يحضره الفقيه ٣ : ٥٠٢ ، الحديث : ٤٧٦٤.

٧٤

[وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَها لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ فَإِنْ أَرادا فِصالاً عَنْ تَراضٍ مِنْهُما وَتَشاوُرٍ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِذا سَلَّمْتُمْ ما آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٢٣٣)]

قوله سبحانه : (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ ...)

في تفسير العيّاشي عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ قال : «(وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ) قال : ما دام الولد في الرضاع فهو بين الأبوين بالسويّة ، فإذا فطم فالوالد (١) (٢) أحقّ به من العصبة ، وإن وجد الأب من يرضعه بأربعة دراهم ؛ وقالت الامّ : لا ارضعه إلّا بخمسة دراهم ، فإنّ له أن ينزعه منها ،

__________________

(١). في المصدر : «فالأب»

(٢). في المصدر : + «أحقّ من الامّ فإذا مات الأب فالامّ»

٧٥

إلّا أنّ ذلك أجبر (١) له وأقدم وأرفق به أن يترك مع امّه». (٢)

وعنه ـ عليه‌السلام ـ في قوله : (لا تُضَارَّ) قال : «كانت المرأة ممّن ترفع يدها إلى الرجل إذا أراد مجامعتها ، فتقول : لا أدعك ؛ إنّي أخاف أن أحمل على ولدي ، ويقول الرجل للمرأة : لا اجامعك ؛ إنّي أخاف أن تعلقي فأقتل ولدي ، فنهى الله عن أن يضارّ الرجل المرأة والمرأة الرجل». (٣)

وعن أحدهما ـ عليهما‌السلام ـ في قوله : (وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ) قال : «هو في النفقة ، على الوارث مثل ما على الوالد» (٤).

وعن الصادق ـ عليه‌السلام ـ في الآية ، قال : «لا ينبغي للوارث أيضا (٥) أن يضارّ المرأة ، فيقول : لا أدع ولدها يأتيها ، ويضارّ ولدها إن كان لهم عنده شيء ، ولا ينبغي له أن يقتر عليه» (٦).

وعن حمّاد عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ قال : «لا رضاع بعد فطام ، قال : قلت له : جعلت فداك ، وما الفطام؟ قال : الحولين (٧) الذي قال الله ـ عزوجل ـ». (٨)

أقول : والروايات في هذه المعاني كثيرة ، (٩) والجميع يحوم حول ظاهر الآية.

__________________

(١). في المصدر : «أخير [أجبر أجير]»

(٢). تفسير العيّاشي ١ : ١٢٠ ، الحديث : ٣٨٠.

(٣). تفسير العيّاشي ١ : ١٢٠ ، الحديث : ٣٨٢.

(٤). تفسير العيّاشي ١ : ١٢١ ، الحديث : ٣٨٣.

(٥). في المصدر : ـ «أيضا»

(٦). تفسير العيّاشي ١ : ١٢١ ، الحديث : ٣٨٤.

(٧). في المصدر : «الحولان»

(٨). الكافي ٥ : ٤٤٣ ، الحديث : ٣.

(٩). تهذيب الأحكام ٧ : ٣١٨ ، الحديث : ٢١ ؛ الاستبصار ٣ : ١٩٨ ، الحديث : ٢١ ؛ وسائل الشيعة ٢٠ : ٣٨٥ ، الحديث : ٢٥٨٩٤.

٧٦

وقوله : (بالمعروف) وقوله : (لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَها)

للإشارة إلى ملاك الحكم ، وهو ظاهر.

كما أنّ قوله : (الْمَوْلُودِ لَهُ) ـ من غير أن يعبّر ب «الوالد» ـ للإشارة إلى ذلك أيضا.

فإنّ الولادة إذا كانت للأب فالوظائف المتعلّقة بها متعلّقة به دون الامّ ، ومنها كسوة المرضع ونفقتها.

وقد قيل : إنّ التعبير بالمولود له دون الوالد ؛ للإشارة إلى أنّ الولد ولد الأب للنسب دون الامّ ، وأنشد قول المأمون :

وإنّما امّهات الناس أوعية

مستودعات وللأحساب آباء

وهذا القائل كأنّه ذهل عن صدر الآية وذيلها ، إذ يقول : (أَوْلادَهُنَ) ، ويقول : (بِوَلَدِها) والإضافة لاميّة ، ولم يبيّن في استدلاله أزيد ممّا يفيده اللام في قوله : (الْمَوْلُودِ لَهُ) ونسي أيضا آية التحريم ، وآية المباهلة وغيرهما. وأمّا كلام المأمون فأخفض سطحا من أن يؤيّد أو ينظّر بأمثاله كلام الله سبحانه.

*

٧٧

[وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٢٣٤) وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاَّ أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (٢٣٥) لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (٢٣٦) وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ إِلاَّ أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٢٣٧)]

قوله سبحانه : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً ...)

٧٨

في العيون عن الرضا ـ عليه‌السلام ـ : «أوجب عليها إذا اصيبت بزوجها وتوفّي عنها بمثل ما أوجب عليها في حياته إذا آلى منها ، وعلم أنّ غاية صبر المرأة أربعة أشهر في ترك الجماع ، فمن ثمّ أوجب عليها (١)». (٢)

وفي التهذيب عن الباقر ـ عليه‌السلام ـ : «كلّ النكاح إذا مات الزوج فعلى المرأة حرّة كانت أو أمة ، وعلى أيّ وجه كان النكاح منه ـ متعة أو تزويجا أو ملك يمين ـ فالعدّة أربعة أشهر وعشرا». (٣)

أقول : وفي معناها روايات اخر ، (٤) وهاهنا من الروايات ما تعارضها ، والعلاج في محلّه.

قوله سبحانه : (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ ...)

في تفسير العيّاشي عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ في الآية : «المرأة في عدّتها تقول لها قولا جميلا ترغّبها في نفسك ، ولا تقول : إنّي أصنع كذا وأصنع كذا القبيح من الأمر في البضع ، وكلّ أمر قبيح». (٥)

وفي رواية اخرى : «تقول لها وهي في عدّتها : يا هذه لا احبّ (٦) إلّا ما أسرّك ، ولو قد مضى عدّتك لا تفوتيني (٧) إن شاء الله ولا تستبقي (٨) بنفسك

__________________

(١). في المصدر : + «ولها»

(٢). علل الشرائع ٢ : ٥٠٧ ، الحديث : ١.

(٣). تهذيب الأحكام ٨ : ١٥٧ ، الحديث : ١٤٤.

(٤). الاستبصار ٣ : ٣٥٠ ، الحديث : ٢ ؛ عوالي اللآلي ٣ : ٣٤٥ ، الحديث : ٢٧٣.

(٥). تفسير العيّاشي ١ : ١٢٣ ، الحديث : ٣٩٤.

(٦). في المصدر : «ما احبّ»

(٧). في المصدر : ـ «لا تفوتني»

(٨). في المصدر : «فلا تسبقني»

٧٩

وهذا كلّه من غير أن يعزموا عقدة النكاح». (١)

أقول : ومثلها روايات اخر في معناها.

والمراد ب : (الْكِتابُ) المكتوب من العدّة.

قوله سبحانه : (لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ...)

في تفسير العيّاشي عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ ، قال : «إذا طلّق الرجل امرأته قبل أن يدخل بها فلها نصف مهرها ، وإن لم يكن سمّى لها مهرا فمتاع بالمعروف ، على الموسع قدره وعلى المقتر قدره ، وليس لها عدّة ، وتزوّج من شاءت من ساعتها». (٢)

وفي الكافي عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ : «في رجل طلّق امرأته قبل أن يدخل بها ، قال : عليه نصف المهر إن كان فرض لها شيئا ، وإن لم يكن فرض لها فليمتّعها على نحو ما يمتّع (٣) مثلها من النساء». (٤)

أقول : وهو تفسير «المتاع بالمعروف».

وفي الكافي والتهذيب وتفسير العيّاشي وغيرها ، عن الباقر والصادق ـ عليه‌السلام ـ في قوله تعالى : (الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ) قالا : «هو الوليّ». (٥)

أقول : والروايات في هذه المعاني كثيرة. (٦)

__________________

(١). تفسير العيّاشي ١ : ١٢٣ ، الحديث : ٣٩٥.

(٢). تفسير العيّاشي ١ : ١٢٤ ، الحديث : ٣٩٧.

(٣). في المصدر : + «به»

(٤). الكافي ٦ : ١٠٨ ، الحديث : ١١.

(٥). الكافي ٦ : ١٠٦ ، الحديث : ٣٩٢ ؛ تهذيب الأحكام ٧ : ٣٩٢ ، الحديث : ٤٨ ؛ تفسير العيّاشي ١ : ١٢٠ ، الحديث : ٤٠٥.

(٦). تهذيب الأحكام ٨ : ١٤٢ ، الحديث : ٩٢ ؛ من لا يحضره الفقيه ٣ : ٥٠٦ ، الحديث : ٤٧٧٨ ؛ تفسير القمّي ١ : ٧٧ ؛ وسائل الشيعة ٢١ : ٣١٥ ، الحديث : ٢٧١٧٢.

٨٠